مشروع النهضة .. غرق في الفوضى التي أراد صناعتها !
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
تعريف
المنظمون – أبرز الشخصيات – الأهداف
تعريف بالملتقيات الثلاث
بيانات وفتاوى
مقالات وتحقيقات حول الملتقى.
ملتقى خليجي يديره شباب من دول مجلس التعاون الخليجي أتتهم الفكرة قبل ثلاث سنوات منذ عام
2009 وترجموها إلى واقع مستهدفين فئة الشباب (18-30 رجال ونساء) عقد الملتقى الأول في البحرين عام 2010 والثاني في قطر عام 2011 والثالث كان مزمع انعقاده في الكويت في الفترة من 23 إلى 26 مارس 2012 لكنه تعثر حيث قررت الداخلية الكويتية منع إقامته بضغط ومعارضة بعض التيارات والبرلمانيين , وهو حوار مفتوح للجميع لطرح يهدف إلى مناقشة المواضيع المتعلقة بالنهضة والحضارة, والحوار حولها, والالتقاء بالمفكرين من شتى الاختصاصات وأصحاب التجارب.
المنظمون للملتقى
1-مصطفى الحسن: أستاذ التفسير بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومؤسس ملتقى النهضة ـ مهتم بالفكر الإسلامي والتجديد الديني خصوصاَ.
2-سلمان العودة: الداعية السعودي المعروف، – المشرف على الملتقى – والمشرف على مؤسسة الإسلام اليوم.
3-جاسم السلطان: دكتور ومفكر قطري تنسب إليه دعوات بضرورة حل تنظيم الإخوان المسلمين،المشرف العام على موقع ومشروع النهضة – وهو مختلف عن ملتقى النهضة – ، وصاحب سلسلة أدوات قادة النهضة.
أهداف الملتقى وفقا لمنظميه
الهدف العام هو الارتقاء المعرفي بالمهتمين بالنهضة، وذلك من خلال ثلاثة أمور:
1/بناء نموذج للنهضة، والتفكير بعقلية قانونية سننية.
2/تعريف المشاركين برواد العمل النهضوي، وإطلاعهم على تجارب ناجحة في هذا المجال.
3/تعريف المشاركين ببعضهم وبأعمالهم، وتكوين صلات تعاون بين الجميع.
انتماء المنظمين
منظمو ملتقى النهضة يعلنون أنهم لا ينتمون لأي جماعة أو حركة، فالدكتور سلمان العودة يعلن أن: (النهضة ليست معارضة ولا ولاءً سياسياً كذلك) كما يؤكد ذلك مشاري الغامدي ـ منسق فعاليات ملتقى النهضة ـ الذي قال: (القائمون على هذا الملتقى هم إسلاميون مستقلون، لكنهم لا يقدمونه باعتباره ملتقى إسلامياً، بل هو ملتقى مدني يؤمن القائمون عليه بحرية التعبير، والتعددية، والحوار المفتوح، وهذه ليست تهمة حتى ننفيها، بل حق نؤكده ونسعى إليه، ولا يمكن أن نطرح قضية النهضة من رؤية طيف واحد، دون التحاور مع الأطياف الأخرى التي تسعى إلى ذات الهدف).
بداية فكرة الملتقى
يقول مدير ملتقى النهضة الدكتور مصطفى الحسن: (كانت الفكرة إيجاد برنامج يتيح للشباب الخليجي أن يتداول فيه الأفكار، وأن يلتقي بأهل الخبرة، ورأينا أن أهم ما يجب أن نتحاور حوله هو مفهوم النهضة، والحضارة، فسعينا إلى هذا المشروع (ملتقى النهضة الشبابي)، ويهدف إلى طرح المواضيع المتعلقة بالنهضة والحضارة والحوار حولها، واللقاء بالمفكرين من شتى الاختصاصات، وأصحاب التجارب.
النسخة الأولى للملتقى
انطلقت في مملكة البحرين في الفترة 16-19 أبريل 2010 تحت شعار (التغيير .. آفاق ومفاهيم) ، تضمنت الفعاليات جلسات ودورات كما قدمت أوراق ، د.محمد حامد الأحمري (كاتب ومفكر إسلامي متخصص في التاريخ السياسي والمشرف العام على مجلة العصر الإلكترونية) قدم جلسة بعنوان “أثر الفرد بالتغيير” ، أ.نواف القديمي (صحفي مهتم بالفكر السياسي والفكر الإسلامي ) قدم ورقة بعنوان “مسارات الحل عند الإسلاميين” ، د.جاسم السلطان ،قدم جلسة بعنوان “فلسفة التاريخ”، د.مصطفى الحسن ، قدم جلسة بعنوان”من مفهوم الاستخلاف إلى تحقيق النهضة”، من بين الضيوف أيضاً :أ.أحمد عاشور (مؤسس ومدير موقع الجزيرة توك،مهتم بمشروع النهضة وبتطوير إعلام المواطن العربي) ، طارق المبارك (باحث وكاتب إسلامي) قدم ورقة “مشروع النهضة بين النظرية والتطبيق”، وأخيراً هاني المنيعي (مدير الأبحاث والتطوير في مجموعة شركات الإبداع ومدير مشاريع الدكتور طارق السويدان) قدم دورة بعنوان”التغيير في عالم الأفكار”.كما قدم الدكتور سلمان العودة ورقة تحت عنوان “تساؤلات وهموم النهضة”.
****
النسخة الثانية للملتقى
انطلقت في دولة قطر في الفترة بين 8-11 أبريل 2011 تحت شعار (القوة الرافعة للأفكار) ،فكانت الفعاليات تشمل ندوة الإسلام السياسي التي قدمها د.سعد الدين العثماني (أمين حزب العدالة والتنمية المغاربي السابق)، ود.محمد الشنقيطي (الذي كان يعد حينها رسالة دكتوراه حوا تأثير الحروب الصليبية على العلاقات بين السنة والشيعة) ، كما قدم وائل عادل (أحد مؤسسي أكاديمية التغيير) لمفهوم القوة ،و (المجتمع المدني-د.عزمي بشارة) ،(السينما كأداة للتأثير- المخرج السينمائي عبدالله آل عياف) (تجارب حولها الانترنت إلى واقع –عمار خالد)، (دعم المحتوى المعرفي العربي-د.أنور دفع الله) ،(مركزية الانسان-مصطفى الحسن)،(الإعلام والثورة-علي الظفيري)،(البناء المعرفي-د.ساجد العبدلي)، (تجسير الأفكار وتجسيدها-د.جاسم سلطان).
****
النسخة الثالثة للملتقى (الممنوعة)
والذي كان سيعقد تحت شعار “المجتمع المدني… الوسيلة والغاية”، و إن فعاليات الملتقى كانت تتضمن في اليوم الأول ندوة الحريات وتأسيس المجتمعات المدنية يتحدث فيه د. مسفر القحطاني ود. شفيق الغبرا واليوم الثاني المجتمع المدني ومفهوم المواطنة توفيق السيف تكوين المجتمع المدني الخليجي د. شفيق الغبرا مقاربات المجتمع المدني والديني د. خالد الدخيل, الإسلاميون والمجتمع المدني د. شفيق الغبرا, أشكال وآليات المجتمع المدني وليد السليس (ورشة عمل) أما اليوم الثالث فكان يتضمن ندوات: سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة عبدالله المالكي, تمكين المرأة في المجتمعات الخليجية (هالة الدوسري), المجتمع المدني وحقوق الإنسان (د. غانم النجار), التفكير العلمي والمجتمع المدني (د. فهد المطيري).
طالب النواب السلفيون في البرلمان الكويتي بإيقاف الملتقى ومنع انعقاده، لأنه كما يذكرون :
كونه يحمل أجندات مشبوهة.
يقصي الشريعة الإسلامية.
يستضيف شخصيات ليبرالية وشيعية تؤثر على الاستقرار السياسي في البلد.
يروج للأفكار العلمانية بلبوس إسلامي، ويحرض على الاختلاط بين الجنسين.
بعض الأسماء في هذا المؤتمر أسماء سعودية معارضة للنظام السعودي.
جمعية الخريجين الكويتية تجمع شتات الملتقى
وبعد أن ألغي الملتقى بقرار من وزارة الداخلية تبنته جمعية الخريجين 22/3/2012 وانعقد بمن حضر من المشاركين من الكويت بعد أن غادر المشاركون من المملكة العربية السعودية، ورأى المشاركون أن في هذا التبني رسالة إلى دول الخليج بأن المجتمع المدني قادر على تجاوز العقبات .
ولم يكن فقط اختلاف الملتقى الذي تبنته «الخريجين» عن الملتقى الملغى من حيث المكان.. والآلية بتحويله إلى ملتقى مفتوح لمن أراد الحضور على عكس ما كان مقررا للملتقى الأصلي الذي كان مقصورا الحضور فيه على المشاركين وبدون أي حضور لوسائل الإعلام.
بل إن الملتقى الذي تبنته الخريجين عقد تحت عنوان ملتقى المجتمع المدني وهو اسم مشتق من الشعار الذي كان مقررا لملتقى النهضة الشبابي الانعقاد تحته «المجتمع المدني.. الوسيلة والغاية».
**********************
المصادر
-الموقع الرسمي لملتقى النهضة الشبابي.
-انقسامات الإسلاميين في السعودية.. صراع بين النهضة وخصومها! (مجلة المجلة 27 مايو 2012)
-حوار مع مدير ملتقى النهضة (موقع المقال 20 مارس 2012)
-صحيفة الشرق الأوسط (23 مارس 2012)
-صحيفة السياسة الكويتية (23 مارس 2012)
-جريدة الوطن الكويتية (23 مارس 2012)
-أخبار البشير (18 أبريل 2010)
-الموقع الرسمي لمشروع النهضة .
******
بيانات وفتاوى
بيان من علماء ومشايخ السعودية بشأن ملتقى النهضة في الكويت
(المختصر للأخبار نقلاً عن لجينيات 23/3/2012)
29/4/1433هـ
الحمد لله الذي أخذ الميثاق على أهل العلم بالبيان فقال {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَه} (سورة آل عمران:18). ومدح الله من يوفي بميثاقه فقال { وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}(سورة الرعد:20).
وشدد الله الوعيد في كتم العلم، فقال سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}(سورة البقرة:159).
أما بعد،، فقد تابعنا ما نشره المنظّمون لملتقى النهضة الثالث، حيث جاء إعلانه في موقع الملتقى على الشبكة العالمية (الانترنت) كما يلي (سيقام الملتقى الثالث من الجمعة إلى الإثنين 1-4/5/1433هـ، في دولة الكويت، تحت شعار المجتمع المدني: الوسيلة والغاية)، ويشارك فيه عدد من الشباب والفتيات، ومما يؤسف له أنه تحت إشراف بعض المشايخ كما هو في الإعلان.
وقد عرض المنظّمون أسماء الضيوف المشاركين، واستعرضوا جدول الموضوعات التي ستطرح، وعرضوا في موقعهم مواصفات الشريحة المستهدفة.
ولما اطلعنا على بنود هذا البرنامج أحزننا وآلمنا هذا الأمر، لتضمنه مخالفات شرعية في توجه مديره العام، وضيوفه، ومحاوره، والشريحة المستهدفة، بما يوجب البيان، والإعذار إلى الله منها، ومن أكثر ما أوجعنا في هذا البرنامج أنه يزيد الشرخ والفرقة في الوقت الذي نكون فيه أحوج ما نكون إلى الاجتماع والاعتصام بالكتاب والسنة، مستحضرين في هذا الصدد الملتقيات السابقة وما تضمنته المخالفات حسب ما هو معلن في برنامج هذا العام:
أولاً: توجهات المدير العام للملتقى د.مصطفى الحسن: حيث عرف بتوجهات مناوئة لتطبيق الشريعة والتهكم بفقه سلف الأمة واستقطاب الشباب وإيغار صدورهم ضد أهل العلم والدعوة، وقد نوه في عدد من مقالاته بمفهوم (العلمانية الجزئية) و أن هناك أنواعاً من العلمانية لا تتعارض مع الإسلام، ومن أقواله في صفحته الشخصية في تويتر: (حد المحصن من المسائل الشائكة.. تحتاج لتأمل طويل).
ولوحظ عليه حرصه الشديد على اختلاط الشباب بالفتيات حيث يقول عن نفسه في مقال عن ملتقى النهضة (كنتُ حريصاً أن يكون الرجال والنساء في مكان واحد، لتظهر الندية، وتغيب جميع الفوارق التي يُتعذّر بها) ويقول في ذات المقال (والبعض الآخر استفزهم أن يكون الملتقى في قاعة واحدة فيها الرجال والنساء). (“في ملتقى النهضة .. بعض الأيام ككل الأيام ” … الجمعة 9 / 5 / 1431 هـ ـ 23 / 4 / 2010 م والمنشورة في موقع الإسلام اليوم)
ثانياً: وبالنظر إلى الضيوف المشاركين فمنهم الملحد والنصراني والرافضي والمستشرق والعلماني والليبرالي:
فمنهم المستشرق ستيفان لاكروا صاحب كتاب زمن الصحوة طبعته الشبكة العربية شحنه بالكذب والشتائم وتشويه العلماء والدعاة.
ومن هؤلاء الرافضي د.توفيق السيف، وهو أحد دعاة (الخمينية) حيث يقول في أحد مقالاته عن الخميني (مشروع السيد الخميني السياسي يقوم على تفسير نهضوي للدين).
وقد ذكر الكاتب الرافضي عادل اللباد في مذكراته (الانقلاب: بيع الوهم على الذات) معلومات خطرة عن اشتراك د.توفيق السيف في تنظيمات سرية تخريبية تستهدف السعودية.
ومن ضيوف هذا الملتقى هالة الدوسري وهي تتبنى فصل الدين عن الحياة العامة، حيث تقول في برنامج “بلا قيود” الذي يعرض على قناة الحياة التنصيرية: (لا أتوقف كثيراً أن الشريعة هي التي تحكم القوانين العامة، مع احترامي للنصوص وقراءات الشريعة التي فيها مراعاة لظروف الأسرة، وأنا أحترمها كثيراً، لكني أرفض تقييد الفكر الإنساني بجمود نص)، وهي من دعاة تحرير المرأة من ضوابط الشريعة، ومناصرة الاتفاقيات الغربية النسوية المناقضة للشريعة، ولها عبارات في تفخيم الإنجيل المحرف والتعريض بالقرآن.
ومنهم الرافضي وليد سليس، وله كتابات ومواقف في تبرير العنف والفوضى في العوامية، وتجريم رجال الأمن.
ومن هؤلاء المشاركين د.خالد الدخيل، وله مقالات كثيرة في الدعوة إلى العلمانية وتحسينها والدفاع عنها، ومن مقالاته التي يدعو فيها إلى العلمانية: (العلمانية أو الحرب الأهلية) و (لماذا نرفض العلمانية؟) وغيرها، ومنها قوله: (أختلف مع الدكتور المرحوم عبد الوهاب المسيري حول موقفه من العلمانية، وأرى أن العلمانية بالفعل حل، وفي نهاية المطاف ليس هناك مندوحة من تبني فكر علماني نابع من الداخل).
ومن المشاركين الكاتب عبد الله المالكي، وهو صاحب أطروحات شاذة منها مناداته بجعل سيادة الشعب فوق سيادة الشريعة، بما يناقض أصل الإلزام بالحكم بما أنزل الله.
ومن ضيوف الملتقى الليبراليين ” شفيق الغبرا ” يقول في أحد مقالاته ” ومن الأصلح للشعب أن يبقى الدين جانباً خاصاً في عباداتهم وواجباتهم الشرعية، وأن يُنأى به ويُبعد عن السياسة.
الفكر الليبرالي منفتح ويؤمن بالآخر وبالعدالة والمساواة، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، في ظل حكم الغالبية، وهو فكر متقدم وضروري ومهم جداً لأي نجاح في أي عملية ديمقراطية” جريدة الجريدة الكويتية اليومية 2009/09/23
ومن ضيوف الملتقى “د.غانم النجار” يقول في قناة اليوم في برنامج توك شوك ” الديمقراطية(المفروض ما يصير فيها أحزاب دينية … لأن الدولة الحديثة الأولوية فيها للمواطنة وليس للدين… أحزاب دينية مايصير ) لقاء د. غانم النجار بقناة اليوم – برنامج توك شوك 2011/11/30
وهؤلاء المشاركون تدور موضوعات حديثهم حول قضايا خطيرة ويصدَّرون لشباب الأمة وهم بهذا التوجه والانحراف.
وعناوين الأوراق المعلنة يتضح فيها الأبعاد العلمانية، والتأويل للشريعة وأحكامها، ومن ذلك ورقة ” مقاربات المجتمع المدني والديني”، وهذا يبين أن مقصود الملتقى من ” المجتمع المدني” هو المجتمع العلماني المنابذ للشريعة، وأيضا ورقة ” سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة”، وورقة ” تمكين المرأة في المجتمعات الخليجية “، والتمكين مفهوم غربي علماني، وورقة ” التفكير العلمي والمجتمع المدني”.
ومما يؤكد انحراف هذا البرنامج ما يتوقع من اختلاط بين الرجال والنساء كما هو عادته السابقة وكما يؤكده منظمه مصطفى الحسن في مقولته المشار إليها سابقاً: (كنتُ حريصاً أن يكون الرجال والنساء في مكان واحد، لتظهر الندية، وتغيب جميع الفوارق التي يُتعذّر بها).
وفي ختام هذا البيان العاجل فإننا نوجه نصحنا المشفق للمشاركين من الشباب والفتيات بالحذر من هذا البرنامج وأمثاله وأنه لا يجوز الحضور لمثل هذه الملتقيات لما تتضمنه من منكرات وقد قال الله تعالى: { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} سورة الأنعام آية:68
وندعو المنظمين والمشرفين على هذا اللقاء أن يتقوا الله وأن يحذروا سخطه فإن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} سورة المائدة آية:2، وأن كل من شارك في هذا اللقاء بحضور أو دعم أو تنظيم فهو شريك في الإثم. وعليهم أن يصرفوا جهودهم في نشر الخير والدعوة إليه والاجتماع على البر والتقوى والاعتصام بالكتاب والسنة.
وندعو الله أن يثبتنا وإخواننا على الحق وأن يصلح حال المسلمين ويجمع كلمتهم على الحق والهدى وأن ينصر دينه ويذل أعداءه. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.
الموقعون:
1. فضيلة الشيخ العلامة الدكتور/ عبد الرحمن بن ناصر البراك
2. فضيلة الشيخ/ د.أحمد بن عبدالله الزهراني
3. فضيلة الشيخ/ أ.د. سعد بن عبدالله الحميِّد
4. فضيلة الشيخ/ أ.د. ناصر بن سليمان العمر
5. فضيلة الشيخ/ د.سليمان بن وايل التويجري
6. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن سعيد القحطاني
7. فضيلة الشيخ/ أحمد بن حسن بن محمد آل عبدالله
8. فضيلة الشيخ/ د.عبدالعزيز بن عبدالمحسن التركي
9. فضيلة الشيخ/ د.عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر
10. فضيلة الشيخ/ د.عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف
11. فضيلة الشيخ/ أ.د.علي بن سعيد الغامدي
12. فضيلة الشيخ/ أ.د.وليد بن عثمان الرشودي
13. فضيلة الشيخ/ د.عبدالله بن عمر الدميجي
14. فضيلة الشيخ/ سعد بن ناصر الغنام
15. فضيلة الشيخ/ د.عبد اللطيف بن عبدالله الوابل
16. فضيلة الشيخ/ د.ناصر بن محمد الأحمد
17. فضيلة الشيخ/ علي بن إبراهيم المحيش
18. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالعزيز الماجد
19. فضيلة الشيخ/ د.عبدالله بن عبدالعزيز الزايدي
20. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالله الخضيري
21. فضيلة الشيخ/ فهد بن محمد بن عبدالرحمن بن عساكر
22. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن سليمان البراك
23. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالعزيز الخضيري
24. فضيلة الشيخ/ فيصل بن عبدالله الفوزان
25. فضيلة الشيخ/ عبدالله بن صالح القرعاوي
26. فضيلة الشيخ/ سعد بن علي العمري
27. فضيلة الشيخ/ د.موفق بن عبدالله بن كدسة
28. فضيلة الشيخ /د.عبدالعزيز بن عبدالله المبدل
29. فضيلة الشيخ/ حمود بن ظافر الشهري
30. فضيلة الشيخ/ د.بندر بن عبدالله الشويقي
31. فضيلة الشيخ/ محمود بن إبراهيم الزهراني
32. فضيلة الشيخ/ حمد بن عبدالله الجمعة
33. فضيلة الشيخ/ إبراهيم بن عبدالرحمن التركي
34. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالعزيز اللاحم
35. فضيلة الشيخ/ صالح بن عبدالرحمن الخضيري
36. فضيلة الشيخ/ محمد بن علي مسملي
*********************
بيان تجمع دعاة الكويت حول مؤتمر ملتقى النهضة الشبابي المزمع عقده في الكويت
(المصدر:صيد الفوائد)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد اطلع تجمع دعاة الكويت على أهداف مؤتمر ملتقى النهضة الشبابي ومحاوره وأسماء المشاركين فيه، وتبين له أنه ينطوي على مأخذين خطيرين: مأخذ فكري، ومأخذ منهجي.
أما المأخذ الفكري، فإن المؤتمر -بعنوانه ومحاوره وعدد من ضيوفه- يعزز الفكر الليبرالي في المجتمع الخليجي؛ فعنوان المؤتمر “المجتمع المدني… الوسيلة والغاية”، ومن محاوره “سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة! ولا يخفى أن الفكر الليبرالي فكر يضاد الشريعة الإسلامية بل ويسخر منها.
وأما المأخذ المنهجي فيظهر بالاطلاع على أسماء المتحدثين فيه ومعرفة طبيعة المؤتمر، فالمؤتمر مغلق لا يحضره إلا أعضاء الملتقى رجالا ونساء، والمحاضرون معظمهم من المختصين ممن ينتمي للخطاب الليبرالي؛ وهذا فيه خطر ظاهر على أفكار المشاركين الذين لا يملكون الأجوبة الحاضرة التي تدحض شبهات الليبراليين.
ومما يؤسف له؛ أن المؤتمر يحظى بغطاء شرعي؛ حيث إن المشرف عليه والمنظمين له ممن ينتمي للخطاب الشرعي!
وهذا التحذير من المؤتمر وما ينطوي عليه من محاذير لا يلغي حق أي جهة في التعبير عن رأيها، فحرية التعبير مكفولة لأصحابها بضوابطها الشرعية، لكن الذي لا نقبل به بحال هو تسويق الفكر الليبرالي برعاية شرعية، وهو ما قام عليه المؤتمر.
نسأل الله أن يهدي قلوبنا وأن ينير بصائرنا، إنه سميع مجيب.
***************
فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك في ملتقى النهضة
(الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك)
رقم الفتوى 40215
تاريخ الفتوى 23/3/2012 -30/4/1433
السؤال
ما قولكم ـ حفظكم الله ـ في ملتقى النهضة الشبابي الذي يشرف عليه الدكتور سلمان العودة من الجمعة إلى الاثنين 1-4/5/1433هـ، في دولة الكويت، تحت شعار المجتمع المدني: الوسيلة والغاية) وهو ملتقى سنوي يختار له شباب من المملكة العربية السعودية ضمن معايير محدده من الجنسين ويقيمون بفندق يمنع الخروج منه مدة أيام الملتقى الثلاثة، ويحضرون لقاءات وورش عمل وهذا العام يقدم في الملتقى اثنان من الرافضة الذي سجلت لهم مواقف سلبية في احداث الرافضة الأخيرة في الخليج ودعم للتوجه الإيراني ..وشخصيه يقولون: إنهم يريدون النهضة بالشباب، فنريد من فضيلتكم توجيها حول هذا الملتقى، جزاكم الله خيرا.
الإجابة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان: أما بعد؛ فقد استفاض أنه سيقام في دولة الكويت ملتقى النهضة الشبابي كما جاء في السؤال، ومن خلال ما نشر في موقع الإسلام اليوم (لا الإسلام أمس) على لسان مدير الملتقى أحد مؤسسيه، من توصيف للملتقى الأول،
وهو مصطفى الحسن، ذكر فيه فكرة الملتقى وشروط العضوية فيه، وما تم من الانتقاء من المتقدمين الراغبين في الالتحاق به من الجنسين، وقد بلغوا مئة؛ ثلاثين من البنات، وسبعين من البنين، أدركنا إجمالا أن هذا الملتقى متهم بأهداف سيئة، أدناها ترسيخ الاختلاط بين الجنسين، وقد صرح الشر وأضحى وهو عريان لما قرأنا عن فكر مديره مصطفى الحسن، وعن المشاركين في الملتقى لإلقاء المحاضرات من نصارى وملاحدة ورافضة وعلمانيين وليبراليين،
فتبين أن هدف هذا الملتقى هو تغيير الفكر والسلوك اللذين تربى عليهما شباب المملكة، ومما تقدم ظهر لنا أن ملتقى النهضة ممثلا في نشأته وتطوره والقائمين عليه بالتنظيم والإشراف، والقائمين ببرامجه أنه تجمع يقوم على محاربة الإسلام كما يفهمه أهل السنة والجماعة، وعلى مواكبة الرافضة والعلمانيين والليبراليين في فهم الإسلام، ولذا يعد ملتقى النهضة من أخبث وسائل التغيير والتغريب المستهدفة للمملكة العربية السعودية،
ومما يزيده خبثا ومكرا تغطيته بشخصية مشهورة كان لها تاريخ في الدعوة إلى الله ومحاربة هذا الفكر الذي هو يشرف عليه الآن، وهو الدكتور سلمان العودة، منَّ الله عليه بالعودة، لهذا ننبه الشباب من البنين والبنات أنه تحرم عليهم المشاركة في هذا الملتقى وأمثاله، وأنه يجب على أولياء أمور الشباب أن يأخذوا على أيديهم، ويحذروا من أن تختطفهم الشبكات الليبرابية، ويخدعوا بالدعايات المضللة، كما يجب على العلماء والدعاة محاربة هذا الملتقى ومحاصرته في أي أرض يقام، ويجب كشف حقيقته وحقيقة المنظمين والمشرفين عليه، وتحذير الشباب من المشاركة فيه
لا ريب أن ما قام به تجمع الدعاة في الكويت من جهود في إحباط الملتقى وما صدر عنهم من بيان في إنكاره، وما صدر عن عدد من مشايخ المملكة من بيان في إنكاره أيضا وفضح بعض رموزه ليعد من الجهاد في سبيل الله، فجزى الله الجميع على ما قدموا خير الجزاء، وحفظ الله بلاد المسلمين من كيد الكائدين ومكر الماكرين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أملاه عبد الرحمن بن ناصر البراك
الأستاذ (سابقا) في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
30ربيع الآخر 1433
*****
مقالات وتحقيقات حول ملتقى النهضة
‘صناعة إخوانية بنسج ماسوني’.. باسل الجاسر واصفاً ملتقى النهضة
باسل الجاسر (جريدة الآن الكويتية3/4/2012)
ملتقى النهضة الذي كاد أن يعقد في الكويت قبل أسبوعين أو ثلاثة يعتبر الثالث بعد ان عقد الأول في السعودية والثاني في قطر، إلا أنه في الكويت ارتبك وانكشفت أهدافه الحقيقية بسبب الديموقراطية الكويتية وحرية الرأي فمنع قبيل انعقاده، وبالرغم من أن جمعية الخريجين تبنته بل أقامته رمزيا إلا أن المنظمين أعلنوا إلغاءه والالتزام بقوانين وأنظمة الكويت (وهذه جميلة بعنف كما سأبين لاحقا)، وانا شخصيا أعلنت اعتراضي على المنع من خلال حسابي في «تويتر» فجاءتني المعلومات عنه من كل فج عميق، وتُوجت في لقاء تلفزيون الوطن مع الكاتب مشعل النامي الذي تحدى المنظمين وجماعتهم من الإخوان المسلمين في الكويت وتكذيبه أو الرد عليه أو مناظرته منذ جرى الحديث عن ملتقى النهضة بنسخته الكويتية وهم يلزمون الصمت المطبق ولايزالون.
واليوم سأعرض لأبرز منظمي هذا الملتقى وهم: أكاديمية التغيير وهي مؤسسة يرأسها زوج بنت السيد القرضاوي وهو احد أبرز زعامات حركة الاخوان المسلمين العالمية، وهي تهتم بتعليم الناشئة (الشباب) فنونا غريبة عجيبة أهمها اقناعهم بأن نظام حكمهم نظام فاسد وتغييره واجب وطني وشرعي والله عز وجل يفرض تغييره؟! ومنها كيفية التغلب على أضرار الغاز المسيل للدموع، وكيفية اختلاق القصص والأكاذيب على الحكومات وفنون بثها لإثارة الجماهير وجعلهم يلتحقون بالثورات، ويعلمونهم فنون استخدام برامج وتقنيات الحاسوب لزيادة أعداد المتظاهرين لأبعد مدى لتحفيز الجماهير على المشاركة في المظاهرات، وإنتاج صور كاذبة عبر الفوتوشوب وغيره تدعم المظاهرات وتخطّئ الحكومات وقوى الأمن فيها وهذا لإحراج الدول أمام الرأي العام الدولي لأجل الضغط وإضعاف قدراتها وتحييد إمكانياتها.
هذا بعض قليل جدا مما تعلمه أكاديمية التغيير للشباب وهي المنظم الرئيسي لملتقى النهضة، ويساندها أيضا شباب أو جماعة صناع المستقبل ومؤسسها عمرو خالد الذي خرج علينا بميدان التحرير ابان الثورة المصرية فناشد شباب صناع المستقبل الحضور للميدان مرتدين زيا موحدا (يبدو أنه متفق عليه مسبقا) فنزل للميدان أكثر من 40 ألف شاب؟!
وملتقى النهضة الذي كان سينظم عندنا التبس على الكويتيين معارضين له أو مؤيدين: هل هو ندوات لمناقشة محاور فكرية تتطرق لقضايا حساسة أو ما شابه؟ والحقيقة أن هذا الملتقى لا علاقة له البتة بالندوات أو الجمهور فهو ملتقى يعنى بـ 120 شابا يتم اختيارهم بعناية ويستضيفونهم في إقامة دائمة 24/24 لمدة 3 أيام هي عمر الملتقى في ذات الفندق الذي يقام فيه الملتقى ويقتصر الحضور عليهم فقط وبعيدا عن الجمهور ووسائل الاعلام إلا القليل الذين هم يقومون بتصويره وتوزيعه على وسائل الإعلام، فيعرض الشباب لحلقات مكثفة من العلم الفاسد الذي تغرسه أكاديمية التغيير، المشار اليها آنفا، في عقول وقلوب الشباب من فنون الكذب والغش والتدليس ناهيك عن الحقد وكراهية نظم دولهم.
باختصار هذا الملتقى يستهدف شباب الدول المراد إحداث ثورات بها لذلك كان الأول في السعودية وهي هدف وغاية للاخوان ومطلب لإحداث ثورة بها، والثاني في قطر ولكن الشباب كانوا سعوديين، والثالث الذي كان سيعقد بالكويت، وأعتقد جازما انهم خلطة من شباب الكويت والسعودية، وكل هذا يحدث تحت غطاء الصحبة الصالحة وتعليمهم فنون ممارسة الحياة وفق الدين الإسلامي؟! وهنا يبرز سؤالان خطيران يستحقان الاجابة، الاول هو: كم عدد الشباب الكويتي الذي تعرض لمثل هذه العمليات لغسل عقولهم الصغيرة؟ خصوصا أن الاخوان يسيطرون على الكثير من المفاصل التعليمية من مدارس واتحادات طلابية وجمعيات خيرية، وينظمون الكثير من الرحلات سواء داخلية برا أو بحرا، أو رحلات سياحية وحتى للعمرة، والأهل يفرحون بمثل هذه الرحلات والصحبة الصالحة وتعليم الأبناء الدين والسنة والخير، والغافلون لهم الله، والثاني هو: إلى متى ستظل الدولة صامتة ولا تحرك ساكنا وخصوصا وزارة الأوقاف وأمن الدولة والمباحث الجنائية وغيرها من الأجهزة المعنية؟! أليس هذا تهديدا لشبابنا الذين هم ثروة الوطن الحقيقية، كما أن هذه الأمور ألا تتعلق بأمن هذه الدولة والوطن والشعب؟!
وفي الختام إليكم هذه المعلومة الخطيرة وهي أن عناصر من «الاخوان المسلمين» القيادية الكبرى أسسوا جماعة جديدة (على جنب) سموها «المتنورين»، وهي جماعة تحاكي وتنسق وتجد دعما وتنفذ مخططا رسمته الحركة الماسونية العالمية التي أسسها وتحالف معها جماعة أو تكتل لخمس عشرة عائلة يهودية منتشرة عبر العالم تسمى «المتنورين»، بعد أن سمحوا بل أعطوا وعدا لحركة الأخوان المسلمين العالمية بحكم العالم العربي، ما يعني أننا أمام ملتقى «النهضة» ذي صناعة أو بالأحرى ينفذ بأيد اخوانية ولكن بنسج وتخطيط ودعم ماسوني، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. فهل من مدكر؟
******
الربيع العربي وخريف الإسلام السياسي.. سلفيو قطر
حسن متعب (جريدة العالم العراقية)
(كثيرة هي التحليلات التي تناولت الربيع العربي الذي انطلق واقعيا وبشكل فطري من تونس ومازال مستمرا وممرحلا ليطال دولا عربية هنا وهناك.. إلا إن سؤالا واحدا مازال يبحث عن إجابة واضحة وهو: من المستفيد فعلا من عمليات تغيير الأنظمة التي توصف وهي حقيقة لا غبار عليها بأنها أنظمة دكتاتورية فاسدة مستبدة ؟..)
بعد انتهاء قمة منتدى المستقبل الاخيرة، تبنت قطر ما يسمى بـ(مشروع النهضة) الذي يقوده الدكتور الإخواني جاسم سلطان وتأكيدا لدورها المشارك في تحقيق الإستراتيجية الأميركية ولتهيئة أدوات مشروعها الجديد قامت بتأسيس ( أكاديمية التغيير) ووضعت لإدارتها طبيب الأطفال المصري –بريطاني الجنسية- هشام مرسى وهو صهر رجل الدين يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأكاديمية التغيير هذه التي مقرها في بريطانيا تهدف كما يشار إليها إلى (تحرير الشعوب من القيود، ومساعدتها على التغيير من خلال تدريب كوادر ومؤسسات المجتمع المدني والنشطاء على استراتيجيات ووسائل وسبل التغيير وتوفير الأدوات المؤدية لهذا الغرض) وأيضا لابد من التأكيد من أن الشعوب التي تحتاج إلى تحقيق كل ذلك هي شعوب الشرق الأوسط .. ولكن حقيقة هذه المؤسسة، التي تطبق حرفيا أفكار مشروع النهضة هو أن تكون أداة لإحداث الاضطرابات وافتعال الأزمات وإدارة الصراعات ومن اجل ذلك فقد افتتحت قطر مقرا لهذه الأكاديمية على أراضيها في العاصمة الدوحة، في نفس الوقت الذي تزايد نشاطها وتوسعت أقسامها لتشمل مجالات مثيرة ومستفزة، فمثلا هناك فريق يدير فرعا باسم (ثورة العقول) أو زلزال العقول كما تسميه الأكاديمية وهناك فريق متخصص بتدريب عناصر من مختلف البلدان المستهدفة على وسائل التغيير السياسي الممنهج، ثم هناك مجموعة الدعم الإستراتيجي إضافة إلى الغطاء المموه المعنون بتكنولوجيا اللاعنف.. وقد لعبت وتلعب هذه الأكاديمية دورا مهما في مجريات عملية التغيير الجارية وقائعها الآن.. فقد قامت بتدريب الشباب عبر منافذ التواصل الاجتماعي في الانترنيت واليوتيوب ووسائل الاتصال الأخرى وأصدرت سلسلة من الكتب تتعلق كلها بكيفية التعامل مع قوى النظام وأفكارا للثورة وأساليب إنهاك قوى الأمن والسلطة والتعامل مع العنف وتجنب الغازات المسيلة للدموع والتحفيز على مواضيع العصيان المدني.. وشارك مدير الأكاديمية الدكتور هشام مرسي وهو احد قادة الإخوان المسلمين شخصيا في تظاهرات مصر التي أدت إلى عزل الرئيس مبارك وقد اعتقلته السلطات المصرية في نهاية كانون الأول ثم أطلقت سراحه نتيجة الضغوطات البريطانية المتواصلة باعتباره مواطنا بريطانيا.. وكان مرسي ومساعداه في فريق تأسيس الأكاديمية وهما (وائل عادل) و(احمد عبد الكريم) قد نجحوا عام 2006 للتحشيد إلى إضراب أكثر من عشرين ألف عامل في شركات النسيج المصرية، الأمر الذي أدى إلى أن تبرز أكاديمية التغيير كقوة مؤثرة في واقع الأحداث، خصوصا في مصر حيث النشاط المتسارع والقوي لحركة الإخوان المسلمين والحركات السلفية الأخرى المساندة لها، مما دعا شباب كثيرين من مصر إلى التواصل مع الأكاديمية ومشروعاتها في التدريب والتهيئة عبر مواقع الفيسبوك، كما قام فرع الأكاديمية في الدوحة الذي افتتح عام 2009 بفتح دورات تدريبية للراغبين على تعلم وسائل العصيان المدني والمقاومة السلمية الهادفة إلى التغيير، ومما تجدر الإشارة إليه أن فرع الدوحة، لم يقم بتدريب أي شاب قطري، واغلب المتدربين هم من عناصر الإخوان أو المساندين لهم في بلدان مختلفة.. والى جانب الأكاديمية تقف قناة الجزيرة في العمل كأدوات قطرية لتنفيذ الإستراتيجية الأميركية في المنطقة؟.. وفي التصريح المثير لأحد مسئولي القناة الفضائية ( لولا الله والجزيرة لما نجحت ثورة مصر) تأكيد واضح على الدور الفعال والمؤثر والموجه لسير الأحداث في مصر، وكذلك لعبت الجزيرة دورا مماثلا في تأجيج الأوضاع في سوريا مما دفع بمؤيدي النظام إلى التظاهر أمام مكتبها ثم استقال مدير مكتبها هناك وأخيرا منع مراسلوها من تغطية الأحداث في سوريا، وكانت السلطات المصرية قد اقتحمت مكتب الجزيرة وصادرت ممتلكاته احتجاجا على دورها العابث بأمن البلاد كما كان قد أعلن حينها.. ثم يتقدم كل هذه الوسائل، المال والمكر والدبلوماسية القطرية التي تقف صراحة مع قوى التغيير، بل وتقدم المعونات اللازمة وحسب مقتضيات الحال، ففي ليبيا مثلا قدمت كما ذكرنا عونا لوجستيا وماديا وعسكريا إلى الثوار، في حين سرب موقع ويكليكس وثائق تفيد بتورط الحكومة القطرية بإشعال التوترات والعنف في مصر فيما صرح الأمير حمد علانية من أن الشعب السوري لن يتوقف عن المطالبة بحقوقه، وكأنه الناطق الرسمي باسم المعارضة السورية، وقد أشادت حكومات غربية بمواقف قطر في الأزمة الليبية واعتبرت جريدة اللوموند الفرنسية أن لقطر دورا عسكريا مفصليا حاسما.. فيما ذهبت مراكز أبحاث سياسية تحاول استكشاف الأسباب التي تدفع بقطر إلى المغامرة والى كسب الأعداء خصوصا الحكام العرب نتيجة تبنيها سياسة التغيير المكشوفة.. إضافة إلى ما يمكن أن يتبادر إلى أذهان الجميع وهو: هل قطر بعيدة عن رياح التغيير ذاتها؟.. وهل قطر تعيش أوضاعا ديمقراطية، وتسود تعاملاتها العدالة الاجتماعية والرفاه والكرامة الإنسانية؟.. ومن المؤكد أن قطر حالها حال إمارات الخليج، تعيش الرفاهية كاملة بسبب الفائض النقدي والإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي لا تتناسب لا مع حجم السكان ولا مع نوع العقول والإرادات المتوفرة، ولهذا السبب فإنها حال جيرانها سوف لن تتأثر قريبا برياح التغيير، رغم أن نظامها العشائري التقليدي سلفي الفكر والعقيدة ومشدودا إلى أوهام الماضي، وهي ترفل بالأمان الآن لأنها تعيش تحت الحماية الأميركية فهي تحتضن أكبر القواعد الأميركية في المنطقة وكذلك مقر قيادة القوات الأميركية أيضا، وتطمح إلى أن تحظى دائما بالرعاية الغربية لدفعها إلى أمام لتكون لاعبا ليس إقليميا بل دوليا، وليس أدل على ذلك من ما قدمته قطر من أموال لإنقاذ اليونان من أزمتها المالية الأخيرة، وهي أيضا أول من أعلن اعترافه بالمجلس الانتقالي الليبي، ثم رعايتها لمؤتمر إعادة اعمار ليبيا ودعوتها لتخصيص الأموال التي تصل إلى خمسة مليارات دولار لذلك الهدف، ولكنها في كل الأحوال تعيش كما جيرانها أيضا على بركان كامن وهادىء، وسوف يأتي اليوم الذي يثور فيه ذلك البركان حين تصل الفجوة بين التخلف الذي هم فيه والتقدم والحداثة التي تعيشها المجتمعات عموما إلى نقطة لا يمكن تحقيق التوازن فيها، ولعل مجاورتها لدولة الإمارات العربية المتحدة وغيرة قادة قطر من النجاحات التي حققتها دبي هي احد أهم العوامل الخفية التي تتعلق بسيكولوجية أمير قطر ورغبته في أن يكون هو الراعي لمتغيرات المنطقة.
*****************
ماذا يريد سلمان العودة؟
د.مطلق سعود المطيري (جريدة الرياض 9 أبريل 2012)
بداية أنا لست ضد الشيخ الدكتور سلمان العودة كإنسان ينتمي لهذه الأرض الطاهرة وينتسب لهذا المجتمع الطيب ، ولكن أنا ضد سلمان العودة كتوجه تجسد مؤخراً في عدة مستويات جميعها تنذر بأننا أمام مشروع متكامل البناء ، آخذ في البروز شيئاً فشيئاً ، أحد صور هذا المشروع مؤتمر النهضة الذي كان مقرراً عقده في الكويت الشهر الفائت ، ومُنع لأسباب واضحة ومعلنة ، وكان أهم أسباب المنع هو ضرب الوحدة الوطنية هناك وقدمت الأدلة على ذلك ، ويكفي لمنع هذا المؤتمر علاقته المباشرة بأكاديمية التغيير صاحبة الامتياز في تنفيذ أجندة استخبارات دولة أجنبية في الخليج ، وكان ولا يزال على قائمة أولويات تلك الدولة الأجنبية إحداث الفوضى في المملكة ، وحتى يتحقق لها ذلك سعت لاستقطاب بعض أبناء المملكة وكان منهم من رغب وهم قليل “اثنان” فقط أخذوا العطاء بعلم ،وقبلوا الدور ربما بدون علم ! ، ورفضت الأغلبية بكل شرف ووطنية أن تستخدم كأيادٍ تشعل الفتنة في بلدها .
إحدى الاستراتيجيات الخبيثة المعدة لإحداث الفوضى في المملكة هو استخدام من يتطوع من أبناء المملكة المولعين بالنجومية وتقديمهم كأبطال للمرحلة القادمة ، ويتم ذلك من خلال زجهم في طريق المشاغبة مع مؤسسات الدولة ، حتى يتم اتخاذ إجراء ضدهم ، وتفضل تلك الدولة الأجنبية أن يكون الإجراء سجناً ، وعندها يتحول هذا الألعوبة أمام جمهوره ضحية “الحرية والتغيير” وهذا هو المطلوب من هذا المتبرع فقط ، وبعدها ينتهي دوره ويأتي دور مؤسسات أجنبية لتكمل المشهد ، علما بأن اختيار المتبرعين السعوديين يكون بحذر شديد ومبني على مواقف سابقة لهذا المتبرع ،وما ذكر هنا ليس افتراء على أجنبية الدولة أو الدولة الأجنبية ولكنه برنامج متكامل ومنشور هذه أولى خطواته ، ومثل ما أن هذا البرنامج حقيقي ، فإن وعي مشايخنا ودعاتنا أكبر من أن يسقطوا في مثل هذا الشرك الدنيء ، وعلى رأسهم شيخنا الجليل سلمان العودة الذي أعتقد بأن استيعاب عقله أكبر من هذه الحيل الأجنبية الماكرة ، وبلدنا لم يخلُ من الحكماء الذين يستطيعون أن ينقذوا بلدنا من السقوط في حبائل أعدائه .
لا يختلف جمهور الشيخ العودة في الطيب عن شيخه ، فكلاهما يمتلك من الطيب وحسن النية الشيء الكثير ، فعندما زار الشيخ ليبيا قبل سقوط القذافي وامتدح نظامه وأبناءه ، وقبل هداياه –ديننا يحث على قبول الهدايا وتبادلها- ، فكان منه ذلك بحسن نية ، وكذلك كان موقف جمهوره منه في هذه القصة يتأطر بحسن نية ، وتجاوز بشيخه هذه المرحلة المحرجة في تاريخه ، ولم يلتفت لما دار بعدها من حديث ، شعب طيب يستحق دعوات الشيخ الطيبة ، فإن كان الشيخ مدح نظام القذافي بحسن نية فقد قبل هديته بحسن نية أيضا ، ولهذا كان جديرا بمساندة أصحاب النوايا السليمة له .
فمثل ما رأى جمهور الشيخ مواقفه السابقة بنوايا سليمة ، نتمنى أن نعرف من هذا الجمهور العزيز مصدر نواياه السليمة في علاقة شيخهم بأكاديمية التغيير ، ولعلنا بعدها نعرف ماذا يريد هذا الشيخ الجليل والله من وراء القصد .
*******
لماذا «ملتقى النهضة»؟
سليمان الهتلان (صحيفة الشرق 24 /3/2012)
استغربت من إلغاء ملتقى النهضة في الكويت قبل يومين. ومصدر الاستغراب أنني ظننت أن عقلية المنع والإلغاء – خصوصاً في دولة مثل الكويت – قد ولت منذ سنوات. وحينما كتبت على تويتر «يمنع الكتاب فيزيد انتشاره، يلغى ملتقى فيسمع به القاصي والداني» فإني فعلاً أعنيها حقيقة من حقائق يومنا. ليعذرني منظمو الملتقى، فلولا منع ملتقاهم في الكويت لما أخذ كل هذه الضجة. أنا واحد ممن لم يسمع بالملتقى إلا بعد الإلغاء. ومن قال إن المنع و الإلغاء سيحاصران الرأي المختلف في زمن تستطيع أن تؤسس فيه مؤسستك الإعلامية وأنت جالس في بيتك؟ المسألة هنا مسألة «مبدأ» الإلغاء نفسه، كيف يمكن لمثقف أو داعية أن يبرره؟ وصلتني تعليقات كثيرة من بعض مؤيدي الإلغاء تتهم الملتقى بأنه مجرد منبر «إخواني» يخفي أجندات سياسية معارضة. وحينما استعرضت بعض الأسماء المشاركة و التي أعرفها شخصياَ تساءلت: معقولة؟ كل هؤلاء من «الإخوان» وأنا لا أعرف؟ هل خالد الدخيل وتوفيق السيف وشفيق الغبرا وغانم النجار في قائمة «الإخوان»؟ لا أملك سوى السخرية من هكذا تبرير. أعود للمبدأ نفسه، ففكرة الإلغاء لم تعد تجدي في مثل هذه المرحلة بل إنها قد تكون سبباً جديداً في إشعال فتيل الفرقة والتوتر بين تيارات المجتمع الواحد. ماذا كان سيضير لو عقد الملتقى واجتمع هؤلاء المثقفون في مكان واحد لمناقشة قضايا حقوقية و فكرية هي أصلاً تناقش يومياً في كثير من فعالياتنا ووسائلنا الإعلامية؟ من المعيب أن يمارس الإقصاء ضد الأفكار والآراء لمجرد تصفية حسابات قديمة بين تيارات أريد لها أن تبقى متصارعة. تلك ممارسة علينا –في الوسط الثقافي – أن نرفضها بغض النظر عمن يمارسها، «ليبرالياً» كان أم «إسلامياً». أما الذين يصرون على «المنع» و»الإلغاء» فهم حتماً ما زالوا يعيشون في الأمس.
إن اليوم «حقيقة» مختلفة!
***********
سر معركة ملتقى النهضة
محمد العصيمي (صحيفة اليوم 24/3/2012)
ليسمح لنا أصحاب الرأي الآخر المعارض لإقامة ملتقى النهضة في الكويت بإبداء رأينا المؤيد لإقامته، فما قامت أمة ولا تقدمت بدون تعارض الآراء وتبادلها وقبولها على محمل حسن النية من الجميع. لقد دارت خلال الأيام الماضية رحى معركة شرسة تريد أن تمنع تنظيم هذا الملتقى وانبرى عدد من الناس للاصطفاف ضده بمبررات لا تخلو من ضعف وسوء فهم لموضوعاته وأهدافه.
كان من بين هذه المبررات أنه يجمع مشاركين من مشارب مختلفة دينيا ومذهبيا وفكريا وأنه يخلط في الحضور بين الرجال والنساء.
وقد أضيف إلى ذلك كله الأسف لكون بعض المشايخ يشاركون فيه. ولكي لا نذهب في تفسيراتنا أبعد مما يجب فإن ما نعرفه أن المملكة ذاتها تتبنى حوار الأديان وهي سعت إليه سعيا حثيثا وسجلت على طريق هذا الحوار، المهم والمتقدم، حضورا دوليا رفيعا كسب احترام وتقدير كل فرقاء الأديان.
وملتقى النهضة ليس ببعيد عن هذا التوجه السعودي المعروف والمرموق، بل إن ما هو لصالح هذا الملتقى أنه يجمع أبناء وبنات منطقة واحدة، تدين بإسلامها وتعتز به وإن اختلفت توجهاتها ومشاربها. ثم إن استضافة كتاب ومفكرين من أديان وجنسيات أخرى ليس اختراعا للعجلة، فلطالما حضر هؤلاء مناسبات عديدة ومنها مناسبات إسلامية صرفة ليبدوا آراءهم ويستمعوا لآراء نظرائهم من أهل الإسلام، فما الجديد إذا في ملتقى النهضة حتى تثار ضده كل هذه المواقف.؟
أما مسألة اختلاط الرجال بالنساء في هذا الملتقى فهي مسألة لا أظن أنها تستحق التعليق بعد أن أكل الدهر عليها وشرب. الرجال يختلطون بالنساء في كل مكان ولم يبتدع ملتقى النهضة هذه البدعة ليعاقب عليها. وبالتالي فإن هناك شيئا آخر لا نعلمه وراء أكمة ملتقى النهضة. ليس الأمر أمر اختلاف مشارب واختلاط ولا أستطيع شخصيا تصديق هذه المبررات. ابحثوا عن مبررات أخرى أكثر معقولية!!.
ملتقى النهضة وثارات المؤدلجين !
عبدالله الملحم (صحيفة اليوم 24/3/2012)
المتابع لمخاضات الاحتراب الفكري حول ملتقى النهضة الشبابي الثالث المتطاير شررها على صفحات تويتر والفيسبوك واليوتيوب، يشعر كما لو كان وسط حرب استنزاف حقيقية، تستهدف المحافظة على الكينونة في حرب فناء أو بقاء، وأن ثمة ميراث هائل يمثله ذلك الملتقى المتسم بقوة تقويضية وتغييرية لا محدودة، وبالتالي لابد من الحفاظ عليها قبل أن يعبث بها الآخرون، قطعا ليس سبب الصراع كون الملتقى ينعقد في الكويت في الفترة من 23 – 26 / 3 / 2012 م.
من مآخذ الناقمين على منظمي الملتقى كونه مختلطا يجمع فتية وفتيات تحت سقف واحد، وإذ كنت احترم رأي من قاده اجتهاده لتحريم الاختلاط، إلا أن اجتهاده لا يلغي اجتهاد غيره ممن يقول بجوازه في مثل تلك البيئة الثقافية الجادة، ومن مآخذهم أيضا ائتلاف الملتقين وفيهم الليبرالي، والإسلامي، والشيعي، وكأن الأصل ألا يلتقي هؤلاء إلا على خصام وصدام وليس على حوار ومثاقفة، ناسين أو متناسين أن خادم الحرمين الشريفين هو أول من جمع النخب السعودية من مختلف الطيف الثقافي على طاولة الحوار الوطني وفيهم السني والشيعي والليبرالي !.
من يصغي للغة التأزيم المتشنجة التي ناقش بها الناقمون مخالفيهم يحسب أن مفاتيح العمل الإسلامي كلها قد أودعت هذا الملتقى، وأن ثمة احتكارا ووصاية على تسييرها من هذا الملتقى لا غير، وبالتالي ستفوت كل الفرص الممكنة واللاممكنة على التيارات الإسلامية الأخرى، حتى لقد تراءى لي أن الملتقى سيعلن وينجح في عقد مصالحة بين فتح وحماس، وعلى الهامش ستتم مصالحة ضاحي خلفان بالإخوان والقرضاوي والسويدان تمهيدا لتسمية هذه السنة بعام الصلح !.
بل لم أستبعد أن الملتقى وحده القادر على حل مشاكل البطالة والإسكان في العالم العربي وحل مشكلة العنوسة، إضافة إلى قدرته على فرض وحدة عقدية واحدة بين السنة والشيعة واعتقال كل من يخالف القرار من الطائفتين، وما لم يخرج أي فيتو من الليبراليين أو الإسلاميين أو الشيعة المشاركين فإن الأمم المتحدة والدول العظمى مضطرون لتنفيذ كل مقرراته… وكلام كثير قد يقال لكن واقع الحال أن الملتقى لو تكلم لقال لخصومه ومؤيديه: قد ترجون وتتوقعون مني الكثير لكني بلا شفتين لأنفخ ولست شريم أصلا.. لذا دعوني أحلم !
****************
ملتقى النهضة… لماذا كل هذا الصخب؟
خالد حسن (مجلة العصر 21/3/2012)
إلى الآن لم أفهم وجه الاعتراض على ملتقى النهضة الشبابي في الكويت، ويشارك فيه باحثون يناقشون مع الحضور ويتحاورون في قضايا النهضة وتطور المجتمعات الخليجية.
وكأنما اهتزت الأرض من تحت أقدام المنظمين والمشاركين في الملتقى، ضجيج وتهم جزافية ومخاوف وتحذيرات، لماذا كل هذا الصخب؟ مشكلتنا مع المحاورة والمناظرة أم التصنيفات والتقسيمات المخالفة أم الخوف على التحصينات والحواجز من أن تُخترق لمنع التأثير في العقول والقناعات؟
الانفتاح موقف وقناعة وشجاعة واستقلالية، تقول القول فآخذ منه وأرد، بلا وصاية ولا أغلال ولا هواجس ولا مخاوف، وهل بإمكان واحد منا اليوم أن يمنع غيره من الاستماع أو الاطلاع على طرح أو فكرة، ولماذا نحظر على عقولنا ما لم يُحظر علينا، والممنوع مرغوب، فلعل هذه الضجة الكبرى ستحقق للملتقى من الاهتمام والمتابعة ما يفوق توقعات القائمين عليه.
ومن خاف على عقله فليعتزل هذه المجالس والملتقيات، وحق المشارك كحق المقاطع، وليست هذه قضيتنا في زمن تنامي الوعي واسترداد حق الأمة في الولاية، فهي صاحبة الحق والسلطة في الولاية والعزل، فلا يتولى أحد أمرها إلا برضاها، وهذا من واجبات الوقت نفني فيه أعمارنا. وما ننكب عليه اليوم، أن نتلمس طريقنا نحو التخفف من رأي الفرد وحكم الفرد وقرار الفرد ودولة الفرد.
والذي يحيرني إلى الآن، لماذا مع كل إشراقة فجر وطلوع شمس نصنع لنا ملهاة أو مشكلة نضيع فيها أوقاتنا وننقص بها عقولنا ونشق بها قلوب الآخرين ونمتحنهم في توجهاتهم ونشكك في نواياهم.
“نخشى على شبابنا وفتياتنا في هذا الملتقى من الانحراف الفكري والتدليس عليهم والتلبيس على عقولهم”، كل هذه النعوت والأوصاف تطارد ملتقى يضمن قدرا من التنوع الفكري، وإذا كان الأمر بهذه الحالة، فالتماثل أرحم لنا وأضمن لسلامة عقولنا! ما أفسد العقول والطباع والأذواق إلا الاستبداد وحمل الناس على رأي أحادي ونظرة ضيقة، وهل يتغلب الخمول ويقل النظر وينقص العقل والوعي إلا من التماثل والتطابق والاستنساخ؟!
الشعوب تقلب الموازين في بلدانها وتقرر مصيرها بإرادتها، ونأتي إلى مؤتمر شبابي يتدارس قضايا النهضة وهمومها وأعباءها وأفكارها، لننسفه من أساسه، بدعوى حماية الشباب من الانحراف الفكري؟ هل سيغير العقائد ويوحد الأديان ويزين الباطل ويطمس الحق وينتصر للضلالات ويخذل الشرائع؟ أكل هذا سيسوق له ملتقى النهضة؟ وهل يرضى المشرفون على هذا الملتقى، وفيهم أخيار، بهذه الشرور المزعومة؟
ما كان من خطأ في هذا الملتقى وفي غيره يُصحح وينبه إليه وما كان من صواب يبنى عليه ويُثمن، وانتهت قصة الملتقى على هذا بسلام، فلا طعن ولا نسف ولا تخوين.
**************
ملتقى النهضة الثالث.. المشرف يغرّد غربا
يزيد بن محمد (صحيفة الوطن 3/4/2012)
(همي أن أكشف أبعاد المؤامرة على المرأة المسلمة.. إن القضية أكبر من دعوة لقيادة المرأة السيارة)، من يصدق أن قائل هذه العبارة هو نفسه من وجه الدعوة لأشهر ناشطة تدعو لقيادة المرأة لحضور مؤتمر النهضة الثالث تحت إشرافه.
تغير المشرف تماماً بعد عقدين، وأصبح من شنف آذاننا داعيا لعصيان الدولة لأنها تتعامل مع الغرب، يقود تياراً يغازله، ولسان حاله يقول: ها أنا هُنا أصلح كبديل معتدل ومقبول من جميع الأطياف، قرأ الاستراتيجية الغربية التي تعمل على صناعة إسلاميين جدد وشريعة مُقلمة منذ بداية الألفية، وتأييدهم للتغيير في الشرق الأوسط (راند 2007،معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى)، فركب الموجة كعادته، لا يهمه الآن أنه حشد الجماهير قبل عقدين ضد الدولة وكاد يحدث فتنة لأنه يدعي أن الخطر العلماني يهدد دولة الإسلام.. بعد عشرين عاما، أصبح الخطر فكرا.
هل قرأ المشرف ما قاله ستيفان لاكروا المفكر الفرنسي: (إن الحل في السعودية قيام دولة value modern أي دوله لا دينية بل قيمية)، أو كلامه عن الليبرو إسلاميين كتيار جديد في السعودية قبل أن يدعوه إلى الملتقى هل قرأ كلام مدير الملتقى عن خطأ الاعتقاد بأن الدولة لا بد أن تحمي العقيدة، هل قرأ مقولة أحد المشاركين المدعوين إلى الملتقى إن العلمانية هي الحل في السعودية. مؤكد أنه قرأ ويعرف كل هذا، ومؤكد أنه لن يرد وسيراوغ كعادته. أين رأيه في عدم جدوى العرائض الجماعية الذي وقع بعده على اثنتين.
لا جديد في تقلباته ولكنه الآن يخاف أن يفوته القطار، هو في حُرقة ليبدأ دوره متحالفاً مع من وصفهم في الجامع الكبير في بريدة قبل عقدين بأنهم المرجفون في المدينة. فهل “تعلمن” المشرف أم آمن المرجفون. كل ما يريده من هذا الملتقى أن يراه الغرب صالحاً للمرحلة. وأن يحارب الإسلام التقليدي. يا أيها المشرف نريد أن نقول لك: (لسنا أغبياء بدرجة كافية)، أليس هذا عنوان شريطك “الكاسيت” في الأيام التي تريد نسيانها.. هذه بضاعتك رُدت إليك.
***************
من وحي ملتقى النهضة !
نايف السلمي (مفازة 27 مارس 2012)
لم أكن يوماً أحد المشاركين في ملتقى النهضة في أي من نسخه الثلاث الماضية, إلا أنني – ككثيرين غيري – كنتُ من المتابعين له و للأصداء التي تعقبه. و كالعادة في مشهدنا المحلي فقد حضر هذا الملتقى كمادة نقاش و جدل و ربما تحزب بين أطياف مختلفة, أي أنه وقف في ذالك الطابور المعروف محلياً من الفعاليات و النقاشات التي تحول الموقف منها إلى ( سؤال محدد لتصنيفك ! ) و التعصب فيها ( دلالةً على صدق إتباعك و التزامك ! ).
بداية أتصور أن الملتقى قد انتقل نقلتين مهمتين على مستويين اثنين :
النقلة الأولى كانت على المستوى الجغرافي : فمن نسخته الأولى إلى الثالثة يمكن القول أن ( خليجية ) الملتقى قد ازدادت على حساب ( محليته ) وذالك على مستوى الشباب المشارك و الاهتمام العام.
وكم يبدو هذا مهماً و ربما فاعلاً في خلق (مجتمع مدني خليجي) أو ( كتلة شبابية خليجية فاعلة) تضغط على حالة التباطأِ الرسمي الرهيبة في انجاز اتحاد خليجي منتظر منذ ثلاثين عاماً. كما أن هذا التداعي الخليجي إلى الملتقى(مشاركةً و اهتماماً) و التجاوب الشبابي الواسع تدل على تشابه قائم و حقيقي بين المجتمعات الخليجية و بالذات على مستوى(بنيتها و أولوياتها) الأمر الذي قد يؤدي إلى مسيرة متناغمة و متعاضدة بين المجتمعات الخليجية على ترقيها في استحقاقات من نوع ( مدنية المجتمعات و التحول الديمقراطي فيها).
أما النقلة الثانية ( و هي مربط الفرس ) فقد كانت على مستوى التنوع ( الاجتماعي و الفكري ) : حيث أنه على مستوى المتحدثين بالذات انتقل الملتقى من ( إسلامي إصلاحي ) في نسخته الأولى ( تحدث هناك بشكل أساس سلمان العودة, محمد الأحمري, نواف القديمي … ) إلى تنوع ملحوظ و ربما استثنائي في نسختيه التاليتين حيث تحدث – أو هكذا كان مفترضاً – : عزمي بشارة, توفيق السيف, خالد الدخيل, هالة الدوسري و غيرهم.
وحول هذا التنوع يمكن تسجيل الملاحظتين التاليتين :
الأولى : يبدو أن هناك مسلمة كبيرة لدى القائمين على الملتقى و هي أن الإسلام لا يخشى فضاء الحرية, بل قد يكون الإسلام و المسلمون هم المستفيد الأول منه. و كم كان واضحاً حضور موضوع ( الحرية ) في أحاديث شيخ الملتقى سلمان العودة و بالذات تلك التي صاحبت و أعقبت الربيع العربي.
الثانية : أن إدارة الملتقى ترى في هذا التنوع انعكاساً و استجابة لتنوع موجود في الواقع, هذا التنوع منع أن يتحول الملتقى إلى مناسبة للتلقين التقليدي المشهودة في الثمانينيات و التسعينيات حيث الشيخ و حوله مريدوه يستمعون إلى المحاضرة. هذا التنوع في المجتمعات هو معطى طبيعي يمكن التعايش معه بل و التعويل عليه في إنتاج حالة من الحوار و الجدل تصقل به الأفكار و يتراكم الوعي و تقوى المجتمعات و الأوطان ( في دولة العدو الصهيوني مثلاً يتجادل و يتنافس الصهاينة في عداوة العرب و التنكيل بهم ).
و بهذا يمكن القول أن الملتقى حاول أن يكون ( مجتمعاً خليجياً مصغراً ) يتم فيه التخلص من الروابط الوشائجية الأولية ( قبلية, طائفية, جهوية … ) و التحول إلى مجتمع المواطنين الأحرار الذين يختارون انتماءاتهم ( الفرعية طبعاً ) قناعةً و حرية و هو ما يعني أهليتهم لبناء علاقاتهم التعاقدية و بالتالي ظهور مجتمع الحقوق المدنية و السياسية.
هذا التصور ( الخالِق لهذا التنوع ) هو في تصوري النقطة الأكثر سخونةً لدى المعترضين على إقامة الملتقى, فبإطلالة على بعض تعليقاتهم حول الملتقى يتضح أن رفضهم لمشاركة أشخاص بعينهم قد طغى بشكل كبير على رفضهم لمادة النقاش و محاوره ( فكرة المجتمع المدني مثلاً ). أي أنهم اتخذوا من رفض الأشخاص المتحدثين بوابةً لرفض أفكار الملتقى, و إلا لو رفضوا هذه الأفكار و الأطروحات ذاتها مع الإقرار بحق ( التعبير و الرأي للآخر ) لوصلوا بأنفسهم إلى الموقف الذي عبر عنه النائب الكويتي جمعان الحربش حيث ( رفض بعض أفكار المتحدثين في الملتقى و رفض منع السلطة للملتقى ). و هنا تحديداً نلحظ أنه قد عُمّد إلى التقاط بعض تغريدات و أحاديث بعض المشاركين في الملتقى و عرضها على الرأي العام تهويلاً منها و لاشك أن هذه الممارسة ليست أبداً ( نقاش مع الآخر ) بل تحريض عليه لتحييده و حصره و تحويله إلى كم بشري منزوع الوجود المدني و الفكري و السياسي.
إذن فهذه نازلة أخرى في مشهدنا المحلي ( معرض الكتاب, ملتقى النهضة ….. ) ميزها عن سابقاتها حدتها و تصديرها إلى الجوار الخليجي. نفس السيناريو, نفس الوجوه, نفس الأراء, نفس الرموز و نفس المواقف. و كأن الرفض و الرفض المقابل يتحولان إلى ( آيدلوجيا ساكنة و صلبة ) تمنح الإجابات و تحدد المواقف سلفاً. و لهذا أعتقد أننا بحاجة هنا إلى بعض المسلمات الفلسفية الأولى التي دُشنت بها عصور الفلسفة الحديثة و بالذات تلك التي تتعلق بالوجود الموضوعي ( لا الذاتي ) و المستقل ( لا التابع ) للحقيقة, و أن هذه الحقيقة متاحة ممكنة و متاحة للجميع كلٌ بحسب اجتهاده و نزاهته.
ثمة كرتان هنا, كل واحد منهما في ملعب :
الكرة الأولى في ملعب ( الرافضين لإقامة الملتقى ) : و هي أن استدعاء السلطة بهذا الشكل ليس ذكاءاً و لا حكمة أبداً, فطالما اكتوى بنار السلطة من كوى الناس بها ( أهل الحديث و المعتزلة في العصر العباسي ). كما أن هذا التجييش ضد الملتقى هو تدعيم لحالة الهيمنة الثقافية ( كما وصفها انطونيو غرامشي ) حيث تكون الثقافة أداةً لتكريس وضع قائم من خلال مراكز متعددة لهذه الثقافة ( المدرسة, الصحيفة المطبوعة, الإعلام, المؤسسة الدينية / الخطاب الديني ….. ) بدل أن تكون في وظيفتها الطبيعية أعني حماية الوعي العام من التزييف و الرأي العام من التهميش و الإقصاء. و إذا كان هذا الطيف يرى في رفضه للملتقى تعبيراً عن إرادته الخير بالمجتمع فإننا نستغرب من غياب صولته الباسلة عن الإعتراض على فعاليات من نوع ( مزاين الابل و شاعر المليون ) التي يعرف الجميع كم نبشت عن قبلية و أثارت من شرور !
أما الكرة الثانية فهي في ملعب ( القائمين على الملتقى و المؤيدين له ) : و هي أن توجيه الدعوة في النسخ المقبلة لرموز رفض الملتقى سيكون أمراً هاماً و مؤثراً. و بالرغم من القدر الكبير لتوقع استحالة التجاوب لمثل هذه الدعوة إلا أنها ستدل على قدر كبير من انسجام الملتقى مع مبادئه و قيمه, إنها الإثبات على وجوده كمنصة مجتمعية لحوار حقيقي حر و شفاف.
الملتقى كويتياً :
قبل عدة أعوام على إحدى الفضائيات كان أحد النواب الكويتيين يقول كلاماً معناه: (إنني في الكويت استطيع انتقاد رئيس الحكومة و أكبر وزير في الحكومة … و اذهب لأنام في بيتي آمناً مطمئناً ).
بالرغم من كثير من النقد الذي قد يوجه للديمقراطية الكويتية المنقوصة ( صلاحيات الديوان الأميري في التعيين و حل البرلمان و تعطيل الحياة الدستورية ) إلا أنها تلفت الانتباه بالنسبة لما حولها من واقع عربي. و لاشك أن الملتقى كان محظوظاً بكون الكويت مكاناً لاختيار النسخة الثالثة منه و زماناً حيث كشفت الانتخابات الأخيرة و ما سبقها عن تصاعد حراك شعبي و نيابي يميل إلى معارضة سياسات الحكومة و مواجهتها و تصاعداً لحملات المحافظة على الدستور و تفعيله في الحياة السياسية الكويتية بقيادة نواب كبار كأحمد السعدون و مسلم البراك و غيرهم.
الدستور في الكويت ( الكافل للحريات ) هو الذي أنفذَ إرادة جمعية ( أو نادي ) الخريجين الكويتيين في إقامة نسخة معدلة من الملتقى ( ملتقى المجتمع المدني ). هذه الإرادة الكويتية لم تكن لحماية ملتقى النهضة فقط بل كانت لحماية قيمة كفلها الدستور الكويتي على أراضي الدولة الكويتية. إذن هو الدستور حيث يستطيع به المواطن و المجتمع تحديد ما هو الشرعي و غير الشرعي من سلوك السلطة تجاه الحيزين العام و الخاص, بل و متابعتها و محاسبتها. هذا العقد ( الدستور ) يجعل الدولة محتكر القوة الوحيد في حيزها لكنه في الوقت عينه قيد على سلطة هذه الدولة تجاه مواطنيها, بل إن الدولة بموجب هذا العقد ليست إلا فرعاً أو شكلاً لاجتماع المواطنين الأحرار و تجلٍ لوجود الأمة السياسي و ضامنة للحريات و العدالة.
إلا أنه ثمة علامة استفهام كبيرة حول موقف بعض النواب الذين سعوا لمنع إقامة الملتقى, حول انسجامهم مع المبادئ التي أوصلتهم ( بالانتخاب ) نواباً في قاعة عبدالله السالم. فالأمة الحرة و المواطنون الأحرار هم الذين يختارون نائباً ممثلاً لهم في الشأن العام و دور هذا النائب الأول هو أن يقوم بحماية حريتهم و حقهم في الاختيار, فما معنى أن يسعى هذا النائب اليوم إلى مصادرة حرية الناس, هل الديمقراطية تتحول لديه إلى مجرد وسيلة لكسب صراعات مع الخصوم و في حال عدم وفاء هذه الوسيلة بذاك الغرض فلا مانع أبداً من التحول عنها إلى غيرها ؟!
إن أي تقدم و صعود في الديمقراطية الكويتية سيكون ايجابياً لباقي الخليج, كما أن أي تراجع و انتكاس هناك سيكون سيئاً !
************
ملتقى النهضة … العلمانية في عمامة الفقيه
أحمد بن عبدالعزيز القايدي (مركز التأصيل للدراسات والبحوث 24/3/2012)
يتفق أكثر النخب في بلداننا الاسلامية على أن واقع امتنا منذ سنوات الخلافة الأخيرة في حالة تراجع متتالية جعلتها في القوائم الأخيرة على لائحة الأمم، ولأن هذا الواقع مؤلم فقد قدم الكثير من الأشخاص والمؤسسات مشروعاتهم ومقترحاتهم التي تقود إلى النهضة:
قدم الليبرالي مشروعا أساسه عزل الإسلام عن الحياة وأحيانا محاربته.
قدم الشيوعي مشروعا أساسه الإلحاد ومحاربة الإسلام.
قدم القومي مشروعا أساسه استبدال العروبة بالإسلام، ومحاربته بها أيضا.
قدم التنويري مشروعا أساسه تغليف العلمانية بالإسلام و تقديمها بثوب جديد
قدم الإسلامي مشروعا أساسه ومنتهاه الالتزام بالإسلام، وتحكيم الشريعة.
هذه باختصار شديد أساسات مشروعات النهضة المطروحة والتي طرحت في عالمنا العربي،
ملتقى النهضة
الملتقى يقام منذ ثلاث سنوات في دول الخليج أقيمت منه نسختان: في البحرين كانت الأولى وفي قطر كانت الثانية، وأقيمت نسخة مشابهة له في الأردن خاصة بالأردنيين، رسالة الملتقى ( نحو شباب واع يصنع النهضة )، يهتم الملتقى بشريحة الشباب 18/30 من الجنسين، ويقيم المشاركون في فندق واحد لمدة يومين أو ثلاثة أيام تقدم فيها ندوات متعلقة بعنوان الملتقى.
مشكلة ملتقى النهضة
ليس في ثقافة المعترضين على الملتقى رفض للنهضة وأهميتها وحاجة أمتنا الأساسية إليها، وكثير منهم يملك مشروعات نهضوية تزيد في حجمها وأشكالها على ملتقى النهضة بمئات المرات، المشكلة في منهج النهضة الذي يسلكه القائمون على الملتقى.
فالمعترض يقول بكل وضوح هذا ليس طريق النهضة الذي علمه الأنبياء، بل هي طريق إلى مزيد من التراجع في ذيل قائمة الأمم، لأنها لا تلتزم الإسلام وشرائعه في طريقها الذي هو عماد النهوض والرقي بالنسبة لنا المسلمين ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام متى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ) هذه هي الفلسفة الإسلامية الأولية في طريق النهضة.
المشكلة الرئيسية عند المعترضين أن الملتقى يقدم المشروع العلماني كطريق للنهضة، ويقدمه غشا للفتية على أنه هو الإسلام!!، ولو قدموه على انه فكر علماني لما كان كل هذا الاعتراض لأن العلمانية أصبحت مكشوفة، وهناك مؤتمرات علمانية تقام في كثير من البلاد الإسلامية ولم تواجه كل هذه الاعتراضات لن بيان حقيقة العلمانية للأمة كاف في اسقاط كل تلك المؤتمرات.
لكن ملتقى النهضة يظهر العلمانية كفكر إسلامي أصيل يشرف عليه داعية معروف مع أنه يتردد كثيرا أن مشرفه لا يعرف تفاصيل البرنامج، والله أعلم بالحقيقة !!
كيف يقدم العلمانية؟
حسنا … حدد المنظمون للملتقى هدفهم من الملتقى بـ ( تعريف المشاركين برواد العمل النهضوي، و اطلاعهم على تجارب ناجحة في هذا المجال )
من رواد العمل النهضوي هؤلاء الذين يقدمهم الملتقى كتجارب ناجحة؟ هنا نتعرف على بعضهم ممن استضافهم الملتقى في برنامجه الأخير، وذلك من خلال أقوالهم:
يقول د.شفيق الغبرا – أحد مؤسسي الجامعة الأمريكية بالكويت – ( ومن الأصلح للشعب أن يبقى الدين جانباً خاصاً في عباداتهم وواجباتهم الشرعية، وأن يُنأى به ويُبعد عن السياسة )
ويقول أيضا ( الفكر الليبرالي منفتح ويؤمن بالآخر وبالعدالة والمساواة، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، في ظل حكم الغالبية، وهو فكر متقدم وضروري ومهم جداً لأي نجاح في أي عملية ديمقراطية ) د.شفيق الغبرا جريدة الجريدة الكويتية 2009/09/23
ويحدد د. خالد الدخيل المخرج من المأزق العراقي بقوله (طريق الخروج واضح: تبني مبدأ علمانية الدولة, وديمقراطية الحكم, ومفهوم المواطنة المستند إلى الحرية والمساواة ) جريدة الاتحاد الاماراتية 22/6/2005
ويقول د.غانم النجار عن الديمقراطية ( المفروض ما يصير فيها أحزاب دينية … لأن الدولة الحديثة الأولوية فيها للمواطنة وليس للدين … أحزاب دينية ما يصير ) د. غانم النجار بقناة اليوم – برنامج توك شوك 2011/11/30
رفض قيام الأحزاب على أساس ديني هو أحد أشكال العلمانية المتطرفة.
وهالة الدوسري تطالب على قناة الحياة التنصيرية بـ ( فصل الدين عن التشريعات العامة )، وتدعو إلى أي تفسير كان للنص ليتوافق مع المبادئ العلمانية .. قناة الحياة – برنامج بلا قيود.
وما تقدم مجرد نماذج، وليس استقصاء
يبدو واضحا أن مشروع الشخصيات المتحدثة في الملتقى أساسه عزل الإسلام، ومع كل أسف فهؤلاء عند منظمي الملتقى رواد العمل النهضوي !!
هذا بالنسبة لتصورات رواد النهضة الذين سيقودون شباب النهضة إلى طريق النهضة، أما المحاور فعنوان الملتقى في نسخته الثالثة “المجتمع المدني .. الوسيلة والغاية” ومفهوم “المجتمع المدني” من حيث النشأة والتداول قائم على الليبرالية الغربية، وهناك ندوة بعنوان “المجتمع المدني ومفهوم المواطنة” و “مفهوم المواطنة” هو أحد مفاهيم العلمانية، ويقدم هذه الورقة شخصية علمانية.
وقد تحدث د. عزمي بشارة عن المجتمع المدني في نفس الملتقى في العام الماضي وقرر فيه انه قائم على نزع أي روابط دينية وجعل الرابطة هي المواطنة القائمة على الحرية، ولم يكن هناك أي اعتراض من شباب النهضة وإنما مجرد أسئلة وتعلم واستفادة وربط لكلام بشارة ببلدانهم، وليس هناك أي حوار او مناقشة أو نقد يذكر.
وهناك ورقة أخرى في هذا العام بعنوان ” تمكين المرأة في المجتمعات الخليجية” و”تمكين المرأة” مفهوم أممي تقدمه هيئة الأمم في مؤتمراتها الدولية كوسيلة لدعم تحرير المرأة، وهو ذو حمولة علمانية، ويقدم هذه الورقة شخصية نسوية علمانية.
سئل أحد المنظمين عن تجليات المشكلة هذه هل نظر فيها المنظمون من زاوية الشريعة؟ فقال في حسابه بتويتر ( نعم فكر فيها القائمون على الملتقى ويرون أن ما يفعلونه شرعي ) !! فأي شرعية لتقديم العلمانيين كموجهين ومعلمين لشباب المة؟!
وهذه هي المشكلة عند المعترضين على الملتقى : تقديم الفقيه للمشروع العلماني كنموذج رائد في النهضة!! هناك اشكالات أخرى ولكن هذا الإشكال حجمه كبير جدا لدرجة يؤخر معها كل الإشكالات الأخرى.
لماذا العلمانية ؟
يدافع المنظمون للملتقى عن ملتقاهم بعدد من الأجوبة نناقشها فيما يأتي:
أولا: لا وجود للعلمانية أو الدين في الملتقى، فالمشاركون متخصصون ومهنيون يقدمون رؤاهم في قضايا لا دخل للدين فيها مثلها مثل هندسة السيارات، ودوائر الكهرباء وسباكة المياه، ولو أردنا موقف الدين لذهبنا نبحث عن الشيخ في المسجد.
وهنا نتساءل هل الذي يقدم هذا الدفاع قرأ عناوين الأوراق وعنده معرفه بالملتقى؟! فبالتالي عنده تصور كاف عما يدافع عنه أو أن القضية تحزب واصطفاف؟! فعناوين أوراق الملتقى بعضها يذكر مفردة “الدين” ومفردات متعلقة بها، ومن العناوين كما هو معلن في جدول الملتقى المنشور ورقة بعنوان ( مقاربات المجتمع المدني والديني ) يقدمها الليبرالي خالد الدخيل وأيضا ( الإسلاميون والمجتمع المدني ) يقدمها المستشرق ستيفان لاكروا.
هنا طرفة متعلقة بموضوع التخصص، إحدى المشاركات في الملتقى تقدم ورقة بعنوان ( تمكين المرأة في المجتمعات الخليجية ) تخصص المتحدثة كما تقول عن نفسها في ( الأبحاث والخدمات الصحية )، و يستمر في الصورة المقابلة هذا التناقض بين الواقع والدفاع الذي يقدمه المنظمون، فنجد في قائمة المشاركين شخص تخصصه أصول فقه يقدم ندوة عن المجتمع المدني!!
وبعض المدافعين عن الملتقى ذكر أن الملتقى لا علاقة له بالسياسة فلسنا بحاجة إلى استضافة شيخ وداعية ليقرر الموقف الشرعي في السياسة، العجيب أن هناك أربعة متحدثين حاصلين على درجات عليا في السياسة وثلاث منهم أكاديميين يدرسون في كلية السياسة منذ سنوات طويلة، ولكنهم يدرسونها من خلال نظرياتها الغربية، وليس من خلال السياسة الشرعية !!
إذا تجاوزنا البحث في تخصصات المشاركين وعلاقتها بالملتقى، ننتقل إلى التصور الخطير الذي يطرحه المدافع هنا وهو : المجتمع المدني قضية لا علاقة لها بالدين مثلها مثل الطيران والإبحار وصناعة السيارات.
المجتمع المدني: هو وصف يطلق على التنظيمات الأهلية التطوعية التي تعمل خارج سلطة الدولة، يدخل في ذلك النقابات المهنية والعمالية، والجمعيات الخيرية، والاتحادات الطالبية، والأندية الرياضية والاجتماعية، والغرف التجارية والصناعية، ومنظمات حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية، والصحافة الحرة ومؤسسات الإعلام والنشر، ومراكز البحوث والدراسات والتجمعات الثقافية.
إن تصور هذه التجمعات والمؤسسات وهي تعيش حياة متكاملة خارج إطار الإسلام بالكلية هو عين المفهوم الليبرالي لهذا المصطلح، وهو جواب موافق لصورة نشأة المصطلح في الغرب.
يقول عزمي بشارة ( كان مجرد تعبير عن انتقال مبدأ السيادة من السماء “الحكم بالحق الإلهي” إلى الأرض على أساس العقد الاجتماعي ) المجتمع المدني دراسة نقدية، ص 12
ويقول راشد الغنوشي ( ظهرت فكرة المجتمع المدني مقابلاً ونقيضاَ للسلطة الدينية المسيحية ولنموذج الدولة الشمولية . ولقد نشأ هذا المفهوم في مناخات الصراع مع الكنيسة وأنموذج الدولة الشمولية تواصلاً مع مفهوم الديمقراطية وحرية الفرد وتشجيعاً لمبادراته باعتبار الأصل ، وحدأ من تمدد الدولة والكنيسة معاً بعد أن تم تحرير الدولة باعتبارها نشاطاً دنيوياً محكوماً بالعقل والقانون ، وبعد أن انتقلت فكرة السيادة المطلقة التي كانت للكنيسة باعتبارها تجسيداً للمسيح الذي تجسد فيه الرب ). مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني، ص54.
واستضافت الملتقى ثلاث شخصيات ليبرالية جامعية تدرس في كلية السياسة وتحمل رؤى علمانية مناقضة للإسلام – سبق نفل كلامهم – لبحث موضوع المجتمع المدني وهو بهذه الصورة في الفكر المعاصر كما في النصوص السابقة = يشير إلى أن منظمي الملتقى لديهم توجه بتقرير المصطلح والمفهوم كما هو في صورته الليبرالية، والتخصص الذي يتحدثون عنه هو التقرير الليبرالي للمصطلح، ومحاضرة بشارة في الملتقى السابق دليل واضح.
هنا تظهر المشكلة عند المعترضين على الملتقى؛ فهو يقدم العلمانية في عباءة الإسلام، ويريد أن يقنعنا في ذات الوقت أنه ملتزم بالإسلام لكون فقيه وشيخ يشرف عليه، وهذا انحراف مع تناقض واضطراب عجيب!!
ثانيا: يدافع القائمون على الملتقى بأن الهدف هو خلق جو حواري قريب من الشباب فعصر التلقين والحق المطلق وثني الركب عند المشايخ قد انتهى فهناك آراء ومصادر متعددة للمعرفة ولا بد أن نبصر الشباب بهذه الآراء ونخلق نقاش حر حولها.
حسنا … سنوقف عجلة النقد الشرعي لهذا الانحراف في التعامل مع الآراء وننتقل مباشرة للبحث في مصداقية هذا الدفاع في النقاط الآتية:
1-في الحقيقة لا يوجد هناك حوار حول القضايا المطروحة فالملقي يجلس على المنصة ويتحدث لمدة ساعة أو أقل ثم تطرح عليه أسئلة استرشادية – وليست نقدية أو حوارية – في مدة لا تتجاوز 2/3 دقائق ثم يجيب عنها الملقي ويختم اللقاء و لا يناقش و لا يحاور و لا تتلاقح الأفكار!!
2- الشباب المشارك لا ينظر إلى الشخصيات المشاركة كحالة قابلة للدرس أو النقد، وإنما يتعامل الشاب مع الجو العام في الملتقى على أنه حالة معرفية مفيدة وناجحة يستفاد منها وهذا ما أشير إليه في أهداف الملتقى حيث ذكر أن المحاضرين رواد في النهضة وأصحاب تجارب ناجحة، وليسوا شخصيات منحرفة يتم مناقشتها !! هنا نموذج نستدل به على هذه الحالة الذهنية التي يفكر بها الشاب المشارك في الملتقى.
يقول أحد الشباب الكرام – وهو من أصدقاء المنظمين ومن نفس مدرستهم الفكرية – قبل أن يوجه سؤاله إلى عزمي بشارة (أشكر الدكتور عزمي بشارة باسمي واسم كل من ثنى ركبه أثناءالثورات في متابعة الدرس اليومي الذي تقدمه لنا على قناة الجزيرة)
3- عندما يخرج أحد الشباب عن إطار توجهات الملتقى العامة لا يفتح له المجال للحوار والنقاش كما يقول المنظمون بل يمارس عليه ضغط حتى ينهي مداخلته، حصل هذا مع فتاة بحرينية قدمت نقد مؤدب وغير مباشر لرؤية عزمي بشارة قاطعها مقدم الندوة بحجة الوقت!!
4- الحوار والنقاش يكون بين أشخاص يحملون رؤى مختلفة حول القضية محل الدرس، أما في الملتقى فلا يوجد هذا الخلاف على نطاق جذري وقد يوجد في التفصيلات أما العناوين العريضة في الحرية والمساواة والديمقراطية والمدنية فالكل متفق عليها، وما اجتمعوا وتعايشوا وانفتحوا إلا عليها.
بعد الحديث عن عدم مصداقية المشاركين في مقصد الحوار ، وان دعوة المنحرفين في العقيدة هدفه النقاش نعود ونحدد طريقة المنهج الشرعي الأولية في التعامل مع أصحاب الآراء الضالة
يقول تعالى: ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معه حتى يخوضوا في حديث غيره ) [ النساء 140].
ويقول سبحانه: ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) [الأنعام 68].
في هذه الآيات ينهانا الله سبحانه وتعالى عن مجرد القعود معهم ويرتب على القعود معهم عقوبات وأوصافا شديدة، فكيف بالذي يصدرهم في المجالس ويقدمهم كرواد للنهضة؟!! ولا يشكل على هذا الجلوس معهم لنصيحتهم أو دعوتهم أو مناظرتهم، وهو أمر لا يفعله المنظمون في الملتقى، ويسخرون بمثل هذه الأهداف، لأنهم يرون في أصحاب الأوراق قامات فكرية ثرية يجب الانتفاع بها، فدعوى الحوار والنقاش إنما تقال لدفع الانتقاد لا أكثر. خاصة ان المشاركين فتية صغار سن غير مؤهلين لفعله، والضيوف كهول متمرسون على الاقناع، ومؤثرون في النقاش.
يبرر بعض المنظمين للملتقى صنيعهم هذ بقولهم ( الفكر لا يواجه إلا بالفكر ) وهذا كما سبق ليس الذي يحدث في الملتقى فالحال حال تلقي من رواد النهضة، فلا ردود ولا مواجهة، وهذه العبارة فيها نوع إدانة للمنظمين؛ فإذا كنت تعتقد بأن المحاضرين من فكر آخر يستحق الرد والمواجهة فلماذا تعتبره رائدا من رواد النهضة وتجعله يحاضر في مجموعة من الفتية؟!!
ثم إن القول السابق غير صحيح في ميزان الشريعة فالفكر المنحرف يواجه بالنصيحة والاحتساب والقضاء وغير ذلك من مراتب إنكار المنكر.
والحقيقة أن المناقشة والرد الذي يفضي إلى إسقاط الإلحاد والكفر من الحالة الثقافية ليس هدفا في حسابات الاتجاه التنويري، بل على العكس من ذلك؛ فإن تمكين الضلالة من الانتشار هو أحد معاني الحرية المطلوبة عندهم، والتي يجب على الدولة حمايتها، دليلنا هنا: حادثة تطاول كشغري على النبي صلى الله عليه وسلم، وتشكيكه في الله تعالى فقبل الحادثة جميع رموزهم كانوا شركاء له في منبر واحد مكن هو وغيره من استخدامه لاستقطاب الشباب، ولم يسعوا إلى منعه بل دافعوا عن بقائه، وبعد الحادثة انتصروا له واصطفوا معه وبعضهم اختار السكوت والتعبير عن موقفه من خلال اقراره بنشر كلامهم، فالرد ليس واردا عندهم بل بقاء هذه الأفكار الضالة وانتشارها هو أمر صحي ودليل على التعايش السلمي والتنوع الفكري الذي يدعون إليه وأحد أشكال المدنية وأحد مظاهر المجتمع المدني، وكل هذا الانحراف هو أحد مظاهر العلمانية في الحرية التي يقدمها هؤلاء هنا بلسانهم وممارستهم وليس من خلال الآخرين كما هو الحال في تقديم العلماني كرائد للنهضة.
وعموما فإن إطلاق هذا المنهج (الفكر لا يواجه إلا بالفكر) كقاعدة كلية مطلقة صورة حالمة لاوجود لها في الوقع فكل مجتمع له سقف لا يسمح بتجاوزه ويعاقب عليه.
أيضا هو مسلك فاسد وانحراف في المنهج ويشكل عليه أصول إسلامية عديدة كالجهاد وحد الردة والتعزير، وينقضه حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- في مسلم الذي هو أصل في باب الرد والإنكار ( من رأى منكم منكر فليغيره بيده ….)
أجوبتهم على المعترضين
في الحقيقة لاوجود لأجوبة لديهم حول نقد وتساؤلات الآخرين بل هي تفسيرات واطلاقات عامة خالية تماما من أي موضوعية نستعرض بعضها :
أولا: التفسير السياسي:
يجيب معظم المنظمين والمدافعين بأن هذا الاعتراض على الملتقى هو شكل من استخدام السياسي للاتجاه الإسلامي في قمع مشاريع الإصلاح أو كما قال بعضهم (محاربة الوطن)، وهذا التفسير فيه تخوين واتهام للعلماء والمحتسبين بالخيانة والعمالة لجهات ترفض الإصلاح وهي لغة سيئة لا تليق بمدعي الإصلاح، وهي أيضا اختزال لمشاريع الإصلاح والوطن كله في عدد بسيط من الأشخاص، وهذا الاختزال هو منطق الطغاة العرب الذين قضوا في الثورات.
وهو أيضا تفسير قائم على مغالطة فظيعة فالمعترض عليهم لم ينتقد معارضتهم للسياسي ولم يذكرها بالكلية في اعتراضه، بل لو اكتفى المشاركون بمعارضة السياسي لما انتقدهم أحد، بل سوف يثني عليهم ويحمي عرضهم ويدافع عنهم، و هم لم يستهدفوا السياسي في ملتقاهم ولم يعترضوا عليه وكل أحاديثهم ذات بحث نظري لا ممارسة فيها، وهذا أكثر ما يسعد السياسي فهو بذلك يدرك أن المعترض عليه صاحب أقوال وأحاديث ومغامرات في تويتر والفيس بوك وربما يتطور ويصل لفنادق الخمس نجوم بشكل موسمي ، هذه قد تزعجه ولكنها لا تؤثر عليه بشكل جذري ومباشر، وخطابهم كله خالي من اسم السياسي أصلا فكيف يعتبرون أنفسهم معارضين حقيقيين له يحرك السياسي أدواته لقمعهم!!
ثم بالله عليكم منذ متى والسياسي في عالمنا العربي يرسل أدواته الصوتية فقط على معارضيه ليسكتهم كليا، السياسي يسحبهم من أحضان زوجاتهم وأمهاتم وأطفالهم ويرمى بهم في السجون و لا يبالي بهم، ولكن المنظمون وضعهم مختلف فهم يسافرون ويسيحون في بلاد الثورات ويحاضرون عن الثورات ويتحدثون بصوت عال وهم طلقاء أحرار، في حين أن المنكر عليهم – هذا الذي يتهمونه بأنه أداة للسياسي – لو تعرض للسياسي ولو بالخاطر ونقده بربع نقدهم لغاب دهرا!!
ثم هذا السياسي أمامكم تفضلوا وانتقدوه وصبوا غضبكم عليه وامطروه بأقذع الأوصاف وشنوا حربكم عليه، لماذا تراوغون وتلتفتون إلى الأداة؟!! اتجه مباشرة إلى من يحركها وارتاح إذا كنت جادا!!
ومن الغريب انهم يعتذرون لوزارة الداخلية الكويتية، ويهاجمون الدعاة وطلاب العلم!!، لماذا تسكت عن المستبد وتهاجم الناقد؟! ومن طرائفهم أنهم يرون أن السلفيين قاموا بالتحريش، ويتركون من بيده السلطة !!
ثانيا: التفسير الأخلاقي:
يرى المنظمون أن الاعتراض عليهم هو مجرد صور متكررة من الاسفاف والشتائم والسباب والعبارات غير الأخلاقية، والمعترضون عليهم فيهم علماء كبار وأساتذة جامعات ودعاة وعاملين في الوسط الإسلامي، وإتهام كل هؤلاء بقلة الأدب هو في الحقيقة قلة أدب وتهور، وهم ليس عندهم مثال واحد لعالم او طالب علم فيه سب او شتيمة، ويحاولون أن ينسبوا كل من يكتب في الانترنت بأسماء وهمية او مجهولين غير معروفين للخطاب الشرعي، وهذا من الخداع الظالم، فليأتوا بالأمثلة والعبارات غير الأخلاقية إن كانوا صادقين !!
ثالثا: الدرع الجامي:
في فترة التسعينات نشأ اتجاه غال جدا في مهاجمة الدعاة جهلا وبغيا، هذا الهجوم استجلبه بعض المنظمين كدرع حامية يضعها في وجه أي معترض على مشروعاتهم فأي انتقاد لهم صاحبه جامي!!، وأي رفض يسجل ضدهم فصاحبه جاهل وباغ!! وهو من الجاميين الجدد!!، وهكذا بهذه الطريقة يشكلون نوعا من الكهنوت والقداسة على مشروعاتهم، فتصبح غير قابلة للنقد، وهم بهذا يقفزون على أي نقد موضوعي يوجه لهم و لا يجيبون عليه، وهذا فعلا الذي حدث فحتى الآن لم تقدم أجوبة حقيقة على الاعتراضات غير البكائيات واللطميات.
وإذا نظرت للحقيقة تجد أنهم أكثر الناس اسقاطا للعلماء بزعم أنهم يرسخون الاستبداد والغفلة والتشدد … وغيرها من الشتائم.
رابعا: مشكلة الجديد
يفسر بعض المدافعين رفض الدعاة لهذا النوع من الملتقيات بأنه رفض للجديد سرعان ما سيتغير الموقف منه بفاعل الزمن والإصرار على تكراره حتى يصبح واقعا، وفي الحقيقة لا يدرى ما هو الجديد هنا هل هو الملتقيات؟ التي يعرفها المنكر عليهم ويقيمها ويشارك فيها قبل أن يعرف المنظمون للملتقى الثقافة وربما قبل أن يولد بعضهم، أو هل الجديد هنا عند المنظمين الرؤى والأفكار التي تطرح في الملتقى؟ وهذه أيضا ليست بجديدة فهي تطرح منذ عشرات السنوات في عالمنا العربي ونقدها المعترض وغيره.
نعم الجديد في ملتقى النهضة هو تقديم العلمانيين والرافضة كموجهين للشباب، واعتبارهم روادا للنهضة، وتقديم نسخة جديدة من العلمانية تمرر من تحت عمامة فقيه.
وفقنا الله إلى نهضة أمتنا على منهاج النبوة، ملتزمين بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل عمل – حتى لو سماه صاحبه نهضة أو إصلاحا – ليس عليه أمر الرسول فهو مردود على صاحبه، وغير مقبول منه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
*************
انقسامات الإسلاميين في السعودية.. صراع بين النهضة وخصومها!
(مجلة المجلة 27 مايو 2012)
الفتنة الفكرية
كشف الصراع الملتهب الذي أحدثه ملتقى النهضة في دورته الثالثة، التي كان من المقرر عقدها في الكويت أواخر شهر مارس (آذار) الماضي تحت شعار (المجتمع المدني.. الوسيلة والغاية) عن حجم الفجوة والانقسام الفكري المتزايد ما بين السلفية الحركية “السرورية” والأطياف الإسلامية الأخرى.
مصطفى الحسن يكرم وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني في ملتقى النهضة الثاني بقطر
الملتقى الذي عقد دورته الأولى في المنامة، والثانية في الدوحة، تعثر في دورته الثالثة، حيث قررت الداخلية الكويتية منع إقامته بسبب “التحريض الأمني والسياسي في البرلمان الكويتي”، كما يقول ذلك البيان التوضيحي الصادر من إدارة الملتقى، فقد طالب النواب السلفيون في البرلمان بإيقاف الملتقى ومنع انعقاده، لأنه “يقصي الشريعة الإسلامية، ويستضيف شخصيات ليبرالية وشيعية تؤثر على الاستقرار السياسي في البلد”، ساندهم في ذلك بعض دعاة وشيوخ السلفية الحركية في السعودية، الذين أصدروا بيانا يحذر من الملتقى، وخطورته على عقول “شبابنا وبناتنا.. فهو يروج للأفكار العلمانية بلبوس إسلامي، ويحرض على الاختلاط بين الجنسين.!”
ساهم الموقف السلفي الحاد من الملتقى في تقارب وتحالف ثلاثة تيارات هي: الإخوان المسلمون، والتنويريون (إسلاميون مستقلون)، واليسار الليبرالي. من أجل التضامن حول حق حرية التعبير ـ كما يقولون ـ في مواجهة الرفض السروري، وكان نتيجة ذلك أن أقيم الملتقى بنفس جدوله وضيوفه ـ تقريباً ـ بإدارة كويتية ومسمى جديد، تحت عنوان (ملتقى المجتمع المدني) في جمعية الخريجين، وهي ليبرالية التوجه.
لكن بغض النظر عن (ملتقى النهضة الثالث) وظروف انعقاده، ما هي العوامل والأسباب التي أدت إلى بروز هذا الانقسام الإسلامي الحاد؟ وما هي المنطلقات الفكرية التي توضح موقف الطرفين ـ الرافض والمؤيد؟ـ
الصحوة السعودية.. تاريخ من الانقسامات
انقسام موقف الإسلاميين السعوديين تجاه ملتقى النهضة ليس مفاجئاً، أو غريباً على الحالة الإسلامية السعودية التي شهدت العديد من الانقسامات والانشقاقات، فالصحوة الإسلامية – كتيار سياسي حركي – في السعودية بدأت مطلع السبعينات، وبلغت ذروتها نهاية الثمانينات، وشهدت انقساماً حاداً بداية التسعينات.
الصحوة الإسلامية بالسعودية في أوجها كان يهيمن عليها تياران أساسيان (السلفية والإخوان)، فالسلفية انقسمت إلى تيارات مختلفة ومتناحرة فيما بينها، من السلفية الحركية (تسمى بالسرورية نسبة إلى أشهر رموزها محمد سرور زين العابدين، سوري الجنسية قدم للتدريس في السعودية منتصف الستينات، تجمع بين المنهج السلفي في العقيدة، والمنهج الإخواني في السياسة)، إلى السلفية العلمية (تسمى الجامية، نسبة إلى أشهر رموزها محمد أمان الجامي، تؤكد على أهمية العقيدة وترفض السياسة والتحزب، لديها موقف ناقد لكل الحركات الإسلامية)، بالإضافة إلى السلفية الجهادية التي ضمت أطياف القاعدة، وجماعات التكفير والعنف، التي ترى في نفسها امتداداً لجماعة جهيمان العتيبي التي اقتحمت الحرم المكي نهاية السبعينات.
أما حركة الإخوان المسلمين في السعودية فلم تكن على قلب رجل واحد، فهذه الحركة التي نشأت ابان هجرة الإخوان المصريين للسعودية فترة حكم جمال عبد الناصر، تأثرت بالبيئة السلفية، وأصبح قربها أو بعدها من السلفية يحدد هوية بعض أطيافها في السعودية، إضافة إلى أنها تأثرت بشكل واضح بالمناطقية والأقاليم، فإخوان الحجاز يختلفون عن إخوان المنطقة الوسطى، لكن تجمعهم هوية كلية، ومفاهيم عامة مشتركة.
في ظل هذه الحالة من التشعب والانقسام، كشفت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن تشكل تيار جديد خرج من رحم الحالة الإسلامية، وهو ما سمي في تلك الفترة بتيار (التنوير الإسلامي) الذي ضم مجموعة من الشباب الذي خرجوا من عباءة حركاتهم الإسلامية (السرورية على وجه التحديد ثم الإخوان)، وشكلوا تجمعاً يتفق على نقد فكر الحركة الإسلامية، ونقد التراث الإسلامي، والتصالح مع المفاهيم الثقافية الحديثة، لكنهم مازالوا محتفظين بهويتهم الإسلامية، ويتقارب هذا التيار مع (اليسار الليبرالي) الذي يوائم ما بين القومية العربية، ورفض “الإمبريالية الأميركية”، ونقد مشاريع الإصلاح السياسي للأنظمة العربية.
التيار التنويري تشعب وتمدد، ليس من الدقة الآن وصفه بأنه تيار متجانس متماسك، بل أصبح مظلة فضفاضة تضم أفراداً مختلفين من الإسلاميين المتحررين من قيود الحركة الإسلامية التقليدية، ويحملون رؤية أكثر انفتاحاً من زملائهم الحركيين، هذه المظلة تضم الآن رموزاً حركية سابقة كالشيخ سلمان العودة، والشيخ عبد العزيز القاسم، والدكتور محمد الأحمري، عبد العزيز الخضر، سليمان الضحيان وآخرون.. ولذلك يمكن وضع ملتقى النهضة الذي يشرف عليه الشيخ العودة، في سياق المنظومة التنويرية بشكل عام التي تروج لمفاهيم حديثة كالتعايش، والديمقراطية، والحرية، والتعددية، والنهضة وفق مفهوم إسلامي حركي يختلف عن نظرائهم السروريين.. لكن ما هو موقف التيار السروري من هذه المفاهيم؟
مصطلحات ومفاهيم الانحراف:
(النهضة، الإصلاح، التعددية، والتعايش).. لم تكن بالمصطلحات المرحب بها أبداً في خطاب السلفية الحركية “السرورية” إلا في سياق النقد والنقض، باعتبارها منتجاً غربياً يهدف إلى تغريب العقلية الإسلامية وإفسادها، بل إن كثرة ترديدها والتصالح معها يُعد علامة من علامات انحراف المرء، وانجرافه نحو الأفكار العقلانية والليبرالية. فأصبحت هذه المصطلحات واحدة من علامات التصنيف والتمييز الحزبي، أكثر من كونها ميداناً للنقاش العلمي والفكري.
فـ(هي بمجموعها تمثل بوابة نحو الفتنة الفكرية التي تعصف بالأمة).. هكذا كتب الدكتور عابد السفياني ـ أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى ـ في كتاب سماه “موقف أهل السنة والجماعة من المصطلحات الحادثة ودلالاتها”، قال فيه (إن من أخطر هذه المصطلحات هي: الحرية، الانفتاح، التعايش السلمي، المشروع النهضوي، والإصلاح).
ولذلك جاءت أصوات إسلامية تحذر “الشاب المسلم” من هذه “المصطلحات الحادثة”، كما كان الدكتور عبد الرحمن المحمود ـ أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ يحذر كثيراً من “المصطلحات الغربية التي غزت عقول المسلمين”، وقال في كلمته بمؤتمر “السلفيون وآفاق المستقبل” الذي نظمته مجلة البيان السرورية بتركيا في أكتوبر 2011: (علينا أن نحذر من مصطلحات أطلقت على غير معانيها وأريد لها مرامي أخرى، من بينها، الحياد، والتسامح، والتعددية، والإسلام السياسي).
****
عبد العزيز العبد اللطيف
عبد العزيز العبد اللطيف: التعامل مع العلمانيين وأشباههم.. وكونهم سلكوا سبيل الافتراء، فهذا دليل على إفلاسهم وتهافتهم، والواجب أن نتعامل معهم بالعدل والإنصاف، فالعدل واجب على كل شخص تجاه كل شخص في كل الأحوال، ولا بد من مجاهدتهم بعلم وبيّنة، وبالمخاطبات والأساليب التي يتحقق بها كشف عوارهم، وسقوط دعاويهم، وبيان حكم الله تعالى في هؤلاء المنافقين، والتحذير منهم، والتغليظ عليهم كما توجبه الشريعة ويقضيه العدل
أما الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف ـ أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ فيقول في أحد سجالاته الكثيرة المنشورة بموقعه الشخصي: (الألفاظ المتداوَلة ــ كالإنسانية والمجتمع المدني والحريات وغيرها ــ لا تنفك عن ملابسات فكرية وعقدية، فلا يمكن تصوَّر هذه المصطلحات بعلم وعدل إلا باستصحاب هذه النشأة وتلك الملابسات).
وفي أطروحة للدكتوراه كتبها سعود العتيبي وصدرت عن مركز تأصيل للدراسات والبحوث سنة 2009، يقول الباحث في المقدمة: (لقد أصبح أعداء الأمة الإسلامية يغزون العقل الإسلامي بآلاف المصطلحات الباطلة للسعي لإفساده وإضلاله). ووضع الباحث في نهاية بحثه نموذجاً تطبيقياً لهذه المصطلحات، فكان مصطلح “المجتمع المدني” أحدها، مؤكداً فيه أن “المجتمع المدني” مصطلح غربي وافد، يقوم على أساس العلمانية، وفصل الدين عن الدولة، والحرية المطلقة لأفراده وفتح المجال لجمعيات “إفساد المرأة”، والنتيجة في الأخير مناقضة ومصادمة هذا المصطلح للإسلام بحسب رأيه.
وسبقه وبشكل أكثر صراحة الشيخ سليمان الخراشي، الذي كتب مقالاً بعنوان (المجتمع المدني.. موضة أصحاب اللحى الليبرالية)، تحت سلسة سماها (ثقافة التلبيس)، وقال في بداية مقاله: (التبشير بالمجتمع المدني، هو الموضة الجديدة على ألسنة وأقلام العلمانيين والعصرانيين من ذوي “اللحى الليبرالية”! فلا يكاد يخلو حديث أو مقال لهم من دون الإشارة أو الدعوة إليه، بصفته البلسم الشافي لجميع أدواء الأمة وخلافاتها).
****
مصطفى الحسن
مصطفى الحسن: ساهمت حالة الترهيب المكثف من الوافد المعرفي والثقافي في تكلس المكون الثقافي للتنظيمات الحركية التقليدية إخوانية كانت أو سلفية، مما سبب نفورَ وتسرب الشباب الإسلامي الذي واجهته وسائل الاتصال الحديثة وبدأ يطرح الكثير من الأسئلة التي عجز رموز الحرس القديم عن مسايرتها و الإجابة عنها.
بوادر الانقسام الحاد حول المفاهيم الثقافية والسياسية الحديثة كانت مبكرة، فبعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) صدر (بيان التعايش) عن مجموعة من الإسلاميين على رأسهم الشيخ سلمان العودة، والشيخ عبد الوهاب الطريري، والشيخ عبد العزيز القاسم، وكان يؤسس لفكرة التسامح مع غير المسلم، وتقديم مفهوم مختلف لفكرة الجهاد في المكون السلفي التقليدي.
أحدث البيان انقساماً عنيفاً داخل التيار الصحوي، وأشعل الجدل في الساحة الثقافية السعودية، كونه أول محاولة من هذا التيار لصياغة مفاهيم حديثة في اطار ما يسمى بالصحوة الاسلامية، ولذلك قوبل البيان بهجمة شرسة من شباب التيار السلفي والسروري، الأمر الذي دفع موقعي بيان التعايش إلى إصدار بيان توضيحي وُصف بأنه توبة وتراجع عن البيان الأساسي.
قوبل البيان بغضب سلفي/سروري كبير كاد يؤدي إلى انقسام الحركة السرورية من داخلها، لولا تراجع الشيخ ناصر العمر، والشيخ سفر الحوالي عن توقيعهم على هذا البيان، وإعلانهما البراءة منه.
يمكننا بسهولة إذن أن نفهم الموقف السروري الرافض لملتقى النهضة، فالسلفية الحركية التي يطفح خطابها بكل ألوان التحذير لأبنائها من المفاهيم الحديثة كـ(النهضة والإصلاح والتنمية وحرية التعبير، والتعايش، والمواطنة.. إلخ)، سوف ترفض بشدة أن يتم تقديم مثقفي التيارات الليبرالية والقومية من “مصدري هذه المفاهيم” على أنهم قدوات أو نماذج علمية ومعرفية.
هذا من الناحية العقائدية، أما الناحية السياسية، فإن التيار النهضوي التنويري ـ إن جازت التسمية ـ قد حقق حضوراً مميزاً في فترة وجيزة، استطاع من خلالها زعزعة الأرضية الجماهيرية لدى التيار السلفي/السروري الذي تضخمت معركته مع الليبرالية بشكل لافت جداً.
ولكن لماذا صمت التيار السروري عن ملتقى النهضة في دورته الأولى، والثانية، ولم ينتقده إلا في دورته الثالثة؟ مع أن كل مسببات النقد والاعتراض كانت موجودة في الأول، والثاني؟
الحقيقة أن هذا الصراع جاء في سياق احتقان وامتعاض سروري متزايد في الآونة الأخيرة ضد التيارات الإسلامية الأخرى المتصالحة مع الحريات، والداعية للانفتاح والمراجعة والتجديد، ويوضح ذلك الباحث السعودي طارق المبارك الذي قال: (في الحقيقة أننا أصبحنا أمام مشهدين متناقضين، في عام 2011 كان هناك شبه اتفاق بين التيار الاسلامي في مجمله والتيارات الليبرالية حول السعي للحريات العامة تأثراً بموجة الثورات في العالم العربي، ولذلك صدرت عدة بيانات في اتجاه واحد، إلا أن هذا التوافق سرعان ما انفض عند الاصطدام بقضايا حق التعبير والحريات الخاصة في مطلع (هذا العام) 2012، ـ وهذا أحد أسباب هجوم السلفيين على الملتقى الثالث دون الأول والثاني ـ وانقلبت الآية فأصبحنا أمام حرب بيانات متبادلة بالضد فيما بين هذه التيارات.. وهو ما يؤكد أن موضوع الحريات الخاصة هو السؤال الأكثر حسماً في مجمل الحراك الديمقراطي).
لكن السؤال الكبير هنا، والذي يلم شتات الإشكاليات المتفرعة من مفاهيم كالنهضة، والديمقراطية والتعايش، والمجتمع المدني هو: هل يقدم لنا التراث الإسلامي ـ نصوصا وممارسة ـ إجابات واضحة عن أسئلة التشكيل السياسي للدولة المدنية الحديثة؟. يجيب الدكتور محمد الرميحي ـ أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت ـ على هذا السؤال قائلاً: (الاجابة القاطعة لا! وإلا لكان لدينا اليوم شكل معقول من الهياكل السياسية الخاصة بنا، والتي لا يختلف عليها كثيرون. المشكلة التي نواجهها أن الموضوع المطروح يأتي في وقت وبيئة ساخنة سياسياً، ولم يترك في الزمن الماضي إلى التفكير العميق، وبالتالي فإن السخونة تأخذ مكانها في النقاش فتبعد عن الموضوعية).
ويستعرض الرميحي مدرستين إسلاميتين تجاه الدولة الحديثة (الأولى ترى أن في التراث الاسلامي قيما تحاكي قيم المواطنة والديمقراطية و تعلي الحريات، ولا تنقص هذه المدرسة الاستشهاد بالنصوص والأحاديث وحتى الممارسات، ومدرسة أخرى تستنكر استخدام المصطلحات الحديثة “المواطنة والديمقراطية” ولا تجد لها أصلا في التراث، ولا ينقص هذه المدرسة الاستشهاد – مرة اخرى – بالنصوص والاحاديث والممارسات! كلتا المدرستين تتهم الأخرى بالتعسف في التأويل أو الانتقائية ثم التعميم والاستثناء).
ملتقى النهضة: ليس إسلامياً
منظمو ملتقى النهضة يعلنون أنهم لا ينتمون لأي جماعة أو حركة، كما يؤكد ذلك مشاري الغامدي ـ منسق فعاليات ملتقى النهضة ـ الذي قال: (القائمون على هذا الملتقى هم إسلاميون مستقلون، لكنهم لا يقدمونه باعتباره ملتقى إسلامياً، بل هو ملتقى مدني يؤمن القائمون عليه بحرية التعبير، والتعددية، والحوار المفتوح، وهذه ليست تهمة حتى ننفيها، بل حق نؤكده ونسعى إليه، ولا يمكن أن نطرح قضية النهضة من رؤية طيف واحد، دون التحاور مع الأطياف الأخرى التي تسعى إلى ذات الهدف).
الدكتور مصطفى الحسن ـ أستاذ التفسير بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومؤسس ملتقى النهضة ـ خلع نفسه من عباءة الإخوان المسلمين في السعودية، بعد أن فقد الأمل من محاولات الإصلاح من الداخل، وكتب ذكرياته معهم في سيرة نقدية تفسر الكثير من دوافع تأسيس ملتقى النهضة.
الحسن الذي يكتب مقالات نقدية وجريئة لفكر الحركة الإسلامية في جريدة “اليوم” السعودية، كان معجباً وممتناً للدكتور القطري جاسم سلطان، الذي تنسب إليه دعوات بضرورة حل تنظيم الإخوان المسلمين، جاسم يؤكد كثيراً أن على الحركة الإسلامية أن تحل تنظيماتها التقليدية وتندمج في مؤسسات الدولة وتساهم في بنائها بدلاً من الانشغال في بناء مشروع سياسي بديل.
ولذلك جاء موقف الإخوان المسلمين في السعودية من ملتقى النهضة متردداً، فهم قبل الضجة التي حصلت لملتقى الكويت التزموا الصمت، لم يصدر منهم موقف بالرفض أو التأييد لهذا الملتقى في دورته الأولى أو الثانية، ومن يشارك من أبنائهم فهو يذهب بصفته الشخصية، بل قد يُفهم من حضور الشاب الإخواني لمثل هذا الملتقى على أنه نوع من التمرد والخروج عن طاعة الحركة سياسياً وفكرياً.. لكن بعد إلغاء الملتقى الثالث تضامن بعض رموز الإخوان ـ الحمائم منهم خصوصاً ـ وبشكل علني مع الملتقى، لم يكن تضامنهم مع مضمونه بقدر ما كان دفاعاً عن حرية التعبير، ونكاية ومناكفة للتيار السروري، وكبح جماحه، إضافة إلى تقاطع شخصية الدكتور سلمان العودة ـ المشرف على ملتقى النهضة ـ مع العديد من التيارات التي تتضامن وتتعاطف معه حتى ولو لم يكن منتمياً لها.
مسفر القحطاني
مسفر القحطاني: كلما تأخرت الصحوة عن تجديد خطابها وبرمجة مشاريعها العملية فإن هناك جيلاً سيتشكل قريباً يحمل روح المبادرة ويذر الأشياخ وراءه وملامحه ليست ببعيدة خصوصاً في السعودية ونحن نرى انخراط أعداد كبيرة من الشباب في تجمعات تطوعية تنموية تغييرية بعيدة عن الخطابات المنبرية والتوجيهات المثالية
جمود الحركة.. أمل النهضة
ساهمت حالة الترهيب المكثف من الوافد المعرفي والثقافي، في تكلس المكون الثقافي للتنظيمات الحركية التقليدية إخوانية كانت أو سلفية، مما سبب نفورَ وتسربَ عدد كبير من الشباب الإسلامي الذي واجهته وسائل الاتصال الحديثة، وحركة الانتقال الثقافي السريعة بالمنتجات المعرفية التي كانت محجوبة عنه، وبدأ يطرح الكثير من الأسئلة التي عجز رموز الحرس القديم عن مسايرتها و الإجابة عنها. دفع هذا الجمود الفكري والثقافي داخل التنظيمات الإسلامية التقليدية، مؤسسي ملتقى النهضة إلى محاولة بعث خطاب إسلامي جديد يتقارب مع كافة الرؤى العربية الهادفة إلى تقديم مشروع نهضوي ينتشل الواقع العربي والإسلامي من حالة التخلف.
هذا ما أكده الدكتور الحسن الذي قال: (إن ضعف فكر الصحوة بأشكاله المختلفة، كان أحد أهم أسباب انبعاث سؤال النهضة من جديد، فعدم قدرة الصحوة على تلبية الاحتياجات الفكرية والإجابة عن أسئلة الجيل الجديد من الشباب، إضافة إلى الانفتاح العالمي الذي أحدثته وسائل الاتصال، كل ذلك جعل الأسئلة والملفات مفتوحة، وانكسرت الوصاية القديمة لــ”ماذا نقرأ؟” و”لمن نسمع؟”، بات الجيل الجديد يقرأ في كل اتجاه واستطاع أن يزيل الحواجز المبنية بين التيارات المختلفة سواء الإسلامية أو غيرها).
الدكتور مسفر القحطاني ـ أحد المحاضرين في ملتقى النهضة الثالث، وأستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ـ بدوره يتفق مع الحسن، ويرى أن تمرد هذا الجيل على التقليدية داخل الفكر الحركي هو نوع من متطلبات عصر الانفتاح الذي شكّل لدى جيل الشباب أسئلة ضرورية عن موقعهم في عالم اليوم، عن كونهم أفضل الناس، ولكنهم في قاع المجتمعات؟ ويقول: (كلما تأخرت الصحوة عن تجديد خطابها وبرمجة مشاريعها العملية، فإن هناك جيلاً سيتشكل قريباً يحمل روح المبادرة ويذر الأشياخ وراءه، وملامحه ليست ببعيدة خصوصاً في السعودية، ونحن نرى انخراط أعداد كبيرة من الشباب ومن الجنسين في تجمعات تطوعية تنموية تغييرية بعيدة عن الخطابات المنبرية والتوجيهات المثالية).
يفرق الحسن بين فكر الصحوة، وفكر النهضة قائلاً: (فكر الحركة الإسلامية يتمركز حول النسك والعبادة، ويقلل من شأن الفعل المدني، سواء بشعور أو لا شعور، أما فكر النهضة فيحاول إعادة الفعل المدني إلى مركز الأفكار، وهو بالتالي لا يهمش من النسك والشعائر ولا من التربية، لكنه يحذر من تضخمها. ويعيد الاعتبار للفعل المدني من منطلق قرآني من مفهوم الاستخلاف ومن عمل الصالحات وفعل الخير).
لكن إذا كان ملتقى النهضة مستقلا، لا ينتمي لأي جهة، ولا يخدم أجندة أي طرف، فهل يعني هذا أننا أمام تيار جديد يتشكل من داخل الحالة الإسلامية، يرفع “النهضة” شعاراً، ويرفض الانخراط في قوالب الحركة التقليدية؟ يجيب الدكتور الحسن عن هذا السؤال فيقول: (علامات تشكل تيار النهضة باتت واضحة، إنه جيل غير مثقل بالأفكار، ولا يعاني من مشكلة الوصاية، أو ثقل التاريخ، بل هو ليس مهتما بالاسم أو الوصف الذي يطلق عليه أو على الفكرة التي يعتنقها، هو متمرد بطبعه، لا يقبل إلا ما يقتنع به عقله.. لكنه في بداياته، لذلك قد يكون من المبكر جداً وصفه بالتيار.. نحن لسنا أمام حركة تقدم وصفة جاهزة، بل إننا أمام بوصلة وتحديد للاتجاه، ولكل أن يمضي بطريقته وفقا لما يعتقده، وبالتالي تكون النهضة قاسماً مشتركاً بين كل التوجهات الإسلامية والليبرالية والقومية وغيرهم).
مهنا الحبيل
مهنا الحبيل: كان مطلوباً من الحداثيين الشيعة تاريخياً كموقف إنساني أو وفاءً للضمير وقيم الحقوق أن يُدلي بدلوه في الملفات المختنقة والمحتبسة أمام التشدد الشيعي المخيف، خصوصاً أن المدرسة السنية أنجزت مساراً في ضمان الحقوق المدنية ونقد الخلل والتشدد والخرافة وفق المقاصد الشرعية لمدرسة النهضة
لماذا غاب الاعتدال السلفي، وحضر الحداثيون الشيعة؟
في مقاله بصحيفة الحياة (ملتقى النهضة.. أسئلة للتصحيح) يطرح الكاتب السياسي السعودي مهنا الحبيل ـ الذي يعد قريباً في المجمل من فكر النهضة والتنوير الإسلامي، ويعتني كثيراً في طروحاته بالقضية السنية الشيعية، ومايعرف بـ”خطر المد الصفوي الإيراني”ـ ، يطرح تساؤلات نقدية حول ملتقى النهضة الثالث، مؤكداً أن هناك (خللاً اجتهادياً طرأ على الملتقى يحتاج إلى تصحيح… فالملتقى في ذهنية الكثير هو حوار داخل الحال الإسلامية المعاصرة، ينفتح على الآخر لكن من خلال تأصيل قناعته الشرعية والفكرية وتواصلها بأصل النهضة الإسلامية، وحين يُفاجأ الرأي العام بتقلص شديد لطرح التأصيل الإسلامي النهضوي في برنامج الملتقى مع وجود مكثف لمدرسة كاملة ذات صبغة محددة، وهي مدرسة الحداثيين الشيعة، التي عُرفت بنقد الحال السنية مع تقصيرها البالغ في دعم فكر الإصلاح الشيعي وانسحابها كلياً من نقد التطرف الشيعي، فهو يُثير البعض ويسجل لديه إشكالات، وهنا نقطة نظام مهمة جداً في هذا السياق..
هذا التيار كان مطلوباً منه تاريخياً كموقف إنساني أو وفاءً للضمير والإخلاص أمام الله وقيم الحقوق أن يُدلي بدلوه في هذه الملفات المختنقة والمحتبسة أمام التشدد الشيعي المخيف أيضاً، خصوصاً أن المدرسة الإسلامية السنية أنجزت مساراً في تقرير الفقه الدستوري الإسلامي وضمان الحقوق المدنية ونقد الخلل والتشدد والخرافة وفق المقاصد الشرعية لمدرسة النهضة، فأين مشاركة التيار الحداثي الشيعي؟ ولماذا التطوع في نقد المدرسة السنية الواسعة والمتقدمة في طرحها والانسحاب الكامل أمام الضحايا الشيعة؟)
وفي السياق ذاته يطالب الحبيل بأهمية مشاركة تيار “الاعتدال السلفي” الذي ينبغي أن يكون له حضوره في هذا الملتقى أو ذاك، ليُعبّر عن شريحة واسعة وتوازن مجتمعي معروف.
النهضة والتنوير.. ارتباك مفهوم الحريات والحقوق
على الرغم من جاذبية الشعارات التي يرفعها ملتقى النهضة التي تدور حول الحرية والتعددية والمجتمع المدني إلا أن بعض المتابعين يشككون في كون تلك النشاطات ذات بعد فكري بحت، هم يرون أن هذه النشاطات وإن رفعت شعارات بحثية وعلمية إلا أنها أقرب للنشاط السياسي منه للنشاط للفكري والعلمي، ويدلل بعض النقاد على ذلك بمسمى “المجتمع المدني” كمفهوم يحمل بعداً سياسياً واضحاً، كما أن كثيراً من المحاضرين في الملتقى يقدمون أنفسهم بصفتهم ناشطين حقوقين أو ناشطين إصلاحيين وليس بوصفهم باحثين علميين، ولذلك فإن إقامة نشاطات ثقافية تحت أجندة سياسية يجعلها أقرب إلى الخطاب الأيديولوجي المتحزب، وهم بذلك يقعون فيما كانوا ينتقدون فيه خصومهم من الإسلاميين الآخرين على تبني خطاب أيديولوجي معارض لهم. هذه الحالة من السجال تكشف لنا أن الصراع ما بين التوجه الإسلامي الجديد وما بين القوى الإسلامية القديمة، هو في أحد تجلياته صراع من أجل الزعامة على مقعد النضال والمعارضة.
من جانب آخر فإن موقف تيار النهضة والتنوير من مفاهيم الحريات والحقوق، جاء مضطرباً ومرتبكاً في الأحداث الأخيرة، حيث يرى البعض أنهم يتخلون أو يصمتون عن التضامن مع حرية التعبير حين لا يكونون معنيين بالأمر، وهذا ما يفسر صمتهم عن التضامن مع حق حرية التعبير بالنسبة للتيار الليبرالي، أو التيارات التي تؤمن بالنقد الثقافي والديني الحر، بل قد يباركون في بعض الأحيان الهجمة السلفية على هذه التيارات، مما يكشف بحسب ما يقوله بعض الليبراليين تناقضاً جوهرياً لدى بعض الشيوخ والدعاة الذين يفهمون الحرية بمعناها السياسي فقط، بينما مفهوم الحرية يشمل الحريات الخاصة والفردية، والحريات في مجال الثقافة والاجتماع والتقاليد.
طارق المبارك
طارق المبارك: الصراعات بين التنويريين والسلفيين كشفت بوضوح موقف السلفيين الرافض لفكرة الحريات إلا أنها أيضاً كشفت عن اضطراب وارتباك في مفهوم الحريات خصوصا حرية التعبير ومجمل الحريات الخاصة لدى الاسلاميين التنويريين وأكدت عدم جاهزيتهم لاستحقاقات منظومة عالمية من الحريات والحقوق
وتعليقاً على هذا الارتباك يقول الأستاذ طارق المبارك ـ سبق له أن حاضر بملتقى النهضة الأول في البحرين ـ: (هذه الصراعات بين التنويريين، والسلفيين، كشفت بوضوح موقف السلفيين الرافض لفكرة الحريات، إلا أنها أيضاً كشفت عن اضطراب وارتباك في مفهوم الحريات، خصوصا حرية التعبير ومجمل الحريات الخاصة لدى الاسلاميين التنويريين، وأكدت عدم جاهزيتهم لاستحقاقات منظومة عالمية من الحريات والحقوق وذلك لسببين، الأول: لديهم ضعف واضح في بلورة مفاهيم اساسية كحرية التعبير والتدين ومجموعة أخرى من الحريات الخاصة ضمن المرجعية، التي يعلنون انهم ينطلقون منها، ولذلك السؤال الأكثر أهمية هنا، هل هذه المفاهيم التي يروج لها جزء من التيار التنويري قد تبلورت لديهم معرفياً بشكل واضح؟ أم أنها مازالت متخبطة في حالة من التوفيقية التي لا يمكن الاطمئنان إليها؟
الثاني: هم يدفعون التيار السلفي لتبني الحريات العامة، وبعض آليات العمل الديمقراطي وفق مقولات تنبئ عن التموقع ضمن خطاب الهوية ذاته، خطاب الهوية الذي يتم تجاوزه في عصر تكشف وتنتج فيه العولمة في آن واحد فردانية وذاتية طمرها خطاب الـ”نحن” الهووي كثيرا، يعملون على ذلك باسم سيادة الأمة ورأي الأكثرية دون ربط دعواتهم بثقافة وقيم الديمقراطية المتعاضدة كـ”قيم المواطنة والتعاقد الاجتماعي، وحماية الحريات الخاصة، وحقوق الأقليات…” وبذلك فإن هذا النوع من التنظير التنويري ينتج خطابا غامضا حول وضع الأقليات والحريات الخاصة، وكانت الأزمة الأخيرة كاشفة لهذه المفارقات. ونتيجة لهذا الخطاب الديمقراطي الناقص نشاهد الآن التيار السلفي مستعد ــ كما في حالة مصر ــ للدخول في انتخابات يفوز بها ليهيمن على مفاصل الدولة، لكنه غير مستعد لتحمل ملتقى اسلامي مخالف له فكريا)!.
يوسف الديني
يوسف الديني: أزمة مشهد التنوير السعودي تكمن في أنه عبارة عن “صورة مجمّدة اللحظة” لم تتجاوز صدمة نهاية التسعينات حيث كان الانفتاح في تبيئة الديمقراطية والدعوة لها السقف الأعلى، بينما يتم الكلام عن مسائل فقهية وعقائدية من لوازم الحريات والحقوق والمواطنة بخجل شديد خوف الاصطدام بالتيار العريض
الأستاذ يوسف الديني ـ الباحث والكاتب السعودي، سبق له أن قدم أطروحة نقدية بعنوان (التنوير الإسلامي في السعودية.. سجال السقوف المنخفضة) صدرت عن مركز مسبار للدراسات والبحوث في سبتمبر 2010 ـ يرى أن أزمة مشهد التنوير السعودي، تكمن في (أنه بالتعبير الفوتغرافي هو عبارة عن “صورة مجمّدة اللحظة” لم تتجاوز صدمة نهاية التسعينات، حيث كان الانفتاح في تبيئة الديمقراطية والدعوة لها السقف الأعلى، بينما يتم الكلام عن مسائل فقهية وعقائدية من لوازم الحريات والحقوق والمواطنة بخجل شديد خوف الاصطدام بالتيار العريض، يشبه ذلك التحول المقلوب الذي مارسه الشيوعيون والإخوان، حيث تضخم الانفتاح السياسي على حساب الثقافي خوفاً من فقد الجماهير أو الاصطدام بالشارع. فما يحدث الآن هو مجرد مناورات متذاكية على مضامين ليبرالية أكثر من كونها اجتهاداً مطرّداً في مسألة الحريات والحقوق، فخطاب التنوير بسبب ارتباكه وتثاقله عن الخروج من دائرة الصراع مع خصومه باتت مخرجاته الفكرية هزيلة، مقارنة سريعة بين رؤى تيار مثل عبد المنعم أبو الفتوح أو حزب الوسط المصري أو حتى التيارات الإسلامية في ماليزيا ستجد أنهم في نهاية مضمار السباق المدني الطويل).
هو تحد حداثي واجه المفكرين العرب قديماً، والنقاش حوله لم يتطور بسبب هيمنة أجواء صراع سياسي لا تساعد على إنتاج تصور فكري عربي إسلامي ناضج حول الدولة الحديثة، كما يقول الرميحي: (واقع الأمر أن التحدي الحداثي كان معنا على الأقل منذ مطلع القرن العشرين، وكانت مقولة الشيخ محمد عبده “وجدت اسلاما ولم أجد مسلمين” بداية لمحاولة التوفيق، إلا أن كتاباته التأصيلية لم تُطور ويبنى عليها، السبب أن العرب دخلوا في صراع مع الغرب وفي صراع مع أنفسهم، ودخلت الجماعات السياسية الإسلامية في صراع مع الدولة ليزداد الشطط التعصبي. فتتبع العرب في بناء الدولة الحديثة مقولات إما قومية أو يسارية أو ليبرالية أو تراثية ـ هنا الاشارة الى السودان وغيرها كإيران ـ جميع المدارس الحديثة تستمد آليات تطبيقها من الغرب كما افكارها الأساس، الا المدرسة التراثية، فهي مؤصلة تراثيا ولكن تضطر ان تستخدم آليات غربية بالمعنى العام ـ صناديق انتخاب ومجالس منتخبة واحزاب ـ على ضفتي المدرستين “الحداثية” و”التراثية” عصبية فكرية قاتمة لكن يقيني اليوم أن هناك مدرسة وسطية توفيقية تتبلور، الا انها معرضة لكثير من الضغوط من الجانبين وبسبب وجودها في جو سياسي لا فكري).
ويؤكد الرميحي أن النقاش حول قيم الدولة الحديثة سوف (يطول زمناً، والتوليفة سوف تأخذ وقتا، الا أن بعض القواعد بدا لي انها استقرت منها المناداة بالدولة المدنية، ورفعة القانون واحترامه”، هي مؤشرات تبدو للمتابع مريحة، وعلينا ان نتذكر أنه لا يمكننا اليوم في الفضاء العالمي أن نبني دولة معزولة عن العالم).
مشاري الذايدي:
شعارات براقة لا أمان لها
* ما هي حكاية الإسلاميين مع شعار النهضة؟
ــ دخول التيار الاسلامي السعودي على مفاهيم الحرية والعدالة السياسية أو ما يسمى بتيار الحقوق المدنية، هو دخول حديث وطارئ، مرتبط بما جرى من مستجدات على مستوى خطاب الحركات الاسلامية في المنطقة..
لنا أن نتذكر انطلاقة حركة كفاية المصرية، وكيف كان للاخوان المسلمين تأثير قوي عليها، يكفي ان نتذكر حضور محمد عبد القدوس الدائم في الحركة، وكيف التف تحت شعار الحرية والحقوق المدنية عبر معركة التوريث في مصر، كل التيارات المعارضة في مصر من يسار وقوميين، مع الاسلاميين، وصولا إلى لحظة سقوط نظام مبارك وقيام الانتخابات النيابية التي أوصلت غالبية إسلامية ــ اخوانية سلفية ــ الى البرلمان بغرفتيه، والآن يتم الصراع على موقع الرئاسة. ليعود حلفاء الأمس الى اعداء اليوم. من الذي حارب الاخوان والسلفيين في مصر بعد سقوط مبارك؟ أليسوا هم التيارات نفسها التي كانت متحالفة مع الاخوان تحت شعار الحريات والحقوق المدنية؟
مشاري الذايدي
* الحرية ليس لها مفهوم محدد.. هي مثل التيارات نفسها التي تتصارع من أجلها؟
ــ مفهوم الحرية غامض ورجراج، ويحتمل الكثير من التأويلات، فتصور الاسلامي للحرية يختلف تماما عن تصور الليبرالي وتصور الماركسي طبعا، لكن يعتمد كثير من الاسلاميين الاذكياء ابقاء هذا الغموض، حتى يتسنى الحشد بسهولة أكثر تحت عناوين ثورية جذابة وارجاء النقاش في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان كما يقال، ولذلك كانت الخلافات الحادة هي الثمرة المتوقعة لأول خلاف فكري وتصوري بين التيارات الاسلامية ونقيضها في مصر عند أول استحقاق سياسي وغياب للعدو المشيطن والموحد لخصومه، وهنا نظام مبارك.
* هل هناك سطو على بعض المفاهيم من هذه التيارات للخداع والضليل؟
ــ ما نراه في الخليج اليوم، السعودية، وغيرها، من تكرار لقصة التحالف من أجل الحرية والحقوق بين أبناء الحركات الاسلامية، ومن معهم من فلول يسارية وقومية وبعض الشيعة والتيارات المدنية الغضة، ليس إلا (كلاكيت ثاني) على لغة السينمائيين، كما جرى في مصر.
كان ثمة تسور واستيلاء مرحلي وأدواتي على مفهوم الليبرالية كما في السنوات الماضية القريبة، الى قبيل سنة الربيع العربي عام 2011، والآن ثمة تسور آخر على مفهوم الحرية ومفهوم الحقوق والمجتمع المدني، بظاهر قانوني وثقافي، وباطن سياسي ساخن.
* هل تراها ألفاظا فقط لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع؟
ــ إنها مجرد واجهات لفظية، تحمل بريقا قانونيا ومدنيا يطمئن اليه غير الاسلامي ويفهمه الغربي، لكنه لا يغير من جوهر المنطلقات الجوهرية للفكروية الاسلامية، وما جرى في مصر إنذار مبكر بما يمكن أن يجري هنا بالنسبة لعودة الفرع الى الأصل، والتخلي عن اللغة المجازية الى اللغة الصريحة.
باختصار شديد: لم يتغير الا بعض المحسنات البديعية واللفظية، لاشيء غير ذلك.
ملتقى النهضة تحدى قرار المنع وانعقد في مقر جمعية الخريجين الكويتية
**************
«مُلتقى النهضة»… أسئلة التصحيح
مهنا الحبيل (صحيفة الحياة 19 أبريل 2012)
تعرضنا في رؤية سابقة إلى خطاب النقض والطعن الكريه الذي تعرض له مُلتقى النهضة بالكويت، وأنّه خطاب تحريضي غير مشروع، يفتقد أخلاقيات الإسلام الأساسية، مع وجود تصفية حسابات مستبطنة بوضوح، وسلسلة النسج التلفيقي التي لا تتحرى الصدق، بل تصنع الحدث والفكرة كذباً لتكوّن قضية، ومن ذلك استهداف الشيخ سلمان العودة، وموقعه المميز في خطاب الاعتدال الإسلامي، ودوره الوطني الجامع لأبناء ومناطق المملكة والخليج العربي المتصل بنبض الأمة وقضاياها وفقه التجديد الإسلامي الشرعي للحياة المعاصرة، إذ بات أحد أركان خطابها اليوم، وكنتُ أعلم تماماً، وقبل حديث الأخ العزيز، الذي تعرض هو أيضاً لحملة لا أخلاقية نرفضها، وهو النبيل المهذب مدير ملتقى النهضة الدكتور مصطفى الحسن، في برنامج «لقاء الجمعة»، مع الزميل عبدالله المديفر، وتصريحه بأن إشراف الشيخ سلمان العودة رمزي، لا يتدخل في أي تفصيل ولا تأسيس لبرنامج الملتقى، لكن، وكما قال الدكتور مصطفى، إن الشيخ العودة كان في قمة الجبل الأخلاقي ولم يتفوه بكلمة توحي بأي تراجع عن الإشراف الرمزي أمام الحملة، وهنا أقول لقد كان على الملتقى أن يُقدّر هذا الموقف ابتداءً، ويحرص بأن يكون الملتقى متوازناً على السير المنهجي ذاته لأصول النهضة الإسلامية وتياراتها الرئيسة، ما دام الشيخ لا يزال مشرفاً في الإعلان، أو يُعقد خارج هذه المظلة.
كما أن موقف الفريق الكويتي سعد ثقل العجمي وفجر الخليفة وزملائهما كان رائعاً ونبيلاً في احتضان ضيوف الكويت وتحمّل الموقف في مظلة مختلفة، كمبادرة تطرح الاجتهادات الفكرية وجدل المجتمع المدني في الخليج في مضمار مشترك، كجمعية الخريجين، مع بقاء ملتقى النهضة، بحسب ما أراه، خارج دائرة أي شأن داخلي لأي دولة من دول المنطقة، بل في مضماره الأول المتطور للتنظير وعرض التجارب والوعي لميدان فكر النهضة الإسلامي.
أما المحور الثاني في مقالنا فهو أن النقد المتزن غير الطاعن في الشخصيات، وغير المُحرض، ينبغي أن يُستمع إليه ويُحترم ويُتداول معه الحديث والتواصل، ومن ذلك ما قرأتُه من داخل الخطاب السلفي، وهو خطاب واسع يحمل كغيره اعتدالاً وتشدداً، لكن من الطبيعي بل والأصل أن يتخذ هذا المعتدل موقفاً حاسماً أمام الله أولاً ثم أمام ضميره وجمهور الخطاب الإسلامي، فيُدين حملة التحريض، ثم يطرح رؤيته في استقلال عنها، وللإنصاف فقد وفّق بعض الدُعاة السلفيين لذلك، كما لا بد أن نسجل التقدير الكبير لجمعية حدس لموقفها النبيل، وكذلك اعتذار شخصيات دعوية سلفية كويتية كريمة عما صدر من إساءة لضيوف الكويت لأيٍ من شخصيات الملتقى، إسلامية أو غير إسلامية وأن خلافهم لا يعني تشريع ذلك الإجرام الأخلاقي الذي صدر. لكنّ ما نأمل أن يتلقاه الأخوة في إدارة الملتقى بصدرٍ رحب وهو ما يحتاج أن نتداوله إعلامياً في عهد الفضاء المفتوح، ليعرف الشباب من الجنسين رؤانا ويقرروا رؤيتهم، أنّ هناك خللاً اجتهادياً طرأ على الملتقى يحتاج إلى تصحيح، سواءً كان من البداية، أو مع تطور الوعي المعرفي، فإن طبيعة الفكرة التي تشكلت لملتقى النهضة في الرأي العام الإسلامي، بل وداخل أطياف فكر النهضة الإسلامي أنّ مسار الملتقى يَعْبُر لتحقيق أسئلة النهضة داخل الفكرة الإسلامية المؤمن جمهورها بأن الرسالة الخاتمة، وكما أصّلنا لذلك في مقال آخر، هي المرجعية الدستورية والتنظيرية، وهذا لا يعني الاحتباس عن كل ضمير وطني، أو وعي حقوقي، أو فكرة راشدة للنهوض بالمجتمع المدني الخليجي، بل وحتى التعرف والتقاطع الوطني والعربي مع تيارات المعرفة الحديثة، لكن بقدرٍ معقول من المشاركة، أو في مضمار مشترك، توضع له أُسس مختلفة، ويعرف الجمهور، سواءً رأياً عاماً أو نخبة شبابية، الفرق بوضوح في هذا المضمار، ومن ذلك ما سبق أن كتبنا عنه بتوسع وهو ندوة التعدد المذهبي في الخليج وعلاقته بالسياسة لمركز العلاقات العربية الذي يشرف عليه الدكتور الأحمري، ومن خلال هذا النسق تعقد هذه الندوات التي تجمع أطيافاً عدة.
أما الملتقى في ذهنية الكثير، بحسب ما أعتقده، فهو حوار داخل الحال الإسلامية المعاصرة، ينفتح على الآخر لكن من خلال تأصيل قناعته الشرعية والفكرية وتواصلها بأصل النهضة الإسلامية، وحين يُفاجأ الرأي العام بتقلص شديد لطرح التأصيل الإسلامي النهضوي في برنامج الملتقى، وحتى الدكتور طارق السويدان لم يكن أصلاً من محاضري الملتقى في جدوله الأساسي، مع وجود مكثف لمدرسة كاملة ذات صبغة محددة، وهي مدرسة الحداثيين الشيعة، التي عُرفت بنقد الحال السنية مع تقصيرها البالغ في دعم فكر الإصلاح الشيعي وانسحابها كلياً من نقد التطرف الشيعي، فهو يُثير البعض ويسجل لديه إشكالات، وهنا نقطة نظام مهمة جداً في هذا السياق، فقد كان الإعلان الرئيس يعلن مشاركة ثلاثة محسوبين على المدرسة، وهذه المدرسة، أي الحداثيين الشيعة، وهم كشخصيات نحترمها ونعتبر مشاركتها ضمن المسار الوطني الشامل مشروع بل مطلوب وأبرز شخصياتها من المشاركين وغيرهم الدكتور بدر الإبراهيم وأسعيد الوهابي والدكتور توفيق السيف، فما المشكلة هنا في تكريس برنامج مركزي للملتقى الذي عرضنا خلفيته لهذه المدرسة؟
المشكلة أنّ هذا التيار الممارس لعنف فكري نقدي ونقضي للتوجهات الإسلامية السنية من منظور مدني، ليس له أي مشاركة مهمة ذات بعد منهجي في دعم مدرسة الاعتدال الشيعي ضد التطرف الطائفي في الطائفة، وإعلان العلماء الإصلاحيين الشيعة بطلان المظلومية المنسوبة إلى الصدر الأول ودورها التاريخي في التأجيج والشحن، وليس للتيار أي مشاركة في نقد قضايا الخرافة التي تمكنت من العودة من التراث إلى حديث الوعاظ المعاصر في بعض المنابر الشيعية، ولم يقم التيار بتدوير العقل التنويري الذي يطرحه أمام المدرسة السنية في نقد هذا التراكم المعاصر، وليس لهذا التيار موقف أخلاقي أو فكري من الضحايا، سواءً كان طفلاً أو شاباً أو رجلاً من احتكاره الشامل لعمره الزمني في منظومة التثقيف الطائفي والاحتقان في سلسلة المآتم وتطويرها المستمر من طلبة الروضة حتى رنة الجوال، وليس لهذا التيار موقف من قضايا المرأة في التقاضي الجعفري وما وراء هذا الحجاب من صيحات ضحايا الاستبداد الديني لهذا الواعظ أو ذاك، ليس للتيار موقف مساند صريح من دعوات المثقفين الشيعة للخلاص من التراث السلبي، وعودة تصديره للواقع المجتمعي المشترك، وارتهان الإنسان الشيعي البسيط الذي يبحث عن هداة الزمن لمشاركة مدنية إنسانية مع رفيقه السني، وليس لتيار الشيعة الحداثيين دور في دعم فكرة إعادة الاستهداء بمدرسة آل البيت الأولى في قضية الخُمس التي لا تُمنح للفقراء والمساكين من أبناء الطائفة، ولا ذوي الاحتياجات الخاصة، أو المرأة المضطهدة، ولا تدعم تكتلات الفقراء والعاملين المحدودين كدعم إضافي لأجل رفع معاناتهم.
هذا التيار كان مطلوباً منه تاريخياً كموقف إنساني أو وفاءً للضمير والإخلاص أمام الله وقيم الحقوق أن يُدلي بدلوه في هذه الملفات المختنقة المحتبسة أمام التشدد الشيعي المخيف أيضاً، خصوصاً أن المدرسة الإسلامية السنية أنجزت مساراً في تقرير الفقه الدستوري الإسلامي وضمان الحقوق المدنية ونقد الخلل والتشدد والخرافة وفق المقاصد الشرعية لمدرسة النهضة، فأين مشاركة التيار الحداثي الشيعي؟ ولماذا التطوع في نقد المدرسة السنية الواسعة والمتقدمة في طرحها والانسحاب الكامل أمام الضحايا الشيعة؟ أسئلة كان على التيار أن يُجيب عنها من منصته الطبيعية لسنوات خلت، ولم ينصب حتى الآن منارته لها لا للرأي العام الشيعي ولا الوطني العام ليسمعوا موقفه قبل ملتقى النهضة، فمتى سنسمعه؟ إذاً هذه الدعوة في هذا المضمار النهضوي لا تُحقق جسراً حوارياً منفتحاً باعتدال مع هذه المدرسة والتيار وغيره، لأنها، بحسب السياق العام، لم تُدع للموقع أو بالقدر المناسب، وإن ضمّت شخصيات قديرة نكن لها كل احترام، وهنا أختم الفكرة بأنّ التصحيح ينبغي أن ينطلق من توازن المُلتقى وتحقيقه لخطوات الوعي المعرفي الإسلامي النهضوي ودوره الوطني، وهو ما أؤيد استمراره بالفريق ذاته مع شركاء جدد من زملائهم، ويُخصص مسار آخر من بعض الشباب لملتقى مختلف، يكون تأسيسه وفق المنظور الجديد لهم،
وفي تقديري أن الاعتدال السلفي ينبغي أن يكون له حضور في هذا الملتقى أو ذاك، ليُعبّر عن شريحة واسعة وتوازن مجتمعي معروف، هذه الرؤى والنقد لا يلغي الجهد السابق، ولا المنهج المهم، ولا المقصد النبيل لذوي المُلتقى وأهله، وتبقى سواعد الشباب والشابات وهمتهم العالية في إدارة الملتقى وزملائهم محل ثقة وعزيمة تصقل تجربتهم وتنقلهم بإذن الله لنجاح أوطانهم وعلّو إسلاميتهم الراشدة لحضارة وإصلاح وتقدم الخليج العربي وأوطانهم.
**************
ملتقى النهضة… التطرف في مواجهة المجتمع المدني
خالد الدخيل (صحيفة الحياة 25 مارس 2012)
كنت قد حضرت مادة مقالة اليوم عن موضوع مختلف. لكن فوجئت بالصحف الكويتية الصادرة أمس تعلن أن «ملتقى النهضة» تمكن من عقد مؤتمره يوم الجمعة بعد منعه رسمياً من وزارة الداخلية الكويتية.
وقد جاء المنع رضوخاً للحملة الشرسة التي أطلقها في الأسبوع الماضي بعض من ينتمون للفكر الديني المتطرف، مطالبين فيها بمنع عقد المؤتمر.
ولأن قرار المنع جاء متأخراً، قبل أقل من يومين من موعد المؤتمر، لم يتمكن أغلب المشاركين من خارج الكويت من السفر. ولك أن تتصور حالة الإرباك التنظيمي، والخسائر المالية التي تسبب بها هذا القرار المتأخر، فضلاً عن أنه قرار يفتقد إلى الحكمة.
واعتبر المشاركون من الكويت قرار المنع مخالفاً للدستور الكويتي الذي يكفل حرية الرأي والتعبير. ولذلك أخذت جمعية الخريجين على عاتقها الوقوف ضد قرار المنع.
وهنا تحولت القضية في جزء منها إلى قضية داخلية كويتية، وامتداد للسجال بين القوى المتشددة ضد حرية الرأي (مثل التيار السلفي)، والقوى الأخرى (إخوان، وليبراليون، وقوميون) التي تتبنى حرية الرأي كحق طبيعي للمواطن ينص عليه دستور البلاد. وفي هذا الإطار أصرت جمعية الخريجين على عقد المؤتمر في مقرها، بدلاً من الفندق، وتحت مسمى مختلف، وبمعزل عن المؤتمر الأساسي بإدارته السعودية.
بعبارة أخرى، تبنت جمعية الخريجين فكرة عقد المؤتمر كنشاط سياسي محلي لا يملك أحد إيقافه طالما أنه ضمن إطار القانون. وبالفعل عقد المؤتمر، وألقيت فيه بعض المحاضرات، لكن بغياب أغلب المشاركين من خارج الكويت. بالنسبة للجمعية كان الإصرار على فكرة عقد المؤتمر في موعده نوعاً من التحدي لرفض الانصياع لفكرة المنع، وما تنطوي عليه من سابقة تهدد مبدأ التعددية، وحق الحرية، ومتانة الالتزام بالإطار الدستوري للأنشطة الفكرية والسياسية في الكويت.
والمؤتمر أحد هذه الأنشطة. ولم يكن أمام إدارة المؤتمر، باعتبارها غير كويتية، إلا الالتزام بالحدود التي يسمح بها القانون الكويتي في مثل هذه الحالة.
وربما أن المثلبة الوحيدة في إصرار الإخوة في الجمعية على عقد المؤتمر في موعده هو حرمان غالبية المدعوين من المشاركة، وذلك بسبب حالة الارتباك التي تسبب بها قرار المنع المفاجئ.
لكن يبدو أن الإخوة رأوا أولوية عقد المؤتمر بمن حضر على حضور جميع المدعوين، وذلك حتى لا يتوهم من قاموا بالحملة ضد الملتقى بأنهم حققوا هدفهم. وفي هذا انسجام سياسي ودستوري مع سياق السجال داخل الكويت بين مختلف التيارات هناك. ينبغي التوقف عند دلالة ما حدث. فحكومة الكويت التي منعت عقد مؤتمر غير كويتي، لم تملك منع عقد المؤتمر ذاته، عندما تحول إلى نشاط محلي، وتحت مسمى كويتي مختلف. اللافت أن الصحف الكويتية تمسكت بالاسم الأصلي للمؤتمر الذي عقد في مقر جمعية الخريجين، وأنه مؤتمر «ملتقى النهضة».
وقد وضعت أغلب الصحف خبر عقد المؤتمر في صدر صفحاتها الأولى. صحيفة «القبس»، مثلاً، وضعت الخبر تحت العنوان الآتي» «ملتقى النهضة ينجح في تدشين فعاليته في «الخريجين» رغم المنع: إقصاء المتطرفين رسالة صدرت من الكويت». صحيفة «الرأي» عنونت للموضوع هكذا «ملتقى النهضة انعقد: سنحرق جيوش الظلام».
ولم تخرج صحيفة «الجريدة» عن المضمون نفسه عندما أعطت الموضوع عنواناً رئيساً في صفحتها الأولى يقول: «المجتمع المدني ينتصر لحرية الرأي والتعبير». موقف جمعية الخريجين، والتغطية الصحافية للمؤتمر، رسالة تحدٍّ واضحة في وجه من أراد أن يستخدم المؤتمر لترسيخ ثقافة الإقصاء تحت شعارات لا أساس لها من الدين، ولا من القيم الإنسانية.
والدلالة التي يتركها عقد المؤتمر على هذا النحو لا تتعلق بالكويت وحسب، بل بالإطار الذي يمثله مجلس التعاون الخليجي، وهو الإطار الذي كان ينبغي أن يكون حاضنا لمثل نشاط ملتقى النهضة.
فالمجلس ينطوي في تركيبته على تعددية اجتماعية وسياسية وفكرية ودينية، وهي تعددية ينبغي للمجلس أن ينسجم معها انطلاقاً من أنها مصدر مهم لثروة ثقافية وسياسية للجميع، بدلاً من التعاطي معها على أنها مصدر تهديد لهذا الطرف أو ذاك. لاحظ كيف أن الكويت منعت المؤتمر كحدث «خليجي»، ولم تملك منعه كحدث محلي.
كيف يمكن التوفيق بين موقفين متناقضين من مصدر واحد؟ لا يملك أن يضع المرء اللوم الأساسي على الكويت، وإنما على مجلس التعاون، والثقافة السياسية التي تخيم عليه منذ إنشائه قبل أكثر من ثلاثين سنة.
ثم لاحظ الدلالة الأخرى. منع المؤتمر كان، كما أشرت، استجابة لضغوط من تيار متشدد، بخاصة من الكويت والسعودية. الآن ضع هذا الموقف إلى جانب ما يقوله رئيس شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان، هذه الأيام من أن «الإخوان المسلمين» يتآمرون على دول الخليج. «الإخوان» هم جزء أساسي من التيار الإسلامي في المنطقة.
والجزء الآخر هو التيار السلفي المتشدد. طبعاً ليس من الضرورة أن الكويت أو غيرها من دول مجلس التعاون تشارك الفريق خلفان الرأي حول هذا الموضوع.
لكن لا يملك المرء إلا أن تصيبه الدهشة وهو يرى أحد أعضاء مجلس التعاون يصف جزءاً من التيار الإسلامي بأنه عدو، وعضو آخر من المجلس نفسه، يستجيب لضغوط جزء آخر من التيار الإسلامي نفسه أيضاً، على أنه حليف، أو خصم محتمل ينبغي تفادي الاصطدام معه. حقيقة الأمر قد لا تكون كذلك، فضلاً عن أن دول المجلس في غنى عن التعاطي مع الموضوع بمثل هذا التناقض.
فلا «الإخوان» أعداء، بمقدار ما أنهم، وقد وصلوا إلى السلطة في بلدان عربية عدة، منافسون سياسيون.
كما أن السلفيين ليسوا خصوماً محتملين يتطلب الأمر مجاراتهم ومسايرتهم. التعامل مع الموضوع على هذا الأساس يخلق الكثير من الإرباكات التي لا يحتاجها المجلس في مثل هذه الظروف.
الدولة والقانون والحقوق تأتي قبل «الإخوان» وقبل السلفيين وقبل الليبراليين، وقبل غيرهم من مكونات المجتمع. ولو أخذت دول المجلس جميعها بهذا المبدأ لاستطاعت أن تحتوي الجميع، وأن تقدم بديلاً سياسياً وفكرياً لا يسع الجميع إلا الانضواء تحت لوائه.
ولو دققت في الأمر قليلاً لوجدت أن منع مؤتمر «ملتقى النهضة» لم يكن إلا مثالاً آخر على السماح بوضع منطق الدولة في صدام مباشر مع منطق الدين.
والقضية بدأت من أساسها هكذا، على يد المتشددين. كان موضوع المؤتمر هو المجتمع المدني. ومن المعروف أن المجتمع المدني يتشكل الآن في دول مجلس التعاون بما ينتظر منه أن يكون المكمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة. وهذا تغير له متطلباته القانونية والدستورية على الطرفين.
ولهذا فهو يمثل في حالته الراهنة إشكالية تستحق الحديث عنها ومناقشتها علمياً بما يخدم الدولة والمجتمع معاً. المدهش أن رفض المتطرفين المؤتمر لا علاقة له بكل ذلك.
السبب الرئيس للرفض يقوم على اتهام غير مسنود، وتشكيك في عقائد المشاركين. أي أنه يقوم على الوصاية. وفكرة الوصاية تتناقض ليس فقط مع حق الحرية، بل مع فكرة الدولة ذاتها.
من حق من يريد أن يعترض على المؤتمر أن يعبر عن ذلك، وأن يرى إيقافه. بل من حقه أن يوجه من التهم ما يريد، ولمن يريد، في إطار ما يسمح به القانون ومكارم الأخلاق الإسلامية. لكن ليس من حق الدولة، وهي دولة الجميع، أن تنحاز لطرف متطرف، وتصادر حق طرف آخر ينحاز لحق الجميع، بمن فيهم المتطرف نفسه، في حرية الرأي والتعبير. لم أتعرف إلى «ملتقى النهضة» إلا قبل أشهر، ولم أدعَ إليه قبل هذه المرة.
لكن من الواضح بالنسبة لي أن التعددية هي السمة الرئيسة له. والغريب أن هذه التعددية هي التهمة الوحيدة التي انطلق منها كل من هاجم المؤتمر، وطالب بإيقافه، واستجابت له الدولة. خذ مثلاً ما قاله الداعية السعودي ناصر العمر، على «تويتر»، عندما قال إن «من مقدمي أوراق (ملتقى النهضة بالكويت) رافضي، وليبرالي، وعلماني، فأي نهضة للأمة يقدمها أمثال هؤلاء».
تجاهل الشيخ ناصر في تغريدته ذكر أن الطيف الإسلامي مكون أساسي لـ «ملتقى النهضة»، بل هو الطيف المؤسس للملتقى. ربما أن هناك ما يبرر للشيخ، ومن يشاركه الرأي، أن يتخذ موقفاً مناهضاً للتعددية بناء على قناعاته، وهي حقه على أية حال. لكن لماذا يجب أن تتخذ الدولة الموقف نفسه، أو ما يبدو أنه كذلك؟ إنها بذلك تضع نفسها في سياق يتناقض مع حقيقتها كدولة للجميع، ويتناقض قبل ذلك مع المنطق الذي ينبغي أنها تأسست عليه، وهو منطق الدولة الذي تحف به هيبة القانون، والحق، والمواطنة، بالجميع وللجميع.
*****************
ملتقى النهضة وتباين القناعات الفكرية
د.خالد عايد الجفناوي (صحيفة السياسة الكويتية 25/3/2012)
يشير الجدل الدائرة هذه الأيام حول “ملتقى النهضة الشبابية: المجتمع المدني” إلى أزمة فكرية متكررة تحدث بين الحين والآخر في بيئتنا المحلية حول تعريف وتحديد, بل وممارسة “حرية الرأي والتعبير” في بيئة ديمقراطية ومدنية وحول قبول ثقافة الخلاف. في بعض المجتمعات الغربية الديمقراطية أصبحت حرية الرأي والتعبير تحصيل حاصل لممارسات ديمقراطية تاريخية. فعلى سبيل المثال, لا يوجد في الغرب عموماً نزاع مبالغ فيه حول ماهية حرية الآراء الشخصية ما لم تهدد حريات الناس الآخرين. ولكن في مجتمعاتنا الشرق أوسطية يبدو تلازم إستيعاب حرية الرأي وعلاقتها بالممارسات الديمقراطية مع صراع فكري تاريخي لا يزال مشتعلاً بين طرق تفكير محافظة واخرى ترغب في تكريس مزيد من الحرية في مجتمعاتها, وبخاصة في ما يتعلق بممارسة الفرد لحياة إنسانية حرة ومعاصرة وتقدمية.
وفق رأينا, إذا كان ثمة إشكالية حول “ملتقى النهضة الشبابية: المجتمع المدني” فهي تكمن في تصادم طرق تفكير تبدو متناقضة في حيثياتها الثقافية وفي فرضياتها الفكرية بل ويتجلى هذا التصادم الفكري في طريقة التعامل مع الحرية في سياق ديمقراطي صحي وبناء.
وتباين القناعات الفكرية بين من يؤيدون عقد ملتقى النهضة ومن يعارضونه يدل على عدم ترسخ ثقافة قبول الخلاف وحتمية تباين الآراء الشخصية في مجتمعنا: وبخاصة في ما يتعلق بتداول القضايا المحلية المختلفة. فمن عارضوا بشدة عقد الملتقى يجادلون حول ما يزعمه بعضهم حول تناقض فرضياته الفكرية وإطروحاته الثقافية مع ما يصوره بعض هؤلاء المعارضين بالأفكار المشككة والطاعنة في الشريعة ! ومن جهة أخرى, يجادل من يؤيدون عقد الملتقى بأنهم يدافعون عن حرية الرأي والتعبير في مجتمع كويتي مدني وديمقراطي.
في المحصلة الأخيرة: تباين القناعات الفكرية للمؤيديين وللمعارضين لملتقى النهضة ليس بالضرورة أن يفسد للود قضية. أي ليس من المفروض أن يصل الصراع والتنازع الفكري المحلي حول مشروعية أي من القناعات الفكرية للأطراف المتعارضة إلى تأزيم الجو الديمقراطي العام. ففي المجتمع الديمقراطي المدني في عالم اليوم يمتلك كل أعضاء المجتمع الحق في التعبير عن آرائهم الشخصية وفق القانون ووفق حدود أخلاقية نسبية ومتعارف عليها تتمثل في عدم التعدي على حريات وكرامات الناس الآخرين. فلعل وعسى.
*********************
يقولوا التي هي أحسن .. في جدال ملتقى النهضة
نادر بن عبد العزيز آل عبدالكريم (لجينيات)
كان تويتر العصفور الأزرق الهادئ رسولا لمعارك ملتهبة في الشهور القريبة المنصرمة ، فما أن تهدأ معركة حتى تندلع أخرى يستخدم فيها جل الأسلحة اللفظية البيضاء منها و العنيفة. و الحقيقة أن تويتر مجال خصب لمن يريد تحليل أخلاقيات المجتمع و طرق تفكيره و مبادئه و أولوياته. وفي السجال الأخير حول ملتقى النهضة تصاعدت الحدة اللفظية ووصلت لحد السخرية و التعيير و التشويه والاتهامات بالزندقة و العلمنة و التشدد و التخوين ، مما يحتم على المؤثرين فكريا في كل الأطراف التدخل الإيجابي لنزع فتيل التحريش الذي رضي به إبليس بعد يأسه من أن يعبد في جزيرة العرب.
و قبل ملتقى النهضة كانت هناك سجالات عديدة حول قضايا كثيرة ، تعلو فيها الموضوعية و النقد البناء أحيانا قليلة ثم تخفت لصالح الغوغائية و التعصب و التحزب و الاتهامات و محاولات الاستفزاز و التشويه ، لكنها خط الأخيرات العام أصبح في تصاعد ملحوظ بين تيارين إسلاميين عريضين في ساحات الإعلام الجديد وخصوصا تويتر، وهذا بلا شك يحول كثيرا من طاقات الشباب و اهتماماتهم من المجال الإيجابي النافع إلى مجالات أخر تتبخر فيها الطاقات و تنصرف لمحاولات السخرية من جهود هنا أو تشويه مشاريع هناك و التهوين منها و هذا يقود لما يمكن تسميته بالهدر في الطاقات الشبابية ، و إذا أراد الله بقوم سوءا منحهم الجدل و منعهم العمل كما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والنقد الهادف الموضوعي هو من العمل بلا شك بل هو ثاني درجات الإنكار المرتب عليها الأجر العظيم و الخيرية الأممية .
ومن المؤسف حقيقة أن يتهم المحتسبون على الأخطاء الفكرية والعقدية و تشوه صورتهم بأنهم كاذبون مفترون يحتكرون فهم الدين ويقصون المخالف ويستعدون الدولة ويصفون حسابات شخصية وحزبية بكل ما تحمله هذه الكلمات من حمولة سلبية ظالمة ، و المؤسف أكثر أن من يطلق هذه الاتهامات و التشويهات لهم تأثير في عدد غير قليل من الشباب . وكان المنتظر منهم تشجيع نشاط الاحتساب الفكري والعقدي وتصويب أخطائه بأسلوب علمي موضوعي منصف ، لأن هذا النشاط الاحتسابي هو خط الدفاع الأول أمام الضغط القيمي الغربي المكثف على مجتمعاتنا الإسلامية. و حتى لو نظرنا من زاوية عقلية مصلحية فهذا النقد مفيد لصقل أفكارهم و التثبت من رؤاهم و تقليبها و حشد الأدلة لها قبل طرحها ، وهو ما صدقه الواقع إذ باتت أطروحاتهم أكثر إتقانا و إحكاما من ذي قبل . لكنهم بدلا من تشجيع ذلك ، انصرف بعض مؤثر منهم إلى إبراز النماذج السلبية للنقد من مجهولي حال غير مؤثرين كالتعيير بالأصل و السخرية و تصويرها وكأنها الطابع العام للنقد الموجه لهم ، وهذا بعيد كل البعد عن الإنصاف و الحكم العادل .
أيضا فإن الجيل الجديد من الشباب سيحمل بذور هذا التعصب و التحزب ، وهي بذور كافية لإضعاف وتسميم مشاريع العقد القادم الدعوية والفكرية ، وستشكل مناخا سلبيا ضاغطا على جل محاولات الموضوعية و الإنصاف ، بل ربما تتصاعد ظاهرة ابتعاد الكثير عن طرح آرائه و مشاريعه خوفا من التصنيف و التشويه و التعصب.
و المتأمل يجد أن من الأسباب الرئيسة لهذا التصاعد في النقد الهدام والتفرق بين القلوب وبعض صور العدواة و البعضاء هو الابتعاد عن الوصية الربانية والعلاج الإلهي لهذا المرض وهو قوله تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ، إن الشيطان ينزغ بينهم) ، روى الطبري رحمه الله عن الحسن : ( التي هي أحسن : لا يقول له مثل قوله ، يقول له : يرحمك الله يغفر الله لك ، إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضا و يفسد بينهم ، يهيج بينهم الشر ).
و نقل القرطبي رحمه الله في تفسيرها : ( أمر الله تعالى في هذه الآية المؤمنين فيما بينهم خاصة ، بحسن الأدب وإلانة القول ، وخفض الجناح وإطراح نزغات الشيطان ) . فعلاج العداوات و الكراهية في قلوب المسلمين هو البحث عن الكلمة الأحسن و ليست الحسنة فقط .
فكأن الأمر في هذه الآية يرشد إلى بذل الوسع في البحث عن أحسن الكلمات و أكثرها تحقيقا للمصالح و دفعا للمفاسد ، و كلما زاد أثر القائل في غيره و تطلع الناس لكلامه زاد قدر الجهد المطلوب بذله في انتقاء الكلام.
و في ظلال الآية قد يقال إن القول بالتي هي أحسن يشمل فيما يشمل أربع صور :
الأولى: أن كثيرا من العبارات و المصطلحات يتفاوت فهمها عند من يتلقاها و من يستخدمها على حد سواء ، فعبارات مثل : الحرية، الوصاية على العقول ، تحريض و استعداء السلطة ، احتكار الحقيقة و فهم الدين ، إقصاء المختلف مذهبياً وفكرياً ، حرية النقاش و التفكير و غيرها هي عبارات فضفاضة مطاطية غير واضحة الدلالة بشكل يمكن التأكد من مفهومها الحق و من ثم تطبيقها على الوقائع و الأحداث.
فكثير ممن يطلق هذه العبارات تتذبذب أحكامه و تتغير بحسب المواقف و قوته الجدلية وطول نفسه فيه = بسبب غموض مفاهيم هذه العبارات في ذهنه.
ولو أن هذه المفاهيم حللت بعمق و أرجعت إلى أصولها الشرعية لاتضحت الصورة بشكل كبير و أمكن تطبيقها بسهولة ولخففت كثيرا من الجدل حولها . مثلا : تردد كثيرا في جدال ملتقى النهضة أن المعترضين يحاولون فرض الوصاية على عقول الشباب بينما الشباب قادرون على التفكير الحر و تمييز الفكرة الصحيحة من الخاطئة أمام ضيوف الملتقى ، و في الحقيقة أن المعترضين لا ينادون بأكثر من التدرج العلمي المعرفي الذي يطبق في كل المؤسسات التعليمية في العالم .
فكما أنه من غير المنطقي أن تطالب بدفع خريجي الثانوية إلى دراسة الدكتوراة مباشرة دون دراسة جامعية ، فكذلك من غير المنطقي أن يحاضر أحد ضيوف الملتقى عن مسألة دقيقة في أصول الفقه و كثير من الشباب الحاضرين لم يتعلموا مبادئ هذا العلم ولا يعلمون حتى تحت أي مبحث تندرج هذه المسألة ، وهذا واضح جلي من أسئلة الحضور الشباب .
و من المفارقات أن أحد الضيوف أدرك هذا حينما نصح الحاضرين بأحد كتبه عن المجتمع المدني ثم تراجع بحجة أن الكتاب معقد و متعب مما يشي بأنه فوق أفهام الحاضرين ، و يغلب على الظن أن الضيف لم يدرك هذا من نفسه إذ لم يسبق له الجلوس مع الشباب من قبل و معرفة مستواهم الفكري و الثقافي . وليس هذا أبدا تحقيرا من عقول الشباب الحاضرين بل هو احترام لها و لمنهج البناء العلمي و المعرفي ، فحتى أكبر علماء الجينات لا يخوض في مسائل الاقتصاد قبل أن يتدرج في مبادئه.
بالتالي يقودنا هذا إلى رؤية أوضح لأضرار اقتباس المفاهيم التي نشأت في مجتمعات فكرية بعيدة عن حضارتنا الشرعية و الفكرية ، والغريب أن أكثر من يستخدم هذه المصطلحات المستوردة هم المهتمون بقضايا النهضة و الإصلاح مع أن أحد أسباب تخلفنا الحضاري و النهضوي هو القطيعة الجزيئة بين لغتنا المفكرة و الأخرى الناطقة ، فنحن أحيانا كثيرة نجد صعوبة في التعبير عن أفكارنا بشكل دقيق و عميق .
و الحل ربما في إيجاد دلالات واضحة لهذه العبارات و المصطلحات مستندة للمفاهيم الشرعية و يمكن استخدامها في التقييم المنصف لكافة المواقف و الأحداث .
الثانية : عندما تقابل بعض الأطروحات التنويرية أو الإصلاحية بردود و اعتراضات سلفية موضوعية تبدأ في تويتر بعض السخرية و الاستفزاز بين أنصار الطرفين ، وهذا أمر معهود في أغلب الحوارات إذ هي طبيعة البشر في الانتصار لآرائهم بما يقتنعون به من وسائل ، لكن المشكلة الأكبر حين يكون صوت هؤلاء هو الأعلى و الأكثر صخبا و ضجيجا .
ولذلك أسباب عديدة من أبرزها : عدم مناقشة الاعتراضات الموضوعية و أدلتها لأن مناقشتها سيفتح الباب أمام سلسلة من الحوارات و النافعة المفيدة التي تشغل الساحة ، لأن المتحاورين سيبذلون جهودهم للوصول إلى الحق بأدلته المقنعة . لكن حين يتم قفل الباب أمام تلك الاعتراضات أو التظاهر بأنها أقل من أن يرد عليها أو السخرية منها أحيانا ، هنا تفرغ الساحة للطرح غير النافع بما فيه من سخرية و استفزاز تتراكم مع الوقت بدافع غريزة الانتقام التي جبل عليها البشر ، سخرية بالأفكار و الأشخاص و الاهتمامات و المشاريع و سلسلة لا تنتهي إلا بإيغار الصدور و ملئها بالكراهية و الغل على المسلمين . ربما يستدل البعض بقوله تعالى ( و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) و الجواب في الجملة التي تليها : ( ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) و هو خير للأمة كلها إذ ينزع فتيل الغل و الكراهية لا سيما حينما يصدق المرء ربه و يراجع نيته في انتصاره لدين ربه و إنكاره للمنكر لا انتصارا للنفس و إنكارا على من آذاها.
ولا يعني هذا أبدا الابتعاد الكلي عن التعليقات الطريفة و الأسلوب الساخر ، فهو لون ماتع من ألوان الأدب لكنه يكون مذموما إن أفضى إلى مفسدة كزراعة البغضاء و العداوة في قلب مسلم.
الثالثة : قد تكون بعض الأطروحات التنويرية والإصلاحية خطيرة في المساس بأصول الشريعة واعتقاد أهل السنة ، في حين أن بعض من يطرحها و كثيرا ممن ينصرها في تويتر لا يدرك ذلك و لا يعي مآلات قوله و تلبس بفهمه كثير من الشبه التي لها رواج كبير هذه الأيام في وسائل الإعلام و غيرها.
و لأجل ذلك فإن من المصلحة مراعاة الأسلوب اللين الهين في بيان الحق و ترك بعض العبارات و الأساليب ذات الشدة و القسوة ، كما روى المزني رحمه الله قال: سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول: فلان كذاب. فقال: يا أبا إبراهيم اكس ألفاظك أحسنها، لا تقل: فلان كذاب ولكن قل: حديثه ليس بشيء .
فالشافعي رحمه الله لم يعترض على صحة وصف المزني لفلان بأنه كذاب ، و إنما نبهه إلى وجود لفظ أجود وأنفى للمفسدة و يوصل المعنى المراد .
وكذلك بعض النقد ، لا اعتراض عليه من ناحية صدق أخباره و صحة أحكامه ، لكن الاعتراض على إمكانية إيصال المعنى بألفاظ تنفي أغلب المفاسد ، و من أشهر تلك المفاسد أن المردود عليه يكون له أتباع و تأثير في أوساط الشباب ، فالردود القاسية العنيفة تكون حاجزا منفرا من قبول الحق الذي فيها ، و النبي صلى الله عليه و سلم حين بلغه قول عبد الله بن أبي بن سلول : والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل، قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ، وظاهرة نفرة الشباب المشبه عليهم من بعض الردود الشديدة ظاهرة لا تخطئها العين في تويتر ، بل رب كلمة لو حذفت لم يتأثر الكلام لكنها ضربت برزخا بين المتلقي و الحق .
قد يورد البعض أنه أحيانا لا يمكن إسقاط الفكرة إلا بإسقاط قائلها إذ هو متشبث بها ، و الحقيقة أن كل الأفكار الخاطئة قابلة للنقض و النقد معرفيا بغض النظر عمن يتبناها ، ربما نعجز أحيانا عن نقدها فنتجه بدافع طيب و نية حسنة لإسقاط قائلها ، وهي طريقة أسهل لكن الأصعب و الأصوب أن نبذل جهدا أكبر لبيان خطأها .
لا يعني هذا إطلاقا مجاملة أصحاب الخطأ و الهوى ، بل نقد الفكرة لا بد أن يكون واضحا بلا ضبابية ولا غموض ولا مجاملة في بيان فسادها وآثارها ودوافعها الفكرية. ولو وضع الكاتب أمام إحدى عينيه بيان الحق و توضيحه و تجليته و أمام الأخرى محبة هداية الناس و الرحمة بهم لسار قلمه بتوازن بين هذين القصدين العظيمين .
الرابعة : وهي تتعلق بقول المحدث الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أعقل الناس أعذرهم للناس ، فهذه المقولة لها جانب أخلاقي مشهور يرجع إلى أصل حسن الظن بالمسلمين و إعذارهم مما يقود كذلك إلى محو الغل و الحقد و الكراهية من قلوبهم . و يمكن أن يقال وأن لها كذلك جانبا معرفيا عقليا : وهو أن التعمق في أسئلة مثل : لماذا قال فلان بهذا الرأي؟
و كيف تكونت فكرته تلك ؟
و ما الذي قاده إلى ذلك ؟
هذا التعمق يفتح آفاقا أوسع للعقل و العلم و يغير بعضا من موازيينا و طرقنا عند النقد و الاعتراض ، و يقود أحيانا إلى معالجة أصل الشبهة و منبتها لا أعراضها و ما يظهر منها ، و هذا أهم بمراحل إذ أن أعراض الشبه تتغير و تتبدل مع كل زمان و مكان و حال بينما الأصول واحدة وقانا الله و إياكم من الشبهات و الشهوات.
و الله أعلم و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين .
*****************
ملتقى النهضة:الربح والخسارة
بدر الابراهيم (المقال 29 مارس 2012)
يمثل ملتقى النهضة الشبابي تجمعاً لشباب وشابات من الخليج يهتمون بقضايا النهضة،ويعقدون ملتقاهم مرة واحدة في السنة للنقاش والحوار حول المسائل المرتبطة بمفهوم النهضة،والتعرف على بعضهم وتكوين صلات تعاون بينهم،ويمثل حالة فريدة من حيث التنوع وقيام شباب بتنظيمه والإشراف عليه.عُقِدَ المؤتمر الأول في البحرين،وكانوا في الغالب شباباً من خلفية إسلامية،ثم عقد المؤتمر الثاني في قطر وتوسعت دائرة المحاضرين فيه لتشمل أطيافاً فكرية أخرى،وكان برنامج المؤتمر الثالث في الكويت يحوي تنوعاً أكبر لتيارات وأطياف مختلفة كمحاضرين ومشاركين تناقش مفهوم “المجتمع المدني”،لكن هجمة تحريضية منظمة قادتها قوى متشددة دفعت الداخلية الكويتية لإلغاء الملتقى،فنشط شباب كويتيون لإقامة بعض مناشط الملتقى تحت عنوان “ملتقى المجتمع المدني” في جمعية الخريجين هناك.
اعتبرت مجموعة من السلفيين الحركيين ملتقى النهضة معركة بالنسبة لها،وخاضت حرباً شرسة استخدمت فيها كل الوسائل لمنع إقامة الملتقى،وبالتنسيق مع مجموعة من السلفيين الموتورين في الكويت تم الضغط على الحكومة الكويتية لمنع الملتقى،ورأت في هذا الأمر انتصاراً لها في سلسلة معارك تخوضها منذ فترة لإثبات الذات في ظل المتغيرات المحلية والعربية.
من المهم التأمل في تفاصيل الهجمة الشرسة ضد ملتقى النهضة والشيخ سلمان العودة (المشرف العام على الملتقى)،فهي تكشف مجموعة من الأدبيات والاستراتيجيات التي يقوم عليها نهج هذه المجموعة من السلفيين الحركيين ويستخدمونها في معاركهم،وهذه الاستراتيجيات تفضح تناقضاتهم كما تفضح تشريع الممارسات غير الأخلاقية من منطلق براغماتي نفعي يتم تغطيته بشعارات دينية.
الاستراتيجية الأولى هي التضليل والكذب،ويتم هذا الأمر عبر تشويه الخصوم من أفراد أو مؤسسات باقتطاع كلمات معينة من سياقها وتحريف معناها،أو بتقديم معلومات كاذبة حولهم.حصل اقتطاع الكلمات من سياقها مع هالة الدوسري ضيفة الملتقى في تغريدة لها في “تويتر” حول الإنجيل،وحصل إعطاء معلومات كاذبة مع ضيف الملتقى توفيق السيف الذي زعموا أنه كان عضواً في حزب الله الحجاز،وحصل الأمران معاً لهما ولغيرهما من ضيوف الملتقى والقائمين عليه.
الاستراتيجية الثانية هي التشنيع على الخصوم بعلاقتهم بالآخر غير السلفي،وهنا تفنن السلفيون الحركيون في الهجوم على الملتقى وعلى الشيخ سلمان العودة تحديداً من هذا الجانب،فاعتبروا استضافة الملتقى لليبراليين (خالد الدخيل وهالة الدوسري) ولشيعة (توفيق السيف ووليد سليس) ولإسلاميين مختلفين (عبدالله المالكي) ول”كفار” (ستيفان لاكروا) جريمة تستحق إدانة الشيخ العودة والملتقى بشكل عام ويمكن توظيفها في إحراج العودة أمام جمهوره وعامة الناس.
بمقاييس عصرية وتقدمية يعتبر انفتاح الملتقى والشيخ العودة على الأطياف المختلفة فكرياً ومذهبياً ميزة تحسب له وشهادة له بالبعد عن الطائفية وبالتسامح الديني،لكنه بمقاييس التيار السلفي الحركي أمر خطير وجريمة كبرى،فالأدبيات الأساسية التي يقوم عليها هذا التيار تشدد على احتكار فهم الدين وإقصاء المختلف مذهبياً وفكرياً،وبالتالي تكون كل دعوة للتعايش بين أهل المذاهب والأفكار المختلفة عدواً لهذا التيار يجب التصويب عليه بعنف.
يجوز القول إن هذه الجزئية بالذات تكشف “مآلات الخطاب السلفي الحركي”: يتم استخدام الإقصاء في حق الآخر البعيد،ثم يذهب الإقصاء باتجاه القريب فالأقرب عندما تظهر اختلافات معينة صغيرة أو كبيرة،ويتم هذا على أساس احتكار الحقيقة وفهم الدين،وفي النتيجة يذهب هذا الخطاب باتجاه معاداة الديمقراطية والتعددية و..المجتمع المدني.
يثير الاستغراب بعد هذه الهجمة أن ينتقد السلفيون الحركيون ملتقى النهضة لكونه لم يستضف سلفياً من تيارهم ضمن المتحدثين،ويظهر هذا النقد في سياق مطالبة الملتقى بإبراز تنوع حقيقي لا وهمي،والمثير للدهشة أن المطالبة بالتنوع تأتي من تيار إقصائي يقيم مؤتمرات علنية هدفها ضرب التنوع كالمؤتمر الذي عقدوه حول “خطر الرافضة”،وهو لم يقم بدعوة أي ليبرالي أو إسلامي غير سلفي وغير مرضي عن فكره من قبلهم لإلقاء كلمة في أحد مؤتمراتهم.
تزول الدهشة مع أجوبة يقدمونها سريعاً،إذ يقول أحدهم بوضوح إنهم لا يعترفون بالآخر وسيعملون على إلغائه عند تمكنهم،ويقول آخرون إنهم يحاسبون “غلاة الحرية” وفق منهجهم،وبالتالي عليهم إعطاء فرصة للسلفيين،وليس علينا إعطاؤهم فرصة بحكم أننا لا نؤمن بالتعددية.بمعنى آخر:حديثكم عن تساوي الفرص للجميع وحق الحرية للجميع أمر يخص منهجكم،أما منهجنا فيملي علينا انتقائية الحرية وفق مصلحتنا الحزبية الضيقة،والعمل على عدم تساوي الفرص بكل وسيلة ممكنة (ويدخل فيها طبعاً الوسائل غير الأخلاقية).
عملية محاكمة الملتقى والقائمين عليه وفق منهج الحرية الذي يؤمنون به جاءت أيضاً في غير محلها وتم استخدامها بشكل يفتقر للذكاء،فالملتقى ليس ملزماً وفق منهج الحرية والتعددية إلا بالقول إن للجميع حق إقامة المناشط التي يريدونها وقول ما يشاؤون،لكنه ليس منتدىً للحوار الوطني كي يُلزَم بدعوة جميع الأطراف (ومع ذلك تم دعوة سلفيين ولم يستجيبوا)،ولا يتناقض مع التعددية أن يقيم نشاطاً يناقش فيه أفكاراً يؤمن بها ويدعو من يرى أنه يخدم هذا النشاط للحديث عنها.
تعتمد الاستراتيجية الثالثة على إعلاء الصوت بالحديث عن خطر فكري على المجتمع ينتجه الخصوم،والتحذير من عمل يخرب عقول الشباب والشابات،ويغسل أدمغتهم،وقد تم استخدام مصطلح “غسيل المخ” تحديداً في هذه المعركة.عدا عن دلالات احتقارٍ لعقول الشباب والشابات وبيان حاجتهم لوصاية فكرية عليهم كي لا ينحرفوا،تقدم هذه الاستراتيجية دليلاً واضحاً على ضعف حجة هذا التيار،وخوفه من مواجهة الفكر بالفكر،واعتبار الشريعة عصا يتم استخدامها في وجه المختلفين عوضاً عن محاورتهم،والأهم أن هذه الاستراتيجية تعكس خوفاً حقيقياً من التحولات الفكرية الجارية في المنطقة والتي عملت الثورات العربية على تسريعها،وقلقاً جدياً من تسرب مجموعة من الشباب من التيار إلى فضاءات فكرية أخرى بفعل هذه التحولات.
إن المشكلة الحقيقية التي تدفع السلفيين الحركيين لاعتماد خيار التهويل من أخطار فكرية على العقيدة كاستراتيجية شبه وحيدة تحكم عملهم وحركتهم في الوقت الحالي هي غياب المشروع والرؤية للبلاد والمنطقة والعالم،والتخبط في تقديم أجوبة على المسائل الكبرى المطروحة في الواقع العربي والإسلامي وتشغل بال الشباب السعودي والعربي،لذلك يتم تغليب الهامشيات على الأساسيات،وبحكم منطلقات التيار وأدبياته يتم رفض كل ما يتصل بقضايا التعددية والديمقراطية والحريات العامة،فتُخَاض المعارك ضد الاختلاط والتعددية الفكرية في معرض الكتاب ويتم الإغراق في التشنيع على كل مختلف،وهكذا يظهر هذا التيار وهو يصارع تحولات لا يفهم طبيعتها ولا يدري ما الذي ستنتجه،فلا يعود يفكر بغير شد عصب الأنصار والأتباع في مواجهة مخاض التحولات هذا.
يمكن ملاحظة استخدام كلمة “غسيل المخ” من قِبَل من يرفضون كل نشاط لا يوافق هواهم بغرض الحفاظ على “عقيدة المجتمع وأخلاقه” ويريدون احتكار منابر الحديث في المجتمع لتوجيهه على هواهم مما يطرح أسئلة من قبيل:أليس هذا نوعاً من الوصاية الفكرية؟،وهل يمكن تسمية احتكار المنابر في المناشط الطلابية المدرسية والجامعية نوعاً من “غسيل المخ”؟،وكيف يخشى هذا التيار من ملتقى معلن يطرح ندواته في الانترنت للتداول العام؟،ولماذا يرفض هذا التيار الاتهامات التي وجهها الليبراليون الإقصائيون له بغسيل مخ الطلبة ثم يعيد توجيهها لملتقى النهضة؟.
تنتهي الاستراتيجيات عند الاستراتيجية الرابعة التي عبرت عن ذروة الهجمة الإقصائية ضد الملتقى،وتمثلت في التحريض السياسي والأمني،أو ما سماه أحدهم “المنع السياسي الشرعي”،وكالعادة:هذا الأمر مذموم ومرفوض حين يكون ضدهم،لكنه محمود طالما يستخدمونه هم “وفق الضوابط الشرعية”!.إنها النتيجة النهائية لمنطق الإقصاء ورفض وجود الآخر فضلاً عن الاستماع له،ومن الطبيعي أن يسعى من يرفض الآخر ويحتكر الحقيقة لإسكات كل من يختلف معه بشتى الوسائل والطرق غير الأخلاقية،ولا تنتهي سلسلة التناقضات بين شعارات الدين المرفوعة والمنطق الميكيافيلي الذي حكم عمل هذه المجموعة الإقصائية.
وفق هذه الاستراتيجيات تمكن التيار السلفي الحركي من المساهمة في إلغاء ملتقى النهضة،ولأنه يحفل بالمكاسب اللحظية والصغيرة فقد عدَّ هذا انتصاراً كبيراً يعوّض فيه فشله الذريع في مقاطعة معرض الكتاب،لكنه لم يكسب أكثر من ذلك،فالملتقى وإن تم إلغاؤه يمكن أن يُعقد في مكان ووقت آخرَين.في المقابل خسر هذا التيار كثيراً،فظهر مثلاً تململ بعض شبابه من الطريقة اللاأخلاقية التي خاض بها المعركة ضد من كانوا رفاقاً بالأمس،كذلك أملت هذه اللاأخلاقية موقفاً نقدياً لها من “الأغلبية الصامتة” غير المتحزبة والتي لا تملك موقفاً مسبقاً،وكان لظهور السلفيين الحركيين بوجه إقصائي فج أثره في توحيد مجموعة التيارات الأخرى ضدهم وكسبهم المزيد من الخصوم.لعل هذا يدفعهم لمراجعة حقيقية لاستراتيجياتهم التي استخدموها تدفعهم للتصالح مع خصومهم ومع فكرة القبول بالاختلاف دون اللجوء إلى التحريض.
ربح الملتقى سمعة وصيتاً كبيرين،وقد اعتاد السلفيون الحركيون على إهداء خصومهم دعاية مجانية عبر إحداث جلبة كهذه،كما أنه نال تعاطفاً واسعاً نظراً للظلم الذي تعرض له،وحصل على احترام كبير من فئة الشباب بالذات،وانتشرت فكرته والمواد التي قدمها في المؤتمرين الأول والثاني في الانترنت،ولم يخسر إلا في المسائل المادية والتجهيزات المتعلقة بتنظيم الملتقى،لكنه حقق من المكاسب ما يجعل هذه الخسارة صغيرة.
ربح الشيخ سلمان العودة الجولة أيضاً،وساهمت الهجمة في إظهار مدى الاختلاف بينه وبين الإقصائيين،وتوضيح تسامحه الفكري وقربه من فئة الشباب بالتحديد،وتطور خطابه الذي تمكن من مجاراة التحولات الفكرية في البلاد والمنطقة،وقدرته على الانفتاح على كافة المكونات الاجتماعية دون حرج.
أيضاً ربح النشطاء الكويتيون الذين نظموا ملتقى المجتمع المدني،وخاضوا معركة ضد الحسابات السياسية التي تشرعن فكرة المنع والإلغاء ليقدموا نموذجاً لحراك مدني حقيقي قدم نصراً للمبادرات المدنية في الكويت والسعودية على السواء.
لعل أهم مكاسب “معركة ملتقى النهضة” أنها وضعت حداً فاصلاً بين الإسلاميين الإقصائيين والإسلاميين المؤمنين بالتعددية الفكرية والمذهبية،وأنها أظهرت بوضوح الفارق بين من يؤمن بالحوار والانفتاح والتسامح وبين من يرفض الآخر ويجعل من الإقصاء قضيته ومن الوسائل التحريضية غير الأخلاقية سلاحه.
تقدم هذه المعركة فرصة لتعزيز خطاب يرفض الإقصاء ويحترم وجود الجميع وحقهم في التعبير بما فيهم السلفيون الحركيون الإقصائيون،وفرصة لتعزيز المفاهيم التي يقوم عليها ملتقى النهضة وبالذات مفهوم “المجتمع المدني” الذي تم اختياره عنواناً للملتقى الثالث،فتطبيق المفهوم وجعله واقعاً يعتمد على خطاب مدني يؤكد على قيم التعددية والديمقراطية والحريات،وعلى مبادرة الشباب والشابات للقيام بأعمال مدنية تؤكد على قيمة التنوع وحق الجميع لا فئة بعينها دون سواها في العمل والحركة.
يربح خطاب التعددية والمجتمع المدني،ويخسر من لا يزال يراهن على أدوات القمع القديمة في مواجهة الفكر الحر.
**************
وقفة مع ملتقى النهضة
محمد غريب حاتم (صحيفة الوطن الكويتية 23 /3/2012)
لا أعرف لماذا تأخرت الكويت في الحريات والفكر المستنير واحترام الرأي الآخر؟! فالمواطن الكويتي وخصوصا الشباب لديه الوعي ولديه الخبرة للتمييز بين الملتقيات ولماذا سوء النية تسبق الامور؟! والله سبحانه يقول {ان الظن لا يغني عن الحق شيئا} وأين دور الحكومة واذا حصل الملتقى على الموافقات الرسمية ونحن دولة دستور فهل يحق لعضو مجلس امة وقف دور المؤسسات المعرفية؟ يا حكومة لا يجوز ان يعطي للمجلس حق التدخل في شؤون السلطة التنفيذية وبعد اتخاذ القرار لماذا التنازل رغم ان الكويت دولة تؤمن بالحريات العامة وطرح الرأي ثم لماذا تريدها المعارضة ان تكون ازمة وقد تعارف كل العالم وخصوصا العربي على ان الكويت منارة وقبلة للحريات ولكل طرح ورأي وملتقى ولا موانع، بل هناك محاكم نزيهة تستقبل كل من له قضية وتنظر فيها وتحكم بالعدل. وحتى طباعة الكتب صارت بالكويت مزدهرة والرقابة لاحقة وليست سابقة، فلماذا يريد البعض كبت الحريات والرأي الآخر ثم من هذا النائب الذي تخاف منه الحكومة بل حكومة تموت من الخوف من كل تصريح نيابي أو طرح برلماني يقوم به أحد الأعضاء خوفا من منصة الاستجواب.
أنا اقترح على الحكومة قبل موافقتها على أي ملتقى ان تغير الاجراءات وتضع عبارة مكتوبة في طلب عقد أي ملتقى أو مؤتمر أو ندوة «برجاء اخذ موافقة مجلس الامة» وتتخلى الحكومة عن صلاحيتها في اتخاذ القرارات. الامر صار عجيب في دولة الكويت وكل شيء اصبح مرده مجلس الامة.. شنو صار بالدولة؟!
يا جماعة دولة الكويت دولة مؤسسات ولا يجوز للحكومة الرضوخ لمجلس الامة في صلاحياتها حتى لا يؤثر ذلك في سمعة مجلس الامة وسمعة الدولة امام العالم وامام منظمات حقوق الانسان وامام كل شعوب العالم التي عرفت عن الكويت انها دولة متقدمة في مجال حرية الرأي والكتابة والنقد وتحترم كل الملتقيات ولكن لا نرضى ان يستغل احد الحريات العامة وحق ابداء الرأي ويطعن أو يتناول بحديثه دولة اخرى وخصوصا اخواننا دول مجلس التعاون الخليجي ولا يحق لأي كويتي وحتى لو كان نائبا الطعن او الاساءة لأي دولة. فالسياسة الكويتية من اختصاص وزارة الخارجية واللجنة الخارجية في مجلس الامة، فلا نستخدم الحرية في غير محلها وهي مسؤولية قبل ان تكون سلطة، وسمعة الكويت اكبر من رأي أو حرية كويتي سواء كان مواطنا أو نائبا.
**************
حدثني مالك بن نبي عن ملتقى النهضة
نادر بن عبدالعزيز ال عبدالكريم (رؤى فكرية 28/4/2012)
فكرة رائدة وعظيمة فكرة هذه الملتقيات الشبابية وأسلوبها في فتح مجالات لحوار الشباب وتبادل الرأي ومعهم، أملا في الوصول إلى أفكار نهضوية فعالة في مجتمعاتنا الإسلامية ، هذه المجتمعات التي تتطلع شعوبها للنهوض الحضاري. خصوصا مجتمعات ما بعد الثورة المحتاجة الآن – وأكثر من ذي قبل – إلى إرادة و إجماع مشترك على هدف النهضة الحضارية بعد إجماعهم على إسقاط أنظمتهم ، وتحتاج كذلك إلى روح وثابة و عزيمة وقادة لتفعيل السبل الموصلة إلى هذه الأهداف كما كانت هذه الروح والعزيمة حين الثورة.
حتى تلك المجتمعات التي لم تهب فيها رياح الربيع العربي فإنها ستتأثر حتما بالروح الإصلاحية النهضوية وبرياح ربيع الإصلاح والدعوة إليه والمطالبة بشتى صوره. وهذا ما يبرز جليا أهمية هذه الملتقيات الشبابية من جانبين رئيسين:
الأول : أن النهضات والحضارات في بداية نشأتها ونموها تحتاج لفاعلية كبيرة تتجاوز بها صعوبات الانطلاق وعقبات البدايات، وهذه الطاقة الفعالة توجد غالبا في جيل الشباب وعزائمهم التي لا تستصعب أي هدف ولا تلين أمام أي عقبة في سبيل النهوض الحضاري . وبالتالي فيجب أن يتابع صانعوا الأفكار في كل مجتمع باهتمام كبير تلك الأفكار التي تدور في أذهان الشباب وتصوغ توجهاتهم ، مع محاولات لتعزيز وتعميق الأفكار الهادية الإيجابية – وهي كثيرة ولله الحمد – ، وتفعيلها أيضا بالقدر المناسب ، وتعديل أو طرد الأفكار المضللة والمضعفة للمناعة الدينية والفكرية والحضارية ، فالأفكار هي الأشرعة التي توجه طاقات الشباب الجبارة في وسط محيط واسع مفتوح الاتجاهات على كافة الاتجاهات الدينية والفكرية.
الجانب الثاني : أن أفضل طريقة لهذه العملية الإصلاحية في خارطة الأفكار الشبابية هي الحوار المفتوح والتغذية الراجعة التي توفر معرفة حقيقة بأفكار الشباب الفعالة في توجيه طاقاتهم وتتيح كذلك تعزيز الأفكار الهادية وطرد الأفكار المضللة.
في ضوء ذلك كله ، أين يكمن الخطأ والخلل المصوبة تجاهه سهام النقد المتزايد في ملتقى النهضة الشبابي الثالث المقام بالكويت وقبله بالبحرين وقطر ، وضيوفه هم من الشريحة العمرية ما بين 18 إلى 29 سنة . أين يكمن الخلل من وجهة نظر المنتقدين إذا كانوا لا يعارضون – غالبا – فكرة وطريقة الملتقيات الشبابية ؟ ولا يعارضون فكرة النهوض الحضاري إجمالا ؟ ولا يعارضون كذلك فكرة الحوار والنقاش الفكري والحضاري ؟
أعتقد أن جل اعتراضات المنتقدين تدور حول الأفكار التي تدور في الملتقى ويراد منها ان تشكل وتصوغ القوة الفاعلة لطاقات الشباب. ويعارض المنتقدون كذلك محاولة تصدير وإبراز منابع فكرية للشباب الناشئ الباحث عن إجابة لسؤال النهضة الحضاري، بحيث تكون هذه المنابع من المراجع الفكرية الرئيسة في تشكيل وصياغة أفكارهم ، وهذه الأخيرة هي الأسوء والأكثر ضررا إذ يمتد تأثيرها ويتعاظم مع الوقت.
لا يعني هذا بالتأكيد كل المشاركين وكل الأفكار وإنما يعني بعضهم الذين تختلف خلفياتهم الفكرية ورؤاهم وبيئاتهم التي كان أكبر الأثر في تعليمهم وتوجهاتهم ، حيث تختلف جذريا حول أولويات ومفاهيم وسبل النهضة والحضارة في مجتمع يطمح للعودة إلى الإسلام النقي الذي حقق بفضل جيله الأول – جيل الصحابة الكرام – حضارة علمية أخلاقية روحية فريدة كانت حجر الأساس لحضارة مادية مذهلة في إنجازاتها ومنهجها خلال فترة زمنية قصيرة .
أضف إلى ذلك ، أن ما طرحه هؤلاء ( وما يتوقع أن يطرحوه ) هي أفكار جاذبة للشباب تلبي فيهم لذة المغامرة والأكشن المعرفي والمعلوماتي ، فلا يوجد فيها غالبا أفكار نهضوية إصلاحية في نطاق الإسلام النقي الذي صنع جيل النهضة الأول : جيل الصحابة الكرام. ربما تكون بعض هذه الأسماء مثيرة إعلاميا وجاذبة للشباب الباحث عن المختلف دوما كردة فعل متطرفة لقرون كان تسود فيها ثقافة الرأي الواحد في طول العالم الإسلامي وعرضه ، لكنها غير مناسبة إطلاقا للنقاش والحوار إلا مع فئة أعمق معرفيا وثقافيا وأكثر تأصيلا لمفاهيم النهوض الحضاري الإسلامي = حتى يكون للحوار فائدته وثمرته . فهو غير مناسب من وجهة نظري مع الفئة المستهدفة للملتقى ، تماما كمن يستضيف بعض التكفيريين أمام شباب من نفس الفئة العمرية ومتحمسين لفكرة الجهاد النقية ، فالأثر في الحالتين متشابه وخطير حيث تتشوه الفكرة الهادية النقية وتطرد ويحل محلها أفكار مشوهة وربما تكون تكون ذات فعالية في اتجاه آخر.
ولأن الأفكار التي يتبناها العقل في هذه المرحلة العمرية هي الأعمق أثرا والأرسخ والأكثر فاعلية في حياة العقل ، ولأن مفهوم البناء الحضاري المتراكم كذلك يستلزم الإفادة ممن سبقنا على درب الإجابة على سؤال النهضة الإسلامية الكبير ، فإن الأفكار التي ينبغي طرحها لهذه الفئة العمرية هي الأفكار المنقحة بعناية تحت نظر كبار المفكرين الإسلاميين والداعين لمفهوم العودة للإسلام النقي الذي تحققت في عهده الحضارة الأولى ولا يمكن أن تتحقق الحضارة الثانية في مجتمع إسلامي إلا به . أما بث الأفكار الفطيرة خصوصا إذا كانت مصادرها ومنابعها بعيدة عن هذه التوجه – وأحيانا مناقضة له – فهي تنتج أفكارا مشوهة ومفاهيما ممسوخة إلى حد كبير ، ربما تشبع رغبة التنوع المعرفي ولذة الوهم بتداول الرأي المختلف في فضاء مفتوح لكنها لا تنتج أفكارا أصيلة ذات فاعلية حضارية.
وبناء على ذلك فإن من المقترحات لمنظمي الملتقيات الشبابية بكافة أطيافها لمثل هذه الفئة العمرية المهمة = العناية المكثفة بأفكار ومشاريع كبار المفكرين الإسلاميين كمالك بن نبي مثلا حتى تترسخ قاعدة صلبة من الأفكار الحضارية ذات اتجاه العودة لإسلام الجيل النبوي النقي بصفته المخرج الحضاري الوحيد.
هذه هي الملاحظة العامة على ملتقى النهضة الشبابي ، وتوجد بعد ذلك بعض الملاحظات على هامشه من تراشق الاتهامات والسخريات وتخوين النوايا والمقاصد من قبل فئة قليلة في الطرفين. لا أظن الكثير يشكك في النوايا الطيبة لمنظمي الملتقى في الإجابة على سؤال النهضة الكبير، لكن النوايا لوحدها لا تكفي ، فلا بد معها من السبل الموصلة إلى أكبر قدر من المصالح وأقل قدر من المفاسد في الاتجاه الصحيح . وعلى المعارضين كذلك في الطرف الآخر أن يوضحوا بجلاء ودون مبالغة كيف يساهم هذا الملتقى في تنحية الشريعة عن طريق النهضة ويساعد في تمكين القيم الغربية الضاغطة على مجتمعاتنا = دون اتهام هؤلاء الناشطين أنهم على وعي وعلم بهذه التوجهات المشبوهة . كما أن المعارضين لا يمكن تشويه نواياهم وأن لهم أهدافا حزبية أو شخصية تقف خلف أكمة النقد ، وإنما نحسبهم صادقين غيورين في ظل ضغط غربي متواصل لفرض قيمه وإزاحة قيمنا ، فتبادل الاتهامات وتراشق السخريات تخلق جوا توتريا يهدم أكثر مما يبني ، وعلى المدى البعيد تترسخ أفكار التحزب والتعصب وتصبح فاعلة وموجهة لطاقات الشباب أكثر من الأفكار الإيجابية النهضوية . ربما يكون الهدف مشتركا لكل أولئك الشباب بكافة تنوعهم وأطيافهم لكن كلا منهم ينظر له من زاوية مختلفة : ففي حين ترى طائفة أن الهدف النهضوي هو العودة للإسلام النقي المتمثل نموذجه الأول في الجيل القرآني النبوي وهم الصحابة الكرام ، ترى طائفة أخرى أن الهدف هو تحقيق الاستخلاف الرباني في الأرض وعمارتها ، وهما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة وإن شئت فقل أن أحدهما مستلزم للآخر ولن يتم إلا عن طريقه كما حصلت النهضة الأولى .
من يتصور ذلك فإنه يزعجه هذه الحدة اللفظية والخشونة النقدية المتبادلة من المؤيد والمعارض، فهناك من لا يميز بين صرامة الفكرة وعنف الأسلوب الذي يصل أحيانا لحد السخرية والتعيير والتشويه والتخوين . فنقد الفكرة لا بد أن يكون صارما بلا ضبابية ولا غموض ولا مجاملة في فسادها وآثارها ودوافعها ، لكن ذلك لا يعني أبدا عنف الأسلوب تجاه شخص يتبنى الفكرة من ذوي النوايا الطيبة .وفي المقابل لا بد من تقبل النقد بصدر رحب وتصفيته بتجاهل المزيف منه والإفادة من النافع وعدم السماح لغريزة الانتقام بالتأثير علينا خصوصا ونحن نؤسس لخطاب جديد في مرحلة نهم معرفي وحضاري شبابي فتقنية التعامل الفعال مع النقد من أهم تقنيات التطور الفردي والمجتمعي التي يجب أن ترسخ في سلوك هذا الجيل.
*****
ختاما : قد يتسائل البعض حول علاقة مالك بن نبي رحمه الله بهذا الملتقى وتداعياته ، والجواب أن هذا المفكر الجزائري العظيم تحدث كثيرا وبعمق وتحليل مشهودين وبخبرة عريضة في الثقافتين الغربية والإسلامية وبتنوع معرفي عن كثير مما يدور النقاش حوله هذه الأيام ، فدعا منذ كان شابا يدرس في فرنسا إلى الوهابية بصفتها الفكرة الإسلامية الوحيدة التي تصلح بما فيها من طاقة فعالة لتحرير العالم الإسلامي المنهار منذ عهد ما بعد خلافة بغداد ، ودعا كذلك في فترة لاحقة إلى التركيز على إصلاح الإنسان أكثر من إصلاح المؤسسات والقوانين وإلى نبذ نزعة التسامي والمديح لمقاومة ضغط الأفكار الغربية وإلى التركيز على القيام بالواجبات الحضارية أكثر من المطالبة بالحقوق ، وشدد مالك رحمه الله أيضا على خطر بتر أشياء الغرب وأفكاره عن أصولها الثقافية حين استعارتها من الغرب بل سمى ذلك بـ ( الخيانة الثقافية ) أجارنا الله وإياكم منها.
*****************
ملتقى نهضة التنوير ونكسة الفكر الثوري!
د.أحمد عبدالرحمن الكوس
(صحيفة الوطن الكويتية 28/3/2012)
تنادى المخلصون والغيورون على الشريعة الاسلامية بالغاء ملتقى النهضة الذي يشرف عليه د.سلمان العودة، حيث يهدف هذا الملتقى الى اذابة الفوارق بين المسلم الملتزم بالكتاب والسنة من جهة وبين بقية المدعويين من أفكار الليبرالية والعلمانية والثورية والصفوية، وبعض الحاقدين من الرجال والنساء على دولهم وحكوماتهم، وهذا الملتقى المشبوه باعتقادي أنه جزء من مخطط كبير تم افشاله بفضل الله تعالى ويقظة الشباب الخليجي الواعي الحريص على دينه وشريعته الاسلامية ووطنه.
بعض المشاركين له أفكار خطيرة كالطعن بالشريعة والاسلام والعلماء وآخرون لهم نفس ثوري ضد حكومات الخليج كالسعودية والبحرين!
لذلك كان لزاما على الجميع التصدي لهذا المؤتمر وايقافه وهذا ماتم بحمد الله تعالى، حيث تصدى له مجموعة من النواب الأفاضل وبعض المشايخ والكتاب، واستجابت الحكومة مشكورة، حيث منعت انعقاده وزارة الداخلية، ومن المؤسف ان تتحدى جمعية الخريجين قرار الدولة فتسارع الى رعايته وانعقاده تحت مظلتها مخالفة بذلك قوانين جمعيات النفع العام بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وامعانا في تأكيد الاساءة لبعض دول الخليج.
يحق لكل مواطن بصراحة ان يتساءل عن كيفية تلاقي أصحاب هذه الأفكار المتناقضة وكيفية دخول شباب الاخوان المسلمين في هذا الفكر التنويري والذي يخفي خلفه فكر الثورات والتغيير ضد الحكومات مع كل هؤلاء المجتمعين! فمن هو المخُطط لهذا الملتقى ! وماهو مصدر الانفاق عليه! وهل للدول الغربية يد في هذا المخطط! خصوصا بعد دعم الدول الغربية والأوروبية لما يسمى بثورات «الربيع العربي وسياسة التغيير! لاحداث مزيد من تقسيم الدول العربية والخليجية» لتكون ممزقة ضعيفة ! كل ذلك أسئلة تحتاج الى اجابة من ذوي الشأن لنعرف الحقيقة الكاملة.
دفاع «الاخوان» ممثلا «بحدس» ونوابهم وكوادرهم وطلابهم بات واضحا من خلال الدفاع عن هذا الملتقى، وحضور د.طارق السويدان المُنظر المعروف بأفكاره التنويرية ومهاجمته للحكومات يجمع خيوط هذا الاجتماع الذي ينطلق من الكويت، وقد أكد ذلك مدير شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان بحسه وذكائه الأمني ان انطلاقة الاخوان من الكويت ستبدأ في عام 2013م، ضد بعض دول الخليج!
وفي الختام هناك مؤامرات ومخططات ضد الكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين وعلينا ان ننتبه ونكون أكثر يقظة خصوصا في تنامي الأفكار التي يحاول هؤلاء استعداء وتحريض الشباب على ولاة الأمور والحكام والحكومات الخليجية بكل جرأة، من خلال جذبهم وشحنهم بالحماس والثورات والتغيير المزعوم لاسقاط وزعزعة دول الخليج التي لاتزال صامدة وقوية أمام هذه التيارات الجارفة والعلمانية والليبرالية والثورية لاكمال مخطط اضعاف الدول الخليجية !
لفتة:
قال العلامة الشيخ حمود التويجري رحمه الله في كتابه القيم «غربة الاسلام» ص 143: (قيل:أما كثرة من ينتسب الى الاسلام ويدعيه، وانتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها فهذا لاينكره أحدٌ، وليس الشأن في الانتساب والدعوى، وانما الشأن في صحة ذلك وثبوته، وماذا يغني الانتساب والدعوى اذا عدمت الحقيقة؟…وانما الاسلام الحقيقي لزوم المحجة البيضاء التي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عليها، فمن زاغ عنها فهو هالك)، فتأمل رعاك الله هذا الكلام لتعرف غربة الدين مع من يُحاول تلبيس الحق بالباطل والله المستعان.
*****************
ملتقى النهضة الخليجي أنهى دورته الثالثة… وتيار السلف «أقصى نفسه»
الساحة الكويتية ومخاض مشهد «ليبرالي ـ إخواني»
كامل قاسم حازر (جريدة السفير اللبنانية 27/3/2012)
سابقة نادرة سجلتها الساحة السياسية الكويتية ليل السبت الماضي، لأول إطلالة إسلامية (إخوانية) بطلها الداعية طارق السويدان، على جمهور التيار الليبرالي، الوطني والديموقراطي. وذلك من على منبر جمعية المتخرجين الكويتية، أحد أبرز معاقل هذا التيار، ليكون نجم فعاليات اليوم الثاني لـ«ملتقى المجتمع المدني»، التسمية البديلة لـ«ملتقى النهضة الشبابي الخليجي» في دورته الثالثة، الممنوع من الانعقاد بأمر من وزارة الداخلية وبضغط ومعارضة تيار السلف والمتشددين.
السويدان، الذي قوطع بتصفيق حار أكثر من مرة، خاطب الجمهور المحتشد، بمشاركة لافتة للشباب السعودي، معلناً «أن الحرية مقدسة ومبدأ من مبادئ الإسلام»، وهي عنده «قبل تطبيق الشريعة»، وداعياً إلى «مجتمع حر ديموقراطي تعددي»، لأنه بوجود مثل هذا النظام «تتحقق الرقابة الشعبية»، ومؤكداً أنه «إذا استبد الإسلاميون في الحكم… فوالله العظيم سنثور عليهم، كما ثرنا على من قبلهم».
وبعدما ذكّر السويدان بأن الليبراليين (الغرب) هم من ألغى الرق في الإسلام وليس الإسلاميين، وجه نقداً واضحاً للتيار السلفي والفتاوى السعودية قائلاً: «لماذا نمنع بناء المساجد والحسينيات… إن الكيل بمكيالين غير جائز، فكيف نطالب بمنع الكنائس لدينا، وفي الوقت نفسه ندعو الى بناء المساجد في بلادهم؟». وشدّد على أن «الإسلام يتعامل مع الفكر بالفكر، وعقلية المنع هي عقلية رجال الأمن وأصحاب الحجج الضعيفة».
عقلية الحجج الضعيفة
ورداً على دعوات «الإقصاء وإلغاء الآخر» التي ميّزت معارضة تيار السلف لانعقاد ملتقى النهضة في الكويت، استعرض السويدان جملة من المواقف لنبي الإسلام مؤكدة الحرية في إبداء الرأي والموقف المعارض وفي المعتقد، وقال متسائلاً: «ماذا يريد مَن نادى بالمنع؟ وهل هذه هي عقلية أصحاب الحجج الضعيفة، وهل هذه عملية تقوم بها الداخلية؟!». وتابع مستغرباً الفهم الخاطئ لحديث «لا يوجد دينان في الجزيرة العربية»، لأن معناه الأساسي أن السيادة السياسية يجب أن تكون للدين الإسلامي فقط، مؤكداً أن عقلية المنع والإجبار والإقصاء ليست موجودة في ديننا.
«إنتصار» التجربة
وبموازاة السويدان، جاءت إطلالة الناشط الحقوقي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت غانم النجار في اليوم الثالث والأخير من فعاليات الملتقى، حيث أكد حقيقة «انتصار تجربة ملتقى النهضة على السياسيين». وقال «انتهى الملتقى ولم تحدث كوارث ولم تقع صواعق ولم تسقط السماء ولم يزدد الكفار كافراً واحداً!»، مشيراً في محاضرته، التي حملت عنوان «المجتمع المدني وحقوق الإنسان»، إلى أن «حاجة الإنسان للكرامة تتجاوز حاجته لأشياء كثيرة».
وبعد تأكيده أن: «الحرية هي التحرر من القيود المفروضة على الإنسان»، قال النجار: «إن وضع حرية التعبير في الخليج لا يحتاج إلى شرح، لأنهم يفرحون بانتكاسة الديموقراطية في الكويت»، ليشير إلى «أن الغرب ليس صادقاً في قضية حقوق الإنسان ولديه نفاق مذهل.. ولكن لدينا في الشرق، الأمر أسوأ».
مشهد جديد للتحالفات
وقبل أن ينتهي الملتقى، بدأت مفاعيل انعقاده تؤشر إلى رسم جديد لمشهد التحالفات السياسية، من خلال عملية فرز تعيد تيار السلف إلى حدود دوره وحجمه، بعدما انتفخ هذا الدور وتضخم ذلك الحجم بالنتائج التي أسفرت عنها انتخابات مجلس الأمة مطلع شباط الماضي.
لقد التقت مواقف التيارات والقوى السياسية الكويتية، ما عدا تيار السلف وكل من موقعه على ضرورة انعقاد الملتقى، لأن «حرية الاجتماع والتعبير في الكويت من الحقوق التي كفلها الدستور ويجب احترامها»، كما قال رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون (تكتل العمل الشعبي)، وجاءت إطلالة الداعية الإسلامي طارق السويدان من على منبر الملتقى في «المتخرجين» وكأنه قادم من خارج تيار الإسلام السياسي الذي اعتادت عليه الساحة الكويتية طوال العقود الماضية، حتى أسماه البعض برائد اليسار الإسلامي داخل منظومة حركة «الإخوان المسلمين»، فيما بعث حضور النائب السيد حسين القلاف بعمامته السوداء ولو لفترة وجيزة في فعاليات ختام الملتقى، برسالة تضامن من الأقلية البرلمانية، بخاصة «تكتل النواب الشيعة».
مع ختام فعاليات الملتقى، يسجل للتيار الليبرالي بطيفه الوطني والديموقراطي ونشطاء المجتمع المدني النجاح في الإمساك مجدداً بخيوط الحراك السياسي على الساحة الكويتية، ومسجلاً خرقاً لافتاً باتجاه شبك هذا الحراك بإطاره الخليجي، ليحقق بذلك «نصراً»، أشار إليه النجار، وأكده عضو ملتقى النهضة الشبابي سعد ثقل العجمي بقوله «إن انتصار جمعيات النفع العام للشباب جاءت لتبرهن لدول الخليج كافة، بأن إقصاء المتطرفين رسالة صدرت من الكويت».
*****************
حق النقد المشروع للملتقيات الحوارية..ملتقى النهضة الشبابي أنموذجا
منصور الهجلة (مجلة العصر 22/3/2012)
تابعت عن بُعد نشاط ملتقى النهضة الشبابي الأول والثاني، والذي لم يتجاوز محاضروه عدد أصابع اليد الواحدة مع محدودية عدد الحضور، لم يدر في خلدي من الانطباع الأول والثاني للملتقى ومتابعة لبعض مقاطع من المحاضرات إلا نشاطا محمودا من جمع من الشباب الإسلامي الذين يرغبون في التطلع لأسباب نهضة الأمة.
ومع كل عقبات المحدودية التي يواجهها المنظمون، فإن الملتقى يحاول أن يشير لبعض النقاط المهمة في مجال النهضة التي يتعذر عليه الوفاء بها في موضوع علمي ومعرفي واسع ودقيق كهذا.
وكما هو معلوم لأي دارس للشريعة وعلومها، أن الغالب على بحث موضوع أسباب النهضة يدور في البعد الإنساني المشترك، أي مما تشترك فيه التيارات والاتجاهات الأخرى في أكثر أجزائه، لأن الدين جاء بالبناء على هذا المشترك، ولم يأت بإلغاء تلك الفطرة الإنسانية، وذلك المشترك الإنساني الذي هو من آثار آيات الله الكونية التي أمرنا بدراستها واعتبارها ورؤيتها بعمق، ويدخل في ذلك كل ما وصل إليه الإنسان في العلوم الإنسانية في القرون الأخيرة والتي يجب أن يتقلد المسلمون فيها سنام الإبداع إنشاء وليس تقليدا واحتذاءً.
فعمق مواضيع النهضة وأسبابها عند تأصيلها بمنهج علمي سليم لا تتعرض بالبحث أو النقد لشيء مرتبط بأصول العقيدة كالتوحيد والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والأسماء والصفات والقدر ومرجعية الشريعة وتحكيمها وطريقة الاستنباط منها، ولا الإيمان، ولا ما هو معلوم من الدين بالضرورة ولا ما هو من المقطوع به في الشريعة من الأوامر والنواهي التي أجمعت عليها الأمة، إلا في تلك الرؤى المتطرفة التي يعرف بطلانها من خلال العلوم الإنسانية نفسها قبل تسليط النقد عليها بالعلوم الشرعية، وهي رؤى قطعا مستبعدة في ملتقى شبابي يشرف عليه إسلاميون!
وهناك وكما هو معلوم رؤى متعددة في مجال العلوم الإنسانية تنطلق من فلسفة العلم والعمل الإنسانية، لكن ومع كل أسف قلما نرى مشاركة إسلامية في هذا المجال تثير هذه الكنوز المعرفية وتعمقها وتؤصلها وتصلها بالحاضر فعلا وانفعالا، فلا تزال الدراسات غير أصيلة ومشوشة وتنقل المعلومات وتدرسها بوساطة كتب مترجمة مهترئة.
فأصبحت الرؤى مشوهة ولو زعمت العلمية بتصدر بعض الأقسام العلمية لهذه المشكلات التي لا يزيد تدخلها في هذه المجالات على قلة البضاعة والاهتمام إلا تأخرا في أبحاثها أكثر مما هو مأمول من تقدم بسبب مشكلات عميقة في الاهتمام بالصرامة المنهجية، بل حتى على مستوى تأصيل فلسفة علمية إنسانية يعتمد عليها الإسلام تكاد تجد ضعف المحاولات في هذا المجال.
وليس هذا فرحا بالضعف الذي نحن جزء منه بل هو ألم وجرح معرفي غائر في الصدور لما نرى استستهال من يزعم العلمية واحتقاره هذه العلوم وزعمه امتلاكه ناصيتها باستعراضات علمية سخيفة لا تنطلي على الباحثين الجادين، بل يعلم من يمارس ثوب الاستعراض أنه مكشوف من الباحثين إلا أن لغة أرقام الجماهير البسيطة معرفيا عنده أولى من الاحتساب المعرفي الدقيق.
وتندرج مشكلة عميقة جدا في ضعف الأبحاث العلمية قلما تجد كثيرا من الإسلاميين يهتمون بها، وخصوصا بعض إخواننا وأصدقائنا من المنتسبين لمنهج السلف الصالح، على الرغم من كونها مسطرة في منهج أهل السنة بوضوح وهي مسألة السلطة والمعرفة، وتبادل التأثير بينها وسعي السنة بتحرير المعرفة من السلطة، سواء أكانت سلطة سياسية أم دينية أم غيرها من أشكال السلطة.
كما حرر كثيرا منها ابن تيمية خصوصا في نقده لكل من يدمج المعرفة تحت عباءة السلطة في المدارس الفلسفية والصوفية والشيعية، ونقده لما يسميه “جزمهم بامتلاكهم الحق في نفس الأمر المسلط على الوحي”، وهو محل السلطة والمرجعية، سواء كانت هذه السلطة في مجتمع سياسي أو مدني، وأنه لا سلطة معرفية متجاوزة غير سلطة الكتاب والسنة وما يعود إليهما من إجماعات الأمة، والتي هي أساسا مبنية على انتظام المعقولية والخير ونفي الفساد والشر، وهذه المستوى المعرفي يفتح الحرية المعرفية أكثر من مذاهب الإلحاد التي تفتح للفوضى وعبادة الطبيعة حتى تصبح أوهام التحليل لقضايا الطبيعة مراجع للتشريع بمسمى الحق الطبيعي.
ملتقى النهضة الشبابي على أهميته وشكرنا للقائمين عليه هو نشاط معرفي محدود، يجب أن ألا يكون الملتقى المعرفي الوحيد، بل أتمنى أن تنظم ملتقيات أكثر تخصصا للشباب في العلوم الإنسانية، للمتخصصين منهم والمهتمين بتقديم أبحاث فيها تنوع معرفي وطرح نقدي للرؤى مع تنظيم أسلوب الحوار من الشباب وتعدد اتجاهات الورقات المطروحة، بحيث لا يكون الملتقى يميل إلى التلقين أو التوجيه بل إلى الإثراء والنقد والإضافة.
ليس هذه الملتقيات من أبناء المسلمين يصح عليه قوله تعالى “وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا، الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”، هذه الآية بكمالها هل تصح أن يطلقها مؤمن على مؤمن أو على الأقل مسلم على مسلم في شأن هذه الملتقيات التي ينظمها مسلمون مع تحضيرهم مضمون الأوراق قبل طرحها؟؟
ولو تنزلنا مع الناقدين، وقلنا إن الكفرة قد ملأوا أجواء هذه الملتقيات كمحاضرين، فإن الغاية التي أشار إليها سبحانه هي “حتى يخوضوا في حديث غيره”، فهل شغل هؤلاء في هذه الملتقيات هو الكفر بآيات الله والاستهزاء بها! مع أنني في بداية حديثي وضحت البعد الإنساني المشترك في كثير من مواضيع النهضة، ورؤية سريعة للمشاركات السابقة في يوتوب وفي الأسماء المعلنة قد تضمنت بعض الشرعيين والمتخصصين في الشريعة الذين لم يعرف عنهم إلا همهم في نهضة أمتهم وقوتها ومواجهة أعدائها الحقيقيين.
ليست السلفية كما يصور البعض هي خصم لهذه الملتقيات، السلفية الحقة هي المنهج الأمثل وهي المنهج العدل والتي تتبنى مشروع التحرر والتحرير المعرفي المعتمد على الحرية المعرفية التي لا تتجاوز حقائق الكتاب والسنة ولا تقدس مقولات شرق أو غرب ولا ترى لقيم الغرب أو الشرق أي “إطلاقية”، بل هي اجتهادات إنسانية نأخذ منها بعد نقدها وتمييزها.
محاربة هذه الملتقيات خصوصا إذا اتجهت في المحظور عند أعدائنا أعني في “نهضة الأمة وقوتها”، هو في الحقيقة تحقيق لرغبات الاستبداد والفساد عالميا كان أو محليا، والحنق عليها بسبب وجود اختلافات علمية أو فكرية أو غيرها مع المنظمين هو خطأ لا يليق بأهل العلم والباحثين، بحيث يظن هذا الناقد أن الأمة لا يمكن لها أن تنهض إلا بشكل من النقاء الذي يتخيله وباللون الواحد الذي يؤمن به في صراع حول مسائل هي دون الأصول والثوابت الشرعية، ولا شك أن النقد لمضامين هذه الملتقيات واجب وليس أمرا من الكماليات بل هو المطلوب الشرعي قبل أن يكون النقد فقط للتنظيم ولعقائد المحاضرين؟!
فمن قال إن المحاضر في أمر علمي أو معرفي أو إنساني شرط أن يكون من أهل السنة والجماعة بل وسلفي على منهج فلان أو علان! فهذا بغي علمي ومعرفي.
وأذكر هنا بنص جميل لابن تيمية في منهاج السنة: “لأن الخوارج كانوا عبادا متورعين كما قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم الحديث، فأين هؤلاء الرافضة من الخوارج والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد، لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأهواء، فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين، والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة والزيدية من الشيعة خير منهم أقرب إلى الصدق والعدل والعلم وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج، ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم فإن الظلم حرام مطلقا كما تقدم بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض وهذا مما يعترفون هم به ويقولون أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضا وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسد مبنى علي جهل وظلم وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين فصاروا بمنزلة قطاع الطريق المشتركين في ظلم الناس ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض، والخوارج تكفر أهل الجماعة وكذلك أكثر المعتزلة يكفرون من خالفهم وكذلك أكثر الرافضة ومن لم يكفّر فسَّق وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأيا ويكفرون من خالفهم فيه وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول ولا يكفرون من خالفهم فيه بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق كما وصف الله به المسلمين بقوله: “كنتم خير أمة أخرجت للناس”، قال أبو هريرة: “كنتم خير الناس للناس”، وأهل السنة نقاوة المسلمين فهم خير الناس للناس”.
فإذا كان أهل السنة نقاوة المسلمين وخير الناس للناس؟ فهل تصح تلك الأوصاف التي جمعت في المنظمين، حتى يروي (شخص عن شخص) إلحاد محاضر وكفره من دون بينات، بل حتى اللمز بالنكهة النسائية لم يسلموا منها وفيها من بشاعة الدلالة ما لا يخفى! ولو ثبتت بعض الأخطاء فهل رحمة المسلم للمسلم تقتضي ما يصرح به البعض في المطالبة بنقد الأشخاص والمساس بهم “مع تغييب كامل للتعرض لمضامين الملتقى وبحث نقده علميا” الذي لم ير النور حتى الآن!! وهل الكذب والفجور الذي نراه في نقد هذا الملتقى صفة من صفات أهل السنة.
يقول ابن عبد البر: من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم، روى يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت ابن وهب يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: “ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف”.
ويقول الذهبي رحمه الله: “وقد صرنا في وقت لا يقدر الشخص على النطق بالإنصاف، نسأل الله السلامة”، ويقول الشوكاني: “واعلم أن أسباب الخروج عن دائرة الإنصاف، والوقوع في موبقات التعصب كثيرة جدا: وذكر منها: ما يقع بين أهل العلم من الجدال والمراء، فإن الرجل قد يكون له بصيرة وحسن إدراك ومعرفة بالحق ورغوب إليه فيخطئ في المناظرة ويحمله الهوى ومحبة الغلبة وطلب الظهور على التصميم على مقاله، وتصحيح خطئه، وتقويم معوجه بالجدال والمراء، وهذه الذريعة الإبليسية والدسيسة الشيطانية قد وقع بها من وقع في مهاوٍ من التعصبات ومزالق من التعسفات عظيمة الخطر، مخوفة العاقبة، وقد شهدنا من هذا الجنس ما يقضي منه العجب”.
سأختم مقالي هذا بتعليقات بسيطة حول ثلاث نقاط:
الأولى: التعامل مع المخالف (سواء كان كافرا أو ضالا أو من أهل الأهواء) مرتبط بالمصلحة كما نجده في تقريرات القرآن والسنة، وقد قرره ابن تيمية وخالف بعضهم، والمصلحة مربوطة قطعا بالظرف تاريخيا وزمانيا ومقاليا وحاليا وغيرها مما يحف بالمصلحة وتقديرها، ومن ذلك أيضا المضمون الذي يحاضر به المخالف، والمخالفة في تحقيق المصلحة هي من باب الاجتهادات والإنكار فيها يجب أن يتحلى بآداب النقد في مجال الاجتهاد السائغ.
الثانية: مسألة ظهور الدين بالإنكار في اجتهاد كهذا! الشدة في الإنكار، ورفع الاجتهاديات إلى قطعيات، والجزئيات إلى أصول، مع اعترافي بحق المخالفة، هو في حقيقته نوع من البغي المنهي عنه، وتمزيق لصف المسلمين وتشويش عما في هذه الملتقيات من خير على المسلمين، على حساب أخطاء أو شرور قد تنغمر في رجحان حسنات البحث، وهنا أتمنى من الباحثين أن يتفحصوا كلام الجويني في غياث الأمم في سياسة الموازنة بين المصالح والمفاسد!
الثالثة: مسألة موضوع “المجتمع المدني” الذي تحاضر فيه الملتقى الشبابي الثالث هو موضوع مهم جدا وجدير بالبحث، والأطروحات الغربية المعاصرة بدأت تقترب من الطرح الإسلامي الأصيل، والطرح الإسلامي المعاصر بدأ يبتعد عن أصالة طرحه في تاريخه وثقافته، وذلك أن الحركات الإسلامية المعاصرة في باب السياسة الشرعية اعتمدت في أبحاثها على ردود الفعل من الواقع التاريخي الذي عاشوه، لذا تلاحظ أن المقالات الإسلامية المعاصرة تميل لشمولية الدولة وتدخلها في كل الشؤون تأثرا بالطرح الشمولي القومي في الماركسية وغيرها، وذلك وإن كان بإطلاقية وضعية، فإن الإسلاميين يطلقونها شرعيا، وهو في الحقيقة إطلاق لمساحة الظن والاجتهاد.
والأطروحات الجديدة، وهي موجودة في قراءات ابن خلدون للمجتمعات الإسلامية، تستطيع أن توضح الفرق بين المجتمع السياسي “الدول” والمجتمع المدني:
فالمجتمع السياسي يمكنه أن يكون ممثلا لمفهوم (أولو الأمر) في القرآن، ويشمل سلطات الدولة الثلاث التي تتوزع فيها السلطات، فلا يملك أحد كائنا من كان سلطة مطلقة، غير السلطة المطلقة التي يؤمن بها المسلمون أعني سلطة الكتاب والسنة، كيف وأن المجتمع السياسي هو بعض وجزء من المجتمع المدني “المسلم” الذي هو الحاضن الأم (وأولي الأمر منكم)، ووظيفة المجتمع السياسي يغلب عليها القيام على النظام السياسي والنظام التربوي.
أما المجتمع المدني، فيغلب عليه القيام بالنظام الديني أو الثقافي والاقتصادي، وكلا المجتمعين متلازمان ومتعاضدان.
وجوهر المشكلة في محور المجتمع المدني هو ذلكم الصراع على القيم المعنوية والدينية واستبعادها لصالح الصراع على القيم المادية كما في الطرح العلماني العربي، فالطرح الإسلامي يجب أن يستحضر عامل القيم الدينية والمعنوية باعتباره مكونا أساسا في المجتمع المدني للحفاظ على سلمه ومحاولة إدارة صراعه في نطاق احترام تلك القيم.
****************
ملتقى «النهضة»، محفل.. «ماسوني» أم.. «ليونز»؟!
فؤاد الهاشم (صحيفة الوطن الكويتية 24/3/2012)
.. أعرف «عصر.. النهضة» في اوروبا الذي جاء بعد ان دخل الكهنة والقساوسة والبطاركة الى كنائسهم وتحول الحكم في بلدانهم من ديني الى مدني، وأعرف مجلة «النهضة» الاسبوعية كانت تصدر عن دار «الرأي العام» السابقة ومؤسسها وصاحبها هو المرحوم «عبدالعزيز المساعيد»، وكان يكتب فيها المرحوم ولده «يوسف» الذي رأس تحريرها، وقد ارسلت اليه بعض الخواطر التي نشرها وانا طالب في الصف الاول الثانوي نهاية الستينيات!
أعرف منطقة «النهضة» السكنية التي تقع قرب مقبرة الصليبيخات، ولا توجد بداخل صالات أو مطابخ منازلها «بلاطة راكبة جنب بلاطة.. عدل» بسبب «شدة اتساع» ذمة المقاول الذي.. بناها!!
أيضا، أعرف «مطعم فلافل النهضة»، وكان يقع في حولي بداية السبعينيات ولصاحبه المرحوم السوري «أبوجهاد»، وقد توفي الى رحمة الله – بعد ان شاهد سيارة مسرعة تصدم ولده «جهاد» ابن السادسة عشرة وتتركه صريعا.. وتهرب!
هناك «بقالة النهضة» و«بنشرجي النهضة» و«أزياء النهضة» و«خياط النهضة» و«مكسرات النهضة».. وغير ذلك كثير، ولو توجهت الى وزارة التجارة وطلبت منهم احصائية بعدد «النهضات» في الديرة، فسوف تفاجأ بأن عددهم أكثر من عدد البنات في «المارينا – مول».. ليلة جمعة!!
كل ما سبق ذكره معروف شكله ونشاطه وتاريخه وبضاعته ونوعه – حتى بدايته ونهايته – لكن الشيء «النهضوي» الوحيد الذي لم ار له «رأسا ولا كرياسا» هو ذلك الملتقى المسمى بـ«النهضة» والذي دار جدل كبير حوله في الصحافة ومجلس الأمة ووزارة الداخلية ووزارة.. الإعلام!!
لا احد يعرف محتواه ولا موضوعه، ولا أسماء المشاركين فيه أوأهدافهم أو أوراقهم!!
قالوا انه «سيعقد في صالة مغلقة داخل فندق وبحضور خاص، وكأنه ملتقى لمحفل ماسوني أو اجتماع لأعضاء في «الليونز» أو حفلة «هالاوين في منزل ممثلة.. اغراء في بيفرلي – هيلز»!!
تتبعت اراء واقاويل من يدعم اقامة هذا الملتقى ومن يقف .. ضده حتى يتبين لي «الخيط الأبيض من الخيط الأسود»، ولأن.. «الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على .. البعير»، لكنني تفاجأت بـ «خلطة عجيبة» من التوجهات السياسية التي لم تتفق في يوم ما على أمر، واتفقت على هذه.. «النهضة»، فصاروا أشبه بـ «جدر مرق شبزي على فاصوليا على لحم»!!، المنبر الديموقراطي .. يؤيد إقامته متفقا ومتحالفا مع تنظيم «الإخوان المسلمين بالاضافة الى التكتل الوطني الليبرالي! في المقابل، يعترض التيار السلفي المتمثل بجمعية إحياء التراث – وبشدة – على اقامته، في حين يقف النواب الشيعة معه.. ولكن بحذر و.. «من بعيد»!! ما حكاية هذا الملتقى «النهضوي»؟
وما الذي جمع .. «الشامي على المغربي، وخلط السمك.. بالتمر الهندي»؟!
أتمنى لو أن أحداً من الذين نشرت صورهم على صدر الصفحة الأولى في «القبس» – يوم أمس – وهم «غنيمة العتيبي وغانم النجار وسعد العجمي وسعود العنزي ومها البرجس» .. يشرب حليب السباع ويشرح لي – ولكل الكويتيين – «مين عايز.. ايه»؟!.
*****************
فكر النهضة الإسلامي وصوتُ الأغلبية
مهنا الحبيل (صحيفة المدينة 31/3/2012)
أثار جدول برنامج ملتقى النهضة بالكويت دورة عنيفة من الجدل والتحريض والإساءة البالغة التي طعنت في دين المنظمين الفضلاء والمشاركين وانتُهكت أولويات القيم الشرعية في التثبت و حرمات الناس وحقوقهم المعظمة في الشريعة , فضلاً عن أساسيات الأخلاق وليس المقصود بالذم حق النقد العلمي المجرد لأي شخصية علمية شرعية أو فكرية أو منشط ثقافي تتميز بالمنهج الراشد والقصد النبيل لإظهار ما تراه حقاً بما فيها ما وُجّه للملتقى من بعض المشاركات النقدية , لكن المقصود استفحال ثقافة الاستباحة والتحريض بلغة سوقية وحراك منظم بأسماء وشخصيات كبيرة تُنظم بذاتها هذا الطعن والاستباحة أو ما يصل للتكفير الضمني أو إطلاق التضليل , ثم تُعقب هذه الحملات ببيانات تقعيد شرعي تبارك الحملة دون استثناء أو تفصيل , ولنا هنا محطات مهمة نقف فيها لبيان وجهة نظرنا التي كانت بعضها قبل شهر من انطلاق الملتقى ولها ملاحظات رئيسية مركزية على جدول الملتقى ذكرناها لشخصية كريمة وكبيرة في هذا المضمار من شخصيات المجتمع المدني الشرقي السعودي ورجونا أن يُعدل البرنامج حتى لا يُستفز الناس , وأهم من ذلك أن البرنامج في تقديرنا لا يتفق مع سلسلة منهجية فكر النهضة الإسلامي وموقف التيار الغالب فيه وقد نقل رؤيتنا مشكوراً لإدارة الملتقى في حينه , لكننا في ذات الوقت احترمنا هذا الاجتهاد ورجونا أن يُصحح في أقرب وقت وهو ما تمنيناه وسنبقى نحتفظ برؤيتنا ونحترم اجتهاد إخواننا.
أما المحطة الأولى وهو حق أولي في التعريف وهو هنا ما المقصود بفكر النهضة الإسلامي , إن فكر النهضة الإسلامي ( في رؤيتنا ) ينطلق من ثلاثة مسارات رئيسية وقفت عند نصوص الشرع المتتابعة نصاً ومقصداً في أنّ دين الله الإسلام هو رسالة الله للبشرية وخاتمة رسله وهو الدين المُفصِّل المؤصِّل لمسار العبودية لله والاستخلاف للبشرية وأنّ بلاغ هذا الدين يأتي في شقيه العبودية الحقّة للخالق وتحقيق الاستخلاف في حق البشرية قائماً على ما جعل الله لها من نهج ودلالة بإقامة العدل وتحقيق الواجبات للنفس البشرية في أقصى درجات العدل المستوفي لشروط الكرامة , وعليه فان بث أسئلة النهضة لم يكن وليداً بهذا العهد بل سابقا لها وهو مرتبط بمساره الثاني في قضية تجديد دين الله عز وجل حين يرنو على خطاب الدين من يُحرّف نهجه وهديه ويجعله نهباً للطغيان , طغيان المتنفذ أو طغيان الفرد في كل المسارات , وأين يتحقق مسار الاستنباط النهضوي في هذا الفضاء الواسع من مدارات الفقه للحياة الإنسانية وهو قديم التأصيل في فقه الراشدين ومن يليهم .
بدءا من نصوص الوحي ومقاصدها ومن الهيئة الانتخابية التي وضعها عمر رضي الله عنه إلى فقهه في عام الرمادة وموقفه من تَغلُب المسيحية , إلى حوار أمير المؤمنين عثمان مع البغاة الطغاة وما رآه حظاً من سعة تسامحه مع الرعية رغم مبالغته حتى استشهد رضوان الله عليه , والى حوار أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مع نزعة التكفير الأولى في أمته وكيف نظّم الخلاف وحق الإنسان حتى في قلب الصراع الدموي بما يُدهش النفس البشرية لهذا الاستيعاب والمنطق الجدلي المرتفع في أخلاقياته وفي الاعتذار عن خصومه , ونخبة من مواقف الراشدين المهديين وفقه ابن عباس رضي الله عنهم , وصولاً إلى أئمة العدل والنور في قضائهم الاجتماعي والأخلاقي المشرق من الحسن بن علي ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز الذي جعل الإمام مالك سنته مثبتة في الموطأ كما يُسند للراشدين لأنه رآه مجدداً في الدين , ثم قس على ذلك ما صدر من أئمة المسلمين في فقه النهضة بين الأخلاق والحكمة ودلالتها للاستخلاف في العدل بالحق في طبقات العلماء الربانيين من جيل الحسن البصري حتى مدرسة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع وما أعقبهم .
كل هذا التراث الضخم هو من قواعد أسس الفقه النهضوي الإسلامي الذي درج على التأسيس عليه بمساحات مختلفة ومتفاوتة أئمة ومفكرون ومثقفون من العهد المعاصر الذي أعقب الاستقلال واستيقاظ الأمة على حجم ما ألحق بخطاب الدين من تحريف وتجهيل وغلو وتكفير أو تمييع أخرجه من قواعد الرسالة وخصوصية الإسلام ونذكر على سبيل المثال لا الحصر :
المفكر مالك بن نبي والإمام محمد عبده والشيخ د مصطفى السباعي والشيخ علي الطنطاوي والشيخ محمد الغزالي والإمام القرضاوي في عموميات منهجية النهضة وصولا إلى عصرنا كالشيخ عبد الكريم بكار والفيلسوف طه عبد الرحمن والشيخ سلمان العودة والشيخ حامد العلي والمفكر د محمد الأحمري و د جاسم سلطان و د طارق السويدان و د طارق رمضان وغيرهم , إلا أنّ العهد الأخير لحاجة المجتمع إلى فقه الدسترة الإسلامية وحقوق المجتمع وتجديد الأخلاق وهو المسار الثالث , كانوا أكثر فيه تأصيلاً لشروط استخلاف العهد الجديد للبشرية .
وسنكمل مستقبلاً لنجيب أين الخطأ في الموقفين من الملتقى وهل النهضة تعني تنحية الشريعة ؟
***************************
ملتقى النهضة.. وأزمة تلد أخرى!
محمد الجدعي (جريدة القبس الكويتية 27/3/2012)
أستغرب هذه الضجة الكبيرة والزوبعة الضخمة، التي أثيرت حول ملتقى النهضة الشبابي الثالث، المقرر له الانعقاد في فندق وريزادانس الفنطاس في الكويت، تحت عنوان «المجتمع المدني.. الوسيلة والغاية»! والمدعو إليه نفر من المفكرين والسياسيين وأساتذة الشريعة والناشطين الحقوقيين، وعدد كبير من النشطاء الشباب من كل المجالات، ومن المهتمين بالعمل النهضوي ككل. هذا الملتقى الذي أتى تحت إشراف مباشر من د. سلمان العودة (المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم الرائدة في خدمة الإسلام والمسلمين)، صاحب الكلمة الشهيرة التي أطلقها في افتتاح الملتقى الأول، حين قال: «النهضة ليست معارضة.. ولا ولاء سياسياً أيضاً»!
من المؤكد أن هناك من استفزته توجهات بعض المفكرين المدعوين، حيث وجدوا في طروحاتهم شبهة وغموضاً كبيرين، ومن المحتمل أن يراها البعض منفرة، وقد يكون فيها مساس بدول خليجية شقيقة، ولكنهم قد نسوا – أو ربما تناسوا – أن هذا الملتقى الذي يمر بدورته الثالثة، انعقد في دورته الأولى في البحرين، والثانية في قطر، فلم تثر هناك أي مشكلة حوله، فلماذا لدينا نحن في الكويت هذه الحساسية المفرطة وهذه المصادمة العنيفة؟ أم أن هناك في الأمر شيئاً لا نعلمه؟! حتى شعرنا بأن هناك من يريد إشعال معارك سياسية طاحنة في الكويت، وعلى مدار 24 ساعة متصلة، على أي شيء، وفي أي شيء، ومن لا شيء! المهم أن هناك أزمةً مستمرةً وتوتراً دائماً!
لا أريد الخوض في الأسباب الفكرية أو الايديولوجية، التي يتمسك بها كل من فريق المؤيدين أو المعارضين للملتقى، ولكن ما أعرفه أن الح.جر على الآراء ومنعها بلا شك سُبة في جبين رافعي شعار الديموقراطية وممارسيها! إذ بحثنا فلم نجد سبباً واحداً مقنعاً من قبل رافضي هذا الملتقى، ومنهم – للأسف – نواب إسلاميون سلفيون رفضوا – وبشدة – انعقاد هذا الملتقى، لاحقتهم تغطية إعلامية تقليدية، وأيضا تويترية، فيسبوكية مكثفة (ما يسمى الإعلام الجديد) فلم تبق ولا تذر، مما أدى إلى انتباه عامة الناس إلى هذا الملتقى، فحركوا وألَّبوا الرأي العام ضده، متأثرين بما طرح من طرف الرافضين! وفي المقابل، كنا نتمنى على القائمين على إدارة ملتقى النهضة تفاعلهم الإعلامي الإيجابي بتبريرات واضحة وشفافة، تدحض كل الإشكالات وكل الشبهات التي أثيرت من حوله، وتحديداً كنا نتمنى لو أن السيد مصطفى الحسن – وهو مدير الملتقى – تواجد إعلامياً، وقام بهذا الدور، وهو ما لم يحصل، فرجحت كفة الميزان إعلامياً للطرف المعارض!
عموماً، هذه الضجة الإعلامية، التي أثارها معارضو هذا الملتقى لم تؤت أُكلها، فلا الملتقى ألغي عنوة، ولا الطرف الثاني تنازل عن حقه في عقد الملتقى، «وإن كان هناك اعتذار من بعض الضيوف من الخارج»، إلا أن الملتقى عقد في جمعية الخريجين بعد تبنيها له، وحولت الدعوة من خاصة إلى عامة، مستفيدة بذلك من الهالة الإعلامية المحيطة به، وبالتالي كانت كالدعاية المجانية أدت إلى توافد أعداد كبيرة من الشباب والضيوف «وممن لم يسمع بهذا المؤتمر من قبل» للحضور إلى فعاليات ملتقى النهضة، الذي أقيم تحت شعار «الدولة المدنية»! على أمل أن كلا من الطرفين قد استفاد فعلاً من نتائج ما حصل وتفاديها مستقبلاً! وهنا، نطرح سؤالاً جوهرياً ومهما – برأيي -: هل سنرى أزمة أخرى تولد من رحم هذه الأزمة المفتعلة؟ وهل ستتكرر الأزمة تلو الأزمة، لا لشيء سوى افتعال الأزمات؟! الإجابة – برأيي -: «نعم»!
*****************
ملتقى النهضة ومنهج الاستقواء بالسلطة
د. عبداللطيف الصريخ (جريدة الكويتية 24/3/2012)
بداية أحب أن أنبه أني لم أعرف مادار بملتقى النهضة، الذي ثارت حوله ضجة في الأيام الأخيرة، إلا من خلال ما تناوله الناس في تويتر، ولا أعرف منظميه عن قرب أو بعد، ولكني تفاعلت مع الحدث عندما بدأ الفريق المعارض لإقامته في الكويت بالاستقواء بالسلطة ووزارة الداخلية للحجر على التفكير بصوت عالٍ مسموع، في بلد يدعي أهله أن هناك دستورا يحكمهم، كما يدعون أنه أرض خصبة للحريات والتعبير عن الرأي، ولكنهم يمارسون عكس ذلك للأسف.
قلت ما سبق حتى أوضح أني لست أقف هنا مدافعا عن المؤتمر ذاته ولا عن المشاركين فيه أو المشرف العام عليه، العلامة الدكتور سلمان العودة، ولكني أقف هنا لأوضح مجموعة من النقاط في غاية الأهمية، غابت وقد تغيب عن أذهان الكثيرين، وهي:
إننا ضد نشر الفوضى والتخريب في دولنا بلا شك، ولكن هذا لا يعني ألا نسمح بتداول الأفكار التي لا نستسيغها، وليس هناك تلازم بين الفوضى والتخريب وتلاقح الأفكار المتعارضة التي قد لا نتوافق معها أصلا، لا في الأصول ولا في الفروع.
الفكر لا يقاوم بفوهة البندقية أبداً، بل لا بد من الحوار والنقاش وتداول الحجج، والانفتاح العقلي الذي يسمح لك أن تستمع للطرف المقابل، وألا تدعي لنفسك ولفكرك العصمة من الخطأ والزلل، وما قام به أحد أعضاء مجلس الأمة من تحريض وزير الداخلية على منع إقامة هذا الملتقى لا شك لدي أنه عملٌ مرفوض البتة، لأنه يؤسس لمنهجية القمع الفكري، وهو سلاح قد يستخدمه الآخر ضدي متى شاء، وهو أسلوب لا يبني دولة فيها مختلف الأطياف الدينية والمذهبية والفكرية والأيديولوجية.
الهجوم العنيف الذي قام به معارضو الملتقى لم يكن مبرراً، فقد انتقدوه لإشراف العلامة سلمان العودة، وفتحوا بعض ملفاته القديمة بطريقة مضحكة مبكية، كما لم يَرُقْ لهم أن يشارك السني والشيعي والليبرالي والملحد- على حد زعمهم- في نقاش مفتوح تمت دعوة وسائل الإعلام لحضوره ونقل فعالياته.
انتقدوا أن يكون الملتقى مغلقاً على فئة من الناس فقط، وكأنهم يلمزون من طرف خفي أن الملتقى سيطرح أفكاراً ستساهم في تقويض الأنظمة الحاكمة في الخليج، رغم أن عنوان الملتقى كان عن الدولة المدنية، الغاية والوسيلة، ومن حق أي أحد أن ينظم ملتقياته بشكل غير مفتوح للجمهور، وهذا لا يعني أبداً أن تلك الملتقيات سرية المضمون، ولكنه أسلوب متبع في كثير من دول العالم لحصر النقاش في تلك الملتقيات والمؤتمرات في المهتمين بمواضيعها.
تصريحات النائب محمد هايف كانت خطيرة، بعد أن قامت جمعية الخريجين الكويتية بتنظيم بعض المحاضرات التي كانت ستقام في ذلك الملتقى ضد أحد التيارات الإسلامية، وبأنهم يجاملون الليبراليين والشيعة، حيث وجه كلامه لهم بأنه لا مجاملة في الشريعة الإسلامية، وكأنه الوحيد الذي يدافع عن شرع الله، بينما الآخرون مقصرون!!
ما أكثر الحجج التي أضحكتني لمعارضي الملتقى تلك التي أوردوها بأن الملتقى يفسد علاقتنا بالشقيقة المملكة العربية السعودية، وأن المشاركين في الملتقى يسعون لهدم النظام هناك، وأنا أستغرب هنا من هذا الكلام القاصر والحجة الضعيفة وأقول لهم: أين وزارة الخارجية السعودية، أو على الأقل السفارة السعودية في الكويت عن الموضوع؟ فأنا لم أسمع أنه كان هناك أي اعتراض على عقده في المرتين السابقتين من قِبَل السلطات السعودية، كما أن مدير الملتقى وبعض المحاضرين فيه مواطنون سعوديون، وبإمكان السلطات هناك أن تتعامل معهم كيفما تريد، فلماذا يريد بعضهم أن يكون ملكيا أكثر من الملك.
أعيد وأكرر، أنا لا يعنيني قيام الملتقى من عدمه، ولكن أسلوب التعاطي معه لا أقبله أبداً في بلد نتغنى فيه ليل نهار أننا بلد الحريات.
************
ملتقى النهضة.. يتبرأ!
د. هيلة حمد المكيمي (النهار الكويتية)
بعد مقالي الأول بعنوان «ملتقى النهضة والتشكيك» وصلتني العديد من الاتصالات التي توضح طبيعة هذا الملتقى حيث ذكرت في مقالي ان الملتقى اخذ الطابع السياسي حيث سيطرت عليها ثلاثة تيارات سياسية منها التحالف الوطني وحدس والتكتل الشعبي، والحقيقة ان ملتقى النهضة الأساسي هو في الواقع عبارة عن جهود شبابية بحتة تحاول وتسعى لرفع الوعي الثقافي وليس لها لا من قريب ولا من بعيد علاقة بهذه التيارات السياسية التي سارعت في محاولة منها لسرقة جهود هؤلاء الشباب والتسلق على ظهورهم كالعادة، حيث تحول الملتقى لمادة إعلامية تعيشت عليها هذه التيارات، وهذا دليل على حالة الإفلاس الفكري التي تعيشها التيارات السياسية، فبدلا من إطلاق نموذج حواري حقيقي فيما بينها، سعت إلى الأسهل وهو سرقة جهود الآخرين.. ولهذا جاء رد إدارة الملتقى حاسما على تصريح جمعية الخريجين التي أقامت ملتقى بنفس اسم ملتقى الشباب بعد ان تعرض ملتقى الشباب للهجوم، ولهذا أصدرت إدارة ملتقى النهضة الشبابي بياناً «تتبرأ من مؤتمر جمعية الخريجين وتؤكد انه لا يمثلها وتجدد احترامها لقوانين وقرارات دولة الكويت».
ولهذا كان أجدر بجمعية الخريجين ان تتبنى ملتقى مختلفا وباسم مختلف وألا تقيمه بتصور مختلف عما كان عليه الملتقى الأصلي، وذلك حتى لا يتم تشويه الفكرة والاساءة لهؤلاء الشباب والزج بهم في أتون معارك سياسية، لم يكونوا يرغبون في خوضها.. بل هذا التسابق ما بين التيارات السياسية لخطف ثمار جهود هؤلاء الشباب تبين سواء عبر الصراع السلفي – الاخواني ومن ثم الاخواني- الليبرالي.
فقد جاء الهجوم الاول من النائب محمد هايف الذي هدد الحكومة في حال استمر قيام هذا المؤتمر، وبفعل ان سليمان العودة مدعو، قد يكون دافعا اساسيا لتحمس الاخوان المسلمين ،حيث اعتبر جمعان اعتراض هايف انه «تعريض لمخالفيه من الاسلاميين أمرا خطيرا والاخطر ان تختزل الشريعة بفهمه لها»، فمعارضي هذا الملتقى يعتقدون بان هناك من المشاركين من هم ضد الشريعة، وآخرون صهاينة، وآخرون وقفوا ضد الكويت ايام الغزو، ومنهم من هو ضد السعودية.
كما لم ينس السلف ان يهاجموا التحالف الوطني، ولهذا أعرب النائب خالد السلطان عن استغرابه بسماح جمعية الخريجين وهي واجهة التحالف الوطني بدعوة أحد المشاركين وهو يحمل جواز سفر الكيان الصهيوني.
وحدس سرعان ما باعت حلفاءها من التحالف الوطني وأكبر دليل ما قاله مبارك الدويلة الذي فضل مهاجمة التحالف على انتقاد هايف، ان هذا المؤتمر لم يكن في الأصل ضد الشريعة لكنه تحول الى ذلك بعد ان ألغى الملتقى الأصلي وتم تبنيه من جمعية الخريجين المعروفة بتوجهاتها الليبرالية حيث «جاءوا بليبراليين ألقوا أطروحاتهم وعملوا الملتقى بالطريقة التي يريدونها».. وان مؤتمر الخريجين يختلف من حيث الحضور والمحاضرين والعناوين والأهداف، في حين الملتقى الأصلي الذي كان من المفترض ان يقيمه سلمان العودة فنحن نؤيده بشدة في كل أطروحاته على الرغم من تسابق التيارات على هذا الملتقى، الا ان القائمين عليه يصرون بانهم يتبرون من كل هؤلاء..تبرؤ الشباب من تيارات تحاول الصعود على ظهورهم للتكسب المادي والسياسي.. خطوة في الطريق الصحيح.
*****************
الملتقى والتشكيك!!
د. هيلة حمد المكيمي (النهار الكويتية)
تابعت الاتهامات المتبادلة ما بين عدة اطراف على خلفية عقد ملتقى النهضة الثالث والذي على ما يبدو بادرة من قبل عدد من نشطاء السياسيين في الخليج وعلى الاخص السعودية، ثم قرأت بيان جمعية الدفاع عن حقوق الانسان، التي ادانت الهجمة الشرسة على حد تعبيرها مناشدة محتلف الجهات الرسمية للسماح بقيام هذا التجمع، كما جاء تصريح عدد من من النواب، لاسيما نواب الاخوان المسلمين للدفاع عن الملتقى وان الخلاف الفكري يكون بعد الاستماع لوجهات نظر مختلفه على حد تعبير النائب محمد الدلال.
اشكالية المتلقى على مايبدو والتي اثارت حفيظة عدد من الاطراف سواء كانت متشددة اسلامية من امثال النائب محمد هايف او بعض الكتاب من غير الاسلاميين من امثال الكاتب فؤاد الهاشم والذي رفع عدداً من التساؤلات عن الملتقى بحيث اطلق عليه بعض الاوصاف كملتقى ماسوني او نادي روتاري.. اعتقد ان تلك الاشكالية اتت كون غالبية المشاركين ينتمون الى تيارات سياسية اكثر من انتمائهم لجميعات نفع عام، بل ان التيارات السياسية انحصرت في التحالف الوطني والتكتل الشعبي او حركة الاخوان المسلمين.
و لهذا فان ارتفاع وتيرة التشكيك قد يكون بفعل فقدان مشاركة اي من الشخصيات المستقلة وغلبة التيارات السياسية والتي تعاني بدورها من حالة من انعدام الثقة مع الشارع الكويتي، فتواجد «حدس» بغالبية مقاعد النواب لا يعكس بالضرورة اتجاهات الناخب الكويتي بقدر ما يعكس رغبته باختيار النقيض للحكومة الماضية ، فالتصويت ردود افعال اكثر من كونه التزاما حزبياً.
يبقى ان نؤكد أن عملية التشكيك غير مبررة فنحن نعيش في مجتمع مفتوح ، ويجب ان تتسم غالبية تلك الانشطة بالشفافية والانفتاح والمصداقية والا تسعى لاهداف مختلفة او بعيدة عن تلك المعلنة وهذا باعتقادي ما هو حاصل في الكويت!!
************************************
المنظمون – أبرز الشخصيات – الأهداف
تعريف بالملتقيات الثلاث
بيانات وفتاوى
مقالات وتحقيقات حول الملتقى.
ملتقى خليجي يديره شباب من دول مجلس التعاون الخليجي أتتهم الفكرة قبل ثلاث سنوات منذ عام
2009 وترجموها إلى واقع مستهدفين فئة الشباب (18-30 رجال ونساء) عقد الملتقى الأول في البحرين عام 2010 والثاني في قطر عام 2011 والثالث كان مزمع انعقاده في الكويت في الفترة من 23 إلى 26 مارس 2012 لكنه تعثر حيث قررت الداخلية الكويتية منع إقامته بضغط ومعارضة بعض التيارات والبرلمانيين , وهو حوار مفتوح للجميع لطرح يهدف إلى مناقشة المواضيع المتعلقة بالنهضة والحضارة, والحوار حولها, والالتقاء بالمفكرين من شتى الاختصاصات وأصحاب التجارب.
المنظمون للملتقى
1-مصطفى الحسن: أستاذ التفسير بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومؤسس ملتقى النهضة ـ مهتم بالفكر الإسلامي والتجديد الديني خصوصاَ.
2-سلمان العودة: الداعية السعودي المعروف، – المشرف على الملتقى – والمشرف على مؤسسة الإسلام اليوم.
3-جاسم السلطان: دكتور ومفكر قطري تنسب إليه دعوات بضرورة حل تنظيم الإخوان المسلمين،المشرف العام على موقع ومشروع النهضة – وهو مختلف عن ملتقى النهضة – ، وصاحب سلسلة أدوات قادة النهضة.
أهداف الملتقى وفقا لمنظميه
الهدف العام هو الارتقاء المعرفي بالمهتمين بالنهضة، وذلك من خلال ثلاثة أمور:
1/بناء نموذج للنهضة، والتفكير بعقلية قانونية سننية.
2/تعريف المشاركين برواد العمل النهضوي، وإطلاعهم على تجارب ناجحة في هذا المجال.
3/تعريف المشاركين ببعضهم وبأعمالهم، وتكوين صلات تعاون بين الجميع.
انتماء المنظمين
منظمو ملتقى النهضة يعلنون أنهم لا ينتمون لأي جماعة أو حركة، فالدكتور سلمان العودة يعلن أن: (النهضة ليست معارضة ولا ولاءً سياسياً كذلك) كما يؤكد ذلك مشاري الغامدي ـ منسق فعاليات ملتقى النهضة ـ الذي قال: (القائمون على هذا الملتقى هم إسلاميون مستقلون، لكنهم لا يقدمونه باعتباره ملتقى إسلامياً، بل هو ملتقى مدني يؤمن القائمون عليه بحرية التعبير، والتعددية، والحوار المفتوح، وهذه ليست تهمة حتى ننفيها، بل حق نؤكده ونسعى إليه، ولا يمكن أن نطرح قضية النهضة من رؤية طيف واحد، دون التحاور مع الأطياف الأخرى التي تسعى إلى ذات الهدف).
بداية فكرة الملتقى
يقول مدير ملتقى النهضة الدكتور مصطفى الحسن: (كانت الفكرة إيجاد برنامج يتيح للشباب الخليجي أن يتداول فيه الأفكار، وأن يلتقي بأهل الخبرة، ورأينا أن أهم ما يجب أن نتحاور حوله هو مفهوم النهضة، والحضارة، فسعينا إلى هذا المشروع (ملتقى النهضة الشبابي)، ويهدف إلى طرح المواضيع المتعلقة بالنهضة والحضارة والحوار حولها، واللقاء بالمفكرين من شتى الاختصاصات، وأصحاب التجارب.
النسخة الأولى للملتقى
انطلقت في مملكة البحرين في الفترة 16-19 أبريل 2010 تحت شعار (التغيير .. آفاق ومفاهيم) ، تضمنت الفعاليات جلسات ودورات كما قدمت أوراق ، د.محمد حامد الأحمري (كاتب ومفكر إسلامي متخصص في التاريخ السياسي والمشرف العام على مجلة العصر الإلكترونية) قدم جلسة بعنوان “أثر الفرد بالتغيير” ، أ.نواف القديمي (صحفي مهتم بالفكر السياسي والفكر الإسلامي ) قدم ورقة بعنوان “مسارات الحل عند الإسلاميين” ، د.جاسم السلطان ،قدم جلسة بعنوان “فلسفة التاريخ”، د.مصطفى الحسن ، قدم جلسة بعنوان”من مفهوم الاستخلاف إلى تحقيق النهضة”، من بين الضيوف أيضاً :أ.أحمد عاشور (مؤسس ومدير موقع الجزيرة توك،مهتم بمشروع النهضة وبتطوير إعلام المواطن العربي) ، طارق المبارك (باحث وكاتب إسلامي) قدم ورقة “مشروع النهضة بين النظرية والتطبيق”، وأخيراً هاني المنيعي (مدير الأبحاث والتطوير في مجموعة شركات الإبداع ومدير مشاريع الدكتور طارق السويدان) قدم دورة بعنوان”التغيير في عالم الأفكار”.كما قدم الدكتور سلمان العودة ورقة تحت عنوان “تساؤلات وهموم النهضة”.
****
النسخة الثانية للملتقى
انطلقت في دولة قطر في الفترة بين 8-11 أبريل 2011 تحت شعار (القوة الرافعة للأفكار) ،فكانت الفعاليات تشمل ندوة الإسلام السياسي التي قدمها د.سعد الدين العثماني (أمين حزب العدالة والتنمية المغاربي السابق)، ود.محمد الشنقيطي (الذي كان يعد حينها رسالة دكتوراه حوا تأثير الحروب الصليبية على العلاقات بين السنة والشيعة) ، كما قدم وائل عادل (أحد مؤسسي أكاديمية التغيير) لمفهوم القوة ،و (المجتمع المدني-د.عزمي بشارة) ،(السينما كأداة للتأثير- المخرج السينمائي عبدالله آل عياف) (تجارب حولها الانترنت إلى واقع –عمار خالد)، (دعم المحتوى المعرفي العربي-د.أنور دفع الله) ،(مركزية الانسان-مصطفى الحسن)،(الإعلام والثورة-علي الظفيري)،(البناء المعرفي-د.ساجد العبدلي)، (تجسير الأفكار وتجسيدها-د.جاسم سلطان).
****
النسخة الثالثة للملتقى (الممنوعة)
والذي كان سيعقد تحت شعار “المجتمع المدني… الوسيلة والغاية”، و إن فعاليات الملتقى كانت تتضمن في اليوم الأول ندوة الحريات وتأسيس المجتمعات المدنية يتحدث فيه د. مسفر القحطاني ود. شفيق الغبرا واليوم الثاني المجتمع المدني ومفهوم المواطنة توفيق السيف تكوين المجتمع المدني الخليجي د. شفيق الغبرا مقاربات المجتمع المدني والديني د. خالد الدخيل, الإسلاميون والمجتمع المدني د. شفيق الغبرا, أشكال وآليات المجتمع المدني وليد السليس (ورشة عمل) أما اليوم الثالث فكان يتضمن ندوات: سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة عبدالله المالكي, تمكين المرأة في المجتمعات الخليجية (هالة الدوسري), المجتمع المدني وحقوق الإنسان (د. غانم النجار), التفكير العلمي والمجتمع المدني (د. فهد المطيري).
طالب النواب السلفيون في البرلمان الكويتي بإيقاف الملتقى ومنع انعقاده، لأنه كما يذكرون :
كونه يحمل أجندات مشبوهة.
يقصي الشريعة الإسلامية.
يستضيف شخصيات ليبرالية وشيعية تؤثر على الاستقرار السياسي في البلد.
يروج للأفكار العلمانية بلبوس إسلامي، ويحرض على الاختلاط بين الجنسين.
بعض الأسماء في هذا المؤتمر أسماء سعودية معارضة للنظام السعودي.
جمعية الخريجين الكويتية تجمع شتات الملتقى
وبعد أن ألغي الملتقى بقرار من وزارة الداخلية تبنته جمعية الخريجين 22/3/2012 وانعقد بمن حضر من المشاركين من الكويت بعد أن غادر المشاركون من المملكة العربية السعودية، ورأى المشاركون أن في هذا التبني رسالة إلى دول الخليج بأن المجتمع المدني قادر على تجاوز العقبات .
ولم يكن فقط اختلاف الملتقى الذي تبنته «الخريجين» عن الملتقى الملغى من حيث المكان.. والآلية بتحويله إلى ملتقى مفتوح لمن أراد الحضور على عكس ما كان مقررا للملتقى الأصلي الذي كان مقصورا الحضور فيه على المشاركين وبدون أي حضور لوسائل الإعلام.
بل إن الملتقى الذي تبنته الخريجين عقد تحت عنوان ملتقى المجتمع المدني وهو اسم مشتق من الشعار الذي كان مقررا لملتقى النهضة الشبابي الانعقاد تحته «المجتمع المدني.. الوسيلة والغاية».
**********************
المصادر
-الموقع الرسمي لملتقى النهضة الشبابي.
-انقسامات الإسلاميين في السعودية.. صراع بين النهضة وخصومها! (مجلة المجلة 27 مايو 2012)
-حوار مع مدير ملتقى النهضة (موقع المقال 20 مارس 2012)
-صحيفة الشرق الأوسط (23 مارس 2012)
-صحيفة السياسة الكويتية (23 مارس 2012)
-جريدة الوطن الكويتية (23 مارس 2012)
-أخبار البشير (18 أبريل 2010)
-الموقع الرسمي لمشروع النهضة .
******
بيانات وفتاوى
بيان من علماء ومشايخ السعودية بشأن ملتقى النهضة في الكويت
(المختصر للأخبار نقلاً عن لجينيات 23/3/2012)
29/4/1433هـ
الحمد لله الذي أخذ الميثاق على أهل العلم بالبيان فقال {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَه} (سورة آل عمران:18). ومدح الله من يوفي بميثاقه فقال { وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}(سورة الرعد:20).
وشدد الله الوعيد في كتم العلم، فقال سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}(سورة البقرة:159).
أما بعد،، فقد تابعنا ما نشره المنظّمون لملتقى النهضة الثالث، حيث جاء إعلانه في موقع الملتقى على الشبكة العالمية (الانترنت) كما يلي (سيقام الملتقى الثالث من الجمعة إلى الإثنين 1-4/5/1433هـ، في دولة الكويت، تحت شعار المجتمع المدني: الوسيلة والغاية)، ويشارك فيه عدد من الشباب والفتيات، ومما يؤسف له أنه تحت إشراف بعض المشايخ كما هو في الإعلان.
وقد عرض المنظّمون أسماء الضيوف المشاركين، واستعرضوا جدول الموضوعات التي ستطرح، وعرضوا في موقعهم مواصفات الشريحة المستهدفة.
ولما اطلعنا على بنود هذا البرنامج أحزننا وآلمنا هذا الأمر، لتضمنه مخالفات شرعية في توجه مديره العام، وضيوفه، ومحاوره، والشريحة المستهدفة، بما يوجب البيان، والإعذار إلى الله منها، ومن أكثر ما أوجعنا في هذا البرنامج أنه يزيد الشرخ والفرقة في الوقت الذي نكون فيه أحوج ما نكون إلى الاجتماع والاعتصام بالكتاب والسنة، مستحضرين في هذا الصدد الملتقيات السابقة وما تضمنته المخالفات حسب ما هو معلن في برنامج هذا العام:
أولاً: توجهات المدير العام للملتقى د.مصطفى الحسن: حيث عرف بتوجهات مناوئة لتطبيق الشريعة والتهكم بفقه سلف الأمة واستقطاب الشباب وإيغار صدورهم ضد أهل العلم والدعوة، وقد نوه في عدد من مقالاته بمفهوم (العلمانية الجزئية) و أن هناك أنواعاً من العلمانية لا تتعارض مع الإسلام، ومن أقواله في صفحته الشخصية في تويتر: (حد المحصن من المسائل الشائكة.. تحتاج لتأمل طويل).
ولوحظ عليه حرصه الشديد على اختلاط الشباب بالفتيات حيث يقول عن نفسه في مقال عن ملتقى النهضة (كنتُ حريصاً أن يكون الرجال والنساء في مكان واحد، لتظهر الندية، وتغيب جميع الفوارق التي يُتعذّر بها) ويقول في ذات المقال (والبعض الآخر استفزهم أن يكون الملتقى في قاعة واحدة فيها الرجال والنساء). (“في ملتقى النهضة .. بعض الأيام ككل الأيام ” … الجمعة 9 / 5 / 1431 هـ ـ 23 / 4 / 2010 م والمنشورة في موقع الإسلام اليوم)
ثانياً: وبالنظر إلى الضيوف المشاركين فمنهم الملحد والنصراني والرافضي والمستشرق والعلماني والليبرالي:
فمنهم المستشرق ستيفان لاكروا صاحب كتاب زمن الصحوة طبعته الشبكة العربية شحنه بالكذب والشتائم وتشويه العلماء والدعاة.
ومن هؤلاء الرافضي د.توفيق السيف، وهو أحد دعاة (الخمينية) حيث يقول في أحد مقالاته عن الخميني (مشروع السيد الخميني السياسي يقوم على تفسير نهضوي للدين).
وقد ذكر الكاتب الرافضي عادل اللباد في مذكراته (الانقلاب: بيع الوهم على الذات) معلومات خطرة عن اشتراك د.توفيق السيف في تنظيمات سرية تخريبية تستهدف السعودية.
ومن ضيوف هذا الملتقى هالة الدوسري وهي تتبنى فصل الدين عن الحياة العامة، حيث تقول في برنامج “بلا قيود” الذي يعرض على قناة الحياة التنصيرية: (لا أتوقف كثيراً أن الشريعة هي التي تحكم القوانين العامة، مع احترامي للنصوص وقراءات الشريعة التي فيها مراعاة لظروف الأسرة، وأنا أحترمها كثيراً، لكني أرفض تقييد الفكر الإنساني بجمود نص)، وهي من دعاة تحرير المرأة من ضوابط الشريعة، ومناصرة الاتفاقيات الغربية النسوية المناقضة للشريعة، ولها عبارات في تفخيم الإنجيل المحرف والتعريض بالقرآن.
ومنهم الرافضي وليد سليس، وله كتابات ومواقف في تبرير العنف والفوضى في العوامية، وتجريم رجال الأمن.
ومن هؤلاء المشاركين د.خالد الدخيل، وله مقالات كثيرة في الدعوة إلى العلمانية وتحسينها والدفاع عنها، ومن مقالاته التي يدعو فيها إلى العلمانية: (العلمانية أو الحرب الأهلية) و (لماذا نرفض العلمانية؟) وغيرها، ومنها قوله: (أختلف مع الدكتور المرحوم عبد الوهاب المسيري حول موقفه من العلمانية، وأرى أن العلمانية بالفعل حل، وفي نهاية المطاف ليس هناك مندوحة من تبني فكر علماني نابع من الداخل).
ومن المشاركين الكاتب عبد الله المالكي، وهو صاحب أطروحات شاذة منها مناداته بجعل سيادة الشعب فوق سيادة الشريعة، بما يناقض أصل الإلزام بالحكم بما أنزل الله.
ومن ضيوف الملتقى الليبراليين ” شفيق الغبرا ” يقول في أحد مقالاته ” ومن الأصلح للشعب أن يبقى الدين جانباً خاصاً في عباداتهم وواجباتهم الشرعية، وأن يُنأى به ويُبعد عن السياسة.
الفكر الليبرالي منفتح ويؤمن بالآخر وبالعدالة والمساواة، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، في ظل حكم الغالبية، وهو فكر متقدم وضروري ومهم جداً لأي نجاح في أي عملية ديمقراطية” جريدة الجريدة الكويتية اليومية 2009/09/23
ومن ضيوف الملتقى “د.غانم النجار” يقول في قناة اليوم في برنامج توك شوك ” الديمقراطية(المفروض ما يصير فيها أحزاب دينية … لأن الدولة الحديثة الأولوية فيها للمواطنة وليس للدين… أحزاب دينية مايصير ) لقاء د. غانم النجار بقناة اليوم – برنامج توك شوك 2011/11/30
وهؤلاء المشاركون تدور موضوعات حديثهم حول قضايا خطيرة ويصدَّرون لشباب الأمة وهم بهذا التوجه والانحراف.
وعناوين الأوراق المعلنة يتضح فيها الأبعاد العلمانية، والتأويل للشريعة وأحكامها، ومن ذلك ورقة ” مقاربات المجتمع المدني والديني”، وهذا يبين أن مقصود الملتقى من ” المجتمع المدني” هو المجتمع العلماني المنابذ للشريعة، وأيضا ورقة ” سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة”، وورقة ” تمكين المرأة في المجتمعات الخليجية “، والتمكين مفهوم غربي علماني، وورقة ” التفكير العلمي والمجتمع المدني”.
ومما يؤكد انحراف هذا البرنامج ما يتوقع من اختلاط بين الرجال والنساء كما هو عادته السابقة وكما يؤكده منظمه مصطفى الحسن في مقولته المشار إليها سابقاً: (كنتُ حريصاً أن يكون الرجال والنساء في مكان واحد، لتظهر الندية، وتغيب جميع الفوارق التي يُتعذّر بها).
وفي ختام هذا البيان العاجل فإننا نوجه نصحنا المشفق للمشاركين من الشباب والفتيات بالحذر من هذا البرنامج وأمثاله وأنه لا يجوز الحضور لمثل هذه الملتقيات لما تتضمنه من منكرات وقد قال الله تعالى: { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} سورة الأنعام آية:68
وندعو المنظمين والمشرفين على هذا اللقاء أن يتقوا الله وأن يحذروا سخطه فإن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} سورة المائدة آية:2، وأن كل من شارك في هذا اللقاء بحضور أو دعم أو تنظيم فهو شريك في الإثم. وعليهم أن يصرفوا جهودهم في نشر الخير والدعوة إليه والاجتماع على البر والتقوى والاعتصام بالكتاب والسنة.
وندعو الله أن يثبتنا وإخواننا على الحق وأن يصلح حال المسلمين ويجمع كلمتهم على الحق والهدى وأن ينصر دينه ويذل أعداءه. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.
الموقعون:
1. فضيلة الشيخ العلامة الدكتور/ عبد الرحمن بن ناصر البراك
2. فضيلة الشيخ/ د.أحمد بن عبدالله الزهراني
3. فضيلة الشيخ/ أ.د. سعد بن عبدالله الحميِّد
4. فضيلة الشيخ/ أ.د. ناصر بن سليمان العمر
5. فضيلة الشيخ/ د.سليمان بن وايل التويجري
6. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن سعيد القحطاني
7. فضيلة الشيخ/ أحمد بن حسن بن محمد آل عبدالله
8. فضيلة الشيخ/ د.عبدالعزيز بن عبدالمحسن التركي
9. فضيلة الشيخ/ د.عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر
10. فضيلة الشيخ/ د.عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف
11. فضيلة الشيخ/ أ.د.علي بن سعيد الغامدي
12. فضيلة الشيخ/ أ.د.وليد بن عثمان الرشودي
13. فضيلة الشيخ/ د.عبدالله بن عمر الدميجي
14. فضيلة الشيخ/ سعد بن ناصر الغنام
15. فضيلة الشيخ/ د.عبد اللطيف بن عبدالله الوابل
16. فضيلة الشيخ/ د.ناصر بن محمد الأحمد
17. فضيلة الشيخ/ علي بن إبراهيم المحيش
18. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالعزيز الماجد
19. فضيلة الشيخ/ د.عبدالله بن عبدالعزيز الزايدي
20. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالله الخضيري
21. فضيلة الشيخ/ فهد بن محمد بن عبدالرحمن بن عساكر
22. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن سليمان البراك
23. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالعزيز الخضيري
24. فضيلة الشيخ/ فيصل بن عبدالله الفوزان
25. فضيلة الشيخ/ عبدالله بن صالح القرعاوي
26. فضيلة الشيخ/ سعد بن علي العمري
27. فضيلة الشيخ/ د.موفق بن عبدالله بن كدسة
28. فضيلة الشيخ /د.عبدالعزيز بن عبدالله المبدل
29. فضيلة الشيخ/ حمود بن ظافر الشهري
30. فضيلة الشيخ/ د.بندر بن عبدالله الشويقي
31. فضيلة الشيخ/ محمود بن إبراهيم الزهراني
32. فضيلة الشيخ/ حمد بن عبدالله الجمعة
33. فضيلة الشيخ/ إبراهيم بن عبدالرحمن التركي
34. فضيلة الشيخ/ د.محمد بن عبدالعزيز اللاحم
35. فضيلة الشيخ/ صالح بن عبدالرحمن الخضيري
36. فضيلة الشيخ/ محمد بن علي مسملي
*********************
بيان تجمع دعاة الكويت حول مؤتمر ملتقى النهضة الشبابي المزمع عقده في الكويت
(المصدر:صيد الفوائد)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد اطلع تجمع دعاة الكويت على أهداف مؤتمر ملتقى النهضة الشبابي ومحاوره وأسماء المشاركين فيه، وتبين له أنه ينطوي على مأخذين خطيرين: مأخذ فكري، ومأخذ منهجي.
أما المأخذ الفكري، فإن المؤتمر -بعنوانه ومحاوره وعدد من ضيوفه- يعزز الفكر الليبرالي في المجتمع الخليجي؛ فعنوان المؤتمر “المجتمع المدني… الوسيلة والغاية”، ومن محاوره “سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة! ولا يخفى أن الفكر الليبرالي فكر يضاد الشريعة الإسلامية بل ويسخر منها.
وأما المأخذ المنهجي فيظهر بالاطلاع على أسماء المتحدثين فيه ومعرفة طبيعة المؤتمر، فالمؤتمر مغلق لا يحضره إلا أعضاء الملتقى رجالا ونساء، والمحاضرون معظمهم من المختصين ممن ينتمي للخطاب الليبرالي؛ وهذا فيه خطر ظاهر على أفكار المشاركين الذين لا يملكون الأجوبة الحاضرة التي تدحض شبهات الليبراليين.
ومما يؤسف له؛ أن المؤتمر يحظى بغطاء شرعي؛ حيث إن المشرف عليه والمنظمين له ممن ينتمي للخطاب الشرعي!
وهذا التحذير من المؤتمر وما ينطوي عليه من محاذير لا يلغي حق أي جهة في التعبير عن رأيها، فحرية التعبير مكفولة لأصحابها بضوابطها الشرعية، لكن الذي لا نقبل به بحال هو تسويق الفكر الليبرالي برعاية شرعية، وهو ما قام عليه المؤتمر.
نسأل الله أن يهدي قلوبنا وأن ينير بصائرنا، إنه سميع مجيب.
***************
فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك في ملتقى النهضة
(الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك)
رقم الفتوى 40215
تاريخ الفتوى 23/3/2012 -30/4/1433
السؤال
ما قولكم ـ حفظكم الله ـ في ملتقى النهضة الشبابي الذي يشرف عليه الدكتور سلمان العودة من الجمعة إلى الاثنين 1-4/5/1433هـ، في دولة الكويت، تحت شعار المجتمع المدني: الوسيلة والغاية) وهو ملتقى سنوي يختار له شباب من المملكة العربية السعودية ضمن معايير محدده من الجنسين ويقيمون بفندق يمنع الخروج منه مدة أيام الملتقى الثلاثة، ويحضرون لقاءات وورش عمل وهذا العام يقدم في الملتقى اثنان من الرافضة الذي سجلت لهم مواقف سلبية في احداث الرافضة الأخيرة في الخليج ودعم للتوجه الإيراني ..وشخصيه يقولون: إنهم يريدون النهضة بالشباب، فنريد من فضيلتكم توجيها حول هذا الملتقى، جزاكم الله خيرا.
الإجابة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اتبعهم بإحسان: أما بعد؛ فقد استفاض أنه سيقام في دولة الكويت ملتقى النهضة الشبابي كما جاء في السؤال، ومن خلال ما نشر في موقع الإسلام اليوم (لا الإسلام أمس) على لسان مدير الملتقى أحد مؤسسيه، من توصيف للملتقى الأول،
وهو مصطفى الحسن، ذكر فيه فكرة الملتقى وشروط العضوية فيه، وما تم من الانتقاء من المتقدمين الراغبين في الالتحاق به من الجنسين، وقد بلغوا مئة؛ ثلاثين من البنات، وسبعين من البنين، أدركنا إجمالا أن هذا الملتقى متهم بأهداف سيئة، أدناها ترسيخ الاختلاط بين الجنسين، وقد صرح الشر وأضحى وهو عريان لما قرأنا عن فكر مديره مصطفى الحسن، وعن المشاركين في الملتقى لإلقاء المحاضرات من نصارى وملاحدة ورافضة وعلمانيين وليبراليين،
فتبين أن هدف هذا الملتقى هو تغيير الفكر والسلوك اللذين تربى عليهما شباب المملكة، ومما تقدم ظهر لنا أن ملتقى النهضة ممثلا في نشأته وتطوره والقائمين عليه بالتنظيم والإشراف، والقائمين ببرامجه أنه تجمع يقوم على محاربة الإسلام كما يفهمه أهل السنة والجماعة، وعلى مواكبة الرافضة والعلمانيين والليبراليين في فهم الإسلام، ولذا يعد ملتقى النهضة من أخبث وسائل التغيير والتغريب المستهدفة للمملكة العربية السعودية،
ومما يزيده خبثا ومكرا تغطيته بشخصية مشهورة كان لها تاريخ في الدعوة إلى الله ومحاربة هذا الفكر الذي هو يشرف عليه الآن، وهو الدكتور سلمان العودة، منَّ الله عليه بالعودة، لهذا ننبه الشباب من البنين والبنات أنه تحرم عليهم المشاركة في هذا الملتقى وأمثاله، وأنه يجب على أولياء أمور الشباب أن يأخذوا على أيديهم، ويحذروا من أن تختطفهم الشبكات الليبرابية، ويخدعوا بالدعايات المضللة، كما يجب على العلماء والدعاة محاربة هذا الملتقى ومحاصرته في أي أرض يقام، ويجب كشف حقيقته وحقيقة المنظمين والمشرفين عليه، وتحذير الشباب من المشاركة فيه
لا ريب أن ما قام به تجمع الدعاة في الكويت من جهود في إحباط الملتقى وما صدر عنهم من بيان في إنكاره، وما صدر عن عدد من مشايخ المملكة من بيان في إنكاره أيضا وفضح بعض رموزه ليعد من الجهاد في سبيل الله، فجزى الله الجميع على ما قدموا خير الجزاء، وحفظ الله بلاد المسلمين من كيد الكائدين ومكر الماكرين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أملاه عبد الرحمن بن ناصر البراك
الأستاذ (سابقا) في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
30ربيع الآخر 1433
*****
مقالات وتحقيقات حول ملتقى النهضة
‘صناعة إخوانية بنسج ماسوني’.. باسل الجاسر واصفاً ملتقى النهضة
باسل الجاسر (جريدة الآن الكويتية3/4/2012)
ملتقى النهضة الذي كاد أن يعقد في الكويت قبل أسبوعين أو ثلاثة يعتبر الثالث بعد ان عقد الأول في السعودية والثاني في قطر، إلا أنه في الكويت ارتبك وانكشفت أهدافه الحقيقية بسبب الديموقراطية الكويتية وحرية الرأي فمنع قبيل انعقاده، وبالرغم من أن جمعية الخريجين تبنته بل أقامته رمزيا إلا أن المنظمين أعلنوا إلغاءه والالتزام بقوانين وأنظمة الكويت (وهذه جميلة بعنف كما سأبين لاحقا)، وانا شخصيا أعلنت اعتراضي على المنع من خلال حسابي في «تويتر» فجاءتني المعلومات عنه من كل فج عميق، وتُوجت في لقاء تلفزيون الوطن مع الكاتب مشعل النامي الذي تحدى المنظمين وجماعتهم من الإخوان المسلمين في الكويت وتكذيبه أو الرد عليه أو مناظرته منذ جرى الحديث عن ملتقى النهضة بنسخته الكويتية وهم يلزمون الصمت المطبق ولايزالون.
واليوم سأعرض لأبرز منظمي هذا الملتقى وهم: أكاديمية التغيير وهي مؤسسة يرأسها زوج بنت السيد القرضاوي وهو احد أبرز زعامات حركة الاخوان المسلمين العالمية، وهي تهتم بتعليم الناشئة (الشباب) فنونا غريبة عجيبة أهمها اقناعهم بأن نظام حكمهم نظام فاسد وتغييره واجب وطني وشرعي والله عز وجل يفرض تغييره؟! ومنها كيفية التغلب على أضرار الغاز المسيل للدموع، وكيفية اختلاق القصص والأكاذيب على الحكومات وفنون بثها لإثارة الجماهير وجعلهم يلتحقون بالثورات، ويعلمونهم فنون استخدام برامج وتقنيات الحاسوب لزيادة أعداد المتظاهرين لأبعد مدى لتحفيز الجماهير على المشاركة في المظاهرات، وإنتاج صور كاذبة عبر الفوتوشوب وغيره تدعم المظاهرات وتخطّئ الحكومات وقوى الأمن فيها وهذا لإحراج الدول أمام الرأي العام الدولي لأجل الضغط وإضعاف قدراتها وتحييد إمكانياتها.
هذا بعض قليل جدا مما تعلمه أكاديمية التغيير للشباب وهي المنظم الرئيسي لملتقى النهضة، ويساندها أيضا شباب أو جماعة صناع المستقبل ومؤسسها عمرو خالد الذي خرج علينا بميدان التحرير ابان الثورة المصرية فناشد شباب صناع المستقبل الحضور للميدان مرتدين زيا موحدا (يبدو أنه متفق عليه مسبقا) فنزل للميدان أكثر من 40 ألف شاب؟!
وملتقى النهضة الذي كان سينظم عندنا التبس على الكويتيين معارضين له أو مؤيدين: هل هو ندوات لمناقشة محاور فكرية تتطرق لقضايا حساسة أو ما شابه؟ والحقيقة أن هذا الملتقى لا علاقة له البتة بالندوات أو الجمهور فهو ملتقى يعنى بـ 120 شابا يتم اختيارهم بعناية ويستضيفونهم في إقامة دائمة 24/24 لمدة 3 أيام هي عمر الملتقى في ذات الفندق الذي يقام فيه الملتقى ويقتصر الحضور عليهم فقط وبعيدا عن الجمهور ووسائل الاعلام إلا القليل الذين هم يقومون بتصويره وتوزيعه على وسائل الإعلام، فيعرض الشباب لحلقات مكثفة من العلم الفاسد الذي تغرسه أكاديمية التغيير، المشار اليها آنفا، في عقول وقلوب الشباب من فنون الكذب والغش والتدليس ناهيك عن الحقد وكراهية نظم دولهم.
باختصار هذا الملتقى يستهدف شباب الدول المراد إحداث ثورات بها لذلك كان الأول في السعودية وهي هدف وغاية للاخوان ومطلب لإحداث ثورة بها، والثاني في قطر ولكن الشباب كانوا سعوديين، والثالث الذي كان سيعقد بالكويت، وأعتقد جازما انهم خلطة من شباب الكويت والسعودية، وكل هذا يحدث تحت غطاء الصحبة الصالحة وتعليمهم فنون ممارسة الحياة وفق الدين الإسلامي؟! وهنا يبرز سؤالان خطيران يستحقان الاجابة، الاول هو: كم عدد الشباب الكويتي الذي تعرض لمثل هذه العمليات لغسل عقولهم الصغيرة؟ خصوصا أن الاخوان يسيطرون على الكثير من المفاصل التعليمية من مدارس واتحادات طلابية وجمعيات خيرية، وينظمون الكثير من الرحلات سواء داخلية برا أو بحرا، أو رحلات سياحية وحتى للعمرة، والأهل يفرحون بمثل هذه الرحلات والصحبة الصالحة وتعليم الأبناء الدين والسنة والخير، والغافلون لهم الله، والثاني هو: إلى متى ستظل الدولة صامتة ولا تحرك ساكنا وخصوصا وزارة الأوقاف وأمن الدولة والمباحث الجنائية وغيرها من الأجهزة المعنية؟! أليس هذا تهديدا لشبابنا الذين هم ثروة الوطن الحقيقية، كما أن هذه الأمور ألا تتعلق بأمن هذه الدولة والوطن والشعب؟!
وفي الختام إليكم هذه المعلومة الخطيرة وهي أن عناصر من «الاخوان المسلمين» القيادية الكبرى أسسوا جماعة جديدة (على جنب) سموها «المتنورين»، وهي جماعة تحاكي وتنسق وتجد دعما وتنفذ مخططا رسمته الحركة الماسونية العالمية التي أسسها وتحالف معها جماعة أو تكتل لخمس عشرة عائلة يهودية منتشرة عبر العالم تسمى «المتنورين»، بعد أن سمحوا بل أعطوا وعدا لحركة الأخوان المسلمين العالمية بحكم العالم العربي، ما يعني أننا أمام ملتقى «النهضة» ذي صناعة أو بالأحرى ينفذ بأيد اخوانية ولكن بنسج وتخطيط ودعم ماسوني، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. فهل من مدكر؟
******
الربيع العربي وخريف الإسلام السياسي.. سلفيو قطر
حسن متعب (جريدة العالم العراقية)
(كثيرة هي التحليلات التي تناولت الربيع العربي الذي انطلق واقعيا وبشكل فطري من تونس ومازال مستمرا وممرحلا ليطال دولا عربية هنا وهناك.. إلا إن سؤالا واحدا مازال يبحث عن إجابة واضحة وهو: من المستفيد فعلا من عمليات تغيير الأنظمة التي توصف وهي حقيقة لا غبار عليها بأنها أنظمة دكتاتورية فاسدة مستبدة ؟..)
بعد انتهاء قمة منتدى المستقبل الاخيرة، تبنت قطر ما يسمى بـ(مشروع النهضة) الذي يقوده الدكتور الإخواني جاسم سلطان وتأكيدا لدورها المشارك في تحقيق الإستراتيجية الأميركية ولتهيئة أدوات مشروعها الجديد قامت بتأسيس ( أكاديمية التغيير) ووضعت لإدارتها طبيب الأطفال المصري –بريطاني الجنسية- هشام مرسى وهو صهر رجل الدين يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأكاديمية التغيير هذه التي مقرها في بريطانيا تهدف كما يشار إليها إلى (تحرير الشعوب من القيود، ومساعدتها على التغيير من خلال تدريب كوادر ومؤسسات المجتمع المدني والنشطاء على استراتيجيات ووسائل وسبل التغيير وتوفير الأدوات المؤدية لهذا الغرض) وأيضا لابد من التأكيد من أن الشعوب التي تحتاج إلى تحقيق كل ذلك هي شعوب الشرق الأوسط .. ولكن حقيقة هذه المؤسسة، التي تطبق حرفيا أفكار مشروع النهضة هو أن تكون أداة لإحداث الاضطرابات وافتعال الأزمات وإدارة الصراعات ومن اجل ذلك فقد افتتحت قطر مقرا لهذه الأكاديمية على أراضيها في العاصمة الدوحة، في نفس الوقت الذي تزايد نشاطها وتوسعت أقسامها لتشمل مجالات مثيرة ومستفزة، فمثلا هناك فريق يدير فرعا باسم (ثورة العقول) أو زلزال العقول كما تسميه الأكاديمية وهناك فريق متخصص بتدريب عناصر من مختلف البلدان المستهدفة على وسائل التغيير السياسي الممنهج، ثم هناك مجموعة الدعم الإستراتيجي إضافة إلى الغطاء المموه المعنون بتكنولوجيا اللاعنف.. وقد لعبت وتلعب هذه الأكاديمية دورا مهما في مجريات عملية التغيير الجارية وقائعها الآن.. فقد قامت بتدريب الشباب عبر منافذ التواصل الاجتماعي في الانترنيت واليوتيوب ووسائل الاتصال الأخرى وأصدرت سلسلة من الكتب تتعلق كلها بكيفية التعامل مع قوى النظام وأفكارا للثورة وأساليب إنهاك قوى الأمن والسلطة والتعامل مع العنف وتجنب الغازات المسيلة للدموع والتحفيز على مواضيع العصيان المدني.. وشارك مدير الأكاديمية الدكتور هشام مرسي وهو احد قادة الإخوان المسلمين شخصيا في تظاهرات مصر التي أدت إلى عزل الرئيس مبارك وقد اعتقلته السلطات المصرية في نهاية كانون الأول ثم أطلقت سراحه نتيجة الضغوطات البريطانية المتواصلة باعتباره مواطنا بريطانيا.. وكان مرسي ومساعداه في فريق تأسيس الأكاديمية وهما (وائل عادل) و(احمد عبد الكريم) قد نجحوا عام 2006 للتحشيد إلى إضراب أكثر من عشرين ألف عامل في شركات النسيج المصرية، الأمر الذي أدى إلى أن تبرز أكاديمية التغيير كقوة مؤثرة في واقع الأحداث، خصوصا في مصر حيث النشاط المتسارع والقوي لحركة الإخوان المسلمين والحركات السلفية الأخرى المساندة لها، مما دعا شباب كثيرين من مصر إلى التواصل مع الأكاديمية ومشروعاتها في التدريب والتهيئة عبر مواقع الفيسبوك، كما قام فرع الأكاديمية في الدوحة الذي افتتح عام 2009 بفتح دورات تدريبية للراغبين على تعلم وسائل العصيان المدني والمقاومة السلمية الهادفة إلى التغيير، ومما تجدر الإشارة إليه أن فرع الدوحة، لم يقم بتدريب أي شاب قطري، واغلب المتدربين هم من عناصر الإخوان أو المساندين لهم في بلدان مختلفة.. والى جانب الأكاديمية تقف قناة الجزيرة في العمل كأدوات قطرية لتنفيذ الإستراتيجية الأميركية في المنطقة؟.. وفي التصريح المثير لأحد مسئولي القناة الفضائية ( لولا الله والجزيرة لما نجحت ثورة مصر) تأكيد واضح على الدور الفعال والمؤثر والموجه لسير الأحداث في مصر، وكذلك لعبت الجزيرة دورا مماثلا في تأجيج الأوضاع في سوريا مما دفع بمؤيدي النظام إلى التظاهر أمام مكتبها ثم استقال مدير مكتبها هناك وأخيرا منع مراسلوها من تغطية الأحداث في سوريا، وكانت السلطات المصرية قد اقتحمت مكتب الجزيرة وصادرت ممتلكاته احتجاجا على دورها العابث بأمن البلاد كما كان قد أعلن حينها.. ثم يتقدم كل هذه الوسائل، المال والمكر والدبلوماسية القطرية التي تقف صراحة مع قوى التغيير، بل وتقدم المعونات اللازمة وحسب مقتضيات الحال، ففي ليبيا مثلا قدمت كما ذكرنا عونا لوجستيا وماديا وعسكريا إلى الثوار، في حين سرب موقع ويكليكس وثائق تفيد بتورط الحكومة القطرية بإشعال التوترات والعنف في مصر فيما صرح الأمير حمد علانية من أن الشعب السوري لن يتوقف عن المطالبة بحقوقه، وكأنه الناطق الرسمي باسم المعارضة السورية، وقد أشادت حكومات غربية بمواقف قطر في الأزمة الليبية واعتبرت جريدة اللوموند الفرنسية أن لقطر دورا عسكريا مفصليا حاسما.. فيما ذهبت مراكز أبحاث سياسية تحاول استكشاف الأسباب التي تدفع بقطر إلى المغامرة والى كسب الأعداء خصوصا الحكام العرب نتيجة تبنيها سياسة التغيير المكشوفة.. إضافة إلى ما يمكن أن يتبادر إلى أذهان الجميع وهو: هل قطر بعيدة عن رياح التغيير ذاتها؟.. وهل قطر تعيش أوضاعا ديمقراطية، وتسود تعاملاتها العدالة الاجتماعية والرفاه والكرامة الإنسانية؟.. ومن المؤكد أن قطر حالها حال إمارات الخليج، تعيش الرفاهية كاملة بسبب الفائض النقدي والإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي لا تتناسب لا مع حجم السكان ولا مع نوع العقول والإرادات المتوفرة، ولهذا السبب فإنها حال جيرانها سوف لن تتأثر قريبا برياح التغيير، رغم أن نظامها العشائري التقليدي سلفي الفكر والعقيدة ومشدودا إلى أوهام الماضي، وهي ترفل بالأمان الآن لأنها تعيش تحت الحماية الأميركية فهي تحتضن أكبر القواعد الأميركية في المنطقة وكذلك مقر قيادة القوات الأميركية أيضا، وتطمح إلى أن تحظى دائما بالرعاية الغربية لدفعها إلى أمام لتكون لاعبا ليس إقليميا بل دوليا، وليس أدل على ذلك من ما قدمته قطر من أموال لإنقاذ اليونان من أزمتها المالية الأخيرة، وهي أيضا أول من أعلن اعترافه بالمجلس الانتقالي الليبي، ثم رعايتها لمؤتمر إعادة اعمار ليبيا ودعوتها لتخصيص الأموال التي تصل إلى خمسة مليارات دولار لذلك الهدف، ولكنها في كل الأحوال تعيش كما جيرانها أيضا على بركان كامن وهادىء، وسوف يأتي اليوم الذي يثور فيه ذلك البركان حين تصل الفجوة بين التخلف الذي هم فيه والتقدم والحداثة التي تعيشها المجتمعات عموما إلى نقطة لا يمكن تحقيق التوازن فيها، ولعل مجاورتها لدولة الإمارات العربية المتحدة وغيرة قادة قطر من النجاحات التي حققتها دبي هي احد أهم العوامل الخفية التي تتعلق بسيكولوجية أمير قطر ورغبته في أن يكون هو الراعي لمتغيرات المنطقة.
*****************
ماذا يريد سلمان العودة؟
د.مطلق سعود المطيري (جريدة الرياض 9 أبريل 2012)
بداية أنا لست ضد الشيخ الدكتور سلمان العودة كإنسان ينتمي لهذه الأرض الطاهرة وينتسب لهذا المجتمع الطيب ، ولكن أنا ضد سلمان العودة كتوجه تجسد مؤخراً في عدة مستويات جميعها تنذر بأننا أمام مشروع متكامل البناء ، آخذ في البروز شيئاً فشيئاً ، أحد صور هذا المشروع مؤتمر النهضة الذي كان مقرراً عقده في الكويت الشهر الفائت ، ومُنع لأسباب واضحة ومعلنة ، وكان أهم أسباب المنع هو ضرب الوحدة الوطنية هناك وقدمت الأدلة على ذلك ، ويكفي لمنع هذا المؤتمر علاقته المباشرة بأكاديمية التغيير صاحبة الامتياز في تنفيذ أجندة استخبارات دولة أجنبية في الخليج ، وكان ولا يزال على قائمة أولويات تلك الدولة الأجنبية إحداث الفوضى في المملكة ، وحتى يتحقق لها ذلك سعت لاستقطاب بعض أبناء المملكة وكان منهم من رغب وهم قليل “اثنان” فقط أخذوا العطاء بعلم ،وقبلوا الدور ربما بدون علم ! ، ورفضت الأغلبية بكل شرف ووطنية أن تستخدم كأيادٍ تشعل الفتنة في بلدها .
إحدى الاستراتيجيات الخبيثة المعدة لإحداث الفوضى في المملكة هو استخدام من يتطوع من أبناء المملكة المولعين بالنجومية وتقديمهم كأبطال للمرحلة القادمة ، ويتم ذلك من خلال زجهم في طريق المشاغبة مع مؤسسات الدولة ، حتى يتم اتخاذ إجراء ضدهم ، وتفضل تلك الدولة الأجنبية أن يكون الإجراء سجناً ، وعندها يتحول هذا الألعوبة أمام جمهوره ضحية “الحرية والتغيير” وهذا هو المطلوب من هذا المتبرع فقط ، وبعدها ينتهي دوره ويأتي دور مؤسسات أجنبية لتكمل المشهد ، علما بأن اختيار المتبرعين السعوديين يكون بحذر شديد ومبني على مواقف سابقة لهذا المتبرع ،وما ذكر هنا ليس افتراء على أجنبية الدولة أو الدولة الأجنبية ولكنه برنامج متكامل ومنشور هذه أولى خطواته ، ومثل ما أن هذا البرنامج حقيقي ، فإن وعي مشايخنا ودعاتنا أكبر من أن يسقطوا في مثل هذا الشرك الدنيء ، وعلى رأسهم شيخنا الجليل سلمان العودة الذي أعتقد بأن استيعاب عقله أكبر من هذه الحيل الأجنبية الماكرة ، وبلدنا لم يخلُ من الحكماء الذين يستطيعون أن ينقذوا بلدنا من السقوط في حبائل أعدائه .
لا يختلف جمهور الشيخ العودة في الطيب عن شيخه ، فكلاهما يمتلك من الطيب وحسن النية الشيء الكثير ، فعندما زار الشيخ ليبيا قبل سقوط القذافي وامتدح نظامه وأبناءه ، وقبل هداياه –ديننا يحث على قبول الهدايا وتبادلها- ، فكان منه ذلك بحسن نية ، وكذلك كان موقف جمهوره منه في هذه القصة يتأطر بحسن نية ، وتجاوز بشيخه هذه المرحلة المحرجة في تاريخه ، ولم يلتفت لما دار بعدها من حديث ، شعب طيب يستحق دعوات الشيخ الطيبة ، فإن كان الشيخ مدح نظام القذافي بحسن نية فقد قبل هديته بحسن نية أيضا ، ولهذا كان جديرا بمساندة أصحاب النوايا السليمة له .
فمثل ما رأى جمهور الشيخ مواقفه السابقة بنوايا سليمة ، نتمنى أن نعرف من هذا الجمهور العزيز مصدر نواياه السليمة في علاقة شيخهم بأكاديمية التغيير ، ولعلنا بعدها نعرف ماذا يريد هذا الشيخ الجليل والله من وراء القصد .
*******
لماذا «ملتقى النهضة»؟
سليمان الهتلان (صحيفة الشرق 24 /3/2012)
استغربت من إلغاء ملتقى النهضة في الكويت قبل يومين. ومصدر الاستغراب أنني ظننت أن عقلية المنع والإلغاء – خصوصاً في دولة مثل الكويت – قد ولت منذ سنوات. وحينما كتبت على تويتر «يمنع الكتاب فيزيد انتشاره، يلغى ملتقى فيسمع به القاصي والداني» فإني فعلاً أعنيها حقيقة من حقائق يومنا. ليعذرني منظمو الملتقى، فلولا منع ملتقاهم في الكويت لما أخذ كل هذه الضجة. أنا واحد ممن لم يسمع بالملتقى إلا بعد الإلغاء. ومن قال إن المنع و الإلغاء سيحاصران الرأي المختلف في زمن تستطيع أن تؤسس فيه مؤسستك الإعلامية وأنت جالس في بيتك؟ المسألة هنا مسألة «مبدأ» الإلغاء نفسه، كيف يمكن لمثقف أو داعية أن يبرره؟ وصلتني تعليقات كثيرة من بعض مؤيدي الإلغاء تتهم الملتقى بأنه مجرد منبر «إخواني» يخفي أجندات سياسية معارضة. وحينما استعرضت بعض الأسماء المشاركة و التي أعرفها شخصياَ تساءلت: معقولة؟ كل هؤلاء من «الإخوان» وأنا لا أعرف؟ هل خالد الدخيل وتوفيق السيف وشفيق الغبرا وغانم النجار في قائمة «الإخوان»؟ لا أملك سوى السخرية من هكذا تبرير. أعود للمبدأ نفسه، ففكرة الإلغاء لم تعد تجدي في مثل هذه المرحلة بل إنها قد تكون سبباً جديداً في إشعال فتيل الفرقة والتوتر بين تيارات المجتمع الواحد. ماذا كان سيضير لو عقد الملتقى واجتمع هؤلاء المثقفون في مكان واحد لمناقشة قضايا حقوقية و فكرية هي أصلاً تناقش يومياً في كثير من فعالياتنا ووسائلنا الإعلامية؟ من المعيب أن يمارس الإقصاء ضد الأفكار والآراء لمجرد تصفية حسابات قديمة بين تيارات أريد لها أن تبقى متصارعة. تلك ممارسة علينا –في الوسط الثقافي – أن نرفضها بغض النظر عمن يمارسها، «ليبرالياً» كان أم «إسلامياً». أما الذين يصرون على «المنع» و»الإلغاء» فهم حتماً ما زالوا يعيشون في الأمس.
إن اليوم «حقيقة» مختلفة!
***********
سر معركة ملتقى النهضة
محمد العصيمي (صحيفة اليوم 24/3/2012)
ليسمح لنا أصحاب الرأي الآخر المعارض لإقامة ملتقى النهضة في الكويت بإبداء رأينا المؤيد لإقامته، فما قامت أمة ولا تقدمت بدون تعارض الآراء وتبادلها وقبولها على محمل حسن النية من الجميع. لقد دارت خلال الأيام الماضية رحى معركة شرسة تريد أن تمنع تنظيم هذا الملتقى وانبرى عدد من الناس للاصطفاف ضده بمبررات لا تخلو من ضعف وسوء فهم لموضوعاته وأهدافه.
كان من بين هذه المبررات أنه يجمع مشاركين من مشارب مختلفة دينيا ومذهبيا وفكريا وأنه يخلط في الحضور بين الرجال والنساء.
وقد أضيف إلى ذلك كله الأسف لكون بعض المشايخ يشاركون فيه. ولكي لا نذهب في تفسيراتنا أبعد مما يجب فإن ما نعرفه أن المملكة ذاتها تتبنى حوار الأديان وهي سعت إليه سعيا حثيثا وسجلت على طريق هذا الحوار، المهم والمتقدم، حضورا دوليا رفيعا كسب احترام وتقدير كل فرقاء الأديان.
وملتقى النهضة ليس ببعيد عن هذا التوجه السعودي المعروف والمرموق، بل إن ما هو لصالح هذا الملتقى أنه يجمع أبناء وبنات منطقة واحدة، تدين بإسلامها وتعتز به وإن اختلفت توجهاتها ومشاربها. ثم إن استضافة كتاب ومفكرين من أديان وجنسيات أخرى ليس اختراعا للعجلة، فلطالما حضر هؤلاء مناسبات عديدة ومنها مناسبات إسلامية صرفة ليبدوا آراءهم ويستمعوا لآراء نظرائهم من أهل الإسلام، فما الجديد إذا في ملتقى النهضة حتى تثار ضده كل هذه المواقف.؟
أما مسألة اختلاط الرجال بالنساء في هذا الملتقى فهي مسألة لا أظن أنها تستحق التعليق بعد أن أكل الدهر عليها وشرب. الرجال يختلطون بالنساء في كل مكان ولم يبتدع ملتقى النهضة هذه البدعة ليعاقب عليها. وبالتالي فإن هناك شيئا آخر لا نعلمه وراء أكمة ملتقى النهضة. ليس الأمر أمر اختلاف مشارب واختلاط ولا أستطيع شخصيا تصديق هذه المبررات. ابحثوا عن مبررات أخرى أكثر معقولية!!.
ملتقى النهضة وثارات المؤدلجين !
عبدالله الملحم (صحيفة اليوم 24/3/2012)
المتابع لمخاضات الاحتراب الفكري حول ملتقى النهضة الشبابي الثالث المتطاير شررها على صفحات تويتر والفيسبوك واليوتيوب، يشعر كما لو كان وسط حرب استنزاف حقيقية، تستهدف المحافظة على الكينونة في حرب فناء أو بقاء، وأن ثمة ميراث هائل يمثله ذلك الملتقى المتسم بقوة تقويضية وتغييرية لا محدودة، وبالتالي لابد من الحفاظ عليها قبل أن يعبث بها الآخرون، قطعا ليس سبب الصراع كون الملتقى ينعقد في الكويت في الفترة من 23 – 26 / 3 / 2012 م.
من مآخذ الناقمين على منظمي الملتقى كونه مختلطا يجمع فتية وفتيات تحت سقف واحد، وإذ كنت احترم رأي من قاده اجتهاده لتحريم الاختلاط، إلا أن اجتهاده لا يلغي اجتهاد غيره ممن يقول بجوازه في مثل تلك البيئة الثقافية الجادة، ومن مآخذهم أيضا ائتلاف الملتقين وفيهم الليبرالي، والإسلامي، والشيعي، وكأن الأصل ألا يلتقي هؤلاء إلا على خصام وصدام وليس على حوار ومثاقفة، ناسين أو متناسين أن خادم الحرمين الشريفين هو أول من جمع النخب السعودية من مختلف الطيف الثقافي على طاولة الحوار الوطني وفيهم السني والشيعي والليبرالي !.
من يصغي للغة التأزيم المتشنجة التي ناقش بها الناقمون مخالفيهم يحسب أن مفاتيح العمل الإسلامي كلها قد أودعت هذا الملتقى، وأن ثمة احتكارا ووصاية على تسييرها من هذا الملتقى لا غير، وبالتالي ستفوت كل الفرص الممكنة واللاممكنة على التيارات الإسلامية الأخرى، حتى لقد تراءى لي أن الملتقى سيعلن وينجح في عقد مصالحة بين فتح وحماس، وعلى الهامش ستتم مصالحة ضاحي خلفان بالإخوان والقرضاوي والسويدان تمهيدا لتسمية هذه السنة بعام الصلح !.
بل لم أستبعد أن الملتقى وحده القادر على حل مشاكل البطالة والإسكان في العالم العربي وحل مشكلة العنوسة، إضافة إلى قدرته على فرض وحدة عقدية واحدة بين السنة والشيعة واعتقال كل من يخالف القرار من الطائفتين، وما لم يخرج أي فيتو من الليبراليين أو الإسلاميين أو الشيعة المشاركين فإن الأمم المتحدة والدول العظمى مضطرون لتنفيذ كل مقرراته… وكلام كثير قد يقال لكن واقع الحال أن الملتقى لو تكلم لقال لخصومه ومؤيديه: قد ترجون وتتوقعون مني الكثير لكني بلا شفتين لأنفخ ولست شريم أصلا.. لذا دعوني أحلم !
****************
ملتقى النهضة… لماذا كل هذا الصخب؟
خالد حسن (مجلة العصر 21/3/2012)
إلى الآن لم أفهم وجه الاعتراض على ملتقى النهضة الشبابي في الكويت، ويشارك فيه باحثون يناقشون مع الحضور ويتحاورون في قضايا النهضة وتطور المجتمعات الخليجية.
وكأنما اهتزت الأرض من تحت أقدام المنظمين والمشاركين في الملتقى، ضجيج وتهم جزافية ومخاوف وتحذيرات، لماذا كل هذا الصخب؟ مشكلتنا مع المحاورة والمناظرة أم التصنيفات والتقسيمات المخالفة أم الخوف على التحصينات والحواجز من أن تُخترق لمنع التأثير في العقول والقناعات؟
الانفتاح موقف وقناعة وشجاعة واستقلالية، تقول القول فآخذ منه وأرد، بلا وصاية ولا أغلال ولا هواجس ولا مخاوف، وهل بإمكان واحد منا اليوم أن يمنع غيره من الاستماع أو الاطلاع على طرح أو فكرة، ولماذا نحظر على عقولنا ما لم يُحظر علينا، والممنوع مرغوب، فلعل هذه الضجة الكبرى ستحقق للملتقى من الاهتمام والمتابعة ما يفوق توقعات القائمين عليه.
ومن خاف على عقله فليعتزل هذه المجالس والملتقيات، وحق المشارك كحق المقاطع، وليست هذه قضيتنا في زمن تنامي الوعي واسترداد حق الأمة في الولاية، فهي صاحبة الحق والسلطة في الولاية والعزل، فلا يتولى أحد أمرها إلا برضاها، وهذا من واجبات الوقت نفني فيه أعمارنا. وما ننكب عليه اليوم، أن نتلمس طريقنا نحو التخفف من رأي الفرد وحكم الفرد وقرار الفرد ودولة الفرد.
والذي يحيرني إلى الآن، لماذا مع كل إشراقة فجر وطلوع شمس نصنع لنا ملهاة أو مشكلة نضيع فيها أوقاتنا وننقص بها عقولنا ونشق بها قلوب الآخرين ونمتحنهم في توجهاتهم ونشكك في نواياهم.
“نخشى على شبابنا وفتياتنا في هذا الملتقى من الانحراف الفكري والتدليس عليهم والتلبيس على عقولهم”، كل هذه النعوت والأوصاف تطارد ملتقى يضمن قدرا من التنوع الفكري، وإذا كان الأمر بهذه الحالة، فالتماثل أرحم لنا وأضمن لسلامة عقولنا! ما أفسد العقول والطباع والأذواق إلا الاستبداد وحمل الناس على رأي أحادي ونظرة ضيقة، وهل يتغلب الخمول ويقل النظر وينقص العقل والوعي إلا من التماثل والتطابق والاستنساخ؟!
الشعوب تقلب الموازين في بلدانها وتقرر مصيرها بإرادتها، ونأتي إلى مؤتمر شبابي يتدارس قضايا النهضة وهمومها وأعباءها وأفكارها، لننسفه من أساسه، بدعوى حماية الشباب من الانحراف الفكري؟ هل سيغير العقائد ويوحد الأديان ويزين الباطل ويطمس الحق وينتصر للضلالات ويخذل الشرائع؟ أكل هذا سيسوق له ملتقى النهضة؟ وهل يرضى المشرفون على هذا الملتقى، وفيهم أخيار، بهذه الشرور المزعومة؟
ما كان من خطأ في هذا الملتقى وفي غيره يُصحح وينبه إليه وما كان من صواب يبنى عليه ويُثمن، وانتهت قصة الملتقى على هذا بسلام، فلا طعن ولا نسف ولا تخوين.
**************
ملتقى النهضة الثالث.. المشرف يغرّد غربا
يزيد بن محمد (صحيفة الوطن 3/4/2012)
(همي أن أكشف أبعاد المؤامرة على المرأة المسلمة.. إن القضية أكبر من دعوة لقيادة المرأة السيارة)، من يصدق أن قائل هذه العبارة هو نفسه من وجه الدعوة لأشهر ناشطة تدعو لقيادة المرأة لحضور مؤتمر النهضة الثالث تحت إشرافه.
تغير المشرف تماماً بعد عقدين، وأصبح من شنف آذاننا داعيا لعصيان الدولة لأنها تتعامل مع الغرب، يقود تياراً يغازله، ولسان حاله يقول: ها أنا هُنا أصلح كبديل معتدل ومقبول من جميع الأطياف، قرأ الاستراتيجية الغربية التي تعمل على صناعة إسلاميين جدد وشريعة مُقلمة منذ بداية الألفية، وتأييدهم للتغيير في الشرق الأوسط (راند 2007،معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى)، فركب الموجة كعادته، لا يهمه الآن أنه حشد الجماهير قبل عقدين ضد الدولة وكاد يحدث فتنة لأنه يدعي أن الخطر العلماني يهدد دولة الإسلام.. بعد عشرين عاما، أصبح الخطر فكرا.
هل قرأ المشرف ما قاله ستيفان لاكروا المفكر الفرنسي: (إن الحل في السعودية قيام دولة value modern أي دوله لا دينية بل قيمية)، أو كلامه عن الليبرو إسلاميين كتيار جديد في السعودية قبل أن يدعوه إلى الملتقى هل قرأ كلام مدير الملتقى عن خطأ الاعتقاد بأن الدولة لا بد أن تحمي العقيدة، هل قرأ مقولة أحد المشاركين المدعوين إلى الملتقى إن العلمانية هي الحل في السعودية. مؤكد أنه قرأ ويعرف كل هذا، ومؤكد أنه لن يرد وسيراوغ كعادته. أين رأيه في عدم جدوى العرائض الجماعية الذي وقع بعده على اثنتين.
لا جديد في تقلباته ولكنه الآن يخاف أن يفوته القطار، هو في حُرقة ليبدأ دوره متحالفاً مع من وصفهم في الجامع الكبير في بريدة قبل عقدين بأنهم المرجفون في المدينة. فهل “تعلمن” المشرف أم آمن المرجفون. كل ما يريده من هذا الملتقى أن يراه الغرب صالحاً للمرحلة. وأن يحارب الإسلام التقليدي. يا أيها المشرف نريد أن نقول لك: (لسنا أغبياء بدرجة كافية)، أليس هذا عنوان شريطك “الكاسيت” في الأيام التي تريد نسيانها.. هذه بضاعتك رُدت إليك.
***************
من وحي ملتقى النهضة !
نايف السلمي (مفازة 27 مارس 2012)
لم أكن يوماً أحد المشاركين في ملتقى النهضة في أي من نسخه الثلاث الماضية, إلا أنني – ككثيرين غيري – كنتُ من المتابعين له و للأصداء التي تعقبه. و كالعادة في مشهدنا المحلي فقد حضر هذا الملتقى كمادة نقاش و جدل و ربما تحزب بين أطياف مختلفة, أي أنه وقف في ذالك الطابور المعروف محلياً من الفعاليات و النقاشات التي تحول الموقف منها إلى ( سؤال محدد لتصنيفك ! ) و التعصب فيها ( دلالةً على صدق إتباعك و التزامك ! ).
بداية أتصور أن الملتقى قد انتقل نقلتين مهمتين على مستويين اثنين :
النقلة الأولى كانت على المستوى الجغرافي : فمن نسخته الأولى إلى الثالثة يمكن القول أن ( خليجية ) الملتقى قد ازدادت على حساب ( محليته ) وذالك على مستوى الشباب المشارك و الاهتمام العام.
وكم يبدو هذا مهماً و ربما فاعلاً في خلق (مجتمع مدني خليجي) أو ( كتلة شبابية خليجية فاعلة) تضغط على حالة التباطأِ الرسمي الرهيبة في انجاز اتحاد خليجي منتظر منذ ثلاثين عاماً. كما أن هذا التداعي الخليجي إلى الملتقى(مشاركةً و اهتماماً) و التجاوب الشبابي الواسع تدل على تشابه قائم و حقيقي بين المجتمعات الخليجية و بالذات على مستوى(بنيتها و أولوياتها) الأمر الذي قد يؤدي إلى مسيرة متناغمة و متعاضدة بين المجتمعات الخليجية على ترقيها في استحقاقات من نوع ( مدنية المجتمعات و التحول الديمقراطي فيها).
أما النقلة الثانية ( و هي مربط الفرس ) فقد كانت على مستوى التنوع ( الاجتماعي و الفكري ) : حيث أنه على مستوى المتحدثين بالذات انتقل الملتقى من ( إسلامي إصلاحي ) في نسخته الأولى ( تحدث هناك بشكل أساس سلمان العودة, محمد الأحمري, نواف القديمي … ) إلى تنوع ملحوظ و ربما استثنائي في نسختيه التاليتين حيث تحدث – أو هكذا كان مفترضاً – : عزمي بشارة, توفيق السيف, خالد الدخيل, هالة الدوسري و غيرهم.
وحول هذا التنوع يمكن تسجيل الملاحظتين التاليتين :
الأولى : يبدو أن هناك مسلمة كبيرة لدى القائمين على الملتقى و هي أن الإسلام لا يخشى فضاء الحرية, بل قد يكون الإسلام و المسلمون هم المستفيد الأول منه. و كم كان واضحاً حضور موضوع ( الحرية ) في أحاديث شيخ الملتقى سلمان العودة و بالذات تلك التي صاحبت و أعقبت الربيع العربي.
الثانية : أن إدارة الملتقى ترى في هذا التنوع انعكاساً و استجابة لتنوع موجود في الواقع, هذا التنوع منع أن يتحول الملتقى إلى مناسبة للتلقين التقليدي المشهودة في الثمانينيات و التسعينيات حيث الشيخ و حوله مريدوه يستمعون إلى المحاضرة. هذا التنوع في المجتمعات هو معطى طبيعي يمكن التعايش معه بل و التعويل عليه في إنتاج حالة من الحوار و الجدل تصقل به الأفكار و يتراكم الوعي و تقوى المجتمعات و الأوطان ( في دولة العدو الصهيوني مثلاً يتجادل و يتنافس الصهاينة في عداوة العرب و التنكيل بهم ).
و بهذا يمكن القول أن الملتقى حاول أن يكون ( مجتمعاً خليجياً مصغراً ) يتم فيه التخلص من الروابط الوشائجية الأولية ( قبلية, طائفية, جهوية … ) و التحول إلى مجتمع المواطنين الأحرار الذين يختارون انتماءاتهم ( الفرعية طبعاً ) قناعةً و حرية و هو ما يعني أهليتهم لبناء علاقاتهم التعاقدية و بالتالي ظهور مجتمع الحقوق المدنية و السياسية.
هذا التصور ( الخالِق لهذا التنوع ) هو في تصوري النقطة الأكثر سخونةً لدى المعترضين على إقامة الملتقى, فبإطلالة على بعض تعليقاتهم حول الملتقى يتضح أن رفضهم لمشاركة أشخاص بعينهم قد طغى بشكل كبير على رفضهم لمادة النقاش و محاوره ( فكرة المجتمع المدني مثلاً ). أي أنهم اتخذوا من رفض الأشخاص المتحدثين بوابةً لرفض أفكار الملتقى, و إلا لو رفضوا هذه الأفكار و الأطروحات ذاتها مع الإقرار بحق ( التعبير و الرأي للآخر ) لوصلوا بأنفسهم إلى الموقف الذي عبر عنه النائب الكويتي جمعان الحربش حيث ( رفض بعض أفكار المتحدثين في الملتقى و رفض منع السلطة للملتقى ). و هنا تحديداً نلحظ أنه قد عُمّد إلى التقاط بعض تغريدات و أحاديث بعض المشاركين في الملتقى و عرضها على الرأي العام تهويلاً منها و لاشك أن هذه الممارسة ليست أبداً ( نقاش مع الآخر ) بل تحريض عليه لتحييده و حصره و تحويله إلى كم بشري منزوع الوجود المدني و الفكري و السياسي.
إذن فهذه نازلة أخرى في مشهدنا المحلي ( معرض الكتاب, ملتقى النهضة ….. ) ميزها عن سابقاتها حدتها و تصديرها إلى الجوار الخليجي. نفس السيناريو, نفس الوجوه, نفس الأراء, نفس الرموز و نفس المواقف. و كأن الرفض و الرفض المقابل يتحولان إلى ( آيدلوجيا ساكنة و صلبة ) تمنح الإجابات و تحدد المواقف سلفاً. و لهذا أعتقد أننا بحاجة هنا إلى بعض المسلمات الفلسفية الأولى التي دُشنت بها عصور الفلسفة الحديثة و بالذات تلك التي تتعلق بالوجود الموضوعي ( لا الذاتي ) و المستقل ( لا التابع ) للحقيقة, و أن هذه الحقيقة متاحة ممكنة و متاحة للجميع كلٌ بحسب اجتهاده و نزاهته.
ثمة كرتان هنا, كل واحد منهما في ملعب :
الكرة الأولى في ملعب ( الرافضين لإقامة الملتقى ) : و هي أن استدعاء السلطة بهذا الشكل ليس ذكاءاً و لا حكمة أبداً, فطالما اكتوى بنار السلطة من كوى الناس بها ( أهل الحديث و المعتزلة في العصر العباسي ). كما أن هذا التجييش ضد الملتقى هو تدعيم لحالة الهيمنة الثقافية ( كما وصفها انطونيو غرامشي ) حيث تكون الثقافة أداةً لتكريس وضع قائم من خلال مراكز متعددة لهذه الثقافة ( المدرسة, الصحيفة المطبوعة, الإعلام, المؤسسة الدينية / الخطاب الديني ….. ) بدل أن تكون في وظيفتها الطبيعية أعني حماية الوعي العام من التزييف و الرأي العام من التهميش و الإقصاء. و إذا كان هذا الطيف يرى في رفضه للملتقى تعبيراً عن إرادته الخير بالمجتمع فإننا نستغرب من غياب صولته الباسلة عن الإعتراض على فعاليات من نوع ( مزاين الابل و شاعر المليون ) التي يعرف الجميع كم نبشت عن قبلية و أثارت من شرور !
أما الكرة الثانية فهي في ملعب ( القائمين على الملتقى و المؤيدين له ) : و هي أن توجيه الدعوة في النسخ المقبلة لرموز رفض الملتقى سيكون أمراً هاماً و مؤثراً. و بالرغم من القدر الكبير لتوقع استحالة التجاوب لمثل هذه الدعوة إلا أنها ستدل على قدر كبير من انسجام الملتقى مع مبادئه و قيمه, إنها الإثبات على وجوده كمنصة مجتمعية لحوار حقيقي حر و شفاف.
الملتقى كويتياً :
قبل عدة أعوام على إحدى الفضائيات كان أحد النواب الكويتيين يقول كلاماً معناه: (إنني في الكويت استطيع انتقاد رئيس الحكومة و أكبر وزير في الحكومة … و اذهب لأنام في بيتي آمناً مطمئناً ).
بالرغم من كثير من النقد الذي قد يوجه للديمقراطية الكويتية المنقوصة ( صلاحيات الديوان الأميري في التعيين و حل البرلمان و تعطيل الحياة الدستورية ) إلا أنها تلفت الانتباه بالنسبة لما حولها من واقع عربي. و لاشك أن الملتقى كان محظوظاً بكون الكويت مكاناً لاختيار النسخة الثالثة منه و زماناً حيث كشفت الانتخابات الأخيرة و ما سبقها عن تصاعد حراك شعبي و نيابي يميل إلى معارضة سياسات الحكومة و مواجهتها و تصاعداً لحملات المحافظة على الدستور و تفعيله في الحياة السياسية الكويتية بقيادة نواب كبار كأحمد السعدون و مسلم البراك و غيرهم.
الدستور في الكويت ( الكافل للحريات ) هو الذي أنفذَ إرادة جمعية ( أو نادي ) الخريجين الكويتيين في إقامة نسخة معدلة من الملتقى ( ملتقى المجتمع المدني ). هذه الإرادة الكويتية لم تكن لحماية ملتقى النهضة فقط بل كانت لحماية قيمة كفلها الدستور الكويتي على أراضي الدولة الكويتية. إذن هو الدستور حيث يستطيع به المواطن و المجتمع تحديد ما هو الشرعي و غير الشرعي من سلوك السلطة تجاه الحيزين العام و الخاص, بل و متابعتها و محاسبتها. هذا العقد ( الدستور ) يجعل الدولة محتكر القوة الوحيد في حيزها لكنه في الوقت عينه قيد على سلطة هذه الدولة تجاه مواطنيها, بل إن الدولة بموجب هذا العقد ليست إلا فرعاً أو شكلاً لاجتماع المواطنين الأحرار و تجلٍ لوجود الأمة السياسي و ضامنة للحريات و العدالة.
إلا أنه ثمة علامة استفهام كبيرة حول موقف بعض النواب الذين سعوا لمنع إقامة الملتقى, حول انسجامهم مع المبادئ التي أوصلتهم ( بالانتخاب ) نواباً في قاعة عبدالله السالم. فالأمة الحرة و المواطنون الأحرار هم الذين يختارون نائباً ممثلاً لهم في الشأن العام و دور هذا النائب الأول هو أن يقوم بحماية حريتهم و حقهم في الاختيار, فما معنى أن يسعى هذا النائب اليوم إلى مصادرة حرية الناس, هل الديمقراطية تتحول لديه إلى مجرد وسيلة لكسب صراعات مع الخصوم و في حال عدم وفاء هذه الوسيلة بذاك الغرض فلا مانع أبداً من التحول عنها إلى غيرها ؟!
إن أي تقدم و صعود في الديمقراطية الكويتية سيكون ايجابياً لباقي الخليج, كما أن أي تراجع و انتكاس هناك سيكون سيئاً !
************
ملتقى النهضة … العلمانية في عمامة الفقيه
أحمد بن عبدالعزيز القايدي (مركز التأصيل للدراسات والبحوث 24/3/2012)
يتفق أكثر النخب في بلداننا الاسلامية على أن واقع امتنا منذ سنوات الخلافة الأخيرة في حالة تراجع متتالية جعلتها في القوائم الأخيرة على لائحة الأمم، ولأن هذا الواقع مؤلم فقد قدم الكثير من الأشخاص والمؤسسات مشروعاتهم ومقترحاتهم التي تقود إلى النهضة:
قدم الليبرالي مشروعا أساسه عزل الإسلام عن الحياة وأحيانا محاربته.
قدم الشيوعي مشروعا أساسه الإلحاد ومحاربة الإسلام.
قدم القومي مشروعا أساسه استبدال العروبة بالإسلام، ومحاربته بها أيضا.
قدم التنويري مشروعا أساسه تغليف العلمانية بالإسلام و تقديمها بثوب جديد
قدم الإسلامي مشروعا أساسه ومنتهاه الالتزام بالإسلام، وتحكيم الشريعة.
هذه باختصار شديد أساسات مشروعات النهضة المطروحة والتي طرحت في عالمنا العربي،
ملتقى النهضة
الملتقى يقام منذ ثلاث سنوات في دول الخليج أقيمت منه نسختان: في البحرين كانت الأولى وفي قطر كانت الثانية، وأقيمت نسخة مشابهة له في الأردن خاصة بالأردنيين، رسالة الملتقى ( نحو شباب واع يصنع النهضة )، يهتم الملتقى بشريحة الشباب 18/30 من الجنسين، ويقيم المشاركون في فندق واحد لمدة يومين أو ثلاثة أيام تقدم فيها ندوات متعلقة بعنوان الملتقى.
مشكلة ملتقى النهضة
ليس في ثقافة المعترضين على الملتقى رفض للنهضة وأهميتها وحاجة أمتنا الأساسية إليها، وكثير منهم يملك مشروعات نهضوية تزيد في حجمها وأشكالها على ملتقى النهضة بمئات المرات، المشكلة في منهج النهضة الذي يسلكه القائمون على الملتقى.
فالمعترض يقول بكل وضوح هذا ليس طريق النهضة الذي علمه الأنبياء، بل هي طريق إلى مزيد من التراجع في ذيل قائمة الأمم، لأنها لا تلتزم الإسلام وشرائعه في طريقها الذي هو عماد النهوض والرقي بالنسبة لنا المسلمين ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام متى ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ) هذه هي الفلسفة الإسلامية الأولية في طريق النهضة.
المشكلة الرئيسية عند المعترضين أن الملتقى يقدم المشروع العلماني كطريق للنهضة، ويقدمه غشا للفتية على أنه هو الإسلام!!، ولو قدموه على انه فكر علماني لما كان كل هذا الاعتراض لأن العلمانية أصبحت مكشوفة، وهناك مؤتمرات علمانية تقام في كثير من البلاد الإسلامية ولم تواجه كل هذه الاعتراضات لن بيان حقيقة العلمانية للأمة كاف في اسقاط كل تلك المؤتمرات.
لكن ملتقى النهضة يظهر العلمانية كفكر إسلامي أصيل يشرف عليه داعية معروف مع أنه يتردد كثيرا أن مشرفه لا يعرف تفاصيل البرنامج، والله أعلم بالحقيقة !!
كيف يقدم العلمانية؟
حسنا … حدد المنظمون للملتقى هدفهم من الملتقى بـ ( تعريف المشاركين برواد العمل النهضوي، و اطلاعهم على تجارب ناجحة في هذا المجال )
من رواد العمل النهضوي هؤلاء الذين يقدمهم الملتقى كتجارب ناجحة؟ هنا نتعرف على بعضهم ممن استضافهم الملتقى في برنامجه الأخير، وذلك من خلال أقوالهم:
يقول د.شفيق الغبرا – أحد مؤسسي الجامعة الأمريكية بالكويت – ( ومن الأصلح للشعب أن يبقى الدين جانباً خاصاً في عباداتهم وواجباتهم الشرعية، وأن يُنأى به ويُبعد عن السياسة )
ويقول أيضا ( الفكر الليبرالي منفتح ويؤمن بالآخر وبالعدالة والمساواة، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، في ظل حكم الغالبية، وهو فكر متقدم وضروري ومهم جداً لأي نجاح في أي عملية ديمقراطية ) د.شفيق الغبرا جريدة الجريدة الكويتية 2009/09/23
ويحدد د. خالد الدخيل المخرج من المأزق العراقي بقوله (طريق الخروج واضح: تبني مبدأ علمانية الدولة, وديمقراطية الحكم, ومفهوم المواطنة المستند إلى الحرية والمساواة ) جريدة الاتحاد الاماراتية 22/6/2005
ويقول د.غانم النجار عن الديمقراطية ( المفروض ما يصير فيها أحزاب دينية … لأن الدولة الحديثة الأولوية فيها للمواطنة وليس للدين … أحزاب دينية ما يصير ) د. غانم النجار بقناة اليوم – برنامج توك شوك 2011/11/30
رفض قيام الأحزاب على أساس ديني هو أحد أشكال العلمانية المتطرفة.
وهالة الدوسري تطالب على قناة الحياة التنصيرية بـ ( فصل الدين عن التشريعات العامة )، وتدعو إلى أي تفسير كان للنص ليتوافق مع المبادئ العلمانية .. قناة الحياة – برنامج بلا قيود.
وما تقدم مجرد نماذج، وليس استقصاء
يبدو واضحا أن مشروع الشخصيات المتحدثة في الملتقى أساسه عزل الإسلام، ومع كل أسف فهؤلاء عند منظمي الملتقى رواد العمل النهضوي !!
هذا بالنسبة لتصورات رواد النهضة الذين سيقودون شباب النهضة إلى طريق النهضة، أما المحاور فعنوان الملتقى في نسخته الثالثة “المجتمع المدني .. الوسيلة والغاية” ومفهوم “المجتمع المدني” من حيث النشأة والتداول قائم على الليبرالية الغربية، وهناك ندوة بعنوان “المجتمع المدني ومفهوم المواطنة” و “مفهوم المواطنة” هو أحد مفاهيم العلمانية، ويقدم هذه الورقة شخصية علمانية.
وقد تحدث د. عزمي بشارة عن المجتمع المدني في نفس الملتقى في العام الماضي وقرر فيه انه قائم على نزع أي روابط دينية وجعل الرابطة هي المواطنة القائمة على الحرية، ولم يكن هناك أي اعتراض من شباب النهضة وإنما مجرد أسئلة وتعلم واستفادة وربط لكلام بشارة ببلدانهم، وليس هناك أي حوار او مناقشة أو نقد يذكر.
وهناك ورقة أخرى في هذا العام بعنوان ” تمكين المرأة في المجتمعات الخليجية” و”تمكين المرأة” مفهوم أممي تقدمه هيئة الأمم في مؤتمراتها الدولية كوسيلة لدعم تحرير المرأة، وهو ذو حمولة علمانية، ويقدم هذه الورقة شخصية نسوية علمانية.
سئل أحد المنظمين عن تجليات المشكلة هذه هل نظر فيها المنظمون من زاوية الشريعة؟ فقال في حسابه بتويتر ( نعم فكر فيها القائمون على الملتقى ويرون أن ما يفعلونه شرعي ) !! فأي شرعية لتقديم العلمانيين كموجهين ومعلمين لشباب المة؟!
وهذه هي المشكلة عند المعترضين على الملتقى : تقديم الفقيه للمشروع العلماني كنموذج رائد في النهضة!! هناك اشكالات أخرى ولكن هذا الإشكال حجمه كبير جدا لدرجة يؤخر معها كل الإشكالات الأخرى.
لماذا العلمانية ؟
يدافع المنظمون للملتقى عن ملتقاهم بعدد من الأجوبة نناقشها فيما يأتي:
أولا: لا وجود للعلمانية أو الدين في الملتقى، فالمشاركون متخصصون ومهنيون يقدمون رؤاهم في قضايا لا دخل للدين فيها مثلها مثل هندسة السيارات، ودوائر الكهرباء وسباكة المياه، ولو أردنا موقف الدين لذهبنا نبحث عن الشيخ في المسجد.
وهنا نتساءل هل الذي يقدم هذا الدفاع قرأ عناوين الأوراق وعنده معرفه بالملتقى؟! فبالتالي عنده تصور كاف عما يدافع عنه أو أن القضية تحزب واصطفاف؟! فعناوين أوراق الملتقى بعضها يذكر مفردة “الدين” ومفردات متعلقة بها، ومن العناوين كما هو معلن في جدول الملتقى المنشور ورقة بعنوان ( مقاربات المجتمع المدني والديني ) يقدمها الليبرالي خالد الدخيل وأيضا ( الإسلاميون والمجتمع المدني ) يقدمها المستشرق ستيفان لاكروا.
هنا طرفة متعلقة بموضوع التخصص، إحدى المشاركات في الملتقى تقدم ورقة بعنوان ( تمكين المرأة في المجتمعات الخليجية ) تخصص المتحدثة كما تقول عن نفسها في ( الأبحاث والخدمات الصحية )، و يستمر في الصورة المقابلة هذا التناقض بين الواقع والدفاع الذي يقدمه المنظمون، فنجد في قائمة المشاركين شخص تخصصه أصول فقه يقدم ندوة عن المجتمع المدني!!
وبعض المدافعين عن الملتقى ذكر أن الملتقى لا علاقة له بالسياسة فلسنا بحاجة إلى استضافة شيخ وداعية ليقرر الموقف الشرعي في السياسة، العجيب أن هناك أربعة متحدثين حاصلين على درجات عليا في السياسة وثلاث منهم أكاديميين يدرسون في كلية السياسة منذ سنوات طويلة، ولكنهم يدرسونها من خلال نظرياتها الغربية، وليس من خلال السياسة الشرعية !!
إذا تجاوزنا البحث في تخصصات المشاركين وعلاقتها بالملتقى، ننتقل إلى التصور الخطير الذي يطرحه المدافع هنا وهو : المجتمع المدني قضية لا علاقة لها بالدين مثلها مثل الطيران والإبحار وصناعة السيارات.
المجتمع المدني: هو وصف يطلق على التنظيمات الأهلية التطوعية التي تعمل خارج سلطة الدولة، يدخل في ذلك النقابات المهنية والعمالية، والجمعيات الخيرية، والاتحادات الطالبية، والأندية الرياضية والاجتماعية، والغرف التجارية والصناعية، ومنظمات حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية، والصحافة الحرة ومؤسسات الإعلام والنشر، ومراكز البحوث والدراسات والتجمعات الثقافية.
إن تصور هذه التجمعات والمؤسسات وهي تعيش حياة متكاملة خارج إطار الإسلام بالكلية هو عين المفهوم الليبرالي لهذا المصطلح، وهو جواب موافق لصورة نشأة المصطلح في الغرب.
يقول عزمي بشارة ( كان مجرد تعبير عن انتقال مبدأ السيادة من السماء “الحكم بالحق الإلهي” إلى الأرض على أساس العقد الاجتماعي ) المجتمع المدني دراسة نقدية، ص 12
ويقول راشد الغنوشي ( ظهرت فكرة المجتمع المدني مقابلاً ونقيضاَ للسلطة الدينية المسيحية ولنموذج الدولة الشمولية . ولقد نشأ هذا المفهوم في مناخات الصراع مع الكنيسة وأنموذج الدولة الشمولية تواصلاً مع مفهوم الديمقراطية وحرية الفرد وتشجيعاً لمبادراته باعتبار الأصل ، وحدأ من تمدد الدولة والكنيسة معاً بعد أن تم تحرير الدولة باعتبارها نشاطاً دنيوياً محكوماً بالعقل والقانون ، وبعد أن انتقلت فكرة السيادة المطلقة التي كانت للكنيسة باعتبارها تجسيداً للمسيح الذي تجسد فيه الرب ). مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني، ص54.
واستضافت الملتقى ثلاث شخصيات ليبرالية جامعية تدرس في كلية السياسة وتحمل رؤى علمانية مناقضة للإسلام – سبق نفل كلامهم – لبحث موضوع المجتمع المدني وهو بهذه الصورة في الفكر المعاصر كما في النصوص السابقة = يشير إلى أن منظمي الملتقى لديهم توجه بتقرير المصطلح والمفهوم كما هو في صورته الليبرالية، والتخصص الذي يتحدثون عنه هو التقرير الليبرالي للمصطلح، ومحاضرة بشارة في الملتقى السابق دليل واضح.
هنا تظهر المشكلة عند المعترضين على الملتقى؛ فهو يقدم العلمانية في عباءة الإسلام، ويريد أن يقنعنا في ذات الوقت أنه ملتزم بالإسلام لكون فقيه وشيخ يشرف عليه، وهذا انحراف مع تناقض واضطراب عجيب!!
ثانيا: يدافع القائمون على الملتقى بأن الهدف هو خلق جو حواري قريب من الشباب فعصر التلقين والحق المطلق وثني الركب عند المشايخ قد انتهى فهناك آراء ومصادر متعددة للمعرفة ولا بد أن نبصر الشباب بهذه الآراء ونخلق نقاش حر حولها.
حسنا … سنوقف عجلة النقد الشرعي لهذا الانحراف في التعامل مع الآراء وننتقل مباشرة للبحث في مصداقية هذا الدفاع في النقاط الآتية:
1-في الحقيقة لا يوجد هناك حوار حول القضايا المطروحة فالملقي يجلس على المنصة ويتحدث لمدة ساعة أو أقل ثم تطرح عليه أسئلة استرشادية – وليست نقدية أو حوارية – في مدة لا تتجاوز 2/3 دقائق ثم يجيب عنها الملقي ويختم اللقاء و لا يناقش و لا يحاور و لا تتلاقح الأفكار!!
2- الشباب المشارك لا ينظر إلى الشخصيات المشاركة كحالة قابلة للدرس أو النقد، وإنما يتعامل الشاب مع الجو العام في الملتقى على أنه حالة معرفية مفيدة وناجحة يستفاد منها وهذا ما أشير إليه في أهداف الملتقى حيث ذكر أن المحاضرين رواد في النهضة وأصحاب تجارب ناجحة، وليسوا شخصيات منحرفة يتم مناقشتها !! هنا نموذج نستدل به على هذه الحالة الذهنية التي يفكر بها الشاب المشارك في الملتقى.
يقول أحد الشباب الكرام – وهو من أصدقاء المنظمين ومن نفس مدرستهم الفكرية – قبل أن يوجه سؤاله إلى عزمي بشارة (أشكر الدكتور عزمي بشارة باسمي واسم كل من ثنى ركبه أثناءالثورات في متابعة الدرس اليومي الذي تقدمه لنا على قناة الجزيرة)
3- عندما يخرج أحد الشباب عن إطار توجهات الملتقى العامة لا يفتح له المجال للحوار والنقاش كما يقول المنظمون بل يمارس عليه ضغط حتى ينهي مداخلته، حصل هذا مع فتاة بحرينية قدمت نقد مؤدب وغير مباشر لرؤية عزمي بشارة قاطعها مقدم الندوة بحجة الوقت!!
4- الحوار والنقاش يكون بين أشخاص يحملون رؤى مختلفة حول القضية محل الدرس، أما في الملتقى فلا يوجد هذا الخلاف على نطاق جذري وقد يوجد في التفصيلات أما العناوين العريضة في الحرية والمساواة والديمقراطية والمدنية فالكل متفق عليها، وما اجتمعوا وتعايشوا وانفتحوا إلا عليها.
بعد الحديث عن عدم مصداقية المشاركين في مقصد الحوار ، وان دعوة المنحرفين في العقيدة هدفه النقاش نعود ونحدد طريقة المنهج الشرعي الأولية في التعامل مع أصحاب الآراء الضالة
يقول تعالى: ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معه حتى يخوضوا في حديث غيره ) [ النساء 140].
ويقول سبحانه: ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) [الأنعام 68].
في هذه الآيات ينهانا الله سبحانه وتعالى عن مجرد القعود معهم ويرتب على القعود معهم عقوبات وأوصافا شديدة، فكيف بالذي يصدرهم في المجالس ويقدمهم كرواد للنهضة؟!! ولا يشكل على هذا الجلوس معهم لنصيحتهم أو دعوتهم أو مناظرتهم، وهو أمر لا يفعله المنظمون في الملتقى، ويسخرون بمثل هذه الأهداف، لأنهم يرون في أصحاب الأوراق قامات فكرية ثرية يجب الانتفاع بها، فدعوى الحوار والنقاش إنما تقال لدفع الانتقاد لا أكثر. خاصة ان المشاركين فتية صغار سن غير مؤهلين لفعله، والضيوف كهول متمرسون على الاقناع، ومؤثرون في النقاش.
يبرر بعض المنظمين للملتقى صنيعهم هذ بقولهم ( الفكر لا يواجه إلا بالفكر ) وهذا كما سبق ليس الذي يحدث في الملتقى فالحال حال تلقي من رواد النهضة، فلا ردود ولا مواجهة، وهذه العبارة فيها نوع إدانة للمنظمين؛ فإذا كنت تعتقد بأن المحاضرين من فكر آخر يستحق الرد والمواجهة فلماذا تعتبره رائدا من رواد النهضة وتجعله يحاضر في مجموعة من الفتية؟!!
ثم إن القول السابق غير صحيح في ميزان الشريعة فالفكر المنحرف يواجه بالنصيحة والاحتساب والقضاء وغير ذلك من مراتب إنكار المنكر.
والحقيقة أن المناقشة والرد الذي يفضي إلى إسقاط الإلحاد والكفر من الحالة الثقافية ليس هدفا في حسابات الاتجاه التنويري، بل على العكس من ذلك؛ فإن تمكين الضلالة من الانتشار هو أحد معاني الحرية المطلوبة عندهم، والتي يجب على الدولة حمايتها، دليلنا هنا: حادثة تطاول كشغري على النبي صلى الله عليه وسلم، وتشكيكه في الله تعالى فقبل الحادثة جميع رموزهم كانوا شركاء له في منبر واحد مكن هو وغيره من استخدامه لاستقطاب الشباب، ولم يسعوا إلى منعه بل دافعوا عن بقائه، وبعد الحادثة انتصروا له واصطفوا معه وبعضهم اختار السكوت والتعبير عن موقفه من خلال اقراره بنشر كلامهم، فالرد ليس واردا عندهم بل بقاء هذه الأفكار الضالة وانتشارها هو أمر صحي ودليل على التعايش السلمي والتنوع الفكري الذي يدعون إليه وأحد أشكال المدنية وأحد مظاهر المجتمع المدني، وكل هذا الانحراف هو أحد مظاهر العلمانية في الحرية التي يقدمها هؤلاء هنا بلسانهم وممارستهم وليس من خلال الآخرين كما هو الحال في تقديم العلماني كرائد للنهضة.
وعموما فإن إطلاق هذا المنهج (الفكر لا يواجه إلا بالفكر) كقاعدة كلية مطلقة صورة حالمة لاوجود لها في الوقع فكل مجتمع له سقف لا يسمح بتجاوزه ويعاقب عليه.
أيضا هو مسلك فاسد وانحراف في المنهج ويشكل عليه أصول إسلامية عديدة كالجهاد وحد الردة والتعزير، وينقضه حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- في مسلم الذي هو أصل في باب الرد والإنكار ( من رأى منكم منكر فليغيره بيده ….)
أجوبتهم على المعترضين
في الحقيقة لاوجود لأجوبة لديهم حول نقد وتساؤلات الآخرين بل هي تفسيرات واطلاقات عامة خالية تماما من أي موضوعية نستعرض بعضها :
أولا: التفسير السياسي:
يجيب معظم المنظمين والمدافعين بأن هذا الاعتراض على الملتقى هو شكل من استخدام السياسي للاتجاه الإسلامي في قمع مشاريع الإصلاح أو كما قال بعضهم (محاربة الوطن)، وهذا التفسير فيه تخوين واتهام للعلماء والمحتسبين بالخيانة والعمالة لجهات ترفض الإصلاح وهي لغة سيئة لا تليق بمدعي الإصلاح، وهي أيضا اختزال لمشاريع الإصلاح والوطن كله في عدد بسيط من الأشخاص، وهذا الاختزال هو منطق الطغاة العرب الذين قضوا في الثورات.
وهو أيضا تفسير قائم على مغالطة فظيعة فالمعترض عليهم لم ينتقد معارضتهم للسياسي ولم يذكرها بالكلية في اعتراضه، بل لو اكتفى المشاركون بمعارضة السياسي لما انتقدهم أحد، بل سوف يثني عليهم ويحمي عرضهم ويدافع عنهم، و هم لم يستهدفوا السياسي في ملتقاهم ولم يعترضوا عليه وكل أحاديثهم ذات بحث نظري لا ممارسة فيها، وهذا أكثر ما يسعد السياسي فهو بذلك يدرك أن المعترض عليه صاحب أقوال وأحاديث ومغامرات في تويتر والفيس بوك وربما يتطور ويصل لفنادق الخمس نجوم بشكل موسمي ، هذه قد تزعجه ولكنها لا تؤثر عليه بشكل جذري ومباشر، وخطابهم كله خالي من اسم السياسي أصلا فكيف يعتبرون أنفسهم معارضين حقيقيين له يحرك السياسي أدواته لقمعهم!!
ثم بالله عليكم منذ متى والسياسي في عالمنا العربي يرسل أدواته الصوتية فقط على معارضيه ليسكتهم كليا، السياسي يسحبهم من أحضان زوجاتهم وأمهاتم وأطفالهم ويرمى بهم في السجون و لا يبالي بهم، ولكن المنظمون وضعهم مختلف فهم يسافرون ويسيحون في بلاد الثورات ويحاضرون عن الثورات ويتحدثون بصوت عال وهم طلقاء أحرار، في حين أن المنكر عليهم – هذا الذي يتهمونه بأنه أداة للسياسي – لو تعرض للسياسي ولو بالخاطر ونقده بربع نقدهم لغاب دهرا!!
ثم هذا السياسي أمامكم تفضلوا وانتقدوه وصبوا غضبكم عليه وامطروه بأقذع الأوصاف وشنوا حربكم عليه، لماذا تراوغون وتلتفتون إلى الأداة؟!! اتجه مباشرة إلى من يحركها وارتاح إذا كنت جادا!!
ومن الغريب انهم يعتذرون لوزارة الداخلية الكويتية، ويهاجمون الدعاة وطلاب العلم!!، لماذا تسكت عن المستبد وتهاجم الناقد؟! ومن طرائفهم أنهم يرون أن السلفيين قاموا بالتحريش، ويتركون من بيده السلطة !!
ثانيا: التفسير الأخلاقي:
يرى المنظمون أن الاعتراض عليهم هو مجرد صور متكررة من الاسفاف والشتائم والسباب والعبارات غير الأخلاقية، والمعترضون عليهم فيهم علماء كبار وأساتذة جامعات ودعاة وعاملين في الوسط الإسلامي، وإتهام كل هؤلاء بقلة الأدب هو في الحقيقة قلة أدب وتهور، وهم ليس عندهم مثال واحد لعالم او طالب علم فيه سب او شتيمة، ويحاولون أن ينسبوا كل من يكتب في الانترنت بأسماء وهمية او مجهولين غير معروفين للخطاب الشرعي، وهذا من الخداع الظالم، فليأتوا بالأمثلة والعبارات غير الأخلاقية إن كانوا صادقين !!
ثالثا: الدرع الجامي:
في فترة التسعينات نشأ اتجاه غال جدا في مهاجمة الدعاة جهلا وبغيا، هذا الهجوم استجلبه بعض المنظمين كدرع حامية يضعها في وجه أي معترض على مشروعاتهم فأي انتقاد لهم صاحبه جامي!!، وأي رفض يسجل ضدهم فصاحبه جاهل وباغ!! وهو من الجاميين الجدد!!، وهكذا بهذه الطريقة يشكلون نوعا من الكهنوت والقداسة على مشروعاتهم، فتصبح غير قابلة للنقد، وهم بهذا يقفزون على أي نقد موضوعي يوجه لهم و لا يجيبون عليه، وهذا فعلا الذي حدث فحتى الآن لم تقدم أجوبة حقيقة على الاعتراضات غير البكائيات واللطميات.
وإذا نظرت للحقيقة تجد أنهم أكثر الناس اسقاطا للعلماء بزعم أنهم يرسخون الاستبداد والغفلة والتشدد … وغيرها من الشتائم.
رابعا: مشكلة الجديد
يفسر بعض المدافعين رفض الدعاة لهذا النوع من الملتقيات بأنه رفض للجديد سرعان ما سيتغير الموقف منه بفاعل الزمن والإصرار على تكراره حتى يصبح واقعا، وفي الحقيقة لا يدرى ما هو الجديد هنا هل هو الملتقيات؟ التي يعرفها المنكر عليهم ويقيمها ويشارك فيها قبل أن يعرف المنظمون للملتقى الثقافة وربما قبل أن يولد بعضهم، أو هل الجديد هنا عند المنظمين الرؤى والأفكار التي تطرح في الملتقى؟ وهذه أيضا ليست بجديدة فهي تطرح منذ عشرات السنوات في عالمنا العربي ونقدها المعترض وغيره.
نعم الجديد في ملتقى النهضة هو تقديم العلمانيين والرافضة كموجهين للشباب، واعتبارهم روادا للنهضة، وتقديم نسخة جديدة من العلمانية تمرر من تحت عمامة فقيه.
وفقنا الله إلى نهضة أمتنا على منهاج النبوة، ملتزمين بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل عمل – حتى لو سماه صاحبه نهضة أو إصلاحا – ليس عليه أمر الرسول فهو مردود على صاحبه، وغير مقبول منه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
*************
انقسامات الإسلاميين في السعودية.. صراع بين النهضة وخصومها!
(مجلة المجلة 27 مايو 2012)
الفتنة الفكرية
كشف الصراع الملتهب الذي أحدثه ملتقى النهضة في دورته الثالثة، التي كان من المقرر عقدها في الكويت أواخر شهر مارس (آذار) الماضي تحت شعار (المجتمع المدني.. الوسيلة والغاية) عن حجم الفجوة والانقسام الفكري المتزايد ما بين السلفية الحركية “السرورية” والأطياف الإسلامية الأخرى.
مصطفى الحسن يكرم وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني في ملتقى النهضة الثاني بقطر
الملتقى الذي عقد دورته الأولى في المنامة، والثانية في الدوحة، تعثر في دورته الثالثة، حيث قررت الداخلية الكويتية منع إقامته بسبب “التحريض الأمني والسياسي في البرلمان الكويتي”، كما يقول ذلك البيان التوضيحي الصادر من إدارة الملتقى، فقد طالب النواب السلفيون في البرلمان بإيقاف الملتقى ومنع انعقاده، لأنه “يقصي الشريعة الإسلامية، ويستضيف شخصيات ليبرالية وشيعية تؤثر على الاستقرار السياسي في البلد”، ساندهم في ذلك بعض دعاة وشيوخ السلفية الحركية في السعودية، الذين أصدروا بيانا يحذر من الملتقى، وخطورته على عقول “شبابنا وبناتنا.. فهو يروج للأفكار العلمانية بلبوس إسلامي، ويحرض على الاختلاط بين الجنسين.!”
ساهم الموقف السلفي الحاد من الملتقى في تقارب وتحالف ثلاثة تيارات هي: الإخوان المسلمون، والتنويريون (إسلاميون مستقلون)، واليسار الليبرالي. من أجل التضامن حول حق حرية التعبير ـ كما يقولون ـ في مواجهة الرفض السروري، وكان نتيجة ذلك أن أقيم الملتقى بنفس جدوله وضيوفه ـ تقريباً ـ بإدارة كويتية ومسمى جديد، تحت عنوان (ملتقى المجتمع المدني) في جمعية الخريجين، وهي ليبرالية التوجه.
لكن بغض النظر عن (ملتقى النهضة الثالث) وظروف انعقاده، ما هي العوامل والأسباب التي أدت إلى بروز هذا الانقسام الإسلامي الحاد؟ وما هي المنطلقات الفكرية التي توضح موقف الطرفين ـ الرافض والمؤيد؟ـ
الصحوة السعودية.. تاريخ من الانقسامات
انقسام موقف الإسلاميين السعوديين تجاه ملتقى النهضة ليس مفاجئاً، أو غريباً على الحالة الإسلامية السعودية التي شهدت العديد من الانقسامات والانشقاقات، فالصحوة الإسلامية – كتيار سياسي حركي – في السعودية بدأت مطلع السبعينات، وبلغت ذروتها نهاية الثمانينات، وشهدت انقساماً حاداً بداية التسعينات.
الصحوة الإسلامية بالسعودية في أوجها كان يهيمن عليها تياران أساسيان (السلفية والإخوان)، فالسلفية انقسمت إلى تيارات مختلفة ومتناحرة فيما بينها، من السلفية الحركية (تسمى بالسرورية نسبة إلى أشهر رموزها محمد سرور زين العابدين، سوري الجنسية قدم للتدريس في السعودية منتصف الستينات، تجمع بين المنهج السلفي في العقيدة، والمنهج الإخواني في السياسة)، إلى السلفية العلمية (تسمى الجامية، نسبة إلى أشهر رموزها محمد أمان الجامي، تؤكد على أهمية العقيدة وترفض السياسة والتحزب، لديها موقف ناقد لكل الحركات الإسلامية)، بالإضافة إلى السلفية الجهادية التي ضمت أطياف القاعدة، وجماعات التكفير والعنف، التي ترى في نفسها امتداداً لجماعة جهيمان العتيبي التي اقتحمت الحرم المكي نهاية السبعينات.
أما حركة الإخوان المسلمين في السعودية فلم تكن على قلب رجل واحد، فهذه الحركة التي نشأت ابان هجرة الإخوان المصريين للسعودية فترة حكم جمال عبد الناصر، تأثرت بالبيئة السلفية، وأصبح قربها أو بعدها من السلفية يحدد هوية بعض أطيافها في السعودية، إضافة إلى أنها تأثرت بشكل واضح بالمناطقية والأقاليم، فإخوان الحجاز يختلفون عن إخوان المنطقة الوسطى، لكن تجمعهم هوية كلية، ومفاهيم عامة مشتركة.
في ظل هذه الحالة من التشعب والانقسام، كشفت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن تشكل تيار جديد خرج من رحم الحالة الإسلامية، وهو ما سمي في تلك الفترة بتيار (التنوير الإسلامي) الذي ضم مجموعة من الشباب الذي خرجوا من عباءة حركاتهم الإسلامية (السرورية على وجه التحديد ثم الإخوان)، وشكلوا تجمعاً يتفق على نقد فكر الحركة الإسلامية، ونقد التراث الإسلامي، والتصالح مع المفاهيم الثقافية الحديثة، لكنهم مازالوا محتفظين بهويتهم الإسلامية، ويتقارب هذا التيار مع (اليسار الليبرالي) الذي يوائم ما بين القومية العربية، ورفض “الإمبريالية الأميركية”، ونقد مشاريع الإصلاح السياسي للأنظمة العربية.
التيار التنويري تشعب وتمدد، ليس من الدقة الآن وصفه بأنه تيار متجانس متماسك، بل أصبح مظلة فضفاضة تضم أفراداً مختلفين من الإسلاميين المتحررين من قيود الحركة الإسلامية التقليدية، ويحملون رؤية أكثر انفتاحاً من زملائهم الحركيين، هذه المظلة تضم الآن رموزاً حركية سابقة كالشيخ سلمان العودة، والشيخ عبد العزيز القاسم، والدكتور محمد الأحمري، عبد العزيز الخضر، سليمان الضحيان وآخرون.. ولذلك يمكن وضع ملتقى النهضة الذي يشرف عليه الشيخ العودة، في سياق المنظومة التنويرية بشكل عام التي تروج لمفاهيم حديثة كالتعايش، والديمقراطية، والحرية، والتعددية، والنهضة وفق مفهوم إسلامي حركي يختلف عن نظرائهم السروريين.. لكن ما هو موقف التيار السروري من هذه المفاهيم؟
مصطلحات ومفاهيم الانحراف:
(النهضة، الإصلاح، التعددية، والتعايش).. لم تكن بالمصطلحات المرحب بها أبداً في خطاب السلفية الحركية “السرورية” إلا في سياق النقد والنقض، باعتبارها منتجاً غربياً يهدف إلى تغريب العقلية الإسلامية وإفسادها، بل إن كثرة ترديدها والتصالح معها يُعد علامة من علامات انحراف المرء، وانجرافه نحو الأفكار العقلانية والليبرالية. فأصبحت هذه المصطلحات واحدة من علامات التصنيف والتمييز الحزبي، أكثر من كونها ميداناً للنقاش العلمي والفكري.
فـ(هي بمجموعها تمثل بوابة نحو الفتنة الفكرية التي تعصف بالأمة).. هكذا كتب الدكتور عابد السفياني ـ أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى ـ في كتاب سماه “موقف أهل السنة والجماعة من المصطلحات الحادثة ودلالاتها”، قال فيه (إن من أخطر هذه المصطلحات هي: الحرية، الانفتاح، التعايش السلمي، المشروع النهضوي، والإصلاح).
ولذلك جاءت أصوات إسلامية تحذر “الشاب المسلم” من هذه “المصطلحات الحادثة”، كما كان الدكتور عبد الرحمن المحمود ـ أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ يحذر كثيراً من “المصطلحات الغربية التي غزت عقول المسلمين”، وقال في كلمته بمؤتمر “السلفيون وآفاق المستقبل” الذي نظمته مجلة البيان السرورية بتركيا في أكتوبر 2011: (علينا أن نحذر من مصطلحات أطلقت على غير معانيها وأريد لها مرامي أخرى، من بينها، الحياد، والتسامح، والتعددية، والإسلام السياسي).
****
عبد العزيز العبد اللطيف
عبد العزيز العبد اللطيف: التعامل مع العلمانيين وأشباههم.. وكونهم سلكوا سبيل الافتراء، فهذا دليل على إفلاسهم وتهافتهم، والواجب أن نتعامل معهم بالعدل والإنصاف، فالعدل واجب على كل شخص تجاه كل شخص في كل الأحوال، ولا بد من مجاهدتهم بعلم وبيّنة، وبالمخاطبات والأساليب التي يتحقق بها كشف عوارهم، وسقوط دعاويهم، وبيان حكم الله تعالى في هؤلاء المنافقين، والتحذير منهم، والتغليظ عليهم كما توجبه الشريعة ويقضيه العدل
أما الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف ـ أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ فيقول في أحد سجالاته الكثيرة المنشورة بموقعه الشخصي: (الألفاظ المتداوَلة ــ كالإنسانية والمجتمع المدني والحريات وغيرها ــ لا تنفك عن ملابسات فكرية وعقدية، فلا يمكن تصوَّر هذه المصطلحات بعلم وعدل إلا باستصحاب هذه النشأة وتلك الملابسات).
وفي أطروحة للدكتوراه كتبها سعود العتيبي وصدرت عن مركز تأصيل للدراسات والبحوث سنة 2009، يقول الباحث في المقدمة: (لقد أصبح أعداء الأمة الإسلامية يغزون العقل الإسلامي بآلاف المصطلحات الباطلة للسعي لإفساده وإضلاله). ووضع الباحث في نهاية بحثه نموذجاً تطبيقياً لهذه المصطلحات، فكان مصطلح “المجتمع المدني” أحدها، مؤكداً فيه أن “المجتمع المدني” مصطلح غربي وافد، يقوم على أساس العلمانية، وفصل الدين عن الدولة، والحرية المطلقة لأفراده وفتح المجال لجمعيات “إفساد المرأة”، والنتيجة في الأخير مناقضة ومصادمة هذا المصطلح للإسلام بحسب رأيه.
وسبقه وبشكل أكثر صراحة الشيخ سليمان الخراشي، الذي كتب مقالاً بعنوان (المجتمع المدني.. موضة أصحاب اللحى الليبرالية)، تحت سلسة سماها (ثقافة التلبيس)، وقال في بداية مقاله: (التبشير بالمجتمع المدني، هو الموضة الجديدة على ألسنة وأقلام العلمانيين والعصرانيين من ذوي “اللحى الليبرالية”! فلا يكاد يخلو حديث أو مقال لهم من دون الإشارة أو الدعوة إليه، بصفته البلسم الشافي لجميع أدواء الأمة وخلافاتها).
****
مصطفى الحسن
مصطفى الحسن: ساهمت حالة الترهيب المكثف من الوافد المعرفي والثقافي في تكلس المكون الثقافي للتنظيمات الحركية التقليدية إخوانية كانت أو سلفية، مما سبب نفورَ وتسرب الشباب الإسلامي الذي واجهته وسائل الاتصال الحديثة وبدأ يطرح الكثير من الأسئلة التي عجز رموز الحرس القديم عن مسايرتها و الإجابة عنها.
بوادر الانقسام الحاد حول المفاهيم الثقافية والسياسية الحديثة كانت مبكرة، فبعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) صدر (بيان التعايش) عن مجموعة من الإسلاميين على رأسهم الشيخ سلمان العودة، والشيخ عبد الوهاب الطريري، والشيخ عبد العزيز القاسم، وكان يؤسس لفكرة التسامح مع غير المسلم، وتقديم مفهوم مختلف لفكرة الجهاد في المكون السلفي التقليدي.
أحدث البيان انقساماً عنيفاً داخل التيار الصحوي، وأشعل الجدل في الساحة الثقافية السعودية، كونه أول محاولة من هذا التيار لصياغة مفاهيم حديثة في اطار ما يسمى بالصحوة الاسلامية، ولذلك قوبل البيان بهجمة شرسة من شباب التيار السلفي والسروري، الأمر الذي دفع موقعي بيان التعايش إلى إصدار بيان توضيحي وُصف بأنه توبة وتراجع عن البيان الأساسي.
قوبل البيان بغضب سلفي/سروري كبير كاد يؤدي إلى انقسام الحركة السرورية من داخلها، لولا تراجع الشيخ ناصر العمر، والشيخ سفر الحوالي عن توقيعهم على هذا البيان، وإعلانهما البراءة منه.
يمكننا بسهولة إذن أن نفهم الموقف السروري الرافض لملتقى النهضة، فالسلفية الحركية التي يطفح خطابها بكل ألوان التحذير لأبنائها من المفاهيم الحديثة كـ(النهضة والإصلاح والتنمية وحرية التعبير، والتعايش، والمواطنة.. إلخ)، سوف ترفض بشدة أن يتم تقديم مثقفي التيارات الليبرالية والقومية من “مصدري هذه المفاهيم” على أنهم قدوات أو نماذج علمية ومعرفية.
هذا من الناحية العقائدية، أما الناحية السياسية، فإن التيار النهضوي التنويري ـ إن جازت التسمية ـ قد حقق حضوراً مميزاً في فترة وجيزة، استطاع من خلالها زعزعة الأرضية الجماهيرية لدى التيار السلفي/السروري الذي تضخمت معركته مع الليبرالية بشكل لافت جداً.
ولكن لماذا صمت التيار السروري عن ملتقى النهضة في دورته الأولى، والثانية، ولم ينتقده إلا في دورته الثالثة؟ مع أن كل مسببات النقد والاعتراض كانت موجودة في الأول، والثاني؟
الحقيقة أن هذا الصراع جاء في سياق احتقان وامتعاض سروري متزايد في الآونة الأخيرة ضد التيارات الإسلامية الأخرى المتصالحة مع الحريات، والداعية للانفتاح والمراجعة والتجديد، ويوضح ذلك الباحث السعودي طارق المبارك الذي قال: (في الحقيقة أننا أصبحنا أمام مشهدين متناقضين، في عام 2011 كان هناك شبه اتفاق بين التيار الاسلامي في مجمله والتيارات الليبرالية حول السعي للحريات العامة تأثراً بموجة الثورات في العالم العربي، ولذلك صدرت عدة بيانات في اتجاه واحد، إلا أن هذا التوافق سرعان ما انفض عند الاصطدام بقضايا حق التعبير والحريات الخاصة في مطلع (هذا العام) 2012، ـ وهذا أحد أسباب هجوم السلفيين على الملتقى الثالث دون الأول والثاني ـ وانقلبت الآية فأصبحنا أمام حرب بيانات متبادلة بالضد فيما بين هذه التيارات.. وهو ما يؤكد أن موضوع الحريات الخاصة هو السؤال الأكثر حسماً في مجمل الحراك الديمقراطي).
لكن السؤال الكبير هنا، والذي يلم شتات الإشكاليات المتفرعة من مفاهيم كالنهضة، والديمقراطية والتعايش، والمجتمع المدني هو: هل يقدم لنا التراث الإسلامي ـ نصوصا وممارسة ـ إجابات واضحة عن أسئلة التشكيل السياسي للدولة المدنية الحديثة؟. يجيب الدكتور محمد الرميحي ـ أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت ـ على هذا السؤال قائلاً: (الاجابة القاطعة لا! وإلا لكان لدينا اليوم شكل معقول من الهياكل السياسية الخاصة بنا، والتي لا يختلف عليها كثيرون. المشكلة التي نواجهها أن الموضوع المطروح يأتي في وقت وبيئة ساخنة سياسياً، ولم يترك في الزمن الماضي إلى التفكير العميق، وبالتالي فإن السخونة تأخذ مكانها في النقاش فتبعد عن الموضوعية).
ويستعرض الرميحي مدرستين إسلاميتين تجاه الدولة الحديثة (الأولى ترى أن في التراث الاسلامي قيما تحاكي قيم المواطنة والديمقراطية و تعلي الحريات، ولا تنقص هذه المدرسة الاستشهاد بالنصوص والأحاديث وحتى الممارسات، ومدرسة أخرى تستنكر استخدام المصطلحات الحديثة “المواطنة والديمقراطية” ولا تجد لها أصلا في التراث، ولا ينقص هذه المدرسة الاستشهاد – مرة اخرى – بالنصوص والاحاديث والممارسات! كلتا المدرستين تتهم الأخرى بالتعسف في التأويل أو الانتقائية ثم التعميم والاستثناء).
ملتقى النهضة: ليس إسلامياً
منظمو ملتقى النهضة يعلنون أنهم لا ينتمون لأي جماعة أو حركة، كما يؤكد ذلك مشاري الغامدي ـ منسق فعاليات ملتقى النهضة ـ الذي قال: (القائمون على هذا الملتقى هم إسلاميون مستقلون، لكنهم لا يقدمونه باعتباره ملتقى إسلامياً، بل هو ملتقى مدني يؤمن القائمون عليه بحرية التعبير، والتعددية، والحوار المفتوح، وهذه ليست تهمة حتى ننفيها، بل حق نؤكده ونسعى إليه، ولا يمكن أن نطرح قضية النهضة من رؤية طيف واحد، دون التحاور مع الأطياف الأخرى التي تسعى إلى ذات الهدف).
الدكتور مصطفى الحسن ـ أستاذ التفسير بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومؤسس ملتقى النهضة ـ خلع نفسه من عباءة الإخوان المسلمين في السعودية، بعد أن فقد الأمل من محاولات الإصلاح من الداخل، وكتب ذكرياته معهم في سيرة نقدية تفسر الكثير من دوافع تأسيس ملتقى النهضة.
الحسن الذي يكتب مقالات نقدية وجريئة لفكر الحركة الإسلامية في جريدة “اليوم” السعودية، كان معجباً وممتناً للدكتور القطري جاسم سلطان، الذي تنسب إليه دعوات بضرورة حل تنظيم الإخوان المسلمين، جاسم يؤكد كثيراً أن على الحركة الإسلامية أن تحل تنظيماتها التقليدية وتندمج في مؤسسات الدولة وتساهم في بنائها بدلاً من الانشغال في بناء مشروع سياسي بديل.
ولذلك جاء موقف الإخوان المسلمين في السعودية من ملتقى النهضة متردداً، فهم قبل الضجة التي حصلت لملتقى الكويت التزموا الصمت، لم يصدر منهم موقف بالرفض أو التأييد لهذا الملتقى في دورته الأولى أو الثانية، ومن يشارك من أبنائهم فهو يذهب بصفته الشخصية، بل قد يُفهم من حضور الشاب الإخواني لمثل هذا الملتقى على أنه نوع من التمرد والخروج عن طاعة الحركة سياسياً وفكرياً.. لكن بعد إلغاء الملتقى الثالث تضامن بعض رموز الإخوان ـ الحمائم منهم خصوصاً ـ وبشكل علني مع الملتقى، لم يكن تضامنهم مع مضمونه بقدر ما كان دفاعاً عن حرية التعبير، ونكاية ومناكفة للتيار السروري، وكبح جماحه، إضافة إلى تقاطع شخصية الدكتور سلمان العودة ـ المشرف على ملتقى النهضة ـ مع العديد من التيارات التي تتضامن وتتعاطف معه حتى ولو لم يكن منتمياً لها.
مسفر القحطاني
مسفر القحطاني: كلما تأخرت الصحوة عن تجديد خطابها وبرمجة مشاريعها العملية فإن هناك جيلاً سيتشكل قريباً يحمل روح المبادرة ويذر الأشياخ وراءه وملامحه ليست ببعيدة خصوصاً في السعودية ونحن نرى انخراط أعداد كبيرة من الشباب في تجمعات تطوعية تنموية تغييرية بعيدة عن الخطابات المنبرية والتوجيهات المثالية
جمود الحركة.. أمل النهضة
ساهمت حالة الترهيب المكثف من الوافد المعرفي والثقافي، في تكلس المكون الثقافي للتنظيمات الحركية التقليدية إخوانية كانت أو سلفية، مما سبب نفورَ وتسربَ عدد كبير من الشباب الإسلامي الذي واجهته وسائل الاتصال الحديثة، وحركة الانتقال الثقافي السريعة بالمنتجات المعرفية التي كانت محجوبة عنه، وبدأ يطرح الكثير من الأسئلة التي عجز رموز الحرس القديم عن مسايرتها و الإجابة عنها. دفع هذا الجمود الفكري والثقافي داخل التنظيمات الإسلامية التقليدية، مؤسسي ملتقى النهضة إلى محاولة بعث خطاب إسلامي جديد يتقارب مع كافة الرؤى العربية الهادفة إلى تقديم مشروع نهضوي ينتشل الواقع العربي والإسلامي من حالة التخلف.
هذا ما أكده الدكتور الحسن الذي قال: (إن ضعف فكر الصحوة بأشكاله المختلفة، كان أحد أهم أسباب انبعاث سؤال النهضة من جديد، فعدم قدرة الصحوة على تلبية الاحتياجات الفكرية والإجابة عن أسئلة الجيل الجديد من الشباب، إضافة إلى الانفتاح العالمي الذي أحدثته وسائل الاتصال، كل ذلك جعل الأسئلة والملفات مفتوحة، وانكسرت الوصاية القديمة لــ”ماذا نقرأ؟” و”لمن نسمع؟”، بات الجيل الجديد يقرأ في كل اتجاه واستطاع أن يزيل الحواجز المبنية بين التيارات المختلفة سواء الإسلامية أو غيرها).
الدكتور مسفر القحطاني ـ أحد المحاضرين في ملتقى النهضة الثالث، وأستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ـ بدوره يتفق مع الحسن، ويرى أن تمرد هذا الجيل على التقليدية داخل الفكر الحركي هو نوع من متطلبات عصر الانفتاح الذي شكّل لدى جيل الشباب أسئلة ضرورية عن موقعهم في عالم اليوم، عن كونهم أفضل الناس، ولكنهم في قاع المجتمعات؟ ويقول: (كلما تأخرت الصحوة عن تجديد خطابها وبرمجة مشاريعها العملية، فإن هناك جيلاً سيتشكل قريباً يحمل روح المبادرة ويذر الأشياخ وراءه، وملامحه ليست ببعيدة خصوصاً في السعودية، ونحن نرى انخراط أعداد كبيرة من الشباب ومن الجنسين في تجمعات تطوعية تنموية تغييرية بعيدة عن الخطابات المنبرية والتوجيهات المثالية).
يفرق الحسن بين فكر الصحوة، وفكر النهضة قائلاً: (فكر الحركة الإسلامية يتمركز حول النسك والعبادة، ويقلل من شأن الفعل المدني، سواء بشعور أو لا شعور، أما فكر النهضة فيحاول إعادة الفعل المدني إلى مركز الأفكار، وهو بالتالي لا يهمش من النسك والشعائر ولا من التربية، لكنه يحذر من تضخمها. ويعيد الاعتبار للفعل المدني من منطلق قرآني من مفهوم الاستخلاف ومن عمل الصالحات وفعل الخير).
لكن إذا كان ملتقى النهضة مستقلا، لا ينتمي لأي جهة، ولا يخدم أجندة أي طرف، فهل يعني هذا أننا أمام تيار جديد يتشكل من داخل الحالة الإسلامية، يرفع “النهضة” شعاراً، ويرفض الانخراط في قوالب الحركة التقليدية؟ يجيب الدكتور الحسن عن هذا السؤال فيقول: (علامات تشكل تيار النهضة باتت واضحة، إنه جيل غير مثقل بالأفكار، ولا يعاني من مشكلة الوصاية، أو ثقل التاريخ، بل هو ليس مهتما بالاسم أو الوصف الذي يطلق عليه أو على الفكرة التي يعتنقها، هو متمرد بطبعه، لا يقبل إلا ما يقتنع به عقله.. لكنه في بداياته، لذلك قد يكون من المبكر جداً وصفه بالتيار.. نحن لسنا أمام حركة تقدم وصفة جاهزة، بل إننا أمام بوصلة وتحديد للاتجاه، ولكل أن يمضي بطريقته وفقا لما يعتقده، وبالتالي تكون النهضة قاسماً مشتركاً بين كل التوجهات الإسلامية والليبرالية والقومية وغيرهم).
مهنا الحبيل
مهنا الحبيل: كان مطلوباً من الحداثيين الشيعة تاريخياً كموقف إنساني أو وفاءً للضمير وقيم الحقوق أن يُدلي بدلوه في الملفات المختنقة والمحتبسة أمام التشدد الشيعي المخيف، خصوصاً أن المدرسة السنية أنجزت مساراً في ضمان الحقوق المدنية ونقد الخلل والتشدد والخرافة وفق المقاصد الشرعية لمدرسة النهضة
لماذا غاب الاعتدال السلفي، وحضر الحداثيون الشيعة؟
في مقاله بصحيفة الحياة (ملتقى النهضة.. أسئلة للتصحيح) يطرح الكاتب السياسي السعودي مهنا الحبيل ـ الذي يعد قريباً في المجمل من فكر النهضة والتنوير الإسلامي، ويعتني كثيراً في طروحاته بالقضية السنية الشيعية، ومايعرف بـ”خطر المد الصفوي الإيراني”ـ ، يطرح تساؤلات نقدية حول ملتقى النهضة الثالث، مؤكداً أن هناك (خللاً اجتهادياً طرأ على الملتقى يحتاج إلى تصحيح… فالملتقى في ذهنية الكثير هو حوار داخل الحال الإسلامية المعاصرة، ينفتح على الآخر لكن من خلال تأصيل قناعته الشرعية والفكرية وتواصلها بأصل النهضة الإسلامية، وحين يُفاجأ الرأي العام بتقلص شديد لطرح التأصيل الإسلامي النهضوي في برنامج الملتقى مع وجود مكثف لمدرسة كاملة ذات صبغة محددة، وهي مدرسة الحداثيين الشيعة، التي عُرفت بنقد الحال السنية مع تقصيرها البالغ في دعم فكر الإصلاح الشيعي وانسحابها كلياً من نقد التطرف الشيعي، فهو يُثير البعض ويسجل لديه إشكالات، وهنا نقطة نظام مهمة جداً في هذا السياق..
هذا التيار كان مطلوباً منه تاريخياً كموقف إنساني أو وفاءً للضمير والإخلاص أمام الله وقيم الحقوق أن يُدلي بدلوه في هذه الملفات المختنقة والمحتبسة أمام التشدد الشيعي المخيف أيضاً، خصوصاً أن المدرسة الإسلامية السنية أنجزت مساراً في تقرير الفقه الدستوري الإسلامي وضمان الحقوق المدنية ونقد الخلل والتشدد والخرافة وفق المقاصد الشرعية لمدرسة النهضة، فأين مشاركة التيار الحداثي الشيعي؟ ولماذا التطوع في نقد المدرسة السنية الواسعة والمتقدمة في طرحها والانسحاب الكامل أمام الضحايا الشيعة؟)
وفي السياق ذاته يطالب الحبيل بأهمية مشاركة تيار “الاعتدال السلفي” الذي ينبغي أن يكون له حضوره في هذا الملتقى أو ذاك، ليُعبّر عن شريحة واسعة وتوازن مجتمعي معروف.
النهضة والتنوير.. ارتباك مفهوم الحريات والحقوق
على الرغم من جاذبية الشعارات التي يرفعها ملتقى النهضة التي تدور حول الحرية والتعددية والمجتمع المدني إلا أن بعض المتابعين يشككون في كون تلك النشاطات ذات بعد فكري بحت، هم يرون أن هذه النشاطات وإن رفعت شعارات بحثية وعلمية إلا أنها أقرب للنشاط السياسي منه للنشاط للفكري والعلمي، ويدلل بعض النقاد على ذلك بمسمى “المجتمع المدني” كمفهوم يحمل بعداً سياسياً واضحاً، كما أن كثيراً من المحاضرين في الملتقى يقدمون أنفسهم بصفتهم ناشطين حقوقين أو ناشطين إصلاحيين وليس بوصفهم باحثين علميين، ولذلك فإن إقامة نشاطات ثقافية تحت أجندة سياسية يجعلها أقرب إلى الخطاب الأيديولوجي المتحزب، وهم بذلك يقعون فيما كانوا ينتقدون فيه خصومهم من الإسلاميين الآخرين على تبني خطاب أيديولوجي معارض لهم. هذه الحالة من السجال تكشف لنا أن الصراع ما بين التوجه الإسلامي الجديد وما بين القوى الإسلامية القديمة، هو في أحد تجلياته صراع من أجل الزعامة على مقعد النضال والمعارضة.
من جانب آخر فإن موقف تيار النهضة والتنوير من مفاهيم الحريات والحقوق، جاء مضطرباً ومرتبكاً في الأحداث الأخيرة، حيث يرى البعض أنهم يتخلون أو يصمتون عن التضامن مع حرية التعبير حين لا يكونون معنيين بالأمر، وهذا ما يفسر صمتهم عن التضامن مع حق حرية التعبير بالنسبة للتيار الليبرالي، أو التيارات التي تؤمن بالنقد الثقافي والديني الحر، بل قد يباركون في بعض الأحيان الهجمة السلفية على هذه التيارات، مما يكشف بحسب ما يقوله بعض الليبراليين تناقضاً جوهرياً لدى بعض الشيوخ والدعاة الذين يفهمون الحرية بمعناها السياسي فقط، بينما مفهوم الحرية يشمل الحريات الخاصة والفردية، والحريات في مجال الثقافة والاجتماع والتقاليد.
طارق المبارك
طارق المبارك: الصراعات بين التنويريين والسلفيين كشفت بوضوح موقف السلفيين الرافض لفكرة الحريات إلا أنها أيضاً كشفت عن اضطراب وارتباك في مفهوم الحريات خصوصا حرية التعبير ومجمل الحريات الخاصة لدى الاسلاميين التنويريين وأكدت عدم جاهزيتهم لاستحقاقات منظومة عالمية من الحريات والحقوق
وتعليقاً على هذا الارتباك يقول الأستاذ طارق المبارك ـ سبق له أن حاضر بملتقى النهضة الأول في البحرين ـ: (هذه الصراعات بين التنويريين، والسلفيين، كشفت بوضوح موقف السلفيين الرافض لفكرة الحريات، إلا أنها أيضاً كشفت عن اضطراب وارتباك في مفهوم الحريات، خصوصا حرية التعبير ومجمل الحريات الخاصة لدى الاسلاميين التنويريين، وأكدت عدم جاهزيتهم لاستحقاقات منظومة عالمية من الحريات والحقوق وذلك لسببين، الأول: لديهم ضعف واضح في بلورة مفاهيم اساسية كحرية التعبير والتدين ومجموعة أخرى من الحريات الخاصة ضمن المرجعية، التي يعلنون انهم ينطلقون منها، ولذلك السؤال الأكثر أهمية هنا، هل هذه المفاهيم التي يروج لها جزء من التيار التنويري قد تبلورت لديهم معرفياً بشكل واضح؟ أم أنها مازالت متخبطة في حالة من التوفيقية التي لا يمكن الاطمئنان إليها؟
الثاني: هم يدفعون التيار السلفي لتبني الحريات العامة، وبعض آليات العمل الديمقراطي وفق مقولات تنبئ عن التموقع ضمن خطاب الهوية ذاته، خطاب الهوية الذي يتم تجاوزه في عصر تكشف وتنتج فيه العولمة في آن واحد فردانية وذاتية طمرها خطاب الـ”نحن” الهووي كثيرا، يعملون على ذلك باسم سيادة الأمة ورأي الأكثرية دون ربط دعواتهم بثقافة وقيم الديمقراطية المتعاضدة كـ”قيم المواطنة والتعاقد الاجتماعي، وحماية الحريات الخاصة، وحقوق الأقليات…” وبذلك فإن هذا النوع من التنظير التنويري ينتج خطابا غامضا حول وضع الأقليات والحريات الخاصة، وكانت الأزمة الأخيرة كاشفة لهذه المفارقات. ونتيجة لهذا الخطاب الديمقراطي الناقص نشاهد الآن التيار السلفي مستعد ــ كما في حالة مصر ــ للدخول في انتخابات يفوز بها ليهيمن على مفاصل الدولة، لكنه غير مستعد لتحمل ملتقى اسلامي مخالف له فكريا)!.
يوسف الديني
يوسف الديني: أزمة مشهد التنوير السعودي تكمن في أنه عبارة عن “صورة مجمّدة اللحظة” لم تتجاوز صدمة نهاية التسعينات حيث كان الانفتاح في تبيئة الديمقراطية والدعوة لها السقف الأعلى، بينما يتم الكلام عن مسائل فقهية وعقائدية من لوازم الحريات والحقوق والمواطنة بخجل شديد خوف الاصطدام بالتيار العريض
الأستاذ يوسف الديني ـ الباحث والكاتب السعودي، سبق له أن قدم أطروحة نقدية بعنوان (التنوير الإسلامي في السعودية.. سجال السقوف المنخفضة) صدرت عن مركز مسبار للدراسات والبحوث في سبتمبر 2010 ـ يرى أن أزمة مشهد التنوير السعودي، تكمن في (أنه بالتعبير الفوتغرافي هو عبارة عن “صورة مجمّدة اللحظة” لم تتجاوز صدمة نهاية التسعينات، حيث كان الانفتاح في تبيئة الديمقراطية والدعوة لها السقف الأعلى، بينما يتم الكلام عن مسائل فقهية وعقائدية من لوازم الحريات والحقوق والمواطنة بخجل شديد خوف الاصطدام بالتيار العريض، يشبه ذلك التحول المقلوب الذي مارسه الشيوعيون والإخوان، حيث تضخم الانفتاح السياسي على حساب الثقافي خوفاً من فقد الجماهير أو الاصطدام بالشارع. فما يحدث الآن هو مجرد مناورات متذاكية على مضامين ليبرالية أكثر من كونها اجتهاداً مطرّداً في مسألة الحريات والحقوق، فخطاب التنوير بسبب ارتباكه وتثاقله عن الخروج من دائرة الصراع مع خصومه باتت مخرجاته الفكرية هزيلة، مقارنة سريعة بين رؤى تيار مثل عبد المنعم أبو الفتوح أو حزب الوسط المصري أو حتى التيارات الإسلامية في ماليزيا ستجد أنهم في نهاية مضمار السباق المدني الطويل).
هو تحد حداثي واجه المفكرين العرب قديماً، والنقاش حوله لم يتطور بسبب هيمنة أجواء صراع سياسي لا تساعد على إنتاج تصور فكري عربي إسلامي ناضج حول الدولة الحديثة، كما يقول الرميحي: (واقع الأمر أن التحدي الحداثي كان معنا على الأقل منذ مطلع القرن العشرين، وكانت مقولة الشيخ محمد عبده “وجدت اسلاما ولم أجد مسلمين” بداية لمحاولة التوفيق، إلا أن كتاباته التأصيلية لم تُطور ويبنى عليها، السبب أن العرب دخلوا في صراع مع الغرب وفي صراع مع أنفسهم، ودخلت الجماعات السياسية الإسلامية في صراع مع الدولة ليزداد الشطط التعصبي. فتتبع العرب في بناء الدولة الحديثة مقولات إما قومية أو يسارية أو ليبرالية أو تراثية ـ هنا الاشارة الى السودان وغيرها كإيران ـ جميع المدارس الحديثة تستمد آليات تطبيقها من الغرب كما افكارها الأساس، الا المدرسة التراثية، فهي مؤصلة تراثيا ولكن تضطر ان تستخدم آليات غربية بالمعنى العام ـ صناديق انتخاب ومجالس منتخبة واحزاب ـ على ضفتي المدرستين “الحداثية” و”التراثية” عصبية فكرية قاتمة لكن يقيني اليوم أن هناك مدرسة وسطية توفيقية تتبلور، الا انها معرضة لكثير من الضغوط من الجانبين وبسبب وجودها في جو سياسي لا فكري).
ويؤكد الرميحي أن النقاش حول قيم الدولة الحديثة سوف (يطول زمناً، والتوليفة سوف تأخذ وقتا، الا أن بعض القواعد بدا لي انها استقرت منها المناداة بالدولة المدنية، ورفعة القانون واحترامه”، هي مؤشرات تبدو للمتابع مريحة، وعلينا ان نتذكر أنه لا يمكننا اليوم في الفضاء العالمي أن نبني دولة معزولة عن العالم).
مشاري الذايدي:
شعارات براقة لا أمان لها
* ما هي حكاية الإسلاميين مع شعار النهضة؟
ــ دخول التيار الاسلامي السعودي على مفاهيم الحرية والعدالة السياسية أو ما يسمى بتيار الحقوق المدنية، هو دخول حديث وطارئ، مرتبط بما جرى من مستجدات على مستوى خطاب الحركات الاسلامية في المنطقة..
لنا أن نتذكر انطلاقة حركة كفاية المصرية، وكيف كان للاخوان المسلمين تأثير قوي عليها، يكفي ان نتذكر حضور محمد عبد القدوس الدائم في الحركة، وكيف التف تحت شعار الحرية والحقوق المدنية عبر معركة التوريث في مصر، كل التيارات المعارضة في مصر من يسار وقوميين، مع الاسلاميين، وصولا إلى لحظة سقوط نظام مبارك وقيام الانتخابات النيابية التي أوصلت غالبية إسلامية ــ اخوانية سلفية ــ الى البرلمان بغرفتيه، والآن يتم الصراع على موقع الرئاسة. ليعود حلفاء الأمس الى اعداء اليوم. من الذي حارب الاخوان والسلفيين في مصر بعد سقوط مبارك؟ أليسوا هم التيارات نفسها التي كانت متحالفة مع الاخوان تحت شعار الحريات والحقوق المدنية؟
مشاري الذايدي
* الحرية ليس لها مفهوم محدد.. هي مثل التيارات نفسها التي تتصارع من أجلها؟
ــ مفهوم الحرية غامض ورجراج، ويحتمل الكثير من التأويلات، فتصور الاسلامي للحرية يختلف تماما عن تصور الليبرالي وتصور الماركسي طبعا، لكن يعتمد كثير من الاسلاميين الاذكياء ابقاء هذا الغموض، حتى يتسنى الحشد بسهولة أكثر تحت عناوين ثورية جذابة وارجاء النقاش في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان كما يقال، ولذلك كانت الخلافات الحادة هي الثمرة المتوقعة لأول خلاف فكري وتصوري بين التيارات الاسلامية ونقيضها في مصر عند أول استحقاق سياسي وغياب للعدو المشيطن والموحد لخصومه، وهنا نظام مبارك.
* هل هناك سطو على بعض المفاهيم من هذه التيارات للخداع والضليل؟
ــ ما نراه في الخليج اليوم، السعودية، وغيرها، من تكرار لقصة التحالف من أجل الحرية والحقوق بين أبناء الحركات الاسلامية، ومن معهم من فلول يسارية وقومية وبعض الشيعة والتيارات المدنية الغضة، ليس إلا (كلاكيت ثاني) على لغة السينمائيين، كما جرى في مصر.
كان ثمة تسور واستيلاء مرحلي وأدواتي على مفهوم الليبرالية كما في السنوات الماضية القريبة، الى قبيل سنة الربيع العربي عام 2011، والآن ثمة تسور آخر على مفهوم الحرية ومفهوم الحقوق والمجتمع المدني، بظاهر قانوني وثقافي، وباطن سياسي ساخن.
* هل تراها ألفاظا فقط لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع؟
ــ إنها مجرد واجهات لفظية، تحمل بريقا قانونيا ومدنيا يطمئن اليه غير الاسلامي ويفهمه الغربي، لكنه لا يغير من جوهر المنطلقات الجوهرية للفكروية الاسلامية، وما جرى في مصر إنذار مبكر بما يمكن أن يجري هنا بالنسبة لعودة الفرع الى الأصل، والتخلي عن اللغة المجازية الى اللغة الصريحة.
باختصار شديد: لم يتغير الا بعض المحسنات البديعية واللفظية، لاشيء غير ذلك.
ملتقى النهضة تحدى قرار المنع وانعقد في مقر جمعية الخريجين الكويتية
**************
«مُلتقى النهضة»… أسئلة التصحيح
مهنا الحبيل (صحيفة الحياة 19 أبريل 2012)
تعرضنا في رؤية سابقة إلى خطاب النقض والطعن الكريه الذي تعرض له مُلتقى النهضة بالكويت، وأنّه خطاب تحريضي غير مشروع، يفتقد أخلاقيات الإسلام الأساسية، مع وجود تصفية حسابات مستبطنة بوضوح، وسلسلة النسج التلفيقي التي لا تتحرى الصدق، بل تصنع الحدث والفكرة كذباً لتكوّن قضية، ومن ذلك استهداف الشيخ سلمان العودة، وموقعه المميز في خطاب الاعتدال الإسلامي، ودوره الوطني الجامع لأبناء ومناطق المملكة والخليج العربي المتصل بنبض الأمة وقضاياها وفقه التجديد الإسلامي الشرعي للحياة المعاصرة، إذ بات أحد أركان خطابها اليوم، وكنتُ أعلم تماماً، وقبل حديث الأخ العزيز، الذي تعرض هو أيضاً لحملة لا أخلاقية نرفضها، وهو النبيل المهذب مدير ملتقى النهضة الدكتور مصطفى الحسن، في برنامج «لقاء الجمعة»، مع الزميل عبدالله المديفر، وتصريحه بأن إشراف الشيخ سلمان العودة رمزي، لا يتدخل في أي تفصيل ولا تأسيس لبرنامج الملتقى، لكن، وكما قال الدكتور مصطفى، إن الشيخ العودة كان في قمة الجبل الأخلاقي ولم يتفوه بكلمة توحي بأي تراجع عن الإشراف الرمزي أمام الحملة، وهنا أقول لقد كان على الملتقى أن يُقدّر هذا الموقف ابتداءً، ويحرص بأن يكون الملتقى متوازناً على السير المنهجي ذاته لأصول النهضة الإسلامية وتياراتها الرئيسة، ما دام الشيخ لا يزال مشرفاً في الإعلان، أو يُعقد خارج هذه المظلة.
كما أن موقف الفريق الكويتي سعد ثقل العجمي وفجر الخليفة وزملائهما كان رائعاً ونبيلاً في احتضان ضيوف الكويت وتحمّل الموقف في مظلة مختلفة، كمبادرة تطرح الاجتهادات الفكرية وجدل المجتمع المدني في الخليج في مضمار مشترك، كجمعية الخريجين، مع بقاء ملتقى النهضة، بحسب ما أراه، خارج دائرة أي شأن داخلي لأي دولة من دول المنطقة، بل في مضماره الأول المتطور للتنظير وعرض التجارب والوعي لميدان فكر النهضة الإسلامي.
أما المحور الثاني في مقالنا فهو أن النقد المتزن غير الطاعن في الشخصيات، وغير المُحرض، ينبغي أن يُستمع إليه ويُحترم ويُتداول معه الحديث والتواصل، ومن ذلك ما قرأتُه من داخل الخطاب السلفي، وهو خطاب واسع يحمل كغيره اعتدالاً وتشدداً، لكن من الطبيعي بل والأصل أن يتخذ هذا المعتدل موقفاً حاسماً أمام الله أولاً ثم أمام ضميره وجمهور الخطاب الإسلامي، فيُدين حملة التحريض، ثم يطرح رؤيته في استقلال عنها، وللإنصاف فقد وفّق بعض الدُعاة السلفيين لذلك، كما لا بد أن نسجل التقدير الكبير لجمعية حدس لموقفها النبيل، وكذلك اعتذار شخصيات دعوية سلفية كويتية كريمة عما صدر من إساءة لضيوف الكويت لأيٍ من شخصيات الملتقى، إسلامية أو غير إسلامية وأن خلافهم لا يعني تشريع ذلك الإجرام الأخلاقي الذي صدر. لكنّ ما نأمل أن يتلقاه الأخوة في إدارة الملتقى بصدرٍ رحب وهو ما يحتاج أن نتداوله إعلامياً في عهد الفضاء المفتوح، ليعرف الشباب من الجنسين رؤانا ويقرروا رؤيتهم، أنّ هناك خللاً اجتهادياً طرأ على الملتقى يحتاج إلى تصحيح، سواءً كان من البداية، أو مع تطور الوعي المعرفي، فإن طبيعة الفكرة التي تشكلت لملتقى النهضة في الرأي العام الإسلامي، بل وداخل أطياف فكر النهضة الإسلامي أنّ مسار الملتقى يَعْبُر لتحقيق أسئلة النهضة داخل الفكرة الإسلامية المؤمن جمهورها بأن الرسالة الخاتمة، وكما أصّلنا لذلك في مقال آخر، هي المرجعية الدستورية والتنظيرية، وهذا لا يعني الاحتباس عن كل ضمير وطني، أو وعي حقوقي، أو فكرة راشدة للنهوض بالمجتمع المدني الخليجي، بل وحتى التعرف والتقاطع الوطني والعربي مع تيارات المعرفة الحديثة، لكن بقدرٍ معقول من المشاركة، أو في مضمار مشترك، توضع له أُسس مختلفة، ويعرف الجمهور، سواءً رأياً عاماً أو نخبة شبابية، الفرق بوضوح في هذا المضمار، ومن ذلك ما سبق أن كتبنا عنه بتوسع وهو ندوة التعدد المذهبي في الخليج وعلاقته بالسياسة لمركز العلاقات العربية الذي يشرف عليه الدكتور الأحمري، ومن خلال هذا النسق تعقد هذه الندوات التي تجمع أطيافاً عدة.
أما الملتقى في ذهنية الكثير، بحسب ما أعتقده، فهو حوار داخل الحال الإسلامية المعاصرة، ينفتح على الآخر لكن من خلال تأصيل قناعته الشرعية والفكرية وتواصلها بأصل النهضة الإسلامية، وحين يُفاجأ الرأي العام بتقلص شديد لطرح التأصيل الإسلامي النهضوي في برنامج الملتقى، وحتى الدكتور طارق السويدان لم يكن أصلاً من محاضري الملتقى في جدوله الأساسي، مع وجود مكثف لمدرسة كاملة ذات صبغة محددة، وهي مدرسة الحداثيين الشيعة، التي عُرفت بنقد الحال السنية مع تقصيرها البالغ في دعم فكر الإصلاح الشيعي وانسحابها كلياً من نقد التطرف الشيعي، فهو يُثير البعض ويسجل لديه إشكالات، وهنا نقطة نظام مهمة جداً في هذا السياق، فقد كان الإعلان الرئيس يعلن مشاركة ثلاثة محسوبين على المدرسة، وهذه المدرسة، أي الحداثيين الشيعة، وهم كشخصيات نحترمها ونعتبر مشاركتها ضمن المسار الوطني الشامل مشروع بل مطلوب وأبرز شخصياتها من المشاركين وغيرهم الدكتور بدر الإبراهيم وأسعيد الوهابي والدكتور توفيق السيف، فما المشكلة هنا في تكريس برنامج مركزي للملتقى الذي عرضنا خلفيته لهذه المدرسة؟
المشكلة أنّ هذا التيار الممارس لعنف فكري نقدي ونقضي للتوجهات الإسلامية السنية من منظور مدني، ليس له أي مشاركة مهمة ذات بعد منهجي في دعم مدرسة الاعتدال الشيعي ضد التطرف الطائفي في الطائفة، وإعلان العلماء الإصلاحيين الشيعة بطلان المظلومية المنسوبة إلى الصدر الأول ودورها التاريخي في التأجيج والشحن، وليس للتيار أي مشاركة في نقد قضايا الخرافة التي تمكنت من العودة من التراث إلى حديث الوعاظ المعاصر في بعض المنابر الشيعية، ولم يقم التيار بتدوير العقل التنويري الذي يطرحه أمام المدرسة السنية في نقد هذا التراكم المعاصر، وليس لهذا التيار موقف أخلاقي أو فكري من الضحايا، سواءً كان طفلاً أو شاباً أو رجلاً من احتكاره الشامل لعمره الزمني في منظومة التثقيف الطائفي والاحتقان في سلسلة المآتم وتطويرها المستمر من طلبة الروضة حتى رنة الجوال، وليس لهذا التيار موقف من قضايا المرأة في التقاضي الجعفري وما وراء هذا الحجاب من صيحات ضحايا الاستبداد الديني لهذا الواعظ أو ذاك، ليس للتيار موقف مساند صريح من دعوات المثقفين الشيعة للخلاص من التراث السلبي، وعودة تصديره للواقع المجتمعي المشترك، وارتهان الإنسان الشيعي البسيط الذي يبحث عن هداة الزمن لمشاركة مدنية إنسانية مع رفيقه السني، وليس لتيار الشيعة الحداثيين دور في دعم فكرة إعادة الاستهداء بمدرسة آل البيت الأولى في قضية الخُمس التي لا تُمنح للفقراء والمساكين من أبناء الطائفة، ولا ذوي الاحتياجات الخاصة، أو المرأة المضطهدة، ولا تدعم تكتلات الفقراء والعاملين المحدودين كدعم إضافي لأجل رفع معاناتهم.
هذا التيار كان مطلوباً منه تاريخياً كموقف إنساني أو وفاءً للضمير والإخلاص أمام الله وقيم الحقوق أن يُدلي بدلوه في هذه الملفات المختنقة المحتبسة أمام التشدد الشيعي المخيف أيضاً، خصوصاً أن المدرسة الإسلامية السنية أنجزت مساراً في تقرير الفقه الدستوري الإسلامي وضمان الحقوق المدنية ونقد الخلل والتشدد والخرافة وفق المقاصد الشرعية لمدرسة النهضة، فأين مشاركة التيار الحداثي الشيعي؟ ولماذا التطوع في نقد المدرسة السنية الواسعة والمتقدمة في طرحها والانسحاب الكامل أمام الضحايا الشيعة؟ أسئلة كان على التيار أن يُجيب عنها من منصته الطبيعية لسنوات خلت، ولم ينصب حتى الآن منارته لها لا للرأي العام الشيعي ولا الوطني العام ليسمعوا موقفه قبل ملتقى النهضة، فمتى سنسمعه؟ إذاً هذه الدعوة في هذا المضمار النهضوي لا تُحقق جسراً حوارياً منفتحاً باعتدال مع هذه المدرسة والتيار وغيره، لأنها، بحسب السياق العام، لم تُدع للموقع أو بالقدر المناسب، وإن ضمّت شخصيات قديرة نكن لها كل احترام، وهنا أختم الفكرة بأنّ التصحيح ينبغي أن ينطلق من توازن المُلتقى وتحقيقه لخطوات الوعي المعرفي الإسلامي النهضوي ودوره الوطني، وهو ما أؤيد استمراره بالفريق ذاته مع شركاء جدد من زملائهم، ويُخصص مسار آخر من بعض الشباب لملتقى مختلف، يكون تأسيسه وفق المنظور الجديد لهم،
وفي تقديري أن الاعتدال السلفي ينبغي أن يكون له حضور في هذا الملتقى أو ذاك، ليُعبّر عن شريحة واسعة وتوازن مجتمعي معروف، هذه الرؤى والنقد لا يلغي الجهد السابق، ولا المنهج المهم، ولا المقصد النبيل لذوي المُلتقى وأهله، وتبقى سواعد الشباب والشابات وهمتهم العالية في إدارة الملتقى وزملائهم محل ثقة وعزيمة تصقل تجربتهم وتنقلهم بإذن الله لنجاح أوطانهم وعلّو إسلاميتهم الراشدة لحضارة وإصلاح وتقدم الخليج العربي وأوطانهم.
**************
ملتقى النهضة… التطرف في مواجهة المجتمع المدني
خالد الدخيل (صحيفة الحياة 25 مارس 2012)
كنت قد حضرت مادة مقالة اليوم عن موضوع مختلف. لكن فوجئت بالصحف الكويتية الصادرة أمس تعلن أن «ملتقى النهضة» تمكن من عقد مؤتمره يوم الجمعة بعد منعه رسمياً من وزارة الداخلية الكويتية.
وقد جاء المنع رضوخاً للحملة الشرسة التي أطلقها في الأسبوع الماضي بعض من ينتمون للفكر الديني المتطرف، مطالبين فيها بمنع عقد المؤتمر.
ولأن قرار المنع جاء متأخراً، قبل أقل من يومين من موعد المؤتمر، لم يتمكن أغلب المشاركين من خارج الكويت من السفر. ولك أن تتصور حالة الإرباك التنظيمي، والخسائر المالية التي تسبب بها هذا القرار المتأخر، فضلاً عن أنه قرار يفتقد إلى الحكمة.
واعتبر المشاركون من الكويت قرار المنع مخالفاً للدستور الكويتي الذي يكفل حرية الرأي والتعبير. ولذلك أخذت جمعية الخريجين على عاتقها الوقوف ضد قرار المنع.
وهنا تحولت القضية في جزء منها إلى قضية داخلية كويتية، وامتداد للسجال بين القوى المتشددة ضد حرية الرأي (مثل التيار السلفي)، والقوى الأخرى (إخوان، وليبراليون، وقوميون) التي تتبنى حرية الرأي كحق طبيعي للمواطن ينص عليه دستور البلاد. وفي هذا الإطار أصرت جمعية الخريجين على عقد المؤتمر في مقرها، بدلاً من الفندق، وتحت مسمى مختلف، وبمعزل عن المؤتمر الأساسي بإدارته السعودية.
بعبارة أخرى، تبنت جمعية الخريجين فكرة عقد المؤتمر كنشاط سياسي محلي لا يملك أحد إيقافه طالما أنه ضمن إطار القانون. وبالفعل عقد المؤتمر، وألقيت فيه بعض المحاضرات، لكن بغياب أغلب المشاركين من خارج الكويت. بالنسبة للجمعية كان الإصرار على فكرة عقد المؤتمر في موعده نوعاً من التحدي لرفض الانصياع لفكرة المنع، وما تنطوي عليه من سابقة تهدد مبدأ التعددية، وحق الحرية، ومتانة الالتزام بالإطار الدستوري للأنشطة الفكرية والسياسية في الكويت.
والمؤتمر أحد هذه الأنشطة. ولم يكن أمام إدارة المؤتمر، باعتبارها غير كويتية، إلا الالتزام بالحدود التي يسمح بها القانون الكويتي في مثل هذه الحالة.
وربما أن المثلبة الوحيدة في إصرار الإخوة في الجمعية على عقد المؤتمر في موعده هو حرمان غالبية المدعوين من المشاركة، وذلك بسبب حالة الارتباك التي تسبب بها قرار المنع المفاجئ.
لكن يبدو أن الإخوة رأوا أولوية عقد المؤتمر بمن حضر على حضور جميع المدعوين، وذلك حتى لا يتوهم من قاموا بالحملة ضد الملتقى بأنهم حققوا هدفهم. وفي هذا انسجام سياسي ودستوري مع سياق السجال داخل الكويت بين مختلف التيارات هناك. ينبغي التوقف عند دلالة ما حدث. فحكومة الكويت التي منعت عقد مؤتمر غير كويتي، لم تملك منع عقد المؤتمر ذاته، عندما تحول إلى نشاط محلي، وتحت مسمى كويتي مختلف. اللافت أن الصحف الكويتية تمسكت بالاسم الأصلي للمؤتمر الذي عقد في مقر جمعية الخريجين، وأنه مؤتمر «ملتقى النهضة».
وقد وضعت أغلب الصحف خبر عقد المؤتمر في صدر صفحاتها الأولى. صحيفة «القبس»، مثلاً، وضعت الخبر تحت العنوان الآتي» «ملتقى النهضة ينجح في تدشين فعاليته في «الخريجين» رغم المنع: إقصاء المتطرفين رسالة صدرت من الكويت». صحيفة «الرأي» عنونت للموضوع هكذا «ملتقى النهضة انعقد: سنحرق جيوش الظلام».
ولم تخرج صحيفة «الجريدة» عن المضمون نفسه عندما أعطت الموضوع عنواناً رئيساً في صفحتها الأولى يقول: «المجتمع المدني ينتصر لحرية الرأي والتعبير». موقف جمعية الخريجين، والتغطية الصحافية للمؤتمر، رسالة تحدٍّ واضحة في وجه من أراد أن يستخدم المؤتمر لترسيخ ثقافة الإقصاء تحت شعارات لا أساس لها من الدين، ولا من القيم الإنسانية.
والدلالة التي يتركها عقد المؤتمر على هذا النحو لا تتعلق بالكويت وحسب، بل بالإطار الذي يمثله مجلس التعاون الخليجي، وهو الإطار الذي كان ينبغي أن يكون حاضنا لمثل نشاط ملتقى النهضة.
فالمجلس ينطوي في تركيبته على تعددية اجتماعية وسياسية وفكرية ودينية، وهي تعددية ينبغي للمجلس أن ينسجم معها انطلاقاً من أنها مصدر مهم لثروة ثقافية وسياسية للجميع، بدلاً من التعاطي معها على أنها مصدر تهديد لهذا الطرف أو ذاك. لاحظ كيف أن الكويت منعت المؤتمر كحدث «خليجي»، ولم تملك منعه كحدث محلي.
كيف يمكن التوفيق بين موقفين متناقضين من مصدر واحد؟ لا يملك أن يضع المرء اللوم الأساسي على الكويت، وإنما على مجلس التعاون، والثقافة السياسية التي تخيم عليه منذ إنشائه قبل أكثر من ثلاثين سنة.
ثم لاحظ الدلالة الأخرى. منع المؤتمر كان، كما أشرت، استجابة لضغوط من تيار متشدد، بخاصة من الكويت والسعودية. الآن ضع هذا الموقف إلى جانب ما يقوله رئيس شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان، هذه الأيام من أن «الإخوان المسلمين» يتآمرون على دول الخليج. «الإخوان» هم جزء أساسي من التيار الإسلامي في المنطقة.
والجزء الآخر هو التيار السلفي المتشدد. طبعاً ليس من الضرورة أن الكويت أو غيرها من دول مجلس التعاون تشارك الفريق خلفان الرأي حول هذا الموضوع.
لكن لا يملك المرء إلا أن تصيبه الدهشة وهو يرى أحد أعضاء مجلس التعاون يصف جزءاً من التيار الإسلامي بأنه عدو، وعضو آخر من المجلس نفسه، يستجيب لضغوط جزء آخر من التيار الإسلامي نفسه أيضاً، على أنه حليف، أو خصم محتمل ينبغي تفادي الاصطدام معه. حقيقة الأمر قد لا تكون كذلك، فضلاً عن أن دول المجلس في غنى عن التعاطي مع الموضوع بمثل هذا التناقض.
فلا «الإخوان» أعداء، بمقدار ما أنهم، وقد وصلوا إلى السلطة في بلدان عربية عدة، منافسون سياسيون.
كما أن السلفيين ليسوا خصوماً محتملين يتطلب الأمر مجاراتهم ومسايرتهم. التعامل مع الموضوع على هذا الأساس يخلق الكثير من الإرباكات التي لا يحتاجها المجلس في مثل هذه الظروف.
الدولة والقانون والحقوق تأتي قبل «الإخوان» وقبل السلفيين وقبل الليبراليين، وقبل غيرهم من مكونات المجتمع. ولو أخذت دول المجلس جميعها بهذا المبدأ لاستطاعت أن تحتوي الجميع، وأن تقدم بديلاً سياسياً وفكرياً لا يسع الجميع إلا الانضواء تحت لوائه.
ولو دققت في الأمر قليلاً لوجدت أن منع مؤتمر «ملتقى النهضة» لم يكن إلا مثالاً آخر على السماح بوضع منطق الدولة في صدام مباشر مع منطق الدين.
والقضية بدأت من أساسها هكذا، على يد المتشددين. كان موضوع المؤتمر هو المجتمع المدني. ومن المعروف أن المجتمع المدني يتشكل الآن في دول مجلس التعاون بما ينتظر منه أن يكون المكمل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة. وهذا تغير له متطلباته القانونية والدستورية على الطرفين.
ولهذا فهو يمثل في حالته الراهنة إشكالية تستحق الحديث عنها ومناقشتها علمياً بما يخدم الدولة والمجتمع معاً. المدهش أن رفض المتطرفين المؤتمر لا علاقة له بكل ذلك.
السبب الرئيس للرفض يقوم على اتهام غير مسنود، وتشكيك في عقائد المشاركين. أي أنه يقوم على الوصاية. وفكرة الوصاية تتناقض ليس فقط مع حق الحرية، بل مع فكرة الدولة ذاتها.
من حق من يريد أن يعترض على المؤتمر أن يعبر عن ذلك، وأن يرى إيقافه. بل من حقه أن يوجه من التهم ما يريد، ولمن يريد، في إطار ما يسمح به القانون ومكارم الأخلاق الإسلامية. لكن ليس من حق الدولة، وهي دولة الجميع، أن تنحاز لطرف متطرف، وتصادر حق طرف آخر ينحاز لحق الجميع، بمن فيهم المتطرف نفسه، في حرية الرأي والتعبير. لم أتعرف إلى «ملتقى النهضة» إلا قبل أشهر، ولم أدعَ إليه قبل هذه المرة.
لكن من الواضح بالنسبة لي أن التعددية هي السمة الرئيسة له. والغريب أن هذه التعددية هي التهمة الوحيدة التي انطلق منها كل من هاجم المؤتمر، وطالب بإيقافه، واستجابت له الدولة. خذ مثلاً ما قاله الداعية السعودي ناصر العمر، على «تويتر»، عندما قال إن «من مقدمي أوراق (ملتقى النهضة بالكويت) رافضي، وليبرالي، وعلماني، فأي نهضة للأمة يقدمها أمثال هؤلاء».
تجاهل الشيخ ناصر في تغريدته ذكر أن الطيف الإسلامي مكون أساسي لـ «ملتقى النهضة»، بل هو الطيف المؤسس للملتقى. ربما أن هناك ما يبرر للشيخ، ومن يشاركه الرأي، أن يتخذ موقفاً مناهضاً للتعددية بناء على قناعاته، وهي حقه على أية حال. لكن لماذا يجب أن تتخذ الدولة الموقف نفسه، أو ما يبدو أنه كذلك؟ إنها بذلك تضع نفسها في سياق يتناقض مع حقيقتها كدولة للجميع، ويتناقض قبل ذلك مع المنطق الذي ينبغي أنها تأسست عليه، وهو منطق الدولة الذي تحف به هيبة القانون، والحق، والمواطنة، بالجميع وللجميع.
*****************
ملتقى النهضة وتباين القناعات الفكرية
د.خالد عايد الجفناوي (صحيفة السياسة الكويتية 25/3/2012)
يشير الجدل الدائرة هذه الأيام حول “ملتقى النهضة الشبابية: المجتمع المدني” إلى أزمة فكرية متكررة تحدث بين الحين والآخر في بيئتنا المحلية حول تعريف وتحديد, بل وممارسة “حرية الرأي والتعبير” في بيئة ديمقراطية ومدنية وحول قبول ثقافة الخلاف. في بعض المجتمعات الغربية الديمقراطية أصبحت حرية الرأي والتعبير تحصيل حاصل لممارسات ديمقراطية تاريخية. فعلى سبيل المثال, لا يوجد في الغرب عموماً نزاع مبالغ فيه حول ماهية حرية الآراء الشخصية ما لم تهدد حريات الناس الآخرين. ولكن في مجتمعاتنا الشرق أوسطية يبدو تلازم إستيعاب حرية الرأي وعلاقتها بالممارسات الديمقراطية مع صراع فكري تاريخي لا يزال مشتعلاً بين طرق تفكير محافظة واخرى ترغب في تكريس مزيد من الحرية في مجتمعاتها, وبخاصة في ما يتعلق بممارسة الفرد لحياة إنسانية حرة ومعاصرة وتقدمية.
وفق رأينا, إذا كان ثمة إشكالية حول “ملتقى النهضة الشبابية: المجتمع المدني” فهي تكمن في تصادم طرق تفكير تبدو متناقضة في حيثياتها الثقافية وفي فرضياتها الفكرية بل ويتجلى هذا التصادم الفكري في طريقة التعامل مع الحرية في سياق ديمقراطي صحي وبناء.
وتباين القناعات الفكرية بين من يؤيدون عقد ملتقى النهضة ومن يعارضونه يدل على عدم ترسخ ثقافة قبول الخلاف وحتمية تباين الآراء الشخصية في مجتمعنا: وبخاصة في ما يتعلق بتداول القضايا المحلية المختلفة. فمن عارضوا بشدة عقد الملتقى يجادلون حول ما يزعمه بعضهم حول تناقض فرضياته الفكرية وإطروحاته الثقافية مع ما يصوره بعض هؤلاء المعارضين بالأفكار المشككة والطاعنة في الشريعة ! ومن جهة أخرى, يجادل من يؤيدون عقد الملتقى بأنهم يدافعون عن حرية الرأي والتعبير في مجتمع كويتي مدني وديمقراطي.
في المحصلة الأخيرة: تباين القناعات الفكرية للمؤيديين وللمعارضين لملتقى النهضة ليس بالضرورة أن يفسد للود قضية. أي ليس من المفروض أن يصل الصراع والتنازع الفكري المحلي حول مشروعية أي من القناعات الفكرية للأطراف المتعارضة إلى تأزيم الجو الديمقراطي العام. ففي المجتمع الديمقراطي المدني في عالم اليوم يمتلك كل أعضاء المجتمع الحق في التعبير عن آرائهم الشخصية وفق القانون ووفق حدود أخلاقية نسبية ومتعارف عليها تتمثل في عدم التعدي على حريات وكرامات الناس الآخرين. فلعل وعسى.
*********************
يقولوا التي هي أحسن .. في جدال ملتقى النهضة
نادر بن عبد العزيز آل عبدالكريم (لجينيات)
كان تويتر العصفور الأزرق الهادئ رسولا لمعارك ملتهبة في الشهور القريبة المنصرمة ، فما أن تهدأ معركة حتى تندلع أخرى يستخدم فيها جل الأسلحة اللفظية البيضاء منها و العنيفة. و الحقيقة أن تويتر مجال خصب لمن يريد تحليل أخلاقيات المجتمع و طرق تفكيره و مبادئه و أولوياته. وفي السجال الأخير حول ملتقى النهضة تصاعدت الحدة اللفظية ووصلت لحد السخرية و التعيير و التشويه والاتهامات بالزندقة و العلمنة و التشدد و التخوين ، مما يحتم على المؤثرين فكريا في كل الأطراف التدخل الإيجابي لنزع فتيل التحريش الذي رضي به إبليس بعد يأسه من أن يعبد في جزيرة العرب.
و قبل ملتقى النهضة كانت هناك سجالات عديدة حول قضايا كثيرة ، تعلو فيها الموضوعية و النقد البناء أحيانا قليلة ثم تخفت لصالح الغوغائية و التعصب و التحزب و الاتهامات و محاولات الاستفزاز و التشويه ، لكنها خط الأخيرات العام أصبح في تصاعد ملحوظ بين تيارين إسلاميين عريضين في ساحات الإعلام الجديد وخصوصا تويتر، وهذا بلا شك يحول كثيرا من طاقات الشباب و اهتماماتهم من المجال الإيجابي النافع إلى مجالات أخر تتبخر فيها الطاقات و تنصرف لمحاولات السخرية من جهود هنا أو تشويه مشاريع هناك و التهوين منها و هذا يقود لما يمكن تسميته بالهدر في الطاقات الشبابية ، و إذا أراد الله بقوم سوءا منحهم الجدل و منعهم العمل كما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والنقد الهادف الموضوعي هو من العمل بلا شك بل هو ثاني درجات الإنكار المرتب عليها الأجر العظيم و الخيرية الأممية .
ومن المؤسف حقيقة أن يتهم المحتسبون على الأخطاء الفكرية والعقدية و تشوه صورتهم بأنهم كاذبون مفترون يحتكرون فهم الدين ويقصون المخالف ويستعدون الدولة ويصفون حسابات شخصية وحزبية بكل ما تحمله هذه الكلمات من حمولة سلبية ظالمة ، و المؤسف أكثر أن من يطلق هذه الاتهامات و التشويهات لهم تأثير في عدد غير قليل من الشباب . وكان المنتظر منهم تشجيع نشاط الاحتساب الفكري والعقدي وتصويب أخطائه بأسلوب علمي موضوعي منصف ، لأن هذا النشاط الاحتسابي هو خط الدفاع الأول أمام الضغط القيمي الغربي المكثف على مجتمعاتنا الإسلامية. و حتى لو نظرنا من زاوية عقلية مصلحية فهذا النقد مفيد لصقل أفكارهم و التثبت من رؤاهم و تقليبها و حشد الأدلة لها قبل طرحها ، وهو ما صدقه الواقع إذ باتت أطروحاتهم أكثر إتقانا و إحكاما من ذي قبل . لكنهم بدلا من تشجيع ذلك ، انصرف بعض مؤثر منهم إلى إبراز النماذج السلبية للنقد من مجهولي حال غير مؤثرين كالتعيير بالأصل و السخرية و تصويرها وكأنها الطابع العام للنقد الموجه لهم ، وهذا بعيد كل البعد عن الإنصاف و الحكم العادل .
أيضا فإن الجيل الجديد من الشباب سيحمل بذور هذا التعصب و التحزب ، وهي بذور كافية لإضعاف وتسميم مشاريع العقد القادم الدعوية والفكرية ، وستشكل مناخا سلبيا ضاغطا على جل محاولات الموضوعية و الإنصاف ، بل ربما تتصاعد ظاهرة ابتعاد الكثير عن طرح آرائه و مشاريعه خوفا من التصنيف و التشويه و التعصب.
و المتأمل يجد أن من الأسباب الرئيسة لهذا التصاعد في النقد الهدام والتفرق بين القلوب وبعض صور العدواة و البعضاء هو الابتعاد عن الوصية الربانية والعلاج الإلهي لهذا المرض وهو قوله تعالى: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ، إن الشيطان ينزغ بينهم) ، روى الطبري رحمه الله عن الحسن : ( التي هي أحسن : لا يقول له مثل قوله ، يقول له : يرحمك الله يغفر الله لك ، إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضا و يفسد بينهم ، يهيج بينهم الشر ).
و نقل القرطبي رحمه الله في تفسيرها : ( أمر الله تعالى في هذه الآية المؤمنين فيما بينهم خاصة ، بحسن الأدب وإلانة القول ، وخفض الجناح وإطراح نزغات الشيطان ) . فعلاج العداوات و الكراهية في قلوب المسلمين هو البحث عن الكلمة الأحسن و ليست الحسنة فقط .
فكأن الأمر في هذه الآية يرشد إلى بذل الوسع في البحث عن أحسن الكلمات و أكثرها تحقيقا للمصالح و دفعا للمفاسد ، و كلما زاد أثر القائل في غيره و تطلع الناس لكلامه زاد قدر الجهد المطلوب بذله في انتقاء الكلام.
و في ظلال الآية قد يقال إن القول بالتي هي أحسن يشمل فيما يشمل أربع صور :
الأولى: أن كثيرا من العبارات و المصطلحات يتفاوت فهمها عند من يتلقاها و من يستخدمها على حد سواء ، فعبارات مثل : الحرية، الوصاية على العقول ، تحريض و استعداء السلطة ، احتكار الحقيقة و فهم الدين ، إقصاء المختلف مذهبياً وفكرياً ، حرية النقاش و التفكير و غيرها هي عبارات فضفاضة مطاطية غير واضحة الدلالة بشكل يمكن التأكد من مفهومها الحق و من ثم تطبيقها على الوقائع و الأحداث.
فكثير ممن يطلق هذه العبارات تتذبذب أحكامه و تتغير بحسب المواقف و قوته الجدلية وطول نفسه فيه = بسبب غموض مفاهيم هذه العبارات في ذهنه.
ولو أن هذه المفاهيم حللت بعمق و أرجعت إلى أصولها الشرعية لاتضحت الصورة بشكل كبير و أمكن تطبيقها بسهولة ولخففت كثيرا من الجدل حولها . مثلا : تردد كثيرا في جدال ملتقى النهضة أن المعترضين يحاولون فرض الوصاية على عقول الشباب بينما الشباب قادرون على التفكير الحر و تمييز الفكرة الصحيحة من الخاطئة أمام ضيوف الملتقى ، و في الحقيقة أن المعترضين لا ينادون بأكثر من التدرج العلمي المعرفي الذي يطبق في كل المؤسسات التعليمية في العالم .
فكما أنه من غير المنطقي أن تطالب بدفع خريجي الثانوية إلى دراسة الدكتوراة مباشرة دون دراسة جامعية ، فكذلك من غير المنطقي أن يحاضر أحد ضيوف الملتقى عن مسألة دقيقة في أصول الفقه و كثير من الشباب الحاضرين لم يتعلموا مبادئ هذا العلم ولا يعلمون حتى تحت أي مبحث تندرج هذه المسألة ، وهذا واضح جلي من أسئلة الحضور الشباب .
و من المفارقات أن أحد الضيوف أدرك هذا حينما نصح الحاضرين بأحد كتبه عن المجتمع المدني ثم تراجع بحجة أن الكتاب معقد و متعب مما يشي بأنه فوق أفهام الحاضرين ، و يغلب على الظن أن الضيف لم يدرك هذا من نفسه إذ لم يسبق له الجلوس مع الشباب من قبل و معرفة مستواهم الفكري و الثقافي . وليس هذا أبدا تحقيرا من عقول الشباب الحاضرين بل هو احترام لها و لمنهج البناء العلمي و المعرفي ، فحتى أكبر علماء الجينات لا يخوض في مسائل الاقتصاد قبل أن يتدرج في مبادئه.
بالتالي يقودنا هذا إلى رؤية أوضح لأضرار اقتباس المفاهيم التي نشأت في مجتمعات فكرية بعيدة عن حضارتنا الشرعية و الفكرية ، والغريب أن أكثر من يستخدم هذه المصطلحات المستوردة هم المهتمون بقضايا النهضة و الإصلاح مع أن أحد أسباب تخلفنا الحضاري و النهضوي هو القطيعة الجزيئة بين لغتنا المفكرة و الأخرى الناطقة ، فنحن أحيانا كثيرة نجد صعوبة في التعبير عن أفكارنا بشكل دقيق و عميق .
و الحل ربما في إيجاد دلالات واضحة لهذه العبارات و المصطلحات مستندة للمفاهيم الشرعية و يمكن استخدامها في التقييم المنصف لكافة المواقف و الأحداث .
الثانية : عندما تقابل بعض الأطروحات التنويرية أو الإصلاحية بردود و اعتراضات سلفية موضوعية تبدأ في تويتر بعض السخرية و الاستفزاز بين أنصار الطرفين ، وهذا أمر معهود في أغلب الحوارات إذ هي طبيعة البشر في الانتصار لآرائهم بما يقتنعون به من وسائل ، لكن المشكلة الأكبر حين يكون صوت هؤلاء هو الأعلى و الأكثر صخبا و ضجيجا .
ولذلك أسباب عديدة من أبرزها : عدم مناقشة الاعتراضات الموضوعية و أدلتها لأن مناقشتها سيفتح الباب أمام سلسلة من الحوارات و النافعة المفيدة التي تشغل الساحة ، لأن المتحاورين سيبذلون جهودهم للوصول إلى الحق بأدلته المقنعة . لكن حين يتم قفل الباب أمام تلك الاعتراضات أو التظاهر بأنها أقل من أن يرد عليها أو السخرية منها أحيانا ، هنا تفرغ الساحة للطرح غير النافع بما فيه من سخرية و استفزاز تتراكم مع الوقت بدافع غريزة الانتقام التي جبل عليها البشر ، سخرية بالأفكار و الأشخاص و الاهتمامات و المشاريع و سلسلة لا تنتهي إلا بإيغار الصدور و ملئها بالكراهية و الغل على المسلمين . ربما يستدل البعض بقوله تعالى ( و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) و الجواب في الجملة التي تليها : ( ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) و هو خير للأمة كلها إذ ينزع فتيل الغل و الكراهية لا سيما حينما يصدق المرء ربه و يراجع نيته في انتصاره لدين ربه و إنكاره للمنكر لا انتصارا للنفس و إنكارا على من آذاها.
ولا يعني هذا أبدا الابتعاد الكلي عن التعليقات الطريفة و الأسلوب الساخر ، فهو لون ماتع من ألوان الأدب لكنه يكون مذموما إن أفضى إلى مفسدة كزراعة البغضاء و العداوة في قلب مسلم.
الثالثة : قد تكون بعض الأطروحات التنويرية والإصلاحية خطيرة في المساس بأصول الشريعة واعتقاد أهل السنة ، في حين أن بعض من يطرحها و كثيرا ممن ينصرها في تويتر لا يدرك ذلك و لا يعي مآلات قوله و تلبس بفهمه كثير من الشبه التي لها رواج كبير هذه الأيام في وسائل الإعلام و غيرها.
و لأجل ذلك فإن من المصلحة مراعاة الأسلوب اللين الهين في بيان الحق و ترك بعض العبارات و الأساليب ذات الشدة و القسوة ، كما روى المزني رحمه الله قال: سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول: فلان كذاب. فقال: يا أبا إبراهيم اكس ألفاظك أحسنها، لا تقل: فلان كذاب ولكن قل: حديثه ليس بشيء .
فالشافعي رحمه الله لم يعترض على صحة وصف المزني لفلان بأنه كذاب ، و إنما نبهه إلى وجود لفظ أجود وأنفى للمفسدة و يوصل المعنى المراد .
وكذلك بعض النقد ، لا اعتراض عليه من ناحية صدق أخباره و صحة أحكامه ، لكن الاعتراض على إمكانية إيصال المعنى بألفاظ تنفي أغلب المفاسد ، و من أشهر تلك المفاسد أن المردود عليه يكون له أتباع و تأثير في أوساط الشباب ، فالردود القاسية العنيفة تكون حاجزا منفرا من قبول الحق الذي فيها ، و النبي صلى الله عليه و سلم حين بلغه قول عبد الله بن أبي بن سلول : والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل، قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ، وظاهرة نفرة الشباب المشبه عليهم من بعض الردود الشديدة ظاهرة لا تخطئها العين في تويتر ، بل رب كلمة لو حذفت لم يتأثر الكلام لكنها ضربت برزخا بين المتلقي و الحق .
قد يورد البعض أنه أحيانا لا يمكن إسقاط الفكرة إلا بإسقاط قائلها إذ هو متشبث بها ، و الحقيقة أن كل الأفكار الخاطئة قابلة للنقض و النقد معرفيا بغض النظر عمن يتبناها ، ربما نعجز أحيانا عن نقدها فنتجه بدافع طيب و نية حسنة لإسقاط قائلها ، وهي طريقة أسهل لكن الأصعب و الأصوب أن نبذل جهدا أكبر لبيان خطأها .
لا يعني هذا إطلاقا مجاملة أصحاب الخطأ و الهوى ، بل نقد الفكرة لا بد أن يكون واضحا بلا ضبابية ولا غموض ولا مجاملة في بيان فسادها وآثارها ودوافعها الفكرية. ولو وضع الكاتب أمام إحدى عينيه بيان الحق و توضيحه و تجليته و أمام الأخرى محبة هداية الناس و الرحمة بهم لسار قلمه بتوازن بين هذين القصدين العظيمين .
الرابعة : وهي تتعلق بقول المحدث الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أعقل الناس أعذرهم للناس ، فهذه المقولة لها جانب أخلاقي مشهور يرجع إلى أصل حسن الظن بالمسلمين و إعذارهم مما يقود كذلك إلى محو الغل و الحقد و الكراهية من قلوبهم . و يمكن أن يقال وأن لها كذلك جانبا معرفيا عقليا : وهو أن التعمق في أسئلة مثل : لماذا قال فلان بهذا الرأي؟
و كيف تكونت فكرته تلك ؟
و ما الذي قاده إلى ذلك ؟
هذا التعمق يفتح آفاقا أوسع للعقل و العلم و يغير بعضا من موازيينا و طرقنا عند النقد و الاعتراض ، و يقود أحيانا إلى معالجة أصل الشبهة و منبتها لا أعراضها و ما يظهر منها ، و هذا أهم بمراحل إذ أن أعراض الشبه تتغير و تتبدل مع كل زمان و مكان و حال بينما الأصول واحدة وقانا الله و إياكم من الشبهات و الشهوات.
و الله أعلم و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و صحبه أجمعين .
*****************
ملتقى النهضة:الربح والخسارة
بدر الابراهيم (المقال 29 مارس 2012)
يمثل ملتقى النهضة الشبابي تجمعاً لشباب وشابات من الخليج يهتمون بقضايا النهضة،ويعقدون ملتقاهم مرة واحدة في السنة للنقاش والحوار حول المسائل المرتبطة بمفهوم النهضة،والتعرف على بعضهم وتكوين صلات تعاون بينهم،ويمثل حالة فريدة من حيث التنوع وقيام شباب بتنظيمه والإشراف عليه.عُقِدَ المؤتمر الأول في البحرين،وكانوا في الغالب شباباً من خلفية إسلامية،ثم عقد المؤتمر الثاني في قطر وتوسعت دائرة المحاضرين فيه لتشمل أطيافاً فكرية أخرى،وكان برنامج المؤتمر الثالث في الكويت يحوي تنوعاً أكبر لتيارات وأطياف مختلفة كمحاضرين ومشاركين تناقش مفهوم “المجتمع المدني”،لكن هجمة تحريضية منظمة قادتها قوى متشددة دفعت الداخلية الكويتية لإلغاء الملتقى،فنشط شباب كويتيون لإقامة بعض مناشط الملتقى تحت عنوان “ملتقى المجتمع المدني” في جمعية الخريجين هناك.
اعتبرت مجموعة من السلفيين الحركيين ملتقى النهضة معركة بالنسبة لها،وخاضت حرباً شرسة استخدمت فيها كل الوسائل لمنع إقامة الملتقى،وبالتنسيق مع مجموعة من السلفيين الموتورين في الكويت تم الضغط على الحكومة الكويتية لمنع الملتقى،ورأت في هذا الأمر انتصاراً لها في سلسلة معارك تخوضها منذ فترة لإثبات الذات في ظل المتغيرات المحلية والعربية.
من المهم التأمل في تفاصيل الهجمة الشرسة ضد ملتقى النهضة والشيخ سلمان العودة (المشرف العام على الملتقى)،فهي تكشف مجموعة من الأدبيات والاستراتيجيات التي يقوم عليها نهج هذه المجموعة من السلفيين الحركيين ويستخدمونها في معاركهم،وهذه الاستراتيجيات تفضح تناقضاتهم كما تفضح تشريع الممارسات غير الأخلاقية من منطلق براغماتي نفعي يتم تغطيته بشعارات دينية.
الاستراتيجية الأولى هي التضليل والكذب،ويتم هذا الأمر عبر تشويه الخصوم من أفراد أو مؤسسات باقتطاع كلمات معينة من سياقها وتحريف معناها،أو بتقديم معلومات كاذبة حولهم.حصل اقتطاع الكلمات من سياقها مع هالة الدوسري ضيفة الملتقى في تغريدة لها في “تويتر” حول الإنجيل،وحصل إعطاء معلومات كاذبة مع ضيف الملتقى توفيق السيف الذي زعموا أنه كان عضواً في حزب الله الحجاز،وحصل الأمران معاً لهما ولغيرهما من ضيوف الملتقى والقائمين عليه.
الاستراتيجية الثانية هي التشنيع على الخصوم بعلاقتهم بالآخر غير السلفي،وهنا تفنن السلفيون الحركيون في الهجوم على الملتقى وعلى الشيخ سلمان العودة تحديداً من هذا الجانب،فاعتبروا استضافة الملتقى لليبراليين (خالد الدخيل وهالة الدوسري) ولشيعة (توفيق السيف ووليد سليس) ولإسلاميين مختلفين (عبدالله المالكي) ول”كفار” (ستيفان لاكروا) جريمة تستحق إدانة الشيخ العودة والملتقى بشكل عام ويمكن توظيفها في إحراج العودة أمام جمهوره وعامة الناس.
بمقاييس عصرية وتقدمية يعتبر انفتاح الملتقى والشيخ العودة على الأطياف المختلفة فكرياً ومذهبياً ميزة تحسب له وشهادة له بالبعد عن الطائفية وبالتسامح الديني،لكنه بمقاييس التيار السلفي الحركي أمر خطير وجريمة كبرى،فالأدبيات الأساسية التي يقوم عليها هذا التيار تشدد على احتكار فهم الدين وإقصاء المختلف مذهبياً وفكرياً،وبالتالي تكون كل دعوة للتعايش بين أهل المذاهب والأفكار المختلفة عدواً لهذا التيار يجب التصويب عليه بعنف.
يجوز القول إن هذه الجزئية بالذات تكشف “مآلات الخطاب السلفي الحركي”: يتم استخدام الإقصاء في حق الآخر البعيد،ثم يذهب الإقصاء باتجاه القريب فالأقرب عندما تظهر اختلافات معينة صغيرة أو كبيرة،ويتم هذا على أساس احتكار الحقيقة وفهم الدين،وفي النتيجة يذهب هذا الخطاب باتجاه معاداة الديمقراطية والتعددية و..المجتمع المدني.
يثير الاستغراب بعد هذه الهجمة أن ينتقد السلفيون الحركيون ملتقى النهضة لكونه لم يستضف سلفياً من تيارهم ضمن المتحدثين،ويظهر هذا النقد في سياق مطالبة الملتقى بإبراز تنوع حقيقي لا وهمي،والمثير للدهشة أن المطالبة بالتنوع تأتي من تيار إقصائي يقيم مؤتمرات علنية هدفها ضرب التنوع كالمؤتمر الذي عقدوه حول “خطر الرافضة”،وهو لم يقم بدعوة أي ليبرالي أو إسلامي غير سلفي وغير مرضي عن فكره من قبلهم لإلقاء كلمة في أحد مؤتمراتهم.
تزول الدهشة مع أجوبة يقدمونها سريعاً،إذ يقول أحدهم بوضوح إنهم لا يعترفون بالآخر وسيعملون على إلغائه عند تمكنهم،ويقول آخرون إنهم يحاسبون “غلاة الحرية” وفق منهجهم،وبالتالي عليهم إعطاء فرصة للسلفيين،وليس علينا إعطاؤهم فرصة بحكم أننا لا نؤمن بالتعددية.بمعنى آخر:حديثكم عن تساوي الفرص للجميع وحق الحرية للجميع أمر يخص منهجكم،أما منهجنا فيملي علينا انتقائية الحرية وفق مصلحتنا الحزبية الضيقة،والعمل على عدم تساوي الفرص بكل وسيلة ممكنة (ويدخل فيها طبعاً الوسائل غير الأخلاقية).
عملية محاكمة الملتقى والقائمين عليه وفق منهج الحرية الذي يؤمنون به جاءت أيضاً في غير محلها وتم استخدامها بشكل يفتقر للذكاء،فالملتقى ليس ملزماً وفق منهج الحرية والتعددية إلا بالقول إن للجميع حق إقامة المناشط التي يريدونها وقول ما يشاؤون،لكنه ليس منتدىً للحوار الوطني كي يُلزَم بدعوة جميع الأطراف (ومع ذلك تم دعوة سلفيين ولم يستجيبوا)،ولا يتناقض مع التعددية أن يقيم نشاطاً يناقش فيه أفكاراً يؤمن بها ويدعو من يرى أنه يخدم هذا النشاط للحديث عنها.
تعتمد الاستراتيجية الثالثة على إعلاء الصوت بالحديث عن خطر فكري على المجتمع ينتجه الخصوم،والتحذير من عمل يخرب عقول الشباب والشابات،ويغسل أدمغتهم،وقد تم استخدام مصطلح “غسيل المخ” تحديداً في هذه المعركة.عدا عن دلالات احتقارٍ لعقول الشباب والشابات وبيان حاجتهم لوصاية فكرية عليهم كي لا ينحرفوا،تقدم هذه الاستراتيجية دليلاً واضحاً على ضعف حجة هذا التيار،وخوفه من مواجهة الفكر بالفكر،واعتبار الشريعة عصا يتم استخدامها في وجه المختلفين عوضاً عن محاورتهم،والأهم أن هذه الاستراتيجية تعكس خوفاً حقيقياً من التحولات الفكرية الجارية في المنطقة والتي عملت الثورات العربية على تسريعها،وقلقاً جدياً من تسرب مجموعة من الشباب من التيار إلى فضاءات فكرية أخرى بفعل هذه التحولات.
إن المشكلة الحقيقية التي تدفع السلفيين الحركيين لاعتماد خيار التهويل من أخطار فكرية على العقيدة كاستراتيجية شبه وحيدة تحكم عملهم وحركتهم في الوقت الحالي هي غياب المشروع والرؤية للبلاد والمنطقة والعالم،والتخبط في تقديم أجوبة على المسائل الكبرى المطروحة في الواقع العربي والإسلامي وتشغل بال الشباب السعودي والعربي،لذلك يتم تغليب الهامشيات على الأساسيات،وبحكم منطلقات التيار وأدبياته يتم رفض كل ما يتصل بقضايا التعددية والديمقراطية والحريات العامة،فتُخَاض المعارك ضد الاختلاط والتعددية الفكرية في معرض الكتاب ويتم الإغراق في التشنيع على كل مختلف،وهكذا يظهر هذا التيار وهو يصارع تحولات لا يفهم طبيعتها ولا يدري ما الذي ستنتجه،فلا يعود يفكر بغير شد عصب الأنصار والأتباع في مواجهة مخاض التحولات هذا.
يمكن ملاحظة استخدام كلمة “غسيل المخ” من قِبَل من يرفضون كل نشاط لا يوافق هواهم بغرض الحفاظ على “عقيدة المجتمع وأخلاقه” ويريدون احتكار منابر الحديث في المجتمع لتوجيهه على هواهم مما يطرح أسئلة من قبيل:أليس هذا نوعاً من الوصاية الفكرية؟،وهل يمكن تسمية احتكار المنابر في المناشط الطلابية المدرسية والجامعية نوعاً من “غسيل المخ”؟،وكيف يخشى هذا التيار من ملتقى معلن يطرح ندواته في الانترنت للتداول العام؟،ولماذا يرفض هذا التيار الاتهامات التي وجهها الليبراليون الإقصائيون له بغسيل مخ الطلبة ثم يعيد توجيهها لملتقى النهضة؟.
تنتهي الاستراتيجيات عند الاستراتيجية الرابعة التي عبرت عن ذروة الهجمة الإقصائية ضد الملتقى،وتمثلت في التحريض السياسي والأمني،أو ما سماه أحدهم “المنع السياسي الشرعي”،وكالعادة:هذا الأمر مذموم ومرفوض حين يكون ضدهم،لكنه محمود طالما يستخدمونه هم “وفق الضوابط الشرعية”!.إنها النتيجة النهائية لمنطق الإقصاء ورفض وجود الآخر فضلاً عن الاستماع له،ومن الطبيعي أن يسعى من يرفض الآخر ويحتكر الحقيقة لإسكات كل من يختلف معه بشتى الوسائل والطرق غير الأخلاقية،ولا تنتهي سلسلة التناقضات بين شعارات الدين المرفوعة والمنطق الميكيافيلي الذي حكم عمل هذه المجموعة الإقصائية.
وفق هذه الاستراتيجيات تمكن التيار السلفي الحركي من المساهمة في إلغاء ملتقى النهضة،ولأنه يحفل بالمكاسب اللحظية والصغيرة فقد عدَّ هذا انتصاراً كبيراً يعوّض فيه فشله الذريع في مقاطعة معرض الكتاب،لكنه لم يكسب أكثر من ذلك،فالملتقى وإن تم إلغاؤه يمكن أن يُعقد في مكان ووقت آخرَين.في المقابل خسر هذا التيار كثيراً،فظهر مثلاً تململ بعض شبابه من الطريقة اللاأخلاقية التي خاض بها المعركة ضد من كانوا رفاقاً بالأمس،كذلك أملت هذه اللاأخلاقية موقفاً نقدياً لها من “الأغلبية الصامتة” غير المتحزبة والتي لا تملك موقفاً مسبقاً،وكان لظهور السلفيين الحركيين بوجه إقصائي فج أثره في توحيد مجموعة التيارات الأخرى ضدهم وكسبهم المزيد من الخصوم.لعل هذا يدفعهم لمراجعة حقيقية لاستراتيجياتهم التي استخدموها تدفعهم للتصالح مع خصومهم ومع فكرة القبول بالاختلاف دون اللجوء إلى التحريض.
ربح الملتقى سمعة وصيتاً كبيرين،وقد اعتاد السلفيون الحركيون على إهداء خصومهم دعاية مجانية عبر إحداث جلبة كهذه،كما أنه نال تعاطفاً واسعاً نظراً للظلم الذي تعرض له،وحصل على احترام كبير من فئة الشباب بالذات،وانتشرت فكرته والمواد التي قدمها في المؤتمرين الأول والثاني في الانترنت،ولم يخسر إلا في المسائل المادية والتجهيزات المتعلقة بتنظيم الملتقى،لكنه حقق من المكاسب ما يجعل هذه الخسارة صغيرة.
ربح الشيخ سلمان العودة الجولة أيضاً،وساهمت الهجمة في إظهار مدى الاختلاف بينه وبين الإقصائيين،وتوضيح تسامحه الفكري وقربه من فئة الشباب بالتحديد،وتطور خطابه الذي تمكن من مجاراة التحولات الفكرية في البلاد والمنطقة،وقدرته على الانفتاح على كافة المكونات الاجتماعية دون حرج.
أيضاً ربح النشطاء الكويتيون الذين نظموا ملتقى المجتمع المدني،وخاضوا معركة ضد الحسابات السياسية التي تشرعن فكرة المنع والإلغاء ليقدموا نموذجاً لحراك مدني حقيقي قدم نصراً للمبادرات المدنية في الكويت والسعودية على السواء.
لعل أهم مكاسب “معركة ملتقى النهضة” أنها وضعت حداً فاصلاً بين الإسلاميين الإقصائيين والإسلاميين المؤمنين بالتعددية الفكرية والمذهبية،وأنها أظهرت بوضوح الفارق بين من يؤمن بالحوار والانفتاح والتسامح وبين من يرفض الآخر ويجعل من الإقصاء قضيته ومن الوسائل التحريضية غير الأخلاقية سلاحه.
تقدم هذه المعركة فرصة لتعزيز خطاب يرفض الإقصاء ويحترم وجود الجميع وحقهم في التعبير بما فيهم السلفيون الحركيون الإقصائيون،وفرصة لتعزيز المفاهيم التي يقوم عليها ملتقى النهضة وبالذات مفهوم “المجتمع المدني” الذي تم اختياره عنواناً للملتقى الثالث،فتطبيق المفهوم وجعله واقعاً يعتمد على خطاب مدني يؤكد على قيم التعددية والديمقراطية والحريات،وعلى مبادرة الشباب والشابات للقيام بأعمال مدنية تؤكد على قيمة التنوع وحق الجميع لا فئة بعينها دون سواها في العمل والحركة.
يربح خطاب التعددية والمجتمع المدني،ويخسر من لا يزال يراهن على أدوات القمع القديمة في مواجهة الفكر الحر.
**************
وقفة مع ملتقى النهضة
محمد غريب حاتم (صحيفة الوطن الكويتية 23 /3/2012)
لا أعرف لماذا تأخرت الكويت في الحريات والفكر المستنير واحترام الرأي الآخر؟! فالمواطن الكويتي وخصوصا الشباب لديه الوعي ولديه الخبرة للتمييز بين الملتقيات ولماذا سوء النية تسبق الامور؟! والله سبحانه يقول {ان الظن لا يغني عن الحق شيئا} وأين دور الحكومة واذا حصل الملتقى على الموافقات الرسمية ونحن دولة دستور فهل يحق لعضو مجلس امة وقف دور المؤسسات المعرفية؟ يا حكومة لا يجوز ان يعطي للمجلس حق التدخل في شؤون السلطة التنفيذية وبعد اتخاذ القرار لماذا التنازل رغم ان الكويت دولة تؤمن بالحريات العامة وطرح الرأي ثم لماذا تريدها المعارضة ان تكون ازمة وقد تعارف كل العالم وخصوصا العربي على ان الكويت منارة وقبلة للحريات ولكل طرح ورأي وملتقى ولا موانع، بل هناك محاكم نزيهة تستقبل كل من له قضية وتنظر فيها وتحكم بالعدل. وحتى طباعة الكتب صارت بالكويت مزدهرة والرقابة لاحقة وليست سابقة، فلماذا يريد البعض كبت الحريات والرأي الآخر ثم من هذا النائب الذي تخاف منه الحكومة بل حكومة تموت من الخوف من كل تصريح نيابي أو طرح برلماني يقوم به أحد الأعضاء خوفا من منصة الاستجواب.
أنا اقترح على الحكومة قبل موافقتها على أي ملتقى ان تغير الاجراءات وتضع عبارة مكتوبة في طلب عقد أي ملتقى أو مؤتمر أو ندوة «برجاء اخذ موافقة مجلس الامة» وتتخلى الحكومة عن صلاحيتها في اتخاذ القرارات. الامر صار عجيب في دولة الكويت وكل شيء اصبح مرده مجلس الامة.. شنو صار بالدولة؟!
يا جماعة دولة الكويت دولة مؤسسات ولا يجوز للحكومة الرضوخ لمجلس الامة في صلاحياتها حتى لا يؤثر ذلك في سمعة مجلس الامة وسمعة الدولة امام العالم وامام منظمات حقوق الانسان وامام كل شعوب العالم التي عرفت عن الكويت انها دولة متقدمة في مجال حرية الرأي والكتابة والنقد وتحترم كل الملتقيات ولكن لا نرضى ان يستغل احد الحريات العامة وحق ابداء الرأي ويطعن أو يتناول بحديثه دولة اخرى وخصوصا اخواننا دول مجلس التعاون الخليجي ولا يحق لأي كويتي وحتى لو كان نائبا الطعن او الاساءة لأي دولة. فالسياسة الكويتية من اختصاص وزارة الخارجية واللجنة الخارجية في مجلس الامة، فلا نستخدم الحرية في غير محلها وهي مسؤولية قبل ان تكون سلطة، وسمعة الكويت اكبر من رأي أو حرية كويتي سواء كان مواطنا أو نائبا.
**************
حدثني مالك بن نبي عن ملتقى النهضة
نادر بن عبدالعزيز ال عبدالكريم (رؤى فكرية 28/4/2012)
فكرة رائدة وعظيمة فكرة هذه الملتقيات الشبابية وأسلوبها في فتح مجالات لحوار الشباب وتبادل الرأي ومعهم، أملا في الوصول إلى أفكار نهضوية فعالة في مجتمعاتنا الإسلامية ، هذه المجتمعات التي تتطلع شعوبها للنهوض الحضاري. خصوصا مجتمعات ما بعد الثورة المحتاجة الآن – وأكثر من ذي قبل – إلى إرادة و إجماع مشترك على هدف النهضة الحضارية بعد إجماعهم على إسقاط أنظمتهم ، وتحتاج كذلك إلى روح وثابة و عزيمة وقادة لتفعيل السبل الموصلة إلى هذه الأهداف كما كانت هذه الروح والعزيمة حين الثورة.
حتى تلك المجتمعات التي لم تهب فيها رياح الربيع العربي فإنها ستتأثر حتما بالروح الإصلاحية النهضوية وبرياح ربيع الإصلاح والدعوة إليه والمطالبة بشتى صوره. وهذا ما يبرز جليا أهمية هذه الملتقيات الشبابية من جانبين رئيسين:
الأول : أن النهضات والحضارات في بداية نشأتها ونموها تحتاج لفاعلية كبيرة تتجاوز بها صعوبات الانطلاق وعقبات البدايات، وهذه الطاقة الفعالة توجد غالبا في جيل الشباب وعزائمهم التي لا تستصعب أي هدف ولا تلين أمام أي عقبة في سبيل النهوض الحضاري . وبالتالي فيجب أن يتابع صانعوا الأفكار في كل مجتمع باهتمام كبير تلك الأفكار التي تدور في أذهان الشباب وتصوغ توجهاتهم ، مع محاولات لتعزيز وتعميق الأفكار الهادية الإيجابية – وهي كثيرة ولله الحمد – ، وتفعيلها أيضا بالقدر المناسب ، وتعديل أو طرد الأفكار المضللة والمضعفة للمناعة الدينية والفكرية والحضارية ، فالأفكار هي الأشرعة التي توجه طاقات الشباب الجبارة في وسط محيط واسع مفتوح الاتجاهات على كافة الاتجاهات الدينية والفكرية.
الجانب الثاني : أن أفضل طريقة لهذه العملية الإصلاحية في خارطة الأفكار الشبابية هي الحوار المفتوح والتغذية الراجعة التي توفر معرفة حقيقة بأفكار الشباب الفعالة في توجيه طاقاتهم وتتيح كذلك تعزيز الأفكار الهادية وطرد الأفكار المضللة.
في ضوء ذلك كله ، أين يكمن الخطأ والخلل المصوبة تجاهه سهام النقد المتزايد في ملتقى النهضة الشبابي الثالث المقام بالكويت وقبله بالبحرين وقطر ، وضيوفه هم من الشريحة العمرية ما بين 18 إلى 29 سنة . أين يكمن الخلل من وجهة نظر المنتقدين إذا كانوا لا يعارضون – غالبا – فكرة وطريقة الملتقيات الشبابية ؟ ولا يعارضون فكرة النهوض الحضاري إجمالا ؟ ولا يعارضون كذلك فكرة الحوار والنقاش الفكري والحضاري ؟
أعتقد أن جل اعتراضات المنتقدين تدور حول الأفكار التي تدور في الملتقى ويراد منها ان تشكل وتصوغ القوة الفاعلة لطاقات الشباب. ويعارض المنتقدون كذلك محاولة تصدير وإبراز منابع فكرية للشباب الناشئ الباحث عن إجابة لسؤال النهضة الحضاري، بحيث تكون هذه المنابع من المراجع الفكرية الرئيسة في تشكيل وصياغة أفكارهم ، وهذه الأخيرة هي الأسوء والأكثر ضررا إذ يمتد تأثيرها ويتعاظم مع الوقت.
لا يعني هذا بالتأكيد كل المشاركين وكل الأفكار وإنما يعني بعضهم الذين تختلف خلفياتهم الفكرية ورؤاهم وبيئاتهم التي كان أكبر الأثر في تعليمهم وتوجهاتهم ، حيث تختلف جذريا حول أولويات ومفاهيم وسبل النهضة والحضارة في مجتمع يطمح للعودة إلى الإسلام النقي الذي حقق بفضل جيله الأول – جيل الصحابة الكرام – حضارة علمية أخلاقية روحية فريدة كانت حجر الأساس لحضارة مادية مذهلة في إنجازاتها ومنهجها خلال فترة زمنية قصيرة .
أضف إلى ذلك ، أن ما طرحه هؤلاء ( وما يتوقع أن يطرحوه ) هي أفكار جاذبة للشباب تلبي فيهم لذة المغامرة والأكشن المعرفي والمعلوماتي ، فلا يوجد فيها غالبا أفكار نهضوية إصلاحية في نطاق الإسلام النقي الذي صنع جيل النهضة الأول : جيل الصحابة الكرام. ربما تكون بعض هذه الأسماء مثيرة إعلاميا وجاذبة للشباب الباحث عن المختلف دوما كردة فعل متطرفة لقرون كان تسود فيها ثقافة الرأي الواحد في طول العالم الإسلامي وعرضه ، لكنها غير مناسبة إطلاقا للنقاش والحوار إلا مع فئة أعمق معرفيا وثقافيا وأكثر تأصيلا لمفاهيم النهوض الحضاري الإسلامي = حتى يكون للحوار فائدته وثمرته . فهو غير مناسب من وجهة نظري مع الفئة المستهدفة للملتقى ، تماما كمن يستضيف بعض التكفيريين أمام شباب من نفس الفئة العمرية ومتحمسين لفكرة الجهاد النقية ، فالأثر في الحالتين متشابه وخطير حيث تتشوه الفكرة الهادية النقية وتطرد ويحل محلها أفكار مشوهة وربما تكون تكون ذات فعالية في اتجاه آخر.
ولأن الأفكار التي يتبناها العقل في هذه المرحلة العمرية هي الأعمق أثرا والأرسخ والأكثر فاعلية في حياة العقل ، ولأن مفهوم البناء الحضاري المتراكم كذلك يستلزم الإفادة ممن سبقنا على درب الإجابة على سؤال النهضة الإسلامية الكبير ، فإن الأفكار التي ينبغي طرحها لهذه الفئة العمرية هي الأفكار المنقحة بعناية تحت نظر كبار المفكرين الإسلاميين والداعين لمفهوم العودة للإسلام النقي الذي تحققت في عهده الحضارة الأولى ولا يمكن أن تتحقق الحضارة الثانية في مجتمع إسلامي إلا به . أما بث الأفكار الفطيرة خصوصا إذا كانت مصادرها ومنابعها بعيدة عن هذه التوجه – وأحيانا مناقضة له – فهي تنتج أفكارا مشوهة ومفاهيما ممسوخة إلى حد كبير ، ربما تشبع رغبة التنوع المعرفي ولذة الوهم بتداول الرأي المختلف في فضاء مفتوح لكنها لا تنتج أفكارا أصيلة ذات فاعلية حضارية.
وبناء على ذلك فإن من المقترحات لمنظمي الملتقيات الشبابية بكافة أطيافها لمثل هذه الفئة العمرية المهمة = العناية المكثفة بأفكار ومشاريع كبار المفكرين الإسلاميين كمالك بن نبي مثلا حتى تترسخ قاعدة صلبة من الأفكار الحضارية ذات اتجاه العودة لإسلام الجيل النبوي النقي بصفته المخرج الحضاري الوحيد.
هذه هي الملاحظة العامة على ملتقى النهضة الشبابي ، وتوجد بعد ذلك بعض الملاحظات على هامشه من تراشق الاتهامات والسخريات وتخوين النوايا والمقاصد من قبل فئة قليلة في الطرفين. لا أظن الكثير يشكك في النوايا الطيبة لمنظمي الملتقى في الإجابة على سؤال النهضة الكبير، لكن النوايا لوحدها لا تكفي ، فلا بد معها من السبل الموصلة إلى أكبر قدر من المصالح وأقل قدر من المفاسد في الاتجاه الصحيح . وعلى المعارضين كذلك في الطرف الآخر أن يوضحوا بجلاء ودون مبالغة كيف يساهم هذا الملتقى في تنحية الشريعة عن طريق النهضة ويساعد في تمكين القيم الغربية الضاغطة على مجتمعاتنا = دون اتهام هؤلاء الناشطين أنهم على وعي وعلم بهذه التوجهات المشبوهة . كما أن المعارضين لا يمكن تشويه نواياهم وأن لهم أهدافا حزبية أو شخصية تقف خلف أكمة النقد ، وإنما نحسبهم صادقين غيورين في ظل ضغط غربي متواصل لفرض قيمه وإزاحة قيمنا ، فتبادل الاتهامات وتراشق السخريات تخلق جوا توتريا يهدم أكثر مما يبني ، وعلى المدى البعيد تترسخ أفكار التحزب والتعصب وتصبح فاعلة وموجهة لطاقات الشباب أكثر من الأفكار الإيجابية النهضوية . ربما يكون الهدف مشتركا لكل أولئك الشباب بكافة تنوعهم وأطيافهم لكن كلا منهم ينظر له من زاوية مختلفة : ففي حين ترى طائفة أن الهدف النهضوي هو العودة للإسلام النقي المتمثل نموذجه الأول في الجيل القرآني النبوي وهم الصحابة الكرام ، ترى طائفة أخرى أن الهدف هو تحقيق الاستخلاف الرباني في الأرض وعمارتها ، وهما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة وإن شئت فقل أن أحدهما مستلزم للآخر ولن يتم إلا عن طريقه كما حصلت النهضة الأولى .
من يتصور ذلك فإنه يزعجه هذه الحدة اللفظية والخشونة النقدية المتبادلة من المؤيد والمعارض، فهناك من لا يميز بين صرامة الفكرة وعنف الأسلوب الذي يصل أحيانا لحد السخرية والتعيير والتشويه والتخوين . فنقد الفكرة لا بد أن يكون صارما بلا ضبابية ولا غموض ولا مجاملة في فسادها وآثارها ودوافعها ، لكن ذلك لا يعني أبدا عنف الأسلوب تجاه شخص يتبنى الفكرة من ذوي النوايا الطيبة .وفي المقابل لا بد من تقبل النقد بصدر رحب وتصفيته بتجاهل المزيف منه والإفادة من النافع وعدم السماح لغريزة الانتقام بالتأثير علينا خصوصا ونحن نؤسس لخطاب جديد في مرحلة نهم معرفي وحضاري شبابي فتقنية التعامل الفعال مع النقد من أهم تقنيات التطور الفردي والمجتمعي التي يجب أن ترسخ في سلوك هذا الجيل.
*****
ختاما : قد يتسائل البعض حول علاقة مالك بن نبي رحمه الله بهذا الملتقى وتداعياته ، والجواب أن هذا المفكر الجزائري العظيم تحدث كثيرا وبعمق وتحليل مشهودين وبخبرة عريضة في الثقافتين الغربية والإسلامية وبتنوع معرفي عن كثير مما يدور النقاش حوله هذه الأيام ، فدعا منذ كان شابا يدرس في فرنسا إلى الوهابية بصفتها الفكرة الإسلامية الوحيدة التي تصلح بما فيها من طاقة فعالة لتحرير العالم الإسلامي المنهار منذ عهد ما بعد خلافة بغداد ، ودعا كذلك في فترة لاحقة إلى التركيز على إصلاح الإنسان أكثر من إصلاح المؤسسات والقوانين وإلى نبذ نزعة التسامي والمديح لمقاومة ضغط الأفكار الغربية وإلى التركيز على القيام بالواجبات الحضارية أكثر من المطالبة بالحقوق ، وشدد مالك رحمه الله أيضا على خطر بتر أشياء الغرب وأفكاره عن أصولها الثقافية حين استعارتها من الغرب بل سمى ذلك بـ ( الخيانة الثقافية ) أجارنا الله وإياكم منها.
*****************
ملتقى نهضة التنوير ونكسة الفكر الثوري!
د.أحمد عبدالرحمن الكوس
(صحيفة الوطن الكويتية 28/3/2012)
تنادى المخلصون والغيورون على الشريعة الاسلامية بالغاء ملتقى النهضة الذي يشرف عليه د.سلمان العودة، حيث يهدف هذا الملتقى الى اذابة الفوارق بين المسلم الملتزم بالكتاب والسنة من جهة وبين بقية المدعويين من أفكار الليبرالية والعلمانية والثورية والصفوية، وبعض الحاقدين من الرجال والنساء على دولهم وحكوماتهم، وهذا الملتقى المشبوه باعتقادي أنه جزء من مخطط كبير تم افشاله بفضل الله تعالى ويقظة الشباب الخليجي الواعي الحريص على دينه وشريعته الاسلامية ووطنه.
بعض المشاركين له أفكار خطيرة كالطعن بالشريعة والاسلام والعلماء وآخرون لهم نفس ثوري ضد حكومات الخليج كالسعودية والبحرين!
لذلك كان لزاما على الجميع التصدي لهذا المؤتمر وايقافه وهذا ماتم بحمد الله تعالى، حيث تصدى له مجموعة من النواب الأفاضل وبعض المشايخ والكتاب، واستجابت الحكومة مشكورة، حيث منعت انعقاده وزارة الداخلية، ومن المؤسف ان تتحدى جمعية الخريجين قرار الدولة فتسارع الى رعايته وانعقاده تحت مظلتها مخالفة بذلك قوانين جمعيات النفع العام بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وامعانا في تأكيد الاساءة لبعض دول الخليج.
يحق لكل مواطن بصراحة ان يتساءل عن كيفية تلاقي أصحاب هذه الأفكار المتناقضة وكيفية دخول شباب الاخوان المسلمين في هذا الفكر التنويري والذي يخفي خلفه فكر الثورات والتغيير ضد الحكومات مع كل هؤلاء المجتمعين! فمن هو المخُطط لهذا الملتقى ! وماهو مصدر الانفاق عليه! وهل للدول الغربية يد في هذا المخطط! خصوصا بعد دعم الدول الغربية والأوروبية لما يسمى بثورات «الربيع العربي وسياسة التغيير! لاحداث مزيد من تقسيم الدول العربية والخليجية» لتكون ممزقة ضعيفة ! كل ذلك أسئلة تحتاج الى اجابة من ذوي الشأن لنعرف الحقيقة الكاملة.
دفاع «الاخوان» ممثلا «بحدس» ونوابهم وكوادرهم وطلابهم بات واضحا من خلال الدفاع عن هذا الملتقى، وحضور د.طارق السويدان المُنظر المعروف بأفكاره التنويرية ومهاجمته للحكومات يجمع خيوط هذا الاجتماع الذي ينطلق من الكويت، وقد أكد ذلك مدير شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان بحسه وذكائه الأمني ان انطلاقة الاخوان من الكويت ستبدأ في عام 2013م، ضد بعض دول الخليج!
وفي الختام هناك مؤامرات ومخططات ضد الكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين وعلينا ان ننتبه ونكون أكثر يقظة خصوصا في تنامي الأفكار التي يحاول هؤلاء استعداء وتحريض الشباب على ولاة الأمور والحكام والحكومات الخليجية بكل جرأة، من خلال جذبهم وشحنهم بالحماس والثورات والتغيير المزعوم لاسقاط وزعزعة دول الخليج التي لاتزال صامدة وقوية أمام هذه التيارات الجارفة والعلمانية والليبرالية والثورية لاكمال مخطط اضعاف الدول الخليجية !
لفتة:
قال العلامة الشيخ حمود التويجري رحمه الله في كتابه القيم «غربة الاسلام» ص 143: (قيل:أما كثرة من ينتسب الى الاسلام ويدعيه، وانتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها فهذا لاينكره أحدٌ، وليس الشأن في الانتساب والدعوى، وانما الشأن في صحة ذلك وثبوته، وماذا يغني الانتساب والدعوى اذا عدمت الحقيقة؟…وانما الاسلام الحقيقي لزوم المحجة البيضاء التي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عليها، فمن زاغ عنها فهو هالك)، فتأمل رعاك الله هذا الكلام لتعرف غربة الدين مع من يُحاول تلبيس الحق بالباطل والله المستعان.
*****************
ملتقى النهضة الخليجي أنهى دورته الثالثة… وتيار السلف «أقصى نفسه»
الساحة الكويتية ومخاض مشهد «ليبرالي ـ إخواني»
كامل قاسم حازر (جريدة السفير اللبنانية 27/3/2012)
سابقة نادرة سجلتها الساحة السياسية الكويتية ليل السبت الماضي، لأول إطلالة إسلامية (إخوانية) بطلها الداعية طارق السويدان، على جمهور التيار الليبرالي، الوطني والديموقراطي. وذلك من على منبر جمعية المتخرجين الكويتية، أحد أبرز معاقل هذا التيار، ليكون نجم فعاليات اليوم الثاني لـ«ملتقى المجتمع المدني»، التسمية البديلة لـ«ملتقى النهضة الشبابي الخليجي» في دورته الثالثة، الممنوع من الانعقاد بأمر من وزارة الداخلية وبضغط ومعارضة تيار السلف والمتشددين.
السويدان، الذي قوطع بتصفيق حار أكثر من مرة، خاطب الجمهور المحتشد، بمشاركة لافتة للشباب السعودي، معلناً «أن الحرية مقدسة ومبدأ من مبادئ الإسلام»، وهي عنده «قبل تطبيق الشريعة»، وداعياً إلى «مجتمع حر ديموقراطي تعددي»، لأنه بوجود مثل هذا النظام «تتحقق الرقابة الشعبية»، ومؤكداً أنه «إذا استبد الإسلاميون في الحكم… فوالله العظيم سنثور عليهم، كما ثرنا على من قبلهم».
وبعدما ذكّر السويدان بأن الليبراليين (الغرب) هم من ألغى الرق في الإسلام وليس الإسلاميين، وجه نقداً واضحاً للتيار السلفي والفتاوى السعودية قائلاً: «لماذا نمنع بناء المساجد والحسينيات… إن الكيل بمكيالين غير جائز، فكيف نطالب بمنع الكنائس لدينا، وفي الوقت نفسه ندعو الى بناء المساجد في بلادهم؟». وشدّد على أن «الإسلام يتعامل مع الفكر بالفكر، وعقلية المنع هي عقلية رجال الأمن وأصحاب الحجج الضعيفة».
عقلية الحجج الضعيفة
ورداً على دعوات «الإقصاء وإلغاء الآخر» التي ميّزت معارضة تيار السلف لانعقاد ملتقى النهضة في الكويت، استعرض السويدان جملة من المواقف لنبي الإسلام مؤكدة الحرية في إبداء الرأي والموقف المعارض وفي المعتقد، وقال متسائلاً: «ماذا يريد مَن نادى بالمنع؟ وهل هذه هي عقلية أصحاب الحجج الضعيفة، وهل هذه عملية تقوم بها الداخلية؟!». وتابع مستغرباً الفهم الخاطئ لحديث «لا يوجد دينان في الجزيرة العربية»، لأن معناه الأساسي أن السيادة السياسية يجب أن تكون للدين الإسلامي فقط، مؤكداً أن عقلية المنع والإجبار والإقصاء ليست موجودة في ديننا.
«إنتصار» التجربة
وبموازاة السويدان، جاءت إطلالة الناشط الحقوقي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت غانم النجار في اليوم الثالث والأخير من فعاليات الملتقى، حيث أكد حقيقة «انتصار تجربة ملتقى النهضة على السياسيين». وقال «انتهى الملتقى ولم تحدث كوارث ولم تقع صواعق ولم تسقط السماء ولم يزدد الكفار كافراً واحداً!»، مشيراً في محاضرته، التي حملت عنوان «المجتمع المدني وحقوق الإنسان»، إلى أن «حاجة الإنسان للكرامة تتجاوز حاجته لأشياء كثيرة».
وبعد تأكيده أن: «الحرية هي التحرر من القيود المفروضة على الإنسان»، قال النجار: «إن وضع حرية التعبير في الخليج لا يحتاج إلى شرح، لأنهم يفرحون بانتكاسة الديموقراطية في الكويت»، ليشير إلى «أن الغرب ليس صادقاً في قضية حقوق الإنسان ولديه نفاق مذهل.. ولكن لدينا في الشرق، الأمر أسوأ».
مشهد جديد للتحالفات
وقبل أن ينتهي الملتقى، بدأت مفاعيل انعقاده تؤشر إلى رسم جديد لمشهد التحالفات السياسية، من خلال عملية فرز تعيد تيار السلف إلى حدود دوره وحجمه، بعدما انتفخ هذا الدور وتضخم ذلك الحجم بالنتائج التي أسفرت عنها انتخابات مجلس الأمة مطلع شباط الماضي.
لقد التقت مواقف التيارات والقوى السياسية الكويتية، ما عدا تيار السلف وكل من موقعه على ضرورة انعقاد الملتقى، لأن «حرية الاجتماع والتعبير في الكويت من الحقوق التي كفلها الدستور ويجب احترامها»، كما قال رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون (تكتل العمل الشعبي)، وجاءت إطلالة الداعية الإسلامي طارق السويدان من على منبر الملتقى في «المتخرجين» وكأنه قادم من خارج تيار الإسلام السياسي الذي اعتادت عليه الساحة الكويتية طوال العقود الماضية، حتى أسماه البعض برائد اليسار الإسلامي داخل منظومة حركة «الإخوان المسلمين»، فيما بعث حضور النائب السيد حسين القلاف بعمامته السوداء ولو لفترة وجيزة في فعاليات ختام الملتقى، برسالة تضامن من الأقلية البرلمانية، بخاصة «تكتل النواب الشيعة».
مع ختام فعاليات الملتقى، يسجل للتيار الليبرالي بطيفه الوطني والديموقراطي ونشطاء المجتمع المدني النجاح في الإمساك مجدداً بخيوط الحراك السياسي على الساحة الكويتية، ومسجلاً خرقاً لافتاً باتجاه شبك هذا الحراك بإطاره الخليجي، ليحقق بذلك «نصراً»، أشار إليه النجار، وأكده عضو ملتقى النهضة الشبابي سعد ثقل العجمي بقوله «إن انتصار جمعيات النفع العام للشباب جاءت لتبرهن لدول الخليج كافة، بأن إقصاء المتطرفين رسالة صدرت من الكويت».
*****************
حق النقد المشروع للملتقيات الحوارية..ملتقى النهضة الشبابي أنموذجا
منصور الهجلة (مجلة العصر 22/3/2012)
تابعت عن بُعد نشاط ملتقى النهضة الشبابي الأول والثاني، والذي لم يتجاوز محاضروه عدد أصابع اليد الواحدة مع محدودية عدد الحضور، لم يدر في خلدي من الانطباع الأول والثاني للملتقى ومتابعة لبعض مقاطع من المحاضرات إلا نشاطا محمودا من جمع من الشباب الإسلامي الذين يرغبون في التطلع لأسباب نهضة الأمة.
ومع كل عقبات المحدودية التي يواجهها المنظمون، فإن الملتقى يحاول أن يشير لبعض النقاط المهمة في مجال النهضة التي يتعذر عليه الوفاء بها في موضوع علمي ومعرفي واسع ودقيق كهذا.
وكما هو معلوم لأي دارس للشريعة وعلومها، أن الغالب على بحث موضوع أسباب النهضة يدور في البعد الإنساني المشترك، أي مما تشترك فيه التيارات والاتجاهات الأخرى في أكثر أجزائه، لأن الدين جاء بالبناء على هذا المشترك، ولم يأت بإلغاء تلك الفطرة الإنسانية، وذلك المشترك الإنساني الذي هو من آثار آيات الله الكونية التي أمرنا بدراستها واعتبارها ورؤيتها بعمق، ويدخل في ذلك كل ما وصل إليه الإنسان في العلوم الإنسانية في القرون الأخيرة والتي يجب أن يتقلد المسلمون فيها سنام الإبداع إنشاء وليس تقليدا واحتذاءً.
فعمق مواضيع النهضة وأسبابها عند تأصيلها بمنهج علمي سليم لا تتعرض بالبحث أو النقد لشيء مرتبط بأصول العقيدة كالتوحيد والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والأسماء والصفات والقدر ومرجعية الشريعة وتحكيمها وطريقة الاستنباط منها، ولا الإيمان، ولا ما هو معلوم من الدين بالضرورة ولا ما هو من المقطوع به في الشريعة من الأوامر والنواهي التي أجمعت عليها الأمة، إلا في تلك الرؤى المتطرفة التي يعرف بطلانها من خلال العلوم الإنسانية نفسها قبل تسليط النقد عليها بالعلوم الشرعية، وهي رؤى قطعا مستبعدة في ملتقى شبابي يشرف عليه إسلاميون!
وهناك وكما هو معلوم رؤى متعددة في مجال العلوم الإنسانية تنطلق من فلسفة العلم والعمل الإنسانية، لكن ومع كل أسف قلما نرى مشاركة إسلامية في هذا المجال تثير هذه الكنوز المعرفية وتعمقها وتؤصلها وتصلها بالحاضر فعلا وانفعالا، فلا تزال الدراسات غير أصيلة ومشوشة وتنقل المعلومات وتدرسها بوساطة كتب مترجمة مهترئة.
فأصبحت الرؤى مشوهة ولو زعمت العلمية بتصدر بعض الأقسام العلمية لهذه المشكلات التي لا يزيد تدخلها في هذه المجالات على قلة البضاعة والاهتمام إلا تأخرا في أبحاثها أكثر مما هو مأمول من تقدم بسبب مشكلات عميقة في الاهتمام بالصرامة المنهجية، بل حتى على مستوى تأصيل فلسفة علمية إنسانية يعتمد عليها الإسلام تكاد تجد ضعف المحاولات في هذا المجال.
وليس هذا فرحا بالضعف الذي نحن جزء منه بل هو ألم وجرح معرفي غائر في الصدور لما نرى استستهال من يزعم العلمية واحتقاره هذه العلوم وزعمه امتلاكه ناصيتها باستعراضات علمية سخيفة لا تنطلي على الباحثين الجادين، بل يعلم من يمارس ثوب الاستعراض أنه مكشوف من الباحثين إلا أن لغة أرقام الجماهير البسيطة معرفيا عنده أولى من الاحتساب المعرفي الدقيق.
وتندرج مشكلة عميقة جدا في ضعف الأبحاث العلمية قلما تجد كثيرا من الإسلاميين يهتمون بها، وخصوصا بعض إخواننا وأصدقائنا من المنتسبين لمنهج السلف الصالح، على الرغم من كونها مسطرة في منهج أهل السنة بوضوح وهي مسألة السلطة والمعرفة، وتبادل التأثير بينها وسعي السنة بتحرير المعرفة من السلطة، سواء أكانت سلطة سياسية أم دينية أم غيرها من أشكال السلطة.
كما حرر كثيرا منها ابن تيمية خصوصا في نقده لكل من يدمج المعرفة تحت عباءة السلطة في المدارس الفلسفية والصوفية والشيعية، ونقده لما يسميه “جزمهم بامتلاكهم الحق في نفس الأمر المسلط على الوحي”، وهو محل السلطة والمرجعية، سواء كانت هذه السلطة في مجتمع سياسي أو مدني، وأنه لا سلطة معرفية متجاوزة غير سلطة الكتاب والسنة وما يعود إليهما من إجماعات الأمة، والتي هي أساسا مبنية على انتظام المعقولية والخير ونفي الفساد والشر، وهذه المستوى المعرفي يفتح الحرية المعرفية أكثر من مذاهب الإلحاد التي تفتح للفوضى وعبادة الطبيعة حتى تصبح أوهام التحليل لقضايا الطبيعة مراجع للتشريع بمسمى الحق الطبيعي.
ملتقى النهضة الشبابي على أهميته وشكرنا للقائمين عليه هو نشاط معرفي محدود، يجب أن ألا يكون الملتقى المعرفي الوحيد، بل أتمنى أن تنظم ملتقيات أكثر تخصصا للشباب في العلوم الإنسانية، للمتخصصين منهم والمهتمين بتقديم أبحاث فيها تنوع معرفي وطرح نقدي للرؤى مع تنظيم أسلوب الحوار من الشباب وتعدد اتجاهات الورقات المطروحة، بحيث لا يكون الملتقى يميل إلى التلقين أو التوجيه بل إلى الإثراء والنقد والإضافة.
ليس هذه الملتقيات من أبناء المسلمين يصح عليه قوله تعالى “وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا، الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”، هذه الآية بكمالها هل تصح أن يطلقها مؤمن على مؤمن أو على الأقل مسلم على مسلم في شأن هذه الملتقيات التي ينظمها مسلمون مع تحضيرهم مضمون الأوراق قبل طرحها؟؟
ولو تنزلنا مع الناقدين، وقلنا إن الكفرة قد ملأوا أجواء هذه الملتقيات كمحاضرين، فإن الغاية التي أشار إليها سبحانه هي “حتى يخوضوا في حديث غيره”، فهل شغل هؤلاء في هذه الملتقيات هو الكفر بآيات الله والاستهزاء بها! مع أنني في بداية حديثي وضحت البعد الإنساني المشترك في كثير من مواضيع النهضة، ورؤية سريعة للمشاركات السابقة في يوتوب وفي الأسماء المعلنة قد تضمنت بعض الشرعيين والمتخصصين في الشريعة الذين لم يعرف عنهم إلا همهم في نهضة أمتهم وقوتها ومواجهة أعدائها الحقيقيين.
ليست السلفية كما يصور البعض هي خصم لهذه الملتقيات، السلفية الحقة هي المنهج الأمثل وهي المنهج العدل والتي تتبنى مشروع التحرر والتحرير المعرفي المعتمد على الحرية المعرفية التي لا تتجاوز حقائق الكتاب والسنة ولا تقدس مقولات شرق أو غرب ولا ترى لقيم الغرب أو الشرق أي “إطلاقية”، بل هي اجتهادات إنسانية نأخذ منها بعد نقدها وتمييزها.
محاربة هذه الملتقيات خصوصا إذا اتجهت في المحظور عند أعدائنا أعني في “نهضة الأمة وقوتها”، هو في الحقيقة تحقيق لرغبات الاستبداد والفساد عالميا كان أو محليا، والحنق عليها بسبب وجود اختلافات علمية أو فكرية أو غيرها مع المنظمين هو خطأ لا يليق بأهل العلم والباحثين، بحيث يظن هذا الناقد أن الأمة لا يمكن لها أن تنهض إلا بشكل من النقاء الذي يتخيله وباللون الواحد الذي يؤمن به في صراع حول مسائل هي دون الأصول والثوابت الشرعية، ولا شك أن النقد لمضامين هذه الملتقيات واجب وليس أمرا من الكماليات بل هو المطلوب الشرعي قبل أن يكون النقد فقط للتنظيم ولعقائد المحاضرين؟!
فمن قال إن المحاضر في أمر علمي أو معرفي أو إنساني شرط أن يكون من أهل السنة والجماعة بل وسلفي على منهج فلان أو علان! فهذا بغي علمي ومعرفي.
وأذكر هنا بنص جميل لابن تيمية في منهاج السنة: “لأن الخوارج كانوا عبادا متورعين كما قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم الحديث، فأين هؤلاء الرافضة من الخوارج والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد، لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأهواء، فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين، والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة والزيدية من الشيعة خير منهم أقرب إلى الصدق والعدل والعلم وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج، ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم فإن الظلم حرام مطلقا كما تقدم بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض وهذا مما يعترفون هم به ويقولون أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضا وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسد مبنى علي جهل وظلم وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين فصاروا بمنزلة قطاع الطريق المشتركين في ظلم الناس ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض، والخوارج تكفر أهل الجماعة وكذلك أكثر المعتزلة يكفرون من خالفهم وكذلك أكثر الرافضة ومن لم يكفّر فسَّق وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأيا ويكفرون من خالفهم فيه وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول ولا يكفرون من خالفهم فيه بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق كما وصف الله به المسلمين بقوله: “كنتم خير أمة أخرجت للناس”، قال أبو هريرة: “كنتم خير الناس للناس”، وأهل السنة نقاوة المسلمين فهم خير الناس للناس”.
فإذا كان أهل السنة نقاوة المسلمين وخير الناس للناس؟ فهل تصح تلك الأوصاف التي جمعت في المنظمين، حتى يروي (شخص عن شخص) إلحاد محاضر وكفره من دون بينات، بل حتى اللمز بالنكهة النسائية لم يسلموا منها وفيها من بشاعة الدلالة ما لا يخفى! ولو ثبتت بعض الأخطاء فهل رحمة المسلم للمسلم تقتضي ما يصرح به البعض في المطالبة بنقد الأشخاص والمساس بهم “مع تغييب كامل للتعرض لمضامين الملتقى وبحث نقده علميا” الذي لم ير النور حتى الآن!! وهل الكذب والفجور الذي نراه في نقد هذا الملتقى صفة من صفات أهل السنة.
يقول ابن عبد البر: من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم، روى يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت ابن وهب يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: “ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف”.
ويقول الذهبي رحمه الله: “وقد صرنا في وقت لا يقدر الشخص على النطق بالإنصاف، نسأل الله السلامة”، ويقول الشوكاني: “واعلم أن أسباب الخروج عن دائرة الإنصاف، والوقوع في موبقات التعصب كثيرة جدا: وذكر منها: ما يقع بين أهل العلم من الجدال والمراء، فإن الرجل قد يكون له بصيرة وحسن إدراك ومعرفة بالحق ورغوب إليه فيخطئ في المناظرة ويحمله الهوى ومحبة الغلبة وطلب الظهور على التصميم على مقاله، وتصحيح خطئه، وتقويم معوجه بالجدال والمراء، وهذه الذريعة الإبليسية والدسيسة الشيطانية قد وقع بها من وقع في مهاوٍ من التعصبات ومزالق من التعسفات عظيمة الخطر، مخوفة العاقبة، وقد شهدنا من هذا الجنس ما يقضي منه العجب”.
سأختم مقالي هذا بتعليقات بسيطة حول ثلاث نقاط:
الأولى: التعامل مع المخالف (سواء كان كافرا أو ضالا أو من أهل الأهواء) مرتبط بالمصلحة كما نجده في تقريرات القرآن والسنة، وقد قرره ابن تيمية وخالف بعضهم، والمصلحة مربوطة قطعا بالظرف تاريخيا وزمانيا ومقاليا وحاليا وغيرها مما يحف بالمصلحة وتقديرها، ومن ذلك أيضا المضمون الذي يحاضر به المخالف، والمخالفة في تحقيق المصلحة هي من باب الاجتهادات والإنكار فيها يجب أن يتحلى بآداب النقد في مجال الاجتهاد السائغ.
الثانية: مسألة ظهور الدين بالإنكار في اجتهاد كهذا! الشدة في الإنكار، ورفع الاجتهاديات إلى قطعيات، والجزئيات إلى أصول، مع اعترافي بحق المخالفة، هو في حقيقته نوع من البغي المنهي عنه، وتمزيق لصف المسلمين وتشويش عما في هذه الملتقيات من خير على المسلمين، على حساب أخطاء أو شرور قد تنغمر في رجحان حسنات البحث، وهنا أتمنى من الباحثين أن يتفحصوا كلام الجويني في غياث الأمم في سياسة الموازنة بين المصالح والمفاسد!
الثالثة: مسألة موضوع “المجتمع المدني” الذي تحاضر فيه الملتقى الشبابي الثالث هو موضوع مهم جدا وجدير بالبحث، والأطروحات الغربية المعاصرة بدأت تقترب من الطرح الإسلامي الأصيل، والطرح الإسلامي المعاصر بدأ يبتعد عن أصالة طرحه في تاريخه وثقافته، وذلك أن الحركات الإسلامية المعاصرة في باب السياسة الشرعية اعتمدت في أبحاثها على ردود الفعل من الواقع التاريخي الذي عاشوه، لذا تلاحظ أن المقالات الإسلامية المعاصرة تميل لشمولية الدولة وتدخلها في كل الشؤون تأثرا بالطرح الشمولي القومي في الماركسية وغيرها، وذلك وإن كان بإطلاقية وضعية، فإن الإسلاميين يطلقونها شرعيا، وهو في الحقيقة إطلاق لمساحة الظن والاجتهاد.
والأطروحات الجديدة، وهي موجودة في قراءات ابن خلدون للمجتمعات الإسلامية، تستطيع أن توضح الفرق بين المجتمع السياسي “الدول” والمجتمع المدني:
فالمجتمع السياسي يمكنه أن يكون ممثلا لمفهوم (أولو الأمر) في القرآن، ويشمل سلطات الدولة الثلاث التي تتوزع فيها السلطات، فلا يملك أحد كائنا من كان سلطة مطلقة، غير السلطة المطلقة التي يؤمن بها المسلمون أعني سلطة الكتاب والسنة، كيف وأن المجتمع السياسي هو بعض وجزء من المجتمع المدني “المسلم” الذي هو الحاضن الأم (وأولي الأمر منكم)، ووظيفة المجتمع السياسي يغلب عليها القيام على النظام السياسي والنظام التربوي.
أما المجتمع المدني، فيغلب عليه القيام بالنظام الديني أو الثقافي والاقتصادي، وكلا المجتمعين متلازمان ومتعاضدان.
وجوهر المشكلة في محور المجتمع المدني هو ذلكم الصراع على القيم المعنوية والدينية واستبعادها لصالح الصراع على القيم المادية كما في الطرح العلماني العربي، فالطرح الإسلامي يجب أن يستحضر عامل القيم الدينية والمعنوية باعتباره مكونا أساسا في المجتمع المدني للحفاظ على سلمه ومحاولة إدارة صراعه في نطاق احترام تلك القيم.
****************
ملتقى «النهضة»، محفل.. «ماسوني» أم.. «ليونز»؟!
فؤاد الهاشم (صحيفة الوطن الكويتية 24/3/2012)
.. أعرف «عصر.. النهضة» في اوروبا الذي جاء بعد ان دخل الكهنة والقساوسة والبطاركة الى كنائسهم وتحول الحكم في بلدانهم من ديني الى مدني، وأعرف مجلة «النهضة» الاسبوعية كانت تصدر عن دار «الرأي العام» السابقة ومؤسسها وصاحبها هو المرحوم «عبدالعزيز المساعيد»، وكان يكتب فيها المرحوم ولده «يوسف» الذي رأس تحريرها، وقد ارسلت اليه بعض الخواطر التي نشرها وانا طالب في الصف الاول الثانوي نهاية الستينيات!
أعرف منطقة «النهضة» السكنية التي تقع قرب مقبرة الصليبيخات، ولا توجد بداخل صالات أو مطابخ منازلها «بلاطة راكبة جنب بلاطة.. عدل» بسبب «شدة اتساع» ذمة المقاول الذي.. بناها!!
أيضا، أعرف «مطعم فلافل النهضة»، وكان يقع في حولي بداية السبعينيات ولصاحبه المرحوم السوري «أبوجهاد»، وقد توفي الى رحمة الله – بعد ان شاهد سيارة مسرعة تصدم ولده «جهاد» ابن السادسة عشرة وتتركه صريعا.. وتهرب!
هناك «بقالة النهضة» و«بنشرجي النهضة» و«أزياء النهضة» و«خياط النهضة» و«مكسرات النهضة».. وغير ذلك كثير، ولو توجهت الى وزارة التجارة وطلبت منهم احصائية بعدد «النهضات» في الديرة، فسوف تفاجأ بأن عددهم أكثر من عدد البنات في «المارينا – مول».. ليلة جمعة!!
كل ما سبق ذكره معروف شكله ونشاطه وتاريخه وبضاعته ونوعه – حتى بدايته ونهايته – لكن الشيء «النهضوي» الوحيد الذي لم ار له «رأسا ولا كرياسا» هو ذلك الملتقى المسمى بـ«النهضة» والذي دار جدل كبير حوله في الصحافة ومجلس الأمة ووزارة الداخلية ووزارة.. الإعلام!!
لا احد يعرف محتواه ولا موضوعه، ولا أسماء المشاركين فيه أوأهدافهم أو أوراقهم!!
قالوا انه «سيعقد في صالة مغلقة داخل فندق وبحضور خاص، وكأنه ملتقى لمحفل ماسوني أو اجتماع لأعضاء في «الليونز» أو حفلة «هالاوين في منزل ممثلة.. اغراء في بيفرلي – هيلز»!!
تتبعت اراء واقاويل من يدعم اقامة هذا الملتقى ومن يقف .. ضده حتى يتبين لي «الخيط الأبيض من الخيط الأسود»، ولأن.. «الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على .. البعير»، لكنني تفاجأت بـ «خلطة عجيبة» من التوجهات السياسية التي لم تتفق في يوم ما على أمر، واتفقت على هذه.. «النهضة»، فصاروا أشبه بـ «جدر مرق شبزي على فاصوليا على لحم»!!، المنبر الديموقراطي .. يؤيد إقامته متفقا ومتحالفا مع تنظيم «الإخوان المسلمين بالاضافة الى التكتل الوطني الليبرالي! في المقابل، يعترض التيار السلفي المتمثل بجمعية إحياء التراث – وبشدة – على اقامته، في حين يقف النواب الشيعة معه.. ولكن بحذر و.. «من بعيد»!! ما حكاية هذا الملتقى «النهضوي»؟
وما الذي جمع .. «الشامي على المغربي، وخلط السمك.. بالتمر الهندي»؟!
أتمنى لو أن أحداً من الذين نشرت صورهم على صدر الصفحة الأولى في «القبس» – يوم أمس – وهم «غنيمة العتيبي وغانم النجار وسعد العجمي وسعود العنزي ومها البرجس» .. يشرب حليب السباع ويشرح لي – ولكل الكويتيين – «مين عايز.. ايه»؟!.
*****************
فكر النهضة الإسلامي وصوتُ الأغلبية
مهنا الحبيل (صحيفة المدينة 31/3/2012)
أثار جدول برنامج ملتقى النهضة بالكويت دورة عنيفة من الجدل والتحريض والإساءة البالغة التي طعنت في دين المنظمين الفضلاء والمشاركين وانتُهكت أولويات القيم الشرعية في التثبت و حرمات الناس وحقوقهم المعظمة في الشريعة , فضلاً عن أساسيات الأخلاق وليس المقصود بالذم حق النقد العلمي المجرد لأي شخصية علمية شرعية أو فكرية أو منشط ثقافي تتميز بالمنهج الراشد والقصد النبيل لإظهار ما تراه حقاً بما فيها ما وُجّه للملتقى من بعض المشاركات النقدية , لكن المقصود استفحال ثقافة الاستباحة والتحريض بلغة سوقية وحراك منظم بأسماء وشخصيات كبيرة تُنظم بذاتها هذا الطعن والاستباحة أو ما يصل للتكفير الضمني أو إطلاق التضليل , ثم تُعقب هذه الحملات ببيانات تقعيد شرعي تبارك الحملة دون استثناء أو تفصيل , ولنا هنا محطات مهمة نقف فيها لبيان وجهة نظرنا التي كانت بعضها قبل شهر من انطلاق الملتقى ولها ملاحظات رئيسية مركزية على جدول الملتقى ذكرناها لشخصية كريمة وكبيرة في هذا المضمار من شخصيات المجتمع المدني الشرقي السعودي ورجونا أن يُعدل البرنامج حتى لا يُستفز الناس , وأهم من ذلك أن البرنامج في تقديرنا لا يتفق مع سلسلة منهجية فكر النهضة الإسلامي وموقف التيار الغالب فيه وقد نقل رؤيتنا مشكوراً لإدارة الملتقى في حينه , لكننا في ذات الوقت احترمنا هذا الاجتهاد ورجونا أن يُصحح في أقرب وقت وهو ما تمنيناه وسنبقى نحتفظ برؤيتنا ونحترم اجتهاد إخواننا.
أما المحطة الأولى وهو حق أولي في التعريف وهو هنا ما المقصود بفكر النهضة الإسلامي , إن فكر النهضة الإسلامي ( في رؤيتنا ) ينطلق من ثلاثة مسارات رئيسية وقفت عند نصوص الشرع المتتابعة نصاً ومقصداً في أنّ دين الله الإسلام هو رسالة الله للبشرية وخاتمة رسله وهو الدين المُفصِّل المؤصِّل لمسار العبودية لله والاستخلاف للبشرية وأنّ بلاغ هذا الدين يأتي في شقيه العبودية الحقّة للخالق وتحقيق الاستخلاف في حق البشرية قائماً على ما جعل الله لها من نهج ودلالة بإقامة العدل وتحقيق الواجبات للنفس البشرية في أقصى درجات العدل المستوفي لشروط الكرامة , وعليه فان بث أسئلة النهضة لم يكن وليداً بهذا العهد بل سابقا لها وهو مرتبط بمساره الثاني في قضية تجديد دين الله عز وجل حين يرنو على خطاب الدين من يُحرّف نهجه وهديه ويجعله نهباً للطغيان , طغيان المتنفذ أو طغيان الفرد في كل المسارات , وأين يتحقق مسار الاستنباط النهضوي في هذا الفضاء الواسع من مدارات الفقه للحياة الإنسانية وهو قديم التأصيل في فقه الراشدين ومن يليهم .
بدءا من نصوص الوحي ومقاصدها ومن الهيئة الانتخابية التي وضعها عمر رضي الله عنه إلى فقهه في عام الرمادة وموقفه من تَغلُب المسيحية , إلى حوار أمير المؤمنين عثمان مع البغاة الطغاة وما رآه حظاً من سعة تسامحه مع الرعية رغم مبالغته حتى استشهد رضوان الله عليه , والى حوار أمير المؤمنين علي رضي الله عنه مع نزعة التكفير الأولى في أمته وكيف نظّم الخلاف وحق الإنسان حتى في قلب الصراع الدموي بما يُدهش النفس البشرية لهذا الاستيعاب والمنطق الجدلي المرتفع في أخلاقياته وفي الاعتذار عن خصومه , ونخبة من مواقف الراشدين المهديين وفقه ابن عباس رضي الله عنهم , وصولاً إلى أئمة العدل والنور في قضائهم الاجتماعي والأخلاقي المشرق من الحسن بن علي ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز الذي جعل الإمام مالك سنته مثبتة في الموطأ كما يُسند للراشدين لأنه رآه مجدداً في الدين , ثم قس على ذلك ما صدر من أئمة المسلمين في فقه النهضة بين الأخلاق والحكمة ودلالتها للاستخلاف في العدل بالحق في طبقات العلماء الربانيين من جيل الحسن البصري حتى مدرسة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع وما أعقبهم .
كل هذا التراث الضخم هو من قواعد أسس الفقه النهضوي الإسلامي الذي درج على التأسيس عليه بمساحات مختلفة ومتفاوتة أئمة ومفكرون ومثقفون من العهد المعاصر الذي أعقب الاستقلال واستيقاظ الأمة على حجم ما ألحق بخطاب الدين من تحريف وتجهيل وغلو وتكفير أو تمييع أخرجه من قواعد الرسالة وخصوصية الإسلام ونذكر على سبيل المثال لا الحصر :
المفكر مالك بن نبي والإمام محمد عبده والشيخ د مصطفى السباعي والشيخ علي الطنطاوي والشيخ محمد الغزالي والإمام القرضاوي في عموميات منهجية النهضة وصولا إلى عصرنا كالشيخ عبد الكريم بكار والفيلسوف طه عبد الرحمن والشيخ سلمان العودة والشيخ حامد العلي والمفكر د محمد الأحمري و د جاسم سلطان و د طارق السويدان و د طارق رمضان وغيرهم , إلا أنّ العهد الأخير لحاجة المجتمع إلى فقه الدسترة الإسلامية وحقوق المجتمع وتجديد الأخلاق وهو المسار الثالث , كانوا أكثر فيه تأصيلاً لشروط استخلاف العهد الجديد للبشرية .
وسنكمل مستقبلاً لنجيب أين الخطأ في الموقفين من الملتقى وهل النهضة تعني تنحية الشريعة ؟
***************************
ملتقى النهضة.. وأزمة تلد أخرى!
محمد الجدعي (جريدة القبس الكويتية 27/3/2012)
أستغرب هذه الضجة الكبيرة والزوبعة الضخمة، التي أثيرت حول ملتقى النهضة الشبابي الثالث، المقرر له الانعقاد في فندق وريزادانس الفنطاس في الكويت، تحت عنوان «المجتمع المدني.. الوسيلة والغاية»! والمدعو إليه نفر من المفكرين والسياسيين وأساتذة الشريعة والناشطين الحقوقيين، وعدد كبير من النشطاء الشباب من كل المجالات، ومن المهتمين بالعمل النهضوي ككل. هذا الملتقى الذي أتى تحت إشراف مباشر من د. سلمان العودة (المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم الرائدة في خدمة الإسلام والمسلمين)، صاحب الكلمة الشهيرة التي أطلقها في افتتاح الملتقى الأول، حين قال: «النهضة ليست معارضة.. ولا ولاء سياسياً أيضاً»!
من المؤكد أن هناك من استفزته توجهات بعض المفكرين المدعوين، حيث وجدوا في طروحاتهم شبهة وغموضاً كبيرين، ومن المحتمل أن يراها البعض منفرة، وقد يكون فيها مساس بدول خليجية شقيقة، ولكنهم قد نسوا – أو ربما تناسوا – أن هذا الملتقى الذي يمر بدورته الثالثة، انعقد في دورته الأولى في البحرين، والثانية في قطر، فلم تثر هناك أي مشكلة حوله، فلماذا لدينا نحن في الكويت هذه الحساسية المفرطة وهذه المصادمة العنيفة؟ أم أن هناك في الأمر شيئاً لا نعلمه؟! حتى شعرنا بأن هناك من يريد إشعال معارك سياسية طاحنة في الكويت، وعلى مدار 24 ساعة متصلة، على أي شيء، وفي أي شيء، ومن لا شيء! المهم أن هناك أزمةً مستمرةً وتوتراً دائماً!
لا أريد الخوض في الأسباب الفكرية أو الايديولوجية، التي يتمسك بها كل من فريق المؤيدين أو المعارضين للملتقى، ولكن ما أعرفه أن الح.جر على الآراء ومنعها بلا شك سُبة في جبين رافعي شعار الديموقراطية وممارسيها! إذ بحثنا فلم نجد سبباً واحداً مقنعاً من قبل رافضي هذا الملتقى، ومنهم – للأسف – نواب إسلاميون سلفيون رفضوا – وبشدة – انعقاد هذا الملتقى، لاحقتهم تغطية إعلامية تقليدية، وأيضا تويترية، فيسبوكية مكثفة (ما يسمى الإعلام الجديد) فلم تبق ولا تذر، مما أدى إلى انتباه عامة الناس إلى هذا الملتقى، فحركوا وألَّبوا الرأي العام ضده، متأثرين بما طرح من طرف الرافضين! وفي المقابل، كنا نتمنى على القائمين على إدارة ملتقى النهضة تفاعلهم الإعلامي الإيجابي بتبريرات واضحة وشفافة، تدحض كل الإشكالات وكل الشبهات التي أثيرت من حوله، وتحديداً كنا نتمنى لو أن السيد مصطفى الحسن – وهو مدير الملتقى – تواجد إعلامياً، وقام بهذا الدور، وهو ما لم يحصل، فرجحت كفة الميزان إعلامياً للطرف المعارض!
عموماً، هذه الضجة الإعلامية، التي أثارها معارضو هذا الملتقى لم تؤت أُكلها، فلا الملتقى ألغي عنوة، ولا الطرف الثاني تنازل عن حقه في عقد الملتقى، «وإن كان هناك اعتذار من بعض الضيوف من الخارج»، إلا أن الملتقى عقد في جمعية الخريجين بعد تبنيها له، وحولت الدعوة من خاصة إلى عامة، مستفيدة بذلك من الهالة الإعلامية المحيطة به، وبالتالي كانت كالدعاية المجانية أدت إلى توافد أعداد كبيرة من الشباب والضيوف «وممن لم يسمع بهذا المؤتمر من قبل» للحضور إلى فعاليات ملتقى النهضة، الذي أقيم تحت شعار «الدولة المدنية»! على أمل أن كلا من الطرفين قد استفاد فعلاً من نتائج ما حصل وتفاديها مستقبلاً! وهنا، نطرح سؤالاً جوهرياً ومهما – برأيي -: هل سنرى أزمة أخرى تولد من رحم هذه الأزمة المفتعلة؟ وهل ستتكرر الأزمة تلو الأزمة، لا لشيء سوى افتعال الأزمات؟! الإجابة – برأيي -: «نعم»!
*****************
ملتقى النهضة ومنهج الاستقواء بالسلطة
د. عبداللطيف الصريخ (جريدة الكويتية 24/3/2012)
بداية أحب أن أنبه أني لم أعرف مادار بملتقى النهضة، الذي ثارت حوله ضجة في الأيام الأخيرة، إلا من خلال ما تناوله الناس في تويتر، ولا أعرف منظميه عن قرب أو بعد، ولكني تفاعلت مع الحدث عندما بدأ الفريق المعارض لإقامته في الكويت بالاستقواء بالسلطة ووزارة الداخلية للحجر على التفكير بصوت عالٍ مسموع، في بلد يدعي أهله أن هناك دستورا يحكمهم، كما يدعون أنه أرض خصبة للحريات والتعبير عن الرأي، ولكنهم يمارسون عكس ذلك للأسف.
قلت ما سبق حتى أوضح أني لست أقف هنا مدافعا عن المؤتمر ذاته ولا عن المشاركين فيه أو المشرف العام عليه، العلامة الدكتور سلمان العودة، ولكني أقف هنا لأوضح مجموعة من النقاط في غاية الأهمية، غابت وقد تغيب عن أذهان الكثيرين، وهي:
إننا ضد نشر الفوضى والتخريب في دولنا بلا شك، ولكن هذا لا يعني ألا نسمح بتداول الأفكار التي لا نستسيغها، وليس هناك تلازم بين الفوضى والتخريب وتلاقح الأفكار المتعارضة التي قد لا نتوافق معها أصلا، لا في الأصول ولا في الفروع.
الفكر لا يقاوم بفوهة البندقية أبداً، بل لا بد من الحوار والنقاش وتداول الحجج، والانفتاح العقلي الذي يسمح لك أن تستمع للطرف المقابل، وألا تدعي لنفسك ولفكرك العصمة من الخطأ والزلل، وما قام به أحد أعضاء مجلس الأمة من تحريض وزير الداخلية على منع إقامة هذا الملتقى لا شك لدي أنه عملٌ مرفوض البتة، لأنه يؤسس لمنهجية القمع الفكري، وهو سلاح قد يستخدمه الآخر ضدي متى شاء، وهو أسلوب لا يبني دولة فيها مختلف الأطياف الدينية والمذهبية والفكرية والأيديولوجية.
الهجوم العنيف الذي قام به معارضو الملتقى لم يكن مبرراً، فقد انتقدوه لإشراف العلامة سلمان العودة، وفتحوا بعض ملفاته القديمة بطريقة مضحكة مبكية، كما لم يَرُقْ لهم أن يشارك السني والشيعي والليبرالي والملحد- على حد زعمهم- في نقاش مفتوح تمت دعوة وسائل الإعلام لحضوره ونقل فعالياته.
انتقدوا أن يكون الملتقى مغلقاً على فئة من الناس فقط، وكأنهم يلمزون من طرف خفي أن الملتقى سيطرح أفكاراً ستساهم في تقويض الأنظمة الحاكمة في الخليج، رغم أن عنوان الملتقى كان عن الدولة المدنية، الغاية والوسيلة، ومن حق أي أحد أن ينظم ملتقياته بشكل غير مفتوح للجمهور، وهذا لا يعني أبداً أن تلك الملتقيات سرية المضمون، ولكنه أسلوب متبع في كثير من دول العالم لحصر النقاش في تلك الملتقيات والمؤتمرات في المهتمين بمواضيعها.
تصريحات النائب محمد هايف كانت خطيرة، بعد أن قامت جمعية الخريجين الكويتية بتنظيم بعض المحاضرات التي كانت ستقام في ذلك الملتقى ضد أحد التيارات الإسلامية، وبأنهم يجاملون الليبراليين والشيعة، حيث وجه كلامه لهم بأنه لا مجاملة في الشريعة الإسلامية، وكأنه الوحيد الذي يدافع عن شرع الله، بينما الآخرون مقصرون!!
ما أكثر الحجج التي أضحكتني لمعارضي الملتقى تلك التي أوردوها بأن الملتقى يفسد علاقتنا بالشقيقة المملكة العربية السعودية، وأن المشاركين في الملتقى يسعون لهدم النظام هناك، وأنا أستغرب هنا من هذا الكلام القاصر والحجة الضعيفة وأقول لهم: أين وزارة الخارجية السعودية، أو على الأقل السفارة السعودية في الكويت عن الموضوع؟ فأنا لم أسمع أنه كان هناك أي اعتراض على عقده في المرتين السابقتين من قِبَل السلطات السعودية، كما أن مدير الملتقى وبعض المحاضرين فيه مواطنون سعوديون، وبإمكان السلطات هناك أن تتعامل معهم كيفما تريد، فلماذا يريد بعضهم أن يكون ملكيا أكثر من الملك.
أعيد وأكرر، أنا لا يعنيني قيام الملتقى من عدمه، ولكن أسلوب التعاطي معه لا أقبله أبداً في بلد نتغنى فيه ليل نهار أننا بلد الحريات.
************
ملتقى النهضة.. يتبرأ!
د. هيلة حمد المكيمي (النهار الكويتية)
بعد مقالي الأول بعنوان «ملتقى النهضة والتشكيك» وصلتني العديد من الاتصالات التي توضح طبيعة هذا الملتقى حيث ذكرت في مقالي ان الملتقى اخذ الطابع السياسي حيث سيطرت عليها ثلاثة تيارات سياسية منها التحالف الوطني وحدس والتكتل الشعبي، والحقيقة ان ملتقى النهضة الأساسي هو في الواقع عبارة عن جهود شبابية بحتة تحاول وتسعى لرفع الوعي الثقافي وليس لها لا من قريب ولا من بعيد علاقة بهذه التيارات السياسية التي سارعت في محاولة منها لسرقة جهود هؤلاء الشباب والتسلق على ظهورهم كالعادة، حيث تحول الملتقى لمادة إعلامية تعيشت عليها هذه التيارات، وهذا دليل على حالة الإفلاس الفكري التي تعيشها التيارات السياسية، فبدلا من إطلاق نموذج حواري حقيقي فيما بينها، سعت إلى الأسهل وهو سرقة جهود الآخرين.. ولهذا جاء رد إدارة الملتقى حاسما على تصريح جمعية الخريجين التي أقامت ملتقى بنفس اسم ملتقى الشباب بعد ان تعرض ملتقى الشباب للهجوم، ولهذا أصدرت إدارة ملتقى النهضة الشبابي بياناً «تتبرأ من مؤتمر جمعية الخريجين وتؤكد انه لا يمثلها وتجدد احترامها لقوانين وقرارات دولة الكويت».
ولهذا كان أجدر بجمعية الخريجين ان تتبنى ملتقى مختلفا وباسم مختلف وألا تقيمه بتصور مختلف عما كان عليه الملتقى الأصلي، وذلك حتى لا يتم تشويه الفكرة والاساءة لهؤلاء الشباب والزج بهم في أتون معارك سياسية، لم يكونوا يرغبون في خوضها.. بل هذا التسابق ما بين التيارات السياسية لخطف ثمار جهود هؤلاء الشباب تبين سواء عبر الصراع السلفي – الاخواني ومن ثم الاخواني- الليبرالي.
فقد جاء الهجوم الاول من النائب محمد هايف الذي هدد الحكومة في حال استمر قيام هذا المؤتمر، وبفعل ان سليمان العودة مدعو، قد يكون دافعا اساسيا لتحمس الاخوان المسلمين ،حيث اعتبر جمعان اعتراض هايف انه «تعريض لمخالفيه من الاسلاميين أمرا خطيرا والاخطر ان تختزل الشريعة بفهمه لها»، فمعارضي هذا الملتقى يعتقدون بان هناك من المشاركين من هم ضد الشريعة، وآخرون صهاينة، وآخرون وقفوا ضد الكويت ايام الغزو، ومنهم من هو ضد السعودية.
كما لم ينس السلف ان يهاجموا التحالف الوطني، ولهذا أعرب النائب خالد السلطان عن استغرابه بسماح جمعية الخريجين وهي واجهة التحالف الوطني بدعوة أحد المشاركين وهو يحمل جواز سفر الكيان الصهيوني.
وحدس سرعان ما باعت حلفاءها من التحالف الوطني وأكبر دليل ما قاله مبارك الدويلة الذي فضل مهاجمة التحالف على انتقاد هايف، ان هذا المؤتمر لم يكن في الأصل ضد الشريعة لكنه تحول الى ذلك بعد ان ألغى الملتقى الأصلي وتم تبنيه من جمعية الخريجين المعروفة بتوجهاتها الليبرالية حيث «جاءوا بليبراليين ألقوا أطروحاتهم وعملوا الملتقى بالطريقة التي يريدونها».. وان مؤتمر الخريجين يختلف من حيث الحضور والمحاضرين والعناوين والأهداف، في حين الملتقى الأصلي الذي كان من المفترض ان يقيمه سلمان العودة فنحن نؤيده بشدة في كل أطروحاته على الرغم من تسابق التيارات على هذا الملتقى، الا ان القائمين عليه يصرون بانهم يتبرون من كل هؤلاء..تبرؤ الشباب من تيارات تحاول الصعود على ظهورهم للتكسب المادي والسياسي.. خطوة في الطريق الصحيح.
*****************
الملتقى والتشكيك!!
د. هيلة حمد المكيمي (النهار الكويتية)
تابعت الاتهامات المتبادلة ما بين عدة اطراف على خلفية عقد ملتقى النهضة الثالث والذي على ما يبدو بادرة من قبل عدد من نشطاء السياسيين في الخليج وعلى الاخص السعودية، ثم قرأت بيان جمعية الدفاع عن حقوق الانسان، التي ادانت الهجمة الشرسة على حد تعبيرها مناشدة محتلف الجهات الرسمية للسماح بقيام هذا التجمع، كما جاء تصريح عدد من من النواب، لاسيما نواب الاخوان المسلمين للدفاع عن الملتقى وان الخلاف الفكري يكون بعد الاستماع لوجهات نظر مختلفه على حد تعبير النائب محمد الدلال.
اشكالية المتلقى على مايبدو والتي اثارت حفيظة عدد من الاطراف سواء كانت متشددة اسلامية من امثال النائب محمد هايف او بعض الكتاب من غير الاسلاميين من امثال الكاتب فؤاد الهاشم والذي رفع عدداً من التساؤلات عن الملتقى بحيث اطلق عليه بعض الاوصاف كملتقى ماسوني او نادي روتاري.. اعتقد ان تلك الاشكالية اتت كون غالبية المشاركين ينتمون الى تيارات سياسية اكثر من انتمائهم لجميعات نفع عام، بل ان التيارات السياسية انحصرت في التحالف الوطني والتكتل الشعبي او حركة الاخوان المسلمين.
و لهذا فان ارتفاع وتيرة التشكيك قد يكون بفعل فقدان مشاركة اي من الشخصيات المستقلة وغلبة التيارات السياسية والتي تعاني بدورها من حالة من انعدام الثقة مع الشارع الكويتي، فتواجد «حدس» بغالبية مقاعد النواب لا يعكس بالضرورة اتجاهات الناخب الكويتي بقدر ما يعكس رغبته باختيار النقيض للحكومة الماضية ، فالتصويت ردود افعال اكثر من كونه التزاما حزبياً.
يبقى ان نؤكد أن عملية التشكيك غير مبررة فنحن نعيش في مجتمع مفتوح ، ويجب ان تتسم غالبية تلك الانشطة بالشفافية والانفتاح والمصداقية والا تسعى لاهداف مختلفة او بعيدة عن تلك المعلنة وهذا باعتقادي ما هو حاصل في الكويت!!
************************************
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..