أَخُو البِشْرِ مَحْبُوبٌ عَلَى حُسْنِ بِشْرِهِ
وَلَنْ يَعْدَمَ البَغْضَاءَ مَنْ كَانَ عَابِسَا
🔸 خُلُق التَّبسُّم 🔸
قال العيني -رحمه الله-: (التَّبسُّم في اللغة مبادئ الضَّحك، والضَّحك انبساط الوجه التي تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت بحيث يسمع من بعد، فهو القهقهة وإلَّا فالضحك، وإن كان بلا صوت فهو التَّبسُّم). عمدة القاري شرح صحيح البخاري (٢٢/ ١٤٦).
• الابتسامة هي المفتاح الأول لكلِّ القلوب المغلقة، الابتسامة إشراقة روح، وإطلالة نفس، وصورة فؤاد.
• الابتسامة بلسم الألم ودواء الحزن.
• الابتسامة أقصر طريق إلى القلوب وأقرب باب إلى النُّفوس.
• الابتسامة المشرقة، أقوى قوانين الجاذبيَّة للقلوب والأرواح، وللابتسامة سحر خلَّاب يستميل القلوب ويأخذ بالألباب، والمبتسمون أحسن النَّاس مزاجًا وأهنؤهم عيشًا وأطيبهم نفسًا.
ولتعلم أخي القارئ أنَّ الابتسامة الحقيقيَّة لا يمكن تزييفها، فهي كالذَّهب عبثًا يحاول المخادعون تقليده، ولكن بريق الذَّهب ليس كأيِّ بريق.
🟡 لماذا التَّبسُّم؟
• نبتسم لنسعد أنفسنا ومَن حولنا.
• نبتسم لنتغلَّب على تيار الضُّغوط اليوميَّة التي جلبت الكثير من الأمراض كالسُّكري، والضَّغط، والتَّوتُّر، والقلق، والأزمات.
• نبتسم لنزيد رصيدنا من الحسنات، فعن أبي ذر -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله ﷺ: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ». رواه البخاري في الأدب (٨٩١) والترمذي (١٩٥٦) وحسَّنه، وصحَّحه ابن حبان (٤٧٤).
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَو أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ». رواه مسلم (٢٦٢٦)، وكأنما يريد ﷺ أن يدربنا على الابتسامة لتكون سجيةً لنا، فكلما ابتسمتَ أُهديت إليك صدقة، فهل تزيد رصيدك من الصَّدَقَات؟
• نبتسم محبَّة لرسول الله ﷺ، وتأسيًا به، فقد كان ﷺ دائم البشر طلقَ المُحيَّا، البشاشة تعلو وجهه والابتسامة لا تكاد تفارقه، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ». سنن الترمذي (٥/ ٦٠١)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
🟡 لمَن نبتسم؟
نبتسم لأنفسنا فمِن حقِّها علينا أن نبتسم لها ونسعدها وندخل السرور عليها بالابتسامة، فكم حُطمت على بريق الابتسامة من الحواجز الوهميَّة التي نسجها الشيطان فبدَّدت تلك الابتسامةُ جبالَ المشكلات التي هي أشبه ما تكون بجبال ثلجيَّة، ما إن تلقيها حرارة الابتسامة إلا وسارعت بالانصهار والذَّوبان.
جرِّب سحر الابتسامة عندما تتعرَّض لبعض المشكلات العائليَّة؛ لترى أثر الابتسامة في ذلك.
🟡 التَّرغيب في الابتسامة وطلاقة الوجه:
جاءت نصوص السُّنَّة متضافرة في الدَّلالة على هذا الخُلُق، ومن ذلك:
🔸 تبسُّم النبيِّ ﷺ لزوجاته:
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: (أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ -وَأَنَا سَاكِتَةٌ-. قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَيْ بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟» فَقَالَتْ: بَلَى، قَالَ: «فَأَحِبِّي هَذِهِ». قَالَتْ: فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالَتْ، وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقُلْنَ لَهَا: مَا نَرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ، فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقُولِي لَهُ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاللهِ لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ، وَأَتْقَى لِلهِ، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا، تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ.
قَالَتْ: فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِهَا، فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ! قَالَتْ: ثُمَّ وَقَعَتْ بِي فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ، وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا؟ قَالَتْ: فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ. قَالَتْ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَتَبَسَّمَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ». رواه مسلم (٤/ ١٨٩١).
قال النووي -رحمه الله-: (قوله ﷺ: «إنها ابنة أبي بكر»، معناه: الإشارة إلى كمال فَهْمها وحُسن نظرها). شرح النووي على مسلم (١٥/ ٢٠٧).
وعن وقار النبيِّ ﷺ، قالت عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ). رواه البخاري (٤٨٢٨) ومسلم (٨٩٩).
🔸 يغرس ﷺ محبَّته في قلوب أصحابه -رضي الله عنهم- بالتَّبسُّم وطلاقة الوجه:
عَنْ جَرِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: (مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ ﷺ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي). رواه البخاري (٣٠٣٥) ومسلم (٢٤٧٥).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ). سنن الترمذي (٥/ ٦٠١)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
قال ابن بطال -رحمه الله-: (وفيه أنَّ لقاء النَّاس بالتَّبسُّم وطلاقة الوجه من أخلاق النبوة، وهو منافٍ للتكبُّر، وجالب للمودَّة). شرح صحيح البخاري لابن بطال (٥/ ١٩٥).
وعن تبسُّمه وحُسن عشرته ﷺ لأصحابه ومجالسته لهم، قال سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ -رحمه الله-: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ قَالَ: (نَعَمْ، كَثِيرًا كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ ﷺ).
قال النووي -رحمه الله-: (فيه استحباب الذِّكْر بعد الصُّبح وملازمة مجلسها ما لم يكن عذرٌ، قال القاضي: هذه سُنَّة كان السَّلف وأهل العلم يفعلونها ويقتصرون في ذلك الوقت على الذِّكْر والدُّعاء حتى تطلع الشَّمس، وفيه جواز الحديث بأخبار الجاهليَّة وغيرها من الأمم، وجواز الضَّحك، والأفضل الاقتصار على التَّبسُّم، كما فعله رسول الله ﷺ في عامَّة أوقاته). شرح النووي على مسلم (١٥/ ٧٩).
🔸 تبسم ﷺ تبسم المُغضب:
في حديث توبة كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال كعب: (فجئتُه فلما سلَّمتُ عليه، تبسَّم تبسُّم المُغضَب). صحيح البخاري (٦/ ٤)، صحيح مسلم (٤/ ٢١٢٣).
قال ابن حجر -رحمه الله-: (التَّبسُّم قد يكون عن غضب؛ كما يكون عن تعجُّب، ولا يختصُّ بالسرور). فتح الباري لابن حجر (٨/ ١٢٤).
🔸 تبسَّم ﷺ وصبر على مَن آذاه تأليفًا واستعطافًا له:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، يَقُولُ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومًا الْمَسْجِدَ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظٌ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ مِنْ خَلْفِهِ، وَأَخَذَ بِجَانِبِ رِدَائِهِ، فَاجْتَبَذَهُ حَتَّى أَثَّرَتِ الصَّنِفَةُ فِي صَفْحِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَعْطِنَا مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، وَتَبَسَّمَ ﷺ، وَقَالَ: «مُرُوا لَهُ». صحيح ابن حبان (١٤/ ٢٨٩)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
قال ابن حجر -رحمه الله-: (وفي الحديث بيان حِلمه ﷺ، وصبره على الأذى في النَّفس والمال، والتَّجاوز على جفاء مَن يريد تألُّفه على الإسلام، وليتأسَّى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصَّفح والإغضاء، والدَّفع بالتي هي أحسن). فتح الباري لابن حجر (١٠/ ٥٠٦).
🟡 وجملة القول:
أنَّ البسمة سُنَّة نبويَّة لها آثارها الطيبة، فلنحرص على إشاعتها مع الأهل، وعامَّة النَّاس؛ لأنها تغرس الأُلفة والمحبَّة، وتُكسِب الأجر.
https://t.me/khotwaah
وَلَنْ يَعْدَمَ البَغْضَاءَ مَنْ كَانَ عَابِسَا
🔸 خُلُق التَّبسُّم 🔸
قال العيني -رحمه الله-: (التَّبسُّم في اللغة مبادئ الضَّحك، والضَّحك انبساط الوجه التي تظهر الأسنان من السرور، فإن كان بصوت بحيث يسمع من بعد، فهو القهقهة وإلَّا فالضحك، وإن كان بلا صوت فهو التَّبسُّم). عمدة القاري شرح صحيح البخاري (٢٢/ ١٤٦).
• الابتسامة هي المفتاح الأول لكلِّ القلوب المغلقة، الابتسامة إشراقة روح، وإطلالة نفس، وصورة فؤاد.
• الابتسامة بلسم الألم ودواء الحزن.
• الابتسامة أقصر طريق إلى القلوب وأقرب باب إلى النُّفوس.
• الابتسامة المشرقة، أقوى قوانين الجاذبيَّة للقلوب والأرواح، وللابتسامة سحر خلَّاب يستميل القلوب ويأخذ بالألباب، والمبتسمون أحسن النَّاس مزاجًا وأهنؤهم عيشًا وأطيبهم نفسًا.
ولتعلم أخي القارئ أنَّ الابتسامة الحقيقيَّة لا يمكن تزييفها، فهي كالذَّهب عبثًا يحاول المخادعون تقليده، ولكن بريق الذَّهب ليس كأيِّ بريق.
🟡 لماذا التَّبسُّم؟
• نبتسم لنسعد أنفسنا ومَن حولنا.
• نبتسم لنتغلَّب على تيار الضُّغوط اليوميَّة التي جلبت الكثير من الأمراض كالسُّكري، والضَّغط، والتَّوتُّر، والقلق، والأزمات.
• نبتسم لنزيد رصيدنا من الحسنات، فعن أبي ذر -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله ﷺ: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ». رواه البخاري في الأدب (٨٩١) والترمذي (١٩٥٦) وحسَّنه، وصحَّحه ابن حبان (٤٧٤).
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَو أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ». رواه مسلم (٢٦٢٦)، وكأنما يريد ﷺ أن يدربنا على الابتسامة لتكون سجيةً لنا، فكلما ابتسمتَ أُهديت إليك صدقة، فهل تزيد رصيدك من الصَّدَقَات؟
• نبتسم محبَّة لرسول الله ﷺ، وتأسيًا به، فقد كان ﷺ دائم البشر طلقَ المُحيَّا، البشاشة تعلو وجهه والابتسامة لا تكاد تفارقه، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ». سنن الترمذي (٥/ ٦٠١)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
🟡 لمَن نبتسم؟
نبتسم لأنفسنا فمِن حقِّها علينا أن نبتسم لها ونسعدها وندخل السرور عليها بالابتسامة، فكم حُطمت على بريق الابتسامة من الحواجز الوهميَّة التي نسجها الشيطان فبدَّدت تلك الابتسامةُ جبالَ المشكلات التي هي أشبه ما تكون بجبال ثلجيَّة، ما إن تلقيها حرارة الابتسامة إلا وسارعت بالانصهار والذَّوبان.
جرِّب سحر الابتسامة عندما تتعرَّض لبعض المشكلات العائليَّة؛ لترى أثر الابتسامة في ذلك.
🟡 التَّرغيب في الابتسامة وطلاقة الوجه:
جاءت نصوص السُّنَّة متضافرة في الدَّلالة على هذا الخُلُق، ومن ذلك:
🔸 تبسُّم النبيِّ ﷺ لزوجاته:
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: (أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي، فَأَذِنَ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ -وَأَنَا سَاكِتَةٌ-. قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَيْ بُنَيَّةُ، أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟» فَقَالَتْ: بَلَى، قَالَ: «فَأَحِبِّي هَذِهِ». قَالَتْ: فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالَتْ، وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقُلْنَ لَهَا: مَا نَرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ، فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقُولِي لَهُ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاللهِ لَا أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ، وَأَتْقَى لِلهِ، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا، تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ.
قَالَتْ: فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِهَا، فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ! قَالَتْ: ثُمَّ وَقَعَتْ بِي فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ، وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا؟ قَالَتْ: فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ. قَالَتْ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَتَبَسَّمَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ». رواه مسلم (٤/ ١٨٩١).
قال النووي -رحمه الله-: (قوله ﷺ: «إنها ابنة أبي بكر»، معناه: الإشارة إلى كمال فَهْمها وحُسن نظرها). شرح النووي على مسلم (١٥/ ٢٠٧).
وعن وقار النبيِّ ﷺ، قالت عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ). رواه البخاري (٤٨٢٨) ومسلم (٨٩٩).
🔸 يغرس ﷺ محبَّته في قلوب أصحابه -رضي الله عنهم- بالتَّبسُّم وطلاقة الوجه:
عَنْ جَرِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: (مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ ﷺ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي). رواه البخاري (٣٠٣٥) ومسلم (٢٤٧٥).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ). سنن الترمذي (٥/ ٦٠١)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
قال ابن بطال -رحمه الله-: (وفيه أنَّ لقاء النَّاس بالتَّبسُّم وطلاقة الوجه من أخلاق النبوة، وهو منافٍ للتكبُّر، وجالب للمودَّة). شرح صحيح البخاري لابن بطال (٥/ ١٩٥).
وعن تبسُّمه وحُسن عشرته ﷺ لأصحابه ومجالسته لهم، قال سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ -رحمه الله-: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ قَالَ: (نَعَمْ، كَثِيرًا كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ، وَيَتَبَسَّمُ ﷺ).
قال النووي -رحمه الله-: (فيه استحباب الذِّكْر بعد الصُّبح وملازمة مجلسها ما لم يكن عذرٌ، قال القاضي: هذه سُنَّة كان السَّلف وأهل العلم يفعلونها ويقتصرون في ذلك الوقت على الذِّكْر والدُّعاء حتى تطلع الشَّمس، وفيه جواز الحديث بأخبار الجاهليَّة وغيرها من الأمم، وجواز الضَّحك، والأفضل الاقتصار على التَّبسُّم، كما فعله رسول الله ﷺ في عامَّة أوقاته). شرح النووي على مسلم (١٥/ ٧٩).
🔸 تبسم ﷺ تبسم المُغضب:
في حديث توبة كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال كعب: (فجئتُه فلما سلَّمتُ عليه، تبسَّم تبسُّم المُغضَب). صحيح البخاري (٦/ ٤)، صحيح مسلم (٤/ ٢١٢٣).
قال ابن حجر -رحمه الله-: (التَّبسُّم قد يكون عن غضب؛ كما يكون عن تعجُّب، ولا يختصُّ بالسرور). فتح الباري لابن حجر (٨/ ١٢٤).
🔸 تبسَّم ﷺ وصبر على مَن آذاه تأليفًا واستعطافًا له:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، يَقُولُ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَومًا الْمَسْجِدَ وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظٌ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ مِنْ خَلْفِهِ، وَأَخَذَ بِجَانِبِ رِدَائِهِ، فَاجْتَبَذَهُ حَتَّى أَثَّرَتِ الصَّنِفَةُ فِي صَفْحِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَعْطِنَا مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، وَتَبَسَّمَ ﷺ، وَقَالَ: «مُرُوا لَهُ». صحيح ابن حبان (١٤/ ٢٨٩)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
قال ابن حجر -رحمه الله-: (وفي الحديث بيان حِلمه ﷺ، وصبره على الأذى في النَّفس والمال، والتَّجاوز على جفاء مَن يريد تألُّفه على الإسلام، وليتأسَّى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصَّفح والإغضاء، والدَّفع بالتي هي أحسن). فتح الباري لابن حجر (١٠/ ٥٠٦).
🟡 وجملة القول:
أنَّ البسمة سُنَّة نبويَّة لها آثارها الطيبة، فلنحرص على إشاعتها مع الأهل، وعامَّة النَّاس؛ لأنها تغرس الأُلفة والمحبَّة، وتُكسِب الأجر.
https://t.me/khotwaah
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..