الاثنين، 9 سبتمبر 2013

حنان الشهري: شكرا

تثقيف الفتيات والأطفال عموما، عبر المدارس والإعلام، بكيفية إيصال أصواتهم للمجتمع، لحمايتهم من أب ظالم، أو أم غير مسؤولة، أو أخ كبير أساء استخدام سلطته بطريقة بشعة، أمر ملح الآن
لهجت من فوري، وأنا أدعو الله تعالى أن يشملها بواسع رحمته، وكريم حلمه، وبحر عفوه، مردداً: "شكرا حنان الشهري"، وقتما طالعت الصحف التي زفت للمجتمع، خبر موافقة مجلس الوزراء السعودي على: "نظام الحماية من الإيذاء".
لن ينسى الوطن تلك الفاجعة الأليمة في شهر رمضان الفارط، عندما قضت الابنة حنان الشهري حرقا، بعدما سكبت البنزين على جسدها، إثر تعرضها لعنف أسري شديد، وذهبت للشرطة وجأرت بشكواها ولم يستجب لها أحد، فقضت وهي تردد: "سأحرق قلوبكم عليّ بمثلما سكتم عن حقي"، وانتفض المجتمع والإعلام وقتذاك، من هول فجيعته مما أقدمت عليه الابنة ـ يغفر الله لها ـ وقد علقت الجرس في عنق مجتمع خذلها ولم يحمها، وظلت تحتضر طيلة أربع ساعات، تأخر المسعفون في (الهلال الأحمر) بالمجيء، حتى قضت بالطريق إلى المستشفى.
"شكرا حنان الشهري"، فقد حميت فتيات بلادي اللواتي سيكنّ في ظرفك من بعدك، وقام المسؤولون بصياغة هذا القانون حماية لهن، وسيخضع أي أب أو أخ، يسيء ولايته تجاه النساء والأطفال، ولم تذهب حرقتك وألمك وقهرك ومعاناتك، وقتما لم يستمع لك أحد؛ هدرا.
تعالوا نتأمل في هذا النظام، وتعريفه بما أوردته منظمة "هيومن رايتس وتش"، التي أصدرت بيانا خاصا حوله، وقالت بأن تعريف الإيذاء في نطاق الأسرة بأنه: "كل شكل من أشكال الاستغلال، أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية، أو التهديد به، يرتكبه شخص تجاه شخص آخر، بما له عليه من ولاية أو سلطة أو مسؤولية، أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية". كما يصنف النظام الإهمال بصفته من أوجه الإيذاء.
الحقيقة أن الصديق د. خالد الحليبي، أحد الناشطين في مجال الاستشارات الأسرية، قال بأن مجرد التلفظ بشتيمة مثل "يا حمار" أو "يا حيوان" من الأب تجاه ابنه يدخل في مفهوم "الإيذاء"، وطبعا عدت بذاكرة جيلي لأربعة عقود من السنوات، وما ثمّ وصف في القاموس الغني بتلكم الأوصاف إلا وقد وَصمنا آباؤنا بها، وعلقوها كنياشين أمام لداتنا وأقاربنا وأساتذتنا، بل لا يوجد موضع إصبع في معظم أجسادنا الغضة، إلا و"القرصة الشهيرة" للوالدة التي تأخذ لون الأزرقاق فالاخضرار، وقد وشمتنا الأنامل الطاهرة تلك ـ بكل حرفنة وخفة ـ بأجسادنا، دعكم من آذاننا التي "تمعطت" من كثر شدها أثناء التأديب ـ اللطيف جدا ـ من الأب. أما خدودنا البريئة، فقد رسمت الأكفّ الغليظة للآباء والإخوة الكبار، ألوان قزح فيها، برسم سوريالي مبدع، لا تعرف أوله من آخره. ليس فقط آباؤنا؛ بل كان يشترك في التأديب كبار الجيران في الحارة، وأساتيذنا بالمدارس، حفظ الله من بقي منهم، ورحم من انتقل لجواره. غير ناسٍ تلك "الفلكة الشهيرة"، وقد طبعت "الخيزرانة" أو "ليّ الغاز" عشرات القبل الحميمة الحمراء على باطن أقدامنا الصغيرة.
عطفا على ما سبق، فإنني أتصور بحاجتنا إلى التدرج في تطبيق مفهوم "الإيذاء"، فالمجتمع لم يعتد بعد على هذا المفهوم المطبّق في الغرب، لو أردنا تطبيقه حرفيا؛ فسنفشل. وثقوا بأن 99% من المجتمع سيكون تحت مقصلة هذا النظام، ولكننا لو بدأنا كمرحلة أولى، في التركيز على من قام بالتعنيف الشديد، الذي يؤدي إلى عاهة نفسية أو جسدية، في مرحلة أولى يرتدع فيها أولئك القساة، ثم انتقلنا بعد عقد من السنوات إلى المرحلة الثانية، وهكذا، حتى نصل للتطبيق الحرفي لمفهوم "الإيذاء"، ولا تظنوا بأن أعداد هؤلاء المعنفين قلة، بل يخبرني متخصصون مباشرون للقضايا الأسرية، بأن العنف مستشرٍ بما لا يتوقع أحد، في مجتمع من المفترض أن يتراحم أفراده، وينتظموا في تعاليم دين السماحة والرحمة.
ليس أقوى في الحجة من الأرقام، فها هو تقرير نشرته صحيفة الرياض (26/6/2013)، جاء فيه: "أكد عدد من المتخصصين في شؤون المرأة والطفل على ارتفاع مؤشر العنف في المملكة تجاه المرأة - لفظي، جسدي - بنسبة تصل إلى (87.6%)، فيما بلغت نسبة العنف ضد الطفل (45%)، مُرجعين (99%) من حالات العنف إلى الأب، يليه بنسب متقاربة الأخ والعم، وأرجعت بعض التقارير (43%) من حالات العنف إلى الزوج، ثمَّ الأب بنسبة بلغت (30.9%)، فالأخ بنسبة (11.2%)، ثمَّ الطليق بنسبة (7.8%)، ثمَّ الابن بنسبة (3.7%)".
هناك إشكال كبير يتمثل في العرف المجتمعي، الذي يمنع الفتاة أو الزوجة من الشكوى، بل حتى أب المرأة المعنفة يتدخل لمنعها بأخذ حقها بحجة أن هذا "عيب اجتماعي" أن تشكو المرأة زوجها المعنف، ولو كسر لها يدا، أو لوى عنقا، أو قام بتشويهها، والكثير من الفتيات، وخصوصا البنات، يجفلن من الشكوى، بل معظمهن لا يعرفن طريقا لأخذ حقوقهن، وكثير من الفتيات المعنفات وقتما يذهبن للشُرط، يُطلب منهن حضور ولي الأمر، وكل الداهية الدهياء فيه، وهذه نقطة مهمة لا بد من معالجتها.
تثقيف الفتيات والأطفال عموما، عبر المدارس والإعلام، بكيفية إيصال أصواتهم للمجتمع، لحمايتهم من أب ظالم، أو أمّ غير مسؤولة، أو أخ كبير أساء استخدام سلطته بطريقة بشعة، هو أمرٌ ملحّ الآن، ولا بد من تخصيص هاتف مجاني، سهل الحفظ، كي تلجأ له الفتاة الضعيفة، والابن المكلوم.
إننا أمام مرحلة جديدة كمجتمع، وتأريخ ( 26/8/2013) الذي صدر فيه النظام، سيكون علامة فارقة في قضايا العنف الأسري، وتقليصه بشكل كبير، ويجب أن يتهيأ المجتمع لهكذا نقلة، ويظل تطبيق النظام سريعا، حيال بضعة نفر من هؤلاء الذين أساؤوا استخدام ولايتهم، وإشهار ذلك إعلاميا؛ رادعا مخيفا للبقية، وسيكفّ كثير ممن يتعاطى هذا التعنيف مع من هم تحت ولايته.
يلوب هنا السؤال المقلق: هل نحن بحاجة لـ"حنانات" أُخر، في بقية القضايا التي تعاني منها نساؤنا؟، هل نحن بحاجة لـ"حنان" مطلقة، كي نصدر قوانين رادعة لحفظ حق فتياتنا المطلقات؟ وهل نحن بحاجة لـ"حنان" معضولة من قبل أب جاهل، أو زوج حقير مكابر، تترك فيها عشرات السنوات، وتمضى زهرة عمرها وشبابها معلقة، لكي نتحرك ونصدر قوانين تنصفها؟
قانون "الأحوال الشخصية" المنبثق من شريعتنا، ربما كان الحل، فبادروا به، قبل أن نفاجأ بـ"حنانات" تفضح ظلمنا للمرأة.
عبد العزيز محمد قاسم
       2013-09-09 1:19 AM
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..