السبت، 9 نوفمبر 2013

فيلسوف (الليبرالية) يستخف بالليبراليات السعوديات !

من الطبيعي أن تكون السلطة الأسرية في يد الرجل بحكم تفوقه على المرأة، ومن المعقول أن يأمر الرجل (الزوج) فتطيع المرأة (الزوجة)، لأن جنس الرجل أصلح للرئاسة كونه الأقوى والأقدر، لذا يبدو تسلطه طبيعياً في هذه الحالة، خصوصاً أنه يختلف عن المرأة في الفهم والإدراك، ومن ثم تتباين قدراتهما إلى درجة التضاد، الأمر الذي يؤدي إلى وجود إرادتين، فيكون من الضروري حسم القرار الأخير بينهما، فيكون نافذاً لصالح الرجل، بل المرأة خلقت لتكون مرافقة للرجل، و(تابعة) له في أحايين كثيرة.

هذه الأفكار التي تضع المرأة خلف الرجل، وتحت سلطته، وتؤكد تفوقه عليها ليست من أفكار أحد غلاة السلفية، أو أحد مناصري المجتمع الذكوري، أو أحد الرافضين للاختلاط، أو أحد المعارضين لقيادة المرأة للسيارة، أو حتى أحد كبار السن البسطاء الذي لازال يعيش خيالاً شارداً في عبق البيوت الطينية، حيث كانت حدود معرفته في علاقة المرأة بالرجل تنتهي عند باب بيته، إنما هي من أفكار – وهنا المفاجأة – أحد أبرز فلاسفة الليبرالية، إن لم يكن أبرزهم على الإطلاق، لأن مفهوم الحرية وفق الفلسفة الليبرالية الغربية قد ارتبط بشكل كبير بأفكاره وتاريخه النضالي من أجل تقرير الحرية الفردية، أنه العالم التجريبي والمفكر السياسي الانجليزي جون لوك (1632 - 1704م)، الذي بلور النظرية الليبرالية لدولة الحق والقانون، وصاحب عبارة: (إن حريتي تنتهي عندما تبتدئ حرية الآخرين)، لذلك يعتبر أحد أهم مؤسسي النظام الليبرالي الديمقراطي الحديث.

إن هذه الأفكار تجسد موقف هذا الليبرالي العريق بشأن المرأة، من حيث دورها الاجتماعي مقابل الرجل، وهو موقف يقوم على الفصل بين مسألتين، الأولى (حقوق المرأة) الطبيعية باعتبارها إنسانا، وارتباط ذلك بواجباتها التي لا تنفصل عن هذه الحقوق، والمسألة الثانية (دور المرأة الاجتماعي) ومساحة تحركها، وذلك من واقع نظرته لعلاقة الرجل الطبيعية بالمرأة ببعديها (الأزلي) منذ بدء الخليقة، و(الأبدي) إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث يذهب في تصوره لهذه العلاقة إلى احتياج المرأة المستمر للرجل في أهم ركيزتين للأسرة التي هي اللبنة الأولى في المجتمع، وهما (قدرة الإنجاب)، و(تربية النشء)، فرأيه أن المرأة لا تملك القدرة على الإنجاب دون الرجل، كما أنها تعتمد على قوته بشكل رئيس في تربية النشء، وعليه يستنتج المفكر الليبرالي جون لوك أنه من الطبيعي أن تكون السلطة الأسرية في يد الرجل بحكم تفوق الرجل على المرأة.

وهو هنا يرد بشكل واضح وقاطع على قطاع كبير من الكاتبات الليبراليات اللاتي صدعن رؤوسنا في نفي دور المرأة داخل أسرتها، وأنها ليست للنفخ والطبخ، أو الحمل والولادة، وكأن التزام المرأة بواجباتها الأسرية، واستجابتها للسنن الكونية التي وضعها خالق الكون، هو إهانة لها أو تحجيم لدورها. فهل يجوز لنا أن نفتري على فيلسوف الليبرالية الأول، ونقول بوضوح إنه يؤيد فكرة (المجتمع الذكوري)، رغم أن المنطلقات الفكرية التي برّر بها هذا التوجه، هي محل النقد من قبل كثير من أدعياء الليبرالية اليوم، الذين لازالوا يشنعون على خصومهم الإسلاميين حرباً فكرية بحجة موقفهم السلبي من المرأة، لدرجة أن إحدى الكاتبات الليبراليات راحت تنبش في كتب الفقه الإسلامي، في محاولة يائسة للربط بين الجناية على المرأة ونتاج أئمة الأمة، حيث وجدت رأياً فقهياً شاذاً يقول إن المرأة عند الرجل مثل الأجيرة، فليس من مسؤوليته معالجتها إن مرضت.

طبعاً أدعياء الليبرالية لديهم متعة في البحث التاريخي والتنقيب الفكري عن شواذ الأقوال والآراء الفقهية الغريبة في تراثنا الفقهي الإسلامي الممتد لـ 14 قرناً ، كي ينسجوا على تلك الأقوال والآراء مزاعمهم الباطلة أن المرأة في مجمل ذلك التراث الفقهي العظيم، هي (محتقرة)، وأنها تعُامل بدرجة أقل من الرجل، مع الاستشهاد المستمر بما وصلته المرأة الغربية من تكريم اجتماعي، لأن الثورة الفكرية التي قامت خلال عصور النهضة الأوروبية كانت ثورة عارمة على الفكر الغربي السائد المتخلف منذ أيام العصور الوسطى، فكانت أن جاءت الليبرالية بفلسفة الحرية لترفع من قدر المرأة. فهل بالفعل جاءت الليبرالية بذلك خاصة ً أن فيلسوفها الكبير جون لوك حاضر بيننا بهذه الأفكار التي لا تخرج عن النظرة الطبيعية تجاه المرأة. لأنه يقيس المسألة برمتها وفق التكامل الطبيعي بين المرأة والرجل في أدوارهما. وهو بهذا الرأي كأنما يستخف بالليبراليات السعوديات والعربيات بشكل عام.

إذا ً على الليبراليين والليبرالية الذين ما انفكوا يمارسون (الدفاع الفكري) عن المرأة وحقوقها تحت دعوى تحقيق الحرية الفردية لها بالمساواة التامة مع الرجل، أن يدرسوا حقيقة (الليبرالية الغربية) بشكل متعمق، من خلال فلاسفتها الأوائل، فربما يكفون عن الضجيج، فيكون المجال مفتوحاً ليعقلوا كيف رفع الإسلام من منـزلة المرأة، بحيث لم تعد بحاجة لتلك المساواة المزعومة ، فكما قالت إحدى الغربيات: كنت أتمنى أن أكون رجلاً، وعندما أسلمت حمدت الله أني امرأة.

03-01-1435 07:08

  محمد بن عيسى الكنعان :


_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..