اعلم أن المد اللازم ينقسم إلى قسمين:
أولاً: المد اللازم الكلمي.
ثانيًا: المد اللازم الحرفي.
وكل منهما ينقسم ثانيًا إلى قسمين: مثقَّل ومخفَّف، وبذلك تصير الأقسام اثنين إجمالاً، وأربعة تفصيلاً، وهي التي أشار إليها العلامة الجمزوري في تحفته بقوله:
أقسامُ لازمٍ لديهم أربعةْ
وتلك كِلْميٌّ وحرفِيٌّ مَعَهْ
كلاهما مخفَّفٌ مثقَّلُ
فهذه أربعةٌ تُفصَّلُ
|
ولكل قسم من هذه الأقسام ضابطٌ يميزه عن غيره.
القسم الأول: المد اللازم الكلمي المثقَّل:
وضابطه أن يأتي بعد حرف المدِّ واللِّين حرفٌ ساكن مُدغَم - أي: مشدَّد - في كلمةٍ؛ نحو: "الضالِّين - دابَّة - الحاقَّة - الطامَّة - الصاخَّة"، ومنه "ءَالذَّكرين" في موضعَي الأنعام، و"ءَالله" موضع يونس وموضع النمل على وجه الإبدال.
وسمي لازمًا؛ لالتزام القرَّاء مدَّه مقدارًا واحدًا، وهو ست حركات، أو للزوم سببه في الحالين - أي: حالة الوصل والوقف - وسمي كلميًّا؛ لوجود حرف المد مع الحرف المدغم في كلمة واحدة، وسمي مثقَّلاً؛ لوجود التشديد بعد حرف المد؛ إذ الحرف المشدَّد أثقل، وقد أشار الإمام ابن الجزري إليه في مقدمته بقوله:
فلازمٌ إن جاء بعدَ حرفِ مدّْ
ساكنُ حالَينِ وبالطُّولِ يُمَدّْ
|
القسم الثاني: المد اللازم الكلمي المخفف:
وضابطه أن يأتي بعد حرفِ المد حرفٌ ساكن أصلي غير مُدغَم في الحالين؛ أي: مخفَّف في كلمة؛ نحو: "ءَالآن" في موضعي يونس على وجه الإبدال، وليس في القرآن غير هذين الموضعين بالنسبة لرواية حفص عن عاصم، وسمي كلميًّا لما تقدم، ومخففًا لكون السكون غير مدغم.
تنبيه:
في القرآن الكريم ستة مواضع يجب مدُّها ست حركات عند جميع القراء، أو تسهيلها مع القصر، وهي:
"ءَالذكرين" معًا بالأنعام، "ءَالآن" موضعين بيونس، و"ءَالله.." بيونس أيضًا، و"ءَالله خيرٌ" بالنمل، وقد أشار إلى ذلك الإمام الشاطبي - رحمه الله - في الحرز بقوله:
وإن همزُ وصلٍ بين لامٍ مسكَّنٍ
وهمزةِ الاستفهام فامدُدْه مُبدِلا
فللكلِّ ذا أولى ويقصُرُه الَّذي
يُسهِّلُ عن كلٍّ كآلاَنَ مُثِّلا
|
وأشار ابن الجزري في الطيبة إلى هذا بقوله:
وهمزُ وصلٍ من كآللهُ أَذِنْ
أبدِلْ لكلٍّ أو فسهِّلْ واقصُرَنْ
|
القسم الثالث: المد اللازم الحرفي المثقل:
وضابطه أن يُوجَد حرف المد في فواتح بعض السُّور، وهجاؤه من ثلاثة أحرف، أوسطها حرف مد، والثالث ساكن أصلي، وذلك في ثمانية أحرف يجمعها "نقص عسلكم"، منها سبعة تمد مدًّا مشبعًا، وهي "النون - القاف - الصاد - العين - السين - اللام - الكاف - الميم"، ثم المدغم من ذلك فيما بعده من الحروف يسمى مثقَّلاً، وغير المدغم يسمى مخفَّفًا.
القسم الرابع: المد الحرفي الشبيه بالمثقل:
وضابطه هو أن يقعَ السكون الأصلي بعد حرف المد أو اللِّين في حرف تقتضي الأحكام إخفاءه فيما بعده عند وصله به، ولا يوجد منه في القرآن الكريم إلا أربعة مواضع:
• منها موضعان بعد اللين، وهما: "ع" أولى مريم والشورى.
• وموضعان بعد حرف المد، وهما: "س" بأولى النمل والشورى.
وسمي حرفيًّا؛ لوقوع السكون الأصلي بعد حرف المد أو اللين في حرف، وسمي شبيهًا بالمثقَّل؛ لوجود بعض الثقل في النطق به؛ نظرًا إلى إخفائه فيما بعده، مما اقتضى غنَّته بعد مدِّه الطويل، وهو أحد أثري الإدغام، وهو الأثر الثاني للإدغام الذي لو وجد أيضًا، لكان مثقَّلاً لا شبيهًا بالمثقل[1].
وقد أشار العلامة الجمزوري في تحفتِه إلى المد اللازم في هذه الأقسام
فإن بكِلْمةٍ سكونٌ اجتَمَعْ
مَعْ حرفِ مدٍّ فَهْوَ كِلْميٌّ وَقَعْ
أو في ثُلاثيِّ الحروفِ وُجِدَا
والمدُّ وسْطه فحرفِيٌّ بَدَا
|
موضع المد اللازم الحرفي وحروفه في القرآن الكريم:
للمد اللازم الحرفي سواء أكان مخففًا أم مثقلاً في القرآن مواضعُ يوجد بها، وحروف مخصوصة به لا يتعداها.
أما مواضعه، ففي فواتح السور؛ مثل: "ص - ق - يس"، ولا يكون في وسط السور ولا في آخرها، بخلاف المد اللازم الكلمي، فإنه يوجد في فواتح السور كأول (الحاقة، الصافات)، كما يوجد في وسطها نحو (الصاخة - الطامة)، وفي آخرها نحو "الضالين".
وأما حروفه الخاصة به، فثمانية، جمعها العلامة الجمزوري في تحفته بقوله: "عسلكم نقص"، وهي "العين - السين - اللام - الكاف - الميم - النون - القاف - الصاد"، وأمثلة كل لا تخفى عليك، سواء كان مثقَّلاً أو مخفَّفًا أو شبيهًا بالمثقل.
قال أبو شامة:
فإن تحرَّك الساكن في هذا القسم؛ نحو "الم" أول آل عمران، فإنه بفتح الميم وحذف الهمزة عند جميع القراء، فيجوز في هذا الموضع المدُّ نظرًا إلى الساكن الأصلي على الراجح، ويجوز القصر نظرًا إلى الحركة العارضة، وإنما كانت فتحةً مع أن الأصل في التخلُّص من التقاء الساكنين الكسر؛ وذلك مراعاةً لتفخيم لام اسم الله؛ إذ لو كُسِرت الميم لرُقِّقت لام الجلالة وانتفت المحافظة على تفخيمها.
ولذلك أشار صاحب الكنز بقوله:
ومُدَّ له عندَ الفواتحِ مُشبِعَا
وإن طرأ التحريكُ فاقصُرْ وطوِّلا
لكلٍّ وذا في آل عمرانَ قد أتى
..........................
|
وأما العين من فاتحة مريم والشورى، ففيها خلاف ذكره الإمام الشاطبي بقوله:
.......................
وفي عينٍ الوجهانِ والطولُ فُضِّلا
|
وقال الشيخ الجمزوري في تحفته:
واللازمُ الحرفِيُّ أوَّل السُّورْ
وجودُه وفي ثمانٍ انحصَرْ
يجمَعُها حروفُ كَمْ عسل نَقَصْ
وعين ذو وجهينِ والطُّول أخصّ[2]
|
عُلِم مما تقدَّم في شروط المد اللازم الحرفي بأنواعِه أن يكون حرفُ المدِّ والسكون في حرف واحد في الخط، وثلاثة أحرف في اللفظ أوسطها حرف مد؛ نحو: "ق - ص"، فخرج بذلك شيئان:
الأول: إن كان الحرف واحدًا في الخط لكنه حرفان في اللفظ.
الثاني: حرف مد وليس بعده ساكن نحو "الطاء والهاء" من طه.
فالمد فيه ليس من المد اللازم الحرفي؛ لعدم وجود السكون الأصلي بعد حرف المد، وإنما هو من قبيل المد الطبيعي الحرفي الثنائي، وحروفه خمسة لا يتعداها، وجمَعها بعضُهم في قوله: "حي طهر"؛ وهي: "الحاء - الياء - الطاء - الهاء - الراء"، وهذه الأحرف لا توجد إلا في فواتح السور أيضًا، وقد تكون مع المد اللازم الحرفي نحو "يس"، وقد تكون بمفردها نحو "طه"، وقد تقدمت أمثلتُها في تعريف المد الطبيعي الثاني، وسمي طبيعيًّا ثنائيًّا، أو طبيعيًّا حرفيًّا؛ لوجود حرف المد الذي ليس بعده همز ولا سكون في حرف واحد، وهذا هو أحد قسمي الطبيعي.
والثاني المد الطبيعي الكلمي، وقد تقدم الكلام عليهما، فارجع إليه إن شئت.
الشيء الثاني: إذا كان حرف المد واحدًا في الخط وثلاثة أحرف في اللفظ ثالثهما ساكن، وليس الوسط حرف مد، فلا يمد هذا الحرف أصلاً؛ لعدم وجود حرف المد في الوسط، ووجد ذلك في حرف واحد فقط، وهو الألف من نحو "الم"، وليس غيره في حروف الهجاء.
فائدة:
عُلِم ممَّا تقدَّم أن جملة الحروف الواقعة في فواتح السور الموجودة فيها حروف المد اللازم الحرفي والطبيعي الحرفي أيضًا، وكذلك الألف التي لا تمد أصلاً - أربعة عشر حرفًا، جمعها صاحب التحفة في قوله: "صِلْه سُحَيرًا مَن قطَعك"، وجمعها بعضهم في قولك: "نص حكيم له سر قاطع"، ولبعضهم أيضًا: "طرَق سمعَك النَّصيحة"، وهي تنقسم إلى أربعة أقسام:
سبعة منها تمد مدًّا مشبعًا بلا خلاف؛ لوجود السكون.
وواحد منها فيه الخلاف المتقدم، وهو "العين".
وخمسة منها ليس فيها إلا المد الطبيعي الحرفي أو الثنائي؛ لعدم الساكن بعدها، وهي المذكورة في "حي طهر"، وهذا معنى قول الشاطبي:
وفي نحوِ طه القصرُ إذ ليس ساكنٌ
وما في ألِفْ من حرفِ مدٍّ فيُمْطَلا
|
وقد أوضح ذلك صاحب التحفةِ بقوله:
وما سوى الحرفِ الثُّلاثي لا ألِفْ
فمدُّهُ مدًّا طبيعيًّا أُلِفْ
وذاك أيضًا في فواتحِ السُّورْ
في لفظِ حيٍّ طاهرٍ قد انحصَرْ
ويجمعُ الفواتحَ الأربعْ عشرْ
صِلهُ سُحَيرًا مَن قَطعْكَ ذا اشتَهَرْ
|
بيان وجوه الوقف على المد اللازم الكلمي المثقل:
وهذا لا يكون إلا في المد اللازم الكلمي المثقل المتطرف؛ نحو: (مُضَار - الدواب - ولا جان)، فإذا وقفت عليه فليس فيه إلا الوقف بالمد الطويل؛ عملاً بأقوى السببين، وهو السكون المدغم بعد حرف المد، وإلغاء السبب الضعيف، وهو سكون الوقف.
ويجب التحفظ فيه لدى الوقف من أن يوقف عليه بالحركة، كما يفعله بعض مَن لا علم عنده؛ فإن هذا خطأ لا يجوز فعله.
والصواب كما في النشرِ الوقفُ بالسكون مع التشديد على الجمع بين الساكنين؛ إذ الجمع بينهما في الوقف مغتَفَر مطلقًا[3]، ويلاحظ حذف التنوين من المنوَّن منه حالة الوقف بالرَّوم، كحذفه حالة الوقف بالسكون، وقد أشار صاحب لآلئ البيان إلى وجوه الوقف على المد اللازم المتطرف بقوله:
سكِّنه إن تقِفْ وأشمِمْ رافعًا
ورُمْه مع جرٍّ بمدٍّ مُشْبِعا[4]
|
وعليه يكون الوقف على المد اللازم المفتوح؛ نحو: "صوافَّ" بالسكون المحض فقط.
والمكسور؛ نحو: "غير مضارٍّ" بالسكون المحض ثم بالرَّوم.
والوقف على المضموم منه؛ نحو: "ولا جانٌّ" بالسكون المحض وبالإشمام والرَّوم، ولا يكون إلا مع المد الطويل.
[1] لأن وجود الغنَّة فيه بعد المد الطويل يجعله أشبه بالمثقَّل دون المخفَّف.
[2] زاد الحافظ ابن الجزري في الطيبة القصر في العين، وقدره حركتان، بجانب التوسط والإشباع للقراء العشرة، فيكون لهم فيها المدود الثلاثة التي هي القصر والتوسط والإشباع من الطيبة، أما من الشاطبية، فليس إلا التوسط والإشباع فقط، فتأمل؛ اهـ.
[3] النشر الجزء الثاني ص127.
[4] انظر لآلئ البيان ص14.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..