مَن هو ابن تيمية؟
هو أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني الدمشقي.
ولد سنة 661هـ في حرَّان، وفي سنة 667هـ
أغار التتار على بلده، فرحل مع عائلته إلى دمشق،
وبها طلب العلم على أيدي
علمائها، فحفِظ القرآن الكريم حفظًا متقنًا، وسمع مسند الإمام أحمد بن حنبل
- وهو سبعة وعشرون ألف حديث - عدةَ مرات، وسمع الكتب الستة الكبار - صحيح
البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه - وكثيرًا
من الأجزاء الحديثية.
ومن مسموعاته معجم الطبراني الكبير، وهو
نحو عشرين ألف حديث، ونسخ الكثير من كتب الحديث بخط يده، وقرأ النحو
والعربية، وأقبل على التفسير إقبالًا كليًّا، وأحكم أصول الفقه، ودرس جميع
المذاهب الفقهية، واطَّلع على كتب اليهود والنصارى والفلاسفة وأهل البدع؛
ليرد عليهم ويبيِّن ضلالاتهم.
وقلَّ كتاب من فنون العلم إلا وقف عليه،
وانبهر الناس من قوة حفظه، فلم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء غالبًا إلا
ويبقى محفوظًا في قلبه إما بلفظه أو بمعناه!
وكان رحمه الله كثير العبادة والذكر
والصلاة والدعاء، زاهدا ورعًا عفيفًا، برًّا بأمه، ولم يتزوج طيلة حياته،
وكان رجاعًا إلى الله في سائر أحواله، وقافًا عند حدود الله وأوامره
ونواهيه.
قال عنه تلميذه الحافظ ابن عبدالهادي رحمه الله:
(ثم لم يبرح شيخنا رحمه الله في ازدياد من
العلوم، وملازمة الاشتغال والإشغال، وبث العلم ونشره، والاجتهاد في سبل
الخير، حتى انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، والزهد والورع، والشجاعة
والكرم، والتواضع والحلم والإنابة، والجلالة والمهابة، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وسائر أنواع الجهاد، مع الصدق والعفة والصيانة، وحسن
القصد والإخلاص، والابتهال إلى الله، وكثرة الخوف منه، وكثرة المراقبة له،
وشدة التمسك بالأثر، والدعاء إلى الله، وحسن الأخلاق، ونفع الخلق، والإحسان
إليهم، والصبر على مَن آذاه، والصفح عنه، والدعاء له، وسائر أنواع الخير).
وقال عنه تلميذه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي رحمه الله:
(ابن تيمية:
الشيخ الإمام العالم، المفسر، الفقيه، المجتهد، الحافظ، المحدِّث، شيخ
الإسلام، نادرة العصر، ذو التصانيف الباهرة، والذكاء المفرط، نظر في الرجال
والعِلل، وصار من أئمة النقد، ومن علماء الأثر، مع التدين والنبالة،
والذِّكر والصيانة، ثم أقبل على الفقه ودقائقه، وقواعده وحججه، والإجماع
والاختلاف، حتى كان يُقضى منه العجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، ثم
يستدل ويرجح ويجتهد، وحُق له ذلك؛ فإن شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه،
فإنني ما رأيت أحدًا أسرع انتزاعًا للآيات الدالة على المسألة التي يوردها
منه، ولا أشد استحضارًا لمتون الأحاديث وعزوها إلى الصحيح أو المسند أو إلى
السنن منه، كأن الكتاب والسنن نصب عينيه وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة،
وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف، هذا كله مع ما كان عليه من الكرم الذي لم
أشاهد مثله قط، والشجاعة المفرطة التي يُضرب بها المثل، والفراغ عن ملاذ
النفس من اللباس الجميل، والمأكل الطيب، والراحة الدنيوية، كان قوالًا
بالحق، نهَّاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام،
وعدم مداراة الأغيار، ومن خالطه وعرَفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه، لا
يُؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم، فإنه بحر زخَّار،
بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك).
وقال عنه القاضي كمال الدين بن الزملكاني مفتي الشافعية رحمه الله:
(كان إذا سُئل عن فن من العلم، ظن الرائي
والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفنِّ، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا
جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرَفوه قبل ذلك، ولا يُعرف
أنه ناظر أحدًا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم - سواء أكان من
علوم الشرع أم غيرها - إلا فاق فيه أهله، وكانت له اليد الطُّولى في حسن
التصنيف، وجودة العبارة والترتيب، والتقسيم والتبيين).
وقال عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله:
(تفقه وتمهر وتميز وتقدَّم، وصنف ودرَّس
وأفتى، وفاق الأقران، وصار عجبًا في سرعة الاستحضار وقوة الجنان، والتوسع
في المنقول والمعقول، والاطلاع على مذاهب السلف والخلف)؛ (الدرر الكامنة في
أعيان المائة الثامنة)؛ لابن حجر (1/ 168، 169).
وقال عنه قاضي قضاة اليمن العلامة الشوكاني:
(شيخ الإسلام إمام الأئمة المجتهد
المطلق...، اتفقت الألسن بالثناء عليه إلا مَن لا يُعتَد به، وطارت
مصنفاته، واشتهرت مقالاته، قال اليعمري في ترجمة ابن تيمية: إنه برز في كل
فن على أبناء جنسه، ولم ترَ عين مَن رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه...،
وتصانيفه نحو أربعة آلاف كراسة وأكثر...، وقد أثنى عليه جماعة من أكابر
علماء عصره فمَن بعدهم، ووصفوه بالتفرد، وأطلقوا في نعته عبارات ضخمة، وهو
حقيق بذاك)؛ (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع)؛ للشوكاني (1/ 63).
وكان لابن تيمية دورٌ عظيم في جهاد
التتار، وله مواقف مشهورة في نصح السلاطين والأمراء، وكان حكيمًا يضع
الأمور مواضعها، متحليًا بالإنصاف، رحيمًا بالخلق.
ومن مواقفه العجيبة التي تبين عدله ورحمته، وقوة قلبه وثباته: ما ذكره العلامة القاسمي في تفسيره (5/ 390):
(لَمَّا اكتسحت جيوش التتار بلاد الإسلام
من حدود الصين إلى الشام، ووقع في أسرهم مَن وقع من المسلمين والنصارى، ثم
خضد المسلمون شوكةَ التتار في الشام، ودان ملوكهم بالإسلام، خاطب شيخ
الإسلام ابن تيمية أمير التتار (قطلوشاه) بإطلاق الأسرى، فسمح له
بالمسلمين، وأبى أن يسمح له بأهل الذمة، فقال له شيخ الإسلام: لا بد من
افتكاك جميع مَن معك مِن اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمَّتِنا، ولا ندع
أسيرًا لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة، فأطلَقَهم له).
مؤلفاته:
كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مؤلفات كثيرة
جدًّا كبارًا وصغارًا يطول إحصاؤها، وألَّف بعضَها وهو في سجنه، وجُمِع
كلامه في التفسير في 7 مجلدات كبيرة، وجُمعت بعض فتاواه في 35 مجلدًا.
(وأما تصانيفه رحمه الله، فهي أشهر من أن
تُذكر، وأعرف مَن أن تُنكر، سارت سير الشمس في الأقطار، وامتلأت بها البلاد
والأمصار، قد جاوزت حدَّ الكثرة، فلا يمكن أحدًا حصرُها، ولا يتسع هذا
المكان لعدِّ المعروف منها ولا ذكرها).
كثرة محنه ووفاته:
امتُحِن شيخ الإسلام ابن تيمية مرات
عديدة، ونُفي بسبب نكاية أهل البدع وحسدهم له، وسُجن سبع مرات، وقال: (ما
يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني،
إنَّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة).
توفي رحمه الله مسجونًا في دمشق في شهر ذي القعدة سنة 728 هجرية رحمه الله رحمة واسعة.
هل ابن تيمية تكفيري كما يفتري خصومه؟
نترك القارئ الكريم مع هذه النصوص من كلام
ابن تيمية نفسه - مع توثيق النقول مِن كتبه المطبوعة - ليتيقَّن القارئ أن
ابن تيمية من أكثر العلماء نهيًا عن التكفير بلا حجة ولا برهان، ومن أوسع
الناس صدرًا في مسائل الخلاف والاجتهاد:
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ليس لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحُجة،
ومن ثبت إسلامه بيقين، لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة
الحجة وإزالة الشبهة)؛ (مجموع الفتاوى) لابن تيمية (12/ 466).
• وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن البدع المنكرة: تكفيرُ الطائفةِ غيرَها من طوائف المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم)؛ (مجموع الفتاوى) لابن تيمية (7/ 684).
•
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فإنَّا بعد معرفة ما جاء به الرسول صلى الله
عليه وسلم نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعو أحدًا من الأموات؛ لا
الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ
الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجودَ لميت ولا إلى ميت
ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كلِّ هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذي
حرَّمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين؛ لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبيَّن لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالفه)؛ (الاستغاثة) لابن تيمية (ص: 411).
• وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (القول قد يكون كفرًا، فيُطلَق القول بتكفير صاحبه ويقال: مَن قال كذا، فهو كافر، لكن الشخص المعيَّن الذي قاله لا يُحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركُها)؛ (مجموع الفتاوى) لابن تيمية (23/ 345).
من الذي يُكفِّره شيخ الإسلام؟
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(الإنسان متى حلَّل الحرام المجمَع عليه، أو حرَّم الحلال المجمَع عليه،
أو بدَّل الشرع المجمَع عليه - كان كافرًا مرتدًّا باتفاق الفقهاء)؛ (مجموع
الفتاوى) لابن تيمية (3/ 267).
•
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الشرك إذا قامت على الإنسان الحجة فيه ولم
ينتهِ، وجب قتله؛ كقتل أمثاله من المشركين، ولم يُدفن في مقابر المسلمين،
ولم يُصلَّ عليه، وإما إذا كان جاهلًا لم يبلغه العلمُ، ولم يعرف حقيقة الشرك الذي قاتَلَ عليه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، فإنه لا يُحكم بكفره، ولاسيما وقد كثر هذا الشرك في المنتسبين إلى الإسلام، ومَن اعتقد مثل هذا قربةً وطاعة، فإنه ضال باتفاق المسلمين، وهو بعد قيام الحجة كافرٌ)؛ (جامع المسائل) لابن تيمية (3/ 151).
ويقرر ابن تيمية في كثير من كتبه أن مَن
كفر باعتقاده أو قوله أو فعله، يجب على القاضي الشرعي أن يستتيبه قبل قتله
على ردَّتِه، ولا يقتله حتى يدعوه إلى التوبة والرجوع إلى رشده.
• ومن
ذلك قوله رحمه الله: (من قال: إن الله لا يقدر على إماتة الخلق وإحيائهم
من قبورهم، فإنه يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتِل)؛ (مجموع الفتاوى) لابن تيمية
(3/ 289).
هل كان شيخ الإسلام متعصبًا لمذهب معين؟
يجيب عن هذا ابن تيمية رحمه الله، فيقول
عن نفسه: (مع أني في عمري إلى ساعتي هذه لم أدعُ أحدًا قط في أصول الدين
إلى مذهب حنبلي وغير حنبلي، ولا انتصرت لذلك، ولا أذكره في كلامي، ولا أذكر
إلا ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، وقد قلت لهم غير مرة: أنا أمهل مَن
يخالفني ثلاث سنين إن جاء بحرف واحد عن أحد من أئمة القرون الثلاثة يخالف
ما قلته، فأنا أقرُّ بذلك، وأما ما أذكره، فأذكره عن أئمة القرون الثلاثة
بألفاظهم، وبألفاظ مَن نقل إجماعهم من عامة الطوائف، هذا مع أني دائمًا
ومَن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهيًا عن أن يُنسب
معيَّن إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا عُلِم أنه قد قامت عليه الحجة
الرسالية، التي مَن خالفها كان كافرًا تارة، وفاسقًا أخرى، وعاصيًا أخرى،
وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأَ في المسائل
الخبرية القولية، والمسائل العملية)؛ (مجموع الفتاوى) لابن تيمية (3/ 229).
سَعَة صدر ابن تيمية في مسائل الاجتهاد الفقهية:
• قال
شيخ الإسلام ابن تيمية: (قاعدة في صفات العبادات الظاهرة التي حصل فيها
تنازُعٌ بين الأمة في الرواية والرأي؛ مثل الأذان، والجهر بالبسملة،
والقنوت في الفجر، والتسليم في الصلاة، ورفع الأيدي فيها، ووضع الأكف فوق
الأكف، فإن التنازع في هذه العبادات الظاهرة والشعائر أوجَبَ أنواعًا من
الفساد الذي يكرهه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنون:
أحدها:
جهل كثير من الناس أو أكثرهم بالأمر المشروع المسنون الذي يحبه الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم، والذي سنَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
لأمته، والذي أمرهم باتباعه.
الثاني:
ظلم كثير من الأمة أو أكثرهم بعضهم لبعض، وبغيُهم عليهم، تارة بنهيهم عما
لم ينهَ الله عنه، وبغضهم على ما لم يبغضهم الله عليه، وتارة بترك ما أوجب
الله من حقوقهم وصلتهم؛ لعدم موافقتهم له على الوجه الذي يؤثرونه، حتى
يُقدِّموا في الموالاة والمحبة وإعطاء الأموال والولايات مَن يكون مؤخَّرًا
عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويتركوا مَن يكون مُقدَّمًا عند الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم لذلك!
الثالث:
اتباع الظن وما تهوى الأنفس، حتى يصير كثير منهم مدينًا باتباع الأهواء في
هذه الأمور المشروعة، وحتى يصير في كثير من المتفقهة والمتعبِّدة من
الأهواء من جنس ما في أهل الأهواء الخارجين عن السنة والجماعة؛ كالخوارج،
والروافض، والمعتزلة، ونحوهم، وقد قال تعالى في كتابه: ﴿ وَلَا
تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ
يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا
يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26]، وقال في كتابه: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 77].
الرابع: التفرُّق
والاختلاف المخالف للاجتماع والائتلاف، حتى يصير بعضهم يُبغض بعضًا
ويعاديه، ويحب بعضًا ويواليه على غير ذات الله، وحتى يُفضي الأمر ببعضهم
إلى الطعن واللعن، والهمز واللمز، وببعضهم إلى الاقتتال بالأيدي والسلاح،
وببعضهم إلى المهاجَرة والمقاطَعة، حتى لا يصلي بعضُهم خلف بعض! وهذا كله
من أعظم الأمور التي حرَّمها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور التي أوجبها الله ورسوله)؛ (مجموع الفتاوى) لابن تيمية (22/ 356 - 358).
•
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه
المسائل، ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناسَ باتباعه في مثل هذه
المسائل...، وكذلك قال غير واحد من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على
مذهبه؛ ولهذا قال العلماء: إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تُنكر باليد،
وليس لأحد أن يُلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية،
فمَن تبيَّن له صحة أحد القولين تبعه، ومَن قلد أهل القول الآخر، فلا إنكار
عليه)؛ (مجموع الفتاوى) لابن تيمية (30 /79).
إنصاف ابن تيمية للمخالفين القاصدين اتباعَ الحق:
• قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن المتأوِّل الذي قصد متابعة الرسول
صلى الله عليه وسلم لا يُكفَّر ولا يُفسَّق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور
عند الناس في المسائل العملية، وأما مسائل العقائد، فكثير من الناس كفَّر
المخطئين فيها، وهذا القول لا يُعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم
بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل
البدع الذين يبتدعون بدعة ويُكفِّرون من خالفهم)؛ (منهاج السنة النبوية)
لابن تيمية (5 /239).
•
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض ردِّه على بعض أهل البدع
والضلال في كتابه النافع (درء تعارض العقل والنقل) (2 /102 - 103): (ثم إنه
ما مِن هؤلاء إلا مَن له مساعٍ مشكورة وحسنات مبرورة، وله في الرد على
كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين - ما لا
يخفى على مَن عرَف أحوالهم، وتكلَّم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف...، وخير
الأمور أوسطها...، والله يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات، ويتجاوز
لهم عن السيئات: ﴿ وَالَّذِينَ
جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي
قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]).
محمد بن علي بن جميل المطري
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..