مقالتي اليوم تتحدث عن اعتراض بعض الليبراليين السعوديين على فتح فصول اختيارية لتحفيظ القرآن الكريم. .
وتبكت عليهم هذا الموقف، وتطالب بإعادة المراكز الصيفية والمحاضن التربوية لأن داعش خرجت من رحم التضييق عليها.
أسأل اللبراليين: من هو الظلامي هنا؟
تقاعدت من وزارة
التعليم مبكرا، وها أنا أقدم شهادتي حيال تلك المرحلة، ومقسما بالله تعالى
أن معظم المتفوقين من طلبتنا في المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء
والكيمياء وغيرها هم من حفظة كتاب الله
في صيف
عام 1990، وقتما كان الاتحاد السوفيتي يتفكك، كنت مع صديق داعية في وسط
سهوب آسيا الوسطى، بمنطقة على حدود الصين، والدهشة الكاملة ألجمتنا، حائرين
فيما نرى، حيث تحلق حولنا شباب يافع من قومية الداغستان، يخاطبوننا باللغة
العربية الفصحى بأفضل مما نتحدث، ودهشتنا لأن القوم كانوا يرزحون تحت
الحكم الشيوعي البائد طيلة 70 عاما.
القرية في كاملها تتحدث العربية بطلاقة. جلسنا مع كبار وجهائهم، وأخبرونا بأن الطاغية الأشهر جوزف ستالين هجّرهم بعد الحرب العالمية الثانية إلى هذه المنطقة النائية التي تبعد آلاف الأميال عن بلادهم؛ بحجة وقوف مسلمي القوقاز مع ألمانيا النازية، وأنهم استطاعوا الحفاظ على هويتهم الدينية عبر القرآن الكريم، الذي كانوا يحفظونه في السراديب المعتمة، وفي ليالي الشتاء الطويلة، وفي ظروف في غاية الرعب والخوف لأن الشيوعيين سيعدمونهم إن ضبطوهم وهم يحفّظون أبناءهم القرآن.
ما الذي أعاد لي هذه الحادثة التي طواها العمر؟
الحقيقة أنني أسفت كثيرا، وأنا أطالع هذا السجال والاحتراب حول وزير التعليم عزام الدخيل، لأن الرجل صرح بأن وزارته تنوي فتح فصول "اختيارية" لتحفيظ القرآن الكريم في مدارسنا العامة، ويقوم على إثر التصريح بعض الليبراليين بمهاجمته بضراوة، ورأوا أن القرار نكسة لمسيرة التعليم. وانثالت عليّ مباشرة صورة أولئك القوم الذي عرّضوا حيواتهم للخطر والموت في سبيل تنشئة أبنائهم على حفظ القرآن الكريم، أقارنهم مع هؤلاء المعترضين -المترفين فكريا- على حصص "اختيارية" في بلاد قامت على التوحيد، يتجه لها كل المسلمين في أنحاء العالم، وقدرها أن تكون حاضنة الحرمين الشريفين، وحاملة رسالة الإسلام، وتقوم بطبع ملايين المصاحف سنويا، عبر أكبر مطبعة للقرآن الكريم في العالم.
الأسف يزداد عندما تتذكر قراءاتك في سير خير الدين الزركلي وبطرس البستاني وأمين الريحاني وإبراهيم اليازجي وبعض أدباء المهجر من نصارى الشام، وكيف كان آباؤهم يحرصون على تحفيظهم سور القرآن الكريم كي تستقيم وتفصح ألسنتهم، وهم العارفون بأثر ذلك الحفظ على امتلاك أبنائهم ناصية اللغة والحديث. تقارن أولئك بهؤلاء الذين رفعوا عقائرهم اليوم احتجاجا على فتح فصول "اختيارية" لتحفيظ القرآن؛ لتضرب كفا بكف، وتهز رأسك، وتتمتم بما اعتمل في صدرك.
غادرت أروقة وزارة التعليم وتقاعدت منها تقاعدا مبكرا، وها أنا أقدم شهادتي حيال تلك المرحلة، ومقسما بالله تعالى أن معظم المتفوقين من طلبتنا في المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها هم من حفظة كتاب الله، وأن أوائل الطلاب في معظم المدارس التي مررت عليها كان أغلبهم من هؤلاء الفتية الذين توضأت وجوههم بنور القرآن، بل وأكثر الطلاب الذين يتوافرون على الشجاعة والجرأة الأدبية وملكة اللغة وجسارة الحديث وقوة المنطق وفصاحة اللسان هم من طلبة تحفيظ القرآن الكريم، وكل الأنشطة الطلابية التي تقام في المدارس الحكومية من يتصدر غالبيتها ويقوم عليها هم هؤلاء الفتية الذين ترى نور الإيمان في محياهم، وقد انعكست بركة السور التي يحفظونها على وجوههم.
اسألوا مديري المدارس، وتثبتوا من مشرفي الوزارة؛ سيخبرونكم بهذه الحقيقة، التي لا تكمن كفائدة وحيدة لمثل قرار الوزير، فغير ما ذكرنا آنفا، هناك جانب تربوي مهم في هذا القرار، يتمثل في أن هذه الفصول ستكون أمام عين الوزارة وبصرها، ويمكن وضع برامج وطنية وقائية ضد الفكر المتطرف أو المتحرر، ينسلك فيها فلذات الأكباد هؤلاء.
الذين يشهرون في كل مناسبة لافتة "داعش"، أعجب منهم وهم لا يرون أن "داعش" انتشر فكرها بين شبابنا بعد التضييق على المناشط الدعوية، وإقفال المراكز الصيفية، التي أدعو من خلال هذه السطور إلى إعادتها ودعمها في مدارسنا ومجتمعنا، ولكن بعد وضع رؤية استراتيجية وطنية محكمة تضمن غرس منهج هذه البلاد وعلمائها الأجلاء، من وسطية واعتدال وعقيدة صحيحة في فكر شبابنا، الذين اتجه بعضهم اليوم إلى الإنترنت، عندما أغلقت المتنفسات والمحاضن التي يمكنها احتواء فورتهم العمرية، وباتت الشبكة العنكبوتية مصدر تكوينهم الفكري، ومعظم الدواعش اليوم تطرفوا عبر "الإنترنت"، وأقسم بالله -مرة أخرى- غير حانث، وأنا في صميم هذه القضية، أننا إن لم نستنقذ هؤلاء الشباب من سراديبهم وغرف نومهم، ونقوم بافتكاكهم من الإنترنت، وتصريف طاقاتهم عبر محاضن شبابية، فسيزداد هؤلاء الدواعش للأسف الشديد.
القرآن الكريم وصفه الربّ عز وجل بأنه هدى ونور، والبعض يحارب اليوم تعليمه، من هو الظلامي هنا؟
عبدالعزيز قاسم
2015-08-03 1:37 AM
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة:
القرية في كاملها تتحدث العربية بطلاقة. جلسنا مع كبار وجهائهم، وأخبرونا بأن الطاغية الأشهر جوزف ستالين هجّرهم بعد الحرب العالمية الثانية إلى هذه المنطقة النائية التي تبعد آلاف الأميال عن بلادهم؛ بحجة وقوف مسلمي القوقاز مع ألمانيا النازية، وأنهم استطاعوا الحفاظ على هويتهم الدينية عبر القرآن الكريم، الذي كانوا يحفظونه في السراديب المعتمة، وفي ليالي الشتاء الطويلة، وفي ظروف في غاية الرعب والخوف لأن الشيوعيين سيعدمونهم إن ضبطوهم وهم يحفّظون أبناءهم القرآن.
ما الذي أعاد لي هذه الحادثة التي طواها العمر؟
الحقيقة أنني أسفت كثيرا، وأنا أطالع هذا السجال والاحتراب حول وزير التعليم عزام الدخيل، لأن الرجل صرح بأن وزارته تنوي فتح فصول "اختيارية" لتحفيظ القرآن الكريم في مدارسنا العامة، ويقوم على إثر التصريح بعض الليبراليين بمهاجمته بضراوة، ورأوا أن القرار نكسة لمسيرة التعليم. وانثالت عليّ مباشرة صورة أولئك القوم الذي عرّضوا حيواتهم للخطر والموت في سبيل تنشئة أبنائهم على حفظ القرآن الكريم، أقارنهم مع هؤلاء المعترضين -المترفين فكريا- على حصص "اختيارية" في بلاد قامت على التوحيد، يتجه لها كل المسلمين في أنحاء العالم، وقدرها أن تكون حاضنة الحرمين الشريفين، وحاملة رسالة الإسلام، وتقوم بطبع ملايين المصاحف سنويا، عبر أكبر مطبعة للقرآن الكريم في العالم.
الأسف يزداد عندما تتذكر قراءاتك في سير خير الدين الزركلي وبطرس البستاني وأمين الريحاني وإبراهيم اليازجي وبعض أدباء المهجر من نصارى الشام، وكيف كان آباؤهم يحرصون على تحفيظهم سور القرآن الكريم كي تستقيم وتفصح ألسنتهم، وهم العارفون بأثر ذلك الحفظ على امتلاك أبنائهم ناصية اللغة والحديث. تقارن أولئك بهؤلاء الذين رفعوا عقائرهم اليوم احتجاجا على فتح فصول "اختيارية" لتحفيظ القرآن؛ لتضرب كفا بكف، وتهز رأسك، وتتمتم بما اعتمل في صدرك.
غادرت أروقة وزارة التعليم وتقاعدت منها تقاعدا مبكرا، وها أنا أقدم شهادتي حيال تلك المرحلة، ومقسما بالله تعالى أن معظم المتفوقين من طلبتنا في المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها هم من حفظة كتاب الله، وأن أوائل الطلاب في معظم المدارس التي مررت عليها كان أغلبهم من هؤلاء الفتية الذين توضأت وجوههم بنور القرآن، بل وأكثر الطلاب الذين يتوافرون على الشجاعة والجرأة الأدبية وملكة اللغة وجسارة الحديث وقوة المنطق وفصاحة اللسان هم من طلبة تحفيظ القرآن الكريم، وكل الأنشطة الطلابية التي تقام في المدارس الحكومية من يتصدر غالبيتها ويقوم عليها هم هؤلاء الفتية الذين ترى نور الإيمان في محياهم، وقد انعكست بركة السور التي يحفظونها على وجوههم.
اسألوا مديري المدارس، وتثبتوا من مشرفي الوزارة؛ سيخبرونكم بهذه الحقيقة، التي لا تكمن كفائدة وحيدة لمثل قرار الوزير، فغير ما ذكرنا آنفا، هناك جانب تربوي مهم في هذا القرار، يتمثل في أن هذه الفصول ستكون أمام عين الوزارة وبصرها، ويمكن وضع برامج وطنية وقائية ضد الفكر المتطرف أو المتحرر، ينسلك فيها فلذات الأكباد هؤلاء.
الذين يشهرون في كل مناسبة لافتة "داعش"، أعجب منهم وهم لا يرون أن "داعش" انتشر فكرها بين شبابنا بعد التضييق على المناشط الدعوية، وإقفال المراكز الصيفية، التي أدعو من خلال هذه السطور إلى إعادتها ودعمها في مدارسنا ومجتمعنا، ولكن بعد وضع رؤية استراتيجية وطنية محكمة تضمن غرس منهج هذه البلاد وعلمائها الأجلاء، من وسطية واعتدال وعقيدة صحيحة في فكر شبابنا، الذين اتجه بعضهم اليوم إلى الإنترنت، عندما أغلقت المتنفسات والمحاضن التي يمكنها احتواء فورتهم العمرية، وباتت الشبكة العنكبوتية مصدر تكوينهم الفكري، ومعظم الدواعش اليوم تطرفوا عبر "الإنترنت"، وأقسم بالله -مرة أخرى- غير حانث، وأنا في صميم هذه القضية، أننا إن لم نستنقذ هؤلاء الشباب من سراديبهم وغرف نومهم، ونقوم بافتكاكهم من الإنترنت، وتصريف طاقاتهم عبر محاضن شبابية، فسيزداد هؤلاء الدواعش للأسف الشديد.
القرآن الكريم وصفه الربّ عز وجل بأنه هدى ونور، والبعض يحارب اليوم تعليمه، من هو الظلامي هنا؟
عبدالعزيز قاسم
2015-08-03 1:37 AM
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..