الثلاثاء، 4 مارس 2014

نظرية «السيادة المحدودة» في أوكرانيا..

تتسارع التطورات في أوكرانيا. من الثابت أنّ لا شيء يمكن أن يقف في وجه تحقيق الشعب الاوكراني طموحاته. الثابت أيضا أن فلاديمير بوتين نسي أنّ الاتحاد السوفياتي انتهى وأن الحرب الباردة صارت جزءا من الماضي في اليوم الذي سقط فيه جدار برلين في تشرين الثاني- نوفمبر 1989. يبدو أنّه يرفض أخذ العلم بذلك ويظنّ أن في الامكان تكرار بودابست 1956 وبراغ 1968 في كييف السنة 2014.

الواضح أن الرئيس الروسي يستخدم في محاولة ابقاء أوكرانيا في الفلك الروسي وسائل أكثر تطوّرا ونعومة من تلك التي استخدمها زعماء الكرملين من أجل اخضاع هنغاريا وما كان تشيكوسلوفاكيا التي انقسمت الى دولتين (تشيكيا وسلوفاكيا) بعد خروجها من تحت النير السوفياتي في 1990.

في بودابست وبراغ وحتى في وارسو، حيث حصل انقلاب عسكري مدعوم سوفياتيا بواسطة الجنرال ياروزلسكي في العام 1981 لمنع بولندا من أن تكون مستقلّة، استخدمت موسكو نظرية «السيادة المحدودة«. كانت هذه النظرية تطبق على الدول الاوروبية الشرقية التي كانت تنتمي الى «المنظومة الاشتراكية«. هل يظن بوتين أن في استطاعته تطبيق هذه السياسة على الدول الاوروبية التي لديها حدود مباشرة مع روسيا؟

يلجأ بوتين في السنة 2014 الى الرشوة من أجل الاحتفاظ بأوكرانيا التي يسعى شعبها، في معظمه، الى السير في ركاب الاتحاد الاوروبي. يلجأ في الوقت ذاته الى تشجيع الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش على استخدام القوة في قمع المتظاهرين الذين لم يقصروا من جانبهم في اللجوء الى العنف. فرّ يانوكوفيتش من كييف وما لبث أن أعلن أن ما يحصل في البلد «انقلاب«، أي أنّه لا يزال الرئيس الشرعي المرفوض من شعبه!

الى الآن، تردّد الرئيس الروسي في استخدام الدبابات الروسية كما كان يفعل اسلافه من المقيمين في الكرملين.

ما لا يمكن تجاهله أن أوكرانيا كانت في الماضي جمهورية سوفياتية ومعظم الرجال فيها تدرّبوا على السلاح في سنّ معيّنة، كما ان عدد سكانها ليس قليلا اذ يتجاوز خمسة واربعين مليون نسمة. هذا يعني بكلّ بساطة وفي ظلّ سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا في ساحة «الميدان« في كييف أن الوضع في البلد بلغ نقطة اللاعودة، على الرغم من كلّ الكلام عن التوصل الى صيغة تفاهم تضع حدّا للعنف وتلبي بعض مطالب المواطنين الاوكرانيين.

كم سيسقط من الضحايا قبل أن يقتنع بوتين بأن صفحة الاتحاد السوفياتي طويت وأن ممارسات الماضي لم تعد صالحة، حتى عندما تكون مغلّفة بمليارات الدولارات من المساعدات وحتى عندما تكون هناك ادارة أميركية ضعيفة لا تعرف ماذا تريد وتحتقر في الوقت ذاته الاوروبيين؟...

في النهاية، تبيّن بكلّ وضوح أنّ هناك اصرارا لدى الاوكرانيين على الذهاب بعيدا في التخلّص من النظام القائم الذي لا يزال يعتبر أن اوكرانيا تعيش في ظلّ الشقيق الاكبر الروسي وبرعايته. كان اقرار البرلمان العودة الى الدستور القديم الذي يحدّ من صلاحيات الرئيس أبرز دليل على ذلك.

هناك رغبة شعبية في التحرّر والانتماء شيئا فشيئا الى الاتحاد الاوروبي تمهيدا للحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد. سيحقق الاوكرانيون طموحاتهم على غرار ما حصل في تشيكوسلوفاكيا (السابقة) وهنغاريا وبولندا ورومانيا وبلغاريا وفي ما كان يسمّى ألمانيا الشرقية. لا يمكن للسياسة الروسية التي يتبعها فلاديمير بوتين أن تحول دون ذلك.

كلّ ما يفعله بوتين حاليا محاولة لاعادة عجلة التاريخ الى خلف. لو كان وقف عجلة التاريخ ممكنا، لكان الجيش الاحمر لا يزال في برلين ولما كانت المانيا استعادت وحدتها.

ما تكشفه أحداث أوكرانيا، بغض النظر عن الاتفاق الذي تم التوصّل اليه بين السلطة والمعارضة، يتمثّل في أن القيصر الروسي الجديد لا زال يمتلك اوهاما قديمة. الامر لا يقتصر على أوكرانيا التي ستصبح عاجلاً أم آجلاً جزءاً من أوروبا. الأمر ينسحب أيضا على سوريا، التي ليست لديها حدود مشتركة مع روسيا، حيث تلعب موسكو دورا يصبّ في خدمة تفتيت البلد. ما الذي يمكن ان تستفيد منه موسكو في حال بقي بشّار الاسد في السلطة، علما أن ذلك من سابع المستحيلات؟ ليس صدفة أن ثوار أوكرانيا رفعوا علم الثورة السورية في «الميدان« في قلب كييف قبل أيّام. ليس صدفة أن يكون العناد الروسي وجد ترجمة له في سوريا حيث نظام مرفوض من شعبه يحتاج الى دعم خارجي ذي طابع مذهبي بحت من أجل البقاء في السطة ومتابعة مجازره...

من أوكرانيا...الى سوريا، هناك سياسة روسية غير مفهمومة على الاطلاق. لا يمكن ايجاد تفسير منطقي لهذه السياسة التي لا تخدم سوى الوقوف في وجه شعوب تسعى الى الحرّية واستعادة كرامتها. هل كثير على روسيا الجديدة التي تحرّرت من النظام الشيوعي الاعتراف بأنّ من حقّ الشعوب الاخرى أن تنعم بالحرية. هل كثير على فلاديمير بوتين استيعاب أنّ العالم تغيّر وأن روسيا ليست قوّة عظمى نظرا الى أن اقتصادها لا يسمح لها بذلك من جهة وأنّ عليها الاهتمام بمواطنيها الروس أوّلاً، من جهة أخرى؟

حسنا، كان الاتحاد السوفياتي القوّة العظمى الثانية في العالم. استثمر في اقامة أنظمة تابعة له في كلّ أنحاء العالم. وصل به الامر الى جعل ما كان يسمّى اليمن الجنوبي «دولة ماركسية«. ماذا كانت نتيجة ذلك غير تدمير البلد وتهجير أفضل اليمنيين والغاء الدور الذي كان يلعبه ميناء عدن على صعيد التجارة العالمية؟ هل افقار مواطني اليمن الجنوبي هدف بحدّ ذاته؟
الأربعاء 26 شباط 2014 - العدد 4960 - صفحة 19

خيرالله خيرالله


_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..