الأربعاء، 4 فبراير 2015

جمال خاشقجي.. مهندس المشاكل الرابحة

     يستحيل أن يخرج من تحت دوائر الضوء والجدل حيثما حلّ وأينما كان.  فلا وجود لكلمة «الظلّ» في قاموس حياة هذا الصحفي المحترف ذي البنية القوية والفارع الطول، الذي ينطوي على أغزر تجربة
عملية مرّ بها رئيس تحرير في تاريخ الصحافة السعودية الحديث في قول واحد.
بعد نحو 10 ساعات فقط من إطلاق قناة «العرب» التي طال انتظارها، أصدرت السلطات البحرينية أوامرها بوقف بث برامج القناة الإخبارية الوليدة، لتصبح عنوانا لأحاديث الشارع العربي من المحيط إلى الخليج. خرج المراقبون والعامة ليدلوا بدلوهم تجاه مهندس القناة ومديرها العام جمال أحمد خاشقجي ليضعوه وقناته الوليدة ـ حيث يحب دوما ـ في قلب معادلة الضوء والظل!.
قليلون الذين أخذتهم الرأفة بالقناة التي لم تكمل يومها الأول في برزخ الفضائيات العربية، وصنعوا لها مهدا ملائكيا يليق بطفلة بريئة يبرر لها صرخة الحياة الأولى حتى ولو كانت على لسان جمعية الوفاق البحرينية المعارضة، بينما انتظم المتربصون بمدير القناة ـ صديقهم القديم ـ لنصب أعواد المشانق له، وتقديمه كصورة مفزعة لرؤوس الشياطين!.
لم ولن يغفروا لجمال خاشقجي أن يطلّ عليهم من جديد عبر برزخ إعلامي مختلف هذه المرّة، ليقود قناة تلفزيونية تخاطب مشاهديها بالصوت والصورة، لا بالحبر والورق كما تمرّس طوال حياته العمليّة. وطفقوا يرمون الحجارة والعصي في تحديه الجديد والجسور، الذي أعد عدته له ـ خلف كواليس الصمت ـ منذ يوليو 2010 وحتى اليوم!.
عفوية جمال أحمد خاشقجي وجبلته النازعة إلى البياض ومحبة الناس، تفسر أحيانا على أنها ضرب من الحيلة والمكر والدهاء، والسبب الظاهر أن كل من عرف «أبا صلاح» يحتار في تصنيفه، وتوصيفه، والمربع الذي يقف عليه!.
منذ ثمانينات القرن الماضي وهو يُطارد ويوصم دائما بصفة غير مستساغة في «مكارثية» المجتمع المحلي؛ فكان أول من حمل وصف «الإخونجي» في جيل الصحفيين الشباب آنذاك، قبل أن تتوالى تهم التصنيفات الجاهزة التي يطلقها عليه خصومه حينا، وبعض «أعدقاء» المهنة في أحيان أخرى، غبطة به تارة، وغيرة منه في تارات أُخر.
وباختصار، جمال خاشقجي عند جناح الأصوليين هو رجل علماني بنمرة واستمارة، وهو عند رهط الليبراليين حصان طروادة الذي يخفي أجندة حركات الإسلام السياسي أينما حلّ وحيثما ذهب. لكن المفارقة أن جناح الأصوليين ورهط الليبراليين يتفقان معا على توصيفه بأنه رجل مخابرات برتبة نقيب!.
لم يكن طريقه في بلاط صاحبة الجلالة مفروشا بالورود والبساط الأحمر، تماما كما وضح على أول خطوة في طريقه (حتى الآن) في سماء القنوات الفضائيّة بعد وقف بث «العرب» في ليلتها الأولى. فالرجل موعود دائما باحتساء كؤوس الخيبة المرّة في عزّ أيام حصاد الفرح والحبور!.
تولى جمال خاشقجي ( 57 عاما) منصب رئاسة التحرير 3 مرات. الأولى بالنيابة قرابة العام (صحيفة المدينة العام 1412ـ 1992)، والثانية خلفا للدكتور فهد العرابي الحارثي كرئيس لتحرير صحيفة «الوطن» في مطلع 2003 ولم يستمر أكثر من 52 يوما فقط قبل أن يبعد، ليعود في المرة الثالثة والأخيرة إلى كرسي الوطن الساخن في بداية الربع الثاني من 2007 قبل أن يقدم استقالته رسميا في مايو 2010 إثر ضربة خطافية (ملتبسة) وجهت له من تحت حزام صفحة الرأي في الجريدة التي يرأس تحريرها.
لم يكن أبو صلاح بريئا في بعض قراراته وتعييناته الإدارية. كان يعتقد، وهو ما ثبت خطؤه مرارا، أنه لا مناص من التعامل مع الواقع ببرجماتية في لعبة شطرنج رئاسة التحرير. وأنه كي ينجو ومن معه، لا بد من الرضوخ لخيارات بطعم التنازل، علها تكون سلالم قصيرة ربما توصله يوما ما إلى قلوب (من يحبهم دوما، ولم يحبوه قطّ!).
خلال الـ72 ساعة التالية من إبعاده الأخير عن «الوطن» خرجت تحليلات المفسرين وظهرت روايات متباينة، بعد أن شاع نبأ اهتمام الأمير الوليد بن طلال بخدمات جمال خاشقجي وضمه إلى مجموعته الإعلامية، وهو ما تأكد لاحقا.
لا يُعرف كثير عن تجربته التلفزيونية الجديدة، وأسرار استعداداته لها. وحتى لو تجاوز أزمة عسر الولادة البارحة، فالمؤكد أن في انتظاره رحلة كسر عظم بدأت ولن تنتهي في المدى المنظور.
القريبون منه، يعرفون عن خاشقجي بأنه كان «أغرب ربّ عمل يمكن أن تعمل معه. ويتصرف أحيانا عند تشكيل فريقه الصحفي وكأنه حاطب ليل». أسلوبه في الإدارة يقوم على قناعات ومعادلات حسابية لا يمكن لغيره فهم مآلاتها ونتائجها المنتظرة. وعندما يشعل سيجاره الكوبي ويطلق عنان أفكاره لتغرق في سحابة الدخان الكثيف يبدو كإداري محنك، يعرف تماما ماذا يريد وكيف يفعل ذلك بنجاح أكيد. لكنه عندما يفكر بعاطفة وبرجماتية، يصبح سيّد القرارات الخاطئة.
اللافت في أسلوبه، وبشكل واضح، أنه يجيد صناعة مشاكله بيديه في شكل هادئ ومدروس. ثم لا يلبث أن يحول مشاكله التي أتقن صناعتها إلى أوراق قوية للتفاوض!. كان جمال على الدوام يصنع مشاكله بيده، ولا يسمح لأحد أن يفعل ذلك معه.
هو يجيد كل أشكال العمل والكتابة الصحفية؛ خبرا وتقريرا وحوارا وكتابة مقال، وباللغة الإنجليزية أيضا. كما أنه لمن خالطه يعرف هوسه الكبير بمتابعة كل جديد في تقنية وتكنولوجيا الأجهزة الحديثة وبرامجها وتطبيقاتها.
خلال زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله) إلى لندن في صيف 2008 قدمه الملك الراحل في حفل الاستقبال بقصر بكنجهام إلى ملكة بريطانيا بكونه أهم صحفي سعودي. وبقدر فخره بهذا الوسام الملكي أزعجه ردّ الملكة إليزابيث الثانية بقولها (another journalist?) أي: صحفي آخر!
في أواخر السبعينات انخرط الطالب خاشقجي في عمل جانبي بمركز المعلومات في صحيفة عكاظ السعودية. لاحظ المدير العام للمؤسسة حينها إياد مدني أن هذا الشاب يعد تقارير المعلومات المطلوبة منه بشكل ملفت. قال له «يا بني جرب أن تخوض يوما العمل الصحفي». وكانت تلك الكلمة؛ الشرارة التي أطلقت الحلم!.
مكة المكرمة - عمر المضواحي

المصدر

12 ربيع الثاني 1436 - 02 فبراير 2015


------------
التعليق :
لن أصفه بالتعس المنحوس ..
ولكني أصفه منذ زمن  بـ القربة المشقوقة التي  تخرّ الماء على ظهر من يحملها  ..


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..