الأحد، 17 أغسطس 2014

الإعجاز في ماء زمزم

  مقدمة:
كثيرة هي الآيات التي تدلنا على عظمة خالقنا، وكثيرة هي الأدلة على ذلك، ألا أننا قد نتناسى
أقرب الآيات إلينا مسافة ومشاهدة، وفي هذا البحث سنتناول أهم شيء للحياة وهو الماء، وليس كل ماء بل هو ماء زمزم فهو سيد المياه وأشرفها وأجلها قدراً وأحبها إلى النفوس وأغلاها ثمنا وأنفسها عند الناس، وهو هزمة جبريل، وسقيا الله إسماعيل(1).
وقبل أن نتناول الموضوع من ناحية علمية كان لابد من التعريف بماء زمزم، بداية، وأسراره، ونصوص الوحي التي ذكرته وحضت عليه، حيث تقع بئر زمزم المباركة بجوار باب بني شيبة، وبينها وبين الحجر الأسود 18 متراً.
وقد عرفت منذ زمن إسماعيل عليه السلام، حين كانت أمه (هاجر) تبحث عن الماء لإرواء عطشه بين الصفا والمروة، عندما أمر الله تعالى أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام أن يسكن ذريته بوادي مكة، ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: 37].
فأنعم اللّه عليها وعلى ابنها بنبع الماء، ففرحت هاجر وأدارت حوله حوضاً وأخذت تزمه، ولذا سميت (بئر زمزم)، ثم طمست البئر في عهد (جرهم) وزالت معالمها إلى أن شاهد عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رؤيا في المنام تبين له مكان البئر، فحفرت وكان ذلك قبل ميلاد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وبعد مئات السنين من حفرها قامت المملكة العربية السعودية بأضخم عملية تنظيف للبئر، ووضعت خارطة دقيقة لأبعادها ومصادر تغذيتها بالمياه، واهتم المسلمون منذ أيام الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وحتى يومنا هذا بماء زمزم، وحرصوا على الشرب منه اتباعاً لسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-(2).
الأحاديث الواردة في الموضوع:
ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة ليس له طعام غيره فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنها طعام طعم»(3).
وزاد غير مسلم بإسناده: «وشفاء سقم»(4).
عن جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ماء زمزم لما شرب له»(5).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقية حضرموت كرجل الجراد من الهوام يصبح يتدفق ويمسي لا بلال بها»(6).
وعن عبد الله بن الصامت من حديث طويل لأبي ذر رضي الله عنه جاء فيه: فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء وشربت من مائها، ولقد لبثت يا ابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع(7).
وعن أبي جمرة الضبعي قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال أبردها عنك بماء زمزم فإن رسول اله -صلى الله عليه وسلم- قال: «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم»(8).
خصائص ماء زمزم:
إذا أردنا أن نعدد خصائص ماء زمزم من حيث امتيازه عن غيره من المياه أو من حيث مقارنة البئر التي ينبع منها بغيرها من الآبار فيمكن إجمال الخصائص بالآتي:
إن هذا البئر العظيم لم ينضب أبدا منذ أن ظهر للوجود بل على العكس فهو يمدنا بالمزيد من الماء ومن ذهب لبيت الله الحرام سيدهش من كثرته وكفايته لجميع الحجاج، وهو لا يزال يحتفظ بنفس نسب مكوناته من الأملاح والمعادن منذ أن ظهر للوجود حتى يومنا هذا.
كما يتميز ماء زمزم بوفرته رغم كثرة زوار بيت اللّه الحرام، إذ بلغ متوسط المستهلك منه في اليوم السابع من شهر ذي الحجة خلال السنوات الماضية نحو عشرة آلاف متر مكعب في الساعة، وكان ماء زمزم قد انخفض في القرون الماضية عدة مرات، وذكر المؤرخون أن ماء زمزم انخفض بشكل كبير عام 223 وعام 234 للهجرة حتى كاد يجف.
وتمت زيادة عمق البئر تسعة أذرع في الأرض، وأرسل اللّه سبحانه وتعالى الأمطار والسيول عام 235هـ، فكثر ماء زمزم.
وتمت زيادة أخرى في البئر في خلافة هارون الرشيد والمهدي وفي عهود عديدة بعدهما، وفي 14 ربيع الثاني عام 1399هـ سجل عمق الماء في البئر 15.6 متر، وذلك خلال القيام بأعمال التوسعة السعودية الثانية للمسجد الحرام وما تبعها من أعمال حفر حول بئر زمزم.
إضافة لصلاحيته للشرب لجميع الحجاج من جميع أنحاء العالم، فلم يحدث أن اشتكى مخلوق من أثر مياهه على صحته أو ما شابه ذلك، بل على العكس فهم دائما ما يستمتعون بالمياه التي تنعشهم على الدوام، ولكن يلاحظ أن مذاق المياه يتغير عندما تنتقل إلى مكان آخر، وكذلك الرغبة لماء زمزم عالمية، فهذه المياه الطاهرة لم يتم معالجتها كيميائيا أو بمواد التبييض كما هو الحال مع المياه التي تضخ للمدن(9).
ويلاحظ أنه في حالة الآبار العادية يزداد النمو البيولوجي والنباتي في داخل البئر مما يجعل المياه غير صالحة للشرب نظرا لنمو الطحالب مما يسبب مشكلات في الطعم والرائحة، ولكن في حالة بئر زمزم، لم يكن هناك أي دليل على النمو البيولوجي(10).
كما تظهر نتائج تحاليل ماء زمزم لمركز أبحاث الحج بجامعة الملك عبد العزيز كما ذكر في كتاب (وصايا طبيب) والتي تؤكدها نتائج تحليل مختبر مصلحة المياه والصرف الصحي بالمنطقة الغربية لعام 1400 هجرية كما وضحها كتاب (عالج نفسك بماء زمزم) ومن التحاليل الكيماوية يتبين أن ماء زمزم نقي لا لون له ولا رائحة، ذو مذاق رائح قليلاً، اسه الهيدروجيني (7.8) وبذلك يكون قلوياً إلى حد ما ويحتوى على تركيزات عالية من الصوديوم والكالسيوم والمغنيزيوم والمعادن الأخرى ولكنها تقع ضمن مقاييس منظمة الصحة العالمية ماعدا الصوديوم فهو مرتفع.
ومن الجدير بالذكر أن العناصر السامة الأربعة وهي الزرنيخ والرصاص والكادميوم والسيلينيوم توجد فيه بأقل من مستوى الضرر بكثير بالنسبة للاستخدام البشرى، ومن المعالجة بالأشعة فوق البنفسجية وجد أن ماء زمزم خالية من الجراثيم.
ويؤكد هذا كتاب (المعتمد في الأدوية المفردة) حيث يقول: إن أفضل المياه مياه العيون في الأرض الحارة، التي لا يغلب على تربتها شيء من الأحوال والكيفيات الغريبة، ويكون طين مسلكها حراً، لا حمأة فيه ولا سبخة ولا غير ذلك فإن الطين يأخذ منه اللزوجات الغريبة، أو تكون حجرية فتكون أولى بأن لا تعفن عفونة الأرضية(11).
مما تقدم يتضح لنا أن ماء زمزم قلوي غنى بالمعادن المفيدة للجسم ويوضح كتاب (التوازن الحمضي، القلوي في الصحة والمرض) فوائد شرب الماء القلوي المتأين حيث يمد الجسم بقدر كبير من الطاقة، ويعادل الأس الهيدروجيني للجسم ويزيل الفضلات الحمضية من الجسم، كما أنه مضاد قوى للأكسدة ومزيل قوى للسموم (يمنح الالكترونات لذرات الأكسجين النشطة الحرة).
كما يساعد على امتصاص العناصر الغذائية بكفاءة أفضل إلى داخل الجسم ويساعد الجسم في تمثيل المعادن المؤينة بسهولة أكبر، بالإضافة إلى أنه يساعد على تنظيم الهضم وتحسينه بصفة عامة بإعادة التوازن للجسم، ويقلل من تأكسد الأعضاء الحيوية ويدمر خلايا السرطان، وله معامل أكسدة واختزال سالب لذلك يعد وسطاً معادياً للبكتيريا(12).
ومن الجدير بالذكر أنه أثناء التعرض للجو شديد الحرارة يحدث نقص في كل من الصوديوم والبوتاسيوم في سير الدم ومع المجهود الشديد يزيد معدل الفقد في كل من الصوديوم والبوتاسيوم مع زيادة كمية العرق، وهذا قد يفسر ارتفاع الصوديوم في ماء زمزم عن المعدل المسموح به لتعويض هذا النقص حيث الجو شديد الحرارة في هذه الأماكن المقدسة(13).
هل تختلف المياه عن بعضها؟
إن المياه تختلف عن بعضها البعض ابتداءًا ولكن بسبب ما يخالطها من مواد ونباتات وتربة، وليس من حيث مكوناتها الذاتية، فالماء عنصر سائل خلقه الله تعالى وسخره لخلقه لا يعدو عن كونه مكون من جزيء الهيدروجين والأوكسجين.
إن أنواع المياه الموجودة في الطبيعة هي كما ذكرها هيرمان اهيرا في كتابه: (التوازن الحمضي - القلوي في الصحة والمرض) على أنواع نذكر منها:
1- مياه البلدية (مياه الصنبور): وهي مياه معظمها صالح للشرب باستثناء أن مياه الصنبور في العصر الحالي تحتوى على بكتيريا وفيروسات ومعادن عضوية وغير عضوية مما يجعل الماء عسراً، بالإضافة إلى احتوائه مواد كيماوية مضافة (الكلور - الفلوريد - سلفات الألومنيوم...... الخ) مما يسهم في أحداث عدد وفير من العلل والأمراض.
2 - الماء المنقى (المقطر أو المعكوس الازموزى): هو ماء منزوع منه جميع العناصر الموجودة فيه باستخدام عمليات مختلفة بحيث أصبح لا يحتوى سوى المادة الكيميائية H2O، وحيث أن الماء شديد النقاء فهو يمتص ثاني أكسيد الكربون من الهواء مما يجعله حمضياً وأكثر قوة في إذابة المواد التي يلامسها، وعادة ما يحتوى على كمية قليلة جداً من الأكسجين المذاب أو لا يحتوى على الأكسجين إطلاقاً.
ولذلك يشار إليه باسم الماء (الميت) وهو يمتص المعادن من جسم الإنسان وتجعله أكثر حمضياً كما أنه يمتص الالكتروليتات (الصوديوم، والبوتاسيوم والكلورايد) والمعادن مثل المغنيزيوم من داخل الجسم، وقد يؤدى النقص في تلك المعادن إلى عدم انتظام ضربات القلب والى ارتفاع ضغط الدم، وأكثر المشروبات السامة التي يتناولها الإنسان (المشروبات الغازية) تصنع من هذا الماء.
3- المياه الميسرة: ماء منزوع منه جميع المعادن الجيدة وتم استبدالها بكمية من الملح تبلغ ضعف كمية المعادن المنزوعة فهي تحدث خللاً في الأيض وترفع ضغط الدم إلى الدرجة التي يحدث معها نزيفاً من الأنف، لذلك فهي لا تشرب أبداً(14).
4- الماء المفلتر (المرشح): وهي مياه نحصل عليها باستخدام الفلاتر، وهي وسائل دفاعية حيث إنها تقوم بإزالة بعض الشوائب التي يحتوى عليها الماء قبل شربه، والفلاتر لا تقوم بإضافة شيء إلى الماء وعادة يصبح الماء أكثر حمضياً منه قلوياً بعد عملية الترشيح وبالإضافة إلى ذلك فإن معرفة الوقت المناسب لتغيير الفلتر يعد مشكلة في حد ذاته.
5- الماء المؤين (الماء القلوي والماء المتفقد والماء الميكرو متفقد والماء المختزل): يعد الماء المؤين أفضل أنواع مياه الشرب المتاحة على الإطلاق حيث إنه يزيل الشوائب ويحتوى على أس هيدروجيني قلوي كما أنه يحتوى على كمية كبيرة من الأكسجين وله معامل أكسدة واختزال سالب بالإضافة إلى أنه متاح على عناقيد جزيئية أصغر حجماً، ومن السهل الحصول على نتائج متجانسة ذات فوائد صحية حقيقية، والماء المؤين له مذاق ناعم وحلو بسبب ما يحتويه من تركيز للأيونات السالبة (التي يتميز بها ماء ينابيع الجبال النقي) وهو منعش كذلك، وكل هذه المواصفات تنطبق على ماء زمزم حيث إنه ماء قلوي نقى من الينابيع الجبلية.
6- المياه المعدنية: وهي أفضل من مياه الصنبور من ناحية معامل خفض الأكسدة (القدرة على إزالة ذرات الأكسجين النشطة) ويوجد الآلاف من مصادر المياه المعبأة بعضها جيد وبعضها أقل جودة(15).
وقد قسم كتاب (vitamins and minerals) المياه المعدنية إلى ثلاث مجموعات:
- مياه معدنية فقيرة بالمعادن: وهي تحتوي على 50 مليجرام من الأملاح المعدنية في اللتر.
- مياه معدنية متوسطة الغنى بالمعادن: وهي تحتوي على كمية تزيد عن 500 مليجرام من الأملاح المعدنية في اللتر.
- المياه المعدنية غنية بالمعادن: وهي تحتوى على كمية تزيد عن 1500 مليجرام من الأملاح المعدنية في اللتر(16).
وفرة ماء زمزم:
وصدرت توجيهات ملكية للرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين بضرورة مراعاة حماية البئر من أي تسربات ناتجة عن أعمال الحفر، وقد تم تحديد معالم البئر لأول مرة في التاريخ في عهد الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله، وتم تنظيف قاع البئر من التراكمات التي تجمعت بداخله منذ أكثر من ألف عام وبلغ ارتفاعها عشرة أمتار من قاع البئر ووزنها عشرة أطنان، وأصبح عمق الماء في البئر بعد ذلك 25.6 متر، وينخفض منسوب الماء عن سطح فوهة البئر ما بين 3.8 و4.5 أمتار حالياً(17).
وفي منبعه الأساسي سر غامض يعتبره علماء الجيولوجيا كنزا كبيرا ربما يستحيل كشف رموزه إلى أن تقوم الساعة، حيث ما من ماء يصل إلى هذا النبع حتى يكتسب خواص ماء زمزم، نقاوةً وطهارةً، هذه النتيجة ليست نظرية أو غيبية أو منقولة من بطون الكتب القديمة، لكنها خلاصة أبحاث علمية شملت البئر وماءه ودرجة نقائه، وشملت مياه آبار أخرى قريبة جدا منه، وجد أنها لا تتمتع بنفس الخواص، حيث يفيض الماء منه منذ آلاف السنين دون أن يجف البئر أو ينقص حجم المياه فيه.
وكانت مفاجأة مدهشة للعلماء أثناء توسعة الحرم المكي وتشغيل مضخات ضخمة لشفط المياه من بئر زمزم حتى يمكن وضع الأساسات، أن غزارة المياه المسحوبة قابلها فيضان مستمر في الماء، يفور ويمور كأنه أمواج البحر(18).
يقول المهندس يحي كوشك -وهو يحمل شهادة الدكتوراه في هندسة البيئة من جامعة واشنطن الأمريكية العام 1971م مصادر مياه بئر زمزم وفق التحديد الذي قام به مع الفريق العلمي الذي رأسه عام 1400 هـ ونشر نتائجه في كتابه (زمزم) بقوله-: "المصدر الرئيسي فتحة تحت الحجر الأسود مباشرة وطولها 45 سم، وارتفاعها 30 سم، ويتدفق منها القدر الأكبر من المياه".
والمصدر الثاني فتحة كبيرة باتجاه المكبرية (مبنى مخصص لرفع الأذان والإقامة مطل على الطواف)، وبطول 70 سم، ومقسومة من الداخل إلى فتحتين، وارتفاعها 30 سم، وهناك فتحات صغيرة بين أحجار البناء في البئر تخرج منها المياه، خمس منها في المسافة التي بين الفتحتين الأساسيتين وقدرها متر واحد، كما توجد 21 فتحة أخرى تبدأ من جوار الفتحة الأساسية الأولى، وباتجاه جبل أبي قبيس من الصفا والأخرى من اتجاه المروة(19).
ماء زمزم في مجال الكشوفات الحديثة:
حدث في عام 1971م ما يبرهن على خصوصية ماء زمزم، حيث قام أحد الأطباء بإرسال خطاب إلى دار نشر أوروبية مضمونه أن ماء زمزم لا يصلح لغرض الشرب، وهو قد بنى افتراضه هذا على أساس أن الكعبة مكان ضحل بمعنى أنها تحت مستوى سطح البحر، كما أنها تقع في مركز مكة فكل هذه الظروف تعني أن مياه الصرف المتجمعة من المدينة كلها تصرف من خلال البالوعات في بئر واحدة تجمعها كلها.
ولحسن الحظ قد وصلت هذه الأنباء إلى الملك فيصل آن ذاك، الذي استشاط غضبه لسماع هذه الأنباء وقرر أن يبطل هذه الدعاوى المستفزة، ففي الحال أصدر أوامره إلى وزارة الزراعة ومصادر المياه للتحري وإرسال عينات من ماء زمزم إلى المعامل الأوروبية لفحصها لمعرفة مدى صلاحيتها للشرب، وذهب الخبراء إلى مكة لهذا الغرض، وكلفوا أحد العمال من الرجال لمساعدتهم على تنفيذ ما يريدون أثناء الفحص العملي لبئر زمزم.
وعندما وصلوا إلى البئر بإذن من المسؤولين كان من الصعب عليهم التصديق بأن حوضاً من الماء يشبه البركة الصغيرة، ولا يزيد عمقه عن 14 إلى 18 قدماً هو نفسه البئر الذي يمدنا بملايين من الجالونات من الماء كل عام للحجاج والمعتمرين، وهو أيضا قد جاء للوجود منذ قرون طويلة.
وهنا بدأ الخبراء عملهم وبدأوا في أخذ أبعاد البئر، وطلب الخبراء من العامل المكلف لمساعدتهم بأن يريهم مدى عمق البئر، ففي أول الأمر نزل الرجل في الماء فرأى الخبراء أن الماء قد تعدى كتفيه بمسافة بسيطة، وكان طول ذلك الرجل حوالي 5 أقدام و8 بوصات ولنا أن نتصور في مخيلتنا أن الماء في البئر لم يكن عميقا، ثم بعد ذلك بدأ الرجل يتحرك في البئر من مكان إلى آخر بحيث لا يصل إلى مرحلة غمر رأسه في الماء وذلك لكي يبحث عن مصدر نفاذ الماء إلى البئر، ومع هذا فقد أكد الرجل أنه لا يستطيع أن يحدد وجود أي منفذ تأتي منه المياه إلى البئر(20).
وحيّر الأمر الباحثين، فجاءتهم فكرة أخرى وهي استخدام مضخة كبيرة ناقلة لضخ المياه خارج البئر إلى خزانات ماء زمزم وبهذا ينخفض منسوب المياه في البئر، فجأة وهنا يمكن تحديد النقطة التي ينفذ منها الماء إلى البئر، وهذا الأمر لم يكن غاية في الصعوبة لأن منسوب المياه لم يكن عالياً للدرجة التي تعوق الضخ، بل بالعكس كان تحديد نقطة نفاذ المياه إلى البئر من المتوقع أن يكون سهلا لأن هذه كانت هي الطريقة الوحيدة التي تعرف بها نقطة نفاذ الماء إلى البئر.
وفى نفس الوقت أشار الباحثون إلى العامل المرافق لهم أن يقف مكانه داخل البئر ولا يتحرك، وأن يلاحظ بعناية أية ظاهرة غير عادية من الممكن أن تحدث داخل البئر.
وبعد لحظة رفع العامل يديه وهو يصرخ قائلا: الحمد لله... لقد وجدتها، فقد لاحظ أن الرمال ترقص تحت قدميه، وأن المياه ترشح في قاع البئر أي أن المياه تنبع فعلا من تحت الرمال.
تحرك العامل خلال البئر ولاحظ أن تلك الظاهرة موجودة بالفعل في جميع أنحاء البئر، وفي واقع الأمر كان تدفق الماء إلى داخل البئر خلال القاع متساوياً في كل نقطة من نقاط البئر، وبهذا يحافظ على منسوب الماء في البئر ثابتا، وبعد ذلك أخذ الخبراء يسجلون نتائجهم، ثم أخذوا عينات من ماء زمزم لفحصها في معامل أوروبا.
وقبل أن يرحل الخبراء سألوا عن الآبار المحيطة بمكة فتم إخبارهم بأنها كلها جافة تقريبا، وحاول أحد الخبراء أن يجد تبريرا لظاهرة رشح المياه من تحت الرمال فوضع أحدهم افتراضا بأن بئر زمزم قد يكون مرتبطا داخليا بماء البحر الأحمر، ولكن هذا الافتراض لم يكن منطقيا، فكيف يكون ذلك منطقيا وكل الآبار المحيطة بمكة جافة وكذلك أن مكة تبعد عن البحر الأحمر بحوالي 75 كم، وقد ثبت تطابق نتائج فحص الخبراء للمياه مع نتائج معامل أوروبا.
وكان الفرق بين ماء زمزم وماء الشرب الذي يضخ في المنازل هو نسبة أملاح الكالسيوم والمغنيسيوم، فلقد كانت نسبتها أعلى في ماء زمزم وهذا هو السبب في أنها تنعش الحجاج المتعبين، والأكثر أهمية من ذلك هو أن ماء زمزم يحتوي على فلوريدات مضادة للجراثيم بشكل عالي الفعالية، والأهم من كل هذا هو أن المعامل في أوروبا أثبتت أن الماء فعلا صالح للشرب، وبهذا ثبت بطلان الافتراض الذي أدلى به ذلك الطبيب(21).
وجه الإعجاز:
يقول ابن القيم رحمه الله: "لقد جربت أنا وغيري من الاستثسفاء بماء زمزم أمورا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبا من نصف الشهر أو أكثر ولا يجد جوعا ويطوف مع الناس كأحدهم وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوما وكان له قوة يجامع بها أهله ويصوم ويطوف مرارا"(22).
وربما إذا أردنا أن نسرد بعض قصص المنتفعين من ماء زمزم لتعاظمت ثنايا هذا البحث وربما خرج عن فكرته كبحث في الإعجاز، لذا فإني سأكتفي بدعوة كل من لم يجرب هذا الماء المبارك بأن يجربه هو بنفسه ليكون على يقين من هذه المعجزة الخالدة.
وإذا عدنا للمعجزة التي بسببها تكون ماء زمزم نتذكر أن هاجر بحثت يائسة عن الماء بين جبلي الصفا والمروة لكي تسقي وليدها إسماعيل عليه السلام، بهرولتها بينهما يحملها على ذلك قلبها الرحيم بابنها وهو قلب الأم بحثا عن الماء، ضرب وليدها برجليه الرقيقتين على الرمال، فتفجرت بركة من المياه تحت قدميه، وبرحمة الله وقدرته شكلت هذه المياه نفسها كبئر قد أطلق عليه بئر زمزم.
ومن هنا كان مصدر وجود المياه معجزة على زمزم، ودليلا على قدرة الله العظيم، ولم يستطع العلماء إيجاد تفسير علمي لمصدر وجوده حيث نفدت جميع المنافذ من المياه من حوله(23).
والسؤال الذي يطرح نفسه هل تجرأ أحد يوما على أن يعطي لبئر من الآبار من المزايا والخصائص ما أعطاها رسولنا الكريم لبئر زمزم؟ ثم هل كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم صادقا فيما أخبر به؟ فالجواب ولا شك بنعم، فما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- فيما سوى ذلك هو كذلك صدق وحق أوحاه الله تعالى له من غير تبديل ولا نقصان ولا تحريف، وهذا والله ما نشهد به أنه عبد الله ورسوله وصدق الله العظيم القائل: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ [الأحزاب: 40].
إعداد: قسطاس إبراهيم النعيمي.
2008/03/26م.
مراجعة: علي عمر بلعجم.
10/ 4/ 2008م.
__________________
(1) زاد المعاد 4/ 356.
(2) بئر زمزم نقلا من موقع: http://pr.sv.net.
(3) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن الصامت رضي الله عنه، 4/ 1919، برقم: 2473.
(4) أخرجها الطبراني في المعجم الصغير 1/ 186، برقم: 295، وقال الألباني رحمه الله تعالى: صحيح، ينظر: صحيح الترغيب والترهيب 2/ 19.
(5) سنن ابن ماجه2/ 1018برقم: 3062، وقال الألباني: صحيح، ينظر: الجامع الصغير وزيادته، برقم: 10439.
(6) المعجم الكبير11/ 98 برقم: 11167، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته، (1/ 564)، برقم: 5633.
(7) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه، 4/ 1919، برقم: 2473.
(8) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب بدء الخلق باب صفة النار وأنها مخلوقة 3/ 1190، برقم: 3088.
(9) ماء زمزم أيام حكم الملك فيصل http://ar.wikipedia.org.
(10) المرجع السابق.
(11) ماء زمزم وحكمة الاستشفاء بها، د. هدى محمد لطفي
http://www.nooran.org.
(12) ماء زمزم وحكمة الاستشفاء بها، د. هدى محمد لطفي
http://www.nooran.org
(13) المرجع السابق
(14) ماء زمزم وحكمة الاستشفاء بها، د. هدى محمد لطفي
http://www.nooran.org.
(15) المصدر السابق.
(16) المرجع السابق.
(17) بئر زمزم http://pr.sv.net.
(18) بئر زمزم http://ar.wikipedia.org.
(19) المرجع السابق.
(20) ماء زمزم أيام حكم الملك فيصل http://ar.wikipedia.org.
(21) ماء زمزم أيام حكم الملك فيصل http://ar.wikipedia.org.
(22) زاد المعاد 4/ 356.
(23) ماء زمزم أيام حكم الملك فيصل http://ar.wikipedia.org.

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..