الأحد، 17 نوفمبر 2013

هامش على : ليس باللجان تُعمر الأوطان

 هذه مجرد مقالة سابقة – أعيد نشرها بمناسبة أمطار الرياض - ولا جديد تحت شمس الفساد!!
وإن كنت أعتقد أن خطأ ما قد وقع ... فقد قرأنا عن (لجنة) للتحقيق في الفساد الذي أدى إلى الكارثة – وسنوات من التلاعب بالمواطن : القبض على "أمين بلدية سابق" .. التحقيق مع "موظف كبير"سابقا وعلى هذا المنوال - ولكننا لم نقرأ عن تشكيل (لجنة) لإصلاح ما فسد .. أو ما يمكن إصلاحه على الأقل!!
أليس عجيبا؟!!
فإلى المقالة القديمة :
ليست هذه هي المرة الأولى التي أجدنا فيها أتأرجح بين قناعتين. الكتابة عن الكارثة التي حلت بإخواننا من سكان جدة،وذلك أمر واجب،لأكثر من سبب،كشف التلاعب من قبل من يملكون معلومات عنها،إطلاق صرخة ضد الفساد. هذه قناعتي الأولى،و في الوقت نفسه،تسويد مئات الصفحات – على أقل تقدير- في الحديث عن المشكلة،هو في أحد صوره ليس أكثر من (ردة فعل)،تعودنا عليها في كثير من قضايانا،ثم تهدأ الأمور شيئا فشيئا،حتى يُنسى الأمر .. في انتظار (كارثة) أخرى،لا سمح الله.
ملاحظة : مع شديد الأسف وقعت بعد ذلك كارثة أخرى في جدة .. وفي ينبع .. وفي العاصمة الرياض – قبل الكارثة الحالية - .. وأخرى في تبوك .. وفي المنطقة الشرقية!!
كان من الطبيعي أن يقوم خادم الحرمين بتشكيل لجنة لتحدد المسؤولين عن تلك الكارثة،وصولا إلى محاسبتهم،فإذا بنا نجد من يصف تلك اللجنة بالتاريخية!!! ولو أنهم انتظروا حتى تنهي اللجة أعمالها،ويُبنى على ذلك محاسبة من كان يُظن أنه فوق المحاسبة،عندها يمكن وصف الأمر بالتاريخي.
يقيني أن عاقلا لا يمكنه أن يظن أن هذه الأسطر لها علاقة بتشكيل لجنة التحقيق – من حيث هي لجنة،مكلفة بمهام محددة – المشكلة من أجل الكشف عن ملابسات كارثة جدة،ولا علاقة لنا بطبيعة الحال بغير العاقل.
غني عن القول أن تشكيل لجة – أية لجنة – للتحقيق في خلال ما،يعني وقوع (كارثة) أو خطئ ما،والعنوان في أعلى هذه الأسطر،يلفت النظر إلى أن ما نحتاج إليه،ليس لجنة تشكل بعد أن (يقع الفأس في الرأس)،كما يقولون،بل تفادي وقوع الكوارث،وبالخصوص تلك التي تنتج عن الفساد.
من أجل ذلك قلنا بأن اللجان لا تعمر الأوطان،ولا تمنع الفساد،وإنما تقوم الأوطان – أو يصلح حالها – بوجود (آلية) تسير العمل،حتى يصبح مثل المكنة التي تعمل بشكل آلي،أو شبه آلي.
أتذكر هنا،أن بريطانيا حين منعت التدخين في الأماكن العامة – قبل سنوات – ووضعت تاريخا محددا لقرار المنع،وشاهدنا في أول يوم للمنع – عبر البي بي سي ،إذا لم تخني الذاكرة – رجالا،ونساء،يسجلون (المخالفات) على من يدخن في الأماكن العامة. نحن هنا أمام دولة أصدرت قانونا،ولكنها قبل أن تصدره كانت قد صنعت (آلية) لتنفيذه.
الحديث عن التدخين يقودني للحديث عن قرار قديم،منع بموجبه التدخين في الإدارات الحكومية. بعد صدور ذلك القرار،ذهب مجموعة من الموظفين لحضور دورة في معهد الإدارة بالرياض،فذهبوا لمدير المعهد للسلام عليه،فوجدوه يدخن!! فذكروه بقرار المنع،فأعطاهم الدرس الأول : كل قرار منع غير مصحوب بعقوبة،فهو كعدمه.
سوف نخرج من غمامة التدخين تلك،لنقلب العملة على وجهها الآخر،لنرى ما سوف تحمله لنا.
لدينا (أنظمة) راقية،ولعلها مستقاة من أنظمة الدول المتقدمة،مثل (سجل متابعة حالة الطالب)،السجل في حد ذاته،عمل رائع،ولكنه تحول،لأكثر من سبب إلى مجرد روتين،بل وعبأ،يضيع الوقت،وتصرف على طباعتة الأموال،وفي النهاية تجده لا يحتوي على أية معلومة،سوى اسم الطالب،وتاريخ ميلاده ..إلخ. أما المعلومات الطبية،والتي يُفترض أن السجل وضع من أجلها،ومن أجل متابعة حالة الطالب الصحية من لحظة التحاقه بالتعليم،تلك المعلومات الصحية،لا وجود لها!!
يوجد أكثر من سبب،يقف خلف عدم الاستفادة من ذلك السجل،كثرة عدد الطلاب في كل مدرسة،مع احتمال وجود نقص في عدد الموظفين أو المسجلين – بعض المدارس تكلف بعض المدرسين بالأعمال الكتابية – والأهم من ذلك عدم التناسب بين عدد الطلاب وعدد المصحات،وذلك التناسب هو الذي يكفل انسياب عملية المتابعة الطبية للطلاب،من أجل ملأ السجل الطبي لكل طالب،ومتابعة حالته الصحية.
لجان استباقية!!
قبل عدة سنوات،حين كتبت كراس ( بس لا تقولوا فاضي : سياحة في معجم "أسبار للنساء السعوديات") ختمت المقدمة،بالقول : الوعد شهار!! {شهار = العباسية أو العصفورية}
أرجو ألا يكون الحديث عن اللجان الاستباقية،خطوة نحو (شهار).
هل يمكن لعاقل أن يفكر في تشكيل لجنة للتحقيق في كارثة لم تقع بعد؟!!!
ليست هذه محاولة لاستخفاف الظل،فالأمر – من وجهة نظري الخاصة – أكثر خطورة،من أن يكون موضوعا لمحاولة رسم ابتسامة على وجهة قارئ.
نشير في هذه الأسطر،إلا عدة قضايا،بينها قدر كبير من الترابط.
خير خافي ارتفاع الأسعار الذي سبق الأزمة الاقتصادية الأخيرة، ثم تزايد بسببها،هذه قضية،ثم هناك شكوى متكررة من رداءة الصناعة الصينية،وقد دافع بعض الصينيين،عن صناعتهم،بحجة مفادها – سمعة الحجة هنا في السعودية،وهناك في أرض الكنانة،عبر قناة "البركة" طيب الله ثراها – أن التجار يطلبون البضاعة لأقل تكلفة،والسبب معروف،ليحصلوا على أعلى ربح،ومع وجود لوحة باسم (هيئة المواصفات) وغياب دورها على أرض الواقع،يتم إغراق الأسواق ببضاعة رديئة – جدا – وتلك البضاعة تدعمها ظروف الناس المادية،حيث يضطرون لشراء المواد الرخيصة.
لديّ شكوى – لا تخصني بمفردي – وهي تكرار تسرب المياه من بعض أدوات السباكة،بالمناسبة حتى تلك التي كتب عليها (صناعة ألمانية أو إيطالية)،وهي في الحقيقة مصنوعة في الصين!! وقد أخبرني عامل في أحد المحلات،أنهم حين يحضرون عشرة ليات – مثلا – من النوعية الممتازة،ومائة من النوعية الرديئة،تنتهي المائة،والأصلية قابعة في مكانها،والسبب أن المستهلك المفلس،يقول أشتري الرخيص،(أمشي بو الحال)،كما نقول بالعامية. وهكذا يزداد الطلب على الأدوات الرديئة،ويقل على الأدوات الممتازة.
باختصار هذه المشكلة،تنبثق عنها مشاكل أخر،استنزاف الاقتصاد السعودي،فأدوات السباكة التي كانت تعمر لمدة خمسة عشر أو عشرين سنة، يصيبها التلف في أقل من ذلك بكثير،أضف على ذلك المياه – التي تدفع في تحليتها الملايين،والماء،مرشح لأن يكون سببا للحروب القادمة - التي تتسرب نتيجة رداءة الأدوات،ولسنا في حاجة إلى لفت النظر إلى تأثير تلك المياه المتسربة على البناء وعمره الافتراضي،وإذا أردتم استكمال الصورة،يمكنكم إضافة تأثير الأزمة المالية وارتفاع أسعار مواد البناء،على جودة البناء نفسه،من جهة التلاعب بالإسمنت والحديد،وإذا أضفتم تلاعب المقاولين،واحتمال رشوة المهندسين .. قد تستطيعون تصور الكارثة التي قد لا تكشف عن وجهها إلا بعد سنوات عديدة.
فهل نحن في حاجة إلى (لجان استباقية)؟!!
تلويحة الوداع :
هذا جزء من خطبة ألقاها دوج جون،بين يديّ الملك لي – وانج،حوالي سنة 845 قبل الميلاد :
(يعرف الإمبراطور كيف يحكم إذا كان الشعراء أحرارا في قرض الشعر،والناس أحرارا في تمثيل المسرحيات،والمؤرخون أحرارا في قول الحق،والوزراء أحرارا في إسداء النصح،والفقراء أحرارا في التذمر من الضرائب،والطلاب أحرارا في تعلم العلم جهرة،والعمال أحرارا في مدح مهاراتهم وفي السعي في العمل،والشعب حر في أن يتحدث عن كل شيء،والشيوخ أحرارا في تخطئة كل شيء.){ (قصة الحضارة) / ول ديورانت / ص 4 جــ 4 مجلد 1 ترجمة : محمد بدران / نشرت الجامعة العربية }.
أبو أشرف محمود المختار الشنقيطي
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..