الخميس، 7 يناير 2016

الشفافية والقرارات الحازمة.. تشكلان خارطة الاقتصاد السعودي المستقبلي

    بيانات الانفاق في الميزانية تؤكد استمرارية الإنفاق على مشاريع التنمية في معدلاتها الطبيعية
    يسعى المرجفون الى تشكيل قناعات مبطنة تُظهر بأن تنافسية اقتصادنا الوطني تواجه مخاطر اقتصادية لا يمكن مواجهتها إلا من خلال قرارات مريرة، تضطر بالمواطن إلى تحمل أعبائها لدرء تلك
المخاطر التي تكاد تحيق بالاقتصاد واستقراره المالي، بيد أن المعطيات الحقيقية في بنود الموازنة العامة تبعث على التفاؤل وتؤكد على قوة ومتانة الاقتصاد الوطني.
وانطلاقاً من أهمية الوعي بالظروف المحيطة التي تدور رحاها في المجتمع الدولي وخاصة محيطنا الجغرافي في منطقة الشرق الاوسط الذي يُعد جزءا حيويا ومهما في العالم، حيث عكف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إلى عقد ورشة عمل غير مسبوقة تخللّها حوار عام وشامل بين مختلف المسؤولين في القطاعين العام والخاص والنخب المجتمعية، وهذا يجعلنا نتذكر بكل اعتزاز وتقدير؛ الدور الحيوي والمهم الذي بذله سمو ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في تلك الورشة التي أبرزت قدرة سموه على وضع اللبنات الرئيسة لمواجهة معاناة الموازنة المالية لهذا العام 2016)م)، وما قد يكون بها من عجز قد لا يمتد طويلا، ويُجليّ أمام مسؤولي كل قطاع صورة الوضع بشفافية دون رتوش، متحدثاً عن المحاذير ؛ في حال تأخرت الدولة عن اتخاذ الاجراءات الاحترازية التي من شأنها إيجاد وضع مستقر ومتوازن لكفتي الموازنة العامة للدولة تضمن لها مواجهة التحديات التي تمر بها متطلبات تحقيق التنمية، حتى وإن اقتضى الأمر؛ كنهج ترشيدي رفع الدعم عن المنتجات النفطية؛ فمختلف الموازنات العامة للدول تتجاوز في الحسابات العامة خلال السنة المالية العجز والانفاق المقدر أصلاً مقارنة بالإيراد المتوقع نتيجة تقلب أسعار النفط وأثر مجريات الأحداث العامة في المجتمع الدولي، وكجزء مهم في جسد المجتمع الدولي نؤثر ونتأثر، فهذا يبلور مبررات العجز في الموازنة العامة الحالية.
ويمكن إدراك ذلك من خلال نظرة سريعة الى بيانات الانفاق الشهري لوزارة المالية التي تظهر الفرق بين الصرف المالي المُقدرّ والفعلي، وهذه سمة بارزة في الاقتصادات العالمية تؤثر في الموازنة العامة في كل دولة.
وفي ورشة العمل التي نظمّها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، واجتماع سمو رئيس المجلس بقيادات الاقتصاد والتنمية في القطاعين العام والخاص أدرك الحاضرون حرص سموه في رسم معالم الاستراتيجية الوطنية لتحقيق التنمية وتمتين قوة الاقتصاد الوطني بما ينعكس طردياً وبشكل ايجابي على مناخ الاستثمار في المملكة العربية السعودية التي أصبحت أكثر جذباً لرؤوس الأموال الأجنبية المباشرة وغير المباشرة ؛ حيث أقر العمل ببرنامج التحول الوطني الذي يسعى الى تحقيق هدف المملكة (2020)م، بما يشمله ذلك من المراجعة للسياسات العامة التنموية بما في ذلك سياسة الانفاق الحكومي التي تتمحور بكيفية إعداد الموازنة، والأهداف الاستراتيجية التي على أساسها توزع الموارد المالية التي تضمن تنوع مصادر الدخل الوطني، وتبني نهج تقييم أداء المسؤولين بمن فيهم الوزراء، ومحاربة الفساد وتكريس النزاهة، ووضع معايير قياس كفاءة الجدوى الاقتصادية للمشروعات، وتقييم أثر الانفاق المالي على النواحي الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وهذا يجعل هذه المؤشرات تساعد في المفاضلة بين مشروعات عديدة مطروحة، وتؤسس لنمط جديد في الانفاق العام، مع الأخذ في الاعتبار الاهتمام بالطبقة الوسطى التي ستكون الأكثر تضرّراً من تبعات رفع الدعم الحكومي لما سينتج عن هذا التوجه ارتفاع تكلفة الخدمات والسلع الأخرى.
وبغض النظر عن النظرة المتشائمة لأسواق النفط في الوقت الراهن، فإن الميزانية العامة لعام 2016، والإجراءات الجديدة تمثل بداية برنامج عمل متكامل وشامل لبناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة تتعدد فيه مصادر الدخل، فقد أكدت المملكة العمل على زيادة الواردات غير النفطية، علما أن النفط أسهم ب(73%) من مجمل ايرادات العام 2015)، متراجعا عن نسبته المعتادة التي كانت تقارب (%90)، وارتفعت نسبة الايرادات غير النفطية (29 %) في(2015)، لتبلغ ما يشكل (27 %) من مجمل ايرادات الميزانية. وهذا يؤكد على متانة وقوة الاقتصاد الوطني وقابليته لمواجهة المتغيرات الاقتصادية العالمية؛ حيث اكتسى الانفاق الحكومي المتمثل في الإنفاق على مشروعات البنية التحتية لما في ذلك من تحسين مناخ الاستثمار في المملكة؛ والعمل بآلية موازنة البرامج والأداء لتلافي أوجه القصور في بنود المشروعات التنموية التي يتم إنجازها وفق الخطة المعدة لذلك، فموازنة البرامج والأداء تهتم بطبيعة أنشطة وأعمال الأجهزة الحكومية أكثر من اهتمامها بموضوع ترشيد الإنفاق والحيلولة دون الإسراف وتقييم النتائج من خلال مقارنتها بالخطط المرسومة.
إن بيان الموازنة العامة وما تضمنته من بشائر الخير بتوجهات عامة نحو استمرارية الإنفاق على مشروعات التنمية في معدلاتها الطبيعية، والحد من ظاهرة المشروعات المتعثرة، وألا يكون الرفاه الاجتماعي عرضة لتقلبات أسعار النفط في ظل ترشيد الإنفاق العام؛ يؤكد سلامة وصحة التوجه في ظل توفر الخطة الوطنية الاستراتيجية لجعل اقتصادنا الوطني منتجاً، وأن يكون تحمل المواطن لهذه الحزمة من القرارات مفتاحاً للفرج وحل الأزمة، في ظل أهمية الأخذ بعين الاعتبار عند كل منعطف، مراعاة أحوال الطبقة الوسطى والفقيرة، ودراسة كل الخيارات الاستراتيجية المتاحة بشكل دقيق، يمهد بإذن الله لتحقيق الهدف الوطني الطموح (2020).
*متخصص في الاستثمار والتنمية
د. ماجد بن عبدالله الهديان*
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..