سألني بعض الشباب من أنتم؟ "يقصد الشيوخ" فقلت :نحن نبتة النفط التي سقاها
وأغدق عليها وأخرجها غضة طرية رقيقة ناعمة وغنية ثرية، هيأ لنا فرصا لم تكن
لأهلنا ولا لأسلافنا الذين سبقونا في هذه الحياة، هيأ لنا النفط أن نفتح
المدارس والمعاهد والمؤسسات التعليمية، وأن نتعلم في أرقى الجامعات ويملك
القليل منا أكبر الشركات عابرة القارات ويستأثر بأضخم الثروات بجهد قليل أو
بلا جهد، وأن نتمدد في بلاد الله الواسعة سياحا وتجارا ودارسين ووعاظا
ودعاة للدين.
يعرفنا العالم كله في الشرق والغرب بأننا هبة النفط ويتحدث عنا ويتعامل معنا من هذا المنطلق، ويعرف خصائصنا وتركيبتنا المتحولة من الشظف والحاجة والجوع والصلابة إلى الدعة واللين والغنى والإنفاق والتبذير والاستهلاك وتضخم الذات والممتلكات، وقد علمنا كيف نتسابق على ما ينتجه العالم من ضروب الاستهلاك السريع حتى صرنا نستهلك أضعاف ما نحتاج مما يأتي من خارج بلادنا ومن غير صناعة أيدينا، يتفاخر أغنياؤنا بمساحات القصور ويتطاولون في بناء الدور ونحن معهم ننفق ما في الجيب ليأتي ما في الغيب، شغلنا عن الادخار وتقدير الأخطار وألهانا عن الصناعة وعن الزراعة ومكننا من بناء ناطحات السحاب وساعدنا على تعدد الزوجات وكثرة الإنجاب.
هذا الأسود الجميل النفط كما عرفه العرب الأولون، والزيت أو البترول كما نعرفه اليوم كان في القديم عند الأمم وفي البلاد العربية والإسلامية محدود الأغراض ومع قلة الاستفادة منه إلا في أغراض شخصية فقد اهتمت به الدولة العباسية وجعلت له ولاية ومنبرا، وقد ذكر الشعراء بعض ولاته وخلدوه في أشعارهم، ومن ولاة النفط أبو العباس صديق الشاعر عبدالصمد بن المعذل الذي عاش مع صديقه الوالي في منتصف القرن الثالث الهجري وكعادة بعض الولاة وأصحاب المناصب يداخلهم الفخر والتيه والتكبر على أصدقائهم حتى ولو كانت الولاية على عيون النفط فنصحه صديقه الشاعر ألا يتكبر فهو في الحقيقة وال على النفط وليس على مسك وعنبر يفخر بهما فقال معاتبا صديقه:
دع الكبر واستبق التواضع إنه / قبيح بوالي النفط أن يتكبرا. أظن شيئا من معنى هذا البيت يصدق على الكثير منا.
ننتقل من أمر الشاعر وصديقه، وننظر لأمر النفط اليوم وأمره لنا وفعله بنا نحن أهل النفط وورثة ولاته وصانعيه، يتحول النفط من مادة لزجة سائلة إلى مواد صلبة متحولة وأكثر ما يستعمل في الملابس والصناعات والأطعمة والأسمدة الزراعية وحتى العطورات ومشتقاتها وأدوات التجميل ومستحضرات الطب، وهي كلها من مادة نفطية متحولة ومعتمدة عليه، وقد أصبح الإنسان في دول النفط ولا سيما في الخليج جزءا من صناعة النفط التحويلية تحول في الشكل وتحول في الفكر وتحول في الآمال والأحلام وداخله زهو ليس من قيمه ولا من عادات آبائه وأجداده، وأصاب حياته كلها التحول وغيرها حتى أصبح حاضره لا يشبه ماضيه، وأنا لا أدعو أن نبقى على ماضينا الذي كنا عليه قبل النفط لا أعاده الله علينا، بل أدعو إلى تغييره وتركه والانتقال منه إلى مستقبل أفضل وأكرم لكم وللقادمين من الأجيال التي لن تكون مثلنا هبة للنفط وصناعته.
أما أنتم جيل اليوم فخذوها مني لن يهبكم النفط ما وهبنا، ولن يرفق بكم كما رفق بنا فقد كشفت لكم أخطاؤنا وبانت ثغرات كثيرة في تجربتنا، ليس أقلها الإسراف فيما نستورد، والبذل فيما يذهب ولا يبقى والبحث عن الكسب السريع بالعمل القليل، أنتم تحتاجون أن تصنعوا ما لم نصنع وأن تزرعوا ما لم نزرع وأن تعرفوا من أسباب الادخار وتنمية المال ما لم نعرف، كونوا جيلا مختلفا يصنع بعض ما يريد ويزرع بعض ما يحتاج ويعمل عقله وعلمه لرفاهية مستقبله والاعتماد على ما ينتج وليس على ما يأتيه سهلا وينفق، ويشارك العالم بإبداعه واختراعه، كونوا غيرنا فهو خير لكم وخير لنا.
Mtenback@
يعرفنا العالم كله في الشرق والغرب بأننا هبة النفط ويتحدث عنا ويتعامل معنا من هذا المنطلق، ويعرف خصائصنا وتركيبتنا المتحولة من الشظف والحاجة والجوع والصلابة إلى الدعة واللين والغنى والإنفاق والتبذير والاستهلاك وتضخم الذات والممتلكات، وقد علمنا كيف نتسابق على ما ينتجه العالم من ضروب الاستهلاك السريع حتى صرنا نستهلك أضعاف ما نحتاج مما يأتي من خارج بلادنا ومن غير صناعة أيدينا، يتفاخر أغنياؤنا بمساحات القصور ويتطاولون في بناء الدور ونحن معهم ننفق ما في الجيب ليأتي ما في الغيب، شغلنا عن الادخار وتقدير الأخطار وألهانا عن الصناعة وعن الزراعة ومكننا من بناء ناطحات السحاب وساعدنا على تعدد الزوجات وكثرة الإنجاب.
هذا الأسود الجميل النفط كما عرفه العرب الأولون، والزيت أو البترول كما نعرفه اليوم كان في القديم عند الأمم وفي البلاد العربية والإسلامية محدود الأغراض ومع قلة الاستفادة منه إلا في أغراض شخصية فقد اهتمت به الدولة العباسية وجعلت له ولاية ومنبرا، وقد ذكر الشعراء بعض ولاته وخلدوه في أشعارهم، ومن ولاة النفط أبو العباس صديق الشاعر عبدالصمد بن المعذل الذي عاش مع صديقه الوالي في منتصف القرن الثالث الهجري وكعادة بعض الولاة وأصحاب المناصب يداخلهم الفخر والتيه والتكبر على أصدقائهم حتى ولو كانت الولاية على عيون النفط فنصحه صديقه الشاعر ألا يتكبر فهو في الحقيقة وال على النفط وليس على مسك وعنبر يفخر بهما فقال معاتبا صديقه:
دع الكبر واستبق التواضع إنه / قبيح بوالي النفط أن يتكبرا. أظن شيئا من معنى هذا البيت يصدق على الكثير منا.
ننتقل من أمر الشاعر وصديقه، وننظر لأمر النفط اليوم وأمره لنا وفعله بنا نحن أهل النفط وورثة ولاته وصانعيه، يتحول النفط من مادة لزجة سائلة إلى مواد صلبة متحولة وأكثر ما يستعمل في الملابس والصناعات والأطعمة والأسمدة الزراعية وحتى العطورات ومشتقاتها وأدوات التجميل ومستحضرات الطب، وهي كلها من مادة نفطية متحولة ومعتمدة عليه، وقد أصبح الإنسان في دول النفط ولا سيما في الخليج جزءا من صناعة النفط التحويلية تحول في الشكل وتحول في الفكر وتحول في الآمال والأحلام وداخله زهو ليس من قيمه ولا من عادات آبائه وأجداده، وأصاب حياته كلها التحول وغيرها حتى أصبح حاضره لا يشبه ماضيه، وأنا لا أدعو أن نبقى على ماضينا الذي كنا عليه قبل النفط لا أعاده الله علينا، بل أدعو إلى تغييره وتركه والانتقال منه إلى مستقبل أفضل وأكرم لكم وللقادمين من الأجيال التي لن تكون مثلنا هبة للنفط وصناعته.
أما أنتم جيل اليوم فخذوها مني لن يهبكم النفط ما وهبنا، ولن يرفق بكم كما رفق بنا فقد كشفت لكم أخطاؤنا وبانت ثغرات كثيرة في تجربتنا، ليس أقلها الإسراف فيما نستورد، والبذل فيما يذهب ولا يبقى والبحث عن الكسب السريع بالعمل القليل، أنتم تحتاجون أن تصنعوا ما لم نصنع وأن تزرعوا ما لم نزرع وأن تعرفوا من أسباب الادخار وتنمية المال ما لم نعرف، كونوا جيلا مختلفا يصنع بعض ما يريد ويزرع بعض ما يحتاج ويعمل عقله وعلمه لرفاهية مستقبله والاعتماد على ما ينتج وليس على ما يأتيه سهلا وينفق، ويشارك العالم بإبداعه واختراعه، كونوا غيرنا فهو خير لكم وخير لنا.
Mtenback@
الثلاثاء - 18 مايو 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..