دولة بني أمية والسنة النبوية [الجزء الأول]
تحتل السنة النبوية منزلة عظيمة في نفوس المسلمين فهي مصدر التشريع
الثاني والمبينة للمصدر الاول ( القرآن العظيم ) والشارحة له كما قال تعالى
﴿وَأَنزَلنا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِم
وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ﴾ [النحل: ٤٤]
ولذا لا يمكن فهم الإسلام فهمًا صحيحا بعيدا عن السنة ومن هنا كثرت سهام
الفرق المنحرفة قديما وحديثا نحوها لإضعاف هيبتها في النفوس بإيراد الشبه
عليها .ومن هذه الشبهات القديمة الحديثة ادِّعاء أن الأحاديث النبوية هي من وضْع الدولة الأموية التي أشرفت على تدوين الحديث النبوي وحرصت على تدعيم سلطانها وإضفاء المشروعية الدينية عليه ، وإقصاء شيعة آل البيت ،واستعمال العلماء الموالين لهم ،كأبي هُريرة والزهري في وضع الأحاديث ،حيث اتُّهِم الزهري الذي أشرف على عملية تدوين جانب كبير من السنة بمجاملة بني أمية ،وإجازتهم بأحاديث وضعوها ، فقد جاءه رجل منهم يقال له إبراهيم بن الوليد وعرض عليه كتابا وقال ( أحدث بهذا عنك يا أبا بكر ؟) قال له (إي لعمري ، فمن يحدثكموه غيري ؟!) وأنه وضع حديث لا تشد الرحال ، لصرف الناس عن الحج اثناء صراع عبد الملك مع ابن الزبير ! حتى أن الزهري اعترف بذلك فقال – على حد زعمهم – ( إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة أحاديث ) !
وقد أسس لهذه الشبهة :المستشرق اليهودي جولد تسيهر والذي تعد كتاباته مرجعا هاما للمستشرقين في العصر الحديث ،وتأثر به كثير من الذين يُخدعون بالبحث العلمي والموضوعية المتوهَّمة عند هؤلاء المستشرقين كالأستاذ أحمد أمين صاحب كتاب :فجر الإسلام ،والدكتور محمود ابو رية صاحب كتاب : أضواء على السنة ، وغيرهما .
وقبل أن نجيب عن هذه الشبهات لا بد أن ننطلق من أصل ثابت ، وهو أن السنة من الذِّكر الذي تكفل الله بحفظه كما في قوله تعالي ﴿إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ﴾
[الحجر: ٩]
والسنة من الذكر كما قال تعالى ﴿وَأَنزَلنا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ﴾
[النحل: ٤٤]
يؤكده :أن الله تعالى أمر بالرد إليه تعالى وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم عند موارد النزاع ، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته :هو الرد إلى سنته ، فضلا عن عشرات الآيات التي تأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن المحال أن يحيلنا الله تعالى على أصل يعلم زواله أو تحريفه بالكلية كما يزعم المغرضون ، فإنهم يزعمون أن أصح الكتب التي بأيدينا قد تأثرت بأهواء الساسة والملوك ووضعها الرواة نفاقا ومجاملة لهم فكيف بما دونها من الكتب ؟!
إن هذا المسلك يؤدي إلى إلغاء اعتبار السنة النبوية التي هي بمنزلة القرآن – تشريعا لا تشريفا – كما في الحديث ” ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه “1فهي مبينة لمجمله ،ومخصصة لعامة ،ومقيدة لمطلقه ،وتستقل بالتشريع ،علي ما هو مبين في كتب أصول الفقه .
يمكننا أن نطرح ثلاثة أسئلة تكشف عن عدم موضوعية هذه الدعوى وتهافتها
– هل كان بنو أمية بهذا السوء ، بل النفاق حتى يأمروا العلماء بالكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ؟
– هل كان العلماء حينها- وفيهم بعض الصحابة – بهذا الضعف وهذا النفاق حتى يطاوعوهم في ذلك جميعا دون إنكار من واحد منهم ؟
-لماذا لم يتم تدارك الأمر بعد زوال حكم بني أمية وانتقاله الى خصومهم العباسيين عام ١٣٢ من الهجرة ؟
وإليك التفصيل
– بنو أمية في ميزان العدل
تعرض تاريخ بني أمية لِكَمٍ هائل من التشويه والأكاذيب وتضخيم السلبيات وإغفال الإيجابيات ،وهذا نتاج كتابة أغلب التاريخ في زمن خصومهم العباسيين، والتاريخ يكتبه المنتصر – كما يقولون – وامتلأت كتب الأدب والتواريخ بأخبار كثيرة وتناقلها الناس دون تحقيق وتمحيص وقد ساهمت في رسم صورة ذهنية غير حقيقية عن طبيعة دولة بني أمية .
– فضل معاوية – رضي الله عنه – مؤسس الدولة الأموية –
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه صحابي جليل وأحد كَتَبَة الوحي للنبي صلي الله عليه وسلم ،وخال المؤمنين وأميرهم ،أسلم قبل فتح مكة وقت عمرة القضاء وأخفى إسلامه الى فتح مكة2 وحسن إسلامه بالاتفاق ، روى عنه كثير من الصحابة كابن عباس وجرير والنعمان بن بشير ومن التابعين ابن المسيب وعروة بن الزبير وابن سيرين وغيرهم ، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب ) [رواه أحمد من حديث العرباض بن سارية ( 17202 ) ، وصححه بشواهده الألباني في السلسلة الصحيحة ( 3227 ) ] وكان عاقلا في دنياه حاكما قويا جيد السياسة تحبه رعيته واجتمعوا عليه، مشهورا بالحلم والكرم والرأي والحزم ، يقول شيخ الاسلام رحمه الله “فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خير من معاوية إذا نسبت أيامه إلي أيام من بعده أما إذا نسبت أيامه إلي أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل “وقال أيضا “ومعاوية ممن حسن إسلامه باتفاق أهل العلم . ولهذا ولاه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – موضع أخيه يزيد بن أبي سفيان لما مات أخوه يزيد بالشام ، وكان يزيد بن أبي سفيان من خيار الناس ، وكان أحد الأمراء الذين بعثهم أبو بكر وعمر لفتح الشام : يزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، وعمرو بن العاص ، مع أبي عبيدة بن الجراح ، وخالد بن الوليد ، فلما توفي يزيد بن أبي سفيان ولى عمر بن الخطاب معاوية مكانه ، وعمر لم يكن تأخذه في الله لومة لائم ، وليس هو ممن يحابي في الولاية ، ولا كان ممن يحب أبا سفيان أباه ، بل كان من أعظم الناس عداوة لأبيه أبي سفيان قبل الإسلام ، حتى إنه لما جاء به العباس يوم فتح مكة كان عمر حريصا على قتله ، حتى جرى بينه وبين العباس نوع من المخاشنة بسبب بغض عمر لأبي سفيان . فتولية عمر لابنه معاوية ليس لها سبب دنيوي ، ولولا استحقاقه للإمارة لما أمره . “مختصر منهاج السنة (١/٢٩٧)
وقد قاد أول حملة بحرية شبه الرسول صلي الله عليه وسلم قادتها بالملوك على الأسرة فعن أم حرام رضي الله عنها مرفوعا ( ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة ) 3 وبتوليه حصل الاجتماع وقويت الشوكة وامتدت بلاد المسلمين شرقا وغربا ولولا الفتنة التي جرت بينه وبين علي وأصحابه لما ذكره أحد إلا بخير
. موقفه من علي رضي الله عنهما
لم يكن معاوية رضي الله عنه يشك في فضل علي رضي الله عنه عليه قال ابن كثير: “وقد ورد من غير وجه: أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل، وأحق بالأمر مني ” البداية والنهاية لابن كثير 8/132، ونقل ابن كثير أيضاً عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال: “لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم”.المصدر نفسه 8/133.
ولم يثبت بسند صحيح سب معاوية لعلي رضي الله عنهما .قال القرطبي رحمه الله تعالى: “يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبّه، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين، والحلم وكرم الأخلاق، وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح ، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج ما عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن، وعرف الحق لمستحقه” وهو يشير إلي ما رواه مسلم في صحيحه “باب فضائل علي” عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: “أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسُبَّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلن أسُبّهُ ، لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حُمر النَّعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له وخلّفه في مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله، خلَّفْتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوّة بعدي) وسمعته يقول يوم خيبر: (لأُعْطينَّ الراية رجلاً يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله) قال: فتطاولنا لها فقال: (ادعوا لي علياً)فأُتي به أرْمَد فبصق في عَيْنه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه، ولمّا نزلت هذه الآية: {قل تعالوْا ندعُ أبْناءنا وأبْناءَكم…}، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحُسيناً فقال: (اللهم، هؤلاء أهلي)”. 4
وجوابه أن يُقال: هذا الحديث لا يفيد أن معاوية أمر سعداً بسبِّ عليّ، ولكنه كما هو ظاهر فإن معاوية أراد أن يستفسر عن المانع من سب عليّ، فأجابه سعد عن السبب، ولم نعلم أن معاوية عندما سمع رد سعد غضب منه ولا عاقبه، وسكوت معاوية هو تصويب لرأي سعد، ولو كان معاوية ظالماً يجبر الناس على سب عليّ كما يدّعي الشيعة ومن تابعهم ، لما سكت على سعد ولأجبره على سبّه، ولكن لم يحدث من ذلك شيءٌ ، فعُلم أنه لم يؤمر بسبّه ولا رضي بذلك .
قال النووي شارحًا هذا الحديث : ” قول معاوية هذا، ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب، كأنه يقول : هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك. فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب، فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك، فله جواب آخر، ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبّون، فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم، فسأله هذا السؤال. قالوا: ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتُظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ”، شرح صحيح مسلم (15/175).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله “ولم يكن معاوية قبل تحكيم الحكمين يدعي الأمر لنفسه ولا يتسمى بأمير المؤمنين بل إنما ادعى ذلك بعد حكم الحكمين، وكان غير واحد من عسكر معاوية يقول له : لم ذَا : تقاتل عليا وليس لك سابقته ولا فضله ولا صهره وهو أولى بالأمر منك ؟ فيعترف لهم معاوية بذلك . لكن قاتلوا مع معاوية لظنهم أن عسكر علي فيه ظلمة يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان وأنهم يقاتلون دفعا لصيالهم وقتال الصائل جائز ” ( مختصر منهاج السنة ١/٢٩٨)
وقد روى مسلم في صحيحه وأحمد وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( تفترق أمتي فرقتين فتمرق بينهما مارقة فيقتلها أولى الطائفتين بالحق ) وهو يدل علي أن طائفة معاوية معها حق ولكن الأخري أقرب للحق .
وإنما أطلت في هذا -نسبيا -لكون سب معاوية والطعن فيه مدخل عامة أهل البدع والإنحراف سواء من الروافض والمعتزلة قديما والمستشرقين وأذنابهم حديثا .
وَمِمَّا سبق يتبين لنا كذب الروايات التي تقول أن معاوية أوصي المغيرة بن شعبة قائلا ( لا تهمل في أن تسب عليا وأن تطلب الرحمة لعثمان وأن تسب أصحاب علي وأن تضطهد من أحاديثهم وأن تمدح أصحاب عثمان وأن تقربهم وتسمع إليهم ) وهي الرواية التي يذكرها ( جولد تسيهر ) مستدلا بها علي دعواه بوضع بني أمية للأحاديث ! .
إن أصل العبارة كما رواها الطبري: “لا تُحجِم عن شتم عليِّ وذريته، والترحم على عثمان والاستغفار له، والعيبِ على أصحاب عليِّ والإقصاء لهم، وتركِ الاستماع منهم، وإطراءِ شيعةِ عثمان، والإدناء إليهم والاستماعِ منهم ” فانظر كيف حرَّف هذا المستشرق الموضوعي كما يتصور كثير من المغرورين ، لإثبات مزاعمه لفظ: “والإقصاء لهم” وبدَله إلى لفظ “وتضطهد من أحاديثهم” فإن كلمة من أحاديثهم، لا وجود لها في أصل النص، لإثبات مزاعمه ، وانظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص٢٠٤. هذا فضلا عن كون الرواية باطلة ، فإن مدار الخبر علي أبي مخنف وهو شيعي كذاب قال فيه أبو حاتم “متروك الحديث ” وقال الدار قطني “إخباري ضعيف ” وقال ابن عدي “شيعي محترق”انظر: مرويات ابي مخنف في تاريخ الطبري للدكتور يحيى اليحيى ، فكيف يستدل بمثل هذا الرجل علي مثل هذا ؟!
--------------------------
دولة بني أمية والسنة النبوية [الجزء الثاني]
10 أغسطس 2016
#مركز_سلف_للبحوث_والدراساتانتهينا في المقال السابق عند بيان حال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاح في نفسه وحسن ولايته لرعيته، وفي هذا الجزء من المقال نتحدث عن حال الملوك من بني أمية بعده وحال العلماء معهم :
حال ملوك بني أمية بعد معاوية:
فلا شك أن حالهم كان أقل من ذلك ،ونحن لا نقول إنها كانت خلافة راشدة ، بل هناك أخطاء وظلم ، وأعظم ما نقمه الناس على بني أمية شيئان :أحدهما :تكلمهم في علي ، والثاني :تأخير الصلاة عن وقتها ،إضافة إلى المظالم التي وقعت من بعض ولاتهم ، كالحجاج وعبيد الله بن زياد ،وغيرهم ، ونحن ننكرها ولا نقرها ،مع العلم بأن سلطان التأويل في مثل هذه الفتن بالحفاظ على الدولة وتماسكها ومنع الفتن فيها ، حاضر ، ومع ذلك لم يتهمهم أي من خصومهم بوضع الأحاديث والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكثر ما يروى من الأكاذيب والمبالغات مأخوذ من المستشرقين الحاقدين على الإسلام وتاريخه ،خاصة الدولة الأموية التي أدخلت الإسلام بلادهم وأخذت كثيرا من ملك الدولة الرومانية الشرقية والغربية، وهم يعتمدون على الروايات الشيعية الملفقة ،والموجودة في بعض كتب التاريخ ، وتكفي هذه الشهادة الإجمالية من ابن حزم رحمه الله وقد قالها بعد انقضاء آخر معاقل الدولة الأموية في الأندلس وبدأ عصر ملوك الطوائف فقال :”فسار منهم – من بني أمية – عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس وملكها هو وبنوه ،وقامت بها دولة بني أمية ثلاثمائة سنة ،فلم يك في دول الإسلام أنبل منها ولا أكثر نصرا على أهل الشرك ولا أجمع لخلال الخير “رسائل ابن حزم ٢/ ١٤٦.
بل تدل الروايات على وجود حرية الانتقاد والإنكار ، وأن الاستبداد عند الأمويين كان مصروفا للحفاظ على سلطانهم – كما يقول رشيد رضا في تفسيره ( ٢/٢٠٤) – وقد وردت أخبار صحيحة تدل على وجود الإنكار من الصحابة والتابعين لِمَا استنكروه من أعمال بني أمية وهذا ينقلنا لجواب السؤال الثاني
– حال العلماء زمن بني أمية ؟
تأمل أخي الكريم هذه الأحاديث وهي تعطيك صورة مقاربة لطبيعة تعامل العلماء مع حكام بني أمية قال البخاري رحمه الله في “صحيحه ” بَابُ الخُرُوجِ إِلَى المُصَلَّى بِغَيْرِ مِنْبَرٍ ” ثم روى عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ ، وَيُوصِيهِمْ ، وَيَأْمُرُهُمْ ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا : قَطَعَهُ ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ : أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ ” قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ” فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ – وَهُوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ – فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا المُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ، فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ ، فَجَبَذَنِي ، فَارْتَفَعَ ، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ ، فَقُلْتُ لَهُ : غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ، فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ: قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ ، فَقُلْتُ : مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لاَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ ) .وعند مسلم ( فقام إليه رجل فقال : الصلاة قبل الخطبة ومد بها صوته )
فتأمل هذا كيف أن رجلا انتقد هذا الأمر مع أن مروان صنعه بتأويل، وتأمل فعل أبي سعيد ورد فعل مروان على كل هذا ؟!
– روى البخاري من حديث سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ، فَنَزَعْتُهَا وَذَلِكَ بِمِنًى، فَبَلَغَ الحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ، فَقَالَ الحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَنْتَ أَصَبْتَنِي» قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: «حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الحَرَمَ وَلَمْ يَكُنِ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ» .
ومن ذلك إنكار الصحابة على من خطب جالسا من بني أمية ، فعن كعب بن عجرة :أنه دخل المسجد وعبدالرحمن بن أم الحكم – والي معاوية على الكوفة – يخطب قاعدًا ، فقال :”انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدًا وقال الله تعالي {وإذا رأوْا تجارة أو لهوا انفضّوا إليها وتركوك قائما }) رواه مسلم .وإنكار عمارة بن رويبة على بشر بن مروان لما رَآه على المنبر رافعا يديه في الدعاء وقال “قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيديه هكذا ويشير بأصبعه السبابة “رواه مسلم .
ومن ذلك إنكار أبي هُريرة رضي الله عنه على مروان في التصوير ، فعن أبي زرعة قال: “دخلت مع أبي هريرة في دار مروان، فرأى فيها تصاوير، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة) “متفق عليه وروى البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال أخبرني جدي قال:”كنتُ جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعنا مروان ،قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: (هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش)، وفي رواية: (غلمة سفهاء) فقال أبو هريرة: “لو شئت أن أقول بني فلان، وبني فلان لفعلت”، وكان ذلك كما قال الحافظ في الفتح في زمن معاوية رضي الله عنه، وفي ذلك تعريض ببعض أمراء بني أمية ،فهل يتصور أن يضع لهم الأحاديث مجاملة ونفاقا أو كرها في شيعة علي وأهل البيت وهو من روى أحاديث فضائلهم ؟!
إعداد اللجنة العلمية بمركز سلف للبحوث والدراسات [تحت التأسيس]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..