خلال العشرة أيام الأخيرة كنا نتلقى تقارير شبه يومية تعلن العثور على
قنبلة يدوية ملقاة بجوار قسم
شرطة كذا ، ثم قنبلة أخرى في يوم آخر بجوار قسم شرطة آخر ، ومجموعة قنابل يدوية أسفل كوبري كذا ،
كنت أتابع هذه الأخبار اليومية وأنا أضع يدي على قلبي وينتابني شعور غامض بأن خبرا أسوأ ربما يكون قد اقترب شأنه ، حتى وقعت تلك الحادثة بجوار منزل وزير الداخلية ، وأنا أكتب هذه السطور قبل أن تعلن أي جهة مسؤوليتها أو حتى تتبلور رؤية محددة عن طبيعة العملية ، لأن روايات ثلاثة خرجت لوصف ما حدث ، قبل أن تستقر رواية واحدة بأن هناك سيارة مفخخة انفجرت عندما اقترب موكب الوزير ، والأخبار تؤكد أنه لم تحدث وفيات والحمد لله ،
وإن كنا نأسف أشد الأسف للإصابات التي لحقت بعض رجال الشرطة والمدنيين ونتمنى الشفاء للجميع ، كما أنه قبل أي تفسير أو تحليل ، وأيا كانت الجهة التي رتبت هذه العملية أو خططت لها ، وأيا كانت الحسابات التي تقف وراءها ، فإنها عملية جبانة ومدانة بكل المقاييس ، كما أنها محاولة لاستعادة أجواء الرعب والخوف في المجتمع بعد أن برئ المصريون منها ، وأعتقد أن من فكر في تلك العملية أو خطط لها جاهل أحمق ، أيا كان موقعه ، ولا يدرك أن مصر تغيرت ، وأن أحدا لن يستطيع أن يأسر شعبها بالخوف أو يدفعه إلى تغيير مساره السياسي واختياره للديمقراطية والحرية بمثل هذه الألاعيب الدنيئة والإجرامية . أكثر من تكلموا عن تلك العملية بعد وقوعها هم رجال شرطة سابقون وحاليون ، وكلهم حددوا جهة الاتهام مباشرة ، وقد استمعت إلى بعضهم وهو يضم إلى جماعة الإخوان الولايات المتحدة الأمريكية ، كما قال اللواء فؤاد علام وغيره ، حيث اتهموا أمريكا بأنها تقف وراء هذه العملية بدعمها للإخوان "الإرهابيين" ،
وكنت أتمنى أن نحترم جميعا جهات التحقيق ، وننتظر ما تسفر عنه المعامل الجنائية والجهود الأمنية والقضائية التي ستتولى كشف أبعاد هذا العمل ، أما سرعة تحديد الاتهامات مسبقا وتحديد الجهة المتهمة فهو يعطي إشارات سلبية عن "الحدوتة" كلها ، أيضا الدعوات التي سارع بإطلاقها قيادات أمنية سابقة ، تقدمت بوصفها خبراء أمن ، والتي تطالب بإطلاق يد الأمن ومنحه صلاحيات استثنائية ، ووقف أي دعوات للمصالحة الوطنية واعتماد المواجهة الأمنية العنيفة والقاسية مع الأحزاب الإسلامية ، أعتقد أن هذا الكلام بالغ الخطورة ، ويفتقر إلى الوعي السياسي الكاف لإدراك حجم وأبعاد الأزمة الوطنية الحالية ، والذين يقيسون الحالة الآن على أحداث التسعينات يسقطون من حسابهم معطيات كثيرة ، داخلية وخارجية ، تغير الخريطة تماما ، وتجعل الأزمة أخطر كثيرا من سابقتها ، ويكفي أن نذكر بأن معركة الشرطة في التسعينات مع الجماعة الإسلامية ، كانت تحظى بدعم دولي شامل وفي مقدمته الدعم الأمريكي والتعاون الوثيق بين الطرفين ،
واليوم الخطاب الرسمي وخبراء الأمن الجدد يضعون أمريكا في موضع الخصم ، بل في موضع الشريك الداعم للإرهاب ، وهناك العديد من الدول الأخرى التي يضعونها في هذا السياق ، أيضا في التسعينات لم يكن هناك تنازع على الشرعية وإنما تنظيم متطرف يقاتل الدولة ، بينما الموقف الحالي يدرك الجميع ، في الداخل والخارج ، أن مبعثه هو النزاع على الشرعية ، أيا كانت صحة موقف هذا الطرف أو ذاك ، فلسنا في مقام التقييم ، وإنما التذكير بأن طبيعة الحدث مختلفة ، وأبعاده السياسية داخليا وخارجيا مختلفة جذريا ، وهذا ما ينبغي أن نضعه في اعتبارنا ونحن نفكر في مواجهة الإرهاب أيا كان مصدره ، أيضا عمليات النفخ الزائد في هذه الحوادث الصغيرة والفاشلة ضرره أكثر من نفعه ،
وأنا مذهول من حديث وزير الداخلية في أعقاب العملية بأن هذه العملية هي مقدمة لموجة إرهابية قادمة ، وبعيدا عن فهم دوافع "النبوءة" التي أطلقها الوزير ، إلا أن انعكاساتها الاقتصادية بالغة الخطورة ، لأنه كما لو كان يحذر أي سائح من أن تطأ قدمه مصر لأن العمليات الإرهابية في انتظاره والموجة قادمة ، وعلى أي مستثمر أن يفكك مشروعاته ويحمل ما استطاع من أمواله ويرحل لأن البلاد مقبلة على موجة إرهابية مخيفة ،
هذا خطاب غير مسؤول مع الأسف ، أيضا ينبغي أن لا ترضخ الدولة أبدا لأي ترويع إرهابي بتعطيل مسارنا السياسي أو التلاعب في خارطة الطريق ، لأن أي تلاعب أو تعطيل يعني أننا نخدم الإرهاب ونمنحه النصر المجاني بأن يكون هو من يحدد للدولة مسارها ويفرض عليها اختياراتها ، ويعطل مساراتها ، وإنما النصر على الإرهاب يكون بمزيد من الإصرار على بناء مؤسساتنا الدستورية وإكمال بنية الدولة وإنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، وأن تتحقق المصالحة الوطنية ، ويدخل جميع تيارات الوطن في حضن الدولة وفي ظل القانون والدستور ، هذا وحده هو الذي يحقق هزيمة الإرهاب ويحرمه من أي نصر .
...................
المصريون
جمال سلطان
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
شرطة كذا ، ثم قنبلة أخرى في يوم آخر بجوار قسم شرطة آخر ، ومجموعة قنابل يدوية أسفل كوبري كذا ،
كنت أتابع هذه الأخبار اليومية وأنا أضع يدي على قلبي وينتابني شعور غامض بأن خبرا أسوأ ربما يكون قد اقترب شأنه ، حتى وقعت تلك الحادثة بجوار منزل وزير الداخلية ، وأنا أكتب هذه السطور قبل أن تعلن أي جهة مسؤوليتها أو حتى تتبلور رؤية محددة عن طبيعة العملية ، لأن روايات ثلاثة خرجت لوصف ما حدث ، قبل أن تستقر رواية واحدة بأن هناك سيارة مفخخة انفجرت عندما اقترب موكب الوزير ، والأخبار تؤكد أنه لم تحدث وفيات والحمد لله ،
وإن كنا نأسف أشد الأسف للإصابات التي لحقت بعض رجال الشرطة والمدنيين ونتمنى الشفاء للجميع ، كما أنه قبل أي تفسير أو تحليل ، وأيا كانت الجهة التي رتبت هذه العملية أو خططت لها ، وأيا كانت الحسابات التي تقف وراءها ، فإنها عملية جبانة ومدانة بكل المقاييس ، كما أنها محاولة لاستعادة أجواء الرعب والخوف في المجتمع بعد أن برئ المصريون منها ، وأعتقد أن من فكر في تلك العملية أو خطط لها جاهل أحمق ، أيا كان موقعه ، ولا يدرك أن مصر تغيرت ، وأن أحدا لن يستطيع أن يأسر شعبها بالخوف أو يدفعه إلى تغيير مساره السياسي واختياره للديمقراطية والحرية بمثل هذه الألاعيب الدنيئة والإجرامية . أكثر من تكلموا عن تلك العملية بعد وقوعها هم رجال شرطة سابقون وحاليون ، وكلهم حددوا جهة الاتهام مباشرة ، وقد استمعت إلى بعضهم وهو يضم إلى جماعة الإخوان الولايات المتحدة الأمريكية ، كما قال اللواء فؤاد علام وغيره ، حيث اتهموا أمريكا بأنها تقف وراء هذه العملية بدعمها للإخوان "الإرهابيين" ،
وكنت أتمنى أن نحترم جميعا جهات التحقيق ، وننتظر ما تسفر عنه المعامل الجنائية والجهود الأمنية والقضائية التي ستتولى كشف أبعاد هذا العمل ، أما سرعة تحديد الاتهامات مسبقا وتحديد الجهة المتهمة فهو يعطي إشارات سلبية عن "الحدوتة" كلها ، أيضا الدعوات التي سارع بإطلاقها قيادات أمنية سابقة ، تقدمت بوصفها خبراء أمن ، والتي تطالب بإطلاق يد الأمن ومنحه صلاحيات استثنائية ، ووقف أي دعوات للمصالحة الوطنية واعتماد المواجهة الأمنية العنيفة والقاسية مع الأحزاب الإسلامية ، أعتقد أن هذا الكلام بالغ الخطورة ، ويفتقر إلى الوعي السياسي الكاف لإدراك حجم وأبعاد الأزمة الوطنية الحالية ، والذين يقيسون الحالة الآن على أحداث التسعينات يسقطون من حسابهم معطيات كثيرة ، داخلية وخارجية ، تغير الخريطة تماما ، وتجعل الأزمة أخطر كثيرا من سابقتها ، ويكفي أن نذكر بأن معركة الشرطة في التسعينات مع الجماعة الإسلامية ، كانت تحظى بدعم دولي شامل وفي مقدمته الدعم الأمريكي والتعاون الوثيق بين الطرفين ،
واليوم الخطاب الرسمي وخبراء الأمن الجدد يضعون أمريكا في موضع الخصم ، بل في موضع الشريك الداعم للإرهاب ، وهناك العديد من الدول الأخرى التي يضعونها في هذا السياق ، أيضا في التسعينات لم يكن هناك تنازع على الشرعية وإنما تنظيم متطرف يقاتل الدولة ، بينما الموقف الحالي يدرك الجميع ، في الداخل والخارج ، أن مبعثه هو النزاع على الشرعية ، أيا كانت صحة موقف هذا الطرف أو ذاك ، فلسنا في مقام التقييم ، وإنما التذكير بأن طبيعة الحدث مختلفة ، وأبعاده السياسية داخليا وخارجيا مختلفة جذريا ، وهذا ما ينبغي أن نضعه في اعتبارنا ونحن نفكر في مواجهة الإرهاب أيا كان مصدره ، أيضا عمليات النفخ الزائد في هذه الحوادث الصغيرة والفاشلة ضرره أكثر من نفعه ،
وأنا مذهول من حديث وزير الداخلية في أعقاب العملية بأن هذه العملية هي مقدمة لموجة إرهابية قادمة ، وبعيدا عن فهم دوافع "النبوءة" التي أطلقها الوزير ، إلا أن انعكاساتها الاقتصادية بالغة الخطورة ، لأنه كما لو كان يحذر أي سائح من أن تطأ قدمه مصر لأن العمليات الإرهابية في انتظاره والموجة قادمة ، وعلى أي مستثمر أن يفكك مشروعاته ويحمل ما استطاع من أمواله ويرحل لأن البلاد مقبلة على موجة إرهابية مخيفة ،
هذا خطاب غير مسؤول مع الأسف ، أيضا ينبغي أن لا ترضخ الدولة أبدا لأي ترويع إرهابي بتعطيل مسارنا السياسي أو التلاعب في خارطة الطريق ، لأن أي تلاعب أو تعطيل يعني أننا نخدم الإرهاب ونمنحه النصر المجاني بأن يكون هو من يحدد للدولة مسارها ويفرض عليها اختياراتها ، ويعطل مساراتها ، وإنما النصر على الإرهاب يكون بمزيد من الإصرار على بناء مؤسساتنا الدستورية وإكمال بنية الدولة وإنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، وأن تتحقق المصالحة الوطنية ، ويدخل جميع تيارات الوطن في حضن الدولة وفي ظل القانون والدستور ، هذا وحده هو الذي يحقق هزيمة الإرهاب ويحرمه من أي نصر .
...................
المصريون
جمال سلطان
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..