انتقد نائب وزير الشؤون الإسلامية في السعودية، الدكتور توفيق السديري، عبارة التفسير السياسي
للإسلام، معتبراً أنه تفسير "مصلحي" للدين وبسببه "أريقت الكثير من الدماء المعصومة".
وفي ورقة ألقاها حديثاً خلال ندوة على هامش فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالتعاون مع جامعة الملك سعود، أوضح السديري أن نظرية الإسلام السياسي التي انعكست آثارها على "توجيه الكثير من المسلمين وبنيت عليها الكثير من النظريات والآراء التي قامت بسببها الثورات"، إنما كانت من خلال دعاتها ومنظريها وهم "جمال الدين الأفغاني، وأبو الأعلى #المودودي ، وحسن البنا، و #سيد_قطب".


     وأشار السديري الى أن الاتجاه نحو نظرية الإسلام السياسي الذي ساد في أروقة الفكر الإسلامي المعاصر وانطلقت منه الحركات الإسلامية المختلفة، جعل من العقائد والعبادات وجميع الشرائع الإسلامية وسائل وأسباب لإقامة النظام السياسي، مورداً مثالاً على ذلك ما ذكره وحيد الدين خان في كتابه "التفسير السياسي للدين" الذي جاء للرد على ما جاء به أبو الأعلى المودودي الأب الروحي لجماعات الإسلام السياسي.

واعتبر أن النواحي السياسية وحدة أساسية للدين، فلا يعرف هدف الرسالة النبوية بدون السياسة ولا يفهم المعنى الكامل للعقائد ولا تظهر أهمية الصلاة وسائر العبادات ولا تقطع مراحل التقوى والإحسان ولا يعقل الهدف من الإسراء والمعراج، إلا بالسياسة وجملة القول إنه "بدون السياسة يبقى الدين فارغاً وغير قابل للفهم". كما أوضح السديري أن مثل هذا التوظيف يعد تفسيرا نفعيا مصلحيا منحرفا، وذلك بحصر الغاية الرئيسية من الدين بالتمكين في الأرض، وليس عبادة الناس للخالق، والتي لا تتحقق إلا من خلال الانقلاب السياسي وتغيير نظام الحكم وإقامة الحكومات العادلة.

البذرة الأولى مع "الأفغاني"

وفيما يتعلق بتشكل التفسير المصلحي السياسي للإسلام لدى الحركات الإسلامية المعاصرة يعتبر نائب وزير الشؤون الإسلامية الدكتور توفيق السديري، أن بذرته الأولى من قبل "جمال الدين الأفغاني" (الناشط الإصلاحي والثائر السياسي الإيراني) وذلك لاتصاله بالفلسفة والفكر الغربي والحركات السياسية والجمعيات الماسونية التي تمثل في جملتها الفلسفة الغربية في الموقف من الدين.
 

        واعتبر السديري، الأفغاني، ملهما لحركات الإسلام السياسي، فقلما أفلت أحد منهم من تأثيره أو توجيهه أو الإحالة إليه، إلا أنه وبسبب الخطاب النخبوي الذي تميزت به دعوة جمال الدين الأفغاني لم تجد طريقها إلى عامة المسلمين، حتى ظهور " #حسن_البنا "، مؤسس حركة الإخوان المسلمين، ونقله نظريات الأفغاني الفكرية حول الإصلاح والتغيير من المجال العلمي إلى مفاهيم ومبادئ عامة، وحركة شبابية وشعبية واسعة بعيدا عن العلماء.

البنا وإعجابه بالأفغاني

إعجاب البنا بأدبيات الأفغاني كان جليا من خلال مؤلفاته وبحسب ما جاء في مذكراته (الدعوة والداعية): "بنى مصطفى كامل وفريد ومن قبلهما جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده نهضة مصر، ولو سارت في طريقها هذا ولم تنحرف عنه لوصلت إلى غايتها أو على الأقل لتقدمت ولم تتقهقر وكسبت ولم تخسر".
 
    وفي هذا السياق، قال الدكتور توفيق السديري: "من الواضح أن حسن البنا أحيا دعوة الأفغاني وسار بها بعيدا عن ركب العلماء، رغم صغر سنه في ذلك الوقت، وهو لم يكن يتجاوز 22 سنة وقلة علمه الشرعي وتأثره بالأفكار الشرقية والغربية السائدة في ذلك الوقت، ولعل كل تلك الظروف أدت إلى تهيئة الأسباب لتبلور التفسير المصلحي السياسي للإسلام لديه، لاسيما بعد سقوط الدولة العثمانية، حيث سعت حركة الإخوان المسلمين التي أنشئت حينها إلى ملء الفراغ السياسي، وجعل قضية السلطة السياسية والحكم والاجتماع والاقتصاد وإعمار الأرض وإقامة العدل في شؤون الحياة الدنيوية هي القضية المركزية للدين كله وهي الغاية والهدف من النبوة والرسالة والعبادة والشريعة بل حتى البعث والنشور والجنة والنار".

نظرية المودودي وسيد قطب

الظهور الجلي للتفسير المصلحي السياسي للدين قد تلبس بحسب ما أفاد به السديري أبو الأعلى المودودي، بعد أن وجه مشروعه الإصلاحي وما جمعه في جميع كتبه ومؤلفاته، حتى قامت الجماعة الإسلامية التي أسسها على هذا الفكر، مضيفا: "استطاع المودودي نشر نظريته الجديدة في تفسير الدين في البلاد الإسلامية كلها حتى تأثر به كتّاب ومفكرون ودعاة أبرزهم سيد قطب".
 
     وتتلخص نظرية المودودي بحسب ما ذكره الدكتور توفيق السديري بتقديم بديل إسلامي للمدنية الغربية والذي لا يكون سوى من خلال إصلاح المجتمع وإقامة الدولة والتي بدونها يصبح الدين بلا معنى متفقا مع ما ذهب إليه وحيد الدين خان في نقده للمودودي باتخاذه قالب النظرية الماركسية في تفسير الدين والتاريخ والاجتماع والعمران، بعد التخلص من مضمونها الإلحادي، واستبداله بالمضمون الإسلامي.
واعتبر السديري أن من أخطر ما ذهب إليه المودودي هو تقريره في أدبياته لمفهوم العبادات بأنها وسيلة للتربية لغاية أكبر، وهي إعمار الأرض وليس تعبدا محضا، وهو ما أقره وأوحى إلى سيد قطب بنظرية الحاكمية وتفسير شهادة التوحيد بها: "قرر سيد قطب من خلال ذلك ألا معنى للإسلام والعلم والدعوة والفتوى مالم يصل الإسلام الى سدة الحكم وإقامة دولته المنشودة، مستخفا بالعلماء ومكفرا للمجتمعات الإسلامية داعيا الى تكوين عصبة مؤمنة تتربى على مبدأ الحاكمية كما عرضها المودودي ثم تنقض على المجتمع الإسلامي بالثورة والانقلاب".
وأضاف: "سيد قطب محكوم في نظرته بجميع حقائق الإسلام بفكرة الانقلاب لإقامة الدولة وإنزال أحكام دار الكفر على البلاد الإسلامية، حيث أن مدلول واقع لا إله إلا الله في فكر قطب يقتصر فقط على الأحكام المتعلقة بإقامة الحكومة والسلطة".
وشدد نائب وزير الشؤون الإسلامية على خطورة الآثار التي خلفها التفسير المصلحي السياسي والتي منها، الإخلال بمفهوم تحكيم الشريعة بجعل مقصده الأعلى في النظام السياسي وتهميش معناه الشامل للاعتقاد والعبادة والتدين الفردي والسلوك الشخصي بجعله من باب الوسائل المقصودة تبعا لتحقيق النظام الاجتماعي.