الاثنين، 3 مارس 2014

الوطن والكفاءات الداعمة لتنميته

 في سلسلة من المقالات التي بدأت التركيز فيها على مفهوم بناء الدولة وتعزيز الإنجاز وتأكيد أهمية حماية وحدة الوطن وإبعاده عن الآثار السلبية التي يعيشها العالم من حولنا خصوصا مع الاستغلال السلبي لرغبات الشعوب في تطوير أنظمتها وتحوّل تلك الرغبة إلى مجازر ومفاسد لا يعلم أثرها إلا الله، وخوفا من تلك الآثار السلبية على المجتمع يصبح الحرص على حماية المكتسبات الوطنية وتطوير كل أدوات الارتقاء بالوطن أمرا حتميا، وذكرت في هذا السياق ما تم إنجازه في السعودية من بداية الوحدة إلى ما نحن فيه اليوم من إنجازات وخوفا على هذه الوحدة وتلك الإنجازات أبرزت أهم مقومات الحفاظ عليها وتطويرها ووقفت في المقال السابق على أهمية اختيار الكفاءات القيادية والإدارية المؤهلة والمدربة خصوصا المسؤولة عن أهم مفاتيح التنمية في المملكة وهذا الأمر يتطلب حسن اختيارها وتدريبها واختيار الكفاءات العاملة معها.
إن نجاح إدارة التنمية وتحقيق أفضل ما فيها ومنها هو التقاء موردين مهمين هما الموارد البشرية والموارد المادية ومع أهمية الموارد المالية إلا أن الموارد البشرية والاهتمام باختيارها وتطويرها وتدريبها يعتبر المفتاح الأساسي لأي تنمية وتحقيقا لكل استقرار، ولهذا فإن اختيار الأشخاص القادرين على تحقيق ذلك يتطلب مجموعة من المتطلبات الأساسية لعل من أهمها الكفاءة والنزاهة والاستقامة والأمانة والقوة وسعة الاطلاع ثم يتبع ذلك الثقة والولاء والانتماء وغيرها من القيم التي تعكس أخلاقيات الإداري والقيادي المتميز، وهذه الكفاءات الإدارية القيادية تتطلب فريقا من الخبراء والمتخصصين في مختلف مناحي الحياة ممن يشهد لهم بكل الصفات التي سبق ذكرها، وقبل هذه الكفاءات تلعب دورا مهما في حياة المسؤول خصوصا عندما يتم الاعتماد عليهم في الرأي والمشورة وتكون خطورتها عندما تتحول من فريق يعمل من أجل مصلحة الوطن إلى مجموعة من أصحاب المصالح الخاصة التي تسعى إلى تحقيق كل المكاسب الخاصة على حساب مصالح الوطن والمواطنين، وهنا تبرز مشكلة عظيمة لا يتنبه لها أغلب المسؤولين القياديين لأنهم بنوا مع الوقت ثقة بمثل هؤلاء الأشخاص.
إن خطورة مثل هؤلاء المستشارين أو ما سميته البطانة هو أنها جاءت من أجل تقديم الرأي والمشورة فيما يخدم العمل والوطن في مختلف القضايا، ولكن لطبيعة مصالحها الخاصة وحرصها على حماية تلك المصالح، فإننا نجدها موجودة على مختلف الأصعدة ومطلعة على كل الأمور الصغيرة والكبيرة، ولهذا فإنها تنتقل من عملها الرسمي إلى العلاقات الخاصة والتدخل في كل الأمور وتحتكر الأمر والنهي والتغيير والعمل على إصدار الأوامر والقرارات وتطبيقها وفقا لمصالحها.
كما أن هذه الفئة من المستشارين أو البطانة تستخدم الكلمات الإيجابية التي لا تدل على عدم الاعتراض أو التأخير في تنفيذ الأوامر ولا تجيد إبداء الرأي الذي ينير الطريق للتفكير والاسترشاد مخافة فقد المكانة، يقابلها في الطرف الآخر استخدام الكلمات والتصرفات السلبية والتسفيه لآراء وأفكار وأعمال الآخرين وتصيد أخطائهم بقصد الإساءة، ولهذا فإن مثل هؤلاء العاملين يعملون جهدهم ليقفوا حاجزا بين المسؤول والعاملين معه والمراجعين له حتى يضمنوا عدم وصول الحقيقة لذلك المسؤول ويستخدمون في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.
إن مثل هذه الفئة من الموظفين أو المستشارين أو البطانة ونتيجة لتوطنها وسيطرتها على منافذ القرار ووجودها الدائم مع المسؤول ليلا ونهارا واستعمالها كل ما هو متوافر ومتاح من الوسائل المسموح وغير المسموح بها للوصول إلى مبتغاها وتخطي العقبات التي تقف في وجهها وبما يضمن لها الوصول إلى منطقة الأمان والثقة وبوصولها إلى تلك المنطقة تبدأ مرحلة الاستقرار وتثبيت الجذور ولو التفت كل واحد منا حوله ونظر لمثل هذه الفئة سيكتشف أساليبها وتثبيتها لرجالها من الأبناء والأحفاد والأقارب في مختلف المواقع ضمن الجهاز الحكومي الذي يعمل فيه، ولعل مقولة أحد السلاطين لابنه وهو يسلمه مسؤولية الحكم خير موجه لمعالجته مثل هذه الحالات عندما قال له "يا بني لا تجعل رفقاء النهار هم رفقاء الليل، لأن لكل منهما مسؤولياته التي يجب ألا تختلط مع بعضها بعضا.
إن المطلوب للوصول بالعمل الوطني إلى المستويات المنتجة التي تحقق له ما نصبو إليه جميعا من تكامل وازدهار وتنمية متوازنة ومستقرة هو الخروج من نظام البطانة إلى نظام العمل المؤسسي الذي يبني مختلف الأجهزة ويحقق استمرارية العمل ويدعم مراكز الدراسات واتخاذ القرار ويدعم دور الرأي المشترك والعمل الجماعي البعيد عن المصالح الخاصة والنظرة السلبية والأنانية القاصرة التي تنطلق، كما أكرر دائما من مبدأ "أنا ومن بعدي الطوفان"، ويقول عمر بن عبد العزيز ـــ رضي الله عنه ـــ في خطبة له" من أراد أن يصحبنا فليصحبنا بخمس: يوصل إلينا حاجة من لا تصل إلينا حاجته، ويدلنا من العدل على ما لا نهتدي إليه، ويكون عونا على الحق، ويؤدي الأمانة إلينا وإلى الناس، ولا يغتب عندنا أحدا، ومن لم يفعل فهو في حرج من صحبتنا والدخول علينا".
وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء وعربي اللسان وإسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل:
«اصبر ما دام أنا أقدر الصبر وقواه
ولا ينقوي صبر تعـدى حـدوده
صبر الهوان إلى تذكـرت فرقـاه
ولا خبر للفرقا حتـن معـدوده
شرهه يدي ماكل عـودٍ تعصّـاه
ولا هي على عوج العصي محدوده
يا أهل النمايم من عمل عمل يلقاه
في ماقف يوم الجوارح شهـوده».



د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري


المصدر


_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..