الأحد، 27 مارس 2022

جميل صدقي الزهاوي( المجنون ، الطائش ، الجريء ، الزنديق )

    وشهرته بالزهاوي هي لان جده هاجر الى (زهاو) من مدن كرمنشاه الايرانية وسكنها عدة سنين وتزوج بسيدة زهاوية هناك ..
ولد في بغداد عام 1863 وهو كردي ينتسب الى امراء السليمانية البابان .. والده مفتي بغداد محمد فيضي الزهاوي ..

اصيب جميل الزهاوي بداء النخاع الشوكي في الخامسة والعشرين من عمره فلازمه المرض طوال حياته .. قال الشعر بالعربية والفارسية وهو صبي … عين في شبابه عضوا لمجلس المعارف في بغداد ثم مدجيرا لمطبعة الولاية ثم عضوا لمحكمة الاستئناف .
سافر في اوائل كهولته الى الاستانه فأنعم عليه السلطان برتبة رفيعة ووسام مجيدي من الدرجة الثالثة .. ثم سجنه وسفره الى بغداد ثم عاد الى الاستانة وعين استاذا للفلسفة الاسلامية في الجامعة الملكية واستاذا للاداب العربية في دار الفنون .. عزله والي بغداد (ناظم باشا) من وظيفته ثم اعاده والي بغداد (جمال باشا) الى وظيفته ثانية ثم انتخب نائبا عن المنتفق ثم عن بغداد فذهب الى الاستانة كثيرا وحضر جلسات البرلمان العثماني وخطب فيه مرات كثيرة .. لم يترك بغداد ابان الحرب العالمية الاولى .. عين عضوا لمجلس المعارف ثم رئيسا للجنة تعريب القوانين العثمانية .. عزله الملك فيصل من جميع وظائفه وقطع عنه جميع رواتبه ورفض ان يكون شاعر الملك مقابل راتب ضخم .قال يوما عن نفسه: كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولي (الجرئ) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية.لم يشترك الزهاوي في ثورة العشرين . زلت قدمه وهو يتمشى في داره فكسرت عظمات من قدمه اليسرى فلزم بيته وقضى وقته بالمطالعة والتأليف حتى وافاه الاجل في بغداد يوم 24 / 2 / 1936 .
له العديد من الكتابات والتأليفات منها (الكائنات) وهو كتيب صغير في الفلسفة ، وكتاب (المجمل مما رأى) كتاب يبحث في الافلاك والمد والجزر والجذب والرفع والمكان والزمان و..الخ ، (الجاذبية وتعليلها ) كتاب في النثر ، (رباعيات الخيام) ترجمها عن الفارسية ، وكذلك (ديوان الزهاوي) ديوان شعر وله عدة طبعات .. ومن دواوينه (الكلم المنظوم ، الذرات ، نزعات الشيطان ، اللباب ، الاوشال ، الثمالة ، وغيرها ) .
نظم الزهاوي شعره في موضوعات شتى ، تناول فيها كل شيء تقريبا في السياسة والاجتماع والعلم والفلسفة ومناصرة المرأة ، فضلا عن الطابع التفكيري والجمود التقريري الذي يسلكه في صفوف المفكرين المصلحين .
قال من قصيدة عنوانها (ايام بغداد)
أتعود بعد تصرم ونفاد … ايام بغداد الى بغداد
ايام بغداد التي في مرها … كانت عوادي الدهر غير عوادي
 ودافع عن حقوق الفلاح وينعى على الاعنياء حرصهم وتمسكهم بالمال .. وقال في قصيدة عنوانها (سادة ورعاع) ..
ان من كدّوا يزرعون البقاعا … اشبعوا غيرهم وباتوا جياعا
ربح المالكون الارض غصبا … ومضى كدّ المزارعين ضياعا

وفي قصيدة اخرى عنوانها (الاكواخ والقصور) من الرباعيات يدعو الى العدل وانصاف الفلاح ..
جمعوا من ساكني الاكواخ اموالا وتورا … واتوا في جانب الاكواخ يبنون القصورا
اجعل البأساء مقياسا لسراء الحياة … وانظر الاكواخ في جنب القصور الشاهقات

للزهاوي ملحمة شعرية طويلة تقع في (435) بيتا بقافية واحدة عنوانها (ثورة في الجحيم) ونشرها عام 1929 فأثارت ضجة لما جملت من اراء ثورية ضد التقاليد والطقوس الدينية .. قال في مطلعها : –
بعد ان مت واحتواني الحفير … جائني منكر وجاء نكير
ثم يصف الصراط ..
لم يربني امر الصراط مقاما … فوق واد من الجحيم يفور
فاذا صح انه كغرار ال … سيف او شعرة فكيف العبور
لا تخل ان عبر جسر دقيق … ذرعه آلاف السنين يسير

وقال في سؤال منكر ونكير عن السفور والحجاب وبها يبين الزهاوي عن آرائه الحقيقية ومطالبته بسفورها ومعارضته الحجاب :
قال هل في السفور نفع يرجى … قلت خير من الحجاب السفور
انما في الحجاب شل لشعب … وخفاء وفي السفور ظهور
كيف يسمو الى الحضارة شعب … منه نصف من نصفه مستور
ثم يوصف اخذه الى الجحيم والعذاب الذي فيه
أخرَجانيَ منها وشدَّا وثاقي …بنسوع كما يُشد البعيرُ
ثم قاما فدلَّيانيْ ثلاثاً … في صميم الجحيم وهي تفورُ
وأخيراً في جوفهاقذفا بي … مثلما يُقذَفُ المتاعُ الحقيرُ
لست أسطيعُ وصفَ ما أنا قد قاسيتُ منها فإنه لعسيرُ
ربي إصْرف عني العذابَفإني …  إن أكن خاطئاً فأنتَ الغفورُ
لقد كانت ملحمة شعرية سعى فيها الى التحرر من التقاليد الاجتماعية والعادات الموروثة وكان مسلحا قوي الايمان ، حيث اجاب على اسئلة منكر ونكير ..
قل ما دينك الذي كنت في الدنيا … عليه وانت شيخ كبير
قلت كان الاسلام ديني فيها … وهو دين بالاحترام جدير
قال من ذا الذي عبدت فقلت … الله ربي وهو السميع البصير

الذي ادمى ادمى قلب الزهاوي في اواخر حياته تنامي نفوذ الرصافي ، وشاعت المنافسة بين الزهاوي والرصافي من جانب والزهاوي والعقاد من جهة اخرى .. فقد هاجمه العقاد ونفى عنه الفلسفة والشاعرية معا ، فكان صراعا ادبيا عنيفا .
لقد كان الزهاوي عالما كبيرا وقيلسوفا حكيما .. وذلك نتيجة بحثه وتفكيره الشخصي حيث لم يكن يتلقى علومه في جامعات معروفه ولا مدارس منظمة اذ شغف بالابحاث العلمية وتعمق في دراسة الفلسفة ونفذ الى ما وراء المادة والطبيعة  .
كان الزهاوي شخصية فذة متعددة النواحي ، شعره حر طليق لا يتقيد بالاسلوب القديم ضاربا الخيالات الوهمية ونزاعا الى التجديد .. كان شاعرا مجددا رقيق الحس مفتوح القلب متقد العاطفة ثائر القلب .. فهو كالبحتري ديباجة زكالمعري تفكيرا ومع ذلك كله فلم يعترف بسمو مكانته بل كان يرى ان له سقطات وبعض الاسفاف رغم جودة شعره .. قال من قصيدة له ..
يا  شعر  أَنتَ    سماء … أطير   فيها     بفكري
طوراً  أَسف    وطوراً … أعلو  كتَحليق     نسر
إن لم تصور شعوري … فلست يا شعر   شعري
من بعد  موتي  بحين … سيعلم  القوم     قدري
فقد   وقفت      حَياتي … لهم  وأَفنيت     عمري
-

المصدر
---

وهذه من مرجع آخر

بتاريخ: 06 - 01 - 1936

للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي

- 1 - الشك لا يهدي

رأيتُ الهدى في الشكّ والشك لا يهدي ... كأنيَ بالظلماء قد كنتُ أستهدي

فطوراً أقول الروح كالجسم هالك ... وطوراً أقول الهُلكُ عنه على بعد

فيالك من شك يبرّح بي ولا ... يبارحني حتى أُسّدَ في لحدي

وإنيَ لا أدري أرشديَ كان في ... ضلاليَ هذا أم ضلاليَ في رشدي

أأفقد جسمي وحده عند ميتتي ... أم الروح مثل الجسم يشمله فقدي

أروحٌ وجسمٌ أم هو الجسم وحده ... يحرّكني فيما يضلّل أو يهدي

أعذّب حوبائي بما أنا فاكرٌ ... كأنيَ من أعداء حوبائيَ اللُدّ

- 2 -

إذا كان روحي مثل جسمي يَهلك ... فأني لأبكي في مصابي وأضحك

ولو خيروني بين تركي لواحد ... فأني لجسمي دون روحيَ أترك

يحرّك روحي الجسمَ وهو يحلّه ... فمن ذا لهذا الروح فيَّ يحرّك

وقبل وجودي أين كان مكانه ... فهذا هو الشيء الذي لستُ أدرك

وقد يستطيع الروحُ حلاً لمشكلي ... ولكن مجالُ الروح في الجسم يضنك

وأطلب من عقلي الهدى في ضلالتي ... ومن أين يعطي العقلُ ما ليس يملك

دع الموتَ يأتي فتكه بهما معاً ... كما كان هذا الموت بالناس يفتك

- 3 -

عهدتك يا روحي إلى الحق تجنح ... فهل بجواب إن سألتك تسمح

تقول سأبقى بعد موتك خالداً ... أأنت تريد الجدَّ أم أنت تمزح

فإن كان جداً ما تقول فما الذي ... ستصنع بعدي يومَ مني تبرح

تجيب وقد يُغرى جوابك قائلاً ... سألحق أرواحَ الذين تطوحوا

وإن الفضاء الرحبَ ما زال طافحاً ... بأرواح موتى في السموات تسبح
فقلت له في سبيلك راشداً ... ولا تنس جسماً ليس بعدك يصلح

فيا روح قبّلني وصافح مُودِّعاً ... فأنيَ لا أدري متى لك ألمح

- 4 -

نهارٌ لسيل النور فيه دفوق ... وليلٌ كأن النجم فيه خروق

ألوفٌ من الأكوان تقصو كأنها ... تريد أتساعاً بالفضاء يليق

وعند أفتكاري في الوجود كأنني ... أخوض خِضماً والخِضمُّ عميق

طريقي لإدراك الشؤون معّبدٌ ... ومالي لإدراك الوجود طريق

فيا نفس سيري في الفضاء طليقةً ... فلا شيء فيه للنفوس يعوق

لأنتِ شعاع طار من مستقرّه ... وكلُ شعاع بالبقاء خليق

تحيق المنايا بالجسوم كثيفة ... وأما بأرواحٍ فليس تحيق

- 5 -

يقولون إن النفس حقٌ وجودُها ... فلا ينبغي إنكارها وجحودها

وبعد الردى تطوى السماء خفيفةً ... وإن بعدت في اللاتناهي حدودها

وما الجسم إلا دولة مستقلة ... لها حكُمها في أهلها وجنودها

وما أهلها إلا خلايا صغيرة ... وما النفس ذات الحول إلا عميدها

وما هي إلاّ ومضةُ من شعاعة ... فإن خلدت ما كان بدعاً خلودها

فقلتُ لهم هذا جميلٌ وعله ... خيالاتُ عقلٍ شاردٍ لا أريدها

ولم يكن الإنسان إلا أبن غابةٍ ... على فُجأةٍ قد أنجبته قرودها

- 6 -

سيطفئ يأسي في المشيب حياتي ... وأذهب من نور إلى ظلمات
ويحملني صحبي إلى القبر إنني ... به بعد حين لست غيرَ رفات
تقَطَّعُ اوصالي وتبلى جوانحي ... وليس بوسعي أَن أبث ّشكاتي
وأجْملْ بأيام الصبِّا فهي لم تكن ... على الفم من دهري سوى بسمات
ولكن أيام الصبا قد تصرّمت ... ولم تبق ذكراها سوى الحسرات
وفارقت أيامَ الشباب حميدةً ... وإن كَثرت في عهده عثراتي
قضيت شبابي مُطمئناً وبعده ... أتى الشيب منهوكاً من الشبهات

- 7 -

من الموت مهما مضّ لستُ بخائف ... ولكن وراء الموت ماذا مصادفي

خضعتُ لعقلي في حياتيَ كلها ... وما كنت يوماً خاضعاً لعواطفي

وكنت إلى لمس الحقائق نازعاً ... أنزه سمعي من سماع السفاسف

تعذّبتُ عمراً من مخالفة الورى ... فيا ليتني قد كنت غيرَ مخالف

عجبت لجذعي كيف ظلّ مقاوماً ... فقد كان معروضاً لضرب العواطف

لقد قذفتني بالمسبات ثلّةٌ ... ولم أتجنّب شرَّ تلك القذائف

وكم شنّ ذو جهل على العلم غارة ... وكم كان ذبّي صادقاً في مواقفي

- 8 -

تجمّع يرميني خميس عرمرم ... أأنكص كالمغلوب أم أتقدم

ولكنني اخترتُ التقدّمَ إنه ... لمن كان يستبقي الحياةَ لأسلم

وللعلم أنصارُ وللجهل مثلُها ... ولكن أنصار الجهالة أعظم

لقد حاربوني بالمسبّة والخنا ... وحاربتُهم بالعلم والعلُم مخذم

إذا كان ليلي قد تجهّم وجهُه ... فأن صباحي بعده يتبسّم

يقصّ عليك الشيخُ منهم خرافةً ... فتحسب أن الشيخ في النوم يحلم

تصرّم عهدُ الجهل في الغرب كله ... ولكنه في الشرق لا يتصرّم

(بغداد)

جميل صدقي الزهاوي



.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..