.1) (أَحَاطَ/ وَأَحَٰطَتۡ):.
الرسم الأول: خمس مرات بإثبات الألف على المعهود في الرسم، وذلك في قوله تعالى:
- {وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ...} [الإِسۡرَاء: 60].
- {إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَا} [الكَهۡف: 29].
- {... وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا} [الفَتۡح: 21].
- {... وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} [الطَّلَاق: 12].
- {... وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ وَأَحۡصَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ عَدَدَۢا} [الجِنّ: 28].
.
الرسم الثاني: مرة واحدة بحذف الألف (أَحَٰطَ)، وذلك في قوله تعالى:
- {بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ} [البَقَرَة: 81].
.
والملاحظ في آيات الرسم الأول أنها في مقام الألوهية، إذ الفاعل في أربعة منها هو الله، والفاعل في آية الكهف هو النار التي أعدها الله للظالمين، فهي نار الله، أي غير بعيدة عن مقام الألوهية.
.
والإحاطة في اللغة تعني القدرة على الشيء من جميع جوانبه علمًا وحفظًا ومنعًا فلا يفوت منه شيء، يقول الزجاجي: "أحاط فلان بالشيء فهو محيط به إذا استولى عليه، وضم جميع أقطاره ونواحيه، حتى لا يمكن التخلص منه، ولا فوته، فالله عز وجل محيط بالأشياء كلها لأنها تحت قدرته، لا يمكِّن شيئًا منها الخروج عن إرادته فيه، ولا يمتنع عليه منها شيء".
.
والآيات الخمس الأولى -بإثبات الألف- تجمع هذه المعاني حقيقة؛ فهي تدل على شمولية علم الله وقدرته حفظًا ومنعًا، يفسّر لنا الزجاجي قوله تعالى: {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا} بقوله: "أي علم كل شيء على حقيقته بجميع صفاته فلم يخرج شيء منها عن علمه"، ويفسّر السمين الحلبي قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ} بقوله: "أي: حافظهم وجامعهم لا يفوتونه"، ويفسرها البيضاوي بأنهم: "في قبضة قدرته، أو أحاط بقريش بمعنى أهلكهم من أحاط بهم العدو، فهي بشارة بوقعة بدر".
.
وبالعلم والقدرة أيضًا فسّر العسكري آيتي الجن والفتح، يقول: "وَقَوله {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيۡهِمۡ} [الجِنّ: 28] يجوز فِي الْعلم وَالْقُدْرَة، وَقَالَ {قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا} [الفَتۡح: 21] أَي قد أحَاط بهَا لكم بتمليككم إِيَّاهَا".
.
والحاصل أن كل هذه الإحاطات -بإثبات الألف- دلت دلالة حقيقية على كمال القدرة والعلم والحفظ والمنع، وهو أليق ما يكون في مقام الألوهية؛ إذ وردت الأفعال مسندة للذات العلية أو ما كان منها بسبب.
.
أما عن الإحاطة في قوله تعالى {وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُ} -بحذف الألف- فقد اقتصرت على إحاطة شيء بشيء على وجه الاستعارة، يقول السمين الحلبي: "فيه أبلغ استعارةٍ؛ وذلك أن العبد إذا ارتكب ذنبًا واستمر عليه استجرّه ذلك الذنب إلى ما هو أكبر منه، فلا يزال يرتقي حتى يطبع على قلبه فلا يمكنه أن يخرج عن تعاطيه"، ويقول ابن عاشور: "والإحاطة مستعارة لعدم الخلو عن الشيء؛ لأن ما يحيط بالمرء لا يترك له منفذًا... وإحاطة الخطيئات هي حالة الكفر؛ لأنها تجرئ على جميع الخطايا، ولا يعتبر مع الكفر عمل صالح".
.
والخلاصة أن الآيات مع إثبات الألف إنما وردت في مقام الألوهية ودلت حقيقة على كمال القدرة والعلم والحفظ والمنع الإلهي، أما بحذف الألف فإنما اقتصرت على إحاطة معنوية مستعارة في مقام العبودية، فتناسب إثبات الألف مع الحقيقة والكمال في المقام الأول، وتناسب حذف الألف مع المجاز والنقص في المقام الثاني، والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..