الثلاثاء، 25 مارس 2025

مقال يستحق التوقف .. بلكونات الحرم .. ( رمضان / ١٤٤٦ )

         البلكونة هي : بناء صغيرٌ بارزٌ في جدار البيت يطلّ على ما حوله ، ولا يمكن الجزم تاريخيًا بأول مرة ظهرت فيها البلكونة كاختراع معماري ؛ فقيل في العمارة الفارسية وقيل في حضارة اليونان وقيل في مصر الفرعونية ، لكنّ الذي أدركناه فجأة وجود بلكوناتٍ ومشربياتٍ في الأبراج الشاهقةِ المطلّة على المسجدِ الحرام ، وقد صار من هبّات مشاهير السناب ومواقع التواصل أن يتم التقاط صورٍ لهم ولقاءاتٍ فيها .. ومع بالغ الأسفِ يكون حاضرا فيها وبشكلٍ لافت ضحكٌ مبالغ فيه ، وجوالاتٌ لاهثة تلاحق كلّ التفاصيل. وربما شاهدتَ بعضهم في الليلة الواحدة يتنقّل بديناميكية عالية بين مجموعةِ بلكونات وكأنه حجر الحصان في لعبة الشطرنج .. ومتى كانت ليالي العشر الفاضلات وجوار البيت العتيق مكاناً للتصوير والتباهي ! ولماذا انتقلت مهابة مكة - شرفها الله - من جلال الكعبة ومن جموع الطائفين لتطيرَ إلى عالي الأبراج وتتابع إطلالات سنابية باذخة وتغطيات تصويرية يدخل فيها المشهور ومعه فريق من المصورين والمخرجين كما لو كان في حدائق لندن أو شواطئ كان؛ ليرفع يديه يدعو مرّة وهو يطلّ على الكعبة وليرفع يديه مرّاتٍ وهو يسوّق لجائزةٍ أو يدعو لمنتج أو يقدّم عميلا ، وتجتمع فئامٌ من المشاهير قبل ذلك وبعده لتسجيل الحضور ! أجزم أنها صورةٌ كثيرةُ السواد ، قليلةُ التوقير لبيت الله العتيق ، تلفظها شاشات مواقع التواصل ، ويتلقاها العالم من حولنا تقدمنا للدنيا بصورةٍ فظّة موغلة في الثراء والتباهي وضياع الأوقات ، وتسحب البساط عن باهي قيمنا المعتادة من خدمة الحاج والمعتمر وتوقير المشاعر والشعائر وإظهار عبادة الفاقة والعبودية لله بجوار بيته في التجرّدِ من كل مخيط والإعراضِ عن اللغو والجدال .. آخر السطر ( بتصرف يسير ) للكاتب زياد الدريس يحكي عن موقفٍ له مع معالي الوزير صالح الحصين رئيس شؤون الحرمين سابقا رحمه الله .. (إنه أذان المغرب يرتفع والمآذن تزف إلينا خبر الصلاة … قلت في نفسي ستكون تجربة مميزة أن أحظى بمرافقة معالي «المأموم» صالح الحصين إلى الحرم ، حيث ستفتح الأبواب المغلقة والصفوف المصطكة أمام حضرة هذا «المعالي». لم يكن يشغلني قبل الخروج من مسكن الشيخ سوى التفكير، إن كنت سأكون الرجل الثاني خلف الإمام من اليمين، أم الثاني من اليسار؟! وهل سأكون ملزماً إن أخطأ الإمام أن أرد عليه لدنوّي منه قبل الناس جميعاً أم لا؟! كانت هذه هي الهواجس «العالية» عندي حتى خرجنا من مسكن الشيخ، ثم إذا اقتربنا من الحرم وضع حذاءه تحت إبطه ثم سار بي وسط جموع «عامة» الناس. فلما وصلنا الحرم، تقدّم وسط الصفوف غير التامة من المأمومين حتى بلغ الصفوف المتكاملة وهو لمّا يصل بعد إلى باب الحرم، فتوقف في الساحة الخارجية المكتظة ووضع حذاءه بين قدميه ثم وزن قدميه على حافة البلاط غير المفروش... ثم كبّر للصلاة. تلفتُّ يمنة ويسرة فلم أجد الإمام أمامي، ولا السّدنة خلفي، دعوت الله أن يرزقني قناعة مثل قناعة شيخي صالح الحصين.. ثم كبّرت للصلاة )

" منقول "..

سليمان الذويخ


 المصدر
(

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..