الخميس، 28 فبراير 2019

*مكتباتنا الشخصية.. إلى حراج الخردة !!*

.في السنتين الأخيرتين، وأنا عضو في مجلس الإدارة المنتخب لنادي جدة الأدبي؛ يرسل لنا بعض أبناء المثقفين الذين رحلوا عن الحياة، فضلاً عن بعض النخب كبار السن؛ أن
نقبلَ كتب أولئك الراحلين كهديةٍ توضع في مكتبة النادي للاستفادة منها، بعد أن باتت عبئاً ثقيلاً على الورثة في العناية بها وتنظيفها.
2) تزايد الطلب علينا، بحيث كوّنت الإدارة لجنة خاصة، انتهت إلى الاعتذار لهم، لأن مساحة مكتبة النادي محدودة، والكتب المهداة فوق التصوّر، كراتين هائلة فوق بعضها، مملوءة بالكتب. طبعاً مَنْ تواصل معنا نسبةٌ بسيطة، وإلا فالمشكلة أكبر، وكل ذلك للافتكاك من هذه التركة الثقيلة التي لا يحتاجها الأبناء، بل لا يهتمون بها.
3) معظم الورثة يتخلصون من الكتب، إما بإهدائها أو بيعها بأسعار زهيدة جداً للمهتمين وبعض خواص أصدقاء الراحلين، بينا معظم المكتبات الشخصية تنتهي في حراج الخردة، كبقية الأثاث الزائد.
مؤلمٌ جداً هذا المصير، عندما يتذكر الانسان كيف كان يوفّر من مصروفاته القليلة كي يقتني الكتب التي يهتم، بل يقدمها أيام شبابه على رفاهية طعامه أو أبّهة ملابسه، ويسافر لأماكن بعيدة لأجلها.
4) أتذكر في جيلي، ممن درج على القراءة؛ كيف كنا نتسابق لإنشاء مكتباتنا الخاصة، التي كانت جزءاً أصيلاً من حياتنا، وكيف كنا نتفاخر بين لداتنا وأسناننا بحجم ما نمتلك من مخطوطات أو كتب نادرة استطعنا في أزمنة ماضية جلبها. كنا نضنّ بها أن نعيرها لأحد.. وإن فعلنا؛ لاحقنا من أعرناه –بإلحاح- حتى تعود لرفّها آمنة مطمئنة أمام أعيننا الحانية.
5) راجت مؤخراً تغريدات لأحد طلبة العلم، الشيخ فهد العماري، تطرّق فيها لهذا الموضوع، وكتب متحسّراً ومتألماً لمصير المكتبات الخاصة، وكان عنوانها: ما مصير كتبي؟
طبعا يقصد مصيرها بعد رحيله عن الحياة.
وهآ أنا أجيبه بملء الفم وبكل ثقة: غالباً في حراج الخردة يا شيخ فهد.. إلا أن يتصرّف الانسان منا بها في حياته.
6) تمنى الشيخ العماري من المؤسسات التي تعنى بكتابة الأوقاف والوصايا والمراكز  البحثية وغيرها أن تتبنى مثل هذه المشاريع، وتخرج بنموذج يتضمن عدة أفكار يستفيد منها العلماء وطلاب العلم في مصير مكتباتهم ونتاجهم العلمي حال حياتهم وبعد وفاتهم. وطالب بورش عمل وملتقيات لطرح حلول للمشكلة.
7) شخصياً، أجزم بأن مصير الكتب الورقية سيكون ذات مصير الصحافة الورقية. ما هي إلا سنوات قلائل وتتحول ذائقة الأجيال الجديدة -في أغلبها- للكتب الرقمية، وستحجّم وتتضاءل الكتب الورقية، بيد أنها لن تنتهي برأيي قريبا.
فيما ستزدهر المكتبات الرقمية، بفعل التكنولوجيا التي توجّه معظم حياتنا اليوم، ولا نملك سوى أن ننخرط في أتونها رغماً عنا.
8) نصحتُ لمرات عديدة بعض الهيئات الشرعية التي لديها مكتبات كبيرة؛ أن تتخلص منها، وترسل الكتب لأفريقيا والمناطق الفقيرة التي تحتاجها، وتستبدل مكتباتها المغبّرة هاته، بمكتبات رقمية حديثة. وكنت أقول لهم: كل هذه الكتب التي تأخذ هذا الحيّز الكبير من المكان؛ هي مجموعة في "هاردسك" واحد بكفّ اليد..
9) في المكتبات الحديثة في العالم، سواء في الجامعات أو مراكز البحوث؛ تجد الطلاب والباحثين على طاولات الكمبيوتر والشاشات الحديثة أمامهم، يصلون للمعلومات بأيسر وأسهل الطرق، ويبحرون في أمهات الكتب والمعاجم الصعبة دون عناء، وقد وفروا حيّز المكان الكبير، فضلا عن الوقت والجهد ووصلوا لكل ما يحتاجونه بأبسط السبل.
10) في مقابلهم، تدخل المكتبات الخاصة بالهيئات ومراكز البحوث؛ لا تجد سوى القلة والقلة فقط، هذا إن وجدت أحدا فيها غالب الأيام، فيما يعلو الغبار معظم المكتبات، وحتى الخاصة في البيوت، تتعب ربّات البيوت في العناية المنهكة بها، وحقّ لهن أن يتذمرن من التركة الثقيلة التي لا يهتم بها أحد.
12 -12) أدعو أصحاب المكتبات الشخصية، بذات دعوة الشيخ  العماري؛ أن يباشروا بالتصرّف في كتبهم التي أفنوا الأعمار وبذلوا الأموال في جمعها، قبل أن يطمرها أبناؤهم في حراج الخردة، كمصير مؤلم لما فنيت الأعمار عليها، هذا إن وجدوا في الحراج من يشتريها.
أدركوا مصير كتبكم بالوصية بارسالها لمن يستحقها، وعظم الله أجرنا في كتبنا التي كانت أنسنا ونُدُمنا وسلوتنا يوماً ما.
                                                            قام بالتغريد بها: عبدالعزيز قاسم
                                                                اعلامي وكاتب صحفي
                                                              22 جمادى الآخرة 1440

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..