يا هل العيرات باكر كان مريتوا طوارف خلي

خبروه أني شكيت الهم والساموح عقب افراقه

ما نسيت الصاحب اللي بالموده والهوى صافٍ لي

جا لي أصفى من غدير الوقر وأحلى من حليب الناقه

ما نسيته يوم انا انهل من كما ذوب العسل واعلي

خابرٍ نفسي عيوف ولا تداني عقبة العشاقه

مع ثلاثٍ عارضٍن لي عقب يوم العيد دق وجلي

وصفهن ثنتين جل وثالثتهن بالوصوف ادقاقه

انهب الممشا لجلهن مير هن ما ودهن يدنن لي

كل ما قربت منهن خالفني واقطعن الساقه

يا لطيف الحال غضات الصبا هن كيف ما ياون لي

حملني من كثيب الرمل ملحوضٍ عليه اوساقه

صابني منهن عنودٍ من ثمانه علتي ودواً لي

ودي اصبر مير قلبي من فراقه بالهوى حراقه

صرت مثل اللي ايعبر من زمانه كل حل ابحلي

الله أكبر كل عبدٍ مشتكى حاله على خلاقه

كن عينه عين شيهانٍ ربى بالنايف المتعلي

او كما عين الغزال اللي يلد ابها على دراقه

جادلٍ تل الضماير في كواليب الموده تلي

تل ركبٍ في لهيب القيض ظميا والشراب اشفاقه

الشاعر:

هو عبدالله بن علي بن محمد بن دويرج ولد في أواخر القرن الثالث عشر الهجري ببلدة جفن بإقليم السرّ في نجد. انتقل إلى مدينة عنيزة وفيها عاش فقيراً كادحاً وليس أدل على حالته من هذه الأبيات التي يسندها على ابنه شعيل وهو صغير السن:

مضى العمر انا والفقر يا شعيل حط وشيل

انا اقواه يوم وباقي الايام يقواني

ادير الروابع لين يقبل سمار الليل

إلى جيت لي مع درب ابا اغديه لاقاني

قلبني وله في ساقتي مثل رجد الخيل

على وصلتي للباب وايلاه يتناني

وتنابزت أنا وياه ثمٍ نخيت شعيل

بكى الورع ماله حيلةٍ منه ياقاني

وذي حالة الدنيا متى ما اجنفت بالميل

لقيت الحصيني يفرس الذيب سرحاني

ولقد جاء في ديوان الشاعر المطبوع الذي جمعه بندر الدوخي أن وفاته في عام 1365ه بينما جاء في مخطوط عبدالرحمن الربيعي الذي من بلدة الشاعر عنيزة وله علاقة بالشاعر وبتحديد أكثر انه توفي رحمه الله في25ذي الحجة سنة 1354ه .

دراسة النص:

استكمالاً لما سبق طرحه وتلبية لطلب بعض الأخوة القراء والمتابعين للاسترسال في الحديث عن الألحان المطولة في الشعر العامي والتي اشتهر بها بعض الشعراء في القرن الرابع عشر الهجري ومنهم الشاعر عبدالله ابن دويرج (رحمه الله) وكما أشرت سابقاً فإن اللحن الطويل ناتج عن تعمد الشعراء تكرار التفعيلة التي يقوم عليها البحر في الشطر الواحد كما في بحر (الهزج) بتكرار (مفاعيلن) أربع مرات بما يعرف بالطرق الشيباني، واليوم نجد في النص الذي بين يدينا، والذي يعتبر من أجمل ما تغنى به عشاق الشيلات،أن الشاعر اعتمد فيه لكل شطر على تكرار (فاعلاتن) وهي التفعيلة التي يقوم عليها بحر (الرمل) في الفصيح ويكثر عليها نظم الشعراء العاميين خاصة في الشعر المروبع القائم على أربعة أشطر ثلاثة متفقة القافية والرابع مختلف والمروبع فن شعري لا يختص ببحر شعري دون آخر ولكن يكتفي في الشعر العامي بنسبة النصوص على هذا الشكل إلى فن المروبع ومنه المروبع الطويل والمروبع القصير الذي يعتمد شطره على تكرار التفعيلة مرتين، ولكن تكرار التفعيلة خمس أو ست مرات في الشطر الواحد للنص ثنائي الشطرين عائد لمقدرة الشاعر على البعد عن حشو الكلام وما يتمتع به الشاعر من طول نفس كما في النص الذي بين يدينا، فالشاعر يخاطب ركباً يمتطون (العيرات) وهي الجمال قوية البنية، ويوصيهم عندما يمر بهم الطريق بأطراف منازل حبيبته أن يخبروها بما يعانيه من الهم وتغير أحواله بعد أن ابتعد عنها، وأنه لم ينس ما بينه وبينها من حب ومودة صافية يشبهها بصفاء ماء الغدير المتكون في تجويف حجري وألذ حلاوة من طعم حليب الناقة، ثم يؤكد أن ذكريات وصالها التي لم تزل عالقة في مخيلته وكيف أنه اختارها دون غيرها لما يعرفه فيها من الوفاء الذي يجعلها لا تختار غيره عليه فليست سلعة رخيصة يدركها كل عاشق، متذكراً اللقاء الأول حيث قابلها في اليوم الثاني للعيد في أحد ممرات بلدته فكانت ممشوقة القوام جميلة الملامح رقيقة التقاسيم وبرفقتها اثنتين من النساء البدينات، وقد حاول أن يسرع الخطى مقترباً منهن ولكنهن كن على حذر منه فخالفن الاتجاه الذي يسير فيه مبتعداتٍ عنه ويستغرب الشاعر عليهن هذا النفور والقسوة بعد أن هلن عليه الرمل، ليؤكد أنه وقع في عشق تلك الفتاة التي يشبهها بالغزالة التي دائما ما تكون في مقدمة قطيع الغزلان كقائد له، كناية عن جمالها وتميزها عن الأخريات، وأنها هي الداء والدواء بالنسبة له، ويتمنى لو أنه يستطيع الصبر على هذا الحرمان والبعد ولكنه يشعر باحتراق قلبه حسرة على فراقها، فحياته بدونها لا قيمة لها شاكياً أمره إلى الله تعالى،ثم يصف جمال عيونها التي يشبهها بعيون (الشيهانة) أنثى الصقر التي تمتاز بسواد العين واتساعها وتتخذ من أعالي الجبال مستقراً لها، أو أن عيونها تشابه عيون الغزالة الحذرة التي تتلفت إلى جهة من تشك أنه صياد يختبئ ليتمكن من اصطيادها.


مخطوط قصيدة ابن دويرج

عبدالرحمن الربيعي

بندر الدوخي