الأربعاء، 30 أبريل 2014

نَعتذرُ إليكِ يَا تُركيا ونعتذرُ إليك يا سيادةَ الرئيس

الكلام الذي أطلقه مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في إحدى ندوات المؤتمر العالمي لمكافحة الإرهاب المنعقد في المدينة المنوّرة، منذ أيام، في حق دولة تركيا، ورئيس وزرائها المبجل السيد طيب رجب أردوغان، كلامٌ أقل ما يُقال عنه: إنه كلامٌ غير مسؤولٍ، بل هو كلامٌ مرفوضٌ بكل المقاييس، ولا يليق بأيِّ أحد على الإطلاق؛ دع عنك مدير أكبر جامعة إسلامية في قبلة الإسلام ومهبط الوحي. إن الضجة التي أحدثها الكلام المشار إليه التي من المتوقع أن تتفاعل بشكلٍ أكبر عندما يتسع نطاق نشر الكلام، ضجة متوقعة ومبررة لأسبابٍ كثيرة؛ من أهمها أن الكلام صادرٌ عن مدير صرحٍ علمي إسلامي كبير في المملكة العربية السعودية، وفي حق دولة من أكبر وأهم الدول الإسلامية، ورئيسِ وزراءٍ من أعظم رؤساء الوزارات وأعلاهم مكانة في تاريخ الأمة الحديث.
مدير الجامعة - ومع الأسف الشديد - لم يحترم الصرح الذي يمثله، ولم يراع مكانة ومصالح دولته، ولم يحترم أوامر وليّ أمره التي لم يجف حبرها بعد، التي نصّت على عدم التعرُّض بالإساءة للدول الأخرى وقادتها، بل لم يحترم الحد الأدنى من العقل والعلم، حين قال: "إن تركيا أشد دول أوروبا في الفساد والفجور والبُعد عن دين الله - عزّ وجلّ"، وحين اتهم رئيس وزراء تركيا، زوراً وبهتاناً بل فجوراً، بأنه "افتتح نادياً للعراة"، وحين وصف تركيا بأنها "الدولة الفاجرة الفاسدة الفاسقة".
إن من المُفجع أن يجهل مدير جامعة بحجم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن تركيا ليست دولة أوروبية، وإن من المحزن أن ينسى أن تركيا كانت مركزاً للخلافة الإسلامية لأكثر من ثمانية قرون، وإن من غير المقبول على الإطلاق أن يتجاهل مثله جهاد رئيس الوزراء المبجل السيد طيب رجب أردوغان، ورفاقه، وحزبهم الإسلامي، وإنجازاتهم الكبيرة في تصحيح مسار الحكم في تركيا والمحافظة على هوية أغلبية الشعب التركي الإسلامية، وإن من الكارثي أن يتصور مدير الجامعة ولو في أحلامه؛ دع عنك أن يقول: إن تركيا "أشد دول أوروبا في الفساد والفجور والبُعد عن دين الله - عزّ وجلّ"، بل يضيف إلى هذا الكلام الجاهل والمرفوض تأكيداً بقوله: "وأشنع من ذلك". 
 
يصعب عليَّ أن أتصور أن مديراً لجامعة إسلامية عريقة يمكن أن يقول وعلى رؤوس الأشهاد: إن تركيا "دولة فاجرة فاسدة فاسقة"، وأن يتهم زوراً وبهتاناً بل فجوراً رئيس وزرائها المسلم المعروف باستقامته وجهاده الطويل في نشر الفضيلة وترسيخها في الحياة التركية، الذي نال أعلى جائزة في المملكة العربية السعودية لخدمة الإسلام، الذي منحته جامعة أم القرى المجاورة للحرم الشريف درجة الدكتوراه الفخرية تقديراً لجهوده وإنجازاته الإسلامية، بأنه افتتح نادياً للعراة، ويزداد الأمر صعوبةً وغرابةً إذا تذكرت أن هذا الكلام غير المسؤول على الإطلاق وهذا الهجوم المستهجن إنما كان تعليقاً على تغريدة مواطن سعودي، مواطن واحد أعلن إعجابه بالسيد أردوغان، وامتدحه وبلغ به الحماس أن رأي أن السيد أردوغان  جديرٌ بأن يكون في منصب الخلافة الشاغر!!  فما علاقة تركيا وأردوغان بتغريدة المغرِّد السعودي؟ ولماذا حشرهما هذا المدير الحصيف في خلافه مع مواطنه الآخر؟ وهل لم يكن بإمكانه أن يعارض رأي مواطنه بأسلوبٍ متحضرٍ، وأن يفنده إن أراد وبأعلى درجة من المعارضة دون الإساءة إلى دولة شقيقة ودون التجني على رئيس وزراء من أكبر رؤساء الوزارات مكانةً في العالم ومن أكثرهم تقديراً واحتراماً؛ ليس فقط لدى الشعوب الإسلامية وإنما لدى جميع شعوب العالم؟ وهل نسي هذا المدير - هداه الله - أن تركيا دولة مسلمة شقيقة تربطها بالمملكة أقوى الروابط وأمتنها، وأن التعاون بين البلدين في أوج ازدهاره في كثيرٍ من  المجالات؟ بل هل نسي أن هناك مئات ألوف من الإخوة والأخوات الأتراك الذين يعملون ويعيشون في المملكة والذين يؤذيهم ويجرحهم كلامه، بل يمس كرامتهم؟ مثلما إن هناك مئات الألوف من المواطنين السعوديين وربما الملايين الذين يقضون إجازاتهم في تركيا والذين يمكن أن ينعكس عليهم كلامه بشكل سلبي؟
 
إن كلام مدير الجامعة الذي لم يحالفه التوفيق فيه على الإطلاق، بل إن كلامه المتجرد من المسؤولية والحكمة والذوق لا يشكل إساءة كبيرة إلى دولة شقيقة وإلى رئيس وزراء له مكانته العالية فقط، وإنما هو في الدرجة الأولى إساءة إلى المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً، وإساءة إلى العلم والعلماء والصروح العلمية في المملكة، ويعطي صورة وانطباعاً غير صحيحين على الإطلاق عن المملكة وعلمائها والفكر السائد فيها، وإن من لطف الله - عزّ وجلّ - أن كل عاقل يعلم أن مدير جامعة الإمام في كلامه غير المسؤول لا يمثل إلا نفسه وما يعتلج فيها مما لا يعلمه إلا الله ، وأن المملكة العربية السعودية قيادةً ومجتمعاً لا تقرُّ هذه التجاوزات الشنيعة على الإطلاق، بل تشجبها، ولا يساورني أدنى شك في أن الإجراءات المناسبة حيالها ستتخذ من قِبل ولي الأمر وفي وقتٍ قريب. كما أن كل من لديه حدٌّ أدنى من الدراية، يعلم أن القيادة السعودية والشعب السعودي يحملان كل التقدير والاحترام لتركيا وللشعب التركي الشقيق، وأن الروابط الوثيقة بين المملكة العربية السعودية وتركيا أعمق وأوثق من أن يؤثر فيها مثل هذا الكلام غير المسؤول بأي شكلٍ من الأشكال.
إنني أنصح مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومَن هم على شاكلته، وهم قلة ولله الحمد، أن يقرأوا كتاب "التجربة النهضوية التركية" للكاتب محمد زاهد جول؛ ليتعرفوا بشكلٍ أفضل على حقيقة السيد أردوغان، وما حققه هو وحزبه من إنجازاتٍ خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية في تركيا، كما أنصحهم أن يبادروا بزيارة تركيا في أقرب وقت ممكن وأن يتأملوا في مئات الألوف من المآذن وقباب المساجد التي تتباهى بها المدن والقرى التركية، وفي الملايين الذين يعمرون تلك المساجد بالعبادة والذكر، وأن يحاولوا زيارة ولو واحدة من آلاف بل عشرات آلاف المدارس والجمعيات الإسلامية التي انتشرت في جميع أصقاع تركيا، بفضل الله أولاً، ثم بفضل السيد أردوغان وأمثاله من المصلحين الأتراك،  وقبل ذلك وبعده، بل أهم منه، أن يطلع بشكلٍ مباشر على مشاعر الشعب التركي المسلم تجاه الشعب السعودي ومدى الحب الذي يحملونه له، وعلى التقدير والاحترام اللذين تحملهما الحكومة التركية للمملكة العربية السعودية اللذين يتجليان في الطريقة التي تتعامل بها الجهات الرسمية في تركيا مع المواطنين السعوديين، كما أنصح مدير الجامعة قبل هذا كله بأن يطلب المغفرة من الله - عزّ وجلّ - عمّا وقع فيه من ظلمٍ وبهتانٍ، وأن يبادر بتقديم الاعتذار العلني لجميع مَن أساء إليهم ومنهم ولاة أمره والشعب الذي ينتمي إليه.
 
إنني نيابةً عن جميع السعوديين المحبين لتركيا الذين يعرفون مكانتها ودورها الكبير في الأمة الإسلامية أتقدم إلى سيادة رئيس جمهورية تركيا السيد عبد الله غُل، وإلى سيادة رئيس الوزراء التركي السيد طيب رجب أردوغان، وإلى الحكومة التركية، وجميع الشعب التركي، بالاعتذار الشديد عمّا بدر من مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من كلامٍ غير مسؤولٍ ومستهجن، مؤكداً لهم جميعاً أن تركيا والشعب التركي في قلوبنا، وأن ما نحمله من تقديرٍ لتركيا ولرئيسها السيد عبد الله غُل ولرئيس الوزراء السيد طيب رجب أردوغان أكبر من أن تعبر عنه الكلمات في مثل هذه العجالة، وأننا جميعاً نتمنى أن يحفظ الله، تركيا والشعب التركي، وأن يصون أواصر الأخوة والمودة  بين المملكة وتركيا، وأن يجمع شمل أمتنا ويوحّد كلمتها ويحميها من جهل الجاهلين ومكر الحاقدين والحمد لله من قبل ومن بعد.
29 جمادى الثانية 1435-2014-04-2901:50 PM
د . أحمد التويجري

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..