الجمعة، 21 أبريل 2023

خُلُق التَّضحية 🔸

قال تعالى{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩]
🔸خُلُق التَّضحية  
مفهوم التَّضحية
معنى التَّضحية لغةً:
التَّضحية مصدر ضحَّى، يُقال: ضحَّى بنفسه أو بعمله أو بماله: بذله وتبرَّع به دون مقابل. المعجم الوسيط (٥٣٥/١)، والمعجم الوجيز (ص ٣٧٧).

معنى التَّضْحية اصطلاحًا:
هي بذل النَّفس أو الوقت أو المال لأجل غاية أسمى، ولأجل هدف أرجى، مع احتساب الأجر والثَّواب على ذلك عند الله عزَّ وجلَّ، والمرادف لهذا المعنى: الفداء، ومن معانيها: البذل والجهاد.

🟡 أهمية التَّضحية:

هي قمَّة هرم القيم السامية، وهي أمُّ القيم؛ ففيها قيم: حب الغير، الكرم، التَّكافُل الاجتماعي، البَذْل للآخرين لدرجة التَّضحية بالمال والجهد والوقت والنَّفس.

🟡 وفائدتها تعود للمُضحِّي:

فإن احتاج إلى تضحية ضحَّى له مَن كان ضحَّى من أجله؛ فيحدث التَّكافُل الاجتماعي.

🟡 مضارُّ اختفائها:

تسود الماديَّة، والأنانية، والشحُّ، والاحتكار والمغالاة في الأسعار، والسَّرقة، والقتل، والطَّمع فيما في يد الغير، وإيثار شهوات النَّفس.

🟡 دواعي التَّضحية:

- الدِّين؛ ابتغاء مرضاة الله وحده لا شريك له.

- مصالح الإسلام والإنسانيَّة عامَّة: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨]، والأسير لم يكن مسلمًا في ذلك الوقت.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١١١]، فطلب منَّا التَّضحية ولنا الجنَّة.
﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]، نزلت بسبب ضيف النبيِّ ﷺ الذي ذهب به الأنصاري وأطفأ السِّراج ليأكل، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ له: «ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا». رواه البخاري (٣٧٨٩).

- ونعى القرآن على مَن لا يُضحِّي: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ‘وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: ١٦].

🟡 نماذج من التَّضحية:

أسرة أبي الأنبياء إبراهيم -عليه وعلى نبينا السَّلام-: فقد قبِل الولد أن يضحي بنفسه، ورضِي الأبوَيْن بهذه التَّضحية بفلذة كبدهما، كلُّ ذلك طاعةً لله وحده؛ حتى تنزَّلت رحمة الله بافتدائه.

🟡 العبادات كلُّها تُعلِّمنا التَّضحية:

• شهادة أن لا إله إلَّا الله، استسلام لمنهج الله، فعليها نحيا، وفي سبيلها نجاهد، وعليها نموت، وعليها نلقى الله.
• الصَّلوات الخمس تضحية بكلِّ ما يشغلنا عن الصَّلاة من كسب مادي أو طعام أو لهو أو غير ذلك.
• الصِّيام تضحية بمتعة الطَّعام والشَّراب والشَّهوة.
• الزَّكاة تضحية بالمال الذي تميل إليه النَّفس.
• الحجُّ تضحية بمفارقة الوطن والأهل، وبتحمُّل مشاقِّ السَّفر، وبالإنفاق لأداء المناسك.
• تضحية الشَّابِّ بنفسه؛ فلا يتزوج حتى يُربِّي إخوته.
• تضحية الشَّابِّ بنفسه؛ فلا يسافر للخارج طلبًا لسَعَة الرِّزق، حتى يراعي والديه المُسنَّيْنِ.
• تضحية الزَّوجة في خدمة أسرتها.
• تضحية الأب والأُمِّ من أجل الأبناء.

🟡 وأخصُّ بالذِّكر تضحية الأب والأُمِّ:

الأب والأُمُّ يُقدِّمان دورةً مجانيَّة للتضحية، يُقدِّمان دروسًا في الحبِّ، يُقدِّمان أعلى مراتب الحبِّ الصَّافي النَّقي.
فإن كان والداك على قيد الحياة، فسارِع وقبِّل الأرجل والأيدي!
سارِع واطلب الرِّضا؛ لتسعد سعادة الدُّنيا والآخرة، قدِّم لهما الهدية الرَّائعة، والكلمة الرَّاقية، والابتسامة النَّقيَّة.
رحلة معهما لتجديد رُوح الشَّباب لديهما، عشاء في مطعم؛ لتُشعرهما بقربك منهما، دعوة صادقة لهما بطول العُمر وحُسن الختام.
إن فقَدتَ أحدهما، ووُسِّد التراب، فباب البِرِّ مفتوح، قدِّم الدُّعاء، وقدِّم الصَّدَقة، وقدِّم الحجَّ والعُمرة؛ ليصل له الثَّواب في قبره، يُنير قبره ببركة عمل ولده البارِّ.
يا رب، ارزقنا بِرَّ والدينا!

قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ [الإسراء: ٢٣ - ٢٥].

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ».
قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ».
رواه مسلم (٢٥٥١).
-

.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..