الأحد، 15 سبتمبر 2013

السيسي في "الفخ" الذي أسقط مرسي !

عندما كانت مصر على أبواب الاستحقاق الانتخابي التاريخي الأول بعد الثورة ، انتخابات رئاسة
الجمهورية ، ترشح عدد كبير من المواطنين ، حتى كانت الصورة مدعاة لسخرية الإعلام بعد أن تقدم ميكانيكي وحلاق وبعض طالبي الشهرة للمنصب من أجل أن يظهروا في الإعلام الذي يصطاد هذه النوعية الفكاهية لمزيد من الإثارة والتهريج ، غير أن الأمر عندما وصل للجد بعد التصفية ، كانت قوى الثورة أمام تحدي حقيقي في اختيار المرشح الذي يمكن أن تدفع به لمنصب أول رئيس جمهورية منتخب بعد الثورة ، وكان في التيار الإسلامي تحديدا الحالة أكثر تعقيدا وعصبية ، فقد دفع الإخوان بمحمد مرسي بعد رفضت اللجنة العليا للانتخابات أوراق خيرت الشاطر ، كما كان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح قد ترشح وكذلك الدكتور محمد سليم العوا ، ودار حوار عنيف جدا داخل التيار الإسلامي بأحزابه وشيوخه ومرجعياته عن الشخص الأولى بالاختيار ، فكانت الموجة الأعلى تصب في مصلحة الدكتور محمد مرسي ، وصحيح أن الإخوان لعبوا على وتر تطبيق الشريعة وغمزوا في عبد المنعم أبو الفتوح كثيرا ووصفوه بالليبرالي وبائع الشريعة ونحو ذلك ، لكن الأهم والأخطر هنا في المبررات التي ساقها الإخوان وأنصارهم لحسم ترشح محمد مرسي ، هو القول بأن مرسي مرشح تقف وراءه "جماعة قوية" وتنظيم كبير ، يحميه ويدعمه وينصره عند الأزمات ، ومصر في ظل هذا الانفلات وتمزق قواها السياسية تحتاج إلى رئيس له بنية تنظيمة قوية ورادعة تحميه وتجعله يحسم قراراته ويستطيع فرضها على الأرض ، والحقيقة أن هذه النقطة تحديدا ، أو هذا المبرر ، أو هذا السبب ، كان هو مقتل التجربة كلها ، وأهم أسباب إسقاط محمد مرسي فيما بعد ، وأهم أسباب فشل تجربة الإخوان في الحكم ، لأن الرئيس والجماعة اعتمدوا بشكل كامل على هذه الفرضية ، أنهم يمثلون جماعة قوية وتنظيم حديدي يستطيع أن يفرض إرادته على الجميع ، فكان أن استغنوا عن الجميع ، وتعالوا على كل قوى الثورة الأخرى ، بما فيها قوى التيار الإسلامي التي تختلف معهم ، واستهتروا بمؤسسات الدولة ذاتها ، باعتبار أنهم يملكون البديل المؤقت لها ، وتحول الحكم إلى حكم الجماعة ومصالحها فعليا وليس حكم مؤسسات الدولة ، ومؤسسات الدولة تحولت في نظرهم إلى أداة لتنفيذ إرادة الدولة الحقيقية ، وهي التنظيم والجماعة ، فكان أن انتهى هذا الأمر كله إلى صناعة تحالف واسع النطاق بين أجهزة الدولة وبين تيارات شعبية وبين الجيش وأجهزته لإنهاء حكم الجماعة ، وقد كان . هذا الخطأ التاريخي يتجدد الآن ، ولكن على الشاطئ الآخر ، حيث نشطت حملة لدعوة الفريق عبد الفتاح السيسي للترشح لرئاسة الجمهورية ، وكان المبرر الأكبر والأهم في هذه الدعوة هو أن السيسي يمثل مؤسسة قوية وصلبة وتستطيع أن تفرض إرادتها على الجميع ، لأن البلد تحتاج الآن إلى الحسم والقيادة القوية لبسط الأمن وإنهاء الفوضى ، وفي ظل هذا التمزق الذي يعيشه الوطن والانقسام السياسي الحاد ، فإن الدولة تحتاج إلى مرشح ينتمي إلى "الجماعة القوية" والمؤسسة الصلبة ، وهنا نجد أنفسنا أمام نفس "الفخ" أو الخطأ الجوهري الذي تورط فيه الإخوان ، وباختصار ، سنكون في الحالة الجديدة ، كما كنا في الحالة السابقة ، أمام حكم "الجماعة" أو التنظيم القوي ومصالحه ، وهو هنا الجيش ، سنكون أمام الرئيس الذي يعتمد على "جماعته" وليس على مؤسسات الدولة وقوانينها ودستورها وإرادة شعبها ، ربما الفارق هنا أن الجيش مؤسسة وطنية وجزء من الدولة بينما كانت الجماعة تنظيما أهليا خارج إطار الدولة ، وهذا لن يغير في جوهر المعادلة شيئا ، لأن الحكم في الحالة الجديدة سيكون هو حكم "المؤسسة" الصلبة القوية ـ بمصالحها واستراتيجياتها وأدواتها ـ التي تفرض إرادتها على الجميع ، أي الحكم العسكري في صراحة ووضوح ، وتبقى هياكل الدولة ومؤسساتها مجرد أدوات تنفيذ أسيرة لإرادة وسياسة المؤسسة الحاكمة ، الجيش ، لن يكون الفريق السيسي رئيسا مدنيا خاضعا للبنية المدنية الدستورية للدولة ، بل رئيس عسكري في جوهر الأمر ، ولن يكون ـ في حقيقة الأمر ـ مسؤولا أمام الشعب والدولة وبرلمانها ودستورها ومؤسساتها الديمقراطية بقدر ما هو مسؤول أمام "المؤسسة الحاكمة" الحقيقية ، وشرعيته يستمدها من سيادة القوة والحسم والسلاح وليس من سيادة "الديمقراطية" أو الإرادة الشعبية وحسن إدارة شؤون الدولة والفصل بين السلطات وسيادة القانون . ما أقوله هنا لا يتصل بأشخاص بطبيعة الحال ، والاعتراض ليس على شخص الفريق السيسي أو غيره من جنرالات المؤسسة العسكرية ، فأيا كان "القائد" العسكري الذي يترشح ، فجوهر الأزمة هو هو ، وإن كانت الأمور أصبحت الآن أكثر تعقيدا بالنسبة للفريق السيسي ، لأن طبيعة المعركة السياسية التي خاضها وما ترتب عليها من توابع انقسام شعبي عنيف يتزايد حجمه مع الوقت ومرارات يصعب زوالها وارتباطها بدم غير مسبوق في حجمه واتساعه وتحفظات دولية على سلوك المؤسسة العسكرية في إنهاء الاحتجاجات ، كل ذلك جعل من الفريق السيسي جزءا من المشكلة ، وغالبا من يكون جزءا من المشكلة يصعب جدا أن يكون جزءا من الحل . أيضا فإن الانقسام واسع في الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي حول توصيف ما حدث في 3 يوليو ، وهل هو بلورة إرادة ثورة شعبية أم أنه انقلاب عسكري ، وما زال العالم منقسما حول هذا التوصيف لأن ما يترتب عليه له توابع قانونية واقتصادية وسياسة مركبة ، فإذا ما قررت المؤسسة العسكرية الآن الجلوس على منصب رئاسة الجمهورية ، فالمؤكد أن الجدل حول توصيف ما حدث لن يكون له مكان ، وسيكون العالم أمام مشهد انقلاب عسكري صريح بدون أدنى شك ، أطاح برئيس منتخب من أجل أن يستولي الجيش على السلطة ، وهذا ما ينبغي أن نتحاشاه جميعا ، لأن عواقبه خطيرة على مستقبل البلد أمنيا واقتصاديا وحقوقيا وسياسيا أيضا ، حيث سيظل باب الفوضى والغضب والارتباك سائدا في المشهد ، والخوف يملك الجميع من الجميع ، وستدخل مصر ـ حينها ـ بكل تأكيد في نطاق الدولة الفاشلة .
................
المصريون

جمال سلطان
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..