الأحد، 29 مايو 2016

سِوَايَ بِتَحْنَانِ الأَغَارِيدِ يَطْرَبُ = وَغَيْرِيَ بِاللَّذَّاتِ يَلْهُو وَيُعْجَبُ

هذه القصيدة للشاعر محمود سامي البارودي
----------------------
سِوَايَ بِتَحْنَانِ الأَغَارِيدِ يَطْرَبُ = وَغَيْرِيَ بِاللَّذَّاتِ يَلْهُو وَيُعْجَبُ


وَما أَنَا مِمَّنْ تَأْسِرُ الْخَمْرُ لُبَّهُ = وَيَمْلِكُ سَمْعَيْهِ الْيَرَاعُ الْمُثَقَّبُ

وَلَكِنْ أَخُو هَمٍّ إِذا ما تَرَجَّحَتْ = بِهِ سَوْرَةٌ نحَوْ َالْعُلاَ رَاحَ يَدْأَبُ

نَفَى النَّوْمَ عَنْ عَيْنَيْه نَفْسٌ أَبِيَّةٌ = لَها بينَ أَطْرافِ الأَسِنَّة مَطْلَبُ

بَعِيدُ مَناطِ الْهَمِّ فَالغَرْبُ مَشْرِقٌ = إِذَا مَا رَمَى عَيْنَيْهِ والشَّرْقُ مَغْرِبُ

لَهُ غُدُواتٌ يَتْبَعُ الْوَحْشُ ظِلَّها = وَتَغْدُو عَلى آثارِها الطَّيْرُ تَنْعَبُ

هَمَامَةُ نَفْسٍ أَصْغَرَتْ كُلَّ مَأْرَبٍ = فَكَلَّفَتِ الأَيَّامَ ما لَيْسَ يُوهَبُ

وَمَنْ تَكُنِ العَلْياءُ هِمَّةَ نَفْسِهِ = فَكُلُّ الَّذِي يَلْقَاهُ فيها مُحَبَّبُ

إِذا أَنا لَم أُعْطِ الْمَكارِمَ حَقَّها = فَلا عَزَّنِي خالٌ وَلا ضَمَّنِي أَبُ

وَلا حَمَلَتْ دِرْعِي كُمَيْتٌ طِمِرَّةٌ = وَلا دارَ في كَفِّي سِنانٌ مُذَرَّبُ

خُلِقْتُ عَيُوفاً لا أَرَى لابْنِ حُرَّةٍ لَدَيَّ يَداً أُغْضِي لَها حِينَ يَغْضَبُ

فَلَسْتُ لأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ مُتَوَقّعَاً وَلَسْتُ عَلى شَيءٍ مَضَى أَتَعَتَّبُ

أَسِيرُ عَلَى نَهْجٍ يَرَى النَّاسُ غَيْرَهُ لِكُلِّ امْرِئٍ في ما يُحاوِلُ مَذْهَبُ

وَإِنِّي إِذا ما الشَكُّ أَظْلَمَ لَيْلُهُ وَأَمْسَتْ بِهِ الأَحْلامُ حَيْرَى تَشَعَّبُ

صَدَعْتُ حِفافَيْ طُرَّتَيْهِ بِكَوكَبٍ مِنَ الرَّأْي لا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمُغيَّبُ

وَبَحْرٍ مِنَ الْهَيجَاءِ خُضْتُ عُبابَهُ وَلا عاصِمٌ إِلَّا الصَّفِيحُ المُشَطَّبُ

تَظَلُّ بِهِ حُمْرُ المَنَايا وَسُودُها حَواسِرَ في أَلْوَانِهَا تَتَقَلَّبُ

تَوَسَّطْتُهُ وَالْخَيْلُ بِالْخَيْلِ تَلْتَقِي وَبِيضُ الظُّبَا في الْهَامِ تَبْدُو وَتَغْرُبُ

فَما زِلْتُ حتَّى بَيَّنَ الْكَرُّ مَوْقِفِي لَدَى ساعَةٍ فيها الْعُقُولُ تَغَيَّبُ

لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتَّى أَتَى الليلُ وَالْتَقَى عَلَى غَيْهَبٍ مِنْ ساطِعِ النَّقْعِ غَيْهَبُ
كَذَلِكَ دَأْبِي في الْمِراسِ وَإِنَّنِي = لأَمْرَحُ في غَيِّ التَّصابِي وأَلْعَبُ

وفِتْيَان لَهْوٍ قَدْ دَعَوْتُ ولِلْكَرَى = خِباءٌ بِأَهْدَابِ الْجُفُونِ مُطَنَّبُ

إِلَى مَرْبَعٍ يَجْرِي النَّسِيمُ خِلالَهُ = بِنَشْرِ الْخُزَامَى والنَّدَى يَتَصَبَّبُ

فَلَمْ يَمْضِ أَنْ جاءُوا مُلَبِّينَ دَعْوَتِي = سِراعاً كَما وَافَى عَلَى الْماءِ رَبْرَبُ

بِخَيْلٍ كَآرَامِ الصَّرِيمِ وَرَاءَها = ضَوارِي سَلُوقٍ عاطِلٌ وَمُلَبَّبُ

مِنَ اللاءِ لا يَأْكُلْنَ زاداً سِوَى الَّذِي = يُضَرِّسْنَهُ وَالصَّيْدُ أَشْهَى وَأَعْذَبُ

تَرَى كُلَّ مُحْمَرِّ الْحَمالِيقِ فاغِرٍ = إِلَى الْوَحْشِ لا يَأْلُو وَلا يَتَنَصَّبُ

يَكَادُ يَفُوتُ الْبَرقَ شَدَّاً إِذَا انْبَرَتْ = لَهُ بِنْتُ ماءٍ أَوْ تَعَرَّضَ ثَعْلَبُ

فَمِلْنا إِلَى وادٍ كَأَنَّ تِلاعَهُ = مِنَ الْعَصْبِ مَوْشِيُّ الْحَبائِكِ مُذْهَبُ

تُرَاحُ بِهِ الآمَالُ بَعْدَ كَلالِها = وَيَصْبُو إِلَيْهِ ذُو الْحِجَا وَهْوَ أَشْيَبُ

فَبَيْنَا نَرُودُ الأَرْضَ بِالْعَيْنِ إِذْ رَأَى = رَبِيئَتُنَا سِرْباً فَقَالَ أَلا ارْكَبُوا

فَقُمْنَا إِلَى خَيْلٍ كَأَنَّ مُتُونَها = مِنَ الضُّمْرِ خُوطُ الضَّيْمَرَانِ الْمُشَذَّبُ

فَلَمَّا انْتَهَيْنا حَيْثُ أَخْبَرَ أُطْلِقَتْ = بُزَاةٌ وَجَالَتْ في المَقَاوِدِ أَكْلُبُ

فَما كَانَ إِلَّا لَفْتَةُ ُالْجِيدِ أَنْ غَلَتْ = قُدُورٌ وَفارَ اللَّحْمُ وَانْفَضَّ مَأْرَبُ

وَقُلْنَا لِساقِينَا أَدِرْها فَإِنَّما = قُصَارَى بَنِي الأَيّامِ أَنْ يَتَشَعَّبُوا

فَقامَ إِلَى رَاقُودِ خَمْرٍ كَأَنَّهُ = إِذَا اسْتَقْبَلَتْهُ الْعَيْنُ أَسْوَدُ مُغْضَبُ

يَمُجُّ سُلافاً في إناءٍ كَأَنَّهُ = إِذَا ما اسْتَقَلَّتْهُ الأَنَامِلُ كَوْكَبُ

فَلَمْ نَأْلُ أَنْ دَارَتْ بِنَا الأَرْضُ دَوْرَةً = وَحَتَّى رَأَيْنَا الأُفْقَ يَنْأَى وَيَقْرُبُ

إِلَى أَنْ تَوَلَّى الْيَومُ إِلَّا أَقَلَّهُ = وَقَدْ كادَتِ الشَّمْسُ الْمُنِيرَةُ تَغْرُبُ

فَرُحْنَا نَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً لِمنزلٍ = بِهِ لأَخِ اللَّذَّاتِ واللَّهْو مَلْعَبُ
مَسارِحُ سِكِّيرٍ وَمَرْبِضُ فاتِكٍ = وَمُخْدَعُ أَكْوابٍ بِهِ الخَمْرُ تُسْكَبُ

فَلَمَّا رآنا صاحبُ الدّارِ أَشْرَقَتْ = أَسارِيرُهُ زَهْواً وَجاءَ يُرَحِّبُ

وقَالَ انْزِلُوا يا بَارَكَ اللهُ فيكُمُ = فَعِنْدِي لَكُمْ ما تَشْتَهُونَ وَأَطْيَبُ

وَرَاحَ إِلَى دَنٍّ تَكَامَلَ سِنُّهُ = وَشَيَّبَ فَوْدَيْهِ مِنَ الدَّهْرِ أَحْقُبُ

فَما زالَ حتَّى اسْتَلَّ مِنْهُ سَبِيكَةً = مِنَ الخمرِ تَطْفُو في الإِنَاءِ وتَرْسُبُ

يَحُومُ علَيهَا الطَّيْرُ مِنْ كُلِّ جانِبٍ = وَيَسْرِي عَلَيْهَا الطّارِقُ الْمُتَأَوِّبُ

فَيا حُسْنَ ذاكَ اليومِ لَوْ كانَ باقياً = ويا طِيبَ هَذا الليلِ لَوْ دامَ طَيِّبُ

يَوَدُّ الْفَتَى ما لا يَكُونُ طَمَاعَةً = وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الدَّهْرَ بِالنَّاسِ قُلَّبُ

وَلَوْ عَلِمَ الإنْسَانُ ما فِيهِ نَفْعُهُ = لأَبْصَرَ ما يَأْتِي وَمَا يَتَجَنَّبُ

وَلَكِنَّها الأَقْدَارُ تَجْرِي بِحُكْمِها = عَلَيْنَا وَأَمْرُ الْغَيْبِ سِرٌّ مُحَجَّبُ

نَظُنُّ بِأَنَّا قادِرُونَ وَأَنَّنا = نُقادُ كَمَا قِيدَ الْجَنِيبُ وَنُصْحَبُ

فَرَحْمَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى امْرِئٍ = أَصَابَ هُداهُ أَو دَرَى كَيْفَ يَذْهَبُ

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..