الخميس، 28 يوليو 2022

حوار علمي حول فتوى دار الإفتاء المصرية عن حكم التمسح بالأضرحة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
فقد نشرت جريدة أخبار اليوم المصرية في عددها الصادر في 4/ 7/ 2021م فتوى لدار الإفتاء المصرية تناولت حكم التمسح بالأضرحة وقضايا أخرى، وهو إعادة

نشر لفتوى نشرت قبل ذلك لدار الإفتاء في 17/ 12/ 2006م، وهي قضية هامة ويكثر تناولها في هذه الأيام، ونظرا لما تتمتع به الدار من تأثير، ولأن هذه الفتوى مفصَّلة، وبها العديد من الشبهات، فقد آثرنا أن نناقش هذه الفتوى تفصيلًا، خاصة وأنها ذكرت بعض القضايا الأخرى مع فتواها حول التمسّح بالأضرحة.

والسؤال الذي ورد إلى دار الفتوى هو: «ما رأي الشرع في قول بعض الناس: المدد يا بدوي، أو يطلب المدد من أي ميت من أصحاب الأضرحة المعروفة؟ وما الحكم في إقامة الحضرات التي تقام للذكر ويقف الناس صفين ويقولون: حي حي حي، أو: هو هو هو، إلى غير ذلك مما لم يرد في السنة؟ وما حكم التمسح بالأضرحة وإقامة الموالد لها؟».

وقبل أن نذكر ما أجابت به دار الإفتاء عن هذا السؤال نود أن نبين الحقّ في ذلك على سبيل الإجمال، ونحيل في كل قضية إلى التفصيل الذي ذكره (مركز سلف للبحوث والدراسات) في مقالات وأوراق علمية منفصلة:

القضية الأولى: حكم قول الشخص: “مدد يا فلان”:

قول الشخص: “مدد يا فلان” معناه: أطلب منك المدد والعون يا فلان، ومن يُطلب منه المدد إما أن يكون من الأحياء أو من الأموات.

فإن كان من الأحياء جاز طلب المدد منه بشرط أن يكون حاضرًا وليس بغائب، وأن يكون فيما يقدر عليه، كالمساعدة في حمل شيء أو إيصال شيء لغيره وهكذا..

أما إذا كان من الأموات فطلب المدد منه هو دعاء واستغاثة بغير الله تعالى، فهذا كفر أكبر مخرج من الملة؛ لأن فاعله صرف لغير الله صفات الربوبية التي لا تصرف إلا لله، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: 5]، والدعاء عبادة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة»([1])، فصرف العبادة لغير الله تعالى شرك، فهو كقول القائل: “يا فلان ارزقني أو اشف ولدي”.

قال ابن تيمية: «فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات: فهو كافر بإجماع المسلمين»([2]).

ولا يلزم من ذلك تكفير القائل لأنه ربما يجهل كون ذلك من الشرك، أو يتأوله، أو قام بحقه مانع من موانع التكفير.

وقد سبق للمركز أن تناول هذه القضية ضمن ورقة علمية مستقلة([3]).

القضية الثانية: حكم إقامة الحضرات للذكر:

الحضرات التي تقام للذكر ويقف الناس صفين ويقولون: حي حي أو هو هو: من الأمور المحرمة، وذلك لأمرين:

الأمر الأول: أن الاسم المفرد ليس بجمله تامّة مفيدة، فليس هذا ذكرًا لله تعالى، بل الذكر أن يقول: «الله أكبر» أو «لا إله إلا الله» أو غير ذلك بحيث يكون الاسم في جملة مفيدة لمعنى، وبالتالي فكل أدلة استحباب ذكر الله تعالى لا تشمله؛ لأنه ليس بكلام تام.

الأمر الثاني: أن هذه الصفة للذكر لم ترد في السنة، بل أنكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما حدث في عصرهم مما هو أفضل منها، والصفة التي أنكرها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت في الجمل التامة، فكيف لو سمعوا هذه الألفاظ المجردة؟! ونحن لا نقول: إن كل اجتماع للذكر محرم، وإنما له حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون لأجل مصلحة شرعية كتعليم الناس أو تذكيرهم، دون اعتقاد أن تلك الصفة أفضل، أو اعتقاد كونها قربة، فهذا مباح.

الحالة الثانية: أن يكون التقرب لله بهذه الصفة؛ فهذا محرم لأنه تقرُّب إلى الله بما لم يشرع، ولو كان قربة وطاعة لبيَّنه لنا النبي صلى الله عليه وسلم.

أما إنكار الصحابة لهذه الصفة فثبت فيما رواه عمر بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل صلاة الغَدَاة، فإذا خرج مَشَيْنا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا. فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعًا، فقال له أبو موسى رضي الله عنه: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرًا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشتَ فستراه. قال: رأيت في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة، في كل حَلْقة رجل، وفي أيديهم حَصًى، فيقول: كبِّروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هلِّلوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا انتظارَ رأيِك -أو: انتظار أمرك-. قال: أفلا أمرتهم أن يَعُدُّوا سيئاتِهم وضَمِنْتَ لهم ألَّا يَضِيعَ من حسناتهم؟! ثم مضى ومَضَيْنا معه، حتى أتى حَلْقة من تلك الحِلَق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟! قالوا: يا أبا عبد الله، حَصًى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعُدُّوا سيئاتِكم، فأنا ضامن ألَّا يضيع من حسناتكم شيء، وَيْحكم يا أمة محمد، ما أسرع هَلَكَتَكُم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تَبْل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لَعَلَى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تَراقِيَهم، وَايْمُ الله، ما أدري لعل أكثرهم منكم. ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النَّهْرَوان مع الخوارج([4]).

فهذا في مجرد الاجتماع، فإذا أضيف إلى ذلك التمايل والرقص الذي لا تخلو هذه الحضرات منه كانت الحرمة أشد، والله تعالى أعلم.

القضية الثالثة: حكم إقامة الموالد للصالحين:

إقامة الموالد للصالحين هو احتفال بمولدهم، واتخاذه عيدًا، وهو أمر محرم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ عيدٍ سوى الأضحى والفطر([5])، وإذا كان الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم غير جائز، فأولى ألا يجوز الاحتفال بميلاد أحد من الصالحين، والدليل على ذلك أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس حبًّا له وتعظيمًا له أعرضوا عن ذلك الفعل ولم يفعلوه، ولو كان هذا من التعظيم لما جاز لهم أن يتركوه، وقد فصلنا الكلام في الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم خاصة في مقال منفصل([6]).

القضية الرابعة: حكم إقامة الأضرحة للأموات:

الأصل في الإسلام ألا يبرز القبر مهما كان صاحبه صالحًا، إلا بالقدر الذي يبين أن هذا قبر، فقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ «أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته»([7]).

ثم إن أفضل الأولياء هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع الأمة، ولا يفضلهم أحد، وكلهم لم تبرز قبورهم، إلا بالقدر الذي يعلم به أن هذا قبر، فلم يبن على قبر واحد منهم ضريح.

وتزداد الحرمة بإقامة المساجد على هذه القبور، فقد روت عائشة أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح –أو: العبد الصالح- بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله»([8]). وقد نقل ابن تيمية الاتفاق على أن بناء المسجد على القبر منهي عنه([9]).

وربما يعترض البعض على نقل ابن تيمية للاتفاق، فلننقل هنا ما قاله السيوطي فهو كاف في الدلالة على المطلوب، قال السيوطي: «فأما بناء المساجد عليها [أي: القبور] وإشعال القناديل والشموع أو السرج عندها، فقد لُعن فاعله كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم… وصرح عامة علماء الطوائف بالنهي عن ذلك، متابعةً للأحاديث الواردة في النهي عن ذلك، ولا ريب في القطع بتحريمه… فهذه المساجد المبنية على القبور يتعين إزالتها، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المعروفين، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف، ولا تصح عند الإمام أحمد في ظاهر مذهبه»([10]). وقد سبق أيضًا لمركز سلف أن تناول هذه القضية في مقال مستقل([11]).

القضية الخامسة: حكم التمسح بالضريح:

التمسح بالأضرحة يقصد به حصول البركة لفاعل ذلك، وحصول البركة أمر شرعيّ يفتقر إلى الدليل الشرعي، فلا يجوز فعله؛ لأنه لا دليل على جواز ذلك.

وكذلك من اعتقد أنه سبب لشفاء الأمراض أو تحصيل الأرزاق.

وقد سبق للمركز تفصيل القول في ذلك في مقال مستقل([12]).

هذا هو الجواب المختصر على هذا السؤال، وقد تناول مركز سلف كل قضية في مقال منفصل، كما سبقت الإشارة إلى ذلك؛ ولذا فالهدف من هذه الورقة هو مناقشة دار الإفتاء فيما ذكرته.

النقاط الأساسية التي وردت في الفتوى والجواب عنها:

نظرًا لطول الفتوى، وخشية الإثقال على القارئ، فضَّلنا أن نلخص القضايا الأساسية التي وردت في الفتوى، مع التعليق على كل قضية في موضعها بالترتيب، ويمكن للقارئ الرجوع إلى نص الفتوى كاملًا على موقعهم([13]).

أما ما ورد في الفتوى والجواب عنه ففي النقاط التالية:

أولًا: قالت دار الإفتاء: «الأصل في الأفعال التي تصدر من المسلم أن تُحمَل على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد، ولا يجوز أن نبادر برميه بالكفر أو الشرك؛ فإن إسلامه قرينةٌ قوية توجب علينا ألا نحمل أفعاله على ما يقتضي الكفر».

وهذا النص لنا عليه عدة تعليقات:

التعليق الأول: من الأصول المعلومة لأهل السنة أن من ثبت له الإسلام بيقين لا ينتفي عنه إلا بيقين مثله، فلا يجوز المسارعة برمي مسلم بالكفر وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: «من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما»([14])؛ ولذا لا ينبغي أبدًا أن يتكلم في أمور التكفير إلا أهل العلم المدركون لمناط الحكم الشرعي.

التعليق الثاني: ما يذكره أهل العلم في كتبهم هو كفر النوع، وليس كفر العين، فكفر النوع هو الحكم على فعل بأنه كفر دون الحكم على فاعله، أما كفر العين فهو الحكم على الفاعل للكفر بأنه كافر لأنه قد استوفى الشروط وانتفت في حقه الموانع، فوصف الفعل بالكفر لا يلزم منه وصف الفاعل بالكفر بالضرورة، بل لا بد من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، وهذه وظيفة أهل العلم، قال ابن تيمية: «المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال: هي كفر؛ قولًا يطلق، كما دل على ذلك الدلائل الشرعية… ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر، حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه»([15]). فلا يصح أن يُشغَّب على كل من قال على فعلٍ ما بأنه كفر -بناءً على الدليل المقتضي لذلك- أنه يسارع في تكفير الأعيان، فهذا أمر وذاك أمر آخر، فعندما نقول: إن الطواف بالقبور عبادة لا تجوز إلا لله، وصرف العبادة لغير الله كفر، فلا يعني ذلك أننا نُسارع في تكفير فاعل ذلك؛ لأن من يفعل ذلك ربما يكون متأولًا أو جاهلًا، أو قام في حقه ما يمنع من تكفيره، فالحكم على الفعل أمر، والحكم بكفر القائل أمر آخر.

التعليق الثالث: الحكم على فعل بأنه كفر أو ليس بكفر هو حكم شرعيّ، مردّه إلى ما ثبت بالدليل، وما حكم الله تعالى فيه بأنه كفر لا يصح أن يقال: إنه ليس بكفر، وذكر أن ذلك الفعل يكفر فاعله ليس من المسارعة في التكفير في شيء، فإن هذا من العلم الواجب على أهل العلم إبلاغه للناس الذي لا يحل لهم كتمانه.

التعليق الرابع: جعل إسلام الشخص قرينة قوية تجعل الأفعال التي ظاهرها الكفر غير مكفرة في حقه كلام متناقض وباطل، فإنه يلزم من ذلك أن المسلم لن يكفر؛ لأن ما من فعل إلا وله تأويل، ثم إنه ليس من موانع الحكم على فاعل الكفر بأنه في الأصل مسلم، فأهل العلم يذكرون الجهل والتأويل وغياب العقل وغيرهم من موانع التكفير لمن ارتكب الكفر، ولا يقبلون في ذلك مجرد الادعاء، فمن ادعى الجهل كان ذلك بشرط أن يتصور حصول الجهل منه بألا يكون معلومًا من الدين بالضرورة إلا إذا نشأ في بادية بعيدة عن الإسلام فيتصور في حقه الجهل بهذا الأمر، لكن لم يذكر أحد قط أن من موانع التكفير حصول الفعل من مسلم، بل يذكرون في أبواب الردة أقوالًا مكفرة وينصون على عدم قبول تأويل القائل لها بالتأويلات البعيدة والتي تكون خلاف الظاهر([16])، وقد نقل ابن حجر الهيتمي قول الجرجاني في شرحه للمواقف -وهو على العقيدة الأشعرية- قوله: «من صدق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك سجد للشمس كان غير مؤمن بالإجماع؛ لأن سجوده لها يدل بظاهره على أنه ليس بمصدق ونحن نحكم بالظاهر»([17]).

ثانيًا: قالت دار الإفتاء: «فالمسلم يعتقد أن المسيح عليه السلام يحيي الموتى ولكن بإذن الله، وهو غير قادر على ذلك بنفسه وإنما بقوة الله وحوله، والنصراني يعتقد أنه يحيي الموتى، ولكنه يعتقد أن ذلك بقوة ذاتية، وأنه هو الله أو ابن الله، أو أحد أقانيم الإله كما يعتقدون.

وعلى هذا فإذا سمعنا مسلمًا موحدًا يقول: “أنا أعتقد أن المسيح يحيي الموتى” -ونفس تلك المقولة قالها آخر مسيحي- فلا ينبغي أن نظنّ أن المسلم تنصَّر بهذه الكلمة، بل نحملها على المعنى اللائق بانتسابه للإسلام ولعقيدة التوحيد.

والمسلم يعتقد أيضًا أن العبادة لا يجوز صرفها إلا لله وحده، والمشرك يعتقد جواز صرفها لغير الله تعالى، فإذا رأينا مسلمًا صدر منه لغير الله ما يحتمل العبادة وغيرَها وجب حملُ فعله على ما يناسب اعتقاده كمسلم؛ لأن مَن ثبت له عَقدُ الإسلام بيقين لم يزُل عنه بالشك والاحتمال؛ ولذلك لما سجد معاذ بن جبل رضي الله عنه للنبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم -فيما رواه ابن ماجه وصححه ابن حبان- نهاه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن ذلك، ولكنه لم يصف فعله هذا بالشرك أو الكفر، وبدهي أن معاذًا رضي الله عنه -وهو أعلم الأمة بالحلال والحرام- لم يكن يجهل أن السجود عبادة وأن العبادة لا يجوز صرفها لغير الله، ولكن لما كان السجود يحتمل وجهًا آخر غير عبادة المسجود له لم يجز حمله على العبادة إذا صدر من المسلم، أو تكفيره بحال، وفي ذلك يقول الحافظ الذهبي: [ألا ترى الصحابةَ من فرط حبهم للنبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قالوا: ألا نسجد لك؟ فقال: «لا». فلو أذن لهم لسجدوا سجود إجلال وتوقير لا سجود عبادة، كما قد سجد إخوة يوسف عليه السلام ليوسف، وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على سبيل التعظيم والتبجيل لا يكفر به أصلًا، بل يكون عاصيًا، فلْـيُعَرَّفْ أن هذا منهيٌّ عنه، وكذلك الصلاة إلى القبر] اهـ من “معجم الشيوخ” للإمام الذهبي (ص: 56).

والإخلال بهذا الأصل الأصيل هو مسلك الخوارج؛ حيث وضَّح ابن عمر رضي الله عنهما أن هذا هو مدخل ضلالتهم فقال: “إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ”. علقه البخاري في “صحيحه”، ووصله ابن جرير الطبري في “تهذيب الآثار” بسند صحيح».

ولنا مع هذا النص عدة وقفات:

الوقفة الأولى: لا يصحّ التمثيل بالمثال الذي ذكَرته دار الإفتاء من الفرق بين المسلم والنصراني إذا قال كلاهما: إن عيسى يحيي الموتى، وذلك لأن من معجزات عيسى عليه السلام أنه كان يحيى الموتى، ولكي نبين فساد المثال نقول: لو قال قائل: إن موسى يحيي الموتى هل لا يكفر أيضًا؟!

الوقفة الثانية: دار الإفتاء ترى أن حديث معاذ دليل على أن السجود لغير الله إذا صدر من مسلم فإن غايته أن يكون محرمًا، ولكنه لا يكون شركًا إلا إذا صرح صاحبه أن قصده عبادة غير الله، فإذن هم قد جعلوا مجرد الفعل الكفريّ غير كاف في الدلالة على الكفر حتى يصرح بالمعتقد الكفري، وهذا معنى استدلالهم بالحديث، ومعنى ذكرهم للمثال السابق. وهذا استدلال باطل؛ لأن حديث معاذ في سجود التحية، وليس سجود العبادة، فسجود التحية محرم، وسجود العبادة كفر أكبر.

وقد تناول مركز سلف حكم السجود لغير الله هل يكون شركًا بمجرده أم لا بد من اعتقاد كفري؟ في مقال مستقل([18]).

وخلاصته: أنهم يجعلون سجود إخوة يوسف له وسجود الملائكة لآدم عليه السلام وحديث معاذ دليلًا على أن السجود لغير الله محرم فقط، وليس بشرك؛ لأنه لو كان شركًا لما كان مشروعًا للأمم السابقة، والجواب عن ذلك: أن السجود نوعان: سجود تحية وسجود عبادة، فسجود العبادة كفر بمجرده، وسجود التحية هو الذي كان مشروعًا في الأمم السابقة ونسخ في شريعتنا، وهو الذي أراد معاذ أن يفعله، وقد ذكر المقال العديد من نصوص العلماء الدالة على ذلك.

وقد ذكر بعض العلماء أن سجود التحية يختلف عن سجود العبادة في الهيئة، وأنه يكون بمجرد الانحناء فقط، بخلاف سجود العبادة الذي يقع على الهيئة المعروفة([19]).

الوقفة الثالثة: دار الإفتاء لا ترى صرف المسلم العبادة لغير الله شركًا ما دامت قد صدرت من مسلم طالما كان له تأويل ولو بعيد أو متكلف، والحقيقة أن هذا هو لبّ القضية عندهم، فمهما صرف من العبادة لغير الله تعالى فلن يكون قد أشرك؛ لأن الإيمان عندهم هو التصديق فقط([20])، وفاعل ذلك لا يزال مصدّقًا، فلا ينتفي عنه الإيمان، فالأفعال يمكن تأويلها بسهولة، وقرينة المجاز العقلي تصلح في تأويل كل الأفعال، إلا إذا فعل ما يمنع أصل التصديق، وليس هذا معتقدَ أهل السنة، بل معتقد أهل السنة أن الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية([21]) فمن الأفعال ما هو شرك في الربوبية، ومنها ما هو شرك في الألوهية، فصرف العبادة لغير الله شرك في الألوهية، فوقوع هذه الأفعال مكفّر حتى لو صرح فاعلها بأنه لا يزال مصدقًا مؤمنًا، وقد أشار النووي إلى ذلك فقال رحمه الله في سياق بيان الردة بعد أن ذكر أمثلةً للأفعال الكفرية: «قال الإمام [يقصد الجويني] في بعض التعاليق عن شيخي أن الفعل بمجرده لا يكون كفرًا، قال: “وهذا زللٌ عظيمٌ من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه”، وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر، سواء صدر عن اعتقادٍ أو عنادٍ أو استهزاءٍ»([22])، وأصرح منه ما قاله القاضي عياض رحمه الله: «وكذلك نكفّر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر، وإن كان صاحبه مصرحًا بالإسلام مع فعله ذلك الفعل… كالسجود للصنم وللشمس والقمر والصليب والنار»([23]).

الوقفة الرابعة: اتهمت دار الإفتاء من يرى أن صرف العبادة لغير الله شرك بأنه يرى مذهب الخوارج لأن هذا فعلهم، وهذا غير صحيح، فإن الخوارج إنما كانوا يكفّرون بالكبيرة كما هو معلوم من مذهبهم، وهذا من التشنيع، فإن نصوص العلماء في باب الردة في كتب الفقه مليئة بما يدل على أن الفعل الكفري يخرج الشخص من الدين، سواء صاحبه شرك في الربوبية أم لا، وقد سبق أن أشرنا إلى طرف من ذلك.

الوقفة الخامسة: قول ابن عمر المذكور قول صحيح، لكنهم استدلّوا به في غير موطنه، وذلك لأن الاستدلال بما نزل في حقّ الكافرين قد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك كما في حديث أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حنين مرَّ بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط، يعلّقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، والذي نفسي بيده، لتركبن سنة من كان قبلكم»([24])؛ ولذا فلا يمكن جعل قول ابن عمر عامًّا في كل الحالات، بل لا بد من حمله على حالة، وحمل فعل النبي صلى الله عليه وسلم على حالة أخرى، وعليه فيجب حمل قول ابن عمر رضي الله عنه على أنهم أنزلوا في حقّ المسلمين الأوصاف التي في كتاب الله التي نزلت في حق الكافرين فكفَّروهم بها، «فإذا دلت آية أو بعض آية على ‏شيء من صفات الكفار.. جاز إسقاط الصفة دون إنزال وصف الكفر أو حكمه على من اتصف بها ‏من المسلمين، تحذيرًا له من مغبة ذلك»([25])، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق.

الوقفة السادسة: قول الذهبي الذي استدلّوا به يدل على أنه يرى أن السجود لقبر النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الإجلال والتعظيم محرم لكنه ليس بشرك، والذي تذهب إليه دار الإفتاء أن السجود الذي هو عبادة لا يكفر فاعله إذا وجد له وجه أو تأويل يحمل عليه، فلا يصح لهم الاستدلال بقول الذهبي، فإنه غير موافق لهم.

أما الجواب عما ذكره الذهبي فهو ما أجبنا به على ما ذكرته دار الإفتاء.

ثالثًا: قالت دار الإفتاء: «الوسيلة في اللغة: المنزلة، والوصلة، والقُربة؛ فجِماع معناها هو: التقرب إلى الله تعالى بكل ما شرعه سبحانه، ويدخل في ذلك تعظيم كل ما عظمه الله تعالى من الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال؛ أما الشرك فهو صَرف شيء من العبادة لغير الله على الوجه الذي لا ينبغي إلا لله تعالى، حتى ولو كان ذلك بغرض التقرب إلى الله، وبذلك يتبين لنا فصل ما بين الوسيلة والشرك؛ فالوسيلة نعظّم فيها ما عظّمه الله، أي: أنها تعظيم بالله، والتعظيم بالله تعظيم لله تعالى، أما الشرك فهو تعظيم مع الله، أو تعظيم من دون الله».

وللتعليق على هذا النص لا بد من ذكر أمرين:

الأمر الأول: الوسيلة كما ذكرت دار الإفتاء هي القربة، لكن ليس معنى ذلك أن كل وسيلة تكون مشروعة، بل الوسيلة منها ما هو مشروع ومنها ما هو غير مشروع، كما أن القربة منها ما هو مشروع ومنها ما هو غير مشروع، وقد قال الله تعالى عن المشركين: إنهم سموا عبادتهم للأصنام وسيلة فما نفعهم ذلك، قال تعالى حكاية عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، بل إنه تعالى قال عنهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18].

والوسيلة تطلق ويراد بها الدعاء؛ ولذا كان التوسل على قسمين:

القسم الأول: التوسل المشروع، وهذا على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، ومنه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].

النوع الثاني: التوسل إلى الله بالعمل الصالح الذي قام به الداعي، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16]، وقصة الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار([26]).

النوع الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح، ومنه استسقاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا»([27]).

القسم الثاني: التوسل غير المشروع، وهو ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن يدعو غير الله ويستغيث به ويطلب منه المدد وهو ميّت أو غائب، كأن يقول: اشف مريضي، أو اقض حاجتي، أو ارحمني، فهذا توجه بالعبادة لغير الله تعالى، فهو شرك مخرج من الملة، وقد سبق بيان ذلك.

النوع الثاني: أن يقول للميت أو الغائب ادع الله لي أو اشفع لي عند الله، فهذا لا خلاف بين السلف في أنه غير جائز([28])، لكنه ليس بشرك لأنه ليس فيه دعاء غير الله تعالى.

النوع الثالث: أن يقول في دعائه لله: أسألك يا رب بفلان، يقصد بذاته أو بحقّه أو بجاهه، وهذا مما اختلف فيه العلماء، فذهب أبو حنيفه وأصحابه إلى المنع منه([29]).

وسبب هذا الخلاف: حديث الأعمى وسيأتي الحديث عنه مفصلًا.

الأمر الثاني: تعظيم ما عظَّمه الله ينبغي أن يكون على الوجه الذي عظَّمه به الله تعالى، فالنبي صلى الله عليه وسلم معظَّم عند ربه ولا شكّ، وقد أوجب الله له من الحقوق والخصائص ما ليس لغيره، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم منكرًا عليه: «أجعلتني والله عدلًا؟! بل ما شاء الله وحده»([30])، فمن عبد النبي صلى الله عليه وسلم أو نسب إليه ما لا ينسب إلا إلى الله كأن يقول: هو خالق الأكوان أو هو مدبر الأرزاق، فلا ينفعه قوله: إنه إنما يفعل ذلك تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، رغم أنه اتخذه وسيلة؛ لأن هذا ليس على وفق ما أراده الله من التعظيم والمحبة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وكذلك يقال في كل شيء عظمه الشرع.

رابعًا: قالت دار الإفتاء: «على هذا الأصل في الفرق بين الوسيلة والشرك بنى جماعةٌ من أهل العلم قولَهم بجواز الحلف بما هو معظَّم في الشرع؛ كالنبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والإسلام والكعبة، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى في أحد قوليه؛ حيث أجاز الحلف بالنبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم معلّلًا ذلك بأنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أحد ركني الشهادة التي لا تتمّ إلا به؛ وذلك لأنه لا وجه فيه للمضاهاة بالله تعالى، بل تعظيمه بتعظيم الله له، وحمل هؤلاء أحاديث النهي عن الحلف بغير الله على ما كان من ذلك متضمنًا للمضاهاة بالله، بينما يرى جمهور العلماء المنع من ذلك أخذًا بظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله».

التعليق: نعم وقع خلاف في حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن مذهب جمهور العلماء -كما ذكرت دار الإفتاء- على تحريم ذلك للنهي الوارد فيه، وقد تناول مركز سلف مسألة الحلف بغير الله في مقال منفصل([31])، وحسنًا فعلت دار الإفتاء أن أشارت للخلاف في ذلك بصورة واضحة، لكن أين هي من هذا المسلك فيما تنكره علينا من أقوال؟! بل إنها تنقل أقولًا تزعم فيها إجماع الأئمة ويكون المنقول عن الأئمة خلاف ذلك!

ثم إن وقوع الخلاف ليس مسوّغًا للمفتي أن يفتي السائل بالأيسر من الأقوال، وكذلك لا يجوز أن يخيّره بينهما، أو ينقل له الخلاف ليختار المستفتي ما يشاء، بل يجب عليه أن يفتي بما يراه أنه الحق، وقد سبق للمركز أن تناول هذه المسألة في مقال مستقل([32]).

أما ما ذكرَته من العلة فمنقوضة بأن هذا الخلاف في حق النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره، فهذا الخلاف في حق الأنبياء دون غيرهم([33]).

خامسًا: قالت دار الإفتاء: «إذا ما حصل بعد ذلك خلاف في بعض أنواع الوسيلة؛ كالتوسل بالصالحين والدعاء عند قبورهم مثلًا، أو حصل خطأ فيها من بعض المسلمين فيما لم يشرع كونه وسيلة؛ كالسجود للقبر أو الطواف به، فإنه لا يجوز أن ننقل هذا الخطأ أو ذلك الخلاف من دائرة الوسيلة إلى دائرة الكفر والشرك؛ لأننا نكون بذلك قد خلطنا بين الأمور، وجعلنا التعظيم بالله كالتعظيم مع الله».

وهذا غير صحيح لأمور:

– سبق بيان بطلان القول بأن إسلام فاعل الكفر قرينة توجب حمله على غير الكفر، فإذا جعل الشرع الفعل كفرًا فكيف لنا أن نقول: إنه إذا صدر من مسلم فإنه لا ينقل من دائرة الوسيلة إلى دائرة الكفر؟! وهل لو سجد لصنم يقال: إنه لن يكفر لأنه مسلم؟! وماذا لو قال أحد: إن الولي الفلاني يخلق ويدبر أمر الكون، هل يقال: إنه لا يكفر لأنه يحتمل أن يكون المراد من هذا القول أنه وسيلة لتدبير الأمر وأن المدبر في الأمر على الحقيقة هو الله؟! وماذا لو صرح القائل بغير ذلك، هل سنقول له: أنت لا تدري ما تقول، وأنت بما أنك مسلم فلا نشك أن مقصدك غير الذي تقوله؟! فمتى يكفر إذًا إذَا كان فعل الكفر الصريح له تأويل لمجرد أن فاعله مسلم سواء كان الفعل يحتمل هذا التأويل أم لا؟!

– تعظيم الشيء مقيد بالشرع، فليس معنى أن الشرع عظّمه في أمر أنه معظّم في غيره، كما سبق ذكر ذلك، فلو فرضنا أن الشرع عظم قبور الصالحين -وهذا غير صحيح وسيأتي بيانه- فليس معنى ذلك أن من توجه لها بالعبادة من دون الله لا يكفر بزعم أن فعله هذا تعظيم لله فلا يسمى كفرًا، فإن هذا حقيقته تلاعب بالألفاظ، والعبرة ليست بالألفاظ وإنما بحقائق الأمور، وقد قال الكفار عن أصنامهم: إنهم ما يعبدونها إلا لتقربهم إلى الله زلفى، فهم أيضًا قالوا: هي مجرد واسطة، فما نفعهم ذلك بنص كتاب الله تعالى.

سادسًا: ذكرت دار الإفتاء أن هناك فارقًا أيضًا ما بين اعتقاد كون الشيء سببًا واعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه، ولا شكّ أن هذا أمر صحيح، لكن لا بد من بيانه، فمن اعتقد أن شيئًا مؤثر وخالقٌ بنفسه سيكون قد أشرك بالله تعالى في ربوبيته، لأنه لا خالق على الحقيقة إلا الله، أما اعتقاد شيء أنه سبب وهو ليس بسبب في الحقيقة، فليس من الكفر الأكبر، لكنه إذا كان سببًا شرعيًّا فلا بد له من دليل، وحيث لم يوجد الدليل فقد انتفى وصف السببية، فجعلُه سببًا شرعيًّا تعدٍّ على حقّ الشرع، هذا من جهة التأصيل، أما من جهة التطبيق فقد جعلته دار الإفتاء دليلًا على أن طلب المدد من غير الله هو من جنس جعلِ ما ليس بسبب سببًا، وهذا تأويل تأباه اللغة أشدَّ الإباء.

سابعًا: قالت دار الإفتاء: «بناء على ما سبق ينبني حكم طلب المدد من الأولياء والصالحين أحياءً ومنتقلين، فإذا علمنا أننا نتكلم في أقوال وأفعالٍ تصدر من مسلمين، وأن هؤلاء المسلمين يزورون هذه الأضرحة والقبور اعتقادًا منهم بصلاح أهلها وقربهم من الله تعالى، وأن زيارة القبور عمل صالح يتقرب ويتوسل به المسلم إلى الله تعالى خاصة إذا كان أصحابها أولياء صالحين، وأن الكلام إنما هو في جواز بعض ما يصدر من هؤلاء المسلمين من عدمه، وأن في بعض أفعالهم خلافًا بين العلماء وفي بعضها خطأً محضًا لا خلاف فيه؛ إذا علمنا ذلك كله فإنه يتبين لنا بجلاء أنه لا مدخل للشرك ولا للكفر في الحكم على أقوال هؤلاء المسلمين وأفعالهم في قليل ولا كثير أو من قَبِيل أو دَبِير، بل ما ثَمَّ إلا الخلاف في بعض الوسائل، والخطأ المحض في بعضها الآخر، من غير أن يستوجب شيء من ذلك تكفيرًا لمن ثبت إسلامه بيقين».

ولنا مع هذا النص عدة تعليقات:

التعليق الأول: أنه لا يصح أن يقال هنا: إنه لا يظن بمسلم أن يعتقد ذلك الاعتقاد الكفري، فالواقع أن كثيرًا من المسلمين الذين يزورون قبور الأولياء ينسبون لهم من صفات الربوبية المحضة التي لا تنسب إلا لله([34])، ومعلوم أنهم يعتقدون أن البدوي والدسوقي والجيلاني من الأقطاب الأربعة الذين يدبّرون أمور الكون ويقدّرون مقادير العباد، ومنهم من ينسبه إلى قدرته على إحياء الموتى، وغير ذلك من صفات الربوبية، ويعدّون ذلك من كراماتهم، فإنكار ذلك مكابرة، وعدول عن طريقة الشرع في صيانة جناب التوحيد، فالشرع يعظّم أمر التوحيد غايةَ التعظيم، ويمنع ما قد يكون ذريعة إلى أمر من الأمور تمسّ جناب التوحيد، فيحمي حماه، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: «أجعلتني لله ندا؟!»([35])، وأنكر عليه فعله رغم سلامة مقصده وحسن نيته، لكن النبي صلى الله عليه وسلم عظّم شأن التوحيد؛ إذ إنه المقصود الأعظم للمسلم.

التعليق الثاني: ذكرت دار الإفتاء أن زيارة قبور الصالحين يندرج تحت الأصل العام من استحباب زيارة القبور، وهذا حقّ لا شكّ فيه، لكن ما يفعل عند القبر لا يصح أن نهوّن من شأنه بدعوى أنه ما حصل إلا بدافع الوسيلة حتى لو كان محرمًا، ثم نجعل ذلك لا مدخل للشرك فيه بحال من الأحوال! فليس هذا بتحرير علمي للمسألة، بل الواجب على دار الإفتاء أن تبين لنا ما الذي يجوز فعله وما الذي لا يجوز فعله عند القبور، وأن توضّح لنا متى يكون الفعل الذي لا يجوز محرمًا فقط، ومتى يكون محرمًا وشركًا بالله تعالى، وهذا لم يحصل، بل هوّنت دار الإفتاء مما يحصل عند القبور بزعم أن بعض الأمور مختلف فيها، وبعضها لا يصح لكنه فُعِل بدافع الوسيلة.

التعليق الثالث: أن ما ذهبت إليه دار الإفتاء من جعل طلب المدد من غير الله ليس شركًا بحجّة أنه يحصل من مسلمين هو تعليم التأويل الباطل للناس، فبدلًا من أن يقولوا لهم: إن هذا لفظ شركي، وإنه توجه بالدعاء لغير الله، يعلّمونهم أن هذا لا شيء فيه، ثم يعلمونهم تأويل اللفظ إذا ما قيل لهم: إن هذا دعاء لغير الله، فسبحان الله! هل هذا تصرف أهل العلم المنوط بهم تعليم المسلمين؟!

وقد سبق بيان أن فعل الكفر من مسلم لا يصح أن يقال فيه: إنه قرينة تدلّ على أنه لا يقصد المعنى الشركي.

ثامنًا: ذكرت دار الإفتاء أن: «طَلَبَ المسلمِ المددَ من الأولياء والصالحين أحياءً ومنتقلين يُحمَل على السببية لا على التأثير والخلق؛ حملًا لأقوال المسلمين وأفعالهم على السلامة على ما هو الأصل كما سبق تقريره، ويكون ذلك في حق المتوفين منهم على قصد الدعاء وغيره مما أُذِنَ لهم فيه».

وهذا النص فيه عدة مغالطات:

= أنّ المفتي لا يحمل أفعال الناس إلا على ظاهرها أو الغالب، وليس له أن يفترض صورة من الصور، أو يتأول الأفعال تأويلًا نادرًا يحمل عليه كل الأفعال، فهذا لا يصح، فكيف وهو تأويل باطل؟!

= أنه على فرض أن المراد هو السببية فلم لا ينهون الناس عن هذا الفعل الذي هو ذريعة للوقوع في الشرك؟!

= وعلى فرض أن طلب المدد يحمل على السببية، فهذا تأويل قد يمنع من تكفير صاحبه، لكنه تأويل باطل لأن اللفظ لا يقتضيه، لا أنه تأويل ينبغي للناس أن يتعلموه!

= دار الإفتاء تخلط بين كفر النوع وكفر العين؛ ولذا ذكرت أن الأصل حمل أفعال المسلمين على السلامة، وهذا يدل على أن مرادهم هو كفر الأعيان، بينما لا يمكن أن يكون حديثنا عن الأعيان، بل هو خاص بالنوع فقط، وهذا الخلط أوقعهم في المغالطات السابق ذكرها.

= دار الإفتاء تجعل طلبَ المدد من الميت حكمه حكم الحيّ، وسبق أن بينا أن الحاضر بخلاف الغائب.

تاسعًا: قالت دار الإفتاء: «ورد في الأنبياء وغيرهم من العبادة والدعاء والتصرف في الحياة البرزخية نقولات كثيرة، ومن ذلك: صلاة سيدنا موسى عليه السلام في قبره، وائتمام الأنبياء والمرسلين بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في الإسراء والمعراج، وحديث الأعمى الذي علمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ» رواه الترمذي وابن ماجه والنسائي وصححه جمع من الحفاظ، وعند الطبراني وغيره أن راوي الحديث عثمانَ بن حنيف رضي الله عنه عَلَّم هذا الدعاء لمن طلب منه التوسّط له في حاجة عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذلك بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى، وما رواه ابن أبي شيبة من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار -وكان خازن عمر رضي الله عنه- قال: “أصاب الناس قحط في زمن عمر رضي الله عنه، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، استَسقِ لأُمَّتك، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، فقال: ائتِ عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنكم مُسقَون، وقل له: عليك الكَيس، قال: فأتى الرجل عمر فأخبره، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: يا رب، ما آلو إلا ما عجزت عنه”، وإسناده صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”، وما ذكره الإمام الطبري في “تاريخه” في الكلام على أحداث معركة اليمامة: أن خالد بن الوليد رضي الله عنه وقف بين الصفين ودعا للبِراز، وقال: أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد، ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ: يا محمداه، وجعل لا يبرز له أحد إلا قتله… ودعوى الخصوصية في ذلك كله خلاف الأصل، بل يدل على عدم الخصوصية ما جاء في الحديث المرفوع عند الإمام ابن عبد البر وغيره: «مَا مِنْ أَحَدٍ مَرَّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» “الاستذكار” (1/ 185، ط. دار الكتب العلمية)، ومن المعلوم أن السلام دعاء، وكذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ فَلْيَقُلْ: يَا عِبَادَ اللهِ أَغِيثُونِي، يَا عِبَادَ اللهِ أَغِيثُونِي، فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَا نَرَاهُمْ» أخرجه الطبراني وأبو يعلى، ونحوه عند البزار من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه: «إِنَّ لله مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ سِوَى الْحَفَظَةِ، يَكْتُبُونَ مَا سَقَطَ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ بِأَرْضٍ فَلاةٍ فَلْيُنَادِ: أَعِينُوا عِبَادَ اللهِ» رواه الطبراني وحَسَّنه الحافظ ابن حجر في “أمالي الأذكار”، قال الإمام الطبراني عقب رواية الحديث: وقد جُرِّبَ ذلك».

التعليق: ولنا مع هذه النصوص التي ذكروها عدة وقفات:

الوقفة الأولى: على الرغم من أن هذه المسألة مسألة عقدية، إلا أنهم استدلوا عليها بأحاديث آحاد، بعضها صحيح وبعضها حسَن، بل وبعضها ضعيف! فأين هذا من مذهبهم بأن أحاديث الآحاد لا تقبل في العقيدة، وأن أمور العقائد لا بد فيها من التواتر؟!

فقد استدلوا بحديث: «ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام» مع أن هذا الحديث قد ضعَّفه الذهبي وابن رجب([36]).

الوقفة الثانية: أن هذه الأحاديث كلها نقولُ بها ولا نخالفها، ونقول: الأصل أن الميت لا يسمع في قبره؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22]، إلا من دلّ الدليل على سماعهم، وهم كل من ورد به حديث صحيح ثابت، فلا تعارض بين هذه الأحاديث وبين الأصل الذي نذكره.

الوقفة الثالثة: مسألة وقوع السماع من الأموات في قبورهم مسألة مشهورة، وقع فيها الخلاف بين السلف، ومع ذلك فلم يرتّبوا عليها جوازَ الطلب منهم، فإنه على فرض أن الميت يسمع في قبره فإن هذا من الأمور الغيبية التي لا نعلمها إلا من الشرع -ويسميها الأشاعرة: سمعيات-، فأين الدليل على أن هذا السماع يقتضي جواز الطلب منهم، وأنهم يدعون لمن طلب منهم الدعاء؟! فإن هذا لا يستلزم ذاك؛ لأن هذا الأمر مردّه إلى السمع، ولا مدخل للعقل فيه، بل نقل ابن عبد الهادي عن ابن تيمية قوله: «لم يقل أحد: إن هذا الردّ يقتضي استمرار الروح في الجسد، ولا قال: إنه يستلزم إثبات حياة نظير الحياة المعهودة»([37]).

الوقفة الرابعة: أنهم ذكروا أن تلك الأدلة وردت في الأنبياء في قبورهم، ثم جعلوا ادعاء الخصوصية بالأنبياء خلاف الأصل، وأن ذلك يثبت لغير الأنبياء أيضًا، ولا بدّ لنا أن نسأل: فما وجه تفضيل الأنبياء على غيرهم إذًا؟! بل إن ورود الدليل في حق الأنبياء دليل على أن غيرهم ليس كمثلهم، والحديث الذي ذكروه من رد الروح على المسلم ليجيب سلام أخيه يدل على خلاف ما قصدوه، فإنه يدل على أن الأصل أنه لا يسمع، وأن الروح ليست فيه، وإنما تردّ حال إلقاء السلام فقط.

الوقفة الخامسة: أن حديث: «يا عبادَ الله، أغيثوني» قد اختلف في تصحيحه، فأعله ابن حجر بالانقطاع وحسَّنه السخاوي، ثم على فرض صحته فلا دلالة لهم فيه، فإنه قد ذكر في الحديث أن لله عبادًا لا نراهم، وفي الرواية الأخرى أخبر أنهم الملائكة، فلا علاقة إذن للحديث بدعاء الأموات والصالحين وندائهم([38]).

الوقفة السادسة: حديث الأعمى حديث صحيح([39])، ومع ذلك فلا دلالة لهم فيه، وذلك لأن الفعل الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي هو أن يصلّي ثم يدعو الله في دعائه ويقول: اللهم إني أتوجه إليك بنبيك، فهذا مثل قول عمر بن الخطاب: نتوسل إليك بنبيك، فالمراد من قول الأعرابي: أتوسل إليك بنبيك أي: بدعائه، فالمراد هنا هو أن الأعرابي يتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ويدلّ على أن ذلك هو المراد أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول في دعائه: «شفعه في» ومعناه: اقبل شفاعته فيّ، وأن يقول: «وشفعني فيه» ومعناه: اقبل دعوتي في أن تكون دعوته لي مستجابة.

ويدلّ على ذلك أيضًا أن الذي طلبه الأعرابي من النبي صلى الله عليه وسلم هو الدعاء، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم راجعه فقال الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: بل ادعه، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم له: «إن شئت دعوتُ الله لك»، فما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي هو الدعاء لأنه هو الذي وعده به.

أما الرواية التي ذكروها من تعليم عثمان بن حنيف هذا الدعاء في زمن عثمان رضي الله عنه فقد وقع الخلاف في صحتها، وعلى القول بأنها صحيحة فقد حذف عثمان منها قوله: «شفعه في وشفعني فيه»، وهذا يدل على أنه فهم منه أن المراد هو الدعاء، فلذا حذفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد مات، فلا يوجد منه الدعاء، وهو اجتهاد من عثمان بن حنيف، خالفه فيه غالب أكابر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم عدلوا عنه مع استحضارهم له وحاجتهم إليه([40]).

الوقفة السابعة: القصة المذكورة من رواية أبي شيبة لا تصحّ؛ لأن مالك الدار مجهول، بل إن الحافظ لم يصحّح الإسناد، وإنما أشار إلى كون الإسناد صحيحًا إلى أبي صالح فقط، أما الرواية التي فيها تسمية الرائي فضعيفة؛ لأنها من طريق سيف بن عمر التميمي، وهو متفق على ضعفه([41]).

والعجيب أن تستدلّ دار الإفتاء بهذه الأحاديث الضعيفة في مسألة من مسائل العقيدة التي لا يقبلون فيها الأحاديث الصحيحة بدعوى أنها أحاديث آحاد!

الوقفة الثامنة: القصة المذكورة من رواية الطبري في سندها مجهول([42])، وفيها راو متكلَّم فيه([43])، فهي رواية ضعيفة، فلا تقوم بها حجة.

وعلى فرض كونها صحيحة تقوم بها الحجة، فليس في قوله: «يا محمداه» دعاء ولا استغاثة، بل هي ندبة، وهي نداء المتفجَّع عليه، فكأن المسلمين بهذا يستنهضون الهمم بالتفجّع على رسول الله صلى عليه وسلم، والتفجّع على دينه، كقولهم: وا إسلاماه، والندبة في اللغة تقع بـ(وا)، وتقع بـ(يا) عند عدم اللبس([44])، ولعل اختيار هذا الشعار لكونهم يحاربون مسيلمة مدَّعي النبوة، فناسب ذلك أن يذكروا بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «قوله: يا محمد يا نبي الله، هذا وأمثاله نداء، يطلب به استحضار المنادَى في القلب، فيخاطب المشهود بالقلب، كما يقول المصلي: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، والإنسان يفعل مثل هذا كثيرًا، يخاطب من يتصوّره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب»([45]).

عاشرًا: قالت دار الإفتاء «إقحام الكفر والشرك في هذه المسائل -كما يدندن كثير من الناس- فلا وجه له، اللهم إلا على افتراض أن طالب المدد يعبد مَن في القبر، أو يعتقد أنه ينفع أو يضر بذاته، وهذا الاحتمال ينأى أهل العلم عن حمل فعل المسلم عليها كما سبق؛ لأن فرض المسألة في المسلم الذي يطلب المدد لا في غير ذلك».

والتعليق: أن هذه القضية هي التي بنت عليها دار الإفتاء فتواها، وقد تقدَّم بيان خطأ هذا المسلك، وأنه بعيد عن تصرّف أهل العلم؛ ولذا نقول: ماذا لو قال مسلم: أنا أعبد غير الله، أنا أطلب من غير الله أن يرزقني ويشفيني، أنا أعتقد أن غير الله يملك النفع والضر، هل يقال: إن مراده أنه سبب؛ لأن كونه مسلم ينفي أن يقصد معنى ما يقول؟!

فإن قالوا: نعم، فقد خالفوا العقلاء جميعًا، وأتوا منكرًا من القول عظيمًا.

وإن قالوا: لا، قلنا لهم: فلا فرق بين هذا القول الصريح وبين قول: مدد يا حسين؛ لأن كلاهما نسبة التصرف لغير الله تعالى.

حادي عشر: قالت دار الإفتاء: «الذكر باسم من أسماء الله الحسنى سرًّا أو جهرًا، فرادى وجماعات، فهذا كله مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في ذلك أكثر مِن أن تحصر وأشهر مِن أن تذكر، ولا مقيد لها ولا مخصص، ومِن المقرر في علم الأصول أن الدليل إذا ورد عامًّا أو مطلقًا وكان يمكن فعله وإيقاعه على أكثر من وجه فلا يجوز تخصيصه ولا تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل، وإلا عُدَّ ذلك من الابتداع في الدين بتضييق ما وسعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم».

والجواب عن ذلك ببيان أمرين:

الأمر الأول: ذكر الله تعالى بالاسم المفرد لا يدخل تحت العموم في الأمر بالذكر؛ لأن اللفظ المفرد ليس بجملة تامة عند العرب، ولا يفيد معنى، فلا يطلق عليه: كلام، وأقل ما يتركب منه الكلام: اسمان أو اسم وفعل أو فعل وحرف أو اسم وحرف([46])، فلفظ «هو» مجردًا ليس من ذلك، ثم إنه أيضًا ليس من الأسماء الحسنى.

الأمر الثاني: الاجتماع للعبادة إن كان مقصودًا به التقرب فهو أمر مفتقر إلى الدليل، وإن كان لأجل مصلحة ظاهرة تعلّق الحكم بالمصلحة الظاهرة، فمن يرى أن الاجتماع للذكر خير من ذكر كل شخص بمفرده يلزمه أن يستدلّ على ذلك، ولا يقال: إن الأمر بالذكر كاف في الدلالة على ذلك؛ لأن حديثنا ليس في مشروعية الذكر، وإنما في كون التقرّب إلى الله بالاجتماع له مشروع، وادعاء أنه أفضل أو أنه قربة بمجرّده يجعله مفتقرًا إلى الدليل الناقل عن أصل المنع منه.

فإن قال: أنا لا أتقرّب بالاجتماع له ولا أدّعي أفضليته، قلنا: فما الداعي إلى الفعل؟ فإن وصَف مناسبةً ظاهرة تناسب صفةَ الاجتماع كأن يكون للتعليم أو للمدارسة فهذا لا شيء فيه.

ثم إن الصفة التي وردت في السؤال هي بعينها التي أنكرها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا سابقًا.

ثاني عشر: قالت دار الإفتاء: «التمسح بالأضرحة وتقبيلها محل ّخلاف بين العلماء؛ فمنهم من أباح ذلك بل واستحبّه؛ أخذًا بما أخرجه الإمام أحمد في “مسنده” عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يومًا فوجد رجلًا واضعًا وجهه على القبر، فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم؛ جئتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم آت الحَجَر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا تَبْكُوا عَلَى الدِّينِ إِذَا وَلِيَهُ أَهْلُهُ، وَلَكِنْ ابْكُوا عَلَيْهِ إِذَا وَلِيَهُ غَيْرُ أَهْلِهِ»، ومنهم مَن منعه، وللإمام أحمد في ذلك روايتان؛ وعلى ذلك فالأمر في ذلك واسع، والعبرة فيه حيث يجد الزائر قلبه، ولا إنكار في مسائل الخلاف، وما دام المذهبان واردين عن السلف فليسعنا ما وسعهم».

ولنا على هذا النص التعليقات التالية:

التعليق الأول: ذكرت دار الإفتاء أنه لا إنكار في مسائل الخلاف، وهذا قول مجمَل مفتقر إلى تفصيل وتوضيح، فالصحيح أنه لا إنكار في مسائل الخلاف السائغ، أما الخلاف غير السائغ ففيه الإنكار، وقد تناول مركز سلف هذه المسألة في مقال مستقل([47]).

التعليق الثاني: أن الحديث الذي استدلّت به حديث ضعيف([48])، وعلى فرض صحته فلا دلالة لهم في الحديث على ما قالوه، فليس في الحديث سوى أنه وضع وجهه على القبر، وهذا ليس صريحًا في أنه يتمسَّح بالقبر، بل لا يدلّ على أنه يتمسّح به أصلًا.

التعليق الثالث: أنهم ذكروا أن في المسألة خلافًا بين العلماء دون أن يذكروا مَن مِنَ العلماء قد أباح التمسّح بالقبر، ويحسن هنا أن ننقل ما قاله النووي، فقد ذكر ما يدلّ أنه لم يقل أحد من العلماء بجواز ذلك، فقد قال: «لا يجوز أن يطاف بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويكره إلصاق البطن والظهر بجدار القبر، قاله الحليمي وغيره، ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد منه لو حضر في حياته صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصواب، وهو الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه، وينبغي أن لا يغترّ بكثير من العوام في مخالفتهم ذلك؛ فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بأقوال العلماء، ولا يلتفت إلى محدثات العوام وجهالاتهم… ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغُ في البركة فهو من جهالته وغفلته؛ لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وأقوال العلماء، وكيف يبتغي الفضل في مخالفة الصواب»([49])، بل قال الغزالي: «فإن المسّ والتقبيل للمشاهد عادة النصارى واليهود»([50]).

ثالث عشر: قالت دار الإفتاء: «إحياء ذكرى الأولياء والصالحين وحبهم والفرح بهم أمر مُرَغَّب فيه شرعًا؛ لما في ذلك من الباعث على التأسّي بهم والسير على طريقهم، ولا بأس من تحديد أيام معينة يُحتَفَل فيها بذكرى أولياء الله الصالحين، سواء أكانت أيام مواليدهم أم غيرها؛ فإن هذا داخل تحت عموم قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5]، وأما ما يحدث في هذه المواسم من أمور محرمة، كالاختلاط الفاحش بين الرجال والنساء فيجب إنكارها، وتنبيه أصحابها إلى مخالفة ذلك للمقصد الأساس الذي أقيمت من أجله هذه المناسبات الشريفة».

ولنا مع هذه الفتوى عدة وقفات:

الوقفة الأولى: أن إحياء ذكرى الصالحين والأولياء غير الاحتفال بمولدهم، فتحديد يوم مولدهم واتخاذه عيدًا أمر لم يعرف في الإسلام في القرون الثلاثة الفاضلة، ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة من بعده ولا تابعوهم، وإنما بدأ ذلك مع الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في القرن السابع، فقد ذكر أبو شامة أنه قد ابتدع هذا الفعل في زمانه([51])، وقد فصّل مركز سلف الحديث عن الاحتفال بالمولد النبوي في مقال مستقل([52]).

الوقفة الثانية: لا دلالة لهم في الآية على الاحتفال بمولد الصالحين، فإن المراد من قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللهِ﴾ هو: نعم الله، قال الطبري: «عِظهم بما سلف من نعَمي عليهم في الأيام التي خلَت، فاجتزئ بذكر الأيام من ذكر النعم التي عناها؛ لأنها أيام كانت معلومة عندهم، أنعم الله عليهم فيها نعمًا جليلة، أنقذهم فيها من آل فرعون بعدما كانوا فيما كانوا فيه من العذاب المهين، وغرق عدوهم فرعون وقومه، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم»، ونقل تفسير أيام الله بأنها نِعَم الله عن مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير([53]).

وعلى فرض أن المراد بأيام الله: الأيام التي حصلت فيها هذه النعم، فهذا أيضًا لا دلالة فيه على ما أرادوه؛ لأن المراد من التذكير بالأيام هو التذكير بالنعم، وليس الاحتفال بها.

الوقفة الثالثة: لو كان الاحتفال بمولد الأئمة والصالحين من التذكير بأيام الله المأمور به في الآية، لكان في ذلك اتهام للصحابة والتابعين وتابعيهم بالتفريط في الاستجابة لموجب هذا الأمر، بل لكان التابعون مفرطين في حقّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ما نقل أنه قد احتُفل بمولد واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم أكمل الأولياء والصالحين وأفضل الأمّة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

الوقفة الرابعة: ما استدلّت به دار الإفتاء دليل على أنها ترى أن الاحتفال بموالد الصالحين قربة وطاعة، وليس مجرد فعل عادي -كما يدندن بعض من يوافقهم القول- ولا شك أن هذا يجعل هذا الفعل مفتقرًا للدليل الدال على إباحته، ويكون الأصل هو المنع منه حتى قيام الدليل، ولا دليل على الإباحة، بل الأدلة تدل على المنع.

الوقفة الخامسة: الاحتفال بموالد الأئمة يختلف تمامًا عما هو مذكور في الفتوى، فلا يوجد احتفال لا تنتشر فيه هذه المحرمات من الاختلاط المحرم والأفعال الشركية من الطواف بالقبور والتمسح بها، وطلب المدد من صاحب القبر، وطلب الأرزاق منه، والذبح له، فهذه المحرمات كلها مما يفعل في هذه الموالد، ولو فرضنا خلو الموالد من هذه المحرمات فإن مجرد الاحتفال فيه إقرار ببناء الضريح المنهي عنه، وإقرار بجواز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر وهو منهي عنه، وهذه الأفعال كلها لا تنفك عن الاحتفال بمولد أحد أصحاب الأضرحة، فما هو الفعل الجائز المسوّغ لتجاهل كل هذه المنكرات لكي لا يحرم الفعل بسبب حدوثها؟! ومعلوم أن الفعل إذا كثرت مفاسده على مصالحه مُنع منه، وهذا كله على فرض كون هذا الاحتفال في الأصل جائزًا، فكيف وهو منهي عنه؟!

رابع عشر: قالت دار الإفتاء: «لا يجوز للمسلمين أن يشغلوا أنفسهم بمثل هذه المسائل ويجعلوها قضايا يحمل بعضهم فيها سَيف الكلام على صاحبه، فيكون جهادٌ في غير وَغًى، ويكون ذلك سببًا في تفريق الصفوف وبعثرة الجهود، ويشغلنا عن بناء مجتمعاتنا ووحدة أمتنا».

والجواب عن ذلك هو: أن من تعظيم أمر الله تعالى تعظيم ما عظمه، ولم يعظم الله تعالى أمرًا كما عظَّم توحيده، ومن قرأ الكتاب والسنة علم ذلك علم اليقين، فتحقيق العبودية لله تعالى هي المطلوب الأسمى والغاية الأعلى التي من أجلها خلق الله الجن والإنس، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وأخبر من مقوله الكافرين بأن الله تعالى قد اتخذ ولدًا -تعالى سبحانه عن ذلك- بأنه قول عظيم: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: 88-91]، فمن يعظم أمر الله تعالى سيعظم أمر توحيدِه، لا أن يكون صيانة جناب التوحيد من الأمور التي لا يجوز الكلام فيها، فمن أين أتى الحكم الشرعي بأن هذه المسائل لا يجوز الكلام فيها؟!

ثم على فرض أن هذه الأمور كلها ليست من الشرك في شيء، بل كما ذكرت دار الإفتاء أن منها أمورًا جائزة وأمورًا وقع في بعضها خلاف، وبعضها محرم، فهل يصحّ أن يقال عن البحث عن حكم الله تعالى في هذه الأمور والإنكار على من يفعل المحرمات: إنه لا يجوز الانشغال بها ولا السؤال عنها؟!

طال الجواب عن الشبهات رغم محاولة الاختصار، ولعل فيما ذكر كفاية، ونختم بعدة تعليقات مجملة على الفتوى:

التعليق الأول: يقرر أهل العلم أن الخروج من الخلاف مستحبّ، فعلى فرض أن هذه الأمور محلّ خلاف، فلماذا تناست دار الإفتاء هذه القاعدة؟! ولماذا حمل الناس على هذه الأمور التي إذا ما سئلوا عنها قالوا: فيها خلاف؟! أليس الأولى من أجل جمع كلمة الناس أن يتركوا هذه الأفعال التي يذكرون أنها محل خلاف، خاصة وأن هذه الأفعال لا حاجة لنا بها في دنيا ولا دين؟! أم أن الأولى هو دعوة الناس إلى تعظيم هذه الأضرحة وإقامة الموالد لها -وهم معترفون بارتكاب المحرمات عندها- والإنكار الشديد على من يدعو الناس إلى مذهب السلف، واتهامهم بأبشع الأوصاف، ورميهم بالجهل والتشدد والتكفير؟!

التعليق الثاني: أن دار الإفتاء لا تفتأ تحضّ الناس على الالتزام بمذاهب الأئمة الأربعة، وفي سبيل ذلك تتهم من يدعُو إلى التمسك بالكتاب والسنة بأنه جاهل لا يفقه شيئًا، وغير ذلك من التهم، فلماذا لا تبين لنا مذاهب الأئمة الأربعة في هذه الأمور التي أصبحت الدعوة إليها قائمة على قدم وساق من إعادة إحياء لمسالك التصوف، وتبحث في كتب تراجم العلماء علَّها تظفر بنقل هنا أو هناك؟! على الرغم من أن كتب التراجم لا يؤخذ منها مذاهب أو أحكام لأن غايتها حكاية الواقع لا إقراره ولا بيان حكمه.

التعليق الثالث: أن الواجب على أهل العلم أن يرشدوا الناس إلى الحق،ّ وأن يعلموهم ما يلزمهم من أحكام الشرع، وليس أن يسوّغوا لهم الواقع الذي يعيشونه، سواء بطلب الأيسر من مذاهب العلماء في الفتوى، أو التعسف في حمل الأقوال والأفعال الكفرية الصريحة على ما لا تحتمله؛ هربًا من مواجهة الباطل المنتشر بين الناس، فهذا كله داخل في كتمان العلم المنهي عنه، والله المستعان.

بذلك نكون قد وصلنا إلى ختام هذه الورقة العلمية،

والله أسأل أن يجنبني الزلل في القول والعمل،

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)

([1]) رواه الترمذي (2969) وصححه الألباني.

([2]) مجموع الفتاوى (1/ 124).

([3]) وهي ورقة علمية بعنوان: مناقشة دعوى المجاز العقلي في الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وتجدها على هذا الرابط:

https://salafcenter.org/3095

([4]) رواه الترمذي (2969) وصححه الألباني.

([5]) رواه أبو داود (1134) وصححه الألباني.

([6]) انظر مقال بعنوان: حكم الاحتفال بالمولد النبوي وأدلة ذلك، تجده على هذا الرابط:

https://salafcenter.org/5379/

([7]) رواه مسلم (969).

([8]) رواه البخاري (427)، مسلم (528).

([9]) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 267)، مجموع الفتاوى (24/ 318، 27/ 448).

([10]) انظر: الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص: 129-134).

([11]) وهو مقال بعنوان: حكم التبرك بقبور الصالحين، وهذا رابطه:

http://salafcenter.org/514/

([12]) وهو مقال بعنوان: هل آثار الصالحين كآثار النبي صلى الله عليه وسلم تبرّكًا وحكمًا؟ وهذا رابطه:

https://salafcenter.org/717

([13]) تجد الفتوى على هذا الرابط:

https://www.dar-alifta.org/AR/ViewFatwa.aspx?sec=fatwa&ID=1477

([14]) رواه أحمد (5914) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.

([15]) مجموع الفتاوى (35/ 165).

([16]) انظر على سبيل المثال: جواهر الإكليل (2/ 383-390).

([17]) الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 106).

([18]) وهو مقال بعنوان: شبهة سجود التحية وشرك الألوهية، وتجده على هذا الرابط:

https://salafcenter.org/903

([19]) انظر: الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 108).

([20]) انظر الورقة العلمية التي نشرها مركز سلف بعنوان: مناقشة دعوى المجاز العقلي (ص: 4).

([21]) انظر: أصول السنة (ص: 34)، الإبانة عن أصول الديانة (ص: 27)، والسنة لعبد الله بن أحمد (1/ 174)، وهو إجماع أهل السنة ولا يخلو كتاب عقيدة مسند من ذكر ذلك.

([22]) روضة الطالبين (10/ 64)، وراجع المقال الذي بعنوان: سجود التحية وشرك الألوهية.

([23]) الشفا -محذوف الأسانيد- (2/ 611)، وانظر أيضا: الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 107).

([24]) رواه الترمذي (2180) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني.

([25]) انظر الفتوى التي بعنوان: تنزيل وإسقاط آيات الكفار على المؤمنين.. حالات الجواز والمنع، وهي الفتوى رقم 226585 على موقع الإسلام ويب، وهذا رابطها:

https://www.islamweb.net/ar/fatwa/226585/

([26]) القصة مشهورة، وقد رواها البخاري (2272)، ومسلم (2743).

([27]) رواه البخاري (1010).

([28]) انظر: فتح المجيد بحاشية فضل الغني الحميد (1/ 164).

([29]) انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص: 86-88، 107).

([30]) رواه بهذا اللفظ أحمد (1839)، وقال الأرناؤوط: صحيح لغيره، وقد ورد بألفاظ أخرى مقاربة.

([31]) هو مقال بعنوان: حكم الحلف بغير الله تعالى، وتجده على هذا الرابط:

https://salafcenter.org/4014

([32]) هو مقال بعنوان: الرد على من قال: من ابتلي بشيء مما اختلف فيه فليقلّد من أجاز، تجده على هذا الرابط:

https://salafcenter.org/5763

([33]) انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص: 88).

([34]) انظر فتوى الشيخ الباجوري وزير الأوقاف المصري بشأن ذلك: فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف حول الأضرحة والقبور والموالد والنذور (1/ 34).

([35]) سبق تخريجه.

([36]) انظر: السلسة الضعيفة للألباني (4493).

([37]) الصارم المنكي (1/ 223).

([38]) انظر: السلسلة الضعيفة للألباني (656).

([39]) أصل الحديث رواه الترمذي (3578)، وابن ماجه (1385)، وصححه الألباني، وبعض ألفاظ الحديث عند الحاكم في المستدرك.

([40]) انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ( ص: 201-203)

([41]) انظر: التوسل للألباني (ص: 117-122).

([42]) انظر: تاريخ الطبري (3/ 293).

([43]) انظر: صحيح وضعيف تاريخ الطبري (8/ 73).

([44]) ذكر ذلك ابن مالك في الألفية، انظر: شرح ابن عقيل (3/ 255-256).

([45]) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 319).

([46]) انظر: شرح ابن عقيل (1/ 14).

([47]) وهو مقال بعنوان: هل ينكر في مسائل الخلاف؟ تجده على هذا الرابط:

https://salafcenter.org/4602

([48]) انظر: السلسلة الضعيفة للألباني (373).

([49]) الإيضاح في مناسك الحج والعمرة (ص: 456).

([50]) إحياء علوم الدين (1/ 271).

([51]) الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص: 21).

([52]) وهو مقال بعنوان: حكم الاحتفال بالمولد النبوي وأدلة ذلك، تجده على هذا الرابط:

https://salafcenter.org/5379

([53]) تفسير الطبري (16/ 519).

لتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..