الأربعاء، 9 يوليو 2014

مذكرات مأذون أنكحة ..

١) بونٌ شاسع في عوائد الناس ونفسياتهم وأخلاقهم ، فمنهم من يأبى أن يشترط مهراً ومنهم من فضّ الخطبة من أجل خمسة آلاف ريال مع لغط وسباب ، بل كادوا أن يتماسكوا بالأيدي!

٢) من الطريف أن يكون الزوج والولي والشهود كلهم فوق السبعين سنة .. استنتجت من ذلك أن جلسات "المشراق" قد تقضي على العنوسة .
٣) أحد العقود كان في منزلي وأحسست بجوّ متوتر أثناء العقد ، لا أعلم ما سببه ، وبعد أن انصرف الأطراف سمعت ضجة في الشارع  وصخب ، استطلعت الأمر فهالني ما رأيت ، اشتباك  "النسايب" بالأيدي والعصي وتراشق بالأحذية! يبدو أن أطرافاً لم يرضوا بهذه الزيجة ، فآثروا التدخل المسلح .

٤) طلبتُ الفتاة لأسألها فرفض أخوها رفضا قاطعاً ، بحجة أنها لا تحادث الرجال ، فأغلقت الدفتر مؤذنا بالرحيل ومعتذرا عن إتمام إجراء العقد ، فأشار إليه الأب مغضباً إشارة تعني " خلنا من المهايط " ، واستدعوا الفتاة للسؤال ، الغريب أن صوتها كان أعلى من صوتي!

٥) من السفه والهياط منتهي الصلاحية أن يُحضر أحد الأطراف إلى مجلس العقد مسدسا ، ثم فور انتهاء العقد يشرع في إطلاق النار! كان هذا في بيتي ، حدث بسرعة وإلا لأبلغت السلطة عن هذا الإرهاب الناعم .

٦) أخرج الزوج ٤٠ ألفا فرفض الوليّ الشيخ الهرِم أن يكون المهر أكثر من ٢٠٠ ريال ، وحين حاولت إقناعه أن هذا حق للبنت ضربني مع كتفي – مسجلا أول حالة اعتداء صارخ على محدثكم - وهدد بطردنا! فتم له ما أراد وأجري العقد ، هذا الصنيع من الأولياء يحمّل الشاب مسؤولية مضاعفة تجاه البنت التي أكرمه أبوها وأحسن إليه ، وأيضاً مسؤولية سلامة المأذون .

٧) من المواقف المؤسفة المؤلمة والتي تكررت معي مرتين أن يأتي الزوج إليّ بعد أيام من العقد مغضباً .. لأنه اكتشف أن العروس كانت "حامل" سفاحاً ، اعترفَت الفتاة له وتطلب منه الستر ، فيأتي إليّ يسألني عن الحل ، كان موقفي معه رجولي جداً .. دللته على طريق المحكمة .

٨) سألت عن المرأة بكر هي أم ثيب فتناقضت الإجابات! أحدهم يقول بكر والآخر يقول لا هي ثيب ، أحسست بالريبة ورفضت إجراء العقد، فأخذني والدها جانباً وأفهمني أن البنت بكر لكن طارت بكارتها ، والمتقدم لها راضي بذلك . الله يحفظ أعراضنا ويستر عوراتنا وإياكم .‎

٩) بعض الأولياء من دهائه يرفض أن يأخذ مهراً إلا مائة ريال ، ويدوّن في العقد كذلك ، وبعد العقد يأخذ بيد الزوج ليسلم على الفتاة ويسلمها الـ50 ألف ريال ! تحايل وقلة مروءة ، والمغزى من ذلك لكي لو حصلت مخالعة فإن الولي لا يرد له إلا المائة ريال ، والخمسون ألف تلك - في زعمهم - أنها مجرد هبة وليست مهراً .

١٠) من المواقف المؤثرة أني سألت الفتاة التي ستعود لزوجها اضطراراً من أجل ابنتها عن الشروط ، فانفجرت باكية وهي تقول : " أريده فقط أن يتقي الله فيني " . كم لدمعاتها من معانٍ لو يفقه ، المؤثر فعلاً في الموضوع ابنتهما الوحيدة ذات الخمس سنوات بفستانها الجميل النفاش وقد ملأت محياها ابتسامات الفرح والغبطة .

١١) من أطرف ما مرّ بي أن أحدهم له ابنتان كلاهما اسمها فاطمة ! ولم يخبرني بذلك وتمت كتابة اسم فاطمة الأخرى التي هي بعصمة رجل آخر لأن من أجرى لهم الفحص الطبي لم يتنبه فسلكتُ طريقه في الخطأ بالسجل المدني في ظل صمت الولي ، يقول لي زوجها مازحاً : ذهبت للأحوال للإضافة فقالوا : استأذن أولاً من زوجها  . 

١٢) بعض الأولياء فاقد للثقة بالأزواج ، لذا يتشدد في الشروط ، أحدهم أصر أن يأخذ العقد معه ، فرفضت بشدة وأفدته أنه من حق الزوج ، فاستكبر وأبى ، فغمز لي الزوج أن اعطه ولسان حاله يقول : تكرم ألف عين لاجل عين .

 ١٣) ومن تحرز بعض الأولياء أن شرطه الوحيد على الزوج ألا يضرب ابنته ، أعاد هذا الشرط وكرره رغم عدم معرفته بالشاب المتقدم ، كان يردد ويقول : "بنتي إذا أخطت تقول لي وأنا أأدبها ولا تمد يدك عليها " !  يبدو أن تجاربه كانت مريرة  .

١٤) تمر في مجلس العقد تعليقات غاية في الطرافة ومن ذلك : في مجلس عائلة بسيطة جداً دخل صبي وهو يقول فرحاً : تروشت ( أي تحممت ) .. فعلق أحد الضيوف : شكل الاستحمام عندكم إنجاز ، فضج المجلس ضحكا .

١٥) كثيرا ما يأتي الأطراف فأسأل أيكم الولي ؟ فتنزل امرأة من السيارة مفتولة العضلات قائلة أنا الولي  ! البعض يخلط بين ولاية النكاح وولاية الدراهم والدنانير .

١٦) كذلك يخلط بعضهم بين الوكالة على التركة والوكالة على التزويج ، فحين أسأل عن الولي مثلاً يقول الأخ  : هي موكلتني وكالة عامة ! فبصعوبة أفهمه أن وكالتها هي فيما يخصها ، أما التزويج فليس من اختصاصها بل من اختصاص الولي وهو الذي يوكل .

١٧) تكرر أني أوجه الكلام والسؤال عن الزواج والمهر والشروط للشاب فيزمجر والده الهرم بجواره مفيداً أنه هو الزوج ومدعياً أنه لم يملأ عيني وأني أراه ليس كفء للزواج! فأضطر إلى إلقاء المعاذير ثم أشرع بالممازحة تلطيفاً للجو .

١٨) في طريقنا إلى أهل الفتاة أخبرني أخو الخاطب أنهما طليقان منذ عشر سنين تقريبا ، لم يتزوجا خلالها ويرفضان الرجوع أبداً ، بل إنهما لا يريدان من أحد أن يكلمهما بهذا الخصوص ، وفجأة وخلال أسبوع تنقلب الحال ويلتئم وضع الزوجين والعيال بشكل محير للأسرتين .

١٩) اشترط الولي مؤخر صداق ٢٠٠ ألف فأخذته جانباً وأفهمته أن المؤخر لا يضمن حياة سعيدة ، وربما ضارّها الزوج لتتنازل ، فاقتنع بـ ٥٠ ألف . المشكلة أن البعض يظن أن المؤخر قد يضمن حياة كريمة ، ولكن الحياة الكريمة بإذن الله في التربية الصالحة وانتقاء الرجل الصالح .

٢٠) موقف معبر: عقدت لشاب معه جيش " أبوه وأعمامه وإخوانه " ، كان منظراً مهيباً ، وبعد فترة عقدت لأخيه  فلم يكن معه إلا أخوه الأكبر !! فعجبت من المفارقة في الحال بين الأثنين وبينهما قرابة العام ، لكنهم أفادوني أن الأب قد توفي !!

٢١) يتيمات لم يضِعن : يمر بي كثير من الفتيات أولياؤهن إخوانهن ، يحتاطون لهن كما لو كن بناتهم ، من خلّف مثل هؤلاء الأبناء لم يمت ، ومن خشي الله في  أولاد الآخرين سخر الله لأولاده من بعده ، "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم ..." سورة النساء

٢٢) رفضت أن أعقد لشاب ليس معه إثبات هوية بحجة أنها بالتجديد ومعه رخصة قيادة ، فخرجت واللعن يعبث بمسامعي .

٢٣) يزعجني كثيرا كون الوليّ مخرفاً لاتصح تصرفاته ويزعجني أكثر إصرار الأخ أن يكون هو الوليّ ، فبصعوبة أفهمهم أن نزع الولاية لا يكون إلا بحكم قضائي ، فأخرج وهم يفتشون عن مأذون آخر .

٢٤) دخلت أم الفتاة علينا ويبدو أن عقلها فيه شيء وأصبحت تكرر علينا نفس الشروط وتتوعدني ألا أنسى شيء منها، الجميل تفهّم الشاب وسعة صدره وتحمله من أجل عروسه المترقبة .

٢٥) الفحص الطبي وعطفاً على الأمراض الوبائية المعدية بات ضرورياً ، ولكن المأذون يلاقي تذمراً أو تحايلاً من بعض الناس لعدم تفهمهم .

٢٦) أحدهم أعطاني محاضرة بعد أن طلبت الكشف الطبي مبينا لي مخالفته للشريعة وأنه ما أنزل الله به من سلطان وأنه ليس من دأب الأجداد ولم يضرهم وحثني على تقوى الله لئلا يحل علي غضبه ، وأطال الكلام والتعنيف ، فلما فرغ بينت له أنه لو لم يكن فيه إلا طاعة لولي الأمر لكفى فكيف وهو يقي الزوجين من الأمراض الوبائية ويقي الذرية من الأمراض الوراثية بإذن الله .

٢٧) وآخر تحايل بإحضاره فحص طبي باسمه لكن مع زوجة سابقة ! لكن صراحةً أعجبني استغباؤه وإتقان تمثيله دور البريء الأبله ، لله دره !

٢٨) شيخ هرم يلتمس مني اعفاءه من الكشف الطبي بحجة أنه لا يرجو ولداً ، فبصعوبة أقنعته أنه ليس بيدي ، وعلى المسؤولين مراعاة فارق التوقيت .

٢٩) كان عقد القران في السابق يتم أحيانا بقرار سريع ارتجالي وأحيانا لإثبات رجولة واستقلالية بالقرار ، وأحيانا أخرى استجابة للانتخاء ورداً للجميل ، أما الآن فالكشف الطبي منح مزيداً من التروي ، ومنح الفتيات مزيدأ من الحماية من عوادي الرجولة الزائفة .

٣٠) الرجال معادن ، وتتجلى هذه المقولة للمأذون بوضوح لاختلاطه بالكثير ، بين خلق رفيع راقٍ وخلق متدنٍ سافل وبين متخذٍ بين ذلك سبيلا .

٣١) من تجليات الأخلاق التعامل مع مواعيد العقد مثلاً ، فعند حصول عارض بعضهم يتصل ويعتذر بأدب ، بينما آخر وبكل هدوء "يغلق هاتفه " .

٣٢) يمر بالمأذون أناس لا يعرف خلفيتهم الفكرية والأخلاقية وربما جُر لنقاش جانبي مبدؤه استفزاز ونهايته "نشفة ريق" ، لذلك فالمأذون المثالي "أصم" .

٣٣) عند الباب قال لي أخوها المتدين وهو خجِلٌ وجِلٌ "يا شيخ ترا ابوي بيدخن عندك ، فهو رجل لا يبالي بأحد فلا تواخذه" كم هو مسكين هذا الأب ، إنه أسيرٌ لعبث الشباب .

٣٤) عند العقد قال والدها "تراني قلت لك ترا البنت فيها صرع " فقال الشاب "وأنا قابلها باللي فيها". أعجبني وضوح الأب وشهامة الزوج . وسجلت هذا في دفتر الضبط لإثبات الإتفاق ، وسجلته هنا لإثبات أن في مجتمعنا نوعيات راقية مثالية يحتقر المرء نفسه أمامهم .

٣٥) أحياناً يحصل طلاق للفتاة قبل الدخول ، وحينها على المأذون أن يشير في العقد الجديد الآخر إلى أنها " ثيب ". فيحصل نزاع ولغط من الخاطب بسبب تسميتها ثيبا ، أحدهم هدد بتطليقها إن لم أعدّل الحالة وأجعلها بكراً ، حساسية مفرطة لا مبرر لها .

٣٦) دعاني صديق خاص لكتابة العقد له ، وحين طلبت الكشف أفادني أنه لم يفحص ، ورغم التوسل و الانتخاء و"تطيير"  العينين  والغمز بهما تارة و بأحدهما أخرى إلا أني رفضت كل ذلك معلناً " النذالة " لخاطر النظام .

٣٧) في أحد المرات كان وجه الزوج الشاب مألوفاً لي جدا ، فسألته ببراءة مطلقة "ياخي أنا قد رأيتك من قبل  هل سبق أن أتيت إلى هنا " ، ويبدو أن هذا السؤال كان كارثة على الشاب ، أفادني لاحقاً أني سببت له حرجاً شديداً مع " أنسباه " وتردد السؤال بينهم أين رآه المأذون وبأي صفة وأطلقوا بعض التعليقات اللاذعة ، اتضح لي بعدها أن معرفة المأذون للشخص "وصمة " توحي بأنه زبون دائم ، ومن حينها أصبحت فاقداً للذاكرة .

٣٨) من المواقف التي تزعجني كثيراً حينما يكون الولي مخموراً لكن بدرجة تمكنه من الإدراك أو عليه آثار الإدمان بادية  ، أتساءل حينها : أي فتاة قد ربّى ، وأي نوع من الشباب سيزوّج ابنته .

٣٩) الولاية تكون للأب ، ولكن حينما يتوفى الأب تنتقل الولاية لأب الأب ثم للابن ثم للأخ الشقيق ثم للأخ لأب ثم للعم الشقيق ثم للعم لأب ثم لابن العم ، ويتم معرفة المتوفر من هؤلاء عن طريق صك حصر الورثة ، لكنني ألاقي عنتاً من بعض الناس حينما يجادل في جدوى حصر الإرث ظانين أن شهادة الوفاة كافية ، ويغفلون عن أن الحصر ليس لإثبات الوفاة فحسب بل وتحديد الولي .

40) عند العقد للثيب لا بد للمأذون أن يأخذ صك الطلاق الأصل ، البعض يحاول التحايل ولكن على أن المأذون أن يتيقظ ، ولكن ما حدث ذات مرة أن الولي الشيخ الطاعن رفض إعطائي صك طلاق ابنته والذي طوله نصف متر قائلاً :"ما طلعناه يا وليدي إلا بطلعة الروح" اتضح أنه كان زوجها السابق لا يخرج من السجن إلا ودخل آخر وقد فسخت منه فسخا بعد أن ذاقوا المر منه وكان يرفض تطليقها ، فأقنعته ألا حاجة له بعد الآن وإن احتاجه فهو في المحكمة .

هذا ما يحضرني من المواقف .. أسأل الله التوفيق للجميع ، و إن وجدتم ما ينفع فلتعيدوا تغريدها مشكورين .







ممتعة لا تفوتكــ عبد المجيد السنيد - TwitMail

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..