إذا عُرف السبب بطل العجب!
لأنني
أعرف السبب، أو الأسباب، فإني لست معنياً بالإجابة على سؤال: لماذا يتجاوز
عدد المدراء
العامين في بلد كالعراق مثيلاته في الصين مثلاً.
كل
منكم مدعو لإضافة ما يراه من أسباب لإزدياد عدد المدراء العامين لدينا..
ليس المهم ماهو العمل الذي يديرونه، وإنما ما هو حجم الغرفة، وما هي
أثاثها، وما هو حجم التلفزيزن فيها، وعلى فكرة: هل يأتي المدير العام
لدائرته للتمتع بمشاهدة المسلسلات التركية، أم للإستماع لتوجيهات الحكومة
المركزية عبر قناة العربية الحدث، والجزيرة، وباقي القنوات من ذات اللون
والطعم والرائحة؟ وهل تبعث حكوماتنا ودوائرنا الميمونة توجيهاتها
وتعليماتها عبر تلفزيون الدولة الذي لم يعد موجوداً، مثلما لم تعد جريدة
الدولة موجودة أيضاً، هل لعبقري من عباقرة الإدارة في العهد الجديد الزاهر
تبرير هذه الظاهرة، وتبربر هذا التبذير لأموال الدولة؟
في
الدول التي تحترم ناسها، يضعون تلفزيونات، أحياناً عملاقة، ولكن ليس في
غرفة المدير الذي لا وقت له لمشاهدة التلفزيون، وإنما في صالات إنتظار
المواطنين الفارهة. ترى ألم يشاهد أي مسؤول، وأغلبهم من حملة الجنسيات
الأجنبية هذه الظاهرة فيبادر إلى نقل التلفزيونات من غرف المدراء وأزلامهم
إلى صالات إنتظار المواطنين؟!
يتحدثون عن الجنود
الفضائيين، هل ندلكم أعزكم الله على المدراء والمشرفين ورؤساء الشعب
والموظفين الفضائيين، أنهم أكثر من الهم على القلب؟
ليس
المهم كم هي الحاجة الفعلية لعدد المدراء العامين في هذه الوزارة أو تلك،
وإنما المهم إيجاد مناصاب في كل وزارة ومؤسسة تلبي رغبات المتحاصصين وتسد
حلوقهم، المهم إيجاد المناصب، ومن ثم إختيار عناوينها، أليس هذا "جديد" لم
يسبقنا إليه أحد في علم الإدارة الحديثة؟
لا يوجد في أي
مكان آخر غير العراق المُبتلى، يجمع فيه المواطن تواقيع موظفين لا عد لهم
على معاملة، وبشكل روتيني، ومن دونما مبرر، ربما كي يحلل هذا المدير أو
الموظف خبزته، فيوقع أوراقاً لا يعرف ما هي، ولا ماذا تعني!
جيش
مليوني من الموظفين، وتعطيل لمعاملات الناس يمتد إلى سنوات، هل أدلكم على
رحلة معاملة بسيطة في دهاليز الوظيف العمومي لمدة سبع سنوات؟ معاملة أرادت
أن لا ترشي ولا تستعمل الواسطة فخاست في المدارجَ!
كم
معاملة تنتظر التوقيع منذ سنوات في مكتب رئيس الوزراء؟ أليس من حق المواطن
أن يسأل ما هو شغل هذا المكتب إن لم يكن تيسير أمور الناس؟ وإذا كان
المكتب عاجزاً على تمشية هذه المعاملات لأنها فوق طاقته، فلماذا لا يخول
غيره بتمشيتها؟
السلطة ليست منصبا ورواتب ومنافع وجاها، وإنما السلطة خدمة من تتسلط عليهم، وإن كنت عاجزاً فاترك المجال لغيرك.
في
العراق يصدر قرار أو مرسوم، وعلى الفور تتشكل مؤسسات ومديريات، تتكاثر
بإستمرار لتطبيق هذا القرار. مثل هذه القرارات لا يوضع سقف زمني لتنفيذها،
ربما عن غير دراية أو قصد، ومع الأيام تتأبد وتنتفخ هذه الدوائر التي أسست
لغرض مُحدد، بإنتفائه وزواله ينتفي ويزول وجود هذه المؤسسات والمديريات،
ومن هنا تبدأ اللعبة!
إذا كان عمل "الهجرة والمهجرين"
عملاً متواصلاً بحكم تواصل عمليات التهجير المأساوية، فإن عمل "السجناء
والمفصولين السياسين" مثلاً ينبغي أن يكون قد إنتهى بعد مرور أكثر من إثني
عشر عاماً على البدء بمعالجة هذا الموضوع. ولكن ما ينبغي سيتحول وبتخطيط
مسبق إلى ما لاينبغي، اللهم إلا إذا إعترف العهد الجديد أن ثمة مفصولين
سياسين في عهده وليس في عهد الديكتاتورية فقط، وبالتالي سيستمر عمل هذه
المؤسسة كما إستمر عمل الهجرة والمهجرين، بإعتبار أن الفصل السياسي حالة
مستمرة مثلها مثل الهجرة والمهجرين، وحسب علمنا المتواضع فإنه لم يفصل
سياسياً أي شخص في هذه الفترة، ومن طرد أو فُصل فإنما طرد أو فُصل لأسباب
تتعلق غالباً بالنزاهة أو الإرهاب أو تنفيذاً لإجراء قضائي، أليس كذلك أم
أننا مخطئون؟
وحتى لو ظهرت حالات فصل تشوبها تهمة الفصل
السياسي، فإن معالجة هذ الأمر يتم قضائياً، أو إدارياً، ومن دونما حاجة
لمؤسسة طويلة وعريضة، ترى هل توجد مؤسسة في كل العالم كمؤسستنا هذه؟
"السجناء
والمفصولين السياسين" إطار مؤسساتي وظف الآف لتقديم خدمة لبضعة آلاف، لو
إحتسبنا المبالغ والمنافع والإيفادات التي حصل عليها الموظفون المنخرطون في
هذه المؤسسة لوجدنا أنها أضعاف ما صرف على السجناء والمفصولين السياسين،
فهل هذه المؤسسة في خدمة الضحايا من السجناء والمفصولين السياسين أم في
خدمة من أصبح متحكماً بحقوق هؤلاء، يعطي حقوقهم متى يشاء، ويمنعها متى
يشاء؟
أي شيء لم يتم إستغلاله وإستثماره والمتاجرة به في عراق المحاصصة؟
إذا أباح البعض لنفسه أن يستغل الدين، ويتاجر بالدين، فكيف لا يبيح لنفسه أن يستغل الشهيد والمُهجّر والسجين والمفصول السياسي؟
عندما
تنقلب الصورة، ويصبح الخادم مخدوماً، والمخدوم خادماً، تضيع المقاييس،
وتنعدم الفواصل، فالدولة أرادت تكريم الشهداء والسجناء والمفصولين
السياسين، وإنصاف وتعويض المهجرين، وكل هذه واجبات مُلزمة لدولة تحترم
نفسها، وليست مُكرمة منها، وهي إذ توظف من يتقاضى أجراً لتسوية أمور هؤلاء،
فإن هؤلاء الذين إستُوضفوا يكونون في موضع تقديم الخدمة لمن إستؤجروا
لخدمتهم، وليس العكس، بمعنى أن من أصبح موظفاً أو مديراً عاماً أو مُشرفاً،
فإنه ما تبوأ هذا المكان أو المنصب إلا لخدمة الشهيد أو السجين والمفصول
السياسي أو المهجّر. ومهما يكن من أمر فالموظف والمدير العام ليس شهيداً،
لأنه حي يرزق ويجلس على كرسي وثير وأمامه منضدة بحجم منضدة البليارد،
وقبالته تلفزيزن حجم 52 إنج، وربما ما كان ممن سجن أو فصل، وحتى لو كان
كذلك، فقد إعيدت له حقوقه وإعتباره، وهو بالقطع ليس مهجراً، والذي أمامه من
"أهل الله" ربما تكون زوجة أو إبنة شهيد قدم روحه لتأتي أنت فتتربع على
الكرسي، وتتمتع بنعيم ما كنت تحلم به، وربما هو ممن دار غير متجول ولا سائح
في سجون ومعتقلات الدكتاتورية سافحاً أجمل سنوات العمر، وربما ممن نفي
قسراً وشرد في أصقاع المعمورة، أو هجّر وعائلته، وعانى ما لا يعلمه إلا
الله، فعلى رسلك ياهذا!
فيما مضى لم يكن للمدير سوى فراش،
ومعاون يدفن رأسه في المعاملات، وموظفين لا يحكون رؤوسهم. أما اليوم
فللمدير مثلما الوزير مكتب، وسكرتارية، وحماية، وسيارات، وجيش من العاطلين
الذين لايجد بعضهم حتى كرسياً يجلس عليه، فيقضي الوقت سياح مداح.
بقلم: صباح علي الشاهر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..