الخميس، 16 أكتوبر 2014

تحريم الإختلاط

هل تحريم اختلاط الرجال بالنساء من فعل المتشددين من الفقهاء المتأخرين؟
السؤال : تردد كثيرا في الآونة الأخيرة ما مفاده أن (الاختلاط) بين الجنسين لفظ قديم دارج في كتب السلف ، ولكنه لم يستخدم كمصطلح فقهي له أحكامه ، وإنما كان هذا من فعل المتشددين من الفقهاء المتأخرين . السؤال : كيف يتجلى الفرق بين اللفظ والمصطلح؟ وهل يصح استحداث المصطلحات في القاموس الفقهي إذا استدعت الضرورة ؟

الجواب :
الحمد لله لفظ "الاختلاط" لفظ معروف في اللغة العربية ، وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية . أما القرآن الكريم فقد قال الله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) الأنعام/146 . فالشحم المختلط بالعظام استثناه الله من تحريم الشحوم على اليهود . وأما السنة النبوية ، فقول النبي صلى الله عليه وسلم : (وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ) رواه البخاري (2487) . والخليطان هم الشريكان ، لأن رأس مالهما قد اختلط . فهذه من شواهد وجود اللفظ في اللغة العربية ، بمعنى الاختلاط بين شيئين مختلفين . وأما استعمال العرب هذا اللفظ فهو كثير ، ومن ذلك قولهم : اختلط القوم بعضهم ببعض ، واختلطت الغنم بعضها ببعض . وانظر : "لسان العرب" (1/1229 – 1232) . ومن الأمثال العربية المعروفة : "اختلط الحابل بالنابل" . والحابل هو من يصيد بالشبكة ، والنابل هو من يصيد بالنبل ، وإذا اجتمع الاثنان للصيد في مكان واحد ، فلن يظفر أحد منهما بصيد ، لأن كلاً منهما سيعطل الآخر . وهذا المثل يُضرب للفوضى واضطراب الأمور . وأما الاختلاط بين الناس ، فقد ورد استعماله فيما رواه ابن ماجه (4032) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه . بل ورد اللفظ بالمعنى المقصود في كلام العلماء : اختلاط الرجال بالنساء ، في حديث رواه أبو داود (5272) عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ : (اسْتَأْخِرْنَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ) فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ . وحسّنه الألباني . فقد عَبَّر أبو أسيد رضي الله عنه باختلاط الرجال مع النساء في الطريق ، وهو دليلٌ على أنّه استعمالٌ معروفٌ من زمان الصحابة رضي الله عنهم . ويدل ـ أيضاً ـ

على أن اختلاط الرجال بالنساء لما وجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، ولم يُقَّره ، وشرع من الأحكام ما يمنع هذا الاختلاط ، حتى في الطريق . إذاً فليس منع اختلاط الرجال بالنساء من فعل المتشددين من الفقهاء المتأخرين ، وإنما هو تشريع رباني ، بَيَّنه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله تعالى : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44 .
وإذا مُنِعَ الاختلاط في الطريق مع كونه عابرًا عارضًا فمنعه في المجالس، وأماكن العمل والتعليم ووسائل المواصلات أولى .

قال ابن حجر رحمه الله معلّقًا على حديث أم سلمة في انصراف النساء قبل الرجال من المسجد : "وَفِيهِ اِجْتِنَاب مَوَاضِع التُّهَم ، وَكَرَاهَة مُخَالَطَة الرِّجَال لِلنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَات فَضْلًا عَنْ الْبُيُوت" انتهى من "فتح الباري" (2/336) . وقد استعمل فقهاؤنا السابقون هذا اللفظ "الاختلاط" بما يدل عليه في اللغة العربية ، ولم يخرجوا به عن معناه ، ونصوا على تحريم اختلاط الرجال بالنساء ، وأن ذلك من المنكرات ، وفهموا هذا الحكم من مجموعة أدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، ومقاصد الشريعة وقواعدها . وقد سبق بيان شيء من الأدلة الدالة على ذلك في جواب السؤال رقم (1200) .
وننقل هنا بعض أقوال علماء الإسلام من شتى المذاهب الإسلامية ، في منع اختلاط الرجال بالنساء ، ليُعلم أنّ القول بمنع هذا الاختلاط ليس مبنيًا على أعراف بعض الأقطار ، أو عادات جارية في بعض الأعصار ، أو فهمٍ شخصيٍّ لبعض النصوص الشرعية ، بل هو مذهب علماء الأمة عامّة ، وذكرنا بعد كل عالم بلده وتاريخ وفاته ، ليتبين للقارئ تفاوت أزمانهم ، واختلاف أقطارهم ، ومع ذلك فقد اتفقوا على هذا الحكم ، وهو منع اختلاط الرجال بالنساء . المذهب الحنفي : قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله (من مدينة سرخس بفارس "إيران اليوم" ت: 483هـ) : "وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ النِّسَاءَ عَلَى حِدَةٍ وَالرِّجَالَ عَلَى حِدَةٍ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَزْدَحِمُونَ فِي مَجْلِسِهِ ، وَفِي اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ الزَّحْمَةِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالْقُبْحِ مَا لَا يَخْفَى " انتهى من "المبسوط" (16/8) . وقال بدر الدين العيني رحمه الله (أصله من حلب ، وسكن القاهرة ، ت : 855هـ) في شرحه على البخاري : في التعليق على قول البخاري (باب حمل الرجال الجنازة دون النساء) قال : "لأن الرجال أقوى لذلك والنساء ضعيفات ومظنة للانكشاف غالبا خصوصا إذا باشرن الحمل ، ولأنهن إذا حملنها مع وجود الرجال لوقع اختلاطهن بالرجال ، وهو محل الفتنة ومظنة الفساد" انتهى من "عمدة القاري" (8/111) . وقال ابن عابدين الدمشقي رحمه الله (ت: 1252هـ) في حاشيته : "وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ : الْخُرُوجُ لِفُرْجَةِ قُدُومِ أَمِيرٍ ، أَيْ لِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ ، وَمِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" انتهى من "حاشية ابن عابدين" (6/355) . المذهب المالكي : قال ابن أبي زيد القيرواني: "وَلْتُجِبْ إذَا دُعِيت إلَى وَلِيمَةِ الْمُعْرِسِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَهْوٌ مَشْهُورٌ وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ" "الرسالة مع شرح النفراوي" (2/322) . قال النفراوي (من نفرى بمصر ت : 1126هـ) في شرحه "الفواكه الدواني": "وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ أَيْ : مَشْهُورٌ ظَاهِرٌ ، كَاخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ" انتهى . وذكر الصاوي (مصري ت: 1241هـ) من مبطلات الوصية: "أَنْ يُوصِيَ بِإِقَامَةِ مَوْلِدٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالنَّظَرِ لِلْمُحَرَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرِ" انتهى من "حاشية الصاوي على الشرح الصغير" (4/585) ، ومثله في "حاشية الدسوقي" (4/427) . وفي "مختصر خليل مع شرحه منح الجليل" لعليش (8/308) (من طرابلس المغرب وسكن القاهرة ت: 1299هـ) : "وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُفْرِدَ يَوْمًا مُعَيَّنًا مِنْ الْأُسْبُوعِ أَوْ وَقْتًا مُعَيَّنًا مِنْ الْيَوْمِ لِقَضَاءٍ بَيْنَ النِّسَاءِ سَتْرًا لَهُنَّ وَحِفْظًا مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ فِي مَجْلِسِهِ ....... وقال أَشْهَبُ (مصري ت:204هـ) "أَرَى أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّسَاءِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بِالرِّجَالِ ...... ، وَلَا يُقَدِّمُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ مُخْتَلِطِينَ ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ لِلنِّسَاءِ يَوْمًا مَعْلُومًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَلَ" انتهى . المذهب الشافعي : قال أبو إسحاق الشيرازي (من مدينة شيراز بإيران ت: 476هـ) :"وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ [يعني : صلاة الجمعة] لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إلَّا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَرِيضٍ) وَلِأَنَّهَا تَخْتَلِطُ بِالرَّجُلِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ " انتهى من "المهذب مع المجموع" (4/350) . وقال ابن حجر الهيتمي (مصري ت:974هـ) بعد نقل كلام الشيرازي : "فتأمله تجده صريحا في حرمة الاختلاط ، وهو كذلك ، لأنه مظنة الفتنة" انتهى من "الفتاوى الفقهية لابن حجر" (1/203) . وقال ابن حجر العسقلاني (أصله من عسقلان بفلسطين وعاش بالقاهرة ت : 852هـ) في شرحه لصحيح البخاري في "بَاب حَمْل الرِّجَال الْجِنَازَة دُون النِّسَاء" : "وَنَقَلَ النَّوَوِيّ فِي "شَرْح الْمُهَذَّب" أَنَّهُ لَا خِلَاف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة بَيْن الْعُلَمَاء ، وَالسَّبَب فِيهِ مَا تَقَدَّمَ ، وَلِأَنَّ الْجِنَازَة لَا بُدّ أَنْ يُشَيِّعهَا الرِّجَال فَلَوْ حَمَلَهَا النِّسَاء لَكَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَة إِلَى اِخْتِلَاطهنَّ بِالرِّجَالِ فَيُفْضِي إِلَى الْفِتْنَة" انتهى من "فتح الباري" (3/182) . المذهب الحنبلي : قال ابن الجوزي (بغدادي ت: 597هـ) : "فأما ما أحدث القصاص من جمع النساء والرجال فإنه من البدع التي تجري فيها العجائب من اختلاط النساء بالرجال ورفع النساء أصواتهن بالصياح والنواح إلى غير ذلك" انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (1/776) . وقال ابن قدامة (شامي ت : 620هـ) : "إذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَثْبُتَ هُوَ وَالرِّجَالُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُنَّ قَدْ انْصَرَفْنَ ، وَيَقُمْنَ هُنَّ عَقِيبَ تَسْلِيمِهِ . قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : (إنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إذَا سَلَّمَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ ، وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ) قَالَ الزُّهْرِيُّ فَنَرَى ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، لِكَيْ يَبْعُدَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنْ النِّسَاءِ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ مِنْ أَحَدِهِمَا يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ" انتهى من "المغني" (1/328) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (حراني سكن دمشق ومصر ت : 728هـ) : "وأما ما يفعل في هذه المواسم مما جنسه منهي عنه في الشرع ، فهذا لا يحتاج إلى ذكره ؛ لأن ذلك لا يحتاج أن يدخل في هذا الباب مثل : رفع الأصوات في المساجد ، واختلاط الرجال والنساء ، أو كثرة إيقاد المصابيح زيادة على الحاجة ، أو إيذاء المصلين أو غيرهم بقول أو فعل ، فإن قبح هذا ظاهر لكل مسلم" انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (صـ 145) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا : " لما قدم المهاجرون المدينة كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم ، متميزة عن دور المتأهلين ؛ فلا ينزل العزب بين المتأهلين ، وهذا كله لأن اختلاط أحد الصنفين بالآخر سبب الفتنة ؛ فالرجال إذا اختلطوا بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب ، وكذلك العزب بين الآهلين فيه فتنة ، لعدم ما يمنعه ؛ فإن الفتنة تكون لوجود المقتضى وعدم المانع .. " انتهى من "الاستقامة" (1/361) . وقال ابن القيم (دمشقي ت :751هـ) : "فَصْلٌ : وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ اخْتِلَاطَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَالْفُرَجِ ، وَمَجَامِعِ الرِّجَالِ .....
وَقَدْ مَنَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه النِّسَاءَ مِنْ الْمَشْيِ فِي طَرِيقِ الرِّجَالِ ، وَالِاخْتِلَاطِ بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ . فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ ....... وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَمْكِينَ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ : أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ فَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ ، وَاخْتِلَاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ ، وَالطَّوَاعِينِ الْمُتَّصِلَةِ ...... فَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَامِّ : كَثْرَةُ الزِّنَا ، بِسَبَبِ تَمْكِينِ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ ، وَالْمَشْيِ بَيْنَهُمْ مُتَبَرِّجَاتٍ مُتَجَمِّلَاتٍ ، وَلَوْ عَلِمَ أَوْلِيَاءُ الْأَمْرِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ فَسَادِ الدُّنْيَا وَالرَّعِيَّةِ - قَبْلَ الدِّينِ لَكَانُوا أَشَدَّ شَيْءٍ مَنْعًا لِذَلِكَ" انتهى من "الطرق الحكمية" (صـ 237) . وقال ابن رجب (بغدادي سكن دمشق ت : 795هـ) : "وإنما المشروع تميز النساء عَن الرجال جملة ؛ فإن اختلاطهن بالرجال يخشى منهُ وقوع المفاسد" انتهى من "فتح الباري" (2/134) . وقال الحجاوي (شامي ت : 968هـ) في الإقناع : "وَيُمْنَعُ فِيهِ [أي في المسجد] اخْتِلَاطُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، قال البهوتي في شرحه : "لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ" انتهى من " كشاف القناع" (2/367) . علماء آخرون من السابقين والمعاصرين : قال الشوكاني (يمني ت : 1250هـ) في شرح حديث أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَهُوَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ) : قال : "الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمَأْمُومِينَ وَالِاحْتِيَاطُ فِي اجْتِنَابِ مَا قَدْ يَقْضِي إلَى الْمَحْذُورِ ، وَاجْتِنَابُ مَوَاقِعِ التُّهَمِ ، وَكَرَاهَةُ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الطُّرُقَاتِ فَضْلًا عَنْ الْبُيُوتِ" انتهى من "نيل الأوطار" (2/364) . وقال أيضاً : "قَوْله : (وَخَيْرُ صُفُوف النِّسَاء آخِرُهَا) إنَّمَا كَانَ خَيْرهَا لِمَا فِي الْوُقُوف فِيهِ مِنْ الْبُعْد عَنْ مُخَالَطَة الرِّجَال" انتهى من "نيل الأوطار" (3/219) . وقال الأستاذ حسن البنا (مصري ت : 1368هـ) : "كل هذه الآثار السيئة التي تترتب على الاختلاط تربو ألف مرة على ما يُنتظر منه من فوائد" انتهى من "المرأة المسلمة" (صـ11) . وقال الشيخ محمد الخضر حسين (تونسي ت : 1377هـ تولى مشيخة الأزهر الشريف بمصر) : "..
وتحريم الدين لاختلاط الجنسين على النحو الذي يقع في الجامعة معروف لدى عامة المسلمين ، كما عرفه الخاصة من علمائهم، وأدلة المنع واردة في الكتاب والسنّة وسيرة السلف الذين عرفوا لباب الدين، وكانوا على بصيرة من حكمته السامية... والأحاديث الصحيحة الواردة في النهي عن اختلاط المرأة بغير محرم لها تدل بكثرتها على أن مقتَ الشريعة الغرَّاء لهذا الاختلاط شديد .." انتهى من "مجلة الهداية الإسلامية" ج 6 من المجلد الثالث عشر . وقال الدكتور مصطفى السباعي (شامي ت : 1384هـ) : "لا يجيز الإسلام أن تختلط المرأة بالرجال في الحفلات العامَّة أو المنتديات ولو كانت محتشمة ...
ولهذا كله يتشدد الإسلام في منع اختلاط النساء بالرجال ، وقد قامت حضارته الزاهرة التي فاقت كل الحضارات في إنسانيتها ونبلها على الفصل بين الجنسين ، ولم يُؤَثِّر هذا الفصل على تقدّم الأمة المسلمة وقيامها بدورها الحضاري الخالد في التاريخ" انتهى من "المرأة بين الفقه والقانون" (صـ 125 – 126) . وقال الشيخ سيد سابق (مصري ت : 1420هـ) : "يستحسن شرعا إعلان الزواج ، ليخرج بذلك عن نكاح السر المنهي عنه ، وإظهارا للفرح بما أحل الله من الطيبات والإعلان يكون بما جرت به العادة ، ودرج عليه عرف كل جماعة ، بشرط ألا يصحبه محظور نهى الشارع عنه كشرب الخمر ، أو اختلاط الرجال بالنساء ، ونحو ذلك" انتهى من "فقه السنة" (2/231). وقال الشيخ على الطنطاوي (سوري ت : 1420هـ) : "هذا هو باب الشهوات وهو أخطر الأبواب . عرف ذلك خصوم الإسلام فاستغلوه ، وأول هذا الطريق هو الاختلاط .." انتهى من "ذكريات علي الطنطاوي" (5/268) . وقال الشيخ محمد متولي الشعراوي (مصري ت : 1420هـ) : "مسألة الاختلاط بين الفتاة والشباب ليست منطقية ولا طبيعية ، وقد سبق أن عالجت هذا الأمر حينما تكلمت عن قصة موسى مع شعيب ، وقلت : إن خروج الفتاة إلى عمل في غير مجال أسرتها ، أمر تحدده الضرورة المحضة ... ولا تجعل هذه الضرورة تبيح لها أن تختلط بالشباب ما شاء لها الاختلاط" انتهى من "الفتاوى للشعراوي" (5/12) . وقال الشيخ عطية صقر (مصري تولى رئاسة لجنة الفتوى بالأزهر ت : 1427هـ) : "وأما كون الرأي وهو عدم اختلاط الرجال بالنساء إلا في أضيق الحدود ، مقبولا فإن الواقع يشهد له ،
والأدلة في القرآن والسنة بعمومها تؤيده" انتهى من "فتاوى الأزهر" نسخة إلكترونية على موقع وزارة الأوقاف المصرية http://www.islamic-council.com. وأخيرا .. قال الأستاذ سيِّد قطب (مصري ، ت: 1387هـ) : " فلا يقل أحد غير ما قال الله .

لا يقل أحد : إن الاختلاط ، وإزالة الحجب ، والترخص في الحديث واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب ، وأعف للضمائر ، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة ، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك . . إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف المهازيل الجهال المحجوبين . لا يقل أحد شيئاً من هذا ، والله يقول : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) الأحزاب/53 .
يقول هذا عن نساء النبي الطاهرات . أمهات المؤمنين . وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق! وحين يقول الله قولاً ويقول خلق من خلقه قولاً . فالقول لله سبحانه ، وكل قول آخر هراء ، لا يردده إلا من يجرؤ على القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد! والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله ، وكذب المدعين غير ما يقوله الله" انتهى من "في ظلال القرآن" (6/2878) . ولمزيد الفائدة والتوسع في ذكر الأدلة وأقوال العلماء يراجع كتاب : "الاختلاط بين الجنسين في ضوء الكتاب والسنة" لعامر بن محمد بن فداء بهجت . وبهذا يتبين أن القول بمنع اختلاط الرجال بالنساء هو ما دل عليه الكتاب والسنة ، وهو ما عليه عامة العلماء ، من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا . ولم نذكر في جوابنا هذا شيئاً من أقوال علماء هيئة كبار العلماء ، أو اللجنة الدائمة للإفتاء ، أو غيرهم من علماء بلاد الحرمين الشريفين ، لشهرة أقوالهم في ذلك ، وقد سبق أن نقلنا بعضها في كثير من الأجوبة . نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ، وأن يرد المسلمين إلى دينهم رداً جميلاً . والله أعلم الإسلام سؤال وجواب

عشرون دليلاً على حرمة اختلاط الرجال بالنساء

د.محمد بن عبدالرحمن العريفي

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الخطبة الأولى:
الحمد الله .. عالم الخفيات المطلع على السرائر والنيات ولا يخفى عليه شي في الأرض ولا في السموات، أحمده سبحانه أن هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأساله أن يجعلنا من خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله .
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له"
أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون " وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للناس بشيراً ونذيراً لتطيعوه وتتبعوه لعلكم تفلحون، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً:
أما بعد:
فإن الله تعالى جبل الخلق وفطرهم على أمور لامناص لهم من الخلاص منها.. فجبلهم على حب المال مثلاً (
وتحبون المال حباً جماً) لكنه وضع لهم الضوابط في ذلك ..فحرم السرقة..والرشوة وأكل الربا.. وجبلهم على حب المطاعم والمشارب..ووضع لذلك ضوابط..فحرم لحم الخنزير والخمر ولحوم السباع.. وجبل الله تعالى الرجال والنساء على ميل كل منهما إلى الآخر وجعل في الرجال إقبالاً إلى النساء وفيهن إقبالاً إلى الرجال .. لذا لما أسكن الله تعالى آدم في الجنة .. يأكل ويتنعم بكل أنواع المتع .. ومع ذلك ما طاب له المقام فيها إلا بأنيس معه ..
فماذا اختار الله تعالى له من أنواع المخلوقات .. ليؤنس خلوته .. ويزيد متعته .. لم يختر له فرساً يطير عليه ويركبه .. ولا هراً أليفاً يلاعبه ..وإنما اختار له أنثى .. لتكتمل رغبته..وتشبع غريزته.. ويستمتع كل منهما بالآخر (
خلقكم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها ).
ومع ميلان كل من الجنسين للآخر وضع الله تعالى حدوداً بينهما ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه..
وكلامنا اليوم ليس عن اختلاط النساء بمحارمهن من الرجال أو مخالطة المرأة للرجال الأجنبي للضرورة التي لا مخرج عنها كالعلاج وما شابهه.. كلا فهذا لا بأس به..
إنما نتكلم اليوم عن اختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن في المكاتب , والمستشفيات ,والحفلات , والمؤتمرات.. والاجتماعات .. وكم من رجل أو امرأة اختلطا فوقعا ضحية كلمة مائعة أو ضحكة زائغة .. لذا حرم الله تعالى الاختلاط في جميع الشرائع .. قال تعالى حاكياً قصة موسى عليه السلام :
"ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير * فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا " ..

والمعنى : وجد جماعة كبيرة من الناس يسقون أنعامهم ومواشيهم ..
ووجد امرأتين تذودان : أي قد ابتعدتا جانباً عن الرجال وبعدتا تمنعان ماشيتها من اختلاط بمواشي الناس فسألهما
(ما خطبكما ) فأجابتاه : ( لا نسقى حتى يصدر الرعاء ) أي لضعفنا وعدم رغبتنا في الاختلاط فنحن ننتظر الرجال حتى ينتهوا ثم نسقي مواشينا .
ويتضح لنا أن المرأتين خرجتا للعمل في السقيا, ولكن خروجهما كان للضرورة لهذا قالت : ( وأبونا شيخ كبير).
وتلاحظ في الآيات وجود امرأتين فالمرأة إذا اضطرت للخروج للعمل صاحبتها امرأة أخرى تجنباً للشبهة وحماية من الإغراءات..
وتأمل قوله تعالى: "
فجاءته إحداهما تمشي على استحياء"..
لأنها تربت على الحياء فلم تتكشف ولم تتبرج بل قالت بحزم وجدية "إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا"..
هكذا باختصار .. هذا هو المطلوب .. وبدون كثرة كلام..
قارنوا هذا بالذي يحدث من بعض النساء في عصرنا .. من الكلام الكثير المتتابع مع الرجال.. مع مايصاحب هذا الكلام من تكسر وميوعة.. 
فهذه أربعة أدلة من قصة موسى مع المرأتين تدل على تحريم الاختلاط..

والدليل الخامس:

ماحكاه الله عن امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام .. فقال سبحانه
(وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك) ..
فالرجال والنساء ليسوا دمى تتحرك بلا مشاعر.. أو حجارة صماء.. بل هم بشر لهم عواطف وشهوات.. فامرأة العزيز مع شرف نسبها .. وارتفاع مكانتها وغناها وجمالها إلا أنها كثر اختلاطها بشاب يعمل خادماً عندها تؤانسه وتجالسه وتماشيه .. ومع كثرة المساس قل الإحساس .. حتى تكسرت النصال وتفجرت أحاسيسها .. وراودته عن نفسه وقالت: هيت لك..

 
الدليل السادس:
أن الله تعالى أمر الرجال بغض البصر, وأمر النساء بذلك, فقال تعالى: (
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) ..
فهو أمر يقتضي الوجوب.. ولم يعف الشارع إلا عن نظر الفجأة فقد صح في مستدرك الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
ياعلي, لاتتبع النظرة, فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة".
فكيف يستسلم لأمر هذه الآية من يشتغل مع امرأة في مكان واحد فيتكرر نظره إليها قائمة وقاعدة ومتحركة وساكنة وضاحكة وباكية ..
وربما تأمل عينيها ويديها أو نظر إلى وجهها إن كانت كاشفة لوجهها..


الدليل السابع:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الأصل في المرأة الاستتار عن الرجال.. وأن الشيطان إذا خالطت الرجال فتنهم بها.. فقال عليه الصلاة والسلام: ( ا
لمرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان).. وكونها عورة.. أي لايجوز النظر إلى زينتها أو شيء من جسدها.. والاختلاط المتتابع لها مع الرجال يخالف ذلك..

الدليل الثامن:

أن الله تعالى أباح للمرأة الزينة والحلي .. لكنه سبحانه أمرها إذا لبست خلاخل في قدميها ومرت بالرجال فلا يجوز أن تضرب الأرض برجلها بقوة لكيلا يسمع الرجال صوت الخلاخل فيفتنون .. قال تعالى (
ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن).. فإذا كان سماع الرجل صوت خلخال المرأة حراماً لما يدل عليه من عنايتها بزينتها أو تغنجها.. فما بالك بمن يخالط امرأة في مكان عمل واحد .. يسمع ضحكاتها معه أو مع غيره أو عبر هاتفها .. أو مع زميلاتها .. أو زملائها.. مع ما في صوتها من رق ونعومة .. والأذن تعشق قبل العين أحياناً.

الدليل التاسع:

قوله تعالى (يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور) ..
قال ابن عباس: هو الرجل يدخل على أهل بيت ومنهم المرأة الحسناء تمر به فإذا غفلوا لحظها , فإذا فطنوا غض بصره عنها, فإذا غفلوا لحظ, فإذا فطنوا غض, وقد اطلع الله من قلبه أنه ود لو نظر إلى عورتها..
وتأمل في وصف الله تعالى العين التي تسارق النظر إلى المرأة الأجنبية بأنها خائنة, فكيف بالاختلاط.


الدليل العاشر:

أن الله تعالى علم أن الرجال والنساء يكون من بعضهم لبعض حاجات ومعاملات.. فيحتاج الرجل للكلام مع المرأة الأجنبية .. لسؤالها عن زوجها .. أو شيء من أمورها .. فقال تعالى:
(وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)..
وهذا التوجيه موجه ابتداء لمن نزل عليهم القرآن .. لأبي بكر وعمر .. وعائشة وحفصة..
وهم وهن أطهر منا قلوباً وأصدق إيماناً.. ومع ذلك يقول الله تعالى موجها لهم .. فاسألوهن من وراء حجاب .. لماذا؟ .. ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن.. أي لابد من وجود حائل بين المرأة والرجل .. وهذا منع للاختلاط..

الدليل الحادي عشر:

أن الله تعالى أباح للمرأة الصلاة في المسجد وحضور العبادة مع الرجال ..
لكنه صيانة لها.. جعل صلاتها في بيتها أفضل ..
روى أحمد في مسنده"عن أم حميد رضي الله عنها:
أنها قالت : يا رسول الله، أني أحب الصلاة معك. فقال صلى الله عليه وسلم:"
قد علمت أنك تحبين الصلاة معي,وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ,وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك,وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ,وصلاة في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي"

الدليل الثاني عشر:

ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"
خير صفوف النساء آخرها"..
بمعنى أن المرأة أذا صلت في المسجد ولم يكن هناك حاجز ساتر بين مصلى النساء والرجال..
فإن كون المرأة تصلي في الصفوف الأخيرة أفضل وأولى.. لبعدها عن الرجال ومخالطتهم ورؤيتهم..
فإذا كان هذا في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط فما بالك بمن تشتغل مع رجل ثمان ساعات يوميا تارة ليلا وتارة نهارا في صيدلية واحدة في غرفة صغيرة..أو تجلس معه في مكتب.. أوتعمل سكرتيرة..تدخل عليه كل دقيقة تشرح له المعاملات..وتخبره بالاتصالات..


الدليل الثالث عشر:

أن الله تعالى لما أباح للمرأة حضور الجماعة في المسجد..نهاها أن تخرج متزينة أومتطيبة..
فروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال "
إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا".
وروى أبو داود وأحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لا تمنعوا إماء الله مساجد الله,ولكن ليخرجن وهن تفلات".. تفلات أي غير متزينات ولا متطيبات..


الدليل الرابع عشر:

أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أسباب هلاك الأمم..فذكر منها ترك الجهاد..ومنع الزكاة..
وذكر من أسباب هلاك الأمم السابقة الأختلاط المحرم بين الرجال والنساء..
فقال صلى الله عليه وسلم:"
إن الدنيا حلوة خضرة,وإن الله مستخلفكم فيها, فناظر فكيف تعلمون, فاتقوا الدنيا واتقوا النساء,فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء" رواه مسلم.
يعني لما اختلط رجال بني إسرائيل بنسائهم.. وما تبع ذلك من الملاطفة والمؤانسة..والمجالسة والممالحة.. ثم نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء..عندها جاءهم الهلاك..


الدليل الخامس عشر:

ما رواه البخاري وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد فرأى الرجال والنساء لما خرجوا من المسجد وقد اختلط بعضهم ببعض في الطريق,فقال صلى الله عليه وسلم:

" استأ خرن, فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق,عليكن بحافات الطريق"
فكانت المرأة تمشي بجانب الطريق ابتعادا عن الرجال..

الدليل السادس عشر:

ماروا ه أبو داود الطيالسي عن ابن عمر رضي الله عنهما:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد جعل بابا للنساء, وقال:
لايلج من هذا الباب من الرجال أحد" ، وفي لفظ البخاري في"التاريخ الكبير"أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخلوا المسجد من باب النساء"..

الدليل السابع عشر:

ما رواه البخاري عن أم سلمه رضي الله عنها, قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قام النساء حين يقضي تسليمه, ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيرا.
وفي رواية قالت: كن إذا سلمن من المكتوبة قمن, وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله ,فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال.
وفي رواية قالت: كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم..


الدليل الثامن عشر:

قال صلى الله عليه وسلم :
( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ).وهذا المحرم ليكسر نظرات الرجال عنها..ويجعل لها هيبة وحياء..

الدليل التاسع عشر:

أن الله تعالى حرم اختلاط الذكور والإناث حتى وهم صغار في المضاجع ولو كانوا إخوة فقال صلى الله عليه وسلم :
(مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ,واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع).. فإذا كان تفريق الصغار عن كثرة الملامسة والمضاجعة.

الدليل العشرون:

قوله صلى الله عليه وسلم ):
إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار:أفرأيت الحمو؟ قال : الحمو الموت )متفق عليه, والحمو هو قريب الزوج..وقبل الختام..

إذا اضطرت المرأة للعمل مع الرجال..
أقول قولي هذا..


الخطبة الثانية:

الحمد لله..
وقد يحتج بعضهم بما يحدث من اختلاط في الطواف والأسواق وخروج النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم للتمريض..
ومع أنه لاحجة في ذلك بوجه .. إذ أن هذه كلها ضرورات لا يمكن غيرها ..إلا أننا نقول :
الأصل في الطواف طواف النساء من وراء الرجال..هكذا طاف نساء المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ..أي الأقرب إلى البيت هم الرجال ,ثم النساء من ورائهم..
روى البخاري عن عطاء قال:"لم يكن يخالطن كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة(معتزلة) من الرجال لاتخالطهم ,فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا يا أم المؤمنين, قالت:انطلقي عنك ,وأبت. يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال ,ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال ".

وقال صلى الله عليه وسلم لأم سلمة : (
طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)..رواه البخاري.
فما يحدث اليوم خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. ومع ذلك لا يمكن أن يحتج من يبيح الاختلاط في أماكن العمل .. والمستشفيات ..و .. أما التمريض في الحروب .. فكان في فترة معينة لضرورة معينة حيث كان الرجال قلة فكان النساء يخرجن لسد النقص .. وهن بالحجاب, مع محارمهن .. فلما كثر الرجال امتنع خروج المرأة..


أيها الأحبة الكرام..

أثبتت التجارب والمشاهدات الواقعية في دنيا علم النفس الحديث أن اختلاط الرجال بالنساء يثير في النفس الغريزة الجنسية بصورة تهدد كيان المجتمعات وأنظر إلى حال غيرنا..

نتيجة للاختلاط الكائن بين الطلاب والطالبات في المدارس والجامعات, ذكرت جريدة الأحد اللبنانية أن الطالبة في المدرسة أو الجامعة لا تفكر إلا بعواطفها والوسائل التي تتجاوب مع هذه العاطفة .. وأن أكثر من 60% من الطالبات سقطن في الامتحانات بسبب تفكيرهن في العواطف والحب أكثر من دروسهن..

وتؤكد الإحصاءات أن ثلث سكان فرنسا يعيشون بدون زواج أو ارتباط أما بالنسبة للارتباط بدون زواج رسمي فالنسبة في ارتفاع مستمر وتتزايد بنسبة 3.6% كل عام, حتى بلغ عدد الذين يعيشون معاً بدون زواج رسمي نحو مليون رجل وامرأة..
وقررت الحكومات الأوربية والأمريكية تعليم الطالبات وسائل منع الحمل للحد من حالات الإجهاض وولادة السفاح..
وفي إحدى الجامعات الأمريكية أقر أكثر من 70% من الموظفات أنهن تعرضن لأفعال غير أخلاقية من زملائهن..


أخيراً..

في هذا البلد الطيب الذي هو مأرز الإسلام وقبلة المسلمين الذي أختاره الله تعالى ليختم به الرسالات .. لا ينبغي أن نسمح لكل من يريد أن يجعل من هذا البلد مكان للاختلاط أو الفجور..



مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..