الخميس، 16 أبريل 2015

شعار الصفويين اليوم هو 'إلا طحين' في العراق

هناك فقدان ثقة عميق بين الحواضر السنية والحكومة. لا تستطيع الميليشيات الشيعية دخول الموصل لأنها سنية، ولا يستطيع الدواعش البقاء فيها لأنهم على لائحة الإرهاب الدولي. هذا يفضح أزمة
الحكم والنظام السياسي في العراق.
انتشرت على نطاق واسع كلمة رددها ميليشياوي تسلطت عليه الأضواء يدعى أبو عزرائيل وهي "إلا طحين". ويبدو أن كثيرين لم يفهموا معناها، فلا أحد يتوقع بأن هناك مَن يعلم هذا المسلح الضخم ماذا يقول. هذه كلمة مأخوذة من معلقة عمرو بن كلثوم
                         " متى ننقلْ إلى قومٍ رحانا      يكونوا في اللقاء لها طحينا "
ولا نستغرب هذا ما دام المثقفون يتسابقون لأخذ صورة مع السفاحين، فشاعر الحداثة أحمد عبدالحسين مثلا أخذ صورة مع أبو عزرائيل هذا ونشرها على الناس بفخر.
كلمة "إلا طحين" تعني بأن الصفويين ينقلون رحاهم إلى المدن السنية لطحنها، لهذا لا فائدة من كل انتصارات الدواعش المزعومة في المحافظات الواقعة شمال وغرب العاصمة، فهي تهجير لعوائل تلك المحافظات، وصواريخ على أحيائهم وبيوتهم. الدواعش يتركون الرحى تدور في هذه المدن حصرا، وهذا أمر بدأ يزعج الكثيرين من أبناء الأنبار والموصل. فالميليشيات تخسر مسلحين، بينما السنة يخسرون حواضر بأكملها. المدن عزيزة فهي المكان والذكريات والإنتماء، وكثيرون يتذكرون عدد الذين ماتوا بسكتة قلبية ليلة سقوط بغداد تحت الإحتلال الأميركي. داعش اليوم انتصارها نقمة، وهزيمتها نقمة. الناس بحاجة الى خلاص من القصف الأميركي والانتقام الطائفي.

الصفويون عندهم مشروع ديموغرافي لتهجير السكان، إلا أن مشروعهم يعاني صعوبات كثيرة. بالعاصمة بغداد مثلا، طردوا السكان الأصليين منها وهجروهم خلال السنوات العشر الأخيرة، والنتيجة هي أن السفارات العربية مغلقة، والحرب الإقليمية القادمة من أهدافها عودة المهجرين إلى ديارهم. وبسبب الحرب على داعش فإن مئات الآلاف من السنة قد نزحوا إلى بغداد اليوم. والصفويون في مجالسهم الخاصة غير مرتاحين لهذا الواقع، فقد هجروا سكان بغداد الأصليين المسالمين، بينما الحرب تجلب لبغداد سكان الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى، وكأنهم لم يحققوا أي إنجاز ديموغرافي حقيقي في العاصمة.

لا تبدو الحرب الأهلية واضعة أوزارها قريبا، فالموصل تبدو بعيدة المنال اليوم، بسبب وحشية الميليشيات التي أثارت اشمئزاز العالم في مدينة تكريت. ورغم أن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن قال خلال مؤتمر صحفي مؤخراً بأنه يتحدث مع العبادي على الهاتف أكثر مما يتحدث مع زوجته، كما ألقى بايدن قصيدة غزل برئيس الحكومة العراقية في خطابه أمام جمعية الدفاع الوطني بجامعة واشنطن، إلا أن العبادي لم يكن سعيدا من نتائج زيارته الأخيرة واشنطن، وعلى العكس من التوقعات، كان الرئيس الأميركي مهتما أكثر بمعاناة النازحين السنة، وخصص لهم معونة إنسانية إضافية بقيمة 200 مليون دولار.

تبدو الميليشيات غير مؤهلة تماماً للحرب على الموصل، فهي مدينة كبيرة بكثافة سكانية عالية، والرئيس الأميركي غير مقتنع بقدرة العبادي على إنجاح مهمة بهذا الحجم. وبعد جرائم الميليشيات من قتل وسلب ونهب وحرق في النواحي والقرى السنية، أصبحت الموصل كلها محاربة للمليشيات إذا اقتربت منها. رغم أن أهل الموصل يعلمون بأن الشجاعة في المدينة ليست في القتال فقط، بل هي شجاعة الأم التي تنجب وتسهر وتربي. شجاعة المعلم الذي يقف كل صباح معلما الأولاد. شجاعة الشيخ الذي يفيق باكرا ليصلي الفجر بالمسجد. شجاعة البنائين الذين بنوا هذه البيوت حجرا حجرا. شجاعة الصوت النقي سواء كان لمؤذن أم لطفل يلعب. شجاعة البنات المتعففات الصابرات السعيدات بأمان البيت. شجاعة الحياة نفسها، شجاعة العاشق، والمؤذن، والمعلم، والحداد، والميكانيكي. ليس من الشجاعة تعريض كل هذه الشجاعة للخطر. شاب من الموصل صرح لي باشتياقه لأغاني فيروز بمقاهي المدينة، وفتاة موصلية كاشفتني بأنهم لا يحبون الدواعش، بل في الحقيقة يحتقرون الصفويين ويرفضون إذلالهم للمدينة الشامخة العالية.

هناك فقدان ثقة عميق بين الحواضر السنية والحكومة، خصوصا بعد أن غادر نيد باركر مدير مكتب رويترز في بغداد، على خلفية تهديدات من ميليشيات شيعية لنقله الحقائق وإجرام الصفويين. هذا الرجل كان الوحيد في العراق الذي يمتلك روح المغامرة بنقل الوقائع، فمكتب وكالة عالمية ثانية مثلا نجح الصفويون بزرع مراسلين من حزب الدعوة والمجلس الأعلى داخله منذ زمن بعيد، ويقبضون عدة رواتب من الميليشيات إضافة إلى راتب الوكالة. وهم الذين يكتبون هذه التقارير التي تذكر باستمرار أن السنة في العراق "أقلية مجرد 20%" وهو إحصاء غير صحيح على الإطلاق تروج له إيران بقوة، التي ترفض أي تعداد للسكان قبل اكتمال مشروعها الديموغرافي.

الحكم الطائفي الصفوي في العراق ليس حلا، بل هو مشكلة. الدولة الإسلامية ليست حلا، بل هي مشكلة أيضاً. خذوا الموصل مثالا، لا تستطيع الميليشيات الشيعية دخولها لأنها سنية، ولا يستطيع الدواعش البقاء فيها لأنهم على لائحة الإرهاب الدولي. هذا يفضح أزمة الحكم والنظام السياسي في العراق.

لولا انطلاق عاصفة الحزم لتشيع العراق كله بالهزيمة، وانطلق مشروع الترغيب والترهيب الايراني، ولظهرت الـ700 مليار دولار التي كانت مختفية من الميزانية طيلة هذه السنوات. مادام عند الصفويين رجل مثل هادي العامري يقود الحرب على الموصل عمره ستون سنة، يحمل السلاح وينام مع الجنود، ورغم أن في حسابه مليارات الدولارات؟ فإنه يقبل يد خامنئي أمام الناس بكل فخر ويهوي عند قدميه.

عاصفة الحزم كانت رمزية وليست سياسية فقط، فهي تظهر العرب كسلطة وعقاب للمشاريع الإيرانية. كما يحلق الصفويون فوق العرب في العراق وسوريا، يحلق العرب فوق الصفويين باليمن. وهذا منح العرب شعوراً عميقا بالأمل والتوازن، وأثار مخاوف المشروع الإيراني كثيرا.

الظلم الطائفي ببغداد يتصاعد، ورغم الأمل الذي أثارته عاصفة الحزم بالنفوس، فإن منظر أبو عزرائيل وأمثاله يثير الرعب، خصوصا وهو يردد كلمة "إلا طحين" التي أصبحت شعارا صفويا في العراق. يكتب لي أحد المتابعين من بغداد على التواصل الإجتماعي "أي رأي نكتب يا أخي الفاضل؟ اني من المتابعين لحضرتك، عندما أقرأ منشوراتك، أراقب اصابعي بحذر اخاف أن تلمس 'لايك' دون قصد، ننتظر رحمة ربك". هذا أبلغ تصوير للرعب الطائفي الحالي ببغداد.

 


أسعد البصري

First Published: 2015-04-16
ميدل ايست أونلاين

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..