الخميس، 17 أكتوبر 2013

الحج رابعة!

دأب الإخوان، قمة وقاعدة، على إنكار انتساب ولد الددو إلى منظمتهم. وربما صدقهم غير العارفين بهم
حتى رأوا الشيخ يتوسط اثنين ويبتسم، وصاحبيه، للمصور كما تقتضي صور الإعلانات التجارية،

ويرفع شارة رابعة العدوية يوم الحج الأكبر على جبل الرحمة حيث وقف صلى الله عليه وسلم يعلم الناس مناسكهم... يقول تعالى: " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"(البقرة 197) قال، في تفسير الفسوق:" الفسوق هاهنا السباب... التنابز بالألقاب." وقال في تفسير الجدال:" المراء في الحج...المخاصمة... تماري صاحبك حتى تغضبه... المراء والملاحاة، حتى تغضب أخاك وصاحبك... السباب والمنازعة... المراء والخصومات... أن تغضب عليك مسلما."(أنظر تفسير الطبري).

تترجم شارة رابعة هذه المعاني مجتمعة؛ فهي عنوان الخصومة بين المسلمين، وتغضب جمعا غفيرا منهم، وهي شعار لفئة من المسلمين تنازع فئة أخرى على السلطة، وجبل الرحمة ليس مكانا للخصومات والتحزب السياسي. ماذا يكون شعور الشيخ لو سمع، في ذلك الموقف من يردد "تسلم الأيادي"؟ ماذا كان سيقول لله لو هاجمه وصاحبيه بعض أنصار السيسي فكانت فتنة في عرفة؟ وما هو موقفه يوم الدين، لو قبضت روحه وهو يبتسم للمصور، ويرفع شارة رابعة!

لقد انشغل الشيخ وصاحبيه بأمور الدنيا في موقف يتجه فيه الناس إلى الله، وقد قال تعالى:" وأتموا الحج والعمرة لله"(البقرة 169). قال:" المراد بإتمام الحج والعمرة الاتيان بهما تامين ظاهرا بأداء المناسك على وجهها، وباطنا بالاخلاص لله تعالى وحده دون قصد الكسب والتجارة أو الرياء والسمعة فيهما، ولا ينافي الاخلاص البيع والشراء في أثناء الحج إذا لم تكن التجارة هي المقصودة في الأصل" (أنظر تفسير المنار). وقال:"أن تخرج من أهلك لا تريد غيرهما. عن سفيان قال:هو يعني تمامهما أن تخرج من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة... ليس أن تخرج لتجارة ولا حاجة..."(أنظر تفسير الطبري).

تدعونا هذه النصوص إلى التساؤل عن موقع شارة رابعة من المناسك. فهي زيادة لا أصل لها تفسد تمام الحج لأن الزيادة والنقصان في العبادة باطلة، وتمام الحج والعمرة الذي أمر به الله سبحانه يقتضي الإخلاص فيهما بألا يراد معهما غيرهما. وفعل الشيخ وصاحبيه يظهر فيه التواطؤ والنية المبيتة؛ فقد اجتمعوا في مكان معلوم، في وقت محدد، واتفقوا مع مصور حمل معه آلة تصوير، وجهازا موصولا بالشبكة وهو ما يفيد استصحاب النية من عرفات إلى عرفة.

يدلنا على ذلك ما نشره أحد نشطاء الاخوان عن تواطؤ الجماعة على هذا الفعل، والتنسيق له يقول:" الحج هو أكبر مؤتمر إسلامي على وجه الأرض لمناقشة هموم المسلمين والتكاتف فيما بينهم... فسنستغل شعارات رمز الصمود والعزة بعد صلاة العصر ليوم عرفة وحتى قبيل المغرب."

والخشية، كل الخشية من أن يدخل هذا التآمر في قوله تعالى:" ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم." (الحج 25) فالالحاد في اللغة هو الميل، ولا شك أن رفع شعارات سياسية على جبل الرحمة يوم الحج الأكبر ميل عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. استدل بعض السلف بهذه الآية على أن من همّ بالمعصية في الحرم كتبت عليه سيئة. قال ابن مسعود:" لو أن رجلا أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بعدن أبين لأذاقه الله من العذاب الأليم." وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإلحاد في الحرم بقوله:"احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه"، كما رواه أبو داود عن يعلي بن أمية، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فما بالك بفعل قد يؤدي إلى فتنة على عرفة يوم الحج الأكبر...

تلك هي فلسفة المقاصد التي تنتهي إلى علمنة الإسلام ليصبح برنامجا سياسيا مفرغا من جانبه التعبدي. فليناقش المسلمون وهم وقوف على عرفة كيفية استرداد الشرعية في مصر، وأسعار النفط، ومعدلات البطالة... وليضعوا منصة رابعة في مزدلفة يتناوب عليها الخطباء، حتى إذا ظهر الأمن المركزي هتف كبراؤهم: أنج سعد، فقد هلك سعيد... ولطالما جاهدوا في سبيل الديمقراطية، وحثوا الأغرار على طلب الشهادة بإسقاط النظام... يقول صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني مناسككم"(رواه مسلم، وأحمد، والنسائي). قال في شرحه:" هذا كلام جامع استدل به أهل العلم على مشروعية جميع ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وما قاله في حجه وجوبا في الواجبات، ومستحبا في المستحبات، وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، "صلوا كما رأيتموني أصلي"، فكما أن ذلك يشمل جزئيات الصلاة كلها، فهذا يشمل جزئيات المناسك كلها." فمن أجاز الزيادة في الحج، أجاز الزيادة في الصلاة. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

إن ما يزيد هذا الفعل شناعة صدوره ممن ينتسب لأهل العلم لاحتمال اقتداء العوام به فيصبح فعله حجة لأصحاب الأهواء والبدع. ولا نعلم للشيخ سلفا في هذا الفعل سوى حجيج إيران أيام الخميني الذين هتفوا بالموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، واستنكر أهل السنة جميعا، بما فيهم الإخوان، أيام الود مع السعودية، ذاك الفعل وعدوه خروجا بالمنسك عن مقصده الصحيح، وتوظيفا سياسيا له. وقد برر الشيعة فعلهم بالانتصار للمسلمين من الكفار، كما يبرر الإخوان اليوم فعلهم بالانتصار للمظلومين الذين أريقت دماؤهم في رابعة.

ونسي الإخوان أن دماء المسلمين تتكافأ وقد أباحوها في ليبيا وسوريا وساهموا بقسط وافر في إراقتها. فقد أباح شيخهم القرضاوي دم القذافي وبشار، وأفتى بمعاملة أسرى الجيش السوري معاملة المجرمين. ووصف مفكرهم الشنقيطي اغتيال البوطي وهو في بيت الله يعلم الناس دينهم، بأنه "قطف لعمامة سوء..." وتألّى على الله فأرسله إلى النار.."إلى النار فليذهب..."، حتى إذا أصابهم نصيبهم من الفتنة التي أشعلوها عظموا إراقة دم الإخوان، وأعادوا الإعتبار إلى أحاديث طاعة ولي الأمر (أنظر بيان القرضاوي)، " و إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين."(النور 48-49).

طاعة ولي الأمر التي أقرها ولد الددو في بعض القنوات لبعض الملوك، ونقضها في الجزيرة في حق بلدان الربيع، كان أحرى به التقيد بها في السعودية التي أصدرت بيانين تشدد فيهما على منع الشعارات السياسية في موسم الحج، وقد أفتى من قبل بوجوب طاعة خادم الحرمين!

وصل التأويل السياسي الإخواني للدين إلى حدوده القصوى حين طال العبادات؛ فقد يقال لنا غدا: لا صلاة لمن لم يقنت لصالح الإخوان، ومن لم يسب السيسي وزمرته فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه... والحج رابعة...

سيدي محمد ولد ابه
 
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..