بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم لتبيننه للناس وﻻ تكتمونه، حماية للعقيدة ودفاعاً عن السنة،
وقد وقفت على سؤال وجّه في إحدى القنوات للدكتور سعيد الكملي عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي فبين مشروعيته.
فاضطررت لكتابة هذه الكلمات براءة للذمة ونصحاً للأمة، ونصيحة للمردود عليه ولمن اغتر به وبما قاله، لعل الله أن ينفعهم جميعا بذلك.
وﻻ يخفى أن الاحتفال بالمولد لم يفعله أحد من الصحابة والتابعين، ولم يرِد فعله عن السلف الصالحين، كما حكى الاتفاق على ذلك العلماء المحققون: كشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر والعلاّمة تاج الدين الفاكهاني المالكي، ولقد أحسن الأخير حين ختم رسالته في حكم الاحتفال بالمولد بنقلٍ عن الإمام أبي عمرو بن العلاء فقال: "ولقد أحسن أبو عمرو بن العلاء رحمه الله حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب، هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو ربيع الأول ـ هو بعينه الذي توفي فيه، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه".[رسالة الفاكهاني ضمن مجموع رسائل في حكم الاحتفال بالمولد].
وحيث أن المقصود التعليق على كلام الكملي، فإلى الشروع في المقصود:
شرع الأستاذ سعيد الكملي كلامه بالتلبيس والتضليل؛ حيث قال: "إن يوم مولده صلى الله عليه وسلم ليس كسائر الأيام؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوليه معاملة خاصة!!".
ولي على مقدمته هذه ملاحظات:
الأولى: أن هذه الطريقة في العرض وهذه المقدمات هي التي يحتج بها مجيزو الاحتفال المولد فهل يريد الدكتور أن يوهم بهذا التلبيس مشروعية الاحتفال بيوم المولد؟!
وحيث أنه يوقن أنه لا دليل صحيح صريح على مشروعية الاحتفال بالمولد أتى إلى بعض المتشابه لعله يحقق ما يصبو إليه، وقد نهى الله عن مثل هذه الأفعال فقال: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}.
الثانية: أن دعواه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يولي يوم مولده معاملة خاصة كذب صراح؛ ولو قال: كان يولي يوم الاثنين معاملة خاصة لكان أوجه، مع أن هذه الخصيصة لم يتفرد بها يوم الاثنين؛ فالخميس كذلك.
الثالثة: أن يوم الجمعة أفضل أيام الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض» [رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني]، فهل يعني ذلك الاحتفال بيوم خلق آدم؛ لكونه أفضل من يوم الاثنين؟!!
الرابعة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأولءإن صح أنه كذلكء، إنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيؤه في كل شهر أربع مرات أو أكثر.
وبما سبق يتضح بطلان شبهة الصوفية والتي تلقاها الدكتور سعيد الكملي ثم ألقاها على الناس إلقاء المقر بما فيها؛ ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن مثل هذا الطرح الذي طرحه هذا الدكتور وبالذات في الجواب على مثل هذا السؤال ليس بطرح علماء السنة السلفيين وإنما هو طرح المتصوفة أو من تأثر بهم أو من أراد أن يجاريهم ويداهنهم على حساب دينه ومعتقده، وعلى أيه حال من هذه الأحوال فلا يكون صاحبها بأهل لأن يحمل عنه العلم وتدرس عنده كتب السنة؛ ومن قرأ كتب السلف ﻻح له ذلك؛ فقد روى الهروي بسنده في ذم الكلام (485) عن سليمان بن حرب قال: (من زال عن السنة بشعرة؛ فلا تعتدنَّ به).
ومما يؤسف له جداً أن الدكتور سعيد الكملي جعل محور النقاش في مسألة الاحتفال بالمولد هي: ما موضوع الاحتفال؟
مما يفهم السامع أن الدكتور ليس عنده أدنى إشكالية في جواز الاحتفال، ولكن مناط البحث عنده في موضوع الاحتفال!!
ولذلك قال: "فإن كان الاحتفال بالتذكير بسيرته والدعوة إلى دينه، فنعم الاحتفال بذلك، وإن كان بما يغضبه ويسخطه في حياته فلا يجوز"، وعلى هذه الجملة ملاحظات:
الأولى: العجب كل العجب من هذا التحقيق الذي توصل إليه الأستاذ؛ فإن ما ذكره لا يختص بيوم مولده؛ بل في جميع أيام العمر، فمن شغل نفسه بما يسخط النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز، وهكذا من شغل حياته كلها بالدعوة إلى دين الله وتعليم الناس هدي رسوله صلى الله عليه وسلم حاز الفلاح، فلِم جعلت هذا محور المسألة؟!!
الثانية: أن تعليم العلم والسيرة النبوية عبادة يتقرب بها العبد إلى الله، فتخصيصها بزمان مولده ونحو ذلك، مما توفرت دواعيه في عهد السلف ولم يفعلوه، فهذا الفعل بدعة ضلالة، ومن خرج عما أمره به الرسول من الشريعة، وتعبد بالبدعة لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك».
ومعيار أهل السنة الذي لا يتغير ولا يتبدل؛ قوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة».
وبهذا القدر كفاية لمن فُتن ببدعة المولد الصوفية الأشعرية، كما أن فيه عبرة لمن غالط نفسه في أن الدكتور سعيد الكملي على العقيدة السلفية الصحيحة، وبالله التوفيق.
وكتبه/ أبو رقية عبدالله البنعلي
6 / جمادى الأولى / 1436هـ
------------------------------------------------
النصح العلي في نقض أطروحات الدكتور سعيد الكملي (2-2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسوله ومصطفاه، أما بعد:
فقد وقفت على كلام للدكتور سعيد الكملي تكلم فيه عن صفة الحياء لله تعالى، وسأعرج على كلامه مع ذكر تعليق وجيز؛ لما ورد فيه من مخالفة العقيدة السلفية.
وحيث أن بعض من ينتسب للعلم اعتبر أن كلامه عين عقيدة السلف الصالحين، ودفاعاً عن العقيدة السلفية من افتراأت المنتسبين، ونقضاً لكلام المنتحلين، ونصحاً لعامة المسلمين، كتبت هذه السطور، والله من وراء القصد ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أولاً: شرع الأستاذ سعيد الكملي في كلامه مبيناً السبب الذي يتكلم فيه العلماء في صفات الله؛ وأنه من أجل نفي مماثلة المخلوقين.
وهذا باطل؛ فأئمة السنة يتكلمون في صفات الباري من أجل إثباتها لله وفق ما يليق به، ثم العمل بمقتضى ذلك الإثبات، ثم إنه لا يعلم نفي قط إلا بعد العلم بالإثبات؛ لأن نفي المماثلة دون إثبات شيء، ليس فيه مدح ولا كمال، فالمعدوم والممتنع مما يمكن وصفه بذلك وليس في ذلك له أي كمال، وحيث أن الأصل عندهم النفي، فباب الصفات باب تنزيه ونفي؛ فقعدوا قاعدة عند ورود ما يتوهم منه الإثبات فقالوا:
وكل نص أوهم التشبيها ** أوله أو فوِّض ورم تنزيها
ثانياً: طرح الأستاذ الكملي بعد ذلك سؤالاً فاسداً هو في الحقيقة محور التأويل والتفويض الذي يريد المصير إليه: من أين تتطرق المماثلة؟
ووجه فساد هذا السؤال: أن ألفاظ نصوص الصفات المضافة إلى الله تعالى مانعة للتشبيه في ذاتها أصلاً، وهي مشتملة على قرائن تمنع وَهم التشبيه، ولا يتطرق التشبيه إلا لمن فسدت مفاهيمه، وقل حظه من العلم، أو لم يقدر الله حق قدره.
ثالثاً: ثم أجاب بما هو أفسد من سؤاله فقال: لأنهم يفسرون الحياء بما يستحيل على الله.
ووجه فساده أنه يوهم أن ما ذكره عن الأصفهاني والكفوي ءوهما من المتكلمين ولا خبرة لهما بعقيدة السلفء أن ذلك حقيقة الحياء، وهو في الحقيقة تفسير لبعض لوازم الحياء عند المخلوقين، ولو عرَّف صفة حياء الله تعالى: بترك ما لا يتناسب مع سعة رحمته، وكمال جوده وكرمه، وعظيم عفوه وحلمه، لما احتاج إلى ذكر هذه الاستحالة المبنية على مذهب المعطلة.
رابعاً: ثم استدل بقول المقري وهو من أشاعرة المغاربة:
(واللفظ إن أوهم غير اللائق ** بالله كالتشبيه بالخلائق
فاصرفه عن ظاهره إجماعاً)
والمقري لو قال: فاصرفه عن موهمه لكان أوجه؛ لأن الظاهر ظاهران:
الأول: ظاهر فهمه أهل اللغة وفق نزول الوحي، وهو الذي تُقر به الصفات ويؤمن بها على حسبه، ولا يجوز صرفه عن ظاهره.
الثاني: وظاهر يفهمه من ليس من أهل اللغة بقياسه على المخلوق، وهذا الممنوع بالاتفاق.
خامساً: وبعد أن ذكر مسلك التعطيل بشقيه (التعطيل الكلي والتأويل)، ذكر الشق الثالث لمسلك المعطلة وهو التفويض، وللأسف فقد اعتبره الأسلم، وهو كما قال شيخ الإسلام: "وهو من شر أقوال أهل البدع والإلحاد".
وعزوف بعض الأشاعرة عن مذهب المؤولة إلى هذا المسلك لكون نفوسهم لم تطمئن إلى المعنى الحق من صفات الباري تعالى، ولا إلى تلك التأويلات الفاسدة التي يوردونها، فاعتقدوا أن الحق في الجهل بمعناها واعتقاد ألفاظٍ لا حقيقة لها، ولذلك تجدهم يؤكدون مبدأ الاستمساك بنفي المماثلة، وحتى يروج هذا المذهب ألصقوه بالسلف كذباً وزوراً؛ معتمدين على عبارات عنهم فهموها على غير مرادها، مثل قولهم: (أمروها كما جاءت)، ومراد السلف قطع الطمع في إدراك الكيفية والكنه، كما أن فيها رد تأويلات المعطلة للنصوص، لا الجهل بمعناها وعدم الإثبات، ومما يعتمد عليه المفوضة أثر الإمام مالك المشهور، وهو في الحقيقة عمدة في إبطال مذهبهم؛ ففي قوله (الاستواء معلوم) يعني: معلوم المعنى اللغوي عند العرب.
وقد أوضح الأستاذ الدكتور عبدالرزاق البدر وجه ذلك بما يكفي ويشفي في رسالة له بعنوان: "الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء ء دراسة تحليلية".
تنبيه:
قبل أن أقوم بنشر هذه المقالة أسمعني أحد الأفاضل مقطعاً آخر للدكتور سعيد الكملي تكلم فيه عن صفة الحياء أيضاً، وقد حسبت أن فيه توضيح أو تراجع لما تفوه فيه من الباطل في المقطع السابق إلا أنه في الحقيقة كلام عام يتجاذبه الإثبات والتفويض، وقد ذكَّرني كلامه بكلام أبي الثناء الألوسي صاحب روح المعاني عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحيِۦٓ أَن يَضرِبَ مَثَلا..﴾[البقرة:26]، فما لبث أن استدل بكلامه، فأيقنت حينئذٍ أن هذا الكلام ليس إلا ذر للرماد، فيحسبه بعض العميان أنه صريح في تقرير مذهب السلف، وغالب كلامه يدور على رد التأويل، ومعلوم أن نقض مذهب المؤولة أمرٌ يشترك فيه المثبتة والمفوضة.
والألوسي رحمه الله (ت 1270هــ)، وإن كان معظّماً لشيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم، إلا أنه أشعري مفوِّض، صوفي مبجل لابن عربي الطائي، وأحياناً يصرح بأن تفويض صفات الله هو الأسلم كما عند تفسيره لقول الله تعالى: (بل يداه مبسوطتان) [المائدة:64]، وأحياناً تجد عنده تذبذب كما أشار إلى ذلك صاحب رسالة: (مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات) الدكتور أحمد القاضي.
ومذهب المفوضة يقوم على أمرين:
أولاً: توهم التشبيه من نصوص صفات الباري تبارك وتعالى.
ثانياً: إثبات ألفاظ لا معاني لها –تليق بالله زعمواء، وبهذا المعنى اعتبره بعض متأخري الأشاعرة لكونه أسلم من تلك التأويلات التي تفتح الباب لكل مبطل، وتدعو لرفض الثقة بالنصوص، واتهام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالنقص في العلم أو النصح أو البيان.
والحق أن مسلك التفويض والتأويل نهران يجريان من منبع التعطيل؛ فقد اتفقا على أن نصوص صفات الباري توهم ما يستحيل على الله، فلذا يجب منع اعتبار الظاهر منها، فالمؤولة أوردوا لها معاني تصرفها عن ظاهرها، والمفوضة لم يثبتوا لها معنى، وتفويض معناها إلى الله، مع التمسك بنفي التشبيه.
والواجب اعتبار النصوص على ظاهرها؛ وفق مراد المتكلم منها؛ لأن اللغات وضعت لقصد بيان مراد المتكلم، فإذا حمل كلامه على غير مراده سقط المقصود من التخاطب باللغات، فإن أهمل المعنى كان أفسد من سابقه.
والمقصود أن من كانت هذه حاله من التذبذب في باب الأسماء والصفات والجنوح إلى مذهب المفوضة لا يجوز الجلوس إليه، أو الدراسة عليه؛ فقد روى حافظ المغرب ابن عبدالبر بسنده عن فقيه المالكية بالمشرق ابن خويز منداد: قال في كتاب الشهادات في تفسير قول مالك: (لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء)، قال: (أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع: أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام، ويهجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها) [جامع بيان العلم وفضله (2/ 943)]، فإذا كان هذا في الشهادة من حيث العموم، فكيف بأخذ العلم عن مثل هؤلاء
وأختم هذه الكلمة بنصيحة الإمام ابن بطة حيث قال محذّراً من مجالسة مَن لا تُؤمن فتنته: (فالله الله معشر المسلمين، لا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه، وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره، أو لأستخرج منه مذهبه، فإنهم أشد فتنة من الدجال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم، فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم، فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر، ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم) [الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 470)].
وبهذا القدر كفاية في بيان المقصود من هذه الكتابة، والله أسأل أن ينتفع بها الدكتور سعيد الكملي وكل من اطلع عليها، وأن يهدي ضال المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه/ أبو رقية عبدالله البنعلي
7/ جمادى الأولى / 1436هـ
نقله :
.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم لتبيننه للناس وﻻ تكتمونه، حماية للعقيدة ودفاعاً عن السنة،
وقد وقفت على سؤال وجّه في إحدى القنوات للدكتور سعيد الكملي عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي فبين مشروعيته.
فاضطررت لكتابة هذه الكلمات براءة للذمة ونصحاً للأمة، ونصيحة للمردود عليه ولمن اغتر به وبما قاله، لعل الله أن ينفعهم جميعا بذلك.
وﻻ يخفى أن الاحتفال بالمولد لم يفعله أحد من الصحابة والتابعين، ولم يرِد فعله عن السلف الصالحين، كما حكى الاتفاق على ذلك العلماء المحققون: كشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر والعلاّمة تاج الدين الفاكهاني المالكي، ولقد أحسن الأخير حين ختم رسالته في حكم الاحتفال بالمولد بنقلٍ عن الإمام أبي عمرو بن العلاء فقال: "ولقد أحسن أبو عمرو بن العلاء رحمه الله حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب، هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو ربيع الأول ـ هو بعينه الذي توفي فيه، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه".[رسالة الفاكهاني ضمن مجموع رسائل في حكم الاحتفال بالمولد].
وحيث أن المقصود التعليق على كلام الكملي، فإلى الشروع في المقصود:
شرع الأستاذ سعيد الكملي كلامه بالتلبيس والتضليل؛ حيث قال: "إن يوم مولده صلى الله عليه وسلم ليس كسائر الأيام؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوليه معاملة خاصة!!".
ولي على مقدمته هذه ملاحظات:
الأولى: أن هذه الطريقة في العرض وهذه المقدمات هي التي يحتج بها مجيزو الاحتفال المولد فهل يريد الدكتور أن يوهم بهذا التلبيس مشروعية الاحتفال بيوم المولد؟!
وحيث أنه يوقن أنه لا دليل صحيح صريح على مشروعية الاحتفال بالمولد أتى إلى بعض المتشابه لعله يحقق ما يصبو إليه، وقد نهى الله عن مثل هذه الأفعال فقال: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}.
الثانية: أن دعواه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يولي يوم مولده معاملة خاصة كذب صراح؛ ولو قال: كان يولي يوم الاثنين معاملة خاصة لكان أوجه، مع أن هذه الخصيصة لم يتفرد بها يوم الاثنين؛ فالخميس كذلك.
الثالثة: أن يوم الجمعة أفضل أيام الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض» [رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني]، فهل يعني ذلك الاحتفال بيوم خلق آدم؛ لكونه أفضل من يوم الاثنين؟!!
الرابعة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأولءإن صح أنه كذلكء، إنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيؤه في كل شهر أربع مرات أو أكثر.
وبما سبق يتضح بطلان شبهة الصوفية والتي تلقاها الدكتور سعيد الكملي ثم ألقاها على الناس إلقاء المقر بما فيها؛ ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن مثل هذا الطرح الذي طرحه هذا الدكتور وبالذات في الجواب على مثل هذا السؤال ليس بطرح علماء السنة السلفيين وإنما هو طرح المتصوفة أو من تأثر بهم أو من أراد أن يجاريهم ويداهنهم على حساب دينه ومعتقده، وعلى أيه حال من هذه الأحوال فلا يكون صاحبها بأهل لأن يحمل عنه العلم وتدرس عنده كتب السنة؛ ومن قرأ كتب السلف ﻻح له ذلك؛ فقد روى الهروي بسنده في ذم الكلام (485) عن سليمان بن حرب قال: (من زال عن السنة بشعرة؛ فلا تعتدنَّ به).
ومما يؤسف له جداً أن الدكتور سعيد الكملي جعل محور النقاش في مسألة الاحتفال بالمولد هي: ما موضوع الاحتفال؟
مما يفهم السامع أن الدكتور ليس عنده أدنى إشكالية في جواز الاحتفال، ولكن مناط البحث عنده في موضوع الاحتفال!!
ولذلك قال: "فإن كان الاحتفال بالتذكير بسيرته والدعوة إلى دينه، فنعم الاحتفال بذلك، وإن كان بما يغضبه ويسخطه في حياته فلا يجوز"، وعلى هذه الجملة ملاحظات:
الأولى: العجب كل العجب من هذا التحقيق الذي توصل إليه الأستاذ؛ فإن ما ذكره لا يختص بيوم مولده؛ بل في جميع أيام العمر، فمن شغل نفسه بما يسخط النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز، وهكذا من شغل حياته كلها بالدعوة إلى دين الله وتعليم الناس هدي رسوله صلى الله عليه وسلم حاز الفلاح، فلِم جعلت هذا محور المسألة؟!!
الثانية: أن تعليم العلم والسيرة النبوية عبادة يتقرب بها العبد إلى الله، فتخصيصها بزمان مولده ونحو ذلك، مما توفرت دواعيه في عهد السلف ولم يفعلوه، فهذا الفعل بدعة ضلالة، ومن خرج عما أمره به الرسول من الشريعة، وتعبد بالبدعة لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك».
ومعيار أهل السنة الذي لا يتغير ولا يتبدل؛ قوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة».
وبهذا القدر كفاية لمن فُتن ببدعة المولد الصوفية الأشعرية، كما أن فيه عبرة لمن غالط نفسه في أن الدكتور سعيد الكملي على العقيدة السلفية الصحيحة، وبالله التوفيق.
وكتبه/ أبو رقية عبدالله البنعلي
6 / جمادى الأولى / 1436هـ
------------------------------------------------
النصح العلي في نقض أطروحات الدكتور سعيد الكملي (2-2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسوله ومصطفاه، أما بعد:
فقد وقفت على كلام للدكتور سعيد الكملي تكلم فيه عن صفة الحياء لله تعالى، وسأعرج على كلامه مع ذكر تعليق وجيز؛ لما ورد فيه من مخالفة العقيدة السلفية.
وحيث أن بعض من ينتسب للعلم اعتبر أن كلامه عين عقيدة السلف الصالحين، ودفاعاً عن العقيدة السلفية من افتراأت المنتسبين، ونقضاً لكلام المنتحلين، ونصحاً لعامة المسلمين، كتبت هذه السطور، والله من وراء القصد ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
أولاً: شرع الأستاذ سعيد الكملي في كلامه مبيناً السبب الذي يتكلم فيه العلماء في صفات الله؛ وأنه من أجل نفي مماثلة المخلوقين.
وهذا باطل؛ فأئمة السنة يتكلمون في صفات الباري من أجل إثباتها لله وفق ما يليق به، ثم العمل بمقتضى ذلك الإثبات، ثم إنه لا يعلم نفي قط إلا بعد العلم بالإثبات؛ لأن نفي المماثلة دون إثبات شيء، ليس فيه مدح ولا كمال، فالمعدوم والممتنع مما يمكن وصفه بذلك وليس في ذلك له أي كمال، وحيث أن الأصل عندهم النفي، فباب الصفات باب تنزيه ونفي؛ فقعدوا قاعدة عند ورود ما يتوهم منه الإثبات فقالوا:
وكل نص أوهم التشبيها ** أوله أو فوِّض ورم تنزيها
ثانياً: طرح الأستاذ الكملي بعد ذلك سؤالاً فاسداً هو في الحقيقة محور التأويل والتفويض الذي يريد المصير إليه: من أين تتطرق المماثلة؟
ووجه فساد هذا السؤال: أن ألفاظ نصوص الصفات المضافة إلى الله تعالى مانعة للتشبيه في ذاتها أصلاً، وهي مشتملة على قرائن تمنع وَهم التشبيه، ولا يتطرق التشبيه إلا لمن فسدت مفاهيمه، وقل حظه من العلم، أو لم يقدر الله حق قدره.
ثالثاً: ثم أجاب بما هو أفسد من سؤاله فقال: لأنهم يفسرون الحياء بما يستحيل على الله.
ووجه فساده أنه يوهم أن ما ذكره عن الأصفهاني والكفوي ءوهما من المتكلمين ولا خبرة لهما بعقيدة السلفء أن ذلك حقيقة الحياء، وهو في الحقيقة تفسير لبعض لوازم الحياء عند المخلوقين، ولو عرَّف صفة حياء الله تعالى: بترك ما لا يتناسب مع سعة رحمته، وكمال جوده وكرمه، وعظيم عفوه وحلمه، لما احتاج إلى ذكر هذه الاستحالة المبنية على مذهب المعطلة.
رابعاً: ثم استدل بقول المقري وهو من أشاعرة المغاربة:
(واللفظ إن أوهم غير اللائق ** بالله كالتشبيه بالخلائق
فاصرفه عن ظاهره إجماعاً)
والمقري لو قال: فاصرفه عن موهمه لكان أوجه؛ لأن الظاهر ظاهران:
الأول: ظاهر فهمه أهل اللغة وفق نزول الوحي، وهو الذي تُقر به الصفات ويؤمن بها على حسبه، ولا يجوز صرفه عن ظاهره.
الثاني: وظاهر يفهمه من ليس من أهل اللغة بقياسه على المخلوق، وهذا الممنوع بالاتفاق.
خامساً: وبعد أن ذكر مسلك التعطيل بشقيه (التعطيل الكلي والتأويل)، ذكر الشق الثالث لمسلك المعطلة وهو التفويض، وللأسف فقد اعتبره الأسلم، وهو كما قال شيخ الإسلام: "وهو من شر أقوال أهل البدع والإلحاد".
وعزوف بعض الأشاعرة عن مذهب المؤولة إلى هذا المسلك لكون نفوسهم لم تطمئن إلى المعنى الحق من صفات الباري تعالى، ولا إلى تلك التأويلات الفاسدة التي يوردونها، فاعتقدوا أن الحق في الجهل بمعناها واعتقاد ألفاظٍ لا حقيقة لها، ولذلك تجدهم يؤكدون مبدأ الاستمساك بنفي المماثلة، وحتى يروج هذا المذهب ألصقوه بالسلف كذباً وزوراً؛ معتمدين على عبارات عنهم فهموها على غير مرادها، مثل قولهم: (أمروها كما جاءت)، ومراد السلف قطع الطمع في إدراك الكيفية والكنه، كما أن فيها رد تأويلات المعطلة للنصوص، لا الجهل بمعناها وعدم الإثبات، ومما يعتمد عليه المفوضة أثر الإمام مالك المشهور، وهو في الحقيقة عمدة في إبطال مذهبهم؛ ففي قوله (الاستواء معلوم) يعني: معلوم المعنى اللغوي عند العرب.
وقد أوضح الأستاذ الدكتور عبدالرزاق البدر وجه ذلك بما يكفي ويشفي في رسالة له بعنوان: "الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء ء دراسة تحليلية".
تنبيه:
قبل أن أقوم بنشر هذه المقالة أسمعني أحد الأفاضل مقطعاً آخر للدكتور سعيد الكملي تكلم فيه عن صفة الحياء أيضاً، وقد حسبت أن فيه توضيح أو تراجع لما تفوه فيه من الباطل في المقطع السابق إلا أنه في الحقيقة كلام عام يتجاذبه الإثبات والتفويض، وقد ذكَّرني كلامه بكلام أبي الثناء الألوسي صاحب روح المعاني عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحيِۦٓ أَن يَضرِبَ مَثَلا..﴾[البقرة:26]، فما لبث أن استدل بكلامه، فأيقنت حينئذٍ أن هذا الكلام ليس إلا ذر للرماد، فيحسبه بعض العميان أنه صريح في تقرير مذهب السلف، وغالب كلامه يدور على رد التأويل، ومعلوم أن نقض مذهب المؤولة أمرٌ يشترك فيه المثبتة والمفوضة.
والألوسي رحمه الله (ت 1270هــ)، وإن كان معظّماً لشيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم، إلا أنه أشعري مفوِّض، صوفي مبجل لابن عربي الطائي، وأحياناً يصرح بأن تفويض صفات الله هو الأسلم كما عند تفسيره لقول الله تعالى: (بل يداه مبسوطتان) [المائدة:64]، وأحياناً تجد عنده تذبذب كما أشار إلى ذلك صاحب رسالة: (مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات) الدكتور أحمد القاضي.
ومذهب المفوضة يقوم على أمرين:
أولاً: توهم التشبيه من نصوص صفات الباري تبارك وتعالى.
ثانياً: إثبات ألفاظ لا معاني لها –تليق بالله زعمواء، وبهذا المعنى اعتبره بعض متأخري الأشاعرة لكونه أسلم من تلك التأويلات التي تفتح الباب لكل مبطل، وتدعو لرفض الثقة بالنصوص، واتهام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالنقص في العلم أو النصح أو البيان.
والحق أن مسلك التفويض والتأويل نهران يجريان من منبع التعطيل؛ فقد اتفقا على أن نصوص صفات الباري توهم ما يستحيل على الله، فلذا يجب منع اعتبار الظاهر منها، فالمؤولة أوردوا لها معاني تصرفها عن ظاهرها، والمفوضة لم يثبتوا لها معنى، وتفويض معناها إلى الله، مع التمسك بنفي التشبيه.
والواجب اعتبار النصوص على ظاهرها؛ وفق مراد المتكلم منها؛ لأن اللغات وضعت لقصد بيان مراد المتكلم، فإذا حمل كلامه على غير مراده سقط المقصود من التخاطب باللغات، فإن أهمل المعنى كان أفسد من سابقه.
والمقصود أن من كانت هذه حاله من التذبذب في باب الأسماء والصفات والجنوح إلى مذهب المفوضة لا يجوز الجلوس إليه، أو الدراسة عليه؛ فقد روى حافظ المغرب ابن عبدالبر بسنده عن فقيه المالكية بالمشرق ابن خويز منداد: قال في كتاب الشهادات في تفسير قول مالك: (لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء)، قال: (أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع: أشعرياً كان أو غير أشعري، ولا تقبل له شهادة في الإسلام، ويهجر ويؤدب على بدعته، فإن تمادى عليها استتيب منها) [جامع بيان العلم وفضله (2/ 943)]، فإذا كان هذا في الشهادة من حيث العموم، فكيف بأخذ العلم عن مثل هؤلاء
وأختم هذه الكلمة بنصيحة الإمام ابن بطة حيث قال محذّراً من مجالسة مَن لا تُؤمن فتنته: (فالله الله معشر المسلمين، لا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه، وما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره، أو لأستخرج منه مذهبه، فإنهم أشد فتنة من الدجال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم، فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم، فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر، ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم) [الإبانة الكبرى لابن بطة (2/ 470)].
وبهذا القدر كفاية في بيان المقصود من هذه الكتابة، والله أسأل أن ينتفع بها الدكتور سعيد الكملي وكل من اطلع عليها، وأن يهدي ضال المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه/ أبو رقية عبدالله البنعلي
7/ جمادى الأولى / 1436هـ
نقله :
#1
.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..