عندما عزمت السفر لجمهورية أوزبكستان، كانت هذه المدينة الفاتنة هي المقصد الأول والأخير، رغم زيارتي لها منذ عقدين وأكثر، بيد أن رواية أمين معلوف “سمرقند” أطارت بي وبخيالاتي بعدما أبدع في
وصف المدينة بطريقة سردية
فاتنة، حتى قال إن “سمرقند أجمل وجه أدارته الأرض يوما نحو الشمس”.
والأروع أن ثمة خطا حديديا حديثا يربطها وطشقند، تبرعت به الحكومة الإسبانية، وخلال ساعتين في قطار حديث ومريح جدا، تجد نفسك في عاصمة القائد التتري الشهير تيمورلنك، وتنعم بزيارة الآثار الإسلامية الملأى هناك.
وللأمانة فالحكومة الأوزبكية تشكر جدا على ما قامت به من محافظة على تلكم الآثار التي كادت تندرس في الحقبة السوفيتية البغيضة.
ما هي سمرقند؟
اسم سمرقند مميز، ويثير فضولا لمعرفة معناه، وهو بحسب ويكيبيديا، “قلعة الأرض”. وتفيد ويكيبيديا بأن “سمرقند مدينة في أوزبكستان يبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة وهي ثاني أكبر مدن أوزبكستان. معظم الشعب في سمرقند هم طاجيكيون ويتكلمون اللغة الطاجيكية”. وفعلا في مدينتي بخارى وسمرقند تجد أن أهلهما يتحدثون الفارسية والأوزبكية جنبا إلى جنب.
ويتداول السكان أسطورة شعبية تقول إن المدينة بنيت في حديقة جنة عدن.
أنى اتجهت في سمرقند تجد الملامح الإسلامية ضاربة في كل أرجائها، ورغم ما فعله الروس خلال احتلالهم من تجريد المدينة من هويتها الإسلامية إلا أنهم لم يفلحوا أبدا.
مدفن تيمورلنك
الزائر لمدينة سمرقند لا بد له من زيارة مدفن هذا القائد التتري هناك، وقد بناه في حياته، وتكلم عنه المؤرخون. وزرت هذا المدفن الذي يعد تحفة في الهندسة والجمال للعمارة في عهده، حيث النقوش التي تزين الجدر الزرقاء التي تميز بها، علما بأن جوزف ستالين نبش قبره.
فقد روى لي مرافقي أسطورة يتداولونها في سمرقند بأن ستالين أمر بفتح قبر تيمورلنك، حنقا منه على هذا الذي دوخ وأذل الروس، إذ يحملون عليه كثيرا، وعندما فتحوا المقبرة وجدوا مخطوطة بأن لعنة الحرب ستصيب من يفتح القبر، وكانت الحرب العالمية الثانية، وطيف بجثمان الرجل في روسيا، حتى أعيد بعد عام.
وأثناء إعداد هذه المادة مررت على هذا الكلام في موقع “روسيا اليوم” التي كتبت “كل من عليها فان، وسيأتي وقت نرحل فيه جميعا. وجد قبلنا رجال عظام، وسيوجدون بعدنا... إذا تكبر أحد وترفع على الآخرين أو أزعج رفات الأجداد، فليحل عليه أشد عقاب...” هذه الكتابة اكتشفت في 19 يونيو 1941 على شاهدة من اليشم لمدفن تيمورلنك “الأعرج العظيم” والقائد العظيم من القرن الرابع عشر.
وتضيف المخطوطة القديمة ذات الصفحات الحافلة بالحروف العربية “من يفتح ضريح تيمورلنك يطلق روح الحرب. وستكون حربا دامية ورهيبة لم يعرف العالم نظيرا لها منذ الأزل”.
ورغم كل التحذيرات، فتح في 21 يونيو 1941 قبر تيمورلنك في مدينة سمرقند العريقة. وفي اليوم التالي بدأت أرهب حرب عرفتها البشرية أودت بحياة 50 مليون إنسان. شاركت في الحرب 62 دولة. ودارت الأعمال القتالية في أراضي ثلاث قارات ومياه أربعة محيطات.
في 20 نوفمبر 1942 أعيد رفات تيمورلنك إلى سمرقند ووضع في تابوت ودفن من جديد. وليس ثمة ما يدعو إلى الدهشة على الإطلاق أنه جرى في 20 نوفمبر 1942 انعطاف جذري في معركة ستالينجراد. أكثر من عشرين مليون مواطن سوفيتى سقطوا في الحرب العالمية الثانية.
صناعة الورق
اشتهرت سمرقند عبر التاريخ بعديد من المنتجات الوطنية مثل المنسوجات والسجاد، إلا أن أشهر ما عرفت به سمرقند هو “الورق السمرقندي” وقد نقلت سر صناعته عن الصين. ولهذا الورق شهرة خاصة تميزت بها سمرقند عبر التاريخ.
ولقد بدأت هذه الشهرة، عندما قام أهل إقليم بخارى بثورة في عهد أبي مسلم الخراساني فبعث بحملة قوامها عشرة آلاف رجل بقيادة زياد بن صالح حيث قضى على الثورة في مدينة بخارى واستمر في زحفه إلى أن أخضع أيضا ثورة سمرقند التي كان بعض الصينيين يساندون الثوار فيها ضد العرب المسلمين، وقد وقع كثير منهم في الأسر وخيروا بين الرق والحرية إذا علموا المسلمين حرفة، فآثروا العتق وعلموا المسلمين من بين ما علموهم صناعة الورق.
ومع مضي الزمان تقدمت هذه الصناعة باستخدام الكتان والقطن في صناعة الورق الأبيض الناعم الجميل الذي وجد سوقا رائجة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وبخاصة في عاصمة الدولة العباسية بغداد، فالورق صفحة من صفحات الفخر للإسلام والمسلمين. فالورق كان معروفا في جنوب شرق آسيا إلا أن العالم لم يعرفه سوى بعد أن تعلمه المسلمون وانتقل من بلادهم إلى العالم كله.
وقد أنشئ أول مصنع للورق في بغداد حاضرة الخلافة العباسية بعد نصف قرن من إقامة مصانع الورق في سمرقند. وقد ازدهرت هذه الصناعة في سمرقند أيما ازدهار ثم بدأ الصراع بين الورق المصري الذي كان يطلق عليه القراطيس أو القباطية وبين ورق سمرقند الذي كان يطلق عليه الكاغد أو الرقوق الرومية. ولكن الكاغد السمرقندي تفوق على كل هذه الأنواع ولاقى رواجا عظيما حتى عطلت قراطيس مصر والجلود التي كان الأوائل يكتبون عليها.
فقد جمع الرجل أمهر الصناع والمعماريين والنحاتين والرسامين والخطاطين وعلماء الرياضيات لتوسيع سمرقند وإعادتها لمكانتها السابقة.
ولقد استطاعت تلك الكفاءات أن تعكس في بنائها الحضارات الأربع الأساسية لبلدانها مما أدى لقيام نهضة عمرانية فى آسيا الصغرى ليس لها مثيل، فإذا بسمرقند مدينة ليست بعربية ولا فارسية ولا تركية ولا هندية، بل هي الأربع معاً في تناغم لتنبثق حضارة التتر.
فقد بنى تيمورلنك سورا عظيما حول سمرقند يبلغ طوله سبعة كيلو مترات وله ستة أبواب وبنى قلعة غرب المدينة وحفر حولها قنوات المياه العميقة وداخل القلعة كان القصر الأزرق “كوك ساراي” الذي كان مقر تيمورلنك ومركز المالية وبجانبه إدارات الدولة من مخازن الأسلحة ومصانعها.
ولم يكتف معماريو تيمورلنك ببناء القصور، بل أقاموا سلسلة من الحدائق أرضها من الحجارة الملونة، مطلية بخشب الأبنوس والعاج، وجدرانها مزينة بخزف من قاشان، بناها مهندس من دمشق وزينها خزاف من العراق.
وفى محاولة لتأكيد تفوق عاصمته على أي مدينة في العالم، بنى تيمورلنك مجموعة من القرى أطلق عليها أسماء أهم المدن المعمورة القاهرة، وبغداد، ودمشق وغيرها، غير أن يد الزمن لم تبق لها أثرا وكل ما وصلنا وصفهم من الرحالة الذين مروا بهم.
سر الأزرق
يذكر المؤرخون أن اللون الأزرق هو اللون المفضل لتيمورلنك، وأصبح يعرف بلون الإسلام، فقد جعل مدينة سمرقند مغطاة بالبلاط القيشاني ذي اللون الأزرق بكل ما فيه من خيالات وتفرعات مع تداخلات اللون الأبيض والقليل من الأخضر، كما أمر تيمورلنك ببناء أول سوق تباع فيه جميع البضائع وهو عكس ما هو سائر في تلك الأوقات من العصور الوسطى.
فقد كان كل سوق مخصص لبيع سلعة واحدة، وبذلك فقد انفرد تيمورلنك بهذا الإنجاز عن غيره وهو ما يشبه الآن أسواقنا وتم إنجاز هذا السوق بكامل قبابه وأرصفته ودكاكينه خلال 20 يوما بكلفة بسيطة لا تتعدى قطع أربعة رؤوس من المهندسين لسرعة إنجازه! ولقد بلغ من شدة الاهتمام بسمرقند أنه كان يراقب شخصيا أعمال البناء بين الحملة والحملة، جالبا من كل غزوة الكنوز المنهوبة من تلك الأقاليم المنكوبة وحرفييها من أذربيجان ودلهي، وعمال البلاط والموزاييك من شيراز وأصفهان، وعمال السيراميك والحرير من دمشق، وعمال الفضة والنحاس من تركيا.
مبعوث ملك قشتالة
من الذين زاروا سمرقند في تلك الحقبة، دوكاليفو مبعوث هنري الثالث ملك قشتالة الإسباني، والتقى تيمورلنك فى أواخر عهده، والذي يعود له الفضل في أنه أول من نقل صورة لنا عن ما وصلت إليه سمرقند في الحضارة، وعن تيمورلنك، حيث انبهر به فهو يقول: لقد كان تيمورلنك جالسا على تخت، ومتكئا على وسادات من الحرير، وقربه نافورة من المياه يسبح في بركتها التفاح الأحمر، وكان يجلس تيمورلنك وهو مرتد عباءة من الحرير ذات لون واحد وقلنسوة طويلة فوقها تاج مرصع بالزمرد واللؤلؤ والأحجار الكريمة.
كذلك كتب عن عدله مع شعبه قائلا: القمح كان متوفرا بأسعار زهيدة، وكل ما تحتاج إليه الرعية متوفر، والثروة متعادلة والأبدان صحيحة والطقس معتدل والعداءات قليلة والملذات كثيرة.
وتلمح على البعد آثار شاه زنده ومآذن مدرسة شيردار وضريح كورامير، فتملأ عينيك على الفور عاصمة تيمورلنك، فاتح العالم وسيد آسيا، وينقلك المشهد إلى لوحة عريضة، ومثيرة، تتزاحم فيها جحافل الفاتحين وغارات البرابرة، وقوافل التجار والبنائين، وطوابير الرقيق والسبايا، وحلقات الفقهاء والمتصوفة والدراويش.
ويتردد صدى كلمات الاصطخري قبل ألف عام في “المسالك والممالك”: الموصوف من متنزهات الأرض سغد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق..وسغد سمرقند أنزه الأماكن الثلاثة..وهي أزكى بلاد الله وَأَحْسَنهَا أشجارا وثمارا، وفي عامة مساكنهم البساتين والحياض الجارية، قلما يخلو سكن أو دار، من نهر جار”.
والأروع أن ثمة خطا حديديا حديثا يربطها وطشقند، تبرعت به الحكومة الإسبانية، وخلال ساعتين في قطار حديث ومريح جدا، تجد نفسك في عاصمة القائد التتري الشهير تيمورلنك، وتنعم بزيارة الآثار الإسلامية الملأى هناك.
وللأمانة فالحكومة الأوزبكية تشكر جدا على ما قامت به من محافظة على تلكم الآثار التي كادت تندرس في الحقبة السوفيتية البغيضة.
ما هي سمرقند؟
اسم سمرقند مميز، ويثير فضولا لمعرفة معناه، وهو بحسب ويكيبيديا، “قلعة الأرض”. وتفيد ويكيبيديا بأن “سمرقند مدينة في أوزبكستان يبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة وهي ثاني أكبر مدن أوزبكستان. معظم الشعب في سمرقند هم طاجيكيون ويتكلمون اللغة الطاجيكية”. وفعلا في مدينتي بخارى وسمرقند تجد أن أهلهما يتحدثون الفارسية والأوزبكية جنبا إلى جنب.
ويتداول السكان أسطورة شعبية تقول إن المدينة بنيت في حديقة جنة عدن.
أنى اتجهت في سمرقند تجد الملامح الإسلامية ضاربة في كل أرجائها، ورغم ما فعله الروس خلال احتلالهم من تجريد المدينة من هويتها الإسلامية إلا أنهم لم يفلحوا أبدا.
مدفن تيمورلنك
الزائر لمدينة سمرقند لا بد له من زيارة مدفن هذا القائد التتري هناك، وقد بناه في حياته، وتكلم عنه المؤرخون. وزرت هذا المدفن الذي يعد تحفة في الهندسة والجمال للعمارة في عهده، حيث النقوش التي تزين الجدر الزرقاء التي تميز بها، علما بأن جوزف ستالين نبش قبره.
فقد روى لي مرافقي أسطورة يتداولونها في سمرقند بأن ستالين أمر بفتح قبر تيمورلنك، حنقا منه على هذا الذي دوخ وأذل الروس، إذ يحملون عليه كثيرا، وعندما فتحوا المقبرة وجدوا مخطوطة بأن لعنة الحرب ستصيب من يفتح القبر، وكانت الحرب العالمية الثانية، وطيف بجثمان الرجل في روسيا، حتى أعيد بعد عام.
وأثناء إعداد هذه المادة مررت على هذا الكلام في موقع “روسيا اليوم” التي كتبت “كل من عليها فان، وسيأتي وقت نرحل فيه جميعا. وجد قبلنا رجال عظام، وسيوجدون بعدنا... إذا تكبر أحد وترفع على الآخرين أو أزعج رفات الأجداد، فليحل عليه أشد عقاب...” هذه الكتابة اكتشفت في 19 يونيو 1941 على شاهدة من اليشم لمدفن تيمورلنك “الأعرج العظيم” والقائد العظيم من القرن الرابع عشر.
وتضيف المخطوطة القديمة ذات الصفحات الحافلة بالحروف العربية “من يفتح ضريح تيمورلنك يطلق روح الحرب. وستكون حربا دامية ورهيبة لم يعرف العالم نظيرا لها منذ الأزل”.
ورغم كل التحذيرات، فتح في 21 يونيو 1941 قبر تيمورلنك في مدينة سمرقند العريقة. وفي اليوم التالي بدأت أرهب حرب عرفتها البشرية أودت بحياة 50 مليون إنسان. شاركت في الحرب 62 دولة. ودارت الأعمال القتالية في أراضي ثلاث قارات ومياه أربعة محيطات.
في 20 نوفمبر 1942 أعيد رفات تيمورلنك إلى سمرقند ووضع في تابوت ودفن من جديد. وليس ثمة ما يدعو إلى الدهشة على الإطلاق أنه جرى في 20 نوفمبر 1942 انعطاف جذري في معركة ستالينجراد. أكثر من عشرين مليون مواطن سوفيتى سقطوا في الحرب العالمية الثانية.
صناعة الورق
اشتهرت سمرقند عبر التاريخ بعديد من المنتجات الوطنية مثل المنسوجات والسجاد، إلا أن أشهر ما عرفت به سمرقند هو “الورق السمرقندي” وقد نقلت سر صناعته عن الصين. ولهذا الورق شهرة خاصة تميزت بها سمرقند عبر التاريخ.
ولقد بدأت هذه الشهرة، عندما قام أهل إقليم بخارى بثورة في عهد أبي مسلم الخراساني فبعث بحملة قوامها عشرة آلاف رجل بقيادة زياد بن صالح حيث قضى على الثورة في مدينة بخارى واستمر في زحفه إلى أن أخضع أيضا ثورة سمرقند التي كان بعض الصينيين يساندون الثوار فيها ضد العرب المسلمين، وقد وقع كثير منهم في الأسر وخيروا بين الرق والحرية إذا علموا المسلمين حرفة، فآثروا العتق وعلموا المسلمين من بين ما علموهم صناعة الورق.
ومع مضي الزمان تقدمت هذه الصناعة باستخدام الكتان والقطن في صناعة الورق الأبيض الناعم الجميل الذي وجد سوقا رائجة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وبخاصة في عاصمة الدولة العباسية بغداد، فالورق صفحة من صفحات الفخر للإسلام والمسلمين. فالورق كان معروفا في جنوب شرق آسيا إلا أن العالم لم يعرفه سوى بعد أن تعلمه المسلمون وانتقل من بلادهم إلى العالم كله.
وقد أنشئ أول مصنع للورق في بغداد حاضرة الخلافة العباسية بعد نصف قرن من إقامة مصانع الورق في سمرقند. وقد ازدهرت هذه الصناعة في سمرقند أيما ازدهار ثم بدأ الصراع بين الورق المصري الذي كان يطلق عليه القراطيس أو القباطية وبين ورق سمرقند الذي كان يطلق عليه الكاغد أو الرقوق الرومية. ولكن الكاغد السمرقندي تفوق على كل هذه الأنواع ولاقى رواجا عظيما حتى عطلت قراطيس مصر والجلود التي كان الأوائل يكتبون عليها.
رحلة في تاريخ عاصمة تيمورلنك
لا تستطيع وأنت تتكلم عن سمرقند، إغفال ما فعله تيمورلنك فيها إذ إن مجدها كان معه.فقد جمع الرجل أمهر الصناع والمعماريين والنحاتين والرسامين والخطاطين وعلماء الرياضيات لتوسيع سمرقند وإعادتها لمكانتها السابقة.
ولقد استطاعت تلك الكفاءات أن تعكس في بنائها الحضارات الأربع الأساسية لبلدانها مما أدى لقيام نهضة عمرانية فى آسيا الصغرى ليس لها مثيل، فإذا بسمرقند مدينة ليست بعربية ولا فارسية ولا تركية ولا هندية، بل هي الأربع معاً في تناغم لتنبثق حضارة التتر.
فقد بنى تيمورلنك سورا عظيما حول سمرقند يبلغ طوله سبعة كيلو مترات وله ستة أبواب وبنى قلعة غرب المدينة وحفر حولها قنوات المياه العميقة وداخل القلعة كان القصر الأزرق “كوك ساراي” الذي كان مقر تيمورلنك ومركز المالية وبجانبه إدارات الدولة من مخازن الأسلحة ومصانعها.
ولم يكتف معماريو تيمورلنك ببناء القصور، بل أقاموا سلسلة من الحدائق أرضها من الحجارة الملونة، مطلية بخشب الأبنوس والعاج، وجدرانها مزينة بخزف من قاشان، بناها مهندس من دمشق وزينها خزاف من العراق.
وفى محاولة لتأكيد تفوق عاصمته على أي مدينة في العالم، بنى تيمورلنك مجموعة من القرى أطلق عليها أسماء أهم المدن المعمورة القاهرة، وبغداد، ودمشق وغيرها، غير أن يد الزمن لم تبق لها أثرا وكل ما وصلنا وصفهم من الرحالة الذين مروا بهم.
سر الأزرق
يذكر المؤرخون أن اللون الأزرق هو اللون المفضل لتيمورلنك، وأصبح يعرف بلون الإسلام، فقد جعل مدينة سمرقند مغطاة بالبلاط القيشاني ذي اللون الأزرق بكل ما فيه من خيالات وتفرعات مع تداخلات اللون الأبيض والقليل من الأخضر، كما أمر تيمورلنك ببناء أول سوق تباع فيه جميع البضائع وهو عكس ما هو سائر في تلك الأوقات من العصور الوسطى.
فقد كان كل سوق مخصص لبيع سلعة واحدة، وبذلك فقد انفرد تيمورلنك بهذا الإنجاز عن غيره وهو ما يشبه الآن أسواقنا وتم إنجاز هذا السوق بكامل قبابه وأرصفته ودكاكينه خلال 20 يوما بكلفة بسيطة لا تتعدى قطع أربعة رؤوس من المهندسين لسرعة إنجازه! ولقد بلغ من شدة الاهتمام بسمرقند أنه كان يراقب شخصيا أعمال البناء بين الحملة والحملة، جالبا من كل غزوة الكنوز المنهوبة من تلك الأقاليم المنكوبة وحرفييها من أذربيجان ودلهي، وعمال البلاط والموزاييك من شيراز وأصفهان، وعمال السيراميك والحرير من دمشق، وعمال الفضة والنحاس من تركيا.
مبعوث ملك قشتالة
من الذين زاروا سمرقند في تلك الحقبة، دوكاليفو مبعوث هنري الثالث ملك قشتالة الإسباني، والتقى تيمورلنك فى أواخر عهده، والذي يعود له الفضل في أنه أول من نقل صورة لنا عن ما وصلت إليه سمرقند في الحضارة، وعن تيمورلنك، حيث انبهر به فهو يقول: لقد كان تيمورلنك جالسا على تخت، ومتكئا على وسادات من الحرير، وقربه نافورة من المياه يسبح في بركتها التفاح الأحمر، وكان يجلس تيمورلنك وهو مرتد عباءة من الحرير ذات لون واحد وقلنسوة طويلة فوقها تاج مرصع بالزمرد واللؤلؤ والأحجار الكريمة.
كذلك كتب عن عدله مع شعبه قائلا: القمح كان متوفرا بأسعار زهيدة، وكل ما تحتاج إليه الرعية متوفر، والثروة متعادلة والأبدان صحيحة والطقس معتدل والعداءات قليلة والملذات كثيرة.
فهمي هويدي في سمرقند
من أعجب ما قرأت وأنا أعد لهذه المادة، ما كتبه الأستاذ فهمي هويدي الكاتب الإسلامي المعروف عن زيارته لسمرقند في عهد السوفيت، فقد كتب التالي وقتذاك، ولا أدري ماذا سيقول الآن عندما يزورها: “في سمرقند تخرج رغما عنك من خريطة العصر، لتدخل في خزائن التاريخ، تمشي وسط غابة البنايات الحديثة والضخمة في أهم شوارع المدينة، بوليفار، ومكسميم جوركي، وتعبر شارع جاجارين وتيتوف إلى مطعم يولدوز أو سينما فوستوك، أوتطوف بمصانع “كيناب” للآلات الدقيقة، ولكنك لا ترى في هذا العالم سوى أقنعة هشة، أو أعضاء غريبة زرعت في جسم المدينة.وتلمح على البعد آثار شاه زنده ومآذن مدرسة شيردار وضريح كورامير، فتملأ عينيك على الفور عاصمة تيمورلنك، فاتح العالم وسيد آسيا، وينقلك المشهد إلى لوحة عريضة، ومثيرة، تتزاحم فيها جحافل الفاتحين وغارات البرابرة، وقوافل التجار والبنائين، وطوابير الرقيق والسبايا، وحلقات الفقهاء والمتصوفة والدراويش.
ويتردد صدى كلمات الاصطخري قبل ألف عام في “المسالك والممالك”: الموصوف من متنزهات الأرض سغد سمرقند ونهر الأبلة وغوطة دمشق..وسغد سمرقند أنزه الأماكن الثلاثة..وهي أزكى بلاد الله وَأَحْسَنهَا أشجارا وثمارا، وفي عامة مساكنهم البساتين والحياض الجارية، قلما يخلو سكن أو دار، من نهر جار”.
- عبدالعزيز قاسم - إعلامي وكاتب صحفي
- http://www.makkahnewspaper.com/makkahNews/second-2/62856#.U9EegMu1HqB
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..