الأربعاء، 28 أغسطس 2013

أزمة مصر: المقاربات و الإشكاليات

الحمد لله، ناصر المستضعفين، وقاصم الطواغيت الظالمين، والصلاة والسلام على نبي الرحمة والملحمة
الضَّحُوك القَتَّال، وعلى أصحابه وآله رهبان الليل فرسان النهار.

أما بعدُ:

فإنّ الأزمة المصرية شغلت الشأن العام، وقد تحدث فيها أهل العلم الشرعي، وسائر المختصين كالمحللين السياسيين وكتاب الرأي والمفكرين والصحفيين وغيرهم، وانتشرت أخبارها في الفيس بوك وتويتر وتداول الناس مقاطع الفيديو الخاصة بها في الواتس أب.

وقد نقلتُ أشهر الحلول المطروحة في هذا المقال. وليس من هدفي الترجيح والاختيار؛ إذ إن المأزق العقدي والسياسي أكبر من الحلول الاختزالية الناجزة تبعا لعلائق القضية التي لم تعد شأنا خاصا بالمصريين، وإنما تحولت الأرض المصرية إلى حَلبة للصراع تديره قوى خارجية كبرى.

كما أن كل واحد من الحلول عليه إيرادات تجعل التوصّل للحل القاطع بعيد المنال؛ إذ ليس في الإمكان وضع السكين على مفصل المُشكل بشكل حاسم .

٭ الحــل الأول:

مواجهة الانقلاب بالسلاح؛ فما أخذ بالقوة لا يعود إلا بالقوة، بحيث يتم إعلان النفير العام؛ ذودا عن الإسلام الذي يراد تعطيله وإبعاده من أرض الكنانة التي هي عَيْبة الإسلام ومعقله.

- ويرد على هذا الحل:

أن يقال: إما أن يكون هذا على أساس أنّ حمل السلاح جهادٌ شرعي، ولا يمكن أن يكون كذلك إجماعًا؛ لأنّ الجهاد لا يكون بين المسلمين؛ لأن أفراد الجيش والشرطة مسلمون.

وإما أن يكون كقتال الطائفة الممتنعة عن إقامة بعض الشرائع مع رد البغي و الظلم، وهذا مشروط بالقدرة، والقدرة منتفية، مع سائر المفاسد الأخرى؛ إذ إن مصر ستتحول إلى سوريا أخرى، وإذا كانت المظاهرات السلمية ستسيل فيها الدماء؛ فان الدماء في الحل المسلح ستنزف في كل شارع وفي كل بيت وستتحول مصر إلى شلالات دماء!!

كما أن هذا الحل سيعيد جماعات العنف القتالية، وستظهر الحلول السحرية السريعة، مع ما يصحب هذا من خلاف بين القتاليِّين كما هي العادة، وسيتعطل الأمن، وتسود الفوضى، ويتخلف الاقتصاد، وسيستسهل الناس القتل لأدنى تهمة بحيث تقتل النفوس المعصومة وستتفشى السرقة والنهب وضياع الحقوق!

وهذا أضعف الحلول ومفاسده كثيرة

٭ الحــل الثاني:

أن يتم تشجيع ضباط الجيش الشرفاء على القيام بانقلاب داخلي على هذا الانقلاب، يعيد الشرعية إلى مكانها، وتشجيعهم يكون بإثارة النخوة في نفوسهم حيث إنهم إنما وُضعوا في الجيش؛ لحماية دينهم وأهلهم وأبناء وطنهم، كما أنّ رضاهم بهذا الوضع يعني تحويل الجيش من حماية المصريين إلى حماية أعداء المصريين وتحقيق مصالح اليهود وغيرهم .

- ويرد على هذا الحل:

أن النظام السابق قد نجح في زرع أزلامه من الضباط في مفاصل القيادات المؤثرة داخل الجيش وخارجه، وأشركهم في الفساد؛ بحيث لا يفكر أي واحد منهم في إعادة الشرعية؛ إذ إن إعادته تعني كشف فساده ومحاكمته وقتله؛ فهو يستميت للحفاظ على نفسه، والحفاظ على سائر العصابة؛ لأن بقاءها يعني بقاءه!!

كما أن هذا الحل يفترض وجود كفاءات عسكرية نزيهة يمكن أن تدير الجيش علمًا ان الإخوان المسلمين لم يتمكن أحد منهم من الترقي في الجيش قديما؛ مما يعني أنهم لا يمتلكون أي قيادات ستحقق هذا الحل!

٭ الحـل الثالـث:

ويرى أصحابه أن ما قام به السيسي ومعاونوه إنّما هو الحل؛ لا أنه أزمة تحتاج الى حل!!
والصراع في مصر إنما هو صراع سياسي، لا صراعٌ بين الكفر والإيمان!

وعليه؛ فهو انقلاب أنقذ البلد من فاشيَّة الإخوان، وحِزبيّتهم؛ حيث إنّ تسنّمهم السلطة لن يُحقق أي مكاسب للإسلام؛ لأن الإخوان متعاطفون مع الرافضة ويعتبرونهم مذهبا خامسا  كالمذاهب الأربعة السنية: الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي!!

وهذا سيعيد الترفض لمصر بشكل رسمي تحت غطاء شرعي، كما أن الاخوان لا رغبة لديهم في تطبيق الإسلام، وتحكيم الشريعة، كما أنّ حزبيتهم جعلتهم يقومون بأَخْونة الدولة ومنع أي اسلامي آخر من المشاركة.

ويستدلون على هذا بتونس؛ فحين تمكن فيها الإخوان، قاموا بفتح المجال للرافضة، ومنع السلفيين من الدعوة، حتى إنهم يضيقون على السلفيين التونسيين و يردون السلفيين الاخرين من المطارات، ويسمحون للرافضة، كما لم يقوموا بتطبيق الشريعة في الشأن العام مع الرضى بكثير من المضامين العلمانية مع إمكانية تصحيحها، ويذهب إلى بعض هذا التوصيف المفكر العملاق جمال سلطان وغيره.

ويَرِد عليه:

أنّ هذا تكهن لا يستند إلى أدلة موضوعية، و الإخوان ليسوا طيفا واحدا؛ فإخوان مصر يختلفون عن إخوان تونس؛ لقربهم إلى السنة أكثر.
كما أن وجود الأزهر بما فيه من علماء أجلاء من جهة، ووجود أهل الحديث كالحويني والعدوي والمقدم وحسان و يعقوب وغيرهم من جهة أخرى، سيمنع من تفشي الرافضة.
وينضم إلى ذلك ما عرف من تدين أهل مصر وحبهم للصحابة-رضي الله عنهم-.

كما أن الذين باركوا الانقلاب ركزوا نقدهم على حكومة الإخوان، مع صمت مُطبق ومريب عن أخطاء العسكر، وتجاوزات العلمانيين!!

فحين يُسأل أحدهم: هل العسكر والعلمانيون والنصارى هم البديل الأفضل عن الإخوان؟! يهربون من مواجهة هذا السؤال المشروع!

٭ الحل الرابع:

أن يخرج الناس في مظاهرات سلمية، لا يحملون السلاح، ولا يستعملون القوة المادية القتالية، ولا يزال خروجهم حتى يتحول ضغط الجماهير الى تسونامي عارم يضغط سياسيا لعودة الشرعية!

وهذا الحل هو أشهر الحلول في الوقت الراهن، وأكثر الناس على ترديده والحث عليه.

- ويَرِد على هذا الحل:

أن الجماهير لن يخرجوا بالأعداد الكافية؛ إذ إنّ الثمانين مليونًا من سكان مصر لم يخرج منهم إلا بضعة آلاف، وعدم خروج الناس سيخذل الذين خرجوا ويفت في عضدهم

كما أن في هذا تعريضًا للمتظاهرين للقتل والحرق والإبادة، وإذا كانت الجماهير لا تسير إلا خلف مفكريها وقادتها، وخروجهم يعني قتل قادتهم واحدا واحدا حتى إذا لم يبقَ أحد فَتَرت الجماهير وفشل مشروعها!!

فأصحاب هذا الحل لم يزيدوا على أن أخرجوا النخبة للجيش والأمن؛ كي يسجنهم ويقتلهم!

٭ الحـل الخامس:

عودة الإخوان ومناصريهم إلى بيوتهم، وتجرع مرارة الغدر، والعودة إلى مرحلة كف الأيدي!

وفي نفس الوقت: يتم الإعداد لدخول الانتخابات القادمة من جهة.
والإعداد العلمي والإيماني والتربوي لأفراد الجماعة التي عرف تفريطها في هذا، وبناء شراكات مع الأطياف الإسلامية الأخرى من جهة ثانية.
والتأمل في أخطاء المرحلة السابقة لتصحيحها من جهة ثالثة.
والاتجاه إلى العمل على كل الأصعدة كسلوك الخيار الحقوقي بمخاطبة المنظمات الحقوقية الدولية مما يحقق مقاصد حلف الفضول و استخدام التقنية في التعريف بالموقف و نشره.

ويعتمد أصحاب هذا الحل على تجربة تركيا؛ فحين تم الانقلاب على نجم الدين أربكان وسجنه، رجع أنصاره الى منازلهم، ورمَّموا مناشطهم؛ ليعود النضال من جديد حتى ترشح أردوغان ليحول تركيا إلى مثال يحتذى.

وهذا الحل آخذ في الظهور و الانتشار، وأتباعه يزدادون يوما بعد يوم، وإن صدقت فراستي؛ فستزداد اعداد القائلين به ومحاولة تحويله الى مشروع إصلاحي شامل

- ويَرِد على هذا الحل:

أن الجيش والأمن لن يمنح الإخوان خيار العودة إلى وضعهم الطبيعي بل سيتتبعهم واحدا واحدا فيسجنهم و يقتلهم؛ ليعزل القيادات عن إعادة البناء و الإعداد.
وتجربة تركيا لا تناسب واقع مصر المعقد الملتهب؛ إذ إن التجربة المشابهة إنّما هي التجربة الجزائرية حين حدث الانقلاب الدموي في التسعينات.

كما أن هذا الحل سيقتل الفرح في النفوس، وسيصيبها بخيبة أمل بعد أن فرحت بتغيُّر الطغيان، وهذه المشاعر المحبطة ستمنع الناس من المشاركة في الانتخابات القادمة؛ لظنها أن الفرصة لن تتكرر!!

فهذه أبرز الحلول العملية والسياسية التي اندلقت على الألسنة، و دلفت إلى المشهد الثقافي والسياسيّ، وآمن ببعضها قومٌ وتنكبها آخرون، إلا أن أهل العلم قد اتفقوا على حلٍّ مُحْكم يتعين أن يهيمن على سائر الخيارات، بحيث يتم عملُها بمعيته وهو: البُعد الإيمانيّ في التدافع؛ إذ يتعين على اتباع المشروع الاسلامي تحقيق التوحيد، وتصفية النية، وإخلاص الوجه لله سبحانه، والإقلاع عن الذنوب العقدية والسياسية، والتشجيع على العبادة في زمن الفتن، وإشراك كل الفصائل المسلمة؛ بحيث يتم الاعتماد على القوي الأمين فيهم؛ نبذا للحزبية التي لا تختار إلا أفراد الحزب مع وجود من هو أكفأ منه؛ فان التوحيد ولوازمه هو سبب النصر والتمكين، كما قال تعالى: ﴿إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم﴾.

٭ وأخــيــرًا :

لا يلزم من رصف الحلول ووصفها أنها على مستوى واحد؛ إذ فيها الحل المُقارِب، وفيها الضعيف والأضعف.

إلا أن تقديمها في صورة النقد المقارن يحقق ما يلي:

أن عرض الحلول مع ما يرد عليها = يُربي العقول على تفهم المواقف، وعدم الجزم في موضع الظن، وهذا يقضي على السطحية والسذاجة، التي تندفع لها بعض النفوس حين تقدم الحلول العفوية بشكل يقيني صارم لقضايا تعتورها علائق عقدية و فكرية وسياسية كثيرة!

كما أنّ طرح الحلول المتباينة وإجالة الفكر فيها = سيحُدّان من الجدل والخصومة التي تكتنف مجالسنا في معالجة هذه الأزمة الشائكة، حتى تجد الرجلين يتعاديان دون أن يقدم الواحد منهم الحل الممكن في يده؛ وإنما يقطع بحلول لا يقوم بها إلا غيره من أهل البلد المعنيّ مع تخليه عن إصلاح نفسه والقيام بما يجب عليه !!

كما يمنح العقل العلمي المِران الكافي؛ لتبصر الحلول ونقدها، ويحمل النفوس المؤمنة على المشورة والرجوع إلى أهل الاختصاص؛ فربما تم تركيب حل جديد من مجموع الحلول السابقة، تأتلف به المصالح، وتتعطل به المفاسد، ويُحقق المقصود دون مفسدة.

وأسأل الله أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعَزّ فيه أولياؤه، و يُذَلّ فيه أعداؤه، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

وصلى الله على رسوله وعلى آله وصحبه وسلَّم

بقلم:
محمد السفياني.
جامعة أم القرى_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..