الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

التفسير التحليلي ـ المستوى الثالث ـ قسم : الدراسات الإسلامية ) ج7


بسم الله الرحمن الرحيم
( التفسير التحليلي ـ المستوى الثالث ـ قسم : الدراسات الإسلامية )
( الجزء السابع من المحاضرات الدراسية )

****************
س1 : ما معنى قوله تعالى
) وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر ( ؟
الجواب :
قال المفسرون : لما انشق القمر قال المشركون : سحرنا محمد فقال الله ) وإن يروا آية (
يعني انشقاق القمر يعرضوا عن التصديق والإيمان بها ، ويقولوا سحر قوى شديد يعلو كل سحر ، وفي هذه الآية أعظم دليل على أن الانشقاق قد كان في عهد النبي r .



ثم ذكر سبحانه تكذيبهم فقال : ) وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ( أي وكذبوا رسول الله r وما عاينوا من قدرة الله ، واتبعوا أهواءهم وما زينه لهم الشيطان الرجيم ، وجملة ( وكل أمر مستقر) مستأنفة لتقرير بطلان ما قالوه من التكذيب وإتباع الأهواء والمعنى : أن كل أمر من الأمور منته إلى غاية ، فالخير يستقر

بأهل الخير، والشر يستقر بأهل الشر .

قال الفراء : يستقر قرار تكذيبهم وقرار قول المصدقين حتى يعرفوا حقيقته بالثواب والعقاب .



قال الكلبي : المعنى لكل أمر حقيقة ما كان منه في الدنيا فسيظهر ، وما كان منه في الآخرة فسيعرف .



قوله تعالى ) ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر ( أي ولقد جاء كفار مكة أو الكفار على العموم من الأنباء وهي أخبار الأمم المكذبة المقصوصة في القرآن ما فيه ازدجار .



) حكمة بالغة فما تغن النذر ( المعنى أن القرآن حكمة الغاية ليس فيها نقص ولا خلل ، لذلك أخبر أنهم لا ينتفعون به ولا ينجرون بما فيه .



ثم أمره الله سبحانه نبيه r بالإعراض عنهم فقال : ) فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر ( أي أعرض عنهم حيث لم يؤثر فيهم الإنذار ، وهذه الآية منسوخة بآية السيف ، والداع هو إسرافيل u ، والشيء النكر الأمر الفظيع الذي ينكرونه لعدم تقدم العهد لهم بمثله .



) خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر (
الخشوع في البصر الخضوع والذلة ،وأضاف الخشوع إلى الأبصار

لأن العز والذل يتبين فيها عند خروجهم من القبور ، فكأنهم لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض جراد منتشر أي منبث في الأقطار مختلط بعضه ببعض .



) مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر ( الإهطاع الإسراع أي حال كونهم مسرعين إلى الداعي وهو إسرافيل u ، وقال الضحاك : مهطعين أي مقبلين ، وقال قتادة : مهطعين أي عامدين ، وقال عكرمة : مهطعين أي فاتحين آذانهم إلي الصوت .



و ( العسر ) في قوله ) يقول الكافرونهذا يوم عسر ( هو الأمر الصعب الشديد ، وفي إسناد هذا القول إلى الكفار : دليل على أن هذا اليوم ليس بشديد على المؤمنين ، ( اللهم اجعلنا ممن تظلهم تحت ظل عرشك يوم القيامة اللهم آمين آمين ) .

كذبت قبلهم قوم ذكر سبحانه تفصيل بعض ما تقدم من الأنباء المجملة فقال ( كذبت قبلهم قوم نوح ) أي كذبوا نبيهم وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وإله وسلم وقوله فكذبوا عبدنا تفسير لما قبله من التكذيب المبهم وفيه مزيد تقرير وتأكيد أي فكذبوا عبدنا نوحا وقيل المعنى كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا نوحا بتكذيبهم للرسل فإنه منهم ثم بين سبحانه أنهم لم يقتصروا على مجرد التكذيب فقال ( وقالوا مجنون ) أي نسبوا نوحا إلى الجنون وقوله ( وازدجر ) معطوف على قالوا أي وزجر عن دعوى النبوة وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر والدال بدل من تاء الافتعال كما تقدم قريبا وقيل إنه معطوف على مجنون أي وقالوا إنه ازدجر أي ازدجرته الجن وذهبت بلبه والأول أولى قال مجاهد هو من كلام الله سبحانه أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسب وأنواع الأذى قال الرازي وهذا أصح لأن المقصود تقوية قلب النبي صلى الله عليه وإله وسلم بذكر من تقدمه

( فدعا ربه إني مغلوب فانتصر ) أي دعا نوح على قومه بأني مغلوب من جهة قومي لتمردهم عن الطاعة وزجرهم لي عن تبليغ الرسالة فانتصر لي أي انتقم لي منهم طلب من ربه سبحانه النصرة عليهم لما أيس من إجابتهم وعلم تمردهم وعتوهم وإصرارهم على ضلالتهم قرأ الجمهور أني ط بفتح الهمزة أي بأني وقرأ ابن أبي إسحاق والأعمش بكسر الهمزة ورويت هذه القراءة عن عاصم على تقدير إضمار القول أي نقال

ففتحنا أبواب السماء . . . . .

ثم ذكر سبحانه ما عاقبهم به فقال ( ففتحنا أبواب السماء بماء

منهمر ) أي منصب انصبابا شديدا والهمر الصب بكثرة يقال همر الماء والدمع يهمر وهمورا إذا كثر ومنه قول الشاعر أعيني جودا بالدموع الهوامرعلى خير باد من معد وحاضر
ومنه قول امرئ القيس يصف عينا راح تمر به الصبا ثم انتحى
فيه بشؤبوب جنوب منهمر
قرأ الجمهور فتحا مخففا وقرأ أبن عامر ويعقوب بالتشديد
وفجرنا الأرض عيونا . . . . .

( وفجرنا الأرض عيونا ) أي جعلنا الأرض كلها عيونا متفجرة والأصل فجرنا عيون الأرض قرأ الجمهور فجرنا بالتشديد وقرأ أبن مسعود وأبو حيوة وعاصم في رواية عنه بالتخفيف قال عبيد بن عمير أوحى الله إلى الأرض أن تخرج ماءها فتفجرت بالعيون فالتقى الماء على أمر قد قدر أي التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قضى عليهم أي كائنا على حال قدرها الله وقضى بها وحكى أبن قتيبة أن المعنى على مقدار لم يرد أحدهما على الآخر بل كان ماء السماء وماء الأرض على سواء قال قتادة قدر لهم إذ كفروا أن يغرقوا وقرأ الجحدري فالتقى المان وقرأ فالتقى الماوان ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب ومحمد بن كعب
وحملناه على ذات . . . . .

( وحملناه على ذات ألواح ودسر أي وحملنا نوحا على سفينة ذات ألواح وهي الأخشاب العريضة ودسر قال الزجاج هي المسامير التي تشد بها الألواح واحدها دسار وكل شيء أدخل في شيء يشده فهو الدسر وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب وأبن زيد وسعيد بن جبير وغيرهم وقال الحسن وشهر بن حوشب وعكرمة الدسر ظهر السفينة التي يضربها الموج سميت بذلك لأنها تدسر الماء أي تدفعه والدسر الدفع وقال الليث الدسار خيط تشد به ألواح السفينه قال في الصححاح الدسار واحد الدسر وهي خيوط تشد بها ألواح السفينه ويقال هي المسامير
تجري بأعيننا جزاء . . . . .

( تجري بأعيننا ) أي بمنظر ومرأي منا وحفظ لها كما في قوله واصنع الفلك بأعيننا وقيل بأمرنا وقيل بوحينا وقيل بالأعين التابعة من الأرض وقيل بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها ( جزاء لمن كان كفر ) قال الفراء فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثوابا لمن كفر به وجحد أمره وهو نوح عليه السلام فإنه كان لهم نعمة كفروها فانتصاب جزاء على العلة وقيل على المصدرية بفعل مقدر أي جازيناهم جزاء قرا الجمهور كفر مبنيا للمفعول والمراد به نوح وقيل هو الله سبحانه فإنهم كفروا به وجحدوا نعمته وقرأ يزيد بن رومان وقتادة ومجاهد وحميد وعيسى كفر بفتح الكاف والفاء مبنيا للفاعل أي جزاء وعقابا لمن كفر بالله
ولقد تركناها آية . . . . .

( ولقد تركناها آية ) أي السفينة تركها الله عبرة للمعتبرين وقيل المعنى ولقد تركنا هذه الفعلة التي فعلناها بهم عبرة وموعظة ( فهل من مذكر ) أصله مذتكر فأبدلت التاء دالا مهملة ثم أبدلت المعجمة مهملة لتقاربهما وأدغمت الدال في الدال والمعنى هل من متعظ ومعتبر يتعظ بهذه الآية ويعتبر بها
فكيف كان عذابي . . . . .

( فكيف كان عذابي ونذر ) أي إنذاري قال الفراء والإنذار والنذر مصدران والاستفهام للتهويل والتعجيب أي كانا على كيفية هائلة عجيبة لا يحيط بها الوصف وقيل نذر جمع نذير ونذير بمعنى الإنذار كنكير بمعنى الإنكار
ولقد يسرنا القرآن . . . . .

( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) أي سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه وقيل هيأناه للتذكر والاتعاظ ( فهل من مدكر ) أي متعظ بمواعظه ومعتبر بعبره وفي الآية الحث على درس القرآن والاستكثار من تلاوته والمسارعة في تعلمه ومدكر أصله مذتكر كما تقدم قريبا

الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما ) وروى عنه من طريق أخرى عند مسلم والترمذي وغيرهم وقال ( فنزلت أقتربت الساعة وانشق القمر ) وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم أشهدوا وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه وأبن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه قال رأيت القمر منشقا شقتين مرتين مرة بمكة قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وإله وسلم شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء وذكر أن هذا سبب نزول الآية واخرج أحمد وعبد بن حميد وأبن جرير والحاكم وصححه وأبن مردويه وأبو نعيم عنه أيضا قال رأيت القمر وقد انشق وأبصرت الجبل بين فرجتي القمر وله طرق عنه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبن عباس قال انشق القمر في زمن النبي صلى الله عليه وإله وسلم وله طرق عنه وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن أبن عمر في قوله ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) قال كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم انشق فرقتين فرقة من دون الجبل وفرقة خلفه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم اشهد واخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وأبن جرير والحاكم وصححه وأبن مردويه وابو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم عن أبيه في قوله ( وانشق القمر ) قال انشق القمر ونحن بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم حتى صار فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل فقال الناس سحرنا محمد فقال رجل إن كان سحركم فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم وأخرج أبن أبي شيبة وعبدين حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبن جرير وأبن مردويه وأبو نعيم عن عبد الرحمن السلمي قال خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اقتربت الساعة وانشق القمر ألا وإن الساعة قد اقتربت ألا وأن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم ألا وأن الدنيا قد آذنت بفراق اليوم المضمار وغدا السياق وأخرج أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ( مهطعين ) قال ناظرين وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) قال كثير لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب وفتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم فالقى الماآن وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضا ( على ذات ألواح ودسر ) قال الألواح ألواح السفينة والدسر معاريضها التي تشد بها السفينة وأخرج أبن جرير وابن المنذر عنه أيضا في قوله ( ودسر ) قال المسامير وأخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم عنه قال الدسر كلكل السفينة وأخرج أبن أبي حاتم وأبن مردويه والبهيقي عنه أيضا في قوله ( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) قال لولا ان الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلموا بكلام الله وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعا مثله واخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عن أبن عباس ( فهل من مدكر ) قال هل من متذكر

كذبت عاد فكيف . . . . .

قوله ( كذبت عاد ) هم قوم عاد ( فكيف كان عذابي ونذر ) أي فاسمعوا كيف كان عذابي لهم وإنذاري إياهم ونذر مصدر بمعنى إنذار كما تقدم تحقيقه والاستفهام للتهويل و التعظيم
إنا أرسلنا عليهم . . . . .

( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ) هذه الجملة مبينة لما أجمله من العذاب والصرصر شدة البرد أي ريح شديدة البرد وقيل الصرصر شدة الصوت وقد تقدم بيانه في سورة حم السجدة ( في يوم نحس مستمر ) أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسه وقد كانوا يتشاءمون بذلك اليوم قال الزجاج قيل في يوم الأربعاء في آخر الشهر قرأ الجمهور في يوم نحس بإضافة يوم إلى نحس مع سكون الحاء وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة أو على تقدير مضاف أي في يوم عذاب نحس وقرا الحسن بتنوين يوم على أن نحس صفة له وقرا هارون بكسر الحاء قال الضحاك كان ذلك اليوم مرا عليهم وكذا حكى الكسائى عن قوم أنهم قالوا هو من المرارة وقيل هو من المرة بمعنى القوة أي في يوم قوى الشؤم مستحكمة كالشيء المحكم القتل الذي لا يطاق نقضه والظاهر أنه من الاستمرار لا من المرارة ولا من المرة أي دام عليهم العذاب فيه حتى أهلكهم وشمل بهلاكه كبيرهم وصغيرهم
تنزع الناس كأنهم . . . . .

جملة ( تنزع الناس ) في محل نصب على أنها صفة لريحا أو حال منها ويجوز أن يكون استئنافا أي تقلعهم من الأرض من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصلها قال مجاهد كانت تقلعهم من الأرض فترمي بهم على رءوسهم فتدق أعناقهم وتبين رءوسهم من أجسادهم وقيل تنزع الناس من البيوت وقيل من قبورهم لأنهم حفروا حفائر ودخلوها ( كأنهم أعجاز نخل منقعر ) الأعجاز جمع عجز وهو مؤخر الشيء والمنقعر المنقطع من أصله يقال قعرت النخلة إذا قلعتها من أصلها حتى تسقط شبههم في طول قاماتهم حين صرعتهم الريح وطرحتهم على وجوههم بالنخل الساقط على الأرض التي ليست لها رءوس وذلك أن الريح قلعت رءوسهم أولا ثم كتبتهم على وجوههم وتذكير منقعر مع كونه صفة لأعجاز نخل وهي مؤنثه اعتبارا باللفظ ويجوز تأنيثه اعتبارا بالمعنى كما قال أعجاز نخل خاوية قال المبرد كل ما ورد عليك من هذا الباب إن شئت رددته إلى اللفظ وتذكيرا أو إلى المعنى تأنيثا وقيل إن النخل والنخيل يذكر ويؤنث

فكيف كان عذابي . . . . .

( فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن . . . . .

ثم لما ذكر سبحانه تكذيب عاد أتبعه بتكذيب ثمود فقال ( كذبت ثمود بالنذر ) يجوز أن يكون جمع نذير أي كذبت بالرسل المرسلين إليهم ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإنذار أي كذبت بالإنذار الذي أنذروا به وإنما كان تكذيبهم لرسولهم وهو صالح تكذيبا للرسل لأن من كذب واحدا من الإنبياء فقد كذب سائرهم لاتفاقهم في الدعوة إلى كليات الشرائع فقالوا أبشرا منا . . . . .
( فقالوا أبشر منا واحدا نتبعه ) الاستفهام لإنكار أي كيف نتبع بشرا كائنا من جنسنا منفردا وحده لا متابع له على ما يدعوا إليه قرأ الجمهور بنصب بشرا على الاشتغال أي أنتبع بشرا واحدا وقرأ أبو السماك والداني وأبو الأشهب وأبن السميفع بالرفع على الإبتداء وواحدا صفته ونتبعه خبره وروى عن أبي السماك أنه قرأ برفع بشرا ونصب واحدا على الحال ( إنا إذا لفي ضلال ) أي إنا إذا اتبعناه لفي خطأ وذهاب عن الحق ( وسعر ) أي عذاب وعناد وشدة كذا قال الفراء وغيره وقال أبو عبيدة هو جمع سعير وهو لهب النار والسعر الجنون يذهب كذا وكذا لما يلتهب به من الحدة وقال مجاهد وسعر وبعد عن الحق وقال السدي في احتراق وقيل المراد به هنا الجنون من قولهم ناقة مسعورة أي كأنها من شدة نشاطها مجنونة ومنه قول الشاعر يصف ناقة تخال بها سعرا إذ السعر هزها ذميل وإيقاع من السير متعب

أؤلقي الذكر عليه . . . . .

ثم كرروا الإنكار والاستبعاد فقالوا ( ألقى الذكر عليه من بيننا ) أي كيف خص من بيننا بالوحي والنبوة وفينا من هو أحق بذلك منه ثم أضربوا عن الاستنكار وانتقلوا إلى الجزم بكونه كذابا أشرا فقالوا ( بل هو كذاب أشر ) والأشر المرح والنشاط أو البطر والتكبر وتفسيره بالبطر والتكبر أنسب بالمقام ومنه قول الشاعر أشرتم بلبس الخز لما لبستم ومن قبل لا تدرون من فتح القرى
قرأ الجمهور أشر كفرح وقرأ أبو قلابة وأبو جعفر بفتح الشين وتشديد الراء على أنه أفعل تفضيل ونقل الكسائي عن مجاهد أنه قرأ بضم الشين مع فتح الهمزة
سيعلمون غدا من . . . . .

ثم أجاب سبحانه عليهم بقوله ( سيعلمون عدا من الكذاب الأشر ) والمراد بقوله غدا وقت نزول العذاب بهم في الدنيا أو في يوم القيامة جريا على عادة الناس في التعبير بالغد عن المستقبل من الأمر وإن بعد كما في قولهم إن مع اليوم غدا وكما في قول الحطيئة للموت فيها سهام غير مخطئة من لم يكن ميتا في اليوم مات غدا ومنه قول أبي الطماح
إلا علالاني قبل نوح النوائح وقبل اضطراب النفس بين الجوانح
وقبل غد يا لهف نفسي على غد
إذا راح أصحابي ولست برائح

قرأ الجمهور سيعلمون بالتحتية إخبار من الله سبحانه لصالح عن وقوع العذاب عليهم بعد مدة وقرأ أبو عمرو وأبن عامر وحمزة بالفوقية على إنه خطاب من صالح لقومه
إنا مرسلو الناقة . . . . .

جملة ( إنا مرسلوا الناقة ) مستأنفة لبيان ما تقدم إجماله من الوعيد أي انا مخرجوها من الصخرة على حسب ما اقترحوه فتنة لهم أي ابتلاء وامتحانا وانتصاب فتنة على العلة ( فارتقبهم ) أي انتظر ما يصنعون ( واصطبر على ما يصيبك من الأذى منهم

ونبئهم أن الماء . . . . .

( ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ) أي بين ثمود وبين الناقة لها يوم ولهم يوم كما في قوله لها شرب ولكم شرب يوم معلوم وقال نبئهم بضمير العقلاء تغليبا ( كل شرب محتضر ) الشرب بكسر الشين الحظ من الماء ومعنى محتضر أنه يحضره من هو له فالناقة تحضره يوما وهم يحضرونه يوما قال مجاهد إن ثمود يحضرون الماء يوم نوبتهم فيشربون ويحضرون يوم نوبتها فيحتلبون قرأ الجمهور قسمة بكسر القاف بمعنى مقسوم وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بفتحها

فنادوا صاحبهم فتعاطى . . . . .

( فنادوا صاحبهم ) أي نادى ثمود صاحبهم وهو قدار بن سالف عاقر الناقة يحضونه على عقرها فتعاطى فعقر اي تناول الناقة بالعقر فعقرها أو اجترأ على تعاطي اسباب العقر فعقر قال محمد بن إسحاق كمن لها في أصل شجرة على طريقها فرماها بسهم فانتظم به عضله ساقها ثم شد عليها بالسيف فكسر عرقوبها ثم نحرها والتعاطي تناول شيء بتكلف
فكيف كان عذابي . . . . .

( فكيف كان عذابي ونذر ) قد تقدم تفسيره في هذه السورة
القمر : ( 31 ) إنا أرسلنا عليهم . . . . .
ثم بين ما أجمله من العذاب فقال ( إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة ) قال عطاء نريد صيحة جبريل وقد مضى بيان هذا في سورة هود وفي الأعراف ( فكانوا كهشيم محتضر ) قرأ الجمهور بكسر الظاء والهشيم حطام الشجر ويابسه والمحتظر صاحب الحظيرة وهو الذي يتخذ لغنمه حظيرة تمنعها عن برد الريح يقال احتظر على غنمه إذا جمع الشجر ووضع بعضه فوق بعض قال في الصحاح والمختظر الذي يعمل الحظيرة وقرأ الحسن وقتادة وأبو العالية بفتح الظاء أي كهشيم الحظيرة فمن قرأ بالكسر أراد الفاعل للاحتظار ومن قرأ بالفتح أراد الحظيرة وهي فعيلة بمعنى مفعولة ومعنى الآية أنهم صاروا كالشجر إذا يبس في الحظيرة وداسته الغنم بعد سقوطه ومنه قول الشاعر أثرن عجاجه كدخان نار
تشب بغرقد بال هشيم
وقال قتادة هو العظام النخرة المحترقة وقال سعيد بن جبير هو التراب المتناثر من الحيطان في يوم ريح وقال سفيان الثوري هو ما يتناثر من الحظيرة إذا ضربتها بالعصى قال ابن زيد العرب تسمى كل شيء كان رطبا فيبس هشيما ومنه قول الشاعر ترى جيف المطي بجانبيه كأن عظامها خشب الهشيم ... الخ السورة الكريمة .


















بسم الله الرحمن الرحيم

( التفسير التحليلي ـ المستوى الثالث ـ قسم : الدراسات الإسلامية )

( الجزء الثامن من المحاضرات الدراسية )

****************

تفسير سورة ن هي اثنتان وخمسون آية

حول السورة هي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر وروى عن ابن عباس وقتادة أن من أولها إلى قوله ) سنسمه على الخرطوم ( مكي ومن بعد ذلك إلى قوله 0 من الصالحين ) مدني وباقيها مكي كذا قال الماوردي وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما يشاء وكان أول ما نزل من القرآن ) اقرأ باسم ربك ( ثم نون ثم المزمل ثم المدثر وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي عنه قال نزلت سورة ن بمكة وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله

قوله ( ن ) قرأ أبو بكر وورش وابن عامر والكسائي وابن محيصن وابن هبيرة بإدغام النون الثانية من هجائها في الواو وقرأ الباقون بالإظهار وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر بالفتح على إضمار فعل وقرأ ابن عامر ونضر وابن إسحاق بكسرها على إضمار القسم أو لأجل التقاء الساكنين وقرأ محمد بن السميفع وهارون بضمها على البناء قال مجاهد ومقاتل والسدي هو الحوت الذي يحمل الأرض وبه قال مرة الهمذاني وعطاء الخراساني والكلبي وقيل إن نون آخر حرف من حروف الرحمن وقال ابن زيد هو قسم أقسم الله به وقال ابن كيسان هو فاتحة السورة وقال عطاء وأبو العالية هي النون من نصر وناصر قال محمد بن كعب أقسم الله تعالى بنصره المؤمنين وقيل هو حرف من حروف الهجاء كالفواتح الواقعة في أوائل السور المفتتحة بذلك وقد عرفناك ما هو الحق في مثل هذه الفواتح في أول سورة البقرة والواو في قوله ( والقلم ) واو القسم أقسم الله بالقلم لما فيه من البيان وهو واقع على كل قلم يكتب به وقال جماعة من المفسرين المراد به القلم الذي كتب به اللوح المحفوظ أقسم الله به تعظيما له قال قتادة القلم من نعمة الله على عباده ( وما يسطرون ) ما موصولة أي والذي يسطرون والضمير عائد إلى أصحاب القلم المدلول عليهم بذكره لأن ذكر آلة الكتابة تدل على الكاتب والمعنى والذي يسطرون أي يكتبون كل ما يكتب أو الحفظة على ما تقدم ويجوز أن تكون ما مصدرية أي وسطرهم وقيل الضمير راجع إلى القلم خاصة من باب إسناد الفعل إلى الآلة وإجرائها مجرى العقلاء
ما أنت بنعمة جواب القسم قوله ) ما أنت بنعمة ربك بمجنون ( ما نافية وأنت اسمها وبمجنون خبرها قال الزجاج أنت هو اسم ما وبمجنون خبرها وقوله ( بنعمة ربك ) كلام وقع في الوسط أي انتفى عنك الجنون بنعمة ربك كما يقال أنت بحمد الله عاقل قيل الباء متعلقة بمضمر هو حال كأنه قيل أنت بريء من الجنون ملتبسا بنعمة الله التي هي النبوة والرياسة العامة وقيل الباء للقسم أي وما أنت ونعمة ربك بمجنون وقيل النعمة هنا الرحمة والآية رد على الكفار حيث قالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون وإن لك لأجرا . . . . .

( وإن لك لأجرا أي ثوابا على ما تحملت من أثقال النبوة وقاسيت من أنواع الشدائد ( غير ممنون ) أي غير مقطوع يقال مننت الحبل إذا قطعته وقال مجاهد غير ممنون غير محسوب وقال الحسن غير ممنون غير مكدر بالمن وقال الضحاك أجرا بغير عمل وقيل غير مقدر وقيل غير ممنون به عليك من جهة الناس

وإنك لعلى خلق . . . . .

وإنك لعلى خلق عظيم ( قيل هو الإسلام والدين حكى هذا الواحدي على الأكثرين وقيل هو القرآن روى هذا عن الحسن والعوفي وقال قتادة هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهى عنه من نهى الله قال الزجاج المعنى إنك على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن وقيل هو رفقه بأمته وإكرامه إياهم وقيل المعنى إنك على طبع كريم قال الماوردي وهذا هو الظاهر وحقيقة الخلق في اللغة ما يأخذ الإنسان نفسه به من الأدب وقد ثبت في الصحيح عن عائشة أنها سئلت عن خلق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت كان خلقه القرآن وهذه الجملة والتي قبلها معطوفتان

فستبصر ويبصرون

على جملة جواب القسم ( فستبصر ويبصرون ) أي ستبصر يا محمد ويبصر الكفار إذا تبين الحق وانكشف الغطاء وذلك يوم القيامة

بأيكم المفتون بأيكم المفتون ( الباء زائدة للتأكيد أي أيكم المفتون بالجنون كذا قال الأخفش وأبو عبيدة وغيرهما ومثله قول الشاعر

نحن بنو جعدة أصحاب العلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
وقيل ليست الباء زائدة والمفتون مصدر جاء على مفعول كالمعقول والميسور والتقدير بأيكم الفتون أو الفتنة ومنه قول الشاعر الراعي
حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا
أي عقلا وقال الفراء إن الباء بمعنى في أي في أيكم المفتون أفي الفريق الذي أنت فيه أم في الفريق الآخر ويؤيد هذا قراءة ابن أبي عبلة في أيكم المفتون وقيل الكلام على حذف مضاف أي بأيكم فتن المفتون فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه روى هذا عن الأخفش أيضا وقيل المفتون المعذب من قول العرب فتنت الذهب بالنار إذا أحميته ومنه قوله يوم هم على النار يفتنون وقيل المفتون هو الشيطان لأنه مفتون في دينه والمعنى بأيكم الشيطان وقال قتادة هذا وعيد لهم بعذاب يوم بدر والمعنى سترى ويرى أهل مكة إذا نزل بهم العذاب ببدر بأيكم المفتون

إن ربك هو جملة ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ( تعليل للجملة التي قبلها فإنها تتضمن الحكم عليهم بالجنون لمخالفتهم لما فيه نفعهم في العاجل والآجل واختيارهم ما فيه ضرهم فيهما والمعنى هو أعلم بمن ضل عن سبيله الموصل إلى سعادة الدارين ) وهو أعلم بالمهتدين ( إلى سبيله الموصل إلى تلك السعادة الآجلة والعاجلة فهو مجاز كل عامل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر

فلا تطع المكذبين فلا تطع المكذبين ( نهاه سبحانه عن ممايلة المشركين وهم رؤساء كفار مكة لأنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائه فنهاه الله عن طاعتهم أو هو تعريض بغيره عن أن يطيع الكفار أو المراد بالطاعة مجرد المداراة بإظهار خلاف ما في الضمير فنهاه الله عن ذلك ودوا لو تدهن . . . . .
كما يدل عليه قوله ) ودوا لو تدهن فيدهنون ( فإن الإدهان هو الملاينة والمسامحة والمداراة قال الفراء المعنى لو تلين فيلينوا لك وكذا قال الكلبي وقال الضحاك والسدى ودوا لو تكفر فيتمادوا على الكفر وقال الربيع بن أنس ودوا لو تكذب فيكذبون وقال قتادة ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك وقال الحسن ودوا لو تصانفهم في دينك فيصانعونك وقال مجاهد ودوا لو تركن إليهم وتترك ما أنت عليه من الحق فيمايلونك قال ابن قتيبة كانوا أرادوه على أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا الله مدة وقوله فيدهنون عطف على تدهن داخل في حيز لو أو هو خبر مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون قال سيبويه وزعم قالون أنها في بعض المصاحف ) ودوا لو تدهن فيدهنون ( بدون نون والنصب على جواب التمني المفهوم من ودوا والظاهر من اللغة في معنى الإدهان هو ما ذكرناه أولا

ولا تطع كل . . . . . ولا تطع كل حلاف ( أي كثير الحلف بالباطل ( مهين ) فعيل من المهانة وهي القلة في الرأي والتمييز وقال مجاهد هو الكذاب وقال قتادة المكثار في الشر وكذا قال الحسن وقيل هو الفاجر العاجز وقيل هو الحقير عند الله وقيل هو الذليل وقيل هو الوضيع هماز مشاء بنميم
( هماز مشاء بنميم ) الهماز المغتاب للناس قال ابن زيد هو الذي يهمز بأخيه وقيل الهماز الذي يذكر الناس في وجوههم واللماز الذي يذكرهم في مغيبهم كذا قال أبو العالية والحسن وعطاء بن أبي رباح وقال مقاتل عكس هذا والمشاء بنميم الذي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم يقال نم ينم إذا سعى بالفساد بين الناس ومنه قول الشاعر ومولى كبيت النمل لا خير عنده
لمولاه إلا سعيه بنميم

وقيل النميم جمع نميمة

مناع للخير معتد . . . . . ( مناع للخير ) أي بخيل بالمال لا ينفقه في وجهه وقيل هو الذي يمنع أهله وعشيرته عن الإسلام قال الحسن يقول لهم من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا ) معتد أثيم ( أي متجاوز الحد في الظلم كثير الإثم

عتل بعد ذلك . . . . .( عتل ) قال الواحدي والمفسرون يقولون هو الشديد الخلق الفاحش الخلق وقال الفراء هو الشديد الخصومة في الباطل وقال الزجاج هو الغليظ الجافي وقال الليث هو الأكول المنوع يقال عتلت الرجل أعتله إذا جذبته جذبا عنيفا ومنه قول الشاعر نقرعه قرعا ولسنا نعتله

( بعد ذلك زنيم ) أي هو بعد ما عد من معايبه زنيم والزنيم هو الدعى الملصق بالقوم وليس هو منهم مأخوذ من الزنمة المتدلية في حلق الشاة أو الماعز ومنه قول حسان

زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع

وقال سعيد بن جبير الزنيم المعروف بالشر وقيل هو رجل من قريش كان له زنمة كزنمة الشاة وقيل هو المظلوم أن كان ذا . . . . .
) أن كان ذا مال وبنين ( متعلق بقوله لا تطع أي لا تطع من هذه مثالبه لكونه ذا مال وبنين قال الفراء والزجاج أي لأن كان والمعنى لا تطعه لماله وبنيه قرأ ابن عامر وأبو جعفر والمغيرة وأبو حيوة أن كان بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام وقرأ حمزة وأبو بكر والمفضل أأن كان بهمزتين مخففتين وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخبر وعلى قراءة الاستفهام يكون المراد به التوبيخ والتقريع حيث جعل مجازاة النعم التي خوله الله من المال والبنين أن كفر به وبرسوله وقرأ نافع في رواية عنه بكسر الهمزة على الشرط
إذا تتلى عليه . . . . .

جملة ) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( مستأنفة جارية مجرى التعليل للنهي وقد تقدم معنى أساطير الأولين في غير موضع

سنسمه على الخرطوم سنسمه على الخرطوم ( أي سنسمه بالكي على خرطومه قال أبو عبيدة وأبو زيد والمبرد الخرطوم الأنف قال مقاتل سنسمه بالسواد على الأنف وذلك أنه يسود وجهه قبل دخول النار قال الفراء والخرطوم وإن كان قد خص بالسمة فإنه في مذهب الوجه لأن بعض الوجه يؤدى عن بعض قال الزجاج سيجعل له في الآخرة العلم الذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم وقال قتادة سنلحق به شيئا لا يفارقه واختار هذا ابن قتيبة قال والعرب تقول قد وسمه ميسم سوء يريدون ألصق به عارا لا يفارقه فالمعنى أن الله ألحق به عارا لا يفارقه كالوسم على الخرطوم وقيل معنى سنسمه سنحطمه بالسيف وقال النضر بن شميل المعنى سنحده على شرب الخمر وقد يسمى الخمر بالخرطوم ومنه قول الشاعر تظل يومك في لهو وفي طرب وأنت بالليل شراب الخراطيم

الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات والخطيب في تاريخه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال إن أول شيء خلقه الله القلم فقال له اكتب فقال يا رب وما أكتب قال اكتب القدر فجرى من ذلك اليوم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ثم طوى الكتاب ورفع القلم وكان عرشه على الماء فارتفع بخار الماء ففتقت منه السموات ثم خلق النون فبسطت الأرض عليه والأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت الجبال فإن الجبال لتفخر على الأرض إلى يوم القيامة ثم قرأ ابن عباس ) ن والقلم وما يسطرون ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن مردويه عن عبادة بن الصامت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فجرى بما هو كائن إلى الأبد وأخرج ابن جرير من حديث معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبن عباس قال إن الله خلق النون وهي الدواة وخلق القلم فقال اكتب قال وما أكتب قال اكتب ماهر كائن إلى يوم القيامة وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال أن الدواة وأخرج ابن مردويه عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) النون السمكة التي عليها قرار الأرضين والقلم الذي خط به ربنا عز وجل القدر خيره وشره وضره ونفعه ( وما يسطرون ) قال الكرام الكاتبون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله ( وما يسطرون ) قال ما يكتبون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ( وما يسطرون ) قال وما يعلمون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن سعد بن هشام قال أتيت عائشة فقلت يا أم المؤمنين أخبريني بخلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالت كان خلقه القرآن أما تقرأ القرآن ( إنك لعلى خلق عظيم ) وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والواحدي عنها قالت ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك فلذلك أنزل الله ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وأخرج ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي الدرداء قال سئلت عائشة عن خلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت كان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه وابن مردويه عن أبي عبد الله الجدلي قال قلت لعائشة كيف كان خلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالت لم يكن فاحشا ولا متفاحشا ولا صحابا في الأسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( فستبصر ويبصرون ) قال تعلم ويعلمون يوم القيامة ( بأيكم المفتون ) قال الشيطان كانوا يقولون إنه شيطان وإنه مجنون وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال بأيكم المجنون وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) يقول لو ترخص لهم فيرخصون وأخرج ابن مردويه عنه أيضا ( ولا تطع كل حلاف مهين الآية قال يعني الأسود بن عبد يغوث وأخرج ابن مردويه عن أبي عثمان النهدي قال ( قال مروان لما بايع الناس ليزيد سنة أبي بكر وعمر فقال عبد الرحمن ابن أبي بكر إنها ليست بسنة أبي بكر وعمر ولكنها سنة هرقل فقال مروان هذا الذي أنزل فيه والذي قال لوالديه أف لكما الآية قال فسمعت ذلك عائشة فقالت إنها لم تنزل في عبد الرحمن ولكن نزل في أبيك ( ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم ) وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال نزل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم ) فلم نعرف حتى نزل عليه بعد ذلك زنيم فعرفناه له زنمة كزغمة الشاة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال العتل هو الدعى والزنيم هو المريب الذي يعرف بالشر وأخرج عبد بن حميد وابن عساكر عنه قال الزنيم هو الدعى وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه عنه أيضا قال الزنيم الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال هو الرجل يمر على القوم فيقولون رجل سوء وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( زنيم ) قال ظلوم وقد قيل إن هذه الآيات نزلت في الأخنس بن شريق وقيل في الوليد بن المغيرة

إنا بلوناهم كما . . . . .

قوله ( إنا بلوناهم ) يعني كفار مكة فإن الله ابتلاهم بالجوع والقحط بدعوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم والابتلاء الاختبار والمعنى أعطيناهم الأموال ليشكروا لا ليبطروا فلما بطروا ابتليناهم بالجوع والقحط ( كما بلونا أصحاب الجنة ) المعروف خبرهم عندهم وذلك أنها كانت بأرض اليمن على فرسخين من صنعاء لرجل يؤدي حق الله منها فمات وصارت إلى أولاده فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله فيها قال الواحدى هم قوم من ثقيف كانوا باليمن مسلمين ورثوا من أبيهم ضيعة فيها جنات وزرع ونخيل وكان أبوهم بجعل مما فيها من كل شيء حظا للمساكين عند الحصاد والصرام فقالت بنوه المال قليل والعيال كثير ولا يسعنا أن نفعل كما كان يفعل أبونا وعزموا على حرمان المساكين فصارت عاقبتهم إلى ما قص الله في كتابه قال الكلبي كان بينهم وبين صنعاء فرسخان فبلاهم الله بأن حرق جنتهم وقيل هي جنة كانت بصوران وصوران على فراسخ من صنعاء وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى بيسير ( إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ) أي حلفوا ليقطعنها داخلين في وقت الصباح والصرم القطع للثمر والزرع وانتصاب مصبحين على الحال من فاعل ليصرمنها والكاف في كما بلونا نعت مصدر محذوف أي بلوناهم ابتلاء كما بلونا وما مصدرية أو بمعنى الذي وإذ ظرف لبلونا منتصب به وليصرمنها جواب القسم
( ولا يستثنون ) يعنى ولا يقولون إن شاء الله وهذه الجملة مستأنفة لبيان ما وقع منهم أو حال وقيل المعنى ولا يستثنون للمساكين من جملة ذلك القدر الذي كان يدفعه أبوهم إليهم قاله عكرمة
فطاف عليها طائف . . . . .

( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ) أي طاف على تلك الجنة طائف من جهة الله سبحانه والطائف قيل هو نار أحرقتها حتى صارت سوداء كذا قال مقاتل وقيل الطائف جبريل اقتلعها وجملة ( وهم نائمون ) في محل نصب على الحال
فأصبحت كالصريم

( فأصبحت كالصريم ) أي كالشيء الذي صرمت ثماره أي قطعت فعيل بمعنى مفعول وقال الفراء كالصريم كالليل المظلم ومنه قول الشاعر تطاول ليلك الجون الصريم فما ينجاب عن صبح بهيم
والمعنى أنها حرقت فصارت كالليل الأسود قال والصريم الرماد الأسود بلغة خزيمة وقال الأخفش أي كالصبح انصرم من الليل يعنى أنها يبست وابيضت وقال المبرد الصريم الليل والصريم النهار أي ينصرم هذا عن هذا وذاك عن هذا وقيل سمى الليل صريما لأنه يقطع بظلمته عن التصرف وقال الؤرج الصريم الرملة لأنها لا يثبت عليها شيء ينتفع به وقال الحسن صرم منها الخير أي قطع

فتنادوا مصبحين

فتنادوا مصبحين أي نادى بعضهم بعضا داخلين في الصباح قال مقاتل لما أصبحوا قال بعضهم لبعض
أن اغدوا على . . . . .

ان اغدوا على حرثكم وأن في قوله أن اغدوا هي المفسره لأن في التنادي معنى القول أو هي المصدرية أي بان اغدوا والمراد اخرجوا غدوة والمراد بالحرث الثمار والزرع إن كنتم صارمين أي قاصدين للصرم والغدو يتعدي بإلى وعلى فلا حاجة إلى تضمينه معنى الإقبال كما قيل وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم صارمين فاغدوا وقيل معنى صارمين ماضين في العزم من قولك سيف صارم

فانطلقوا وهم يتخافتون

فانطلقوا وهم يتخافتون أي ذهبوا إلى جنتهم وهم يسرون الكلام بينهم لئلا يعلم أحد بهم يقال خفت يخفت إذا سكن ولم ينبس ومنه قول دريد بن الصمة وإني لم أهلك ملالا ولم أمت
خفاتا وكلا ظنه بي عويمر

وقيل المعنى يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم فيقصدوهم كما كانوا يقصدون أباهم وقت الحصاد والأول أولى
أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين فإن ان هي المفسرة للتخافت المذكور لما فيه من معنى القول والمعنى يسر بعضهم إلى بعض هذا القول وهو لا يدخل هذه الجنة اليوم عليكم مسكين فيطلب منكم أن تعطوه منها ما كان يعطيه أبوكم

وغدوا على حرد . . . . .

وغدوا على حرد قادرين الحرد يكون بمعنى المنع والقصد قال قتادة ومقاتل والكلبي والحسن ومجاهد الحرد هنا بمعنى القصد لأن القاصد إلى الشيء حارد يقال حرد يحرد إذا قصد تقول حردت حردك أي قصدت قصدك ومنه قول الراجز أقبل سيل جاء من عند الله
يحرد حرد الجنة المحله

وقال أبو عبيدة والمبرد والقتيبي على حرد على منع من قولهم حردت الإبل حردا إذا قلت ألبانها والحرود من النوق هي القليلة اللبن وقال السدي وسفيان والشعبي على حرد على غضب ومنه قول الشاعر إذا جياد الخيل جاءت تردى
مملوءة من غضب وحرد

وقل الآخر تساقوا على حرد دماء الأساود ومنه قيل أسد حارد وروى عن قتادة ومجاهد أيضا أنهما قالا على حرد أي على حسد وقال الحسن أيضا على حاجة وفاقة وقيل على حرد على انفراد يقال حرد يحرد حردا أو حرودا إذا تنحى عن قومه ونزل منفردا عنهم ولم يخالطهم وبه قال الأصمعي وغيره وقال الأزهري حرد اسم قريتهم وقال السدي اسم جنتهم قرأ الجمهور حرد بسكون الراء وقرأ أبو العالية وابن السميفع بفتحها وانتصاب قادرين على الحال قال الفراء ومعنى قادرين قد قدروا أمرهم وبنوا عليه وقال قتادة قادرين على جنتهم عند أنفسهم وقال الشعبي يعنى قادرين على المساكين

فلما رأوها قالوا . . . . .

فلما رأوها أي لما رأوا جنتهم وشادوا ما قد حل بها من الآفة التي أذهبت ما فيها قالوا إنا لضالون أي قال قد ضللنا طريق جنتنا وليست هذه بل نحن محرومون

ثم لما تأملوا وعلموا أنها جنتهم وأن الله سبحانه قد عاقبهم بإذهاب ما فيها من الثمر والزرع قالوا بل نحن محرومون أي حرمنا جنتنا بسبب ما وقع منا من العزم على منع المساكين من خيرها فأضربوا عن قولهم الأول إلى هذا القول وقل مهتى قولهم إنا لضالون أنهم ضلوا عن الصواب بما وقع منهم

قال أوسطهم ألم . . . . .

قال أوسطهم أي أمثلهم وأعقلهم وخيرهم ألم أقل لكم لمولا تسبحون أي هلا تسبحون يعني تستثنون وسمى الاستثناء تسبيحا لأنه تظيم لله وإقرار به وهذا يدل على أن أوسطهم كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه وقال مجاهد وأبو صالح وغيرهما كان استثناؤهم تسبيحا قال النحاس أصل التسبيح التنزيه لله عز وجل فجعل التسبيح في موضع إن شاء الله وقيل المعنى هلا تستغفرون الله من فعلكم وتتوبون إليه من هذه النية التي عزمتم عليها وكانوسطهم قد قال لهم ذلك

قالوا سبحان ربنا . . . . .

فلما قال لهم ذلك بعد مشاهدتهم للجنة على تلك الصفة قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين أي تنزيها له عن أن يكون ظالما فيها صنع بجنتنا فإن في ذلك بسبب ذنبنا الذي فعلناه وقيل معنى تسبيحهم الاستغفار أي نستغفر ربنا من ذنبنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا للمساكين

فأقبل بعضهم على . . . . .

فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون أي يلوم بعضهم بعضا في منعهم للمساكين وعزمهم على على ذلك

قالوا يا ويلنا . . . . .

ثم نادوا على أنفسهم بالويل حيث قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين أي عاصي متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء وترك الاستثناء قال ابن كيسان أي طغينا نعم الله فلم نشكرها كما شكرها أبونا من قبل

عسى ربنا أن . . . . .

ثم رجعوا إلى الله وسألوه أن يعوضهم بخير منها فقالوا عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها لما اعترفوا بالخطيئة رجوا من الله عز وجل أن يبدلهم جنة خيرا من جنتهم قيل إنهم تعاقدوا فيما بينهم وقالوا إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما صنع أبونا فدعوا لله وتضرعوا فأبدلهم من ليلتهم ما هو خير منها قرأ الجمهور يبدلنا بالتخفيف وقرأ أبو عمرو وأهل المدينة بالتشديد وهما لغتان والتبديل تغيير ذات الشيء أو تغيير صفته والابدال رفع الشيء جملة ووضع آخر مكانه كما مضى في سورة سبأ إنا إلى ربنا راغبون أي طالبون منه الخير راجون لعفوه راجعون إليه وعدى بإلى وهو إنما يتعدى بعن أو في لتضمينه معنى الرجوع

كذلك العذاب ولعذاب . . . . .

كذلك العذاب أي مثل ذلك العذاب الذي بلوناهم به وبلونا أهل مكة عذاب الدنيا والعذاب مبتدأ مؤخر وكذلك خبره ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون أي أشد وأعظم لو كان المشركون يعملون أنه كذلك ولكنهم لا يعلمون

الآثار الواردة في تفسير الآيات أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله كما بلونا أصحاب الجنة قال هم ناس من الحبشة كان لأبيهم جنة وكان يطعم منها المساكين فمات أبوهم قال بنوه أن كان أبونا لأحمق كان يطعم المساكين فأقسموا ليصر منها مصبحين وأن لا يطعموا مسكينا وأخرج ابن جرير عنه فطاف عليها طائف قال أمر من الله وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إياكم والمعصية فإن العبد ليذنب الذنب الواحد فينسى به الباب من العلم وإن العبد ليذنب فيحرم به قيام الله وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا قد كان هيء له ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم قد حرموا خير جنهم بذنبهم وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله كالصريم قال مثل الليل الأسود وأخرج ابن المنذر عنه وهم يتخافتون قال الإسرار والكلام الخفي وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا على حرد قادرين يقول ذو قدرة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله إنا لضالون قال أضللنا مكان جنتنا وأخرج عنه أيضا قال أوسطهم قال أعدلهم إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفتجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيها لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون ... الخ السورة الكريمة .



















بسم الله الرحمن الرحيم

( التفسير التحليلي ـ المستوى الثالث ـ قسم : الدراسات الإسلامية )

( الجزء التاسع من المحاضرات الدراسية )

****************

تفسير سورة سأل سائل ويقال سورة المعارج
هي أربع وأربعون آية
حول السورة
وهي مكية قال القرطبي باتفاق واخرج أبن الضريس والنحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة سأل بمكة واخرج أبن مردويه عن أبن الزبير مثله

سأل سائل بعذاب . . . . .

قوله ( سأل سائل بعذاب واقع ) قرا الجمهور سأل بالهمزة وقرأ نافع وأبن عامر بغير همزة فمن همز فهو من السؤال وهي اللغة الفاشية وهو إما مضمن معنى الدعاء فلذلك عدى بالباء كما تقول دعوت لكذا والمعنى دعا داع على نفسه بعذاب واقع ويجوز أن يكون على أصله والباء بمعنى عن كقوله فاسئل به خبيرا ومن لم يهمز فهو أما من باب التخفيف بقلب الهمزة ألفا فيكون معناها معنى قراءة من همز أو يكون من السيلان والمعنى سال واد في جهنم يقال له سائل كما قال زيد بن ثابت ويؤيد قراءة أبن عباس سال سيل وقيل إن سال بمعنى التمس والمعنى ألتمس ملتمس عذابا للكفار فتكون الباء زائدة كقوله تنبت بالدهن والوجه الأول هو الظاهر وقال الأخفش يقال خرجنا نسال عن فلان وبفلان قال أبو علي الفارسي وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفصولين ويجوز الاقتصار على أحدهما ويتعدى إليه بحرف الجر وهذا السائل هو النضر بن الحارث حين قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم وهو ممن قتل يوم بدر صبرا وقيل هو أبو جهل وقيل هو الحارث بن النعمان الفهري والأول أولى لما سياتي وقرا أبي وابن مسعود سال سال مثل مال مال على أن الأصل سائل فحذفت العين تخفيفا كما قيل في شاك شائك السلاح وقيل السائل هو نوح عليه السلام سأل العذاب للكافرين وقيل هو رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم دعا بالعقاب عليهم وقوله ( بعذاب واقع ) يعني إما في الدنيا كيوم بدر أو في الآخرة

للكافرين ليس له . . . . .

قوله ( للكافرين ) صفة اخرى لعذاب أي كائن للكافرين أو متعلق بواقع واللام للعلة أو يسأل على تضمينه معنى دعا أو في محل رفع على تقدير هو للكافرين أو تكون اللام بمعنى على ويؤيده قراءة أبي بعذاب واقع على الكافرين قال الفراء التقدير بعذاب للكافرين واقع بهم فالواقع من نعت العذاب وجملة ( ليس له دافع ) صفة أخرى لعذاب أو حال منه أو مستأنفة والمعنى أنه لا يدفع ذلك العذاب الواقع به أحد

من الله ذي . . . . .قوله ( من الله ) متعلق بواقع أي واقع من جهته سبحانه أو بدافع أي ليس له دافع من جهته تعالى ( ذي المعارج ) أي ذي الدرجات التي تصعد فيها الملائكة وقال الكلبي هي السموات وسماها معارج لأن الملائكة تعرج فيها وقيل المعارج مراتب نعم الله سبحانه على الخلق وقيل المعارج العظمة وقيل هي العرف وقرأ أبن مسعود ذي المعاريج بزيادة الياء يقال معارج ومعاريج مثل مفاتح ومفاتيح

تعرج الملائكة والروح . . . . .

( تعرج الملائكة والروح إليه ) أي تصعد في تلك المعارج التي جعلها الله لهم وقرأ الجمهور تعرج بالفوقية وقرأ أبن مسعود وأصحابه والكسائي والسلمي بالتحتية والروح جبريل إفرد بالذكر بعد الملائكة لشرفه ويؤيد هذا قوله نزل به الروح الأمين وقيل الروح هنا ملك آخر عظيم غير جبريل وقال أبو صالح إنه خلق من خلق الله سبحانه كهيئة الناس وليسوا من الناس وقال قبيصة بن ذؤيب إنه روح الميت حين تقبض والأول أولى ومعنى إليه أي إلى المكان الذي ينتهون إليه وقيل إلى عرشه وقيل هو كقول إبراهيم إني ذاهب إلى ربي أي إلى حيث أمرني ربي ( في يوم كان مقدارة خمسين ألف سنة ) قال أبن إسحاق والكلبي ووهب بن منبه أي عرج الملائكة إلى المكان الذى هو محلها في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة وبه قال مجاهد وقال عكرمة وروى عن مجاهد أن مدة عمر الدنيا هذا المقدار لا يدري أحد كم مضى ولا كم بقي ولا يعلم ذلك إلا الله وقال قتادة والكلبي ومحمد بن كعب إن المراد يوم القيامة يعني أن مقدار الأمر فيه لو تولاه غيره سبحانه خمسون ألف سنة وهو سبحانه يفرغ منه في ساعة وقيل أن مدة موقف العباد للحساب هي هذا المقدار ثم يستقر بعد ذلك أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وقيل إن مقدار يوم القيامة على الكافرين

خمسون ألف سنة وعلى المؤمنين مقدار ما بين الظهر والعصر وقيل ذكر هذا المقدار لمجرد التمثيل والتخييل لغاية ارتفاع تلك المعارج وبعد مداها أو لطول يوم القيامة باعتبار ما فيه من الشدائد والمكاره كما تصف العرب أيام الشدة بالطول وأيام الفرح بالقصر ويشبهون اليوم القصير بابهام القطاة والطويل بظل الرمح ومنه قول الشاعر ويوم كظل الرمح قصر طوله
دم الزق عنا واصطفاف المزاهر
وقيل في الكلام تقديم وتأخير أي ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه وقد قدمنا الجمع بين هذه الآية وبين قوله في سورة السجدة في يوم كان مقداره ألف سنة فارجع إليه وقد قيل في الجمع إن من أسفل العالم إلى العرش خمسين الف سنة ومن أعلى سماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة لأن غلظ كل سماء خمسمائة عام وما بين اسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة عام فالمعنى أن الملائكة إذا عرجت من اسفل العالم إلى العرش كان مسافة ذلك خمسين ألف سنة وإن عرجوا من هذه الأرض التي نحن فيها إلى باطن هذه السماء التي هي سماء الدنيا كان مسافة ذلك الف سنة وسيأتي في آخر البحث ما يؤيد هذا عن أبن عباس
فاصبر صبرا جميلا أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وإله وسلم بالصبر فقال ( فاصبر صبرا جميلا ) أي اصبر يا محمد على تكذيبهم لك وكفرهم بما جئت به صبرا جميلا لا جزع فيه ولا شكوى إلى غير الله وهذا معنى الصبر الجميل وقيل هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدري بأنه مصاب قال أبن زيد وغيره هي منسوخة بآية السيف

إنهم يرونه بعيدا

( إنهم يرونه بعيدا ) أي يرون العذاب الواقع بهم أو يرون يوم القيامة بعيدا أي غير كائن لأنهم لا يؤمنون به فمعنى بعيدا أي مستبعدا محالا وليس المراد أنهم يرونه بعيدا غير قريب قال الأعمش يرون البعث بعيدا لأنهم لا يؤمنون به كأنهم يستبعدونه على جهة الاستحالة كما تقول لمن تناظره هذا بعيد أي لا يكون
ونراه قريبا

( ونراه قريبا ) أي نعلمه كائنا قريبا لأن ما هو آت قريب وقيل المعنى ونراه هينا في قدرتنا غير متعسر ولا متعذر والجملة تعليل للأمر بالصبر

يوم تكون السماء . . . . .

ثم أخبر سبحانه متى يقع بهم العذاب فقال ( يوم تكون السماء كالمهل ) والظرف متعلق بمضمر دل عليه واقع أو بدل من قوله ( في يوم ) على تقدير تعلقه بواقع أو متعلق بقريبا أو مقدر بعده أي يوم تكون الخ كان كيت وكيت أو بدل من الضمير في نراه والأول أولى والتقدير يقع بهم العذاب ( يوم تكون السماء كالمهل ) والمهل ما إذيت من النحاس والرصاص والفضة وقال مجاهد هو القيح من الصديد والدم وقال عكرمة وغيره هو دردى الزيت وقد تقدم تفسيره في سورة الكهف والدخان

وتكون الجبال كالعهن

( وتكون الجبال كالعهن ) أي كالصوف المصبوغ ولا يقال للصوف عهن إلإ إذا كان مصبوغا قال الحسن تكون الجبال كالعهن وهو الصوف الأحمر وهو أضعف الصوف وقيل العهن الصوف ذو الألوان فشبه الجبال به في تكونها ألوانا كما في قوله جدد بيض وحمر وغرابيب فإذا بست وطيرت في الهواء اشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح

ولا يسأل حميم . . . . .

( ولا يسأل حميم حميما ) أي لا يسأل قريب قريبه عن شأنه في ذلك اليوم لما نزل بهم من شدة الأهوال التي أذهلت القريب عن قريبه والخليل عن خليله كما قال سبحانه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه وقيل المعنى لا يسأل حميم عن حميم فحذف الحرف ووصل الفعل قرأ الجمهور لا يسأل مبنيا للفاعل قيل والمفعول الثاني محذوف والتقدير لا يسأله نصره ولا شفاعته وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وشيبة وأبن كثير في رواية عنه على البناء للمفعول وروى هذه القراءة البزي عن عاصم والمعنى لا يسأل حميم إحضار حميمه وقيل هذه القراءة على إسقاط حرف الجر أي لا يسأل حميم عن حميم بل كل إنسان يسأل عن نفسه وعن عمله

يبصرونهم يود المجرم . . . . .

جملة ( يبصرونهم ) مستأنفة أو صفة لقوله ( حميما ) أي يبصر كل حميم حميمه لا يخفى منهم أحد عن أحد وليس في القيامة مخلوق وإلا وهو نصب عين صاحبه ولا يتساءلون ولا يكلم بعضهم بعضا لاشتغال كل أحد منهم بنفسه وقال ابن زيد يبصر الله الكفار في النار الذين أضلوهم في الدنيا وهم الرؤساء المتبوعون وقيل أن قوله ( يبصرونهم ) يرجع إلى الملائكة أي يعرفون أحوال الناس لا يخفون عليهم وإنما جمع الضمير في يبصرونهم وهما للحميمين حملا على معنى العموم لأنهما نكرتان في سياق النفي قرأ الجمهور يبصرونهم بالتشديد وقرأ قتادة بالتخفيف ثم ابتدأ سبحانه الكلام فقال ( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ) المراد بالمجرم الكافر أو كل مذنب ذنبا يستحق به النار لو يفتدي من عذاب يوم القيامة الذي نزل به

( ببنيه وصاحبته وأخيه

(وصاحبته واخيه ) فإن هؤلاء أعز الناس عليه أكرمهم لديه فلو قبل منه الفداء لفدى بهم نفسه وخلص مما نزل من العذاب والجملة مستأنفة لبيان أن اشتغال كل محرم بنفسه بلغ إلى حد يود الافتداء من العذاب بمن ذكر قرا الجمهور ( من عذاب يومئذ ) بإضافة عذاب إلى يومئذ وقرأ أبو حيوة بتنوين عذاب وقطع الإضافة وقرأ الجمهور يومئذ بكسر الميم وقرأ نافع والكسائي والأعرج وابو حيوة بفتحها

وفصيلته التي تؤويه

( وفصيلته التي تؤويه ) أي عشيرته الأقربين الذين يضمونه في النسب أو عند الشدائد ويأوي إليهم قال أبو عبيد الفصيلة دون القبيلة وقال ثعلب هم آباؤهم الأدنون قال المبرد الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد وسميت عشيرة الرجل فصيلة تشبيها لها بالبعض منه وقال مالك إن الفصيلة هي التي تربيه

ومن في الأرض . . . . .

( ومن في الأرض جميعا ) أي ويود المجرم لو افتدى بمن في الأرض جميعا من الثقلين وغيرهما من الخلائق وقوله ( ثم ينجيه ) معطوف على يفتدي أي يود لو يفتدي ثم ينجيه الافتداء وكان العطف بثم لدلالتها على استبعاد النجاة وقيل إن يود تقتضي جوابا كما في قوله ودوا لو تدهن فيدهنون والجواب ثم ينجيه والأول أولى

كلا إنها لظى

قوله ( كلا ) ردع للمجرم عن تلك الودادة وبيان امتناع ما وده من الافتداء و كلا ياتي بمعنى حقا وبمعنى لا مع تضمنها لمعنى الزجر والردع والضمير في قوله ( إنها لظى ) عائد إلى النار المدلول عليها بذكر العذاب أو هو ضمير مبهم يفسره ما بعده ولظى علم لجهنم واشتقاقها من التلظي في النار وهو التلهب وقيل أصله لظظ بمعنى دوام العذاب فقلبت إحدى الظاءين ألفا وقيل لظى هي الدركة الثانية من طباق جهنم

نزاعة للشوى

( نزاعة للشوى ) قرأ الجمهور نزاعة بالرفع على أنه خبر ثان لإن أو خبر مبتدأ محذوف أو تكون لظى بدلا من الضمير المنصوب ونزاعة خبر أن أو على نزاعه صفة للظى على تقدير عدم كونها علما أو يكون الضمير في إنها للقصة ويكون لظى مبتدأ ونزاعة خبره والجملة خبر أن وقرأ حفص بن عاصم وأبو عمرو في رواية عنه وأبو حيوة والزعفراني والترمذي وأبن مقسم نزاعة بالنصب على الحال وقال أبو علي الفارسي حمله على الحال بعيدا لأنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال وقيل العامل فيها ما دل عليه الكلام من معنى التلظي أو النصب على الاختصاص والشوى الأطراف أو جمع شواه وهي جلدة الرأس ومنه قول الأعشى قالت قتيلة ماله
قد جللت شيبا شواته

وقال الحسن وثابت البناني نزاعة للشوى أي المكارم الوجه وحسنه وكذا قال أبو العالية وقتادة وقال قتادة تبري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك فيه شيئا وقال الكسائي هي المفاصل وقال أبو صالح هي اطراف اليدين والرجلين

تدعو من أدبر . . . . .

( تدعوا من أدبر ) أي تدعو لظى من أدبر عن الحق في الدنيا ( وتولى ) أي أعرض عنه

وجمع فأوعى

( وجمع فأوعى ) أي جمع المال فجعله في وعاء قيل إنها تقول إلى يا مشرك إلي يا منافق وقيل معنى تدعوا تهلك تقول العرب دعاك الله أي أهلكك وقيل ليس هو الدعاء باللسان ولكن دعاؤها إياهم تمكنها من عذابهم وقيل المراد أن خزنة جهنم تدعو الكافرين والمنافقين فأسند الدعاء إلى النار من باب إسناد ما هو للحال إلى المحل وقيل هو تمثيل وتخييل ولا دعاء في الحقيقة والمعنى أن مصيرهم إليها كما قال الشاعر ولقد هبطنا الواد بين قوادنا
ندعو الأنيس به الغصيص الأبكم
والغصيص الأبكم الذباب وهي لا تدعو وفي هذا ذم لمن جمع المال فأوعاه وكنزه ولم ينفقه في سبل الخير أو لم يؤد زكاته
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد والنسائي وأبن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبن مردويه عن ابن عباس في قوله 0 سأل سائل ) قال هو النضر بن الحرث قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء وفي قوله 0 بعذاب واقع ) قال كائن ( للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج ) قال ذي الدرجات وأخرج عبد بن حميد وأبن المنذر عنه في قوله 0 سأل سائل ) قال سال واد في جهنم وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( ذي المعارج ) قال ذي العلو والفواضل وأخرج أبن المنذر وأبن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) قال منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق سبع سموات مقدار خمسين ألف سنة ويوم كان مقداره ألف سنة قال يعني بذلك ينزل الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقدار ألف سنة لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام واخرج أبن أبي حاتم عنه أيضا قال غلظ كل أرض خمسمائة عام وغلظ كل سماء خمسمائة عام وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام ومن السماء إلى السماء خمسمائة عام فذلك أربعة عشر ألف عام وبين السماء السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلاثين ألف عام فذلك قوله ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) وأخرج أبن جرير وأبن المنذر والبيهقي في البعث عنه أيضا في قوله في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون قال هذا في الدنيا تعرج الملائكة في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون وفي قوله ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) فهذا يوم القيامة جعله الله على الكافر مقدار خمسين ألف سنة وأخرج أبن أبي حاتم والبيهقي عنه أيضا في قوله ( في يوم كان مقداره خمسين الف سنة ) قال لو قدرتموه لكان خمسين ألف سنة من أيامكم قال يعني يوم القيامة وقد قدمنا عن أبن عباس الوقف في الجمع بين الآيتين في سورة السجدة وأخرج أحمد وأبو يعلي وأبن جرير وأبن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله صلى الله عليه وإله وسلم يوم كان يوم مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم فقال والذي نفس بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أهون عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم وهما ضعيفان وأخرج أبن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في البعث عن أبي هريرة مرفوعا قال ما قدر طول يوم القيامة على المؤمنين إلا كقدر ما بين الظهر إلى العصر وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبن عباس في قوله ( فاصبر صبرا جميلا ) قال لا تشكو إلى أحد غيري واخرج أحمد وعبد بن حميد وأبن المنذر والخطيب في المتفق والمفترق والضياء في المنحتارة عن ابن عباس في قوله ( يوم تكون السماء كالمهل ) قال كدردى الزيت وأخرج أبن جرير عنه قال ( يبصرونهم ) يعرف بعضهم بعضا ويتعارفون ثم يفر بعضهم من بعض وأخرج أبن جرير عنه أيضا في قوله ( نزاعة للشوى ) قال تنزع أم الرأس

إن الإنسان خلق . . . . .

قوله ( إن الإنسان خلق هلوعا ) قال في الصحاح الهلع في اللغة أشد الحرص وأسوا الجزع وأفحشه يقال هلع بالكسر فهو هلع وهلوع على التكثير وقال عكرمة هو الضجور قال الواحدي والمفسرون يقولون تفسيرا الهلع ما بعده يعني قوله ( إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا

إذا مسه الشر . . . . .
أي إذا أصابه الفقر والحاجة أوالمرض أو نحو ذلك فهو جزوع أي كثير الجزع وإذا أصابه الخير من الغنى والخصب والسعة ونحو ذلك فهو كثير المنع والإمساك وقال أبو عبيدة الهلوع هو الذي إذا مسه الخير لم يشكر وإذا مسه الشر لم يصبر قال ثعلب قد فسر الله الهلوع هو الذي أصابه الشر أظهر شدة الجزع وإذا أصابه الخير بخل به ومنعه الناس والعرب تقول ناقة هلوع وهلواع إذا كانت سريعة السير خفيضة ومنه قول الشاعر شكا ذعلبة إذا استدبرتها حرج إذا استقبلتها هلواع
والذعبلة الناقة السريعة وانتصاب هلوعا وجزوعا ومنوعا على أنها أحوال مقدرة أو محققة لكونها طبائع جبل الإنسان عليها والظرفان معمولان  

إلا المصلين

( إلا المصلين ) أي المقيمين للصلاة وقيل المراد بهم أهل التوحيد يعني أنهم ليسوا على تلك الصفات من الهلع والجزع والمنع وأنهم على صفات محمودة وخلال مرضية لأن إيمانهم وما تمسكوا به من التوحيد ودين الحق يزجرهم عن الاتصاف بتلك الصفات ويحملهم على الاتصاف بصفات الخير
الذين هم على . . . . .
ثم بينهم سبحانه فقال ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) ألا لا يشغلهم عنها شاغل ولا يصرفهم عنها صارف وليس المراد بالدوام أنهم يصلون أبدا قال الزجاج هم الذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة وقال الحسن وأبن جريج هو التطوع منها قال النخعي المراد بالمصلين الذين يؤدون الصلاة المكتوبة وقيل الذين يصلونها لوقتها والمراد بالآية جميع المؤمنين وقيل الصحابة خاصة ولا وجه لهذا التخصيص لاتصاف كل مؤمن بأنه من المصلين
المعارج : ( 24 ) والذين في أموالهم . . . . .
( والذين في أموالهم حق معلوم ) قال قتادة ومحمد بن سيرين لمراد الزكاة المفروضة وقال مجاهد سوى الزكاة وقيل صلة الرحم والظاهر أنه الزكاة لوصفه بكونه معلوما ولجعله قرينا للصلاة
للسائل والمحروم

قد تقدم تفسير السائل والمحروم في سورة الذاريات مستوفى
المعارج : ( 26 ) والذين يصدقون بيوم . . . . .
) والذين يصدقون بيوم الدين ( أي بيوم الجزاء وهو يوم القيامة لا يشكون فيه ولا يجحدونه وقيل يصدقونه بأعمالهم فيتعبون أنفسهم في الطاعات
المعارج : ( 27 ) والذين هم من . . . . .
) والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ( أي خائفون وجلون مع ما لهم من أعمال الطاعة استحقارا لأعمالهم واعترافا بما يجب لله سبحانه عليهم
المعارج : ( 28 ) إن عذاب ربهم . . . . .
وجملة ) إن عذاب ربهم غير مأمون ( مقررة لمضمون ما قبلها مبينة أن ذلك مما لا ينبغي أن يأمنه أحد وأن حق كل أحد أن يخافه
المعارج : ( 29 - 31 ) والذين هم لفروجهم . . . . .
) والذين هم لفروجهم حافظون ( إلى قوله ) فأولئك هم العادون ( قد تقدم تفسيره في سورة المؤمنين مستوفى
المعارج : ( 32 ) والذين هم لأماناتهم . . . . .
) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ( أي لا يخلون بشيء من الأمانات التي يؤتمنون عليها ولا ينقضون شيئا من العهود التي يعقدونها على أنفسهم قرا الجمهور لأماناتهم بالجمع قرأ ابن كثير وابن محيصن لأمانتهم بالإفراد والمراد الجنس
المعارج : ( 33 ) والذين هم بشهاداتهم . . . . .
) والذين هم بشهاداتهم قائمون ( أي يقيمونها على من كانت عليه من قريب أو بعيد أو رفيع أو وضيع ولا يكتمونها ولا يغيرونها وقد تقدم القول في الشهادة في سورة البقرة قرأ الجمهور بشهادتهم بالإفراد وقرأ حفص ويعقوب وهي رواية عن ابن كثير بالجمع قال الواحدي والإفراد أولى لأنه مصدر ومن جمع ذهب إلى اختلاف الشهادات قال الفراء ويدل على قراءة التوحيد قوله تعالى وأقيموا الشهادة لله
المعارج : ( 34 ) والذين هم على . . . . .
) والذين هم على صلاتهم يحافظون ( أي على أذكارها وأركانها وشرائطها لا يخلون بشيء من ذلك قال قتادة على وضوئها وركوعها وسجودها وقال ابن جريج المراد التطوع وكرر ذكر الصلاة لاختلاف ما وصفهم به أولا وما وصفهم به ثانيا فإن معنى الدوام هو أن لا يشتغل عنها بشيء من الشواغل كما سلف ومعنى المحافظة أن يراعى الأمور التي لا تكون صلاة بدونها وقيل المراد يحافظون عليها بعد فعلها من أن يفعلوا ما يحبطها ويبطل ثوابها وكرر الموصولات للدلالة على أن كل وصف من تلك الأوصاف لجلالته يستحق أن يستقل بموصوف منفرد
المعارج : ( 35 ) أولئك في جنات . . . . .
والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى الموصوفين بتلك الصفات ) في جنات مكرمون ( أي مستقرون فيها مكرمون بأنواع الكرامات وخبر المبتدأ قوله ) في جنات ( وقوله ( مكرمون ) خبر آخر ويجوز أن يكون الخبر مكرمون وفي جنات متعلق به
المعارج : ( 36 ) فمال الذين كفروا . . . . .
) فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ( أ ي أي شيء لهم حواليك مسرعين قال الأخفش مهطعين مسرعين ومنه قول الشاعر بمكة أهلها ولقد أراهم
إليهم مهطعين إلى السماع
وقيل المعنى ما بالهم يسرعون إليك يجلسون حواليك ولا يعملون بما تأمرهم وقيل ما بالهم مسرعين إلى التكذيب وقيل ما بال الذين كفروا يسرعون إلى السماع إليك فيكذبونك ويستهزئون بك وقال الكلبي إن تعنى مهطعين ناظرين إليك وقال قتادة عامدين وقيل مسرعين إليك مادي أعناقهم مديمي النظر إليك
المعارج : ( 37 ) عن اليمين وعن . . . . .
(عن اليمين وعن الشمال عزين ) أي عن يمين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعن شماله جماعات متفرقة وعزين جمع عزة وهي العصبة من الناس ومنه قول الشاعر
ترانا عنده والليل داج على أبوابه حلقا عزينا قال الراعي
أخليفة الرحمن إن عشيرتي
أمسى سراتهم إليك عزينا قال عنترة وقرن قد تركت لدى ولى
عليه الطير كالعصب العزينا
وقيل أصلها عزوة من العزو كأن كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزى إليه الأخرى قال في الصحاح

والعزة الفرقة من الناس والهاء عوض من التاء والجمع عزى وعزون وقوله ) عن اليمين وعن الشمال ( متعلق بعزين أو بمهطعين
المعارج : ( 38 ) أيطمع كل امرئ . . . . .
) أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ( قال المفسرون كان المشركون يقولون لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلن قبلهم فنزلت الآية قرأ الجمهور ( أن يدخل ) مبنيا للمفعول وقرأ الحسن وزيد بن علي وطلحة بن مصرف والأعرج ويحيى بن يعمر وأبو رجاء وعاصم في رواية عنه على البناء للفاعل
المعارج : ( 39 ) كلا إنا خلقناهم . . . . .
ثم رد الله سبحانه عليهم فقال ) كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ( أي من القذر الذين يعلمون به فلا ينبغى لهم هذا التكبر وقيل المعنى إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون وهو امتثال الأمر والنهي وتعريضهم للثواب والعقاب كما في قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ومنه قول الأعشى ءأزمعت من آل ليلى ابتكارا
وشطت على ذي هوى أن يزارا 2
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال سئل ابن عباس عن الهلوع فقال هو كما قال الله ) إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ( وأخرج ابن المنذر عنه ( هلوعا ) قال الشره وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود ) الذين هم على صلاتهم دائمون ( قال على مواقيتها وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمران بن حصين ) الذين هم على صلاتهم دائمون ( قال الذي لا يلتفت في صلاته وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عقبة بن عامر ) الذين هم على صلاتهم دائمون ( قال هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا وأخرج ابن المنذر من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ( قال ينظرون ) عن اليمين وعن الشمال عزين ( قال العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين يستهزئون به وأخرج مسلم وغيره عن جابر قال دخل علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المسجد ونحن حلق متفرقون فقال مالي أراكم عزين وأخرج أحمد وابن ماجة وابن سعد وابن أبي عاصم والباوردي وابن قانع والحاكم والبيهقي في الشعب والضياء عن بشر بن جحاش قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ( إلى قوله ) كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ( ثم بزق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على كفه ووضع عليها إصبعه وقال يقول الله ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أو أتى أوان الصدقة فلا أقسم برب . . . . .
قوله ( فلا أقسم ) لا زائدة كما تقدم قريبا والمعنى فأقسم ( برب المشارق والمغارب ) يعنى مشرق كل يوم من أيام السنة ومغربه قرأ الجمهور المشارق والمغارب بالجمع وقرأ أبو حيوة وابن محيصن وحميد بالإفراد ) إنا لقادرون )
المعارج : ( 41 ) على أن نبدل . . . . .
(على أن نبدل خيرا منهم ( أي على أن نخلق أمثل منهم وأطوع لله حين عصوه ونهلك هؤلاء

وما نحن بمسبوقين ( أي بمغلوبين إن أردنا ذلك بل نفعل ما أردنا لا يفوتنا شيء ولا يعجزنا أمر ولكن مشيئتنا وسابق علمنا اقتضيا تأخير عقوبة هؤلاء وعدم تبديلهم بخلق آخر
المعارج : ( 42 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . .
) فذرهم يخوضوا ويلعبوا ( أي اتركهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم واشتغل بما أمرت به ولا يعظمن عليك ما هم فيه فليس عليك إلا البلاغ ) حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ( وهو يوم القيامة وهذه الآية منسوخة بآية السيف قرأ الجمهور يلاقوا وقرأ أبو جعفر وابن محيصن وحميد ومجاهد حتى يلقوا
المعارج : ( 43 ) يوم يخرجون من . . . . .
) يوم يخرجون من الأجداث سراعا ( يوم بدل من يومهم وسراعا منتصب على الحال من ضمير يخرجون قرأ الجمهور يخرجون على البناء للفاعل وقرا السلمي والأعمش والمغيرة وعاصم في رواية على البناء للمفعول والأجداث جمع جدث وهو القبر ) كأنهم إلى نصب يوفضون ( قرأ الجمهور نصب بفتح النون وسكون الصاد وقرأ ابن عامر وحفص بضم النون والصاد وقرأ عمرو بن ميمون وأبو رجاء بضم النون وإسكان الصاد قال في الصحاح والنصب ما نصب فعبد من دون الله وكذا النصب بالضم وقد يحرك قال الأعشى وذا النصب المنصوب لا تعبدنه
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
والجمع والأنصاب وقال الأخفش والفراء النصب جمع النصب مثل رهن ورهن والأنصاب جمع النصب فهو جمع الجمع وقيل النصب جمع نصاب وهو حجر أو صنم يذبح عليه ومنه قوله وما ذبح على النصب وقال النحاس نصب ونصب بمعنى واحد وقيل معنى ( إلى نصب ) إلى غاية وهي التي تنصب إليها بصرك وقال الكلبي إلى شيء منصوب علم أو راية أي كأنهم إلى علم يدعون إليه أو راية تنصب لهم يوفضون قال الحسن كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا يلوى أولهم على آخرهم وقال أبو عمرو النصب شبكة الصائد يسرع إليها عند وقوع الصيد فيها مخافة انفلاته ومعنى يوفضون يسرعون والإيفاض الإسراع يقال أوفض إيفاضا أي أسرع إسراعا ومنه قول الشاعر
فوارس ذبيان تحت الحديد كالجن يوفض من عبقر
وعبقر قرية من قرى الجن كما تزعم العرب ومنه قول لبيد كهول وشبان كجنة عبقر
المعارج : ( 44 ) خاشعة أبصارهم ترهقهم . . . . .
وانتصاب ( خاشعة أبصارهم ) على الحال من ضمير يوفضون وأبصارهم مرتفعة به والخشوع الذلة والخضوع أي لا يرفعونها لما يتوقعونه من العذاب ( ترهقهم ذلة ) أي تغشاهم ذلة شديدة قال قتادة هي سواد الوجوه ومنه غلام مراهق إذا غشيه الاحتلام يقال رهقه بالكسر يرهقه رهقا أي غشيه ومثل هذا قوله ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى ما تقدم ذكره وهو مبتدأ وخبره ( اليوم الذي كانوا يوعدون ) أي الذي كانوا يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل قد حاق بهم وحضر ووقع بهم من عذابه ما وعدهم الله به وإن كان مستقبلا فهو في حكم الذي قد وقع لتحقق وقوعه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فلا أقسم برب المشارق والمغارب ( قال للشمس كل يوم مطلع تطلع فيه ومغرب تغرب فيه غير مطلعها بالأمس وغير مغربها بالأمس وأخرج ابن جرير عنه ) إلى نصب يوفضون ( قال إلى علم يستبقون

تفسيرسورة نوح

هي تسع وعشرون آية أو ثمان وعشرون آية وهي مكية

حول السورة أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال نزلت سورة ) إنا أرسلنا نوحا ( بمكة سورة نوح
نوح : إنا أرسلنا نوحا . . . . .
قوله ) إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ( قد تقدم أن نوحا أول رسول أرسله الله وهو نوح بن لامك بن متوشلخ ابن أخنوخ بن قينان بن شيث بن آدم وقد تقدم مدة لبثه في قومه وبيان جميع عمره وبيان السن التي أرسل وهو فيها في سورة العنكبوت ) أن أنذر قومك ( أي بأن أنذر على أنها مصدرية ويجوز أن تكون هي المفسرة لأن في الإرسال معنى القول وقرأ ابن مسعود أنذر بدون أن وذلك على تقدير القول أي انقلنا له أنذر ) من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ( أي عذاب شديد الألم وهو عذاب النار وقال الكلبي هو ما نزل بهم من

الطوفان
نوح : ( 2 ) قال يا قوم . . . . .
وجملة ) قال يا قوم إني لكم نذير مبين ( مستأنفة استئنافا بيانيا على تقدير سؤال كأنه قيل فماذا قال نوح فقال قال لهم الخ والمعنى إني لكم منذر من عقاب الله ومخوف لكم ومبين لما فيه نجاتكم
نوح : ( 3 ) أن اعبدوا الله . . . . .
) أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون ( أن هي التفسيرية لنذير أو هي المصدرية أي بأن اعبدوا الله ولا تشركوا به غيره واتقوه أي اجتنبوا ما يوقعكم في عذابه وأطيعون فيما آمركم به فإني رسول إليكم من عند الله
نوح : ( 4 ) يغفر لكم من . . . . .
) يغفر لكم من ذنوبكم ( هذا جواب الأمر ومن للتبعيض أي بعض ذنوبكم وهو ما سلف منها قبل طاعة الرسول وإجابة دعوته وقال السدى المعنى يغفر لكم ذنوبكم فتكون من على هذا زائدة وقيل المراد بالبعض ما لا يتعلق بحقوق العباد وقيل هي لبيان الجنس وقيل يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها ) ويؤخركم إلى أجل مسمى ( أي يؤخر موتكم إلى الامد الأقصى الذي قدره الله لكم بشرط الإيمان والطاعة فوق ما قدره لكم على تقدير بقائكم على الكفر والعصيان وقيل التأخير بمعنى البركة في أعمارهم أن آمنوا وعدم البركة فيها إن لم يؤمنوا قال مقاتل يؤخركم إلى منتهى آجالكم وقال الزجاج أي يؤخركم عن العذاب فتموتوا غير ميتة المستأصلين بالعذاب وقال الفراء المعنى لا يميتكم غرقا ولا حرقا ولا قتلا ) إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ( أي ما قدره لكم على تقدير بقائكم على الكفر من العذاب إذا جاء وأنتم باقون على الكفر لا يؤخر بل يقع لا محالة فبادروا إلى الإيمان والطاعة وقيل المعنى إن أجل الله وهو الموت إذا جاء لا يمكنكم الإيمان وقيل المعنى إذا جاء الموت لا يؤخر سواء كان بعذاب أو بغير عذاب ) لو كنتم تعلمون ( أي شيئا من العلم لسارعتم إلى ما أمرتكم به أو لعلمتم أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر
نوح : ( 5 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ( أي قال نوح مناديا لربه وحاكيا له ما جرى بينه وبين قومه وهو أعلم به منه إني دعوت قومي إلى ما أمرتني بأن أدعوهم إليه من الإيمان دعاء دائما في الليل والنهار من غير تقصير
نوح : ( 6 ) فلم يزدهم دعائي . . . . .
) فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ( عما دعوتهم إليه وبعدا عنه قال مقاتل يعنى تباعدا من الإيمان وإسناد الزيادة إلى الدعاء لكونه سببها كما في قوله زادتهم إيمانا قرأ الجمهور دعائي بفتح الياء وقرأ الكوفيون ويعقوب والدوري عن أبي عمرو بإسكانها والاستثناء مفرغ
نوح : ( 7 ) وإني كلما دعوتهم . . . . .
) وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم ( أي كلما دعوتهم إلى سبب المغفرة وهو الإيمان بك والطاعة لك ) جعلوا أصابعهم في آذانهم ( لئلا يسمعوا صوتي ) واستغشوا ثيابهم ( أي غطوا بها وجوههم لئلا يروني وقيل جعلوا ثيابهم على رؤوسهم لئلا يسمعوا كلامي فيكون استغشاء الثياب على هذا زيادة في سد الآذان وقيل هو كناية عن العداوة يقال لبس فلان ثياب العداوة وقيل استغشوا ثيابهم لئلا يعرفهم فيدعوهم ( وأصروا ) أي استمروا على الكفر ولم يقلعوا عنه ولا تابوا عنه ( واستكبروا ) عن قبول الحق وعن امتثال ما أمرهم به ( استكبارا ) شديدا
نوح : ( 8 ) ثم إني دعوتهم . . . . .
) ثم إني دعوتهم جهارا ( أي مظهرا لهم الدعوة مجاهرا لهم بها
نوح : ( 9 ) ثم إني أعلنت . . . . .
) ثم إني أعلنت لهم ( أي دعوتهم معلنا لهم بالدعاء ( وأسررت لهم إسرارا ) أي وأسررت لهم الدعوة إسرارا كثيرا قيل المعنى أن يدعو الرجل بعد الرجل يكلمه سرا فيما بينه وبينه والمقصود أنه دعاهم على وجوه متخالفة وأساليب متفاوتة فلم ينجع ذلك فيهم قال مجاهد معنى أعلنت صحت وقيل معنى أسررت أتيتهم في منازلهم فدعوتهم فيها وانتصاب جهارا على المصدرية لأن الدعاء يكون جهارا ويكون غير جهار فالجهار نوع من الدعاء كقولهم قعد القرفصاء ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف أي دعاء جهارا وأن يكون مصدرا في موضع الحال أي مجاهرا ومعنى ثم الدلالة على تباعد الأحوال لأن الجهار أغلظ من الإسرار والجمع بين الأمرين أغلظ من أحدهما قرأ الجمهور إني بسكون الياء وقرأ أبو عمرو والحرميون بفتحها
نوح : ( 10 ) فقلت استغفروا ربكم . . . . .
) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ( أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السابقة بإخلاص النية

إنه كان غفارا ( أي كثير المغفرة للمذنبين وقيل معنى استغفروا توبوا عن الكفر إنه كان غفارا للتائبين
نوح : ( 11 ) يرسل السماء عليكم . . . . .
) يرسل السماء عليكم مدرارا ( أي يرسل ماء السماء عليكم ففيه إضمار وقيل المراد بالسماء المطر كما في قول الشاعر إذا نزل السماء بأرض قوم
رعيناه وإن كانوا غضابا
والمدرار الدرور وهو التحلب بالمطر وانتصابه إما على الحال من السماء ولم يؤنث لأن مفعالا لا يؤنث تقول امرأة مئناث ومذكار أو على انه نعت لمصدر محذوف أي إرسالا مدرارا وقد تقدم الكلام عليه في سورة الأنعام وجزم يرسل لكونه جواب الأمر وفي هذه الآية دليل على أن الاستغفار من أعظم أسباب المطر وحصول أنواع الأرزاق
نوح : ( 12 ) ويمددكم بأموال وبنين . . . . .
ولهذا قال ) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ( يعنى بساتين ) ويجعل لكم أنهارا ( جارية قال عطاء المعنى يكثر أموالكم وأولادكم أعلمهم نوح عليه السلام أن إيمانهم بالله يجمع لهم مع الحظ الوافر في الآخرة الخصب والغنى في الدنيا
نوح : ( 13 ) ما لكم لا . . . . .
) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( أي أي عذرا لكم في ترك الرجاء والرجاء هنا بمعنى الخوف أي ما لكم لا تخافون الله والوقار العظمة من التوقير وهو التعظيم والمعنى لا تخافون حق عظمته فتوحدونه وتطيعونه و ( لا ترجون ) في محل نصب على الحال من ضمير المخاطبين والعامل فيه معنى الاستقرار في لكم ومن إطلاق الرجاء على الخوف قول الهذلي إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وقال سعيد بن جبير وأبو العالية وعطاء بن أبي رباح ما لكم لا ترجون لله ثوابا ولا تخافون منه عقابا وقال مجاهد والضحاك ما لكم لا تبالون لله عظمة قال قطرب هذه لغة حجازية وهذيل وخزاعة ومضر يقولون لم أرج لم أبل وقال قتادة ما لكم لا ترجون لله عاقبة الإيمان وقال ابن كيسان ما لكم لا ترجون في عبادة الله وطاعته أن يثيبكم على توقيركم خيرا وقال ابن زيد ما لكم لا تؤدون لله طاعة وقال الحسن ما لكم لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة
نوح : ( 14 ) وقد خلقكم أطوارا
وجملة ) وقد خلقكم أطوارا ( في محل نصب على الحال أي والحال أنه سبحانه قد خلقكم على أطوار مختلفة نطفة ثم مضغة ثم علقة إلى تمام الخلق كما تقدم بيانه في سورة المؤمنين والطور في اللغة المرة وقال ابن الأنباري الطور الحال وجمعه أطوار وقيل أطوارا صبيانا ثم شبانا ثم شيوخا وقيل الأطوار اختلافهم في الأفعال والأقوال والأخلاق والمعنى كيف تقصرون في توقير من خلقكم على هذه الأطوار البديعة
نوح : ( 15 ) ألم تروا كيف . . . . .
) ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ( الخطاب لمن يصلح له والمراد الاستدلال بخلق السموات على كمال قدرته وبديع صنعه وأنه الحقيق بالعبادة والطباق المتطابقة بعضها فوق بعض كل سماء مطبقة على الأخرى كالقباب قال الحسن خلق الله سبع سموات على سبع أرضين بين كل سماء وسماء وأرض وأرض خلق وأمر وقد تقدم تحقيق هذا في قوله ومن الأرض مثلهن وانتصاب طباقا على المصدرية تقول طابقه مطابقة وطباقا أو حال بمعنى ذات طباق فحذف ذات وأقام طباقا مقامه وأجاز الفراء في غير القرآن جر طباقا على النعت
نوح : ( 16 ) وجعل القمر فيهن . . . . .
) وجعل القمر فيهن نورا ( أي منورا لوجه الأرض وجعل القمر في السموات مع كونها في سماء الدنيا لأنها إذا كانت في إحداهن فهي فيهن كذا قال ابن كيسان قال الأخفش كما تقول أتاني بنو تميم والمراد بعضهم وقال قطرب فيهن بمعنى معهن أي خلق القمر والشمس مع خلق السموات والأرض كما في قول امرىء القيس
وهل ينعمن من كان آخر عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال
أي مع ثلاثة أحوال ( وجعل الشمس سراجا ) أي كالمصباح لأهل الأرض ليتوصلوا بذلك إلى التصرف فيما

يحتاجون إليه من المعاش
نوح : ( 17 ) والله أنبتكم من . . . . .
) والله أنبتكم من الأرض نباتا ( يعنى آدم خلقه الله من أديم الأرض والمعنى أنشأكم منها إنشاء فاستعير الإنبات للإنشاء لكونه أدل على الحدوث والتكوين ونباتا إما مصدر لأنبت على حذف الزوائد أو مصدر لفعل محذوف أي أنبتكم من الأرض فنبتم نباتا وقال الخليل والزجاج هو مصدر محمول على المعنى لأن معنى أنبتكم جعلكم تنبتون نباتا وقيل المعنى والله أنبت لكم من الأرض النبات فنباتا على هذا مفعول به قال ابن بحر أنبتهم في الأرض بالكبر بعد الصغر وبالطول بعد القصر
نوح : ( 18 ) ثم يعيدكم فيها . . . . .
) ثم يعيدكم فيها ( أي في الأرض ) ويخرجكم إخراجا ( يعنى يخرجكم منها بالبعث يوم القيامة
نوح : ( 19 ) والله جعل لكم . . . . .
) والله جعل لكم الأرض بساطا ( أي فرشها وبسطها لكم تتقلبون عليها تقلبكم على بسطكم في بيوتكم
نوح : ( 20 ) لتسلكوا منها سبلا . . . . .
) لتسلكوا منها سبلا فجاجا ( أي طرقا واسعة والفجاج جمع فج وهو الطريق الواسع كذا قال الفراء وغيره وقيل الفج المسلك بين الجبلين وقد مضى تحقيق هذا في سورة الأنبياء وفي سورة الحج مستوفى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) جعلوا أصابعهم في آذانهم ( قال لئلا يسمعوا ما يقول ) واستغشوا ثيابهم ( قال ليتنكروا فلا يعرفهم ) واستكبروا استكبارا ( قال تركوا التوبة وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه ) واستغشوا ثيابهم ( قال غطوا وجوههم لئلا يروا نوحا ولا يسمعوا كلامه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب عنه أيضا في قوله ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( قال لا تعلمون لله عظمة وأخرج ابن جرير والبيهقي عنه أيضا ( وقارا ) قال عظمة وفي قوله ) وقد خلقكم أطوارا ( قال نطفة ثم علقة ثم مضغة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال لا تخافون لله عظمة وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال لا تخشون له عقابا ولا ترجون له ثوابا وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن علي بن أبي طالب أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى ناسا يغتسلون عراة ليس عليهم أزر فوقف فنادى بأعلى صوته ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمرو قال الشمس والقمر وجوههما قبل السماء وأقفيتهما قبل الأرض وأنا أقرأ بذلك عليكم انه من كتاب الله ) وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ( وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابو الشيخ في العظمة عن عبد الله بن عمر قال تضيء لأهل السموات كما تضيء لأهل الأرضر وأخرج عبد ابن حميد عن شهر بن حوشب قال اجتمع عبد الله بن عمرو بن العاص وكعب الإحبار وقد كان بينهما بعض العتب فتعاتبا فذهب ذلك فقال عبد الله بن عمرو لكعب سلني عما شئت فلا تسألني عن شيء إلا أخبرتك بتصديق قولي من القرآن فقال له أرأيت ضوء الشمس والقمر أهو في السموات السبع كما هو في الأرض قال نعم ألم تروا إلى قول الله ) خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ( وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن ابن عباس ) وجعل القمر فيهن نورا ( قال وجهه في السماء إلى العرش وقفاه إلى الأرض وأخرج عبد بن حميد من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه ) وجعل القمر فيهن نورا ( قال خلق فيهن حين خلقهن ضياء لأهل الأرض وليس في السماء من ضوئه شيء وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا ) سبلا فجاجا ( قال طرقا مختلفة

قال نوح رب . . . . .
قوله ) قال نوح رب إنهم عصوني ( أي استمروا على عصياني ولم يجيبوا دعوتي شكاهم إلى الله عز وجل وأخبره بأنهم عصوه ولم يتبعوه وهو أعلم بذلك ) واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ( أي اتبع الأصاغر رؤساءهم وأهل الثروة منهم الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالا في الدنيا وعقوبة في الآخرة قرأ أهل المدينة والشام وعاصم وولده بفتح الواو واللام وقرأ الباقون بسكون اللام وهي لغة في الولد ويجوز أن يكون جمعا وقد تقدم تحقيقه ومعنى واتبعوا أنهم استمروا على اتباعهم لا أنهم أحدثوا الاتباع
نوح : ( 22 ) ومكروا مكرا كبارا
) ومكروا مكرا كبارا ( أي مكرا كبيرا عظيما يقال كبير وكبار وكبار مثل عجيب وعجاب وعجاب وجميل وجمال وجمال قال المبرد كبارا بالتشديد للمبالغة ومثل كبارا قراء لكثير القراء وأنشد ابن السكيت بيضاء تصطاد القلوب وتستبي
بالحسن قلب المسلم القراء
قرأ الجمهور كبارا بالتشديد وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد بالتخفيف قال أبو بكر هو جمع كبير كأنه جعل مكرا مكان ذنوب أو أفاعيل فلذلك وصفه بالجمع وقال عيسى بن عمر هي لغة يمانية واختلف في مكرهم هذا ما هو فقيل هو تحريشهم سفلتهم على قتل نوح وقيل هو تغريدهم على الناس بما أوتوا من المال والولد حتى قال الضعفة لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم وقال الكلبي هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد وقال مقاتل هو قول كبرائهم لأتباعهم لا تذرن آلهتكم وقيل مكرهم كفرهم
نوح : ( 23 ) وقالوا لا تذرن . . . . .
) وقالوا لا تذرن آلهتكم ( أي لا تتركوا عبادة آلهتكم وهي الأصنام والصور التي كانت لهم ثم عبدتها العرب من بعدهم وبهذا قال الجمهور ( ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ) أي لا تتركوا عبادة هذه قال محمد ابن كعب هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة فقال لهم إبليس لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأسوق إلى العبادة ففعلوا ثم نشأ قوم من بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت وسميت هذه الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صورة أولئك القوم وقال عروة بن الزبير وغيره إن هذه كانت أسماء لأولاد آدم وكان ود أكبرهم قال الماوردي فأما ود فهو أول صنم معبود سمى ودا لودهم له وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل وفيه يقول شاعرهم

حياك ود فإن لا يحل لنا
لهو النساء وإن الدين قد غربا
وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجرف من سبأ في قول قتادة وقال المهدوي المراد ثم لغطفان وأما يعوق فكان لهمدان في قول قتادة وعكرمة وعطاء وقال الثعلبي كان الكهلان بن سبأ ثم توارثوه حتى صار في همدان وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني يريش الله في الدنيا ويبري
ولا يبري يعوق ولا يريش
وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير في قول قتادة ومقاتل قرأ الجمهور ودا بفتح الواو وقرأ نافع بضمها قال الليث ود بضم الواو صنم لقريش وبفتحها صنم كان لقوم نوح وبه سمى عمرو بن ود قال في الصحاح والور بالفتح الوتد في لغة أهل نجد كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال وقرأ الجمهور ولا يغوث ويعوق يغير تنوين فإن كانا عربيين فالمنعق من الصرف للعلمية ووزن الفعل وإن كانا عجميين فللعجمية والعلمية وقرأ الأعمش ولا يغوثا ويعوقا بالصرف قال أبن عطية وذلك وهم ووجه تخصيص هذه الأصنام بالذكر مع دخولها تحت الألهة لأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها
نوح : ( 24 ) وقد أضلوا كثيرا . . . . .
( وقد ضلوا كثيرا ) أي أضل كبراؤهم ورؤساؤهم كثيرا من الناس وقيل الضمير راجع إلى الأصنام أي أضل بسببها كثير من الناس كقول إبراهيم رب أنهن أضللن كثيرا من الناس واجرى عليهم ضمير من يعقل لاعتقاد الكفار الذين يعبدونها أنها تعقل ( ولا تزد الظالمين إلا ضلالا ) معطوف على رب إنهم عصوني ووضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالظلم وقال أبو حيان إنه معطوف على قد أضلوا ومعنى الأضلالا إلا عذابا كذا قال أبن بحر واستدل على ذلك بقوله إن المجرمين في ضلال وسعر وقيل إلا خسرانا وقيل إلا فتنة بالمال والولد وقيل الضياع وقيل ضلالا في مكرهم
نوح : ( 25 ) مما خطيئاتهم أغرقوا . . . . .
( مما خطيئاتهم أغرقوا ) ما مزيدة للتأكيد والمعنى من خطيئاتهم أي من أجلها وبسببها أغرقوا بالطوفان ( فأدخلوا نارا ) عقب ذلك وهي نار الآخرة وقيل عذاب القبر قرا الجمهور خطيئاتهم على جمع السلامة وقرا أبو عمرو خطاياهم على جمع التكسير وقرأ الجحدري وعمرو بن عبيد والأعمش وأبو حيوة وأشهب العقيلي خطيئتهم على الإفراد قال الضحاك عذبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في حالة واحدة كانوا يغرقون في جانب ويحترقون في جانب قرأ الجمهور أغرقوا من أغرق وقرا زيد بن علي غرقوا بالتشديد ( فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ) أي لم يجدوا أحدا يمنعهم من عذاب الله ويدفعه عنهم ( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) معطوف على
نوح : ( 26 ) وقال نوح رب . . . . .
( قال نوح رب إنهم عصوني ) لما أيس نوح عليه السلام من إيمانهم وإقلاعهم عن الكفر دعا عليهم بالهلاك قال قتادة دعا عليهم بعد ان أوحى إليه إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فأجاب الله دعوته وأغرقهم وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع بن أنس وأبن زيد وعطية إنما قال هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنة وقيل بأربعين قال قتادة لم يكن فيهم صبي وقت العذاب وقال الحسن وأبو العالية لو اهلك الله أطفالهم معهم كان عذابا من الله لهم وعدلا فيهم ولكن أهلك ذريتهم وأطفالهم بغير عذاب ثم أهلكهم بالعذاب ومعنى ديارا من يسكن الديار واصله ديوار على فيعال من دار يدور فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الآخرى مثل القيام أصله قيوام وقال القتيبي أصله في الدار أي نازل بالدار يقال ما بالدار ديار أي أحد وقيل الديار صاحب الديار والمعنى لا تدع أحد منهم إلا أهلكته
نوح : ( 27 ) إنك إن تذرهم . . . . .
( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ) أي أن تتركهم على الأرض يضلوا عبادك عن طريق الحق ( ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) أي إلا فاجرا بترك طاعتك كفارا لنعمتك أي كثير الكفران لها والمعنى إلا من سيفجر ويكفر
نوح : ( 28 ) رب اغفر لي . . . . .
ثم لما دعا على الكافرين أتبعه بالدعاء لنفسه و والدية والمؤمنين فقال ( رب أغفر لي ولوالدي ) وكانا مؤمنين وأبوه لأمك بن متوشلخ كما تقدم وأمه سمحاء بنت أنوش وقيل أراد آدم وحواء وقال سعيد بن جبير أراد بوالديه أباه وجده وقرأ سعيد بن جبير ولوالدي بكسر الدال على الإفراد ( ولمن دخل بيتي قال الضحاك والكلبي يعني مسجده وقيل منزله الذي هو ساكن فيه وقيل سفينته وقيل لمن دخل في دينه بيته وانتصاب ( مؤمنا ) على الحال أي لمن دخل بيتي متصفا بصفة الإيمان فيخرج من دخله غير متصف بهذه الصفة كامرأته وولده الذي قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ثم عمم الدعوة فقال ( وللمؤمنين والمؤمنات ) أي واغفر لكل متصف بالإيمان من الذكور والإناث ثم عاد إلى الدعاء على الكافرين فقال ( ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) أي لا تزد المتصفين بالظلم إلا هلاكا وخسرانا ودمارا وقد شمل دعاؤه هذا كل ظالم إلى يوم القيامة كما شمل دعاؤه للمؤمنين والمؤمنات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير وأبن المنذر عن أبن عباس في قوله ( ولا تذرن ود ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ) قال هذه الأصنام كانت تعبد في زمن نوح وأخرج البخاري وأبن المنذر وابن مردويه عنه قال صارت الأوثان التي كانت تعبد في قوم نوح في العرب أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل واما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف واما يعوق فكانت لهمدان واما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجلسهم الذي كانوا يجلسون فيه إنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبدت .
 _______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..