جدول المحتويات
-مقدمة
أولاً : رؤية المملكة العربية السعودية 2030
-مرتكزات الرؤية
-برامج الرؤية
-سياسات و توجهات الرؤية
ثانياً : قراءة نقدية للرؤية
-إرادة التغيير مطلب للجميع
-استبدال النفط في باطن الأرض باستثمارات أجنبية
-أرامكو و النفط السعودي في باطن الأرض
-بيع جزء من شركة أرامكو السعودية
-إنشاء شركات مساهمة سعودية للنفط و الغاز تنافس شركة أرامكو
-الإنسان السعودي العمود الفقري و القاعدة الأساسية للتنمية الاقتصادية
-المرأة
-الفقر
-ضريبة الدخل على الأثرياء و على الثروات
-المياه
-النمو السكاني
-البطالة و العلاج غير الناجع – السعودة
-التطور السياسي و الاجتماعي شرط للتطور الاقتصادي
-القوى العاملة الأجنبية ودورها في تنفيذ برامج الرؤية 2030
-الفساد الإداري و المالي
-التطور و التنمية و الفقه الوسطي
مقدمة
قبل النفط الذي اكتشف عام 1938 ميلادية عاش آباؤنا وأجدادنا في شبه الجزيرة العربية يعملون ويكدحون في الرعي والزراعة في واحات وقرى المملكة وصحاريها، تجاراً و عمالاً. سيروا القوافل التجارية إلى العراق والشام ومصر(العقيلات)، وعملوا في الغوص في أعماق البحر في الخليج العربي والبحر الأحمر ، وعملوا في الزراعة والبناء وغيرها.
كانت بلادنا فقيرة بمواردها ولكنها غنية بسواعد رجالها و نسائها، عمل دؤوب وجهد متواصل لتأمين لقمة العيش الحرة الكريمة.
جاء طوفان النفط الذي اكتشف عام 1938 م وبدأ الإنتاج والتصدير بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م، فأغرقنا جميعا حكومة و شعباً، تعثرت الدولة مالياً في عام 1957م عندما أنفقت أكثر مما لديها من المال وأوشكت على الإفلاس، لكنها لملمت أمورها وأصلحت ميزانيتها، وعاودت مسيرة الإنفاق بانتظام بمساعدة فنية ومالية من الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت عيونها على النفط تحت الأرض وليس الإنسان على سطح الأرض.
في عام 1970م أي قبل 46 عاماً وضعت المملكة العربية السعودية من خلال وزارة التخطيط الخطة الخمسية الأولى للتنمية الاقتصادية ( 1970-1975م)، وكانت أهدافها ثلاثة هي:
"(1) زيادة معدل الإنتاج المحلي (2) تطوير الموارد البشرية لتتمكن عناصر المجتمع المختلفة من زيادة مساهمتها الإنتاجية وتمكينها من المشاركة الكاملة في عملية الإنتاج، (3) تنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على البترول عن طريق زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى في الإنتاج المحلي الإجمالي". هدف زيادة الإنتاج المحلي الإجمالي (GDP)، تجده مقدمة لأي خطة وفي أي دولة لكن مربط الفرس وجوهرة الأهداف هو الهدف الثاني للخطة أي "تطوير الموارد البشرية لتتمكن عناصر المجتمع المختلفة من زيادة مساهمتها الإنتاجية و تمكينها من المشاركة الكاملة في عمليه الإنتاج". الهدف الثالث تنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على البترول تجده أيضا في كل خطط المملكة التسعة.
في أكتوبر عام 1973م، أي في منتصف الخطة الخمسية الأولى (1970-1975م)، اندلعت ثورة أسعار النفط بسبب قرار أوبك حظر تصدير البترول لأمريكا وهولندا ، لموقفهما العدائي من مصر في حرب أكتوبر 1973م، ودعمهما لإسرائيل. تضاعف سعر برميل النفط أربع مرات من ( 3,6) دولار للبرميل في أوائل عام 1973م إلى (12) دولاراً للبرميل في نهاية 1974م. ارتفاع أسعار النفط أدى إلى مضاعفة إيرادات الدولة من دخل البترول.
في هذه الحقبة التاريخية التي كنت شاهداً عليها وأنا في وزارة المالية كانت هناك مدرستان فيما يتعلق برسم إستراتيجية للتنمية الاقتصادية بالمملكة. المدرسة الأولى يرأسها ولي العهد آنذاك المرحوم الملك فهد بن عبد العزيز، ومعالي الأستاذ أحمد زكي يماني وزير البترول، والمرحوم معالي الأستاذ هشام ناظر وزير التخطيط. وكان الفكر الذي تتبناه هذه المدرسة هو زيادة حجم الإنفاق الحكومي في المشاريع والصناعات البتروكيماوية وغيرها أولاً وتطوير القوى البشرية ثانياً. أما الفكر التنموي لدى المدرسة الثانية فكان على رأسه المرحوم الأمير مساعد بن عبد الرحمن وزير المالية ومعه معالي الأستاذ محمد أبا الخيل نائب وزير المالية آنذاك، فكان يقوم على التوازن في الإنفاق الحكومي والتركيز على القوى البشرية والخدمات المساندة لها أولاً والمشاريع الكبرى ثانياً.
في الخطة الخمسية الأولى (1970-1975م) كان صوت المدرسة الثانية (التوازن في الإنفاق) عالياً، لذا كان التركيز على تطوير القوى البشرية أولاً. الفريق الأول الذي تقوم إستراتجيته التنموية على المشاريع أولاً وتطوير القوى البشرية ثانياً، وجد في زيادة الإيرادات الحكومية بعد ارتفاع أسعار النفط مبرراً وحافزاً ووسيلة لدعم زيادة الإنفاق أولاً، لذا تضاعف الإنفاق الحكومي في الخطة الخمسية الثانية (1975-1980م) تسع مرات مقارنة بالخطة الأولى. هذه الطفرة في الإنفاق على المشاريع كان لها الأولوية على تهيئة القوى العاملة الوطنية تقنياً ومهنياً للمساهمة الحقيقية في مشاريع التنمية الاقتصادية وصناعاتها المتطورة. وقد أدى ذلك إلى ضرورة فتح الباب على مصراعيه من جانب الدولة لاستقدام العمالة الأجنبية لتشغيل وإدارة هذه المشاريع والمصانع ذات التقنية العالية، إلى جانب تدفق العمالة الخدمية التي تزايدت أعدادها أيضا بسبب ارتفاع الدخل الفردي و زيادة أرباح القطاع الخاص من الإنفاق الحكومي.
توالت الخطط الخمسية الواحدة تلو الأخرى حتى التاسعة (2010-2015م) وهي على نفس المنوال، الأولوية للمشاريع على تطوير ورفع القدرات العلمية والتقنية للقوى العاملة الوطنية.
اقتصادنا اليوم يمكن وصف حاله بما يلي:
أ- اقتصاد يعتمد بنسبة عالية على النفط كمصدر رئيسي لإيرادات الدولة حيث تتجاوز 90% في ميزانية العام الحالي 2016 م.
ب- اقتصادنا يعتمد بشكل أساسي على الإنفاق الحكومي لإدارة عجلته في الإنتاج والاستهلاك سواء بالنسبة للقطاع العام أو بالنسبة للقطاع الخاص. الكل بلا استثناء عينه على ميزانية الدولة، والكل يشرب من هذا الينبوع الحكومي بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذا الينبوع مصدره بئر بترول ستجف يوماً أو يصبح سعر بترولها بخساً.
ج- اقتصاد يأوي عدداً هائلاً من العمالة الأجنبية الماهرة وغير الماهرة، لم تأتِ من ذاتها بل جاءت بطلب منا، طلب فرضته منهجية التنمية الاقتصادية للدولة القائمة على المشاريع و التقنية العالية أولاً، وإعداد القوى العاملة الوطنية ثانياً.
باختصار شديد ، اقتصادنا يقوم أساساً على الإنفاق الحكومي الذي هو بدوره يعتمد أساساً على إيرادات النفط. القطاع الخاص يعيش بشكل كبير على مشاريع الدولة و إنفاقها .الدولة توسعت في الإنفاق الاستهلاكي وكذلك القطاع الخاص والمواطنون. الدولة تحصل على دخلها من استخراج النفط دون عناء وجهد كبير، والمواطنون ومعظمهم من موظفي القطاع العام إنتاجيتهم أقل بكثير من رواتبهم ورجال الأعمال أرباحهم أكثر بكثير من جهدهم ومخاطرهم.
صورة غير مطمئنة، مزعجة، مقلقة، تراءت لي منذ زمن وكتبت عنها مقالات عدة منها "لكي لا نقع في الهاوية صحيفة الشرق السعودية 10/3/2014 م " و كتاب بعنوان (أزمة مالية في طور التكوين،المملكة العربية السعودية الإيرادات والمصروفات، ماكملان 2013م ) اعتمدت فيه على التحليل الإحصائي لسنوات ماضية وقادمة ووصلت إلى نتيجة مفادها :"إننا إن بقينا على نفس الدرب سائرين فإننا لا محالة متجهون نحو أزمة مالية كبرى. وقلت أنه لابد من هيكلة جوهرية جذرية للاقتصاد السعودي، أوضحت معالمها في الفصل الأخير من الكتاب، وقلت إنه لا يمكن تحقيق هذه الهيكلة ذات الأبعاد الاقتصادية والسياسية والإدارية إلا بوجود إرادة سياسية عليا من صاحب القرار الأول ملك البلاد. إرادة تعمل على بناء إستراتيجية للتنمية الاقتصادية على أسس ومنهجية علمية وطنية، وإتباعها بخطة تنفيذية واضحة".
في منتصف 2015م، وبداية 2016م كانت هناك عاصفة تنبئ عن إرادة سياسية، لبناء إستراتيجية اقتصادية ، في البداية ظننتها من ما ذكر عنها في الصحف الأجنبية والمحلية، إنها تهيئة للخطة الخمسية العاشرة (2016-2020م) ، لكنه بدا لي من خلال مقابلات سمو ولي ولي العهد ورئيس المجلس الاقتصادي الأمير محمد بن سلمان مع بلومبرج والايكونومست وغيرهما، و أخيراً مقابلته مع تلفزيون أم بي سي، وما أعقبه من لقاء مع الصحفيين، أننا أمام عمل ضخم هو (رؤية المملكة العربية السعودية2030).
(الرؤية2030) كإرادة سياسية جازمة عازمة على إحداث تغيير جوهري لبناء قاعدة إنتاجية للاقتصاد السعودي لمنع أزمة مالية قادمة مطلب تنشده جميع شرائح المجتمع من مثقفيه وموظفيه من رجاله ونسائه، تطلبه لأنها تشعر أن الأرض التي تقف عليها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ليست صلبة ثابتة أمام عالم يسير بسرعة فائقة ومتغيرات طالت جميع جوانب الحياة الفردية والمجتمعية ونحن في وضع أقرب ما يكون إلى السكون. لذا قوبلت ثورة الحزم والعزم و التغيير الجوهري بردة فعل إيجابية من معظم الناس.
(الرؤية 2030) لا تحتاج إلى إعلاميين طبولهم أكبر من عقولهم و فكرهم إلى المديح أقرب منه إلى التحليل ، الرؤية تحتاج إلى فكر نقدي Critical Thinking وتحليل علمي وطني. فكر يقدم رأياً ولا يدعي احتكار الحقيقة، فكر إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران. وهذا ما ظننت أني فاعله في هذه الورقة.
بهذه المقدمة عن وضعنا الاقتصادي أعود إلى موضوعي "رأي في الرؤية 2030 " بهذا التسلسل :
أولاً : موجز عن الرؤية ومكوناتها.
ثانياً : قراءة تحليلية نقدية للرؤية .
أولاً: رؤية المملكة العربية السعودية 2030
لقد خطط للرؤية أن تأخذ وجها إعلامياً دولياً، وذلك من خلال المقابلات التي خص بها ولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية سمو الأمير محمد بن سلمان وراعى هذه الرؤية صحيفة بلومبرج Bloomberg التي نشرت تقريراً مفصلاً عن المقابلة بتاريخ 21 ابريل 2016 م ، وجريدة الايكونوميست Economist التي نشرت مقالاً بهذا الخصوص في عددها الصادر في 30 ابريل 2016 ص33،ص34.
ورغم اهتمامي بما نشر في هذين المصدرين اللذين أتيح لهما قبل الكل الجلوس وجهاً لوجه مع سمو ولي ولي العهد، إلا أن اعتمادي في تحليل مضامين الرؤية كان على الوثيقة الصادرة من مجلس الوزراء بخصوص الموافقة على الرؤية والبيان التفصيلي المرفق معها والتي نشرت في الصحف السعودية، وعلى مشاهدتي ومتابعتي للقاء سموه مع قناة MBC ولقائه مع مندوبي الصحافة السعودية والعالمية.
مرتكزات الرؤية :
تقوم الرؤية على ثلاثة مرتكزات أساسية أسمتها الرؤية عوامل النجاح :
الأول : وجود الحرمين الشريفين .
الثاني: قدرات استثمارية ضخمة
الثالث : موقع جغرافي إستراتيجي
برامج الرؤية:
على هذه المرتكزات الثلاثة، أو عوامل النجاح بنيت المشاريع و البرامج التي تقوم عليها الرؤية و تتمثل في:
1. تحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى أكبر صندوق سيادي في العالم Sovereign Fund برأس مال قدره 2 تريليون دولار أمريكي، يؤسس على أصول وموجودات صندوق الاستثمارات العامة PIF يضاف إلى ذلك عوائد بيع أقل من 5% من أصول شركة أرامكو المقدرة بحوالي 3 مليارات دولار أمريكي، إضافة إلى أصول الدولة من الأراضي وأسهم الشركات وغيرها. و سوف يتم استثمار أموال الصندوق في استثمارات أجنبية وداخلية تدر دخلاً للدولة، ليحل محل الدخل من البترول. وتهدف الرؤية إلى الاستغناء عن النفط كمورد رئيسي لإيرادات الدولة عام 2020 م ، كما ورد في حديث سموه.
2. زيادة القدرة الاستيعابية للحج والعمرة، وتعديل الإجراءات البيروقراطية والإدارية، وكذلك منح التأشيرات بهدف رفع عدد المعتمرين من (8) مليون في 2015م إلى (15) مليون معتمر في عام (2020م) وإلى (30 مليون ) في عام (2030م).
3. تحويل شركة أرامكو من شركة لإنتاج النفط والغاز إلى عملاق صناعي يعمل في جميع أنحاء العالم وتستثمر في المجالات الصناعية والبتروكيماوية، والتكرير والنقل، وغيرها من الصناعات المصاحبة عالمياً.
4. استغلال الموقع الإستراتيجي للمملكة العربية السعودية من أجل تطوير التجارة الدولية بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وجعل المملكة قاعدة لوجستية عالمية تصبح من خلال ذلك مركزاً رئيسياً للتجارة العالمية، ويدخل في ذلك بناء الجسر الذي يصل المملكة بجمهورية مصر العربية وهذا سوف يؤدي إلى زيادة الدخل الحكومي من التعرفة الجمركية.
5. فتح مجال أرحب للقطاع الخاص ليكون شريكا للحكومة وذلك بتسهيل أعماله وتشجيعه لينمو ويكون واحداً من أكبر اقتصادات العالم، وذلك بتخصيص الخدمات الحكومية حيث سيتم تحويل الدولة من مستثمر ومقدم للخدمات في بعض المجالات مثل الصحية والتعليمية وغيرها إلى إشراك القطاع الخاص في الاستثمار المباشر وتقديم الخدمات للمواطنين ويكون دور الدولة الإشراف والمراقبة.
6. إنشاء شركة للصناعات الحربية لتلبية طلب المملكة على الأسلحة حيث أنها الدولة الثالثة في العالم من حيث الإنفاق العسكري.
7. توسيع مجال استكشاف واستثمار المعادن مثل الذهب والفوسفات واليورانيوم.
8. بناء أكبر متحف إسلامي في العالم يضم أقساماً للعلوم والعلماء المسلمين والفكر والثقافة الإسلامية و مكتبة ومركز أبحاث على مستوى عالمي .
سياسات وتوجهات الرؤية:
تحدثت الرؤية وبشكل عام عن السياسات التي سوف تنتهجها الدولة من أجل المساعدة في تنفيذ الرؤية وهذه أهمها:
1. تشجيع الشركات الواعدة لتكبر وتصبح عملاقة ودعم المنشآت الناشئة والصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة.
2. تخفيف الإجراءات البيروقراطية الطويلة، وتوسيع دائرة الخدمات الإلكترونية ورفع مستوى الأداء الحكومي .
3. اعتماد الشفافية والمحاسبة الفورية.
4. تخصيص الخدمات الحكومية وتحسين بيئة الأعمال لاستقطاب أفضل الكفاءات العالمية والاستثمارية القوية والترحيب بالكفاءات من كل مكان، واستقطاب الكفاءات والمواهب العالمية للعمل معنا والإسهام في تنمية اقتصادنا.
5. دعم الثقافة والترفيه والرياضة.
6. تطوير المدن واستكمال المتطلبات والاحتياجات من ماء و كهرباء ووسائل نقل عامة وطرقات، و الحد من التلوث.
7. تطوير منظومة الخدمات الاجتماعية لتكون أكثر كفاءة و تمكينا وعدالة وذلك بتنظيم الاستفادة من دعم الفقراء والوقود و الكهرباء والماء من خلال توجيه الدعم لمستحقيه.
8. رفع جودة الخدمات الصحية وذلك بتقديمها من خلال شركة حكومية تمهيداً لتخصيصها، ويتركز دور القطاع العام على كونه مخططاً ومنظماً ومراقباً للمنظومة الصحية، بجانب توفير الطب الوقائي والرعاية الصحية الأولية.
9. الأخذبثقافة الجزاء (الأجر) مقابل العمل، من أجل الاستفادة القصوى من مهارات الموظفين وقدراتهم.
10. الاستمرار في تنمية مواهب المرأة واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والإسهام في تنمية مجتمعنا و اقتصادنا.
11. لكي يتم تحقيق معدل النمو الاقتصادي المنشود بوتيرة أسرع، سيتم إيجاد بيئة جاذبة للكفاءات المطلوبة وذلك من خلال تسهيل سبل العيش والعمل في وطننا وسنحقق ذلك عبر إتاحة فرص أكثر لغير السعوديين منهم بتملك العقارات في مناطق معينة ورفع جودة الحياة والسماح بافتتاح المزيد من المدارس الأجنبية واعتماد نظام فعال وميسر لإصدار التأشيرات ورخص الإقامة.
12. إعداد مناهج تعليمية متطورة تركز على المهارات الأساسية بالإضافة إلى تطوير المواهب و بناء الشخصية و تعزيز دور المعلم ورفع تأهيله، ومن أجل متابعة مخرجات التعليم وتقويمها وتحسينها سيتم إنشاء قاعدة بيانات شاملة لرصد المسيرة الدراسية للطلاب بدءاً من مراحل التعليم المبكرة إلى المراحل المتقدمة وبناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل.
13. تطويرالبنية التحتية الخاصة بالاتصالات وتقنية المعلومات وبخاصة تقنية النطاق العريض عالي السرعة لزيادة نسبة التغطية في المدن وخارجها و تحسين جودة الاتصال و سيكون ذلك من خلال الشراكة مع القطاع الخاص.
14. تركيز الجهود في المجالات التي نضمن من خلالها مركزاً قيادياً ومن هذا المنطلق العمل على تعزيز مكانة الشركات الوطنية الكبرى ولاسيما في مجالات النفط والبتروكيماويات والبنوك والاتصالات والصناعات الغذائية والرعاية الصحية وتجارة التجزئة.
15. رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16% من أجمالي الناتج المحلي في 2015م إلى 50% على الأقل في عام 2030م ، ورفع ترتيب المملكة في مؤشر الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 في عام 2015 إلى المرتبة 25 عالميا في 2030 م.
16. لن يتم التهاون والتسامح مطلقاً مع الفساد بكل مستوياته سواء كان ماليا أم إدارياً وسيتم تحقيق أعلى مستوى من الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات، وذلك بتفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة.
17. لن يفرض على المواطن ضريبة على الدخل أو الثروة أو السلع الأساسية، وسيتم تحقيق التوازن في الميزانية وتنويع مصادر الإيرادات وتعظيمها وإدارة الميزانية العامة بصورة رشيدة مما سينعكس على استقرار الأسعار.
18. تعزيز كفاءة الإنفاق في القطاع العام من خلال ضوابط صارمة على آليات اعتماد الصرف، سيتم تعزيز التوافق بين الأولويات الإستراتيجية وتوزيع الميزانيات وتعزيز ضوابط تنفيذها وآليات التدقيق و المحاسبة وتحديد الجهات المسئولة عن ذلك.
19. المراجعة الدقيقة للهياكل التنظيمية والإجراءات الحكومية وتوزيع المهام والمسؤوليات والصلاحيات وتطويرها بما يضمن الفصل الواضح بين عملية اتخاذ القرار وتنفيذه ومراقبة التنفيذ من أجل تسريع عملية اتخاذ القرار والحد من الهدر المالي والإداري.
20. تدريب أكثر من (500) ألف موظف حكومي عن بعد وتأهيلهم لتطبيق مبادئ إدارة الموارد البشرية في الأجهزة الحكومية بحلول عام 2020م، وسيؤسس برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية، إدارة للموارد البشرية في كل جهاز حكومي وسيقدم الدورات التدريبية لتطوير المهارات والمواهب .
21. تطبيق منهجية الخدمات المشتركة التي تهدف إلى توحيد الجهد للاستفادة القصوى من الموارد البشرية وتوفير بيئة عمل مناسبة لجميع الجهات بأقل تكلفة وذلك بدمج الخدمات المساندة في الأجهزة الحكومية لرفع الإنتاجية والجودة وتخفيض التكاليف والحد من الهدر المالي والإداري.
22. رفع كفاءة الإنفاق العام من خلال مراجعة شاملة ودقيقة للأنظمة واللوائح المالية في جميع الأجهزة الحكومية للتحول من التركيز على سلامة الإجراءات إلى مفهوم فاعلية الصرف وارتباطه بتحقيق أهداف محددة يمكن قياس فاعليتها.
23. كل مواطن مسئول عن بناء مستقبله، عليه أن يبني ذاته وقدراته ليكون مستقلاً وفاعلاً في مجتمعه ويخطط لمستقبله المالي والعملي. و كل فرد مسئول تجاه أسرته، وعلى الفرد أن يعمل بجد وجهد وانضباط لاكتساب المهارات والاستفادة منها والسعي لتحقيق الطموحات، ولكي يتمكن المواطن من أداء مسؤوليته ستعمل الحكومة (الرؤية) على توفير البيئة الملائمة له في شتى المجالات بما في ذلك توفير أدوات التخطيط المالي من قروض عقارية ومحافظ ادخار وخيارات تقاعدية.
ثانياً : قراءة نقدية للرؤية
إرادة التغيير مطلب للجميع
قامت الرؤية و بنيت أعمدتها وحددت برامجها على إرادة سياسية للتغيير، الإرادة السياسية للتغيير لم تأتِ من فراغ بل من رؤيتها أن هناك حالاً اقتصادية إن استمرت فسوف ينتهي الأمر بأزمة مالية كبيرة.
عندما رفع ولي ولي العهد شعار التغيير كان التجاوب الشعبي سريعاً وقوياً، فارتفعت آمال المواطنين محلقة في سماء الرؤية خصوصاً الطبقة الوسطى ومادونها التي تشعر بأنها لم تنل نصيبها وحقها من الوظيفة والسكن والصحة والرفاهية. لكن هذا الدفع القوي والسريع من جهة القيادة السياسية في إحداث تغير جوهري وسريع في المجال الاقتصادي كما جاء في الرؤية يحمل في طياته ضرورة إخضاع هذه الرؤية للنقد والتحليل حتى لا تخيب الآمال وتهتز الثقة. نقد يهدف إلى تحليل وفحص مكوناتها، علميا وعملياً، نقد يهدف إلى الإشارة إلى نقاط الضعف والإشادة بنقاط القوة، نقد وطني قائم على المعرفة والمواطنة والإخلاص، نقد قادر عليه كثير من رجال وسيدات هذا الوطن من ذوي الاختصاص والإخلاص ومن ذوي الثقافة والمعرفة.
لقد فتح راعي الرؤية وحامل لوائها سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية باب النقد الهادف البناء على مصراعيه عندما قال وكتب في افتتاحية الخطاب الذي قدم به الرؤية لمجلس الوزراء " سنكون شفافين وصريحين عند الإخفاق والنجاح وسنقبل كل الآراء ونستمع إلى جميع الأفكار".
وفي ما يلي وجهة نظري التحليلية فيما يخص الرؤية:
استبدال النفط في باطن الأرض باستثمارات أجنبية:
هذا الأمر هو مربط الفرس إن صح التعبير، وفي نظري هوأهم وأخطر جزء في منظومة الرؤية 2030م. النفط في باطن الأرض السعودية ثروة طبيعية لهذا الجيل والأجيال القادمة، ترتفع وتنخفض قيمته سنوياً بمعدل ارتفاع وانخفاض سعر برميل البترول في سوق النفط العالمي (DP). الأصول المالية للصندوق السيادي هي أيضا ثروة وطنية مالية لهذا الجيل والأجيال القادمة مستثمرة في أدوات مالية وأصول مالية في دول أجنبية، لهذه الاستثمارات عائد سنوي إما ربحاً أو خسارة (R). الاستثمار الأجنبي عرضة للمخاطر السياسية والقانونية بسبب وجوده على أرض أجنبية ويخضع لقانون أجنبي. النفط في المقابل محفوظ في مكامنه الجيولوجية تحت الأرض السعودية وتحت السيادة والقانون السعودي. في العام 1974م تعرضت في رسالة الدكتوراه التي كان موضوعها أسعار النفط في الشرق الأوسط إلى هذا الموضوع المتعلق بالربط بين (سوق النفط) و(سوق المال) بحثاً عن معدل الإنتاج النفطي الأمثل، والذي يتحدد عندما تتساوى نسبة الزيادة في ارتفاع سعر البرميل من النفط السنوي (DP) مع العائد السنوي الحقيقي للاستثمارات الأجنبية (DP=R). لا أريد الدخول في تفاصيل فنية تزعج القارئ ولكني أحيل القارئ المختص إلى ورقة كتبتها أنا والبروفسور واسنكن عام 1977م بهذا الخصوص ونشرت في مجلة Business Horizon جامعة أنديانا- الولايات المتحدة الأمريكية - كلية إدارة الأعمال – الصفحات 69-73.
وجهة نظري هي أن بيع 5% أو أقل أو أكثر من النفط السعودي و الذي هو أيضا ملك للأجيال القادمة من أجل استثماره في أصول أجنبية عن طريق الصندوق السيادي السعودي (صندوق الاستثمارات العامة) ضرره سيكون أكثر من نفعه للأسباب التالية:
1) أسعار النفط اليوم (2016م) هي في مستوى منخفض، قد تنخفض أكثر و لكن الاحتمال الأكبر أن تبقى على حالها حول 40 دولار أمريكي و تتحسن في المدى المتوسط (خمس إلى سبع سنوات) أما في الأمد الطويل فمن الصعب التنبؤ بمستوى واتجاه الأسعار لأن ذلك يعتمد على عوامل كثيرة تؤثر على جانبي العرض والطلب ويتعلق معظمها بالأثر التكنولوجي على كل عامل من هذه العوامل وعلى سبيل المثال التقدم التكنولوجي في مجال الاستمرار في استخدام النفط وقوداً للسيارات أو انتشار ونجاح السيارات الكهربائية وعلى التطور التكنولوجي في إنتاج الطاقة البديلة وتقنية استخراج النفط من المصادر غير العادية كالبترول الصخري والرمال الصخرية، لكن الدراسات رغم اختلافها إلا أن معظمها يرى أن النفط كمصدر للطاقة سيبقى قائماً لفترة ليست بالقصيرة جداً.
2) العائد على الاستثمارات الأجنبية يخضع لتقلبات كثيرة متعلقاً بوضع الاقتصاد العالمي وتقلب العملات الرئيسة وحركة رؤوس الأموال. الاستثمارات الأجنبية قليلة أو متوسطة المخاطر ليست كبيرة جداً تستوعب حجماً كبيراً من الاستثمارات بحجم الصندوق السيادي المزمع إنشاؤه. زيادة الطلب على هذا النوع من الاستثمارات الأجنبية سيؤدي إلى رفع أسعارها وبالتالي انخفاض العائد المالي منها. الاستثمارات الأجنبية تواجه مخاطر سياسية وقانونية، تجعل العائد الحقيقي الصافي للاستثمارات الأجنبية السعودية منخفضاً، كما أن الاستثمارات الأجنبية للحكومات والدول النامية خصوصاً تلك التي من الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تتعرض في بعض الأحيان لأسباب سياسية وقانونية إلى هلاك جزء منها أو كلها إن صدربحقها حكم، والمثال الأقرب للأذهان بالنسبة للسعودية هو قانون مقاضاة الحكومات الذي قدم في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي العام الماضي 2015م بهدف مقاضاة الحكومة السعودية والحجز على أصولها المالية في أمريكا بحجة ضلوعها في أحداث 11 سبتمبر 2001 م والذي اضطرالحكومة السعودية إلى التهديد بتصفية استثماراتها في الولايات المتحدة قبل صدور القرار. جمد القرار ولكنه لم يمت ويمكن أن يبعث في أي وقت. قيام الحكومة السعودية بتصفية استثماراتها الأجنبية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأجنبية ليس بالأمر اليسير بل سوف تتعرض تلك الاستثمارات لخسائر فادحة جداً. كل هذه الاحتمالات والمخاطر السياسية والقضائية والمالية تقلل من قيمة العائد الحقيقي للاستثمارات الأجنبية السعودية في الخارج، بل حتى تعرض أصولها للهلاك إما لأسباب مالية أو سياسية أو قانونية والأمثلة التاريخية في هذا الصدد موجودة. إضافة إلى كل ماذكر أعلاه فهناك سؤال يسأله ويطلب الإجابة عليه بشكل واضح كل مدير لأي محفظة استثمارية أجنبية، والسؤال يتعلق بمدى قدرة صاحب المال على تحمل المخاطر وعلى حاجته لهذه الأموال وكم تشكل بالنسبة لجميع أصوله المالية. الإجابة على هذا السؤال تحدد نوع أدوات الاستثمار وحجم المخاطر المالية الملائمة لهذا المستثمر.
استثمارات المملكة الأجنبية حتى الآن والبالغة حوالي 600 بليون دولار أمريكي مستثمرة معظمها في صكوك دين للحكومة الأمريكية وماشابهها من الاستثمارات ذات المخاطر المنخفضة والعائد المالي القليل.
الاحتياطات المالية السعودية المودعة في الاستثمارات الأجنبية هذه جاءت من وفورات الميزانية السابقة عندما كانت أسعار البترول عالية وإيرادات الدولة أكثر من نفقاتها. إذن هي تعود إلى مدخرات حكومية وضعت في استثمارات أجنبية. هذه الاستثمارات من الواجب إعادة تنظيم ادارتها لرفع مستوى أدائها. لكن ما أتحدث عنه فيما يتعلق بالصندوق السيادي المقترح في الرؤية يتعلق باستبدال أصل استثماري من مادة طبيعية هي خام البترول موجود في مكامن آمنة جيولوجية تحت الأرض السعودية ومملوك لهذا الجيل والأجيال القادمة. والمالك لهذا الأصل النفطي ذي القيمة العالية ليس لديه أصول طبيعية أو رأسمالية أخرى كالأنهار والأمطار والمعادن والتقنيات العالية لذا فإن حاجته المستقبلية للنفط كأصل مالي له ولأجياله القادمة عظيمة ومهمة، تجعل المخاطرة به أو بجزء منه في استثمارات أجنبية مخاطرة كبيرة تتعلق بمستقبل الأمة تحتاج إلى إعادة نظر وتدقيق في أموال النفط المزمع تحويلها إلى استثمارات أجنبية ليست مدخرات ناجمة عن القدرات الإنتاجية والصناعية والتقنية، بل هي لوطن وشعب يفتقر إلى الكثير من الموارد الطبيعية والتقنية وهو لايزال في أول الطريق لبناء رأس مال بشري متعلم منتج مبدع.
لذا فإنني أرى أن يترك النفط السعودي داخل أرضه وعند شعبه وهذا يضمن الحفاظ على رأس المال النفطي آمنا من المخاطرالسياسية والقانونية ويتيح المجال لأهله وملاكه لإدارة وتعظيم قيمته بالبيع كسلعة نفطية أو تطوير مشتقاته واستخداماته الأخرى.
ليس من الضروري أن يكون لدينا صندوق سيادي للاستثمارات الأجنبية هو الأكبر في العالم، فكلما زاد حجم الاستثمار الأجنبي كلما زادت المخاطر المصاحبة له، وكلما زادت المشاكل الفنية والإدارية لتنظيم عوائده. لكنه يمكن تطوير و تحسين وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية السعودية زيادة معقولة وذلك بإنشاء صندوق سيادي مستقل عن صندوق الاستثمارات العامة، له نظام مستقل ويديره مجلس محافظين مستقل يغذي الصندوق من ادخارات الدولة والوفر في الميزانية، ويكون هدف الصندوق هو بناء أصول استثمارية منتجة لصالح هذا الجيل والأجيال القادمة، يكون بديلاً للنفط كرأس مال طبيعي وليس كمصدر للإيرادات الحكومية ويدعم حاجة البلاد المالية في حالة الكوارث والحروب ويتم الصرف من الصندوق للحالات المحددة في نظامه بتوصية من مجلس الشورى وموافقة ملك البلاد.
أرامكو و النفط السعودي في باطن الأرض:
النفط السعودي تحت الأرض بكل أشكاله وأنواعه، الذي لم يكتشف، والذي تم اكتشافه والمؤكد منه وغير المؤكد، كله أصول رأس مالية من الموارد الطبيعية ملك للأمة ممثلة في الجيل الحاضر والأجيال القادمة، وعلى كل جيل الاستفادة منه بأفضل الطرق الاقصادية وزيادة العمليات الاستكشافية والمحافظة على مكامنه تحت الأرض بالصيانة والعناية من أجل تحقيق تنمية اقتصادية شاملة عمادها رأس مال بشري منتج وأصول رأسمالية منتجة.
أرامكو (Arabian and American Oil Company -Aramco ) شركة أنشأتها في الأصل شركات البترول الأمريكية العاملة بالمملكة عام 1934م، واستعادت ملكيتها بالكامل الحكومة السعودية عام 1980م بعد دفع مبالغ باهظة لتلك الشركات. أرامكو اليوم شركة سعودية تعمل في مجال النفط والغازوتقوم بعمليات الاستكشاف والحفر والاستخراج والبيع والتكرير والتصنيع والتشغيل والصيانة، مملوكة بالكامل للدولة. لذا فإنه يجب الفصل بين أرامكو الشركة المملوكة للحكومة صاحبة الامتياز في كل المجالات النفطية المشار إليها أعلاه وغيرها وبين النفط تحت الأرض المملوك للأمة. النفط والغاز ثروة طبيعية يجب أن يوكل أمر المحافظة عليها وتعظيمها وصيانتها وتنظيم قواعد وإجراءات استكشافها واستخراجها إلى هيئة وطنية عليا تسمى"الهيئة الوطنية العليا للنفط والغاز" تتمتع بالاستقلالية التامة، يشرف عليها مجلس للمحافظين من المواطنين السعوديين برئاسة ملك البلاد. مهمة الهيئة الوطنية العليا للنفط والغاز الأساسية، هي تعظيم وتطوير عمليات الاستكشاف في اليابسة وعلى الماء بحثاً عن مكامن النفط والغاز، العادية وغير العادية، ويتم ذلك من خلال منح عقود امتياز للاستكشاف للشركات السعودية بشروط وضوابط عالمية ومحددة، وتؤول ملكية المستكشف من النفط والغاز للهيئة الوطنية للنفط والغاز بموجب اتفاقية مسبقة للشراء بناءً على معادلة سعرية تأخذ في الاعتبار تكاليف الاستكشاف وأهميته، والربح الملائم للشركة. وكذلك الحال بالنسبة لاستخراج النفط و بيعه، الذي يتم أيضاً من خلال هذه الشركات السعودية ضمن عقود بيع للجزء من المخزون الأرضي من النفط والغاز ولآجال متوسطة وبأسعار مرنة تأخذ في الحسبان الاتجاه العام لأسعار النفط والغاز في الأمد المتوسط .
تنظم الهيئة الوطنية العليا للنفط والغاز عقود الامتياز المتعلقة بالاستكشاف وبالاستخدام مع الشركات السعودية المساهمة المصرح لها العمل في مجال النفط والغاز وهي شركة أرامكو السعودية وشركة أخرى أو شركتين يتم إنشاؤهما لنفس الغرض، وتتنافسا مع شركة أرامكو.
بيع جزء من شركة أرامكو السعودية:
صحيح ما قاله سمو الأمير محمد بن سلمان من أن شركة أرامكو صندوق مغلق تفتقر إلى الشفافية والمراجعة والتدقيق المالي من قبل جمعية عمومية للمساهمين وإن طرح الشركة للاكتتاب العام من خلال بيع 5% من أصولها في عملية اكتتاب كبرى IPO دولية ومحلية، سيجبر الشركة على الإفصاح عن أدائها وعملياتها أمام الجمعية العامة للمساهمين كما تفرضه قواعد الحوكمة للشركات المساهمة العامة. لكن يمكن تحقيق الشفافية والمراجعة والمساءلة في شركة أرامكو وذلك بطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام في السوق السعودي وللسعوديين فقط. هنا تتحقق الشفافية ضمن قواعد الحوكمة السعودية وقوانين سوق الأسهم السعودي دون تعريض شركة أرامكو وما تمثله من رأس مال وطني للمشاكل القانونية المتعلقة بنظام تسجيل الشركات في أسواق المال العالمية الكبرى في نيويورك ولندن وغيرها وما يرتبط بذلك لاحقاً من حقوق المساهمين الأجانب التي تفرضها قوانين سوق نيويورك و لندن و هونغ كونغ والدعاوي القضائية المرتبطة التي قد يقيمها مواطن أمريكي أو غير أمريكي في بلاده ضد الشركة ولكن يستطيع المستثمر الأجنبي ضمن ضوابط و حدود معينة شراء أسهم في شركة أرمكو من سوق الأسهم السعودية حسب لوائحه التنظيمية.
إنشاء شركات مساهمة سعودية للنفط والغاز تنافس شركة أرامكو:
من أجل توسيع مجال المنافسة والشفافية، فإنه يمكن إنشاء شركة أو شركتي مساهمة عامة سعودية تعملان في مجال النفط والغاز إلى جانب شركة أرامكو تملك الدولة فيهما حصة مناسبة وتطرح بقية الأسهم للاكتتاب في السوق السعودي وللسعوديين فقط. وتقوم "الهيئة الوطنية للنفط والغاز" بتوزيع مناطق الاستكشاف وحقوقه بين الشركات السعودية المهمة العاملة في مجال النفط والغاز حسب قدرة كل منها وإمكاناتها مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة دعم الشركات الجديدة الناشئة حتى تقوى وتكبر وتستطيع منافسة أرامكو.
الإنسان السعودي العمود الفقري والقاعدة الأساسية للتنمية الاقتصادية:
الاستثمارات الصناعية والتجارية والخدمية والحج والعمرة والرسوم والجمارك والاستثمارات الأجنبية وتفعيل دور القطاع الخاص والتخصيص وأرامكو والصناعات الكبرى والشركات العملاقة والصندوق السيادي العالمي وكل ما ورد في وثيقة الرؤية 2030، روافد استثمارية تدر دخلاً للأفراد و للدولة. لكن كل هذه الفعاليات الاقتصادية والاستثمارية، لم ولن تستطيع بناء قاعدة إنتاجية مستدامة يبنى عليها اقتصاد يقوم على الإنتاج الحقيقي والإبداع والتقنية ويؤدي إلى رفع دخل الفرد وزيادة الدخل الحكومي. لذا فإن الأولوية في أي برنامج إصلاحي للدولة يجب أن تكون "لبناء الإنسان رجلاً وامرأة، المتعلم تعليماً علمياً تقنياً، المنتج، المبدع، الحر، المثقف، المتحضر خلقاً و سلوكاً". هذا هو الهدف الأسمى والأهم لأي رؤية للإصلاح الاقتصادي وما يتبعه من إصلاح سياسي اجتماعي.
أهم ما في الإنسان عقله ويبنى العقل السليم من خلال نظام تعليمي تؤسس قواعده ومرتكزاته على العلوم بجميع فروعها وتخصصاتها وعلى علم المنطق وعلى اللغات الأجنبية وعلى توظيف العقل في الاستشكال و السؤال و تقصي الأسباب بحثا عن الحقيقة والنزوع إلى الإبداع والاختراع بدلا من الحفظ والتكرار. يبدأ بناء العقل من سنوات الطفولة الأولى، ومع المنهج العلمي يكون المدرس المؤهل علمياً وسلوكياً، ومع المنهج والمدرس يكون كل شيء موجهاً لبناء عقل عالم مفكر مبدع .
ولكي يكون الإنسان ، قادراً على العلم والتحصيل و الإبداع ، فلابد أن يكون محمياً من الفقر والفاقة ومن المرض. إن تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة المادية من دخل وسكن وصحة شرط أساسي ليكون الإنسان قادراً على التعلم والتميز، فالعقل السليم في الجسم السليم.
الإنسان المواطن الذي يقوم علمه وفكره على المنهج العلمي هو القادر على الإنتاج. فالإنسان هو العنصر الأهم في معادلة الإنتاج، والإنسان هو الوعاء العقلي الحامل للتقنية، وبه يتم توطين التقنيات الأجنبية المستوردة مع المعدات والآلات والأجهزة المتطورة. عندما يسبق وصول الآلات والمعدات والتقنيات إعداد الإنسان السعودي وتهيئة عقله وقدراته العلمية لاستيعاب وهضم وتوطين التقنيات التي تعمل بها الآلات والأنظمة الجديدة، يصبح لزاماً استيراد الإنسان الأجنبي مع استيراد الآلة الأجنبية، لتشغيلها وصيانتها، ويبقى السعودي متفرجاً أو محاولا التقليد واكتساب المعرفة من زميله الأجنبي الذي لا يريد له ذلك لأن ذلك سيكون على حساب احتفاظه بوظيفته. وهنا تنمو وتتراكم بين السعوديين البطالة المباشرة و المقنعة وهذا ما تم في الخطة الخمسية الثانية (1975-1980) و استمر هذا النهج إلى يومنا هذا، عندما تأخر بناء العقل العلمي والتقني للإنسان السعودي وتقدمت المشاريع الضخمة بآلاتها وأنظمتها الحديثة تقنياً فخلقت فجوة كبيرة بين حاجة السوق من العمالة الماهرة تأهيلاً تقنياً وعلمياً وبين مخرجات التعليم السعودي الفقيرة علماً ومهارة وتقنية. أخشى أن الرؤية 2030 قد تعيد هذا المشهد، إن هي لم تربط وتوازن بين التقدم في بناء قدرات الإنسان السعودي ومهاراته العملية وبين التقدم في بناء المشاريع والمصانع . الشباب السعودي نساء ورجالا وبدون مبالغة وتعصب أثبتوا قدرتهم على الانخراط والإبداع في مجالات العلوم الهندسية والطبية والفيزيائية والكيمائية والكهربائية وغيرها من العلوم المالية والاقتصادية والمحاسبة عندما يتحقق لهم أمران الأول حمايتهم من الفقر والحاجة والثاني تهيئة السبل والإمكانات لهم للحصول على العلوم والمعرفة.
بينت الرؤية أهمية تطوير المناهج التعليمية والنظام التعليمي، لتطوير مهارات المواطن بشكل عام، لكنها لم تجعل لبناء الإنسان الأولوية على البرامج والمشاريع الأخرى، بحيث تضمن توطين التقنيات المصاحبة لمشاريع الرؤية في عقول أبناء و بنات الوطن وأن يعود جزء كبير من الدخل المرتبط بتلك المشاريع إلى المواطنين. وبالنسبة للمنهج العلمي الركيزة الأساسية في منظومة التعليم فإن على الرؤية أن تعمل بشكل حاسم وفعال على إزاحة العوائق أمام بناء منهج دراسي يعطي الأولوية للعلوم والرياضيات واللغات من المراحل الابتدائية وحتى الجامعية.
أظن أن المنهج العلمي والفكر المنطقي التحليلي المضاد لفكر الخرافة والحفظ والتكرار لا يزال يواجه صعوبات وعراقيل من قبل بعض المسئولين والمشرفين على تطوير المناهج الذين هم في فكرهم وتوجهاتهم أقرب إلى المتشددين ممن يشكل فقه سد الذرائع والزهد بالدنيا مكوناً أساسيا في منهج تفكيرهم ودعوتهم، وهذا الأمر لن يستطيع أي وزير تعليم مواجهته لأنه يتطلب إرادة سياسية عليا مقتنعة بضرورة وأهمية بناء العقل السعودي العلمي المبدع وتأمر بذلك.
المرأة:
المرأة هي الجزء الأساسي في معادلة بناء الإنسان ورأس المال البشري، فالإنسان هنا هو الرجل والمرأة. وقد أوضحت أهمية بناء عقل الإنسان في الفقرة السابقة، وما أريد إيضاحه في هذه الفقرة الخاصة بالمرأة هو ما تعانيه من حرمان من حقوقها كإنسان. المرأة كما نردد هي نصف المجتمع من حيث العدد لكنها لا تتمتع بالحقوق التي يتمتع بها النصف الآخر من الرجال، من حرية العمل والحركة والاستقلال في التصرف حسب القانون والقواعد التي يخضع لها الجميع رجال ونساء. المرأة في مجتمعنا السعودي منتقص حقها كمواطنة كاملة الأهلية، فالمواطن الرجل عندما يبلغ سن الرشد يصبح حراً في تصرفاته ضمن نطاق القانون، ينشئ الشركات، يتحرك، يسافر، يقود السيارة، يقود الطائرة، يكون رئيساً ويكون موظفاً. أما المرأة فكل حركة محسوبة عليها بقياس فهي "ناقصة عقل ودين". بهذا الفكر والقيد الاجتماعي ستظل المرأة مقيدة بالأغلال الاجتماعية والفقهية وليست الدينية على الإطلاق، فالدين الحنيف الحق كما جاء في القرآن الكريم والثابت من قول الرسول الكريم بريء مما تعانيه المرأة، ويظل نصف المجتمع مشلولاً إلا من حركة بطيئة موجهة محسوبة.
هذا الوضع يقول البعض دعونا نتركه للزمن وأقول إن ذلك يتنافى مع المنطق ومع المقاصد العليا للإسلام في التقدم والرقي والحضارة والعمل والإنتاج. إن حال العالم اليوم والسباق بين الدول حضارياً وإنتاجاً لا يسمح لنا بترك الحبل على الغارب وترك حقوق المرأة ومساهمتها الفاعلة في بناء الوطن لحركة المجتمع البطيئة بل المتراجعة أحيانا وهنا يأتي دور الرؤية 2030 و يأتي دور الإصلاح من أعلى ودور الإرادة السياسية للتغيير ووضع الأمور في نصابها وإعطاء المرأة السعودية حقوقها التي هي اليوم أقل من حقوقها في صدر الإسلام قبل ما يزيد على 1400 عام. وهذا الدفع القوي في فك الأغلال والقيود عن المرأة السعودية لتشارك في حركة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لم أجده بشكل قوي وواضح في الرؤية يتماهى مع شدة القيود المفروضة عليها ومع دورها الهام عضواً فاعلاً منتجاً في مجتمعنا.
الفقر:
الفقر آفة من الآفات، الفقر قاتل لكرامة الإنسان، ومصدراً للإجرام والانحراف، ومع الفقر يأتي الجهل والمرض. كنا نرى الفقر في جيوب سكانية حول المدن، أما اليوم فإن آفة الفقر بدأت تأخذ مكانها في المدن و بين شبابه الذي لم يحصل على تعليم جيد يؤهل لوظيفة و دخل مرتفع، فأصبح عاطلاً أو شبه عاطل، أو أنه ترك التعليم بسبب غياب العائل المقتدر و ضرورة العمل لإعالة أم أو أخت.
الفقر لا يمكن أن يؤمن جانبه، أو يترك للجمعيات الخيرية وأهل البـــرللتعامــل معه. الفقر كالجهل حماية المجتمع منه مسؤولية الدولة. فالدولة مسئولة عن تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطن الفقير، دخلاً و سكناً وصحة وتعليماً. الفقر عدو فتاك واجب الدولة في محاربته والقضاء عليه توازي أو تزيد على محاربة العدو الخارجي. وهنا أرى أن الرؤية لم تعط هذا الأمر حقه وموقعه في برامج الإصلاح والتطوير.
ضريبة الدخل على الأثرياء وعلى الثروات:
و رد في الرؤية النص التالي " لن نفرض على المواطن أي ضريبة على الدخل أو الثروة.."، هذا الالتـــزام جميل في ظـــاهره، لكن المواطنين ليسوا سواء فــي دخولهـــم و ثرواتهم، فيهم الفقير ومحدود الدخل الذي يجب أن يعطي ويدعم وفيهم الذي يجب أن تؤخذ منه ضريبة دون إلحاق الضرر به وبتجارته. الدعم والمساندة للفقير ومحدود الدخل واجب على الدولة وأخذ شيء من مال الثري دعما للإنفاق العام واجب على الدولة أيضا.
الفقير والمحتاج، عندما تسد الدولة حاجته وتؤمن له الحد الأدنى من الحياة المادية الكريمة اللائقة بالإنسان من سكن، وصحة، وتعليم، ودخل، فهذا واجب على الأمة، تمشيا مع مبدأ التكافل الاجتماعي وحماية للمجتمع من الفقر الباب الرئيسي للجريمة والأمراض الاجتماعية. والثري عندما يؤخذ من ماله الفائض، ضريبة لصالح الإنفاق العام فهذا واجب تفرضه المواطنة على كل مواطن حقق مالاً كثيراً وثروة جيدة من خيرات هذا الوطن والعيش الآمن والاستقرار فيه، واستخدام مرافقه العامة وتسهيلاته. لكن ضريبة الدخل و ضريبة الثروة لا يمكن أن يصلح أمرها وتؤتى أكلها إلا إذا ألزم القانون الجميع حاكماً ومحكوماً بالإفصاح عن دخله وثروته وبدفع الضريبة المستحقة عليه.
ضريبة الدخل والثروة على الأغنياء والشريحة المرتفعة من متوسطي الدخل، كل بحسب دخله وثروته هي في معظم الدول الرافد الأساسي للمالية العامة للدولة، و تشكل الأموال من الضرائب المدفوعة لخزينة الدولة القاعدة القانونية والسياسية التي تقوم عليها مساءلة المواطنين للحكومة والزامها إيضاح أوجه صرف المال العام ونشر أرقامه و تفاصيله.
والضريبة أداة جيدة لإدارة الاقتصاد العام وتوجيه حركته في الصعود والهبوط، كما أن الضريبة تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، فهي تأخذ من الأغنياء وتعطي للفقراء من خلال برامج الدعم والإعانة.
المياه:
عاش أجدادنا في هذه البلاد، دون بترول معتمدين على سواعدهم في الزراعة والرعي والغوص والتجارة وغيرها، ولم تهجر أي جماعة أو قبيلة قريتها لجوع أو خوف وإنما هجرت القرى بسبب جفاف الآبار وانقطاع المياه.
مخزون المياه الجوفية في المملكة يوجد معظمه في مكونات مائية عميقة تكونت منذ آلاف السنين (Deep Aquifers) وغير قابلة للزيادة، ومن أهم هذه المكامن المائية العميقة الساق وتبوك وواجد والنجود والوسيع والدمام. ويعتمد الجزء الغربي من المملكة على مياه الآبار السطحية التي تغذيها الأمطار. المياه الجوفية العميقة وهي المخزن الرئيس للمياه في المملكة أكل منها برنامج زراعة القمح سيء الذكر، ما أكل مما أدى إلى انخفاض مخزونها المائي.
تستهلك الزراعة حوالي 70% من المياه و30% للمدن والاستخدام الصناعي، وتستعين الدولة بحوالي 32 محطة لتحلية المياه موزعة على ساحل الخليج العربي والبحر الأحمر، تغطي حوالي 50% من الطلب على المياه للمدن وللصناعة وتعتمد التحلية على النفط وقوداً وتبلغ تكلفة القدم المكعب من مياه التحلية 4 ريالات سعودية.
مصادر المياه في المملكة محدودة جداً ومكلفة جداً، بينما الطلب على المياه يزداد بشكل كبير بسبب الزيادة في عدد السكان والزيادة في الهدر بسبب انخفاض الأسعار وضعف الإدارة.
بشكل عام المياه مشكلة كبرى للحياة والتنمية في المملكة العربية السعودية، معالجة هذه المشكلة تتم من جانبين الأول هو الاقتصاد الصارم في استخدام المياه ومعاقبة الهدر برفع السعر إلى مستوى التكلفة على المسرف وحماية الفقير بإعفائه من تكلفة ما يحتاجه ليومه. والجانب الثاني هو تطوير وتوطين صناعة التحلية وجعل المملكة مركزاً عالمياً لهذه التقنية حتى يتم خفض تكاليفها والاستفادة من تصدير التقنية.
ورغم الأهمية الشديدة لموضوع المياه وأثرها على مستقبل التنمية إلا أنني لم أجد في الرؤية 2030 اهتماما بهذا الجانب يتلاءم مع أهميته الكبيرة والملحة.
النمو السكاني:
النمو السكاني في المملكة العربية السعودية هو من معدلات النمو العالية في العالم حيث بلغ 2,24% سنويا بحسب إحصاء 2014م . أما عدد سكان المملكة فقد بلغ حسب تقارير الأمم المتحدة (32) اثنين و ثلاثين مليون نسمة منهم حوالي 22 مليون سعودي، وعشرة مليون أجنبي . ورغم أن معدل النمو السكاني يتناقص مع زيادة الوعي وارتفاع تكاليف المعيشة إلا أنه لا يزال مرتفعاً حسب النسب العالمية، وحسب أرقام 2015م التي تشير إلى أن عدد السكان 22 مليون سعودي، ونسبة النمو السكاني 2,2% . إذن نحن أمام زيادة (480) ألف طفل يولد كل عام، يحتاج كل منهم إلى إنفاق حكومي على الغـــذاء والدواء و السكن والتعليم مع وجود نسبة تضخم سكاني تساوي 2,2% .
إن الحد من معدل النمو السكاني سوف يساهم بشكل مباشر في الحد من الإنفاق الحكومي، كما أنه يساهم في زيادة مستوى العناية الأسرية بالصحة والتعليم للأطفال عندما يكون العدد قليلاً . لكن ذلك يتطلب تحفيز المجتمع إلى قبول مبدأ التخطيط الأسري للحد من الإنجاب الكثير وتعدد الزوجات، وهذا ليس بالأمر السهل لكنه ليس بالأمر المستحيل. إن أي انخفاض في معدل النمو السكاني يقابله وبشكل مباشر زيادة وبنفس النسبة في النمو الاقتصادي.
العمل على الحد من النمو السكاني، كأحد وسائل تعزيز النمو الاقتصادي لم أجده في وثيقة الرؤية 2030، ولم أجده أيضاُ في الخطط الخمسية السابقة والسبب قد يعود إلى معارضة بعض رجال الدين، وبسببهم شريحة كبيرة من المجتمع، للتخطيط الأسري والحد من زيادة عدد الأطفال وهنا تبرز مرة أخرى أهمية القرار السياسي بالأمر بإصلاح يصب في مصلحة الأمة ومستقبلها ولا يتعارض مع الإسلام الحق الوسطي الذي تعلي قيمه ومبادؤه من شأن المصلحة العامة للأمة.
البطالة و العلاج غير الناجع – السعودة:
البطالة بين السعوديين تختلف عن البطالة وواقعها في الدول الأخرى. فمفهوم البطالة يعني اقتصادياً: ذلك الفرد رجلاً أو امرأة، القادر على العمل من حيث المهارة والإمكانات والباحث عن عمل لكنه لم يجده. وهنا يعود سبب البطالة إلى ضعف النمو الاقتصادي وعدم توفر فرص وظيفية للقادرين على العمل و الباحثين عنه.
في السعودية الأمر يختلف، فالوظائف أكثر من عدد السعوديين الباحثين عن عمل، لكن الوظائف تتطلب مهارات فنية وقدرات لا تتوفر لدى الشاب السعودي الذي تخرج من جامعته دون أن يحصل على المستوى الجيد من التحصيل العلمي الذي يؤهله لهذه الوظائف ذات المتطلبات الفنية والمهارات العلمية، لذا فتحت الدولة أبواب استقدام العمالة الأجنبية الماهرة لتقوم بأعمال التشغيل والصيانة والإدارة للمصانع والمعدات والأجهزة والأنظمة الالكترونية وأنظمة الاتصالات ... الخ. وأما بالنسبة للعمالة غير الماهرة ذات الرواتب المنخفضة جداً والأعمال المتعلقة بالنظافة والخدمات المنزلية وغيرها فهي لاتقع في دائرة اهتمام الشاب السعودي لا من حيث الراتب فهو منخفض جداً ولا من حيث قبول هذه الأعمال، ولايجب الدفع في اتجاهها من حيث تنظيم القيمة المضافة لاستخدام العمالة الوطنية.
وقع الشاب والشابة السعوديان بين المطرقة و السندان كما يقول المثل، فالغالبية منهم خضعوا لنظام تعليم ابتدائي ومتوسط وثانوي ثم جامعي لم يؤهلهم تأهيلاً علمياً جيداً، وهذه مسؤولية الدولة التي تضع المناهج الدراسية وتوظف المدرسين وتبني المدارس والجامعات وتدير كل ما يتعلق بالنظام التعليمي العام. ومن جهة أخرى يواجه السعودي والسعودية الباحث والباحثة عن العمل بعد التخرج متطلبات في سوق العمل لايقدر عليها: متطلبات علمية وتقنية ولغة أجنبية، متطلبات ومهارات لم تكن في مناهجه الدراسية في كل مراحلها، وإن كانت قد قدمت له فبقدر ضعيف وبمنهج ضعيف ومدرس ضعيف ومعمل غير مكتمل.
إستراتيجية التنمية الاقتصادية التي اعتمدتها الدولة و خصوصاً منذ الخطة الخمسية (1975-1980م) ركزت بشكل كبير على جلب التقنيات العالية لمصانعها البتروكيماوية ومشتقاتها، كما فرضت على القطاع الخاص أفضل التقنيات من خلال شروط صندوق التنمية الصناعية وصندوق الاستثمارات العامة، وقد تحولت هذه التقنيات المستوردة والمستبطنة في الآلات والمعدات والأجهزة في جميع القطاعات الحكومية والخاصة إلى متطلبات تقنية وفنية في سوق العمل السعودي.
وقع المواطن الشاب بين أمرين لا حيلة ولا قوة له بهما: نظام تعليمي نظري ضعيف في محتواه العلمي والمهني ومتطلبات سوق عمل يشترط كفاءة وقدرات علمية ولغات أجنبية.
إن سبب البطالة في أوساط السعوديين من وجهة نظري التي رددتها كثيراً في مقالتي يكمن في تلك الفجوة الكبيرة بين قدرات وإمكانات مواطن لم يؤهل علمياً ومهنياً، ليس بسبب قصور في قدراته الذهنية ولكن بسبب ضعف في النظام التعليمي العام، وفجوة بينه وبين متطلبات سوق العمل. هذه الفجوة وقفت عائقاً منيعاً في وجه الشباب السعودي للحصول على الوظائف ذات الإنتاجية العالية والرواتب المرتفعة التي شغلها بالضرورة الأجنبي المؤهل، وتسببت في البطالة السعودية التي تراكمت عبر السنين.
الدولة ممثلة بوزارة العمل ووزرائها جميعاً تحاشت مجابهة المشكلة الحقيقية للبطالة السعودية وهي ضعف نظام التعليم السعودي و عدم ملاءمة مخرجاته لمتطلبات سوق العمل وبدلا من ذلك، ذهبت تبحث عن حلول جانبية هي أشبه بالمراهم والعقاقير المسكنة فتم اختراع " نظام السعودة" الذي نقل مشكلة إيجاد الحل للبطالة من الدولة إلى القطاع الخاص. فبدلاً من أن تقوم الدولة بإجراءات بنيوية لإحداث تغيير جوهري في جميع مراحل التعليم ومكوناته، ابتداءً بتأسيس المنهج الدراسي تأسيساً علمياً للمواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، بدأ كل وزيرعمل يتفنن في بناء المعادلات والجداول والألوان المختلفة لقياس حجم السعودة في مؤسسات القطاع الخاص. ومع نظام السعودة وبسببه أهمل النظر في عمق المشكلة وجوهرها أي في نظام التعليم وما يتعلق برفع مستوى الجانب النوعي لقدرات المواطن إلى الجانب الأسهل الذي يستطيع القطاع الخاص القيام به توظيف السعودي العاطل عن العمل في أي وظيفة و بصرف النظر عن إنتاجيته وسلوكه وتطوره العلمي والمهني.
و بناء عليه، توجه القطاع الخاص إلى إشغال الوظائف الإدارية الدنيا والوظائف الأمنية أو غيرها بالسعوديين من أجل الوصول إلى نسبة عالية من السعودة أو إلى النطاق الأخضر حسب آخر تصنيفات وزارة العمل وبدأنا نسمع عن انخفاض نسبة البطالة وزيادة أعداد السعوديين الذين تم توظيفهم.
لقد أخذت السعودة مشكلة البطالة السعودية إلى الاتجاه غير السليم و إلى الحلول المؤقتة على حساب الحلول الجذرية المتعلقة بتغيير وتطوير نظام التعليم ونظام التأهيل والتدريب. ليس هذا فحسب بل أن السعودة ساعدت على ضياع مستقبل الشباب الذين لم يتم تأهيلهم علمياّ والذين خرجوا من مسيرة التعليم لأسباب اجتماعية. وذلك بتوجيههم إلى وظائف إدارية متدنية لا تتطلب علماً أو معرفة بدلا من الدفع بهم في هذا العمر الملائم للتعليم إلى مقاعد الدراسة في الكليات العلمية والتقنية.
البديل لبرنامج السعودة من وجهة نظري، كما اقترحت منذ عدة سنوات هو خطة وطنية تعيد هؤلاء الشباب إلى قاعات الدارسة لتلقي تعليم علمي تقني في جميع المجالات ضمن خطة تقوم على الأسس التالية :
1. إنشاء "الهيئة الوطنية للتأهيل العلمي والتقني" بهدف رفع الكفاءة العلمية والتقنية للعاطلين عن العمل والراغبين في رفع كفاءتهم العلمية من ذوي الوظائف منخفضة الدرجة والراتب، وتعيين أعضائها من المواطنين ذوي الاختصاص والمعـــرفة بالتعليم التقنـــي. ويخصص لهذه الهيئة رأسمال لا يقل عن 25 بليون ريال سعودي على سبيل المثال تتم زيادته كلما دعت الحاجة، ويكون للهيئة الاستقلال المالي والوظيفي عن وزارة المالية أو ديوان الحقوق المدنية، ويشرف على أعمالها المجلس وأدائها مجلس الشورى و ترتبط مباشرة بمجلس الوزراء.
2. إنشاء مجمعات علمية تقنية "مدن علمية" في المناطق الكبرى الخمس في المملكة: الوسطى والشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، وتشمل المجمعات كليات علمية تقنية في المجالات الهندسية والميكانيكية والكيميائية والكهربائية والجيولوجية والتعدينية والدعم الطبي الفني والتمريض .. الخ و يستدعى لإدارة وتشغيل هذه الكليات التقنية مؤسسات عالمية متخصصة من دول لها باع في هذا المجال مثل ألمانيا واليابان وأمريكا وكوريا وغيرها. وتكون مهمة هذه المؤسسات العلمية الأجنبية إدارة المهمة التعليمية وإعداد مناهجها وإحضار مدرسيها، وتشمل هذه المدن المعامل العلمية والورش والمختبرات اللازمة كما تشمل أيضاً شقق سكنية للعزاب وللمتزوجين على مستوى جيد، ومستشفيات وعيادات ومرافق رياضية وترفيهية وحدائق عامة (على غرار مجمع أرامكو أو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية).
3. يدعى إلى الالتحاق بهذه الكليات كل سعودي عاطل عن العمل أو من يرغب في رفع كفاءته العلمية والتقنية، ويصنف المتقدمون إلى مجموعات كل بحسب مستواه وقدراته العلمية الراهنة.
4. يخضع الملتحقون لعام كامل لتعلم اللغة الانجليزية من قبل معهد متخصص في تدريس اللغة قبل البدء في التخصصات التي تم اختيارها من قبلهم والمتوائمة مع قدراتهم .
5. يبرم عقد التحاق بالكلية بين المتقدم و"الهيئة الوطنية للتأهيل العلمي والتقني" يلتزم بموجبه الطالب بمواصلة الدراسة حتى التخرج وتحقيق نسب جيدة من الأداء العلمي وتتكفل الدولة ممثلة بالهيئة بما يلي:
أ. دفع راتب شهري للطالب لا يقل عن خمسة آلاف ريال على سبيل المثال
ب. تأمين السكن له إن كان عازباً و لعائلته وأطفاله إن كان متزوجاُ داخل المدينة العلمية
ج. تقديم العلاج له ولعائلته وأطفاله
د. بالنسبة لمن هو مسؤول عن إعالة والديه أو إخوته تتولى الشؤون الاجتماعية إعانة أسرته حتى يتم تخرجه.
6. يتم إلغاء المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني وإحالة ميزانيتها إلى الهيئة وكذلك يتم إلغاء برنامج السعودة وما يرتبط به من صناديق وغيرها وإحالة ميزانياتها وأموالها إلى الهيئة وكذلك الحال بمصاريف إدارة و فروع وزارة العمل ذات العلاقة ببرامج السعودة.
إن المحصلة النهائية في رأيي من تطبيق هذا البرنامج الموجه بشكل مباشر لعلاج مشكلة تدني القدرات التقنية والفنية لدى خريجي النظام التعليمي العام بكل مستوياته ستكون أولاً استيعاب جميع العاطلين عن العمل وبذلك يتم القضاء على البطالة بشكل حقيقي وليس وهمي وقيام جيل جديد من الشباب السعودي والشابات السعوديات على مستوى عال جداً من الكفاءة والقدرة التقنية والمهنية.
هذا المشروع لا يلغي أو يقلل من أهمية وضرورة إعادة هيكلة النظام التعليمي برمته لأن المدارس والجامعات هي المكان الرئيسي لبناء عقل الإنسان المواطن وتأسيسه علمياً وفكرياً. وتبقى الهيئة الوطنية للتأهيل العلمي والتقني رافداً ورافعاً للجانب المهني والتقني والفني لنظام التعليم العام، ووسيلة هامة لمعالجة مشكلة البطالة الناجمة عن ضعف التكوين التقني والفني لدى الباحثين عن عمل من المواطنين السعوديين.
التطور السياسي و الاجتماعي شرط للتطور الاقتصادي:
السياسة والاجتماع ضلعان أساسيان إلى جانب الضلع الاقتصادي لإقامة مثلث التنمية الشاملة في أي أمة. المملكة العربية السعودي لا تختلف عن بقية الأمم في الخطوط الأساسية لمسيرة التاريخ البشري فنحن بشر ككل البشر. نعم لكل أمة ظروفها ومراحلها التاريخية التي تمر بها ، لكن اتجاه التطور الإنساني واحد، اتجاه لابد أن يفضي، وإن طال الزمان، إلى دعم حرية الإنسان وكرامته وحقوقه.
وثيقة الرؤية 2030 معنية أصلاً بأحداث تغيير جوهري هيكلي في البنية الاقتصادية درءاً للمخاطر الاقتصادية التي سوف تحل بنا لو استمرت حالنا الاقتصادية في الإنفاق والاعتماد على البترول والهدر والفساد الإداري والمالي وعدم الشفافية وعدم المساءلة وضعف الإنتاجية كما هي، لذا فإن التغيير الحقيقي من أجل الإصلاح والتطويرمطلب شبه جماعي وعلى كل المستويات كما أوضحت سابقا.
التنمية الاقتصادية وما يتبعها من زيادة في الدخل لرفاهية المجتمع، عمـــودها الفقـــري و مركز الدائرة فيها هو الإنسان المواطن رجلاً و امرأة. أن صلح صلح الأمر كله وإن فسد فسد الأمر كله. الإنسان بغريزته وطبيعته الإنسانية ميال إلى الحق والخير والعدل والحرية والإنتاج والكرامة، لكن الإنسان قد ينحرف عن هذه القيم الإنسانية الرفيعة بفعل الظروف الحياتية والفكرية التي يمر بها. لذا فإن الظرف السياسي والاجتماعي الذي يشكل الإطار العام لحياة الإنسان يؤثر بشكل مباشر على إنتاجيته وإبداعه وأدائه الاقتصادي.
مشروع الرؤية الاقتصادية لكي ينجح ويحقق أهدافه فلابد أن يكون مؤسسا على النهوض بالإنسان السعودي رجلاً وامرأة ، علماً و فكر وتحضراً وإنتاجاً لأن الإنسان المتعلم المبدع المتحضر هو الوسيلة المجدية والفعالة والقادرة على تحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية. فالإنسان اذن هو الوسيلة وهو أيضا الهدف لعملية الإصلاح الاقتصادي.
التنمية الاقتصادية الشاملة التي تنشد تحقيقها الرؤية ، تتطلب بالضرورة تطوير الجوانب السياسية والاجتماعية المرتبطة بالإصلاح الاقتصادي، فالإنسان والمجتمع كل تترابط وتتكامل فيه الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فالشفافية في القضايا والمعاملات الاقتصادية تتطلب حرية في الرأي يؤصلها القانون و يحميها لكي لا يخشى السائل والباحث عن الحقيقة غضب مسئول مقتدر على إيذائه وإلحاق الضرر به وعملية المساءلة والحساب تتطلب وجود مؤسسات رقابية وتشريعية قادرة بحكم نظامها على دعوة المسئول ومساءلته وبيان تقصيره أو فساده. وفي مجال ترشيد القرار، لابد من فسح المجال أمام المؤهلين من المواطنين رجالا ونساء للمشاركة في اتخاذ القرار، فيكون اختيار الوزراء وكبار التنفيذيين قائماً على مبدأ الكفاءة والإخلاص والنزاهة. وفي مجال الراحة النفسية والاستقرار الاجتماعي لابد من حماية المواطن من أخيه المواطن ذي التوجه والأيدلوجية الاجتماعية أو الفقهية المتشددة من فرضها عليه ، أما تحت مبــدأ الحسبـــة أو التسلط. تقول الرؤية: "تبدأ رؤيتنا من المجتمع وإليه تنتهي ويمثل المجتمع الحيوي المحورالأول في الرؤية أساساً لتحقيق هذه الرؤية وتأسيس قاعدة صلبة لازدهارنا الاقتصادي وينبثق هذا المحور بإيماننا بأهمية بناء مجتمع حيوي أفراده وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال".
الارتقاء بالإنسان لايكون فقط برفع مستواه المادي والاقتصادي، ولكن أيضا بإشعاره بكرامته الإنسانية واحترام حقوقه السياسية والاجتماعية للوصول به إلى إنسان مستقر اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
الرؤية لا بد أن تكون شاملة لكل الجوانب الأساسية في حياة الفرد والجماعة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لكي تحقق أهدافها في بناء مجتمع متطور متحضر متوازن وسطي مستقر.
القوى العاملة الأجنبية و دورها في تنفيذ برامج الرؤية2030:
الرؤية تشتمل على برامج صناعية وتجارية وخدمية متعددة، وتسعى لتحقيق أهداف طموحه و بشكل سريع. لذا فقد وردت في عدة مواضع في الرؤية جمل أرى من خلالها توجه إلى الاستزادة من القوى العاملة الأجنبية الماهرة للمساعدة في الإسراع في تنفيذ أهدف الرؤية تقول الرؤية: "نركز جهودنا على تخصيص الحكومة وتحسين بيئة الأعمال بما يسهم في استقطاب أفضل الكفاءات العالمية والاستثمارات النوعية".
كما ورد أيضا في الرؤية " لكي نحقق معدل النمو الاقتصادي المنشود بوتيرة أسرع سنسعى إلى إيجاد بيئة جاذبة للكفاءات المطلوبة. وذلك من خلال تسهيل سبـــل العيــــش و العمل في وطننا وسنحقق ذلك عبر إتاحة فرص أكثر لغير السعوديين منهم بتملك العقارات في مناطق معينة ورفع درجة جودة الحياة والسماح بافتتاح المزيد من المدارس الأجنبية واعتماد نظام فعال وميسر لإصدار التأشيرات ورخص الإقامة هدفنا هو تهيئة البيئة الجاذبة التي يمكن من خلالها استثمار كفاءتنا البشرية واستقطاب أفضل العقول في العالم للعيش على أرضنا وتوفير كل الإمكانات التي يمكن أن يحتاجوا إليها بما يسهم في دفع عملية التنمية وجذب المزيد من الاستثمارات"
إذا كان هدف الرؤية هو الإسراع بعمليات الاستثمار الداخلي والخارجي من أجل زيادة وتنويع مصادر الدخل دون أن يكون الإنسان المواطن الرجل و المرأة هو الأداة والوسيلة المشاركة بشكل أساسي في تنفيذ برامج الرؤية لأن تهيئة وتطوير قدرات المواطن سوف تأخذ شيئاً من الوقت، فإن هذا يمثل جانباً سلبيا في منهجية الرؤية.
لكنني لا أظن أن الرؤية تغلب السرعة على انزال فائدة برامجها ومكتسبها على أراض المواطن وأتمنى ألا يكون ذلك هو المعني بالفقرات التي تشير إلى أهمية دور الكفاءات الأجنبية في تنفيذ خطط الرؤية وبرامجها.
القوى العاملة الوطنية فيها والحمد لله عناصر رجالية ونسائية بقدرات وكفاءات علمية وتقنية في جميع المجالات، شكراً لمجهود هؤلاء الشخصي والعائلي والدعم الحكومي المتمثل بالابتعاث الخارجي. هؤلاء نواة جيدة للانطلاق منها والتأسيس عليها وتطعيمهــا بمهــارات وخبرات أجنبية عالية. وإذا أضفنا إلى ذلك قيام الرؤية بالبدء في تطبيق برامج فاعلة وحقيقية لبناء قدرات المواطنين العلمية والتقنية سواء العاطلين عن العمل أو الباحثين عن تطوير مهاراتهم العلمية الفنية، وكذلك تطوير مناهج التعليم بشكل جدي وسريع لتحسين مخرجات التعليم، فبهذه الأمور وغيرها نستطيع تكوين قوة عاملة سعودية ماهرة، تبدأ في تنفيذ برامج الرؤية، ولا تسبب تأخيراً كبيراً، بمشاركة أجنبية ومشاركة قوى سعودية أخرى، تلتحق بالركب كلما أكملت تعليمها ورفعت من كفاءتها العلمية.
أخذ كل هذه العوامل المتعلقة بالعمالة الوطنية في الحسبان والمواءمة بينها وبين الجدول الزمني لتنفيذ مشاريع الرؤية وبرامجها سوف يساعد القائمين على الرؤية على تعظيم الفائدة منها في مجال توطين التقنية في العقول السعودية وتوجيه الدخل العالي لصالح المواطنين حتى وإن تطلب ذلك شيئاً من المرونة والتروي في سرعة تنفيذ بعض البرامج لصالح الاستفادة القصوى منها وطنياً. بهذا الأسلوب تتمكن الرؤية من عدم تكرار النتائج السلبية لاستراتيجية التنمية الاقتصادية للخطط الخمسية السابقة حيث كان الإسراع في الإنفاق الحكومي على حساب بناء الإنسان المواطن.
إن الرؤية إذا لم تجعل التركيزعلى رفع قدرة و كفاءة الإنسان السعودي سابقة أو متزامنة مع قيام المشاريع وإنشاء الشركات فإن الفجوة بين مهـــارة المواطــن و قدرته العلمية من جهــة ومتطلبات سوق العمل السعودي من جهة أخرى سوف تتسع عما هي عليه الآن، وسوف يزداد حجم البطالة مما يؤثر على تحقيق الرؤية المعنية أساساً كما أرجو وأتمنى بإحداث تغيير جوهري في حياة الإنسان السعودي.
الفساد الإداري والمالي:
ورد في الرؤية2030 النص التالي "لن نتهاون أو نتسامح مطلقاً مع الفساد بكل مستوياته سواء كان مالياً أو إدارياً ". الاعتراف بوجود الفساد المالي و الإداري من قبل الرؤية جيداً جدا والالتزام بمحاربته على كل المستويات عظيم جداً.
الفساد المالي و الإداري له وجود ملحوظ و ظاهر في مجتمعنا ، يراه الصغير و الكبير وتراه المرأة و يراه الرجل. الفساد مفسد لكل شيء يتواجد فيه أو حوله، مفسد لكل برنامج إصلاح، يقتل الحياة ويثبط في العزائم. إنه سرطان تعاني منه كل الدول والشعوب، مرض بدأ العالم يشعر بخطورته، وبدأت الجهود الدولية تتحد وتتعاضد للقضاء عليه والحد من أضراره.
الفساد يجعل المواطن ينظر إلى المسئولين في الدولة أنهم ليسوا الحراس على المال العام بل أنهم المعتدين عليه، لذا فإن الفساد يجعل من المال العام مالاً سائباً لك أو لأخيك أو للذئب.
أنشأت الدولة في شهر مارس من العام 2011 م هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)، وأعدت لها نظاماً ولوائح ، ووضعت لها ميزانية وأوكلت إليها مكافحة الفساد المالي والإداري ورغم كل الآمال التي علقت على الهيئة، إلا أنها فشلت في تحقيق آمال المواطن في مكافحة الفساد كما يراه و يشعر به.
المواطن يشعر أن حجم الفساد يجاور أحياناً الوظائف العليا أو تلك المحصنة سياسياً وكان ذكياً في مراقبته و تتبعه لإنجازات الهيئة. ذهبت الهيئة في البحث عن الفتات من الفساد لدى مديري المستودعات وصغار الموظفين. وبدلا من أن تكون هيئة مكافحة الفساد أملاً و نوراً في طريق الإصلاح، أطاحت بالآمال ورسخت لدى البعض مقولة إن الإصلاح في هذا المجال مستحيل.
المواطن إن لم ير إعمال القانون أولاً على كبار رجال الدولة والمسئولين كما يراه على صغار الموظفين ومدراء المستودعات، فإنه بذكائه وفطنته سيعلم أن مكافحة الفساد مجرد شعار مفرغ من الحقيقة والجدية. ولهذا الإحساس والشعور آثار سلبية كبيرة على مسيرة التنمية والإصلاح والرؤية.
الأمل المعقود على الرؤية أن تحافظ على وعدها والتزامهـــا بمكافحـــة الفســــاد المالي و الاداري بكل أشكاله ومستوياته.
التطور والتنمية والفقه الوسطي:
دستورنا كمسلمين وكسعوديين هو القرآن الكريم والثابت ثبوتا قطعيا من الحديث الشريف. القرآن الكريم نزل واكتمل وانتهى بحكم الآية الكريمة ﴿ الْيَوْمَ أكملت لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: 3). أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالثابت منه ثبوتاً قطعياً متطابقا مع النص القرآني ومفسراً له، إذن القرآن الكريم هو دستور هذه الأمة. ومن الدستور وبدون الخروج عنه أو عليه تصاغ القوانين والشريعة التي تحكم حياة الإنسان والأمة بجميع جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
في المملكة العربية السعودية تحكم حياة الناس بشكل عام قوانيـــن مؤسسة علــــى أقوال و فتاوى فقهية. والفقه كفرع من فروع العلوم الدينية هو في الأساس والأصل قول لفقهاء أجلاء كرام على امتداد التاريخ الإسلامي. هؤلاء الفقهاء الكرام هم بشر مثلنا تفقهوا في الدين و كتبوا وفسروا وأفتوا، لكنهم يظلون بشراً يؤخذ منهم ويرد عليهم. وها هو أحد كبار الفقهاء الإمام الشافعي رحمه الله واحد من الأئمة الأربعة الكبار يقول "رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأيهم خطأ يحتمل الصواب". وما ينطبق على الإمام الشافعي ينطبق على جميع الأئمة والفقهاء والمحدثين والمفسرين. هؤلاء جميعاً عاشوا في زمان وظرف اجتماعي واقتصادي وسياسي مختلف جداً عما نعيشه اليوم في المملكة العربية السعودية. الشيء الوحيد الثابت بيننا وبينهم هو النص القرآني الكريم والثابت من قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
القوانين التي تحكم وتتحكم في مسيرة حياتنا بجميع جوانبها الدينية والدنيوية، هي مؤسسة على الفقه أي على قول الفقهاء وعلى نوع من الفقه وهو الفقه الحنبلي. لكن هذا ليس هو موضوعي فجميع الأئمة الكرام هم عندي سواء واختلافهم في بعض الأمور الثانوية رحمة للأمة لأن قولهم قول بشر قابل للصواب والخطأ إذن مادام الأمر كذلك فإنه من الضروري أن يصار إلى إعادة صياغة القوانين التي تحكم وتسيطر على مفاصل حياة الأمة وعلى حركة تطورها ونموها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي صياغة يقوم بها فقهاء من زماننا، يعيشون بيننا ويلامسون ظروف حياتنا، و لهم قسط من التعليم والثقافة الدنيوية مثلنا.
كل قانون يحب أن يكون دستورياً، أي قرآنياً ، وليس بالضرورة أن يكون فقهياً سلفياً أو حنبلياً أو شافعياً أو مالكياً أو غيره. فقول الله تعالى المنزل في القرآن الكريم و الوارد في الحديث النبوي الثابت هو الذي يؤخذ به ولا يرد عليه أما أقوال الفقهاء جميعاً فليست لها قدسية النص القرآني.
يواجه مجتمعنا السعودي قيوداً قانونية بجذور فقهية ذات تأثير قوي على مسيرته التنموية الشاملة ولأن الرؤية معنية بقضية التطور والتنمية على مستوى الفرد والمجتمع فإنه قد يكون من الضروري البحث عن حلول لهذه القضايا كجزء من منظومة تطور الإنسان ورفع قدراته وإمكاناته العلمية والإبداعية والحضارية ومن هذه العوائق على سبيل المثال لا الحصر مسألة قيادة المرأة للسيارة هذه المعضلة العالقة في فضائنا الاجتماعي والتي تبرأ منها رجال الدنيا ورجال السياسة على حد سواء وغيرها من أمور متشابهات وأثرها السلبي علينا واضح للعيان وأثرها الإيجابي علينا لايحتاج إلى بيان. لابد من قرار سياسي يصوبها ويضعها في الاتجاه السليم الذي لايتعارض مع الإسلام العظيم الوسطي الإنساني ومقاصده العليا التي تعلي مصلحة الأمة وتحترم كرامة الإنسان وحريته وعقله.
وهذا أثره الإيجابي على حياة الفرد والأمة ومكانة المملكة اقليمياُ ودولياً وحضارياً عظيم ولا يحتاج إلى مليارات وشركات وإنما يحتاج إلى إرادة سياسية مؤمنة بحتمية التغيير وتعديل المسيرة نحو الاتجاه السليم.
د. عبد العزيز محمد الدخيل
الرياض ، مايو 2016 م
الموافق شعبان 1437 هـ
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
-مقدمة
أولاً : رؤية المملكة العربية السعودية 2030
-مرتكزات الرؤية
-برامج الرؤية
-سياسات و توجهات الرؤية
ثانياً : قراءة نقدية للرؤية
-إرادة التغيير مطلب للجميع
-استبدال النفط في باطن الأرض باستثمارات أجنبية
-أرامكو و النفط السعودي في باطن الأرض
-بيع جزء من شركة أرامكو السعودية
-إنشاء شركات مساهمة سعودية للنفط و الغاز تنافس شركة أرامكو
-الإنسان السعودي العمود الفقري و القاعدة الأساسية للتنمية الاقتصادية
-المرأة
-الفقر
-ضريبة الدخل على الأثرياء و على الثروات
-المياه
-النمو السكاني
-البطالة و العلاج غير الناجع – السعودة
-التطور السياسي و الاجتماعي شرط للتطور الاقتصادي
-القوى العاملة الأجنبية ودورها في تنفيذ برامج الرؤية 2030
-الفساد الإداري و المالي
-التطور و التنمية و الفقه الوسطي
مقدمة
قبل النفط الذي اكتشف عام 1938 ميلادية عاش آباؤنا وأجدادنا في شبه الجزيرة العربية يعملون ويكدحون في الرعي والزراعة في واحات وقرى المملكة وصحاريها، تجاراً و عمالاً. سيروا القوافل التجارية إلى العراق والشام ومصر(العقيلات)، وعملوا في الغوص في أعماق البحر في الخليج العربي والبحر الأحمر ، وعملوا في الزراعة والبناء وغيرها.
كانت بلادنا فقيرة بمواردها ولكنها غنية بسواعد رجالها و نسائها، عمل دؤوب وجهد متواصل لتأمين لقمة العيش الحرة الكريمة.
جاء طوفان النفط الذي اكتشف عام 1938 م وبدأ الإنتاج والتصدير بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م، فأغرقنا جميعا حكومة و شعباً، تعثرت الدولة مالياً في عام 1957م عندما أنفقت أكثر مما لديها من المال وأوشكت على الإفلاس، لكنها لملمت أمورها وأصلحت ميزانيتها، وعاودت مسيرة الإنفاق بانتظام بمساعدة فنية ومالية من الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت عيونها على النفط تحت الأرض وليس الإنسان على سطح الأرض.
في عام 1970م أي قبل 46 عاماً وضعت المملكة العربية السعودية من خلال وزارة التخطيط الخطة الخمسية الأولى للتنمية الاقتصادية ( 1970-1975م)، وكانت أهدافها ثلاثة هي:
"(1) زيادة معدل الإنتاج المحلي (2) تطوير الموارد البشرية لتتمكن عناصر المجتمع المختلفة من زيادة مساهمتها الإنتاجية وتمكينها من المشاركة الكاملة في عملية الإنتاج، (3) تنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على البترول عن طريق زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى في الإنتاج المحلي الإجمالي". هدف زيادة الإنتاج المحلي الإجمالي (GDP)، تجده مقدمة لأي خطة وفي أي دولة لكن مربط الفرس وجوهرة الأهداف هو الهدف الثاني للخطة أي "تطوير الموارد البشرية لتتمكن عناصر المجتمع المختلفة من زيادة مساهمتها الإنتاجية و تمكينها من المشاركة الكاملة في عمليه الإنتاج". الهدف الثالث تنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على البترول تجده أيضا في كل خطط المملكة التسعة.
في أكتوبر عام 1973م، أي في منتصف الخطة الخمسية الأولى (1970-1975م)، اندلعت ثورة أسعار النفط بسبب قرار أوبك حظر تصدير البترول لأمريكا وهولندا ، لموقفهما العدائي من مصر في حرب أكتوبر 1973م، ودعمهما لإسرائيل. تضاعف سعر برميل النفط أربع مرات من ( 3,6) دولار للبرميل في أوائل عام 1973م إلى (12) دولاراً للبرميل في نهاية 1974م. ارتفاع أسعار النفط أدى إلى مضاعفة إيرادات الدولة من دخل البترول.
في هذه الحقبة التاريخية التي كنت شاهداً عليها وأنا في وزارة المالية كانت هناك مدرستان فيما يتعلق برسم إستراتيجية للتنمية الاقتصادية بالمملكة. المدرسة الأولى يرأسها ولي العهد آنذاك المرحوم الملك فهد بن عبد العزيز، ومعالي الأستاذ أحمد زكي يماني وزير البترول، والمرحوم معالي الأستاذ هشام ناظر وزير التخطيط. وكان الفكر الذي تتبناه هذه المدرسة هو زيادة حجم الإنفاق الحكومي في المشاريع والصناعات البتروكيماوية وغيرها أولاً وتطوير القوى البشرية ثانياً. أما الفكر التنموي لدى المدرسة الثانية فكان على رأسه المرحوم الأمير مساعد بن عبد الرحمن وزير المالية ومعه معالي الأستاذ محمد أبا الخيل نائب وزير المالية آنذاك، فكان يقوم على التوازن في الإنفاق الحكومي والتركيز على القوى البشرية والخدمات المساندة لها أولاً والمشاريع الكبرى ثانياً.
في الخطة الخمسية الأولى (1970-1975م) كان صوت المدرسة الثانية (التوازن في الإنفاق) عالياً، لذا كان التركيز على تطوير القوى البشرية أولاً. الفريق الأول الذي تقوم إستراتجيته التنموية على المشاريع أولاً وتطوير القوى البشرية ثانياً، وجد في زيادة الإيرادات الحكومية بعد ارتفاع أسعار النفط مبرراً وحافزاً ووسيلة لدعم زيادة الإنفاق أولاً، لذا تضاعف الإنفاق الحكومي في الخطة الخمسية الثانية (1975-1980م) تسع مرات مقارنة بالخطة الأولى. هذه الطفرة في الإنفاق على المشاريع كان لها الأولوية على تهيئة القوى العاملة الوطنية تقنياً ومهنياً للمساهمة الحقيقية في مشاريع التنمية الاقتصادية وصناعاتها المتطورة. وقد أدى ذلك إلى ضرورة فتح الباب على مصراعيه من جانب الدولة لاستقدام العمالة الأجنبية لتشغيل وإدارة هذه المشاريع والمصانع ذات التقنية العالية، إلى جانب تدفق العمالة الخدمية التي تزايدت أعدادها أيضا بسبب ارتفاع الدخل الفردي و زيادة أرباح القطاع الخاص من الإنفاق الحكومي.
توالت الخطط الخمسية الواحدة تلو الأخرى حتى التاسعة (2010-2015م) وهي على نفس المنوال، الأولوية للمشاريع على تطوير ورفع القدرات العلمية والتقنية للقوى العاملة الوطنية.
اقتصادنا اليوم يمكن وصف حاله بما يلي:
أ- اقتصاد يعتمد بنسبة عالية على النفط كمصدر رئيسي لإيرادات الدولة حيث تتجاوز 90% في ميزانية العام الحالي 2016 م.
ب- اقتصادنا يعتمد بشكل أساسي على الإنفاق الحكومي لإدارة عجلته في الإنتاج والاستهلاك سواء بالنسبة للقطاع العام أو بالنسبة للقطاع الخاص. الكل بلا استثناء عينه على ميزانية الدولة، والكل يشرب من هذا الينبوع الحكومي بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذا الينبوع مصدره بئر بترول ستجف يوماً أو يصبح سعر بترولها بخساً.
ج- اقتصاد يأوي عدداً هائلاً من العمالة الأجنبية الماهرة وغير الماهرة، لم تأتِ من ذاتها بل جاءت بطلب منا، طلب فرضته منهجية التنمية الاقتصادية للدولة القائمة على المشاريع و التقنية العالية أولاً، وإعداد القوى العاملة الوطنية ثانياً.
باختصار شديد ، اقتصادنا يقوم أساساً على الإنفاق الحكومي الذي هو بدوره يعتمد أساساً على إيرادات النفط. القطاع الخاص يعيش بشكل كبير على مشاريع الدولة و إنفاقها .الدولة توسعت في الإنفاق الاستهلاكي وكذلك القطاع الخاص والمواطنون. الدولة تحصل على دخلها من استخراج النفط دون عناء وجهد كبير، والمواطنون ومعظمهم من موظفي القطاع العام إنتاجيتهم أقل بكثير من رواتبهم ورجال الأعمال أرباحهم أكثر بكثير من جهدهم ومخاطرهم.
صورة غير مطمئنة، مزعجة، مقلقة، تراءت لي منذ زمن وكتبت عنها مقالات عدة منها "لكي لا نقع في الهاوية صحيفة الشرق السعودية 10/3/2014 م " و كتاب بعنوان (أزمة مالية في طور التكوين،المملكة العربية السعودية الإيرادات والمصروفات، ماكملان 2013م ) اعتمدت فيه على التحليل الإحصائي لسنوات ماضية وقادمة ووصلت إلى نتيجة مفادها :"إننا إن بقينا على نفس الدرب سائرين فإننا لا محالة متجهون نحو أزمة مالية كبرى. وقلت أنه لابد من هيكلة جوهرية جذرية للاقتصاد السعودي، أوضحت معالمها في الفصل الأخير من الكتاب، وقلت إنه لا يمكن تحقيق هذه الهيكلة ذات الأبعاد الاقتصادية والسياسية والإدارية إلا بوجود إرادة سياسية عليا من صاحب القرار الأول ملك البلاد. إرادة تعمل على بناء إستراتيجية للتنمية الاقتصادية على أسس ومنهجية علمية وطنية، وإتباعها بخطة تنفيذية واضحة".
في منتصف 2015م، وبداية 2016م كانت هناك عاصفة تنبئ عن إرادة سياسية، لبناء إستراتيجية اقتصادية ، في البداية ظننتها من ما ذكر عنها في الصحف الأجنبية والمحلية، إنها تهيئة للخطة الخمسية العاشرة (2016-2020م) ، لكنه بدا لي من خلال مقابلات سمو ولي ولي العهد ورئيس المجلس الاقتصادي الأمير محمد بن سلمان مع بلومبرج والايكونومست وغيرهما، و أخيراً مقابلته مع تلفزيون أم بي سي، وما أعقبه من لقاء مع الصحفيين، أننا أمام عمل ضخم هو (رؤية المملكة العربية السعودية2030).
(الرؤية2030) كإرادة سياسية جازمة عازمة على إحداث تغيير جوهري لبناء قاعدة إنتاجية للاقتصاد السعودي لمنع أزمة مالية قادمة مطلب تنشده جميع شرائح المجتمع من مثقفيه وموظفيه من رجاله ونسائه، تطلبه لأنها تشعر أن الأرض التي تقف عليها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ليست صلبة ثابتة أمام عالم يسير بسرعة فائقة ومتغيرات طالت جميع جوانب الحياة الفردية والمجتمعية ونحن في وضع أقرب ما يكون إلى السكون. لذا قوبلت ثورة الحزم والعزم و التغيير الجوهري بردة فعل إيجابية من معظم الناس.
(الرؤية 2030) لا تحتاج إلى إعلاميين طبولهم أكبر من عقولهم و فكرهم إلى المديح أقرب منه إلى التحليل ، الرؤية تحتاج إلى فكر نقدي Critical Thinking وتحليل علمي وطني. فكر يقدم رأياً ولا يدعي احتكار الحقيقة، فكر إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران. وهذا ما ظننت أني فاعله في هذه الورقة.
بهذه المقدمة عن وضعنا الاقتصادي أعود إلى موضوعي "رأي في الرؤية 2030 " بهذا التسلسل :
أولاً : موجز عن الرؤية ومكوناتها.
ثانياً : قراءة تحليلية نقدية للرؤية .
أولاً: رؤية المملكة العربية السعودية 2030
لقد خطط للرؤية أن تأخذ وجها إعلامياً دولياً، وذلك من خلال المقابلات التي خص بها ولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية سمو الأمير محمد بن سلمان وراعى هذه الرؤية صحيفة بلومبرج Bloomberg التي نشرت تقريراً مفصلاً عن المقابلة بتاريخ 21 ابريل 2016 م ، وجريدة الايكونوميست Economist التي نشرت مقالاً بهذا الخصوص في عددها الصادر في 30 ابريل 2016 ص33،ص34.
ورغم اهتمامي بما نشر في هذين المصدرين اللذين أتيح لهما قبل الكل الجلوس وجهاً لوجه مع سمو ولي ولي العهد، إلا أن اعتمادي في تحليل مضامين الرؤية كان على الوثيقة الصادرة من مجلس الوزراء بخصوص الموافقة على الرؤية والبيان التفصيلي المرفق معها والتي نشرت في الصحف السعودية، وعلى مشاهدتي ومتابعتي للقاء سموه مع قناة MBC ولقائه مع مندوبي الصحافة السعودية والعالمية.
مرتكزات الرؤية :
تقوم الرؤية على ثلاثة مرتكزات أساسية أسمتها الرؤية عوامل النجاح :
الأول : وجود الحرمين الشريفين .
الثاني: قدرات استثمارية ضخمة
الثالث : موقع جغرافي إستراتيجي
برامج الرؤية:
على هذه المرتكزات الثلاثة، أو عوامل النجاح بنيت المشاريع و البرامج التي تقوم عليها الرؤية و تتمثل في:
1. تحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى أكبر صندوق سيادي في العالم Sovereign Fund برأس مال قدره 2 تريليون دولار أمريكي، يؤسس على أصول وموجودات صندوق الاستثمارات العامة PIF يضاف إلى ذلك عوائد بيع أقل من 5% من أصول شركة أرامكو المقدرة بحوالي 3 مليارات دولار أمريكي، إضافة إلى أصول الدولة من الأراضي وأسهم الشركات وغيرها. و سوف يتم استثمار أموال الصندوق في استثمارات أجنبية وداخلية تدر دخلاً للدولة، ليحل محل الدخل من البترول. وتهدف الرؤية إلى الاستغناء عن النفط كمورد رئيسي لإيرادات الدولة عام 2020 م ، كما ورد في حديث سموه.
2. زيادة القدرة الاستيعابية للحج والعمرة، وتعديل الإجراءات البيروقراطية والإدارية، وكذلك منح التأشيرات بهدف رفع عدد المعتمرين من (8) مليون في 2015م إلى (15) مليون معتمر في عام (2020م) وإلى (30 مليون ) في عام (2030م).
3. تحويل شركة أرامكو من شركة لإنتاج النفط والغاز إلى عملاق صناعي يعمل في جميع أنحاء العالم وتستثمر في المجالات الصناعية والبتروكيماوية، والتكرير والنقل، وغيرها من الصناعات المصاحبة عالمياً.
4. استغلال الموقع الإستراتيجي للمملكة العربية السعودية من أجل تطوير التجارة الدولية بين القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وجعل المملكة قاعدة لوجستية عالمية تصبح من خلال ذلك مركزاً رئيسياً للتجارة العالمية، ويدخل في ذلك بناء الجسر الذي يصل المملكة بجمهورية مصر العربية وهذا سوف يؤدي إلى زيادة الدخل الحكومي من التعرفة الجمركية.
5. فتح مجال أرحب للقطاع الخاص ليكون شريكا للحكومة وذلك بتسهيل أعماله وتشجيعه لينمو ويكون واحداً من أكبر اقتصادات العالم، وذلك بتخصيص الخدمات الحكومية حيث سيتم تحويل الدولة من مستثمر ومقدم للخدمات في بعض المجالات مثل الصحية والتعليمية وغيرها إلى إشراك القطاع الخاص في الاستثمار المباشر وتقديم الخدمات للمواطنين ويكون دور الدولة الإشراف والمراقبة.
6. إنشاء شركة للصناعات الحربية لتلبية طلب المملكة على الأسلحة حيث أنها الدولة الثالثة في العالم من حيث الإنفاق العسكري.
7. توسيع مجال استكشاف واستثمار المعادن مثل الذهب والفوسفات واليورانيوم.
8. بناء أكبر متحف إسلامي في العالم يضم أقساماً للعلوم والعلماء المسلمين والفكر والثقافة الإسلامية و مكتبة ومركز أبحاث على مستوى عالمي .
سياسات وتوجهات الرؤية:
تحدثت الرؤية وبشكل عام عن السياسات التي سوف تنتهجها الدولة من أجل المساعدة في تنفيذ الرؤية وهذه أهمها:
1. تشجيع الشركات الواعدة لتكبر وتصبح عملاقة ودعم المنشآت الناشئة والصغيرة والمتوسطة والأسر المنتجة.
2. تخفيف الإجراءات البيروقراطية الطويلة، وتوسيع دائرة الخدمات الإلكترونية ورفع مستوى الأداء الحكومي .
3. اعتماد الشفافية والمحاسبة الفورية.
4. تخصيص الخدمات الحكومية وتحسين بيئة الأعمال لاستقطاب أفضل الكفاءات العالمية والاستثمارية القوية والترحيب بالكفاءات من كل مكان، واستقطاب الكفاءات والمواهب العالمية للعمل معنا والإسهام في تنمية اقتصادنا.
5. دعم الثقافة والترفيه والرياضة.
6. تطوير المدن واستكمال المتطلبات والاحتياجات من ماء و كهرباء ووسائل نقل عامة وطرقات، و الحد من التلوث.
7. تطوير منظومة الخدمات الاجتماعية لتكون أكثر كفاءة و تمكينا وعدالة وذلك بتنظيم الاستفادة من دعم الفقراء والوقود و الكهرباء والماء من خلال توجيه الدعم لمستحقيه.
8. رفع جودة الخدمات الصحية وذلك بتقديمها من خلال شركة حكومية تمهيداً لتخصيصها، ويتركز دور القطاع العام على كونه مخططاً ومنظماً ومراقباً للمنظومة الصحية، بجانب توفير الطب الوقائي والرعاية الصحية الأولية.
9. الأخذبثقافة الجزاء (الأجر) مقابل العمل، من أجل الاستفادة القصوى من مهارات الموظفين وقدراتهم.
10. الاستمرار في تنمية مواهب المرأة واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والإسهام في تنمية مجتمعنا و اقتصادنا.
11. لكي يتم تحقيق معدل النمو الاقتصادي المنشود بوتيرة أسرع، سيتم إيجاد بيئة جاذبة للكفاءات المطلوبة وذلك من خلال تسهيل سبل العيش والعمل في وطننا وسنحقق ذلك عبر إتاحة فرص أكثر لغير السعوديين منهم بتملك العقارات في مناطق معينة ورفع جودة الحياة والسماح بافتتاح المزيد من المدارس الأجنبية واعتماد نظام فعال وميسر لإصدار التأشيرات ورخص الإقامة.
12. إعداد مناهج تعليمية متطورة تركز على المهارات الأساسية بالإضافة إلى تطوير المواهب و بناء الشخصية و تعزيز دور المعلم ورفع تأهيله، ومن أجل متابعة مخرجات التعليم وتقويمها وتحسينها سيتم إنشاء قاعدة بيانات شاملة لرصد المسيرة الدراسية للطلاب بدءاً من مراحل التعليم المبكرة إلى المراحل المتقدمة وبناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل.
13. تطويرالبنية التحتية الخاصة بالاتصالات وتقنية المعلومات وبخاصة تقنية النطاق العريض عالي السرعة لزيادة نسبة التغطية في المدن وخارجها و تحسين جودة الاتصال و سيكون ذلك من خلال الشراكة مع القطاع الخاص.
14. تركيز الجهود في المجالات التي نضمن من خلالها مركزاً قيادياً ومن هذا المنطلق العمل على تعزيز مكانة الشركات الوطنية الكبرى ولاسيما في مجالات النفط والبتروكيماويات والبنوك والاتصالات والصناعات الغذائية والرعاية الصحية وتجارة التجزئة.
15. رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16% من أجمالي الناتج المحلي في 2015م إلى 50% على الأقل في عام 2030م ، ورفع ترتيب المملكة في مؤشر الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 في عام 2015 إلى المرتبة 25 عالميا في 2030 م.
16. لن يتم التهاون والتسامح مطلقاً مع الفساد بكل مستوياته سواء كان ماليا أم إدارياً وسيتم تحقيق أعلى مستوى من الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات، وذلك بتفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة.
17. لن يفرض على المواطن ضريبة على الدخل أو الثروة أو السلع الأساسية، وسيتم تحقيق التوازن في الميزانية وتنويع مصادر الإيرادات وتعظيمها وإدارة الميزانية العامة بصورة رشيدة مما سينعكس على استقرار الأسعار.
18. تعزيز كفاءة الإنفاق في القطاع العام من خلال ضوابط صارمة على آليات اعتماد الصرف، سيتم تعزيز التوافق بين الأولويات الإستراتيجية وتوزيع الميزانيات وتعزيز ضوابط تنفيذها وآليات التدقيق و المحاسبة وتحديد الجهات المسئولة عن ذلك.
19. المراجعة الدقيقة للهياكل التنظيمية والإجراءات الحكومية وتوزيع المهام والمسؤوليات والصلاحيات وتطويرها بما يضمن الفصل الواضح بين عملية اتخاذ القرار وتنفيذه ومراقبة التنفيذ من أجل تسريع عملية اتخاذ القرار والحد من الهدر المالي والإداري.
20. تدريب أكثر من (500) ألف موظف حكومي عن بعد وتأهيلهم لتطبيق مبادئ إدارة الموارد البشرية في الأجهزة الحكومية بحلول عام 2020م، وسيؤسس برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية، إدارة للموارد البشرية في كل جهاز حكومي وسيقدم الدورات التدريبية لتطوير المهارات والمواهب .
21. تطبيق منهجية الخدمات المشتركة التي تهدف إلى توحيد الجهد للاستفادة القصوى من الموارد البشرية وتوفير بيئة عمل مناسبة لجميع الجهات بأقل تكلفة وذلك بدمج الخدمات المساندة في الأجهزة الحكومية لرفع الإنتاجية والجودة وتخفيض التكاليف والحد من الهدر المالي والإداري.
22. رفع كفاءة الإنفاق العام من خلال مراجعة شاملة ودقيقة للأنظمة واللوائح المالية في جميع الأجهزة الحكومية للتحول من التركيز على سلامة الإجراءات إلى مفهوم فاعلية الصرف وارتباطه بتحقيق أهداف محددة يمكن قياس فاعليتها.
23. كل مواطن مسئول عن بناء مستقبله، عليه أن يبني ذاته وقدراته ليكون مستقلاً وفاعلاً في مجتمعه ويخطط لمستقبله المالي والعملي. و كل فرد مسئول تجاه أسرته، وعلى الفرد أن يعمل بجد وجهد وانضباط لاكتساب المهارات والاستفادة منها والسعي لتحقيق الطموحات، ولكي يتمكن المواطن من أداء مسؤوليته ستعمل الحكومة (الرؤية) على توفير البيئة الملائمة له في شتى المجالات بما في ذلك توفير أدوات التخطيط المالي من قروض عقارية ومحافظ ادخار وخيارات تقاعدية.
ثانياً : قراءة نقدية للرؤية
إرادة التغيير مطلب للجميع
قامت الرؤية و بنيت أعمدتها وحددت برامجها على إرادة سياسية للتغيير، الإرادة السياسية للتغيير لم تأتِ من فراغ بل من رؤيتها أن هناك حالاً اقتصادية إن استمرت فسوف ينتهي الأمر بأزمة مالية كبيرة.
عندما رفع ولي ولي العهد شعار التغيير كان التجاوب الشعبي سريعاً وقوياً، فارتفعت آمال المواطنين محلقة في سماء الرؤية خصوصاً الطبقة الوسطى ومادونها التي تشعر بأنها لم تنل نصيبها وحقها من الوظيفة والسكن والصحة والرفاهية. لكن هذا الدفع القوي والسريع من جهة القيادة السياسية في إحداث تغير جوهري وسريع في المجال الاقتصادي كما جاء في الرؤية يحمل في طياته ضرورة إخضاع هذه الرؤية للنقد والتحليل حتى لا تخيب الآمال وتهتز الثقة. نقد يهدف إلى تحليل وفحص مكوناتها، علميا وعملياً، نقد يهدف إلى الإشارة إلى نقاط الضعف والإشادة بنقاط القوة، نقد وطني قائم على المعرفة والمواطنة والإخلاص، نقد قادر عليه كثير من رجال وسيدات هذا الوطن من ذوي الاختصاص والإخلاص ومن ذوي الثقافة والمعرفة.
لقد فتح راعي الرؤية وحامل لوائها سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية باب النقد الهادف البناء على مصراعيه عندما قال وكتب في افتتاحية الخطاب الذي قدم به الرؤية لمجلس الوزراء " سنكون شفافين وصريحين عند الإخفاق والنجاح وسنقبل كل الآراء ونستمع إلى جميع الأفكار".
وفي ما يلي وجهة نظري التحليلية فيما يخص الرؤية:
استبدال النفط في باطن الأرض باستثمارات أجنبية:
هذا الأمر هو مربط الفرس إن صح التعبير، وفي نظري هوأهم وأخطر جزء في منظومة الرؤية 2030م. النفط في باطن الأرض السعودية ثروة طبيعية لهذا الجيل والأجيال القادمة، ترتفع وتنخفض قيمته سنوياً بمعدل ارتفاع وانخفاض سعر برميل البترول في سوق النفط العالمي (DP). الأصول المالية للصندوق السيادي هي أيضا ثروة وطنية مالية لهذا الجيل والأجيال القادمة مستثمرة في أدوات مالية وأصول مالية في دول أجنبية، لهذه الاستثمارات عائد سنوي إما ربحاً أو خسارة (R). الاستثمار الأجنبي عرضة للمخاطر السياسية والقانونية بسبب وجوده على أرض أجنبية ويخضع لقانون أجنبي. النفط في المقابل محفوظ في مكامنه الجيولوجية تحت الأرض السعودية وتحت السيادة والقانون السعودي. في العام 1974م تعرضت في رسالة الدكتوراه التي كان موضوعها أسعار النفط في الشرق الأوسط إلى هذا الموضوع المتعلق بالربط بين (سوق النفط) و(سوق المال) بحثاً عن معدل الإنتاج النفطي الأمثل، والذي يتحدد عندما تتساوى نسبة الزيادة في ارتفاع سعر البرميل من النفط السنوي (DP) مع العائد السنوي الحقيقي للاستثمارات الأجنبية (DP=R). لا أريد الدخول في تفاصيل فنية تزعج القارئ ولكني أحيل القارئ المختص إلى ورقة كتبتها أنا والبروفسور واسنكن عام 1977م بهذا الخصوص ونشرت في مجلة Business Horizon جامعة أنديانا- الولايات المتحدة الأمريكية - كلية إدارة الأعمال – الصفحات 69-73.
وجهة نظري هي أن بيع 5% أو أقل أو أكثر من النفط السعودي و الذي هو أيضا ملك للأجيال القادمة من أجل استثماره في أصول أجنبية عن طريق الصندوق السيادي السعودي (صندوق الاستثمارات العامة) ضرره سيكون أكثر من نفعه للأسباب التالية:
1) أسعار النفط اليوم (2016م) هي في مستوى منخفض، قد تنخفض أكثر و لكن الاحتمال الأكبر أن تبقى على حالها حول 40 دولار أمريكي و تتحسن في المدى المتوسط (خمس إلى سبع سنوات) أما في الأمد الطويل فمن الصعب التنبؤ بمستوى واتجاه الأسعار لأن ذلك يعتمد على عوامل كثيرة تؤثر على جانبي العرض والطلب ويتعلق معظمها بالأثر التكنولوجي على كل عامل من هذه العوامل وعلى سبيل المثال التقدم التكنولوجي في مجال الاستمرار في استخدام النفط وقوداً للسيارات أو انتشار ونجاح السيارات الكهربائية وعلى التطور التكنولوجي في إنتاج الطاقة البديلة وتقنية استخراج النفط من المصادر غير العادية كالبترول الصخري والرمال الصخرية، لكن الدراسات رغم اختلافها إلا أن معظمها يرى أن النفط كمصدر للطاقة سيبقى قائماً لفترة ليست بالقصيرة جداً.
2) العائد على الاستثمارات الأجنبية يخضع لتقلبات كثيرة متعلقاً بوضع الاقتصاد العالمي وتقلب العملات الرئيسة وحركة رؤوس الأموال. الاستثمارات الأجنبية قليلة أو متوسطة المخاطر ليست كبيرة جداً تستوعب حجماً كبيراً من الاستثمارات بحجم الصندوق السيادي المزمع إنشاؤه. زيادة الطلب على هذا النوع من الاستثمارات الأجنبية سيؤدي إلى رفع أسعارها وبالتالي انخفاض العائد المالي منها. الاستثمارات الأجنبية تواجه مخاطر سياسية وقانونية، تجعل العائد الحقيقي الصافي للاستثمارات الأجنبية السعودية منخفضاً، كما أن الاستثمارات الأجنبية للحكومات والدول النامية خصوصاً تلك التي من الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تتعرض في بعض الأحيان لأسباب سياسية وقانونية إلى هلاك جزء منها أو كلها إن صدربحقها حكم، والمثال الأقرب للأذهان بالنسبة للسعودية هو قانون مقاضاة الحكومات الذي قدم في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي العام الماضي 2015م بهدف مقاضاة الحكومة السعودية والحجز على أصولها المالية في أمريكا بحجة ضلوعها في أحداث 11 سبتمبر 2001 م والذي اضطرالحكومة السعودية إلى التهديد بتصفية استثماراتها في الولايات المتحدة قبل صدور القرار. جمد القرار ولكنه لم يمت ويمكن أن يبعث في أي وقت. قيام الحكومة السعودية بتصفية استثماراتها الأجنبية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأجنبية ليس بالأمر اليسير بل سوف تتعرض تلك الاستثمارات لخسائر فادحة جداً. كل هذه الاحتمالات والمخاطر السياسية والقضائية والمالية تقلل من قيمة العائد الحقيقي للاستثمارات الأجنبية السعودية في الخارج، بل حتى تعرض أصولها للهلاك إما لأسباب مالية أو سياسية أو قانونية والأمثلة التاريخية في هذا الصدد موجودة. إضافة إلى كل ماذكر أعلاه فهناك سؤال يسأله ويطلب الإجابة عليه بشكل واضح كل مدير لأي محفظة استثمارية أجنبية، والسؤال يتعلق بمدى قدرة صاحب المال على تحمل المخاطر وعلى حاجته لهذه الأموال وكم تشكل بالنسبة لجميع أصوله المالية. الإجابة على هذا السؤال تحدد نوع أدوات الاستثمار وحجم المخاطر المالية الملائمة لهذا المستثمر.
استثمارات المملكة الأجنبية حتى الآن والبالغة حوالي 600 بليون دولار أمريكي مستثمرة معظمها في صكوك دين للحكومة الأمريكية وماشابهها من الاستثمارات ذات المخاطر المنخفضة والعائد المالي القليل.
الاحتياطات المالية السعودية المودعة في الاستثمارات الأجنبية هذه جاءت من وفورات الميزانية السابقة عندما كانت أسعار البترول عالية وإيرادات الدولة أكثر من نفقاتها. إذن هي تعود إلى مدخرات حكومية وضعت في استثمارات أجنبية. هذه الاستثمارات من الواجب إعادة تنظيم ادارتها لرفع مستوى أدائها. لكن ما أتحدث عنه فيما يتعلق بالصندوق السيادي المقترح في الرؤية يتعلق باستبدال أصل استثماري من مادة طبيعية هي خام البترول موجود في مكامن آمنة جيولوجية تحت الأرض السعودية ومملوك لهذا الجيل والأجيال القادمة. والمالك لهذا الأصل النفطي ذي القيمة العالية ليس لديه أصول طبيعية أو رأسمالية أخرى كالأنهار والأمطار والمعادن والتقنيات العالية لذا فإن حاجته المستقبلية للنفط كأصل مالي له ولأجياله القادمة عظيمة ومهمة، تجعل المخاطرة به أو بجزء منه في استثمارات أجنبية مخاطرة كبيرة تتعلق بمستقبل الأمة تحتاج إلى إعادة نظر وتدقيق في أموال النفط المزمع تحويلها إلى استثمارات أجنبية ليست مدخرات ناجمة عن القدرات الإنتاجية والصناعية والتقنية، بل هي لوطن وشعب يفتقر إلى الكثير من الموارد الطبيعية والتقنية وهو لايزال في أول الطريق لبناء رأس مال بشري متعلم منتج مبدع.
لذا فإنني أرى أن يترك النفط السعودي داخل أرضه وعند شعبه وهذا يضمن الحفاظ على رأس المال النفطي آمنا من المخاطرالسياسية والقانونية ويتيح المجال لأهله وملاكه لإدارة وتعظيم قيمته بالبيع كسلعة نفطية أو تطوير مشتقاته واستخداماته الأخرى.
ليس من الضروري أن يكون لدينا صندوق سيادي للاستثمارات الأجنبية هو الأكبر في العالم، فكلما زاد حجم الاستثمار الأجنبي كلما زادت المخاطر المصاحبة له، وكلما زادت المشاكل الفنية والإدارية لتنظيم عوائده. لكنه يمكن تطوير و تحسين وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية السعودية زيادة معقولة وذلك بإنشاء صندوق سيادي مستقل عن صندوق الاستثمارات العامة، له نظام مستقل ويديره مجلس محافظين مستقل يغذي الصندوق من ادخارات الدولة والوفر في الميزانية، ويكون هدف الصندوق هو بناء أصول استثمارية منتجة لصالح هذا الجيل والأجيال القادمة، يكون بديلاً للنفط كرأس مال طبيعي وليس كمصدر للإيرادات الحكومية ويدعم حاجة البلاد المالية في حالة الكوارث والحروب ويتم الصرف من الصندوق للحالات المحددة في نظامه بتوصية من مجلس الشورى وموافقة ملك البلاد.
أرامكو و النفط السعودي في باطن الأرض:
النفط السعودي تحت الأرض بكل أشكاله وأنواعه، الذي لم يكتشف، والذي تم اكتشافه والمؤكد منه وغير المؤكد، كله أصول رأس مالية من الموارد الطبيعية ملك للأمة ممثلة في الجيل الحاضر والأجيال القادمة، وعلى كل جيل الاستفادة منه بأفضل الطرق الاقصادية وزيادة العمليات الاستكشافية والمحافظة على مكامنه تحت الأرض بالصيانة والعناية من أجل تحقيق تنمية اقتصادية شاملة عمادها رأس مال بشري منتج وأصول رأسمالية منتجة.
أرامكو (Arabian and American Oil Company -Aramco ) شركة أنشأتها في الأصل شركات البترول الأمريكية العاملة بالمملكة عام 1934م، واستعادت ملكيتها بالكامل الحكومة السعودية عام 1980م بعد دفع مبالغ باهظة لتلك الشركات. أرامكو اليوم شركة سعودية تعمل في مجال النفط والغازوتقوم بعمليات الاستكشاف والحفر والاستخراج والبيع والتكرير والتصنيع والتشغيل والصيانة، مملوكة بالكامل للدولة. لذا فإنه يجب الفصل بين أرامكو الشركة المملوكة للحكومة صاحبة الامتياز في كل المجالات النفطية المشار إليها أعلاه وغيرها وبين النفط تحت الأرض المملوك للأمة. النفط والغاز ثروة طبيعية يجب أن يوكل أمر المحافظة عليها وتعظيمها وصيانتها وتنظيم قواعد وإجراءات استكشافها واستخراجها إلى هيئة وطنية عليا تسمى"الهيئة الوطنية العليا للنفط والغاز" تتمتع بالاستقلالية التامة، يشرف عليها مجلس للمحافظين من المواطنين السعوديين برئاسة ملك البلاد. مهمة الهيئة الوطنية العليا للنفط والغاز الأساسية، هي تعظيم وتطوير عمليات الاستكشاف في اليابسة وعلى الماء بحثاً عن مكامن النفط والغاز، العادية وغير العادية، ويتم ذلك من خلال منح عقود امتياز للاستكشاف للشركات السعودية بشروط وضوابط عالمية ومحددة، وتؤول ملكية المستكشف من النفط والغاز للهيئة الوطنية للنفط والغاز بموجب اتفاقية مسبقة للشراء بناءً على معادلة سعرية تأخذ في الاعتبار تكاليف الاستكشاف وأهميته، والربح الملائم للشركة. وكذلك الحال بالنسبة لاستخراج النفط و بيعه، الذي يتم أيضاً من خلال هذه الشركات السعودية ضمن عقود بيع للجزء من المخزون الأرضي من النفط والغاز ولآجال متوسطة وبأسعار مرنة تأخذ في الحسبان الاتجاه العام لأسعار النفط والغاز في الأمد المتوسط .
تنظم الهيئة الوطنية العليا للنفط والغاز عقود الامتياز المتعلقة بالاستكشاف وبالاستخدام مع الشركات السعودية المساهمة المصرح لها العمل في مجال النفط والغاز وهي شركة أرامكو السعودية وشركة أخرى أو شركتين يتم إنشاؤهما لنفس الغرض، وتتنافسا مع شركة أرامكو.
بيع جزء من شركة أرامكو السعودية:
صحيح ما قاله سمو الأمير محمد بن سلمان من أن شركة أرامكو صندوق مغلق تفتقر إلى الشفافية والمراجعة والتدقيق المالي من قبل جمعية عمومية للمساهمين وإن طرح الشركة للاكتتاب العام من خلال بيع 5% من أصولها في عملية اكتتاب كبرى IPO دولية ومحلية، سيجبر الشركة على الإفصاح عن أدائها وعملياتها أمام الجمعية العامة للمساهمين كما تفرضه قواعد الحوكمة للشركات المساهمة العامة. لكن يمكن تحقيق الشفافية والمراجعة والمساءلة في شركة أرامكو وذلك بطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام في السوق السعودي وللسعوديين فقط. هنا تتحقق الشفافية ضمن قواعد الحوكمة السعودية وقوانين سوق الأسهم السعودي دون تعريض شركة أرامكو وما تمثله من رأس مال وطني للمشاكل القانونية المتعلقة بنظام تسجيل الشركات في أسواق المال العالمية الكبرى في نيويورك ولندن وغيرها وما يرتبط بذلك لاحقاً من حقوق المساهمين الأجانب التي تفرضها قوانين سوق نيويورك و لندن و هونغ كونغ والدعاوي القضائية المرتبطة التي قد يقيمها مواطن أمريكي أو غير أمريكي في بلاده ضد الشركة ولكن يستطيع المستثمر الأجنبي ضمن ضوابط و حدود معينة شراء أسهم في شركة أرمكو من سوق الأسهم السعودية حسب لوائحه التنظيمية.
إنشاء شركات مساهمة سعودية للنفط والغاز تنافس شركة أرامكو:
من أجل توسيع مجال المنافسة والشفافية، فإنه يمكن إنشاء شركة أو شركتي مساهمة عامة سعودية تعملان في مجال النفط والغاز إلى جانب شركة أرامكو تملك الدولة فيهما حصة مناسبة وتطرح بقية الأسهم للاكتتاب في السوق السعودي وللسعوديين فقط. وتقوم "الهيئة الوطنية للنفط والغاز" بتوزيع مناطق الاستكشاف وحقوقه بين الشركات السعودية المهمة العاملة في مجال النفط والغاز حسب قدرة كل منها وإمكاناتها مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة دعم الشركات الجديدة الناشئة حتى تقوى وتكبر وتستطيع منافسة أرامكو.
الإنسان السعودي العمود الفقري والقاعدة الأساسية للتنمية الاقتصادية:
الاستثمارات الصناعية والتجارية والخدمية والحج والعمرة والرسوم والجمارك والاستثمارات الأجنبية وتفعيل دور القطاع الخاص والتخصيص وأرامكو والصناعات الكبرى والشركات العملاقة والصندوق السيادي العالمي وكل ما ورد في وثيقة الرؤية 2030، روافد استثمارية تدر دخلاً للأفراد و للدولة. لكن كل هذه الفعاليات الاقتصادية والاستثمارية، لم ولن تستطيع بناء قاعدة إنتاجية مستدامة يبنى عليها اقتصاد يقوم على الإنتاج الحقيقي والإبداع والتقنية ويؤدي إلى رفع دخل الفرد وزيادة الدخل الحكومي. لذا فإن الأولوية في أي برنامج إصلاحي للدولة يجب أن تكون "لبناء الإنسان رجلاً وامرأة، المتعلم تعليماً علمياً تقنياً، المنتج، المبدع، الحر، المثقف، المتحضر خلقاً و سلوكاً". هذا هو الهدف الأسمى والأهم لأي رؤية للإصلاح الاقتصادي وما يتبعه من إصلاح سياسي اجتماعي.
أهم ما في الإنسان عقله ويبنى العقل السليم من خلال نظام تعليمي تؤسس قواعده ومرتكزاته على العلوم بجميع فروعها وتخصصاتها وعلى علم المنطق وعلى اللغات الأجنبية وعلى توظيف العقل في الاستشكال و السؤال و تقصي الأسباب بحثا عن الحقيقة والنزوع إلى الإبداع والاختراع بدلا من الحفظ والتكرار. يبدأ بناء العقل من سنوات الطفولة الأولى، ومع المنهج العلمي يكون المدرس المؤهل علمياً وسلوكياً، ومع المنهج والمدرس يكون كل شيء موجهاً لبناء عقل عالم مفكر مبدع .
ولكي يكون الإنسان ، قادراً على العلم والتحصيل و الإبداع ، فلابد أن يكون محمياً من الفقر والفاقة ومن المرض. إن تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة المادية من دخل وسكن وصحة شرط أساسي ليكون الإنسان قادراً على التعلم والتميز، فالعقل السليم في الجسم السليم.
الإنسان المواطن الذي يقوم علمه وفكره على المنهج العلمي هو القادر على الإنتاج. فالإنسان هو العنصر الأهم في معادلة الإنتاج، والإنسان هو الوعاء العقلي الحامل للتقنية، وبه يتم توطين التقنيات الأجنبية المستوردة مع المعدات والآلات والأجهزة المتطورة. عندما يسبق وصول الآلات والمعدات والتقنيات إعداد الإنسان السعودي وتهيئة عقله وقدراته العلمية لاستيعاب وهضم وتوطين التقنيات التي تعمل بها الآلات والأنظمة الجديدة، يصبح لزاماً استيراد الإنسان الأجنبي مع استيراد الآلة الأجنبية، لتشغيلها وصيانتها، ويبقى السعودي متفرجاً أو محاولا التقليد واكتساب المعرفة من زميله الأجنبي الذي لا يريد له ذلك لأن ذلك سيكون على حساب احتفاظه بوظيفته. وهنا تنمو وتتراكم بين السعوديين البطالة المباشرة و المقنعة وهذا ما تم في الخطة الخمسية الثانية (1975-1980) و استمر هذا النهج إلى يومنا هذا، عندما تأخر بناء العقل العلمي والتقني للإنسان السعودي وتقدمت المشاريع الضخمة بآلاتها وأنظمتها الحديثة تقنياً فخلقت فجوة كبيرة بين حاجة السوق من العمالة الماهرة تأهيلاً تقنياً وعلمياً وبين مخرجات التعليم السعودي الفقيرة علماً ومهارة وتقنية. أخشى أن الرؤية 2030 قد تعيد هذا المشهد، إن هي لم تربط وتوازن بين التقدم في بناء قدرات الإنسان السعودي ومهاراته العملية وبين التقدم في بناء المشاريع والمصانع . الشباب السعودي نساء ورجالا وبدون مبالغة وتعصب أثبتوا قدرتهم على الانخراط والإبداع في مجالات العلوم الهندسية والطبية والفيزيائية والكيمائية والكهربائية وغيرها من العلوم المالية والاقتصادية والمحاسبة عندما يتحقق لهم أمران الأول حمايتهم من الفقر والحاجة والثاني تهيئة السبل والإمكانات لهم للحصول على العلوم والمعرفة.
بينت الرؤية أهمية تطوير المناهج التعليمية والنظام التعليمي، لتطوير مهارات المواطن بشكل عام، لكنها لم تجعل لبناء الإنسان الأولوية على البرامج والمشاريع الأخرى، بحيث تضمن توطين التقنيات المصاحبة لمشاريع الرؤية في عقول أبناء و بنات الوطن وأن يعود جزء كبير من الدخل المرتبط بتلك المشاريع إلى المواطنين. وبالنسبة للمنهج العلمي الركيزة الأساسية في منظومة التعليم فإن على الرؤية أن تعمل بشكل حاسم وفعال على إزاحة العوائق أمام بناء منهج دراسي يعطي الأولوية للعلوم والرياضيات واللغات من المراحل الابتدائية وحتى الجامعية.
أظن أن المنهج العلمي والفكر المنطقي التحليلي المضاد لفكر الخرافة والحفظ والتكرار لا يزال يواجه صعوبات وعراقيل من قبل بعض المسئولين والمشرفين على تطوير المناهج الذين هم في فكرهم وتوجهاتهم أقرب إلى المتشددين ممن يشكل فقه سد الذرائع والزهد بالدنيا مكوناً أساسيا في منهج تفكيرهم ودعوتهم، وهذا الأمر لن يستطيع أي وزير تعليم مواجهته لأنه يتطلب إرادة سياسية عليا مقتنعة بضرورة وأهمية بناء العقل السعودي العلمي المبدع وتأمر بذلك.
المرأة:
المرأة هي الجزء الأساسي في معادلة بناء الإنسان ورأس المال البشري، فالإنسان هنا هو الرجل والمرأة. وقد أوضحت أهمية بناء عقل الإنسان في الفقرة السابقة، وما أريد إيضاحه في هذه الفقرة الخاصة بالمرأة هو ما تعانيه من حرمان من حقوقها كإنسان. المرأة كما نردد هي نصف المجتمع من حيث العدد لكنها لا تتمتع بالحقوق التي يتمتع بها النصف الآخر من الرجال، من حرية العمل والحركة والاستقلال في التصرف حسب القانون والقواعد التي يخضع لها الجميع رجال ونساء. المرأة في مجتمعنا السعودي منتقص حقها كمواطنة كاملة الأهلية، فالمواطن الرجل عندما يبلغ سن الرشد يصبح حراً في تصرفاته ضمن نطاق القانون، ينشئ الشركات، يتحرك، يسافر، يقود السيارة، يقود الطائرة، يكون رئيساً ويكون موظفاً. أما المرأة فكل حركة محسوبة عليها بقياس فهي "ناقصة عقل ودين". بهذا الفكر والقيد الاجتماعي ستظل المرأة مقيدة بالأغلال الاجتماعية والفقهية وليست الدينية على الإطلاق، فالدين الحنيف الحق كما جاء في القرآن الكريم والثابت من قول الرسول الكريم بريء مما تعانيه المرأة، ويظل نصف المجتمع مشلولاً إلا من حركة بطيئة موجهة محسوبة.
هذا الوضع يقول البعض دعونا نتركه للزمن وأقول إن ذلك يتنافى مع المنطق ومع المقاصد العليا للإسلام في التقدم والرقي والحضارة والعمل والإنتاج. إن حال العالم اليوم والسباق بين الدول حضارياً وإنتاجاً لا يسمح لنا بترك الحبل على الغارب وترك حقوق المرأة ومساهمتها الفاعلة في بناء الوطن لحركة المجتمع البطيئة بل المتراجعة أحيانا وهنا يأتي دور الرؤية 2030 و يأتي دور الإصلاح من أعلى ودور الإرادة السياسية للتغيير ووضع الأمور في نصابها وإعطاء المرأة السعودية حقوقها التي هي اليوم أقل من حقوقها في صدر الإسلام قبل ما يزيد على 1400 عام. وهذا الدفع القوي في فك الأغلال والقيود عن المرأة السعودية لتشارك في حركة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لم أجده بشكل قوي وواضح في الرؤية يتماهى مع شدة القيود المفروضة عليها ومع دورها الهام عضواً فاعلاً منتجاً في مجتمعنا.
الفقر:
الفقر آفة من الآفات، الفقر قاتل لكرامة الإنسان، ومصدراً للإجرام والانحراف، ومع الفقر يأتي الجهل والمرض. كنا نرى الفقر في جيوب سكانية حول المدن، أما اليوم فإن آفة الفقر بدأت تأخذ مكانها في المدن و بين شبابه الذي لم يحصل على تعليم جيد يؤهل لوظيفة و دخل مرتفع، فأصبح عاطلاً أو شبه عاطل، أو أنه ترك التعليم بسبب غياب العائل المقتدر و ضرورة العمل لإعالة أم أو أخت.
الفقر لا يمكن أن يؤمن جانبه، أو يترك للجمعيات الخيرية وأهل البـــرللتعامــل معه. الفقر كالجهل حماية المجتمع منه مسؤولية الدولة. فالدولة مسئولة عن تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطن الفقير، دخلاً و سكناً وصحة وتعليماً. الفقر عدو فتاك واجب الدولة في محاربته والقضاء عليه توازي أو تزيد على محاربة العدو الخارجي. وهنا أرى أن الرؤية لم تعط هذا الأمر حقه وموقعه في برامج الإصلاح والتطوير.
ضريبة الدخل على الأثرياء وعلى الثروات:
و رد في الرؤية النص التالي " لن نفرض على المواطن أي ضريبة على الدخل أو الثروة.."، هذا الالتـــزام جميل في ظـــاهره، لكن المواطنين ليسوا سواء فــي دخولهـــم و ثرواتهم، فيهم الفقير ومحدود الدخل الذي يجب أن يعطي ويدعم وفيهم الذي يجب أن تؤخذ منه ضريبة دون إلحاق الضرر به وبتجارته. الدعم والمساندة للفقير ومحدود الدخل واجب على الدولة وأخذ شيء من مال الثري دعما للإنفاق العام واجب على الدولة أيضا.
الفقير والمحتاج، عندما تسد الدولة حاجته وتؤمن له الحد الأدنى من الحياة المادية الكريمة اللائقة بالإنسان من سكن، وصحة، وتعليم، ودخل، فهذا واجب على الأمة، تمشيا مع مبدأ التكافل الاجتماعي وحماية للمجتمع من الفقر الباب الرئيسي للجريمة والأمراض الاجتماعية. والثري عندما يؤخذ من ماله الفائض، ضريبة لصالح الإنفاق العام فهذا واجب تفرضه المواطنة على كل مواطن حقق مالاً كثيراً وثروة جيدة من خيرات هذا الوطن والعيش الآمن والاستقرار فيه، واستخدام مرافقه العامة وتسهيلاته. لكن ضريبة الدخل و ضريبة الثروة لا يمكن أن يصلح أمرها وتؤتى أكلها إلا إذا ألزم القانون الجميع حاكماً ومحكوماً بالإفصاح عن دخله وثروته وبدفع الضريبة المستحقة عليه.
ضريبة الدخل والثروة على الأغنياء والشريحة المرتفعة من متوسطي الدخل، كل بحسب دخله وثروته هي في معظم الدول الرافد الأساسي للمالية العامة للدولة، و تشكل الأموال من الضرائب المدفوعة لخزينة الدولة القاعدة القانونية والسياسية التي تقوم عليها مساءلة المواطنين للحكومة والزامها إيضاح أوجه صرف المال العام ونشر أرقامه و تفاصيله.
والضريبة أداة جيدة لإدارة الاقتصاد العام وتوجيه حركته في الصعود والهبوط، كما أن الضريبة تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، فهي تأخذ من الأغنياء وتعطي للفقراء من خلال برامج الدعم والإعانة.
المياه:
عاش أجدادنا في هذه البلاد، دون بترول معتمدين على سواعدهم في الزراعة والرعي والغوص والتجارة وغيرها، ولم تهجر أي جماعة أو قبيلة قريتها لجوع أو خوف وإنما هجرت القرى بسبب جفاف الآبار وانقطاع المياه.
مخزون المياه الجوفية في المملكة يوجد معظمه في مكونات مائية عميقة تكونت منذ آلاف السنين (Deep Aquifers) وغير قابلة للزيادة، ومن أهم هذه المكامن المائية العميقة الساق وتبوك وواجد والنجود والوسيع والدمام. ويعتمد الجزء الغربي من المملكة على مياه الآبار السطحية التي تغذيها الأمطار. المياه الجوفية العميقة وهي المخزن الرئيس للمياه في المملكة أكل منها برنامج زراعة القمح سيء الذكر، ما أكل مما أدى إلى انخفاض مخزونها المائي.
تستهلك الزراعة حوالي 70% من المياه و30% للمدن والاستخدام الصناعي، وتستعين الدولة بحوالي 32 محطة لتحلية المياه موزعة على ساحل الخليج العربي والبحر الأحمر، تغطي حوالي 50% من الطلب على المياه للمدن وللصناعة وتعتمد التحلية على النفط وقوداً وتبلغ تكلفة القدم المكعب من مياه التحلية 4 ريالات سعودية.
مصادر المياه في المملكة محدودة جداً ومكلفة جداً، بينما الطلب على المياه يزداد بشكل كبير بسبب الزيادة في عدد السكان والزيادة في الهدر بسبب انخفاض الأسعار وضعف الإدارة.
بشكل عام المياه مشكلة كبرى للحياة والتنمية في المملكة العربية السعودية، معالجة هذه المشكلة تتم من جانبين الأول هو الاقتصاد الصارم في استخدام المياه ومعاقبة الهدر برفع السعر إلى مستوى التكلفة على المسرف وحماية الفقير بإعفائه من تكلفة ما يحتاجه ليومه. والجانب الثاني هو تطوير وتوطين صناعة التحلية وجعل المملكة مركزاً عالمياً لهذه التقنية حتى يتم خفض تكاليفها والاستفادة من تصدير التقنية.
ورغم الأهمية الشديدة لموضوع المياه وأثرها على مستقبل التنمية إلا أنني لم أجد في الرؤية 2030 اهتماما بهذا الجانب يتلاءم مع أهميته الكبيرة والملحة.
النمو السكاني:
النمو السكاني في المملكة العربية السعودية هو من معدلات النمو العالية في العالم حيث بلغ 2,24% سنويا بحسب إحصاء 2014م . أما عدد سكان المملكة فقد بلغ حسب تقارير الأمم المتحدة (32) اثنين و ثلاثين مليون نسمة منهم حوالي 22 مليون سعودي، وعشرة مليون أجنبي . ورغم أن معدل النمو السكاني يتناقص مع زيادة الوعي وارتفاع تكاليف المعيشة إلا أنه لا يزال مرتفعاً حسب النسب العالمية، وحسب أرقام 2015م التي تشير إلى أن عدد السكان 22 مليون سعودي، ونسبة النمو السكاني 2,2% . إذن نحن أمام زيادة (480) ألف طفل يولد كل عام، يحتاج كل منهم إلى إنفاق حكومي على الغـــذاء والدواء و السكن والتعليم مع وجود نسبة تضخم سكاني تساوي 2,2% .
إن الحد من معدل النمو السكاني سوف يساهم بشكل مباشر في الحد من الإنفاق الحكومي، كما أنه يساهم في زيادة مستوى العناية الأسرية بالصحة والتعليم للأطفال عندما يكون العدد قليلاً . لكن ذلك يتطلب تحفيز المجتمع إلى قبول مبدأ التخطيط الأسري للحد من الإنجاب الكثير وتعدد الزوجات، وهذا ليس بالأمر السهل لكنه ليس بالأمر المستحيل. إن أي انخفاض في معدل النمو السكاني يقابله وبشكل مباشر زيادة وبنفس النسبة في النمو الاقتصادي.
العمل على الحد من النمو السكاني، كأحد وسائل تعزيز النمو الاقتصادي لم أجده في وثيقة الرؤية 2030، ولم أجده أيضاُ في الخطط الخمسية السابقة والسبب قد يعود إلى معارضة بعض رجال الدين، وبسببهم شريحة كبيرة من المجتمع، للتخطيط الأسري والحد من زيادة عدد الأطفال وهنا تبرز مرة أخرى أهمية القرار السياسي بالأمر بإصلاح يصب في مصلحة الأمة ومستقبلها ولا يتعارض مع الإسلام الحق الوسطي الذي تعلي قيمه ومبادؤه من شأن المصلحة العامة للأمة.
البطالة و العلاج غير الناجع – السعودة:
البطالة بين السعوديين تختلف عن البطالة وواقعها في الدول الأخرى. فمفهوم البطالة يعني اقتصادياً: ذلك الفرد رجلاً أو امرأة، القادر على العمل من حيث المهارة والإمكانات والباحث عن عمل لكنه لم يجده. وهنا يعود سبب البطالة إلى ضعف النمو الاقتصادي وعدم توفر فرص وظيفية للقادرين على العمل و الباحثين عنه.
في السعودية الأمر يختلف، فالوظائف أكثر من عدد السعوديين الباحثين عن عمل، لكن الوظائف تتطلب مهارات فنية وقدرات لا تتوفر لدى الشاب السعودي الذي تخرج من جامعته دون أن يحصل على المستوى الجيد من التحصيل العلمي الذي يؤهله لهذه الوظائف ذات المتطلبات الفنية والمهارات العلمية، لذا فتحت الدولة أبواب استقدام العمالة الأجنبية الماهرة لتقوم بأعمال التشغيل والصيانة والإدارة للمصانع والمعدات والأجهزة والأنظمة الالكترونية وأنظمة الاتصالات ... الخ. وأما بالنسبة للعمالة غير الماهرة ذات الرواتب المنخفضة جداً والأعمال المتعلقة بالنظافة والخدمات المنزلية وغيرها فهي لاتقع في دائرة اهتمام الشاب السعودي لا من حيث الراتب فهو منخفض جداً ولا من حيث قبول هذه الأعمال، ولايجب الدفع في اتجاهها من حيث تنظيم القيمة المضافة لاستخدام العمالة الوطنية.
وقع الشاب والشابة السعوديان بين المطرقة و السندان كما يقول المثل، فالغالبية منهم خضعوا لنظام تعليم ابتدائي ومتوسط وثانوي ثم جامعي لم يؤهلهم تأهيلاً علمياً جيداً، وهذه مسؤولية الدولة التي تضع المناهج الدراسية وتوظف المدرسين وتبني المدارس والجامعات وتدير كل ما يتعلق بالنظام التعليمي العام. ومن جهة أخرى يواجه السعودي والسعودية الباحث والباحثة عن العمل بعد التخرج متطلبات في سوق العمل لايقدر عليها: متطلبات علمية وتقنية ولغة أجنبية، متطلبات ومهارات لم تكن في مناهجه الدراسية في كل مراحلها، وإن كانت قد قدمت له فبقدر ضعيف وبمنهج ضعيف ومدرس ضعيف ومعمل غير مكتمل.
إستراتيجية التنمية الاقتصادية التي اعتمدتها الدولة و خصوصاً منذ الخطة الخمسية (1975-1980م) ركزت بشكل كبير على جلب التقنيات العالية لمصانعها البتروكيماوية ومشتقاتها، كما فرضت على القطاع الخاص أفضل التقنيات من خلال شروط صندوق التنمية الصناعية وصندوق الاستثمارات العامة، وقد تحولت هذه التقنيات المستوردة والمستبطنة في الآلات والمعدات والأجهزة في جميع القطاعات الحكومية والخاصة إلى متطلبات تقنية وفنية في سوق العمل السعودي.
وقع المواطن الشاب بين أمرين لا حيلة ولا قوة له بهما: نظام تعليمي نظري ضعيف في محتواه العلمي والمهني ومتطلبات سوق عمل يشترط كفاءة وقدرات علمية ولغات أجنبية.
إن سبب البطالة في أوساط السعوديين من وجهة نظري التي رددتها كثيراً في مقالتي يكمن في تلك الفجوة الكبيرة بين قدرات وإمكانات مواطن لم يؤهل علمياً ومهنياً، ليس بسبب قصور في قدراته الذهنية ولكن بسبب ضعف في النظام التعليمي العام، وفجوة بينه وبين متطلبات سوق العمل. هذه الفجوة وقفت عائقاً منيعاً في وجه الشباب السعودي للحصول على الوظائف ذات الإنتاجية العالية والرواتب المرتفعة التي شغلها بالضرورة الأجنبي المؤهل، وتسببت في البطالة السعودية التي تراكمت عبر السنين.
الدولة ممثلة بوزارة العمل ووزرائها جميعاً تحاشت مجابهة المشكلة الحقيقية للبطالة السعودية وهي ضعف نظام التعليم السعودي و عدم ملاءمة مخرجاته لمتطلبات سوق العمل وبدلا من ذلك، ذهبت تبحث عن حلول جانبية هي أشبه بالمراهم والعقاقير المسكنة فتم اختراع " نظام السعودة" الذي نقل مشكلة إيجاد الحل للبطالة من الدولة إلى القطاع الخاص. فبدلاً من أن تقوم الدولة بإجراءات بنيوية لإحداث تغيير جوهري في جميع مراحل التعليم ومكوناته، ابتداءً بتأسيس المنهج الدراسي تأسيساً علمياً للمواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، بدأ كل وزيرعمل يتفنن في بناء المعادلات والجداول والألوان المختلفة لقياس حجم السعودة في مؤسسات القطاع الخاص. ومع نظام السعودة وبسببه أهمل النظر في عمق المشكلة وجوهرها أي في نظام التعليم وما يتعلق برفع مستوى الجانب النوعي لقدرات المواطن إلى الجانب الأسهل الذي يستطيع القطاع الخاص القيام به توظيف السعودي العاطل عن العمل في أي وظيفة و بصرف النظر عن إنتاجيته وسلوكه وتطوره العلمي والمهني.
و بناء عليه، توجه القطاع الخاص إلى إشغال الوظائف الإدارية الدنيا والوظائف الأمنية أو غيرها بالسعوديين من أجل الوصول إلى نسبة عالية من السعودة أو إلى النطاق الأخضر حسب آخر تصنيفات وزارة العمل وبدأنا نسمع عن انخفاض نسبة البطالة وزيادة أعداد السعوديين الذين تم توظيفهم.
لقد أخذت السعودة مشكلة البطالة السعودية إلى الاتجاه غير السليم و إلى الحلول المؤقتة على حساب الحلول الجذرية المتعلقة بتغيير وتطوير نظام التعليم ونظام التأهيل والتدريب. ليس هذا فحسب بل أن السعودة ساعدت على ضياع مستقبل الشباب الذين لم يتم تأهيلهم علمياّ والذين خرجوا من مسيرة التعليم لأسباب اجتماعية. وذلك بتوجيههم إلى وظائف إدارية متدنية لا تتطلب علماً أو معرفة بدلا من الدفع بهم في هذا العمر الملائم للتعليم إلى مقاعد الدراسة في الكليات العلمية والتقنية.
البديل لبرنامج السعودة من وجهة نظري، كما اقترحت منذ عدة سنوات هو خطة وطنية تعيد هؤلاء الشباب إلى قاعات الدارسة لتلقي تعليم علمي تقني في جميع المجالات ضمن خطة تقوم على الأسس التالية :
1. إنشاء "الهيئة الوطنية للتأهيل العلمي والتقني" بهدف رفع الكفاءة العلمية والتقنية للعاطلين عن العمل والراغبين في رفع كفاءتهم العلمية من ذوي الوظائف منخفضة الدرجة والراتب، وتعيين أعضائها من المواطنين ذوي الاختصاص والمعـــرفة بالتعليم التقنـــي. ويخصص لهذه الهيئة رأسمال لا يقل عن 25 بليون ريال سعودي على سبيل المثال تتم زيادته كلما دعت الحاجة، ويكون للهيئة الاستقلال المالي والوظيفي عن وزارة المالية أو ديوان الحقوق المدنية، ويشرف على أعمالها المجلس وأدائها مجلس الشورى و ترتبط مباشرة بمجلس الوزراء.
2. إنشاء مجمعات علمية تقنية "مدن علمية" في المناطق الكبرى الخمس في المملكة: الوسطى والشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، وتشمل المجمعات كليات علمية تقنية في المجالات الهندسية والميكانيكية والكيميائية والكهربائية والجيولوجية والتعدينية والدعم الطبي الفني والتمريض .. الخ و يستدعى لإدارة وتشغيل هذه الكليات التقنية مؤسسات عالمية متخصصة من دول لها باع في هذا المجال مثل ألمانيا واليابان وأمريكا وكوريا وغيرها. وتكون مهمة هذه المؤسسات العلمية الأجنبية إدارة المهمة التعليمية وإعداد مناهجها وإحضار مدرسيها، وتشمل هذه المدن المعامل العلمية والورش والمختبرات اللازمة كما تشمل أيضاً شقق سكنية للعزاب وللمتزوجين على مستوى جيد، ومستشفيات وعيادات ومرافق رياضية وترفيهية وحدائق عامة (على غرار مجمع أرامكو أو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية).
3. يدعى إلى الالتحاق بهذه الكليات كل سعودي عاطل عن العمل أو من يرغب في رفع كفاءته العلمية والتقنية، ويصنف المتقدمون إلى مجموعات كل بحسب مستواه وقدراته العلمية الراهنة.
4. يخضع الملتحقون لعام كامل لتعلم اللغة الانجليزية من قبل معهد متخصص في تدريس اللغة قبل البدء في التخصصات التي تم اختيارها من قبلهم والمتوائمة مع قدراتهم .
5. يبرم عقد التحاق بالكلية بين المتقدم و"الهيئة الوطنية للتأهيل العلمي والتقني" يلتزم بموجبه الطالب بمواصلة الدراسة حتى التخرج وتحقيق نسب جيدة من الأداء العلمي وتتكفل الدولة ممثلة بالهيئة بما يلي:
أ. دفع راتب شهري للطالب لا يقل عن خمسة آلاف ريال على سبيل المثال
ب. تأمين السكن له إن كان عازباً و لعائلته وأطفاله إن كان متزوجاُ داخل المدينة العلمية
ج. تقديم العلاج له ولعائلته وأطفاله
د. بالنسبة لمن هو مسؤول عن إعالة والديه أو إخوته تتولى الشؤون الاجتماعية إعانة أسرته حتى يتم تخرجه.
6. يتم إلغاء المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني وإحالة ميزانيتها إلى الهيئة وكذلك يتم إلغاء برنامج السعودة وما يرتبط به من صناديق وغيرها وإحالة ميزانياتها وأموالها إلى الهيئة وكذلك الحال بمصاريف إدارة و فروع وزارة العمل ذات العلاقة ببرامج السعودة.
إن المحصلة النهائية في رأيي من تطبيق هذا البرنامج الموجه بشكل مباشر لعلاج مشكلة تدني القدرات التقنية والفنية لدى خريجي النظام التعليمي العام بكل مستوياته ستكون أولاً استيعاب جميع العاطلين عن العمل وبذلك يتم القضاء على البطالة بشكل حقيقي وليس وهمي وقيام جيل جديد من الشباب السعودي والشابات السعوديات على مستوى عال جداً من الكفاءة والقدرة التقنية والمهنية.
هذا المشروع لا يلغي أو يقلل من أهمية وضرورة إعادة هيكلة النظام التعليمي برمته لأن المدارس والجامعات هي المكان الرئيسي لبناء عقل الإنسان المواطن وتأسيسه علمياً وفكرياً. وتبقى الهيئة الوطنية للتأهيل العلمي والتقني رافداً ورافعاً للجانب المهني والتقني والفني لنظام التعليم العام، ووسيلة هامة لمعالجة مشكلة البطالة الناجمة عن ضعف التكوين التقني والفني لدى الباحثين عن عمل من المواطنين السعوديين.
التطور السياسي و الاجتماعي شرط للتطور الاقتصادي:
السياسة والاجتماع ضلعان أساسيان إلى جانب الضلع الاقتصادي لإقامة مثلث التنمية الشاملة في أي أمة. المملكة العربية السعودي لا تختلف عن بقية الأمم في الخطوط الأساسية لمسيرة التاريخ البشري فنحن بشر ككل البشر. نعم لكل أمة ظروفها ومراحلها التاريخية التي تمر بها ، لكن اتجاه التطور الإنساني واحد، اتجاه لابد أن يفضي، وإن طال الزمان، إلى دعم حرية الإنسان وكرامته وحقوقه.
وثيقة الرؤية 2030 معنية أصلاً بأحداث تغيير جوهري هيكلي في البنية الاقتصادية درءاً للمخاطر الاقتصادية التي سوف تحل بنا لو استمرت حالنا الاقتصادية في الإنفاق والاعتماد على البترول والهدر والفساد الإداري والمالي وعدم الشفافية وعدم المساءلة وضعف الإنتاجية كما هي، لذا فإن التغيير الحقيقي من أجل الإصلاح والتطويرمطلب شبه جماعي وعلى كل المستويات كما أوضحت سابقا.
التنمية الاقتصادية وما يتبعها من زيادة في الدخل لرفاهية المجتمع، عمـــودها الفقـــري و مركز الدائرة فيها هو الإنسان المواطن رجلاً و امرأة. أن صلح صلح الأمر كله وإن فسد فسد الأمر كله. الإنسان بغريزته وطبيعته الإنسانية ميال إلى الحق والخير والعدل والحرية والإنتاج والكرامة، لكن الإنسان قد ينحرف عن هذه القيم الإنسانية الرفيعة بفعل الظروف الحياتية والفكرية التي يمر بها. لذا فإن الظرف السياسي والاجتماعي الذي يشكل الإطار العام لحياة الإنسان يؤثر بشكل مباشر على إنتاجيته وإبداعه وأدائه الاقتصادي.
مشروع الرؤية الاقتصادية لكي ينجح ويحقق أهدافه فلابد أن يكون مؤسسا على النهوض بالإنسان السعودي رجلاً وامرأة ، علماً و فكر وتحضراً وإنتاجاً لأن الإنسان المتعلم المبدع المتحضر هو الوسيلة المجدية والفعالة والقادرة على تحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية. فالإنسان اذن هو الوسيلة وهو أيضا الهدف لعملية الإصلاح الاقتصادي.
التنمية الاقتصادية الشاملة التي تنشد تحقيقها الرؤية ، تتطلب بالضرورة تطوير الجوانب السياسية والاجتماعية المرتبطة بالإصلاح الاقتصادي، فالإنسان والمجتمع كل تترابط وتتكامل فيه الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فالشفافية في القضايا والمعاملات الاقتصادية تتطلب حرية في الرأي يؤصلها القانون و يحميها لكي لا يخشى السائل والباحث عن الحقيقة غضب مسئول مقتدر على إيذائه وإلحاق الضرر به وعملية المساءلة والحساب تتطلب وجود مؤسسات رقابية وتشريعية قادرة بحكم نظامها على دعوة المسئول ومساءلته وبيان تقصيره أو فساده. وفي مجال ترشيد القرار، لابد من فسح المجال أمام المؤهلين من المواطنين رجالا ونساء للمشاركة في اتخاذ القرار، فيكون اختيار الوزراء وكبار التنفيذيين قائماً على مبدأ الكفاءة والإخلاص والنزاهة. وفي مجال الراحة النفسية والاستقرار الاجتماعي لابد من حماية المواطن من أخيه المواطن ذي التوجه والأيدلوجية الاجتماعية أو الفقهية المتشددة من فرضها عليه ، أما تحت مبــدأ الحسبـــة أو التسلط. تقول الرؤية: "تبدأ رؤيتنا من المجتمع وإليه تنتهي ويمثل المجتمع الحيوي المحورالأول في الرؤية أساساً لتحقيق هذه الرؤية وتأسيس قاعدة صلبة لازدهارنا الاقتصادي وينبثق هذا المحور بإيماننا بأهمية بناء مجتمع حيوي أفراده وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال".
الارتقاء بالإنسان لايكون فقط برفع مستواه المادي والاقتصادي، ولكن أيضا بإشعاره بكرامته الإنسانية واحترام حقوقه السياسية والاجتماعية للوصول به إلى إنسان مستقر اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
الرؤية لا بد أن تكون شاملة لكل الجوانب الأساسية في حياة الفرد والجماعة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لكي تحقق أهدافها في بناء مجتمع متطور متحضر متوازن وسطي مستقر.
القوى العاملة الأجنبية و دورها في تنفيذ برامج الرؤية2030:
الرؤية تشتمل على برامج صناعية وتجارية وخدمية متعددة، وتسعى لتحقيق أهداف طموحه و بشكل سريع. لذا فقد وردت في عدة مواضع في الرؤية جمل أرى من خلالها توجه إلى الاستزادة من القوى العاملة الأجنبية الماهرة للمساعدة في الإسراع في تنفيذ أهدف الرؤية تقول الرؤية: "نركز جهودنا على تخصيص الحكومة وتحسين بيئة الأعمال بما يسهم في استقطاب أفضل الكفاءات العالمية والاستثمارات النوعية".
كما ورد أيضا في الرؤية " لكي نحقق معدل النمو الاقتصادي المنشود بوتيرة أسرع سنسعى إلى إيجاد بيئة جاذبة للكفاءات المطلوبة. وذلك من خلال تسهيل سبـــل العيــــش و العمل في وطننا وسنحقق ذلك عبر إتاحة فرص أكثر لغير السعوديين منهم بتملك العقارات في مناطق معينة ورفع درجة جودة الحياة والسماح بافتتاح المزيد من المدارس الأجنبية واعتماد نظام فعال وميسر لإصدار التأشيرات ورخص الإقامة هدفنا هو تهيئة البيئة الجاذبة التي يمكن من خلالها استثمار كفاءتنا البشرية واستقطاب أفضل العقول في العالم للعيش على أرضنا وتوفير كل الإمكانات التي يمكن أن يحتاجوا إليها بما يسهم في دفع عملية التنمية وجذب المزيد من الاستثمارات"
إذا كان هدف الرؤية هو الإسراع بعمليات الاستثمار الداخلي والخارجي من أجل زيادة وتنويع مصادر الدخل دون أن يكون الإنسان المواطن الرجل و المرأة هو الأداة والوسيلة المشاركة بشكل أساسي في تنفيذ برامج الرؤية لأن تهيئة وتطوير قدرات المواطن سوف تأخذ شيئاً من الوقت، فإن هذا يمثل جانباً سلبيا في منهجية الرؤية.
لكنني لا أظن أن الرؤية تغلب السرعة على انزال فائدة برامجها ومكتسبها على أراض المواطن وأتمنى ألا يكون ذلك هو المعني بالفقرات التي تشير إلى أهمية دور الكفاءات الأجنبية في تنفيذ خطط الرؤية وبرامجها.
القوى العاملة الوطنية فيها والحمد لله عناصر رجالية ونسائية بقدرات وكفاءات علمية وتقنية في جميع المجالات، شكراً لمجهود هؤلاء الشخصي والعائلي والدعم الحكومي المتمثل بالابتعاث الخارجي. هؤلاء نواة جيدة للانطلاق منها والتأسيس عليها وتطعيمهــا بمهــارات وخبرات أجنبية عالية. وإذا أضفنا إلى ذلك قيام الرؤية بالبدء في تطبيق برامج فاعلة وحقيقية لبناء قدرات المواطنين العلمية والتقنية سواء العاطلين عن العمل أو الباحثين عن تطوير مهاراتهم العلمية الفنية، وكذلك تطوير مناهج التعليم بشكل جدي وسريع لتحسين مخرجات التعليم، فبهذه الأمور وغيرها نستطيع تكوين قوة عاملة سعودية ماهرة، تبدأ في تنفيذ برامج الرؤية، ولا تسبب تأخيراً كبيراً، بمشاركة أجنبية ومشاركة قوى سعودية أخرى، تلتحق بالركب كلما أكملت تعليمها ورفعت من كفاءتها العلمية.
أخذ كل هذه العوامل المتعلقة بالعمالة الوطنية في الحسبان والمواءمة بينها وبين الجدول الزمني لتنفيذ مشاريع الرؤية وبرامجها سوف يساعد القائمين على الرؤية على تعظيم الفائدة منها في مجال توطين التقنية في العقول السعودية وتوجيه الدخل العالي لصالح المواطنين حتى وإن تطلب ذلك شيئاً من المرونة والتروي في سرعة تنفيذ بعض البرامج لصالح الاستفادة القصوى منها وطنياً. بهذا الأسلوب تتمكن الرؤية من عدم تكرار النتائج السلبية لاستراتيجية التنمية الاقتصادية للخطط الخمسية السابقة حيث كان الإسراع في الإنفاق الحكومي على حساب بناء الإنسان المواطن.
إن الرؤية إذا لم تجعل التركيزعلى رفع قدرة و كفاءة الإنسان السعودي سابقة أو متزامنة مع قيام المشاريع وإنشاء الشركات فإن الفجوة بين مهـــارة المواطــن و قدرته العلمية من جهــة ومتطلبات سوق العمل السعودي من جهة أخرى سوف تتسع عما هي عليه الآن، وسوف يزداد حجم البطالة مما يؤثر على تحقيق الرؤية المعنية أساساً كما أرجو وأتمنى بإحداث تغيير جوهري في حياة الإنسان السعودي.
الفساد الإداري والمالي:
ورد في الرؤية2030 النص التالي "لن نتهاون أو نتسامح مطلقاً مع الفساد بكل مستوياته سواء كان مالياً أو إدارياً ". الاعتراف بوجود الفساد المالي و الإداري من قبل الرؤية جيداً جدا والالتزام بمحاربته على كل المستويات عظيم جداً.
الفساد المالي و الإداري له وجود ملحوظ و ظاهر في مجتمعنا ، يراه الصغير و الكبير وتراه المرأة و يراه الرجل. الفساد مفسد لكل شيء يتواجد فيه أو حوله، مفسد لكل برنامج إصلاح، يقتل الحياة ويثبط في العزائم. إنه سرطان تعاني منه كل الدول والشعوب، مرض بدأ العالم يشعر بخطورته، وبدأت الجهود الدولية تتحد وتتعاضد للقضاء عليه والحد من أضراره.
الفساد يجعل المواطن ينظر إلى المسئولين في الدولة أنهم ليسوا الحراس على المال العام بل أنهم المعتدين عليه، لذا فإن الفساد يجعل من المال العام مالاً سائباً لك أو لأخيك أو للذئب.
أنشأت الدولة في شهر مارس من العام 2011 م هيئة مكافحة الفساد (نزاهة)، وأعدت لها نظاماً ولوائح ، ووضعت لها ميزانية وأوكلت إليها مكافحة الفساد المالي والإداري ورغم كل الآمال التي علقت على الهيئة، إلا أنها فشلت في تحقيق آمال المواطن في مكافحة الفساد كما يراه و يشعر به.
المواطن يشعر أن حجم الفساد يجاور أحياناً الوظائف العليا أو تلك المحصنة سياسياً وكان ذكياً في مراقبته و تتبعه لإنجازات الهيئة. ذهبت الهيئة في البحث عن الفتات من الفساد لدى مديري المستودعات وصغار الموظفين. وبدلا من أن تكون هيئة مكافحة الفساد أملاً و نوراً في طريق الإصلاح، أطاحت بالآمال ورسخت لدى البعض مقولة إن الإصلاح في هذا المجال مستحيل.
المواطن إن لم ير إعمال القانون أولاً على كبار رجال الدولة والمسئولين كما يراه على صغار الموظفين ومدراء المستودعات، فإنه بذكائه وفطنته سيعلم أن مكافحة الفساد مجرد شعار مفرغ من الحقيقة والجدية. ولهذا الإحساس والشعور آثار سلبية كبيرة على مسيرة التنمية والإصلاح والرؤية.
الأمل المعقود على الرؤية أن تحافظ على وعدها والتزامهـــا بمكافحـــة الفســــاد المالي و الاداري بكل أشكاله ومستوياته.
التطور والتنمية والفقه الوسطي:
دستورنا كمسلمين وكسعوديين هو القرآن الكريم والثابت ثبوتا قطعيا من الحديث الشريف. القرآن الكريم نزل واكتمل وانتهى بحكم الآية الكريمة ﴿ الْيَوْمَ أكملت لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: 3). أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فالثابت منه ثبوتاً قطعياً متطابقا مع النص القرآني ومفسراً له، إذن القرآن الكريم هو دستور هذه الأمة. ومن الدستور وبدون الخروج عنه أو عليه تصاغ القوانين والشريعة التي تحكم حياة الإنسان والأمة بجميع جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
في المملكة العربية السعودية تحكم حياة الناس بشكل عام قوانيـــن مؤسسة علــــى أقوال و فتاوى فقهية. والفقه كفرع من فروع العلوم الدينية هو في الأساس والأصل قول لفقهاء أجلاء كرام على امتداد التاريخ الإسلامي. هؤلاء الفقهاء الكرام هم بشر مثلنا تفقهوا في الدين و كتبوا وفسروا وأفتوا، لكنهم يظلون بشراً يؤخذ منهم ويرد عليهم. وها هو أحد كبار الفقهاء الإمام الشافعي رحمه الله واحد من الأئمة الأربعة الكبار يقول "رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأيهم خطأ يحتمل الصواب". وما ينطبق على الإمام الشافعي ينطبق على جميع الأئمة والفقهاء والمحدثين والمفسرين. هؤلاء جميعاً عاشوا في زمان وظرف اجتماعي واقتصادي وسياسي مختلف جداً عما نعيشه اليوم في المملكة العربية السعودية. الشيء الوحيد الثابت بيننا وبينهم هو النص القرآني الكريم والثابت من قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
القوانين التي تحكم وتتحكم في مسيرة حياتنا بجميع جوانبها الدينية والدنيوية، هي مؤسسة على الفقه أي على قول الفقهاء وعلى نوع من الفقه وهو الفقه الحنبلي. لكن هذا ليس هو موضوعي فجميع الأئمة الكرام هم عندي سواء واختلافهم في بعض الأمور الثانوية رحمة للأمة لأن قولهم قول بشر قابل للصواب والخطأ إذن مادام الأمر كذلك فإنه من الضروري أن يصار إلى إعادة صياغة القوانين التي تحكم وتسيطر على مفاصل حياة الأمة وعلى حركة تطورها ونموها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي صياغة يقوم بها فقهاء من زماننا، يعيشون بيننا ويلامسون ظروف حياتنا، و لهم قسط من التعليم والثقافة الدنيوية مثلنا.
كل قانون يحب أن يكون دستورياً، أي قرآنياً ، وليس بالضرورة أن يكون فقهياً سلفياً أو حنبلياً أو شافعياً أو مالكياً أو غيره. فقول الله تعالى المنزل في القرآن الكريم و الوارد في الحديث النبوي الثابت هو الذي يؤخذ به ولا يرد عليه أما أقوال الفقهاء جميعاً فليست لها قدسية النص القرآني.
يواجه مجتمعنا السعودي قيوداً قانونية بجذور فقهية ذات تأثير قوي على مسيرته التنموية الشاملة ولأن الرؤية معنية بقضية التطور والتنمية على مستوى الفرد والمجتمع فإنه قد يكون من الضروري البحث عن حلول لهذه القضايا كجزء من منظومة تطور الإنسان ورفع قدراته وإمكاناته العلمية والإبداعية والحضارية ومن هذه العوائق على سبيل المثال لا الحصر مسألة قيادة المرأة للسيارة هذه المعضلة العالقة في فضائنا الاجتماعي والتي تبرأ منها رجال الدنيا ورجال السياسة على حد سواء وغيرها من أمور متشابهات وأثرها السلبي علينا واضح للعيان وأثرها الإيجابي علينا لايحتاج إلى بيان. لابد من قرار سياسي يصوبها ويضعها في الاتجاه السليم الذي لايتعارض مع الإسلام العظيم الوسطي الإنساني ومقاصده العليا التي تعلي مصلحة الأمة وتحترم كرامة الإنسان وحريته وعقله.
وهذا أثره الإيجابي على حياة الفرد والأمة ومكانة المملكة اقليمياُ ودولياً وحضارياً عظيم ولا يحتاج إلى مليارات وشركات وإنما يحتاج إلى إرادة سياسية مؤمنة بحتمية التغيير وتعديل المسيرة نحو الاتجاه السليم.
د. عبد العزيز محمد الدخيل
الرياض ، مايو 2016 م
الموافق شعبان 1437 هـ
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..