الخميس، 20 أبريل 2017

وماذا بعد مؤتمر"حرية التعبير" ؟

        بعد سنوات من التقديم الفضائي؛ بتّ أميز الضيف الذي أمامي بعد دقائق معدودات؛ إن كان ملمّا بتخصصه، ومدركا بأبعاد الموضوع الذي نتناقشه، أم هو ممن يهوى الخروج للتلفزة، ويتحدث متخبطا في
كل تخصص، لذلك كنت حفيا مرحبا بالدكتور عطية عدلان، وأنا المتوجس من أن يكون ككثير ممن استضفت؛ الذين فجعوني بضعفهم العلمي.
      كان حوارنا عن "حرية التعبير" في الاسلام، والرجل أصّل بعمق شرعي فريد للمسألة، وعرجنا في الحوار على مؤتمر رابطة العالم الاسلامي "الاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير و محكمات الشريعة"، الذي دوّت توصياته، لما حملته من مصارحة وجرأة ونقد ذاتي فاقع، جعلت البعض يصفه بأنه جلد للذات، وناقشت ذلك بشفافية مع أضيافي الثلاث في حلقة أخيرة في برنامجي "ملفات خليجية"، وكلهم أشاد بتلك الروح التي خطتها الرابطة، مذ تعيين الأمين العام الجديد؛ في وضع النقاط على الحروف، مع سبك دقيق ومعبّر وصريح لعباراتها، وقد ابتعدت أن تكون حمّالة أوجه بما عهدناه في التوصيات الفارطات.
د. عطية عدلان، وإن أشاد بتوصيات المؤتمر كثيرا، إلا أنه تحفظ على القرار الذي ينص على الالتزام الكامل بدساتير و قوانين الغرب، وقال بأن المسلم ليس مطالبا بالالتزام بشيء ضد شريعة الله تعالى، واقترح أستاذ الشريعة الأزهري بأن العبارة لو استبدلت بالاحترام وعدم الصدام لكانت أليق، لأن هناك فرقا بين الالتزام الكامل و أن لا يصطدموا.
الحقيقة أنني ناقشت د. عدلان في الحلقة، وقلت بأن صفوة علماء الأمة الاسلامية الذين اجتمعوا في ذلك المؤتمر، انتبهوا لهذه النقطة، وأكدوا بأن المسلم الذي لا يستطيع الالتزام بكامل قوانين البلد غير المسلم الذي يعيش فيه، فعليه العودة لبلاده أو البلدان الاسلامية، لأن أي تصرف منه مخالف لقوانين البلد الذي يقطن؛ لن يكون عليه فقط، بل على باقي اخوته المسلمين وعلى الاسلام كدين، وهو ما حصل في الفترة الماضية، ومثل هذا الاعتراض يعطي الدواعش والمتطرفين حجة لأن يقوموا بالتفجير والارهاب، والحمد لله أن د. عدلان صحّح نظرته.
ضيفي من السعودية الصديق د. سعد الشهراني، نفى نفيا قاطعا ما أشار له بعض المراقبين، وما سطرته شخصيا في مقالة فارطة، من أن سلفية جديدة منفتحة تنبجس اليوم، وأننا نشهد ملامحها في عدة جهات ومناسبات، وردّ د. الشهراني بقوة على ذلك، مؤكدا أن السلفية واحدة، وأنها منهج رباني ممتد، ودعوة من الدعوات التي لها دور كبير في اصلاح الامة، وأن تصنيفها إلى سلفية جديدة وسلفية قديمة قد يسبب إشكالاً وفهما مغلوطا، وعدّ ذلك من المداخل الخطيرة، وطبعا لي وجهة نظر حيال ما ذكر، ليس من المستحسن، لا وقتا ولا ظرفا، أن نتساجل فيه اليوم، فالأهم برأيي أن تمضي السفينة بنا سالمة في هذا العباب المتلاطم، بل التسونامي الذي دهمنا من سبع عشر سنة، فلا وقت للجدال، بل الوقت وقت تصحيح وتصالح وبناء ما انهدم وخُرق في السفينة.
من جهة أخرى أوافق الصديق الغالي د. الشهراني بالكامل عندما أشار بأن أهم نقطة جاءت في توصيات المؤتمر، تلك التي حذرت من التصنيفات الفكرية والدينية لأن هذه التصنيفات وقود الفتنة بين المسلمين فنحن أمة واحدة، ولعمرو الله أنها وضعت اليد على الجرح الذي يثعب للآن. 
ضيفي الثالث د. أحمد جاب الله نائب رئيس اتحاد مسلمي أوروبا، أشار لنقطة مهمة تتعلق بحرية التعبير، والرجل يعيش في فرنسا التي شهدت العام الماضي رسومات مسيئة عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وكانت ردود الأفعال عنيفة، وقال بأنهم خسروا –كمسلمين- الدعوى القضائية التي أقاموها، فاتجهوا -ردا على الرسوم المسيئة- لإصدار كتب باللغة الفرنسية، كان منها كتاب عن الوجه الحقيقي للرسول صلى الله عليه و سلم جمعوا فيه شهادات كل المفكرين، و طبع من هذا الكتاب عشرت الآلاف من النسخ وتمّ توزيعها، وختم كلامه لي: اليوم انتهت تلك الرسوم و بقيت هذه الكتب، ما جعلني أردد: حقا، إن أفضل من يتحدث ويقرر هم عقلاء ومفكري المسلمين الذين يعيشون في الغرب، فهم الأدرى بالطريقة المثلى والايجابية في الرد على الاساءات لرموزنا وديننا.

سأعود لتوصيات مؤتمر الرابطة الذي أعتبر موضوعه من أهم القضايا الحادة التي تهم الأمة كلها، وأعتقد أن علماء الإسلام المؤتمرين أفلحوا جدا في رسم خارطة طريق للمسلمين بالعالم على أسس شرعية، تجمع ما تفرق، وتعيد ما انفلت واعوج، وتسكت من يقوم بزرع الفتنة والفرقة، بل  ورفعت الحرج عن مسلمي الغرب، وأبانت لهم كيفية التصرف الصحيح حيال ما يتعرضون له، بيد أن السؤال هنا: كيف يمكن البناء على ما تحقق في هذا المؤتمر المهم، وكيف ستبلور الأمة هاته التوصيات القوية الى واقع نتعاطاه، وكيف يمكن لنا أن نشيعه كثقافة يلتزم بها طلبة العلم الشرعيين ابتداء، وتسربل باقي الدعاة والمجتمعات الاسلامية؟
 هل يكتفي هؤلاء العلماء المؤتمرون في مكة ببيانهم، وانتهى دورهم هنا؟، وهل ستكتفي رابطة العالم الإسلامي بهاته التظاهرة العلمائية الفريدة في المؤتمر، وتمضي مهرولة لآخر، وتكون التوصيات الذهبية المضيئة مجرد إثبات موقف لا أقل ولا أكثر، هنا السؤال المهم.. والحرج؟.
.
     بقلم :عبدالعزيز قاسم
إعلامي سعودي



:مواضيع مشابهة -أو -ذات صلة

عطية عدلان: الإسلاميون وقعوا في 11 خطأ.. أخطرها اختيار الطريق الإصلاحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..