الرقية مشروعة بالكتاب والسنة الصحيحة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وإقراره، وفعلها السلف من
الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. وهي من الأمور المستحبّة التي شرعها الشارع الكريم؛ لدفع شرور جميع المخلوقات كالجن والإنس والسباع والهوام وغيرها.والرقية الشرعية تكون بالقرآن والأدعية والتعويذات الثابتة في السنة والأدعية الأخرى المشروعة التي يقرؤها الإنسان على نفسه، أو يقرؤها عليه غيره، وقد تكون هذه الرقية بالقراءة مع النفث من الراقي على بدن المرقي، أو في يديه ويمسح بهما جسده ومواضع الألم، وقد تكون بالقراءة في ماء يشربه المريض أو يصبّ على بدنه، فهذا مما أجمع عليه أهل العلم مع اعتقاد الراقي والمرقيّ أن الرقية لا تؤثّر بذاتها، وألا يعتمد عليها بقلبه، وأن يعتقد كل من الراقي والمرقي أن النفع إنما هو من الله تعالى وحده، وأن هذه الرقية سبب من الأسباب المشروعة.
والرقية جائزة بثلاثة شروط كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع شروط ثلاثة:
1- أن تكون بكلام الله تعالى وبأسمائه وصفاته.
2- باللسان العربي أو بما يُعرف معناه من غيره.
3- وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله تعالى”([1]).
والأدلة على جواز الرقية كثيرة، ومنها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا على حيّ من أحياء العرب، فلم يقروهم -أي: لم يضيفوهم-، فبينما هم كذلك إذ لُدغ سيِّد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أو راقٍ؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلا، فجعلوا لهم قطيعًا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ، فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه، فضحك وقال: «وما أدراك أنها رقية؟ خذوها، واضربوا لي بسهم»([2]).
وهذا الحديث نصَّ فيه على جواز الرقية بسورة الفاتحة، وقد شفى الله ذلك اللديغ الذي لدغته حيّة أو عقرب -بإذن الله- بتلك الرقية من أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على تلك الرقية وعلى أخذ الجُعل عليها.
ومن الأدلة أيضًا: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم -أو: أُمر- أن يسترقى من العين([3]).
وحديث أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: «استرقوا لها؛ فإن بها النظرة»([4]).
ففي هذين الحديثين مشروعية الرقية من العين، يقول ابن حجر: “أصيبت بالعين؛ فلذلك أذن صلى الله عليه وسلم في الاسترقاء لها، وهو دالّ على مشروعية الرقية من العين”([5]).
والعين نظرٌ باستحسان مشوب بحسَد من خَبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر([6]).
ومن الأدلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوِّذ بعض أهله، يمسَح بيده اليمنى ويقول: «اللهم رب الناس، اذهب الباس، واشفه أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما»([7])، وكانَ يقولُ في الرُّقْيَةِ: «تُرْبَةُ أرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يُشْفى سَقِيمُنا، بإذْنِ رَبِّنا»([8]).
وبهذا يتبين أن الرقية المشروعة هي ما كانت بكتاب الله عموما، وباختيار تلك السور التي ورد فضلها كالمعوذات، وفاتحة الكتاب، والدعاء الذي ورد ذكره في رقية النبي صلى الله عليه وسلم.
ولتعلمْ أنَّ للرُّقية الشرعية ضوابطَ عامة، وهي:
أولًا: سلامةُ الاعتقاد، وتصحيح الأعمال القلبية.
ثانيًا: إخلاص النية وسلامة المقصد.
ثالثًا: صدق التوكل على الله والاعتماد عليه.
رابعًا: اعتقاد طالب الرُّقيةِ أن النفعَ والضُّرَ بيد الله.
خامسًا: الإقبالُ على اللهِ مع التوبةِ النصوح، والتخلص من المعاصي والآثام والمظالم.
سادسًا: العمل بالقرآن الكريم وتدبر ألفاظه.
سابعًا: الدُّعاءُ، وأثره العظيم في الرُّقية.
والرقية الشرعية في الوقت المعاصر شابها كثير من الأطماع والشهوات، وأفسدت عقائد كثير من الناس، فجعلتهم يتعلقون بالأسباب وينسون ربّ الأسباب جلّ وعلا، فأصبحت تمارَس على أنها مهنة وتجارة للجاهل والعامي يتكسّبون بها، فصارت لهم أجور بحسب الحالات، وأجور على ما يقرؤون عليه، وابتدعوا طرقًا في القراءة لم تكن معروفة في عهد السلف([9]).
وقد أساء بعض المعالجين الأدب مع القرآن الكريم؛ إذ يقوم بكتابة الآيات في خرقة ثم يقوم بحرقها، وبعضهم يقوم بكتابة الأحرف المقطعة على جبهة المريض أو كتابتها على سوط أو عصا ويضرب بها المصروع، وهذا ما لم يفعله أحد من السلف، بل هو امتهان للقرآن ومن البدع المحدثات([10]).
وفي هذه الورقة نسلّط الضوء على المخالفات المعاصرة في الرقية الشرعية للتحذير من الوقوع فيها، وهذه المخالفات التي سأعرضها تنقسم إلى قسمين: مخالفات اعتقادية، ومخالفات عملية.
أولا: المخالفات الاعتقادية:
إن بعض ممارسي العلاج بالرقية الشرعية قد يقعون في مخالفات تتعلق بالعقيدة ومنها:
1- أن تكون الرقية فيها استغاثة أو استعاذة بغير الله:
في الصَّحيحِ عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّه قال: «لا بأسَ بالرُّقى ما لم تكُنْ شِركًا»([11])، فنهى عن الرُّقى التي فيها شِركٌ، كالتي فيها الاستغاثةُ بالجِنِّ([12]).
قال الشيخ محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ: “الرُّقى: هي التي تُسَمَّى العزائِمَ، وخَصَّ منها الدَّليلُ ما خلا مِنَ الشِّرْكِ”([13]).
فقوله: “وخص منها الدليل ما خلا من الشرك” أي: الأشياء الخالية من الشرك؛ فهي جائزة، سواء كان مما ورد بلفظه مثل: “اللهم رب الناس، أذهب الباس، اشف أنت الشافي”، أو لم يرد بلفظه مثل: “اللهم عافه، اللهم اشفه”، أما إن كان فيها شرك فإنها غير جائزة، مثل: “يا جني أنقذه، ويا فلان الميت اشفه”، ونحو ذلك([14]).
2- الرجم بالغيب:
إن إخبار الراقي بالمغيبات من حيث يعلم أو لا يعلم مسألة خطيرة تتعلّق بالاعتقاد؛ كأن يقول للمريض: أنت مصاب بعين، أو بسحر، أو بمس، والمس أبكم لا يتكلّم، وهذا استخفاف بالعقول وتكلّم بغير علم، بل هو الكذب، وأكثر من ذلك فهو الرجم بالغيب: وهنا سؤال وهو: كيف عرف هذا المعالج أن هذا جني أبكم؟!
وبعض المعالجين يأخذ بكلام الجن ويصدّقهم في كل ما يخبر؛ كأن يقول الجني: أنا دخلت بواسطة العشق، أو أرسلني فلان، فيقوم هؤلاء المعالجون بأخذ الأمر بكل جدية، ومن هنا تثار الفتن بين الناس([15]).
3- الاستعانة بالجان:
أي: استعانة بعض الرقاة بالجن في معرفة نوع المس ومعرفة مكان وضع السحر وغير ذلك، وكما هو معلوم فإن الجن في غالب أحوالهم الكذب، ومثله مثل الساحر أو العراف الذي يطلب من الجان الاستخبار لهم في ما لا يعلم، وهو رجم بالغيب، وكيف ترجو النصيحة من عدو لك وأنت تحاربه؟!([16]).
وكذلك من الاستعانة: طلب المساعدة من الجن والاتفاق معه في علاج بعض الحالات المستعصية، فيناديه المعالج بألفاظ متفق عليها، أو يرافقه الجني في رحلات العلاج، ثم يأمره بالدخول في بدن المصروع ليخرج الجني الآخر إن كان أضعف منه([17]).
والاستعانة بالجن في هذا الباب محرّمة ولا تجوز، فإنها إن لم تكن شركا فهي وسيلة للشرك؛ لأن الاستعانة عبادة لا يجوز صرفها لغير الله، لا من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة ولا غيرهم، إلا مع القادر الحي الحاضر من الإنس فيما يقدر عليه، كالاستعانة بالإنسان الحي القادر في الزراعة والبناء وقتال الأعداء. أما الجن فحكم حاضرهم كغائبهم، لا تجوز الاستعانة بهم في شيء من الأشياء؛ لقول الله عز وجل: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وإذا استعنت فاستعن بالله»([18])([19]).
وقال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: 128].
قال شيخ الإسلام: “ومن استمتاع الإنس بالجن استخدامهم في الإخبار بالأمور الغائبة كما يخبر الكهان، فإن في الإنس من له غرض في هذا؛ لما يحصل به من الرياسة والمال وغير ذلك”([20]).
فهذا صريح كلام شيخ الإسلام بأن استخدام الجن في الإخبار بالأمور الغائبة لا يجوز([21]).
4- تعلق بعض قلوب المرضى بالراقي من دون الله:
من الأخطاء العقدية في الرقية تعلّق المرضى والمحتاجين بالرُّقاة، وهذا التعلّق يحصل بأمور:
1/ الاعتقاد بأن الشفاء على يد الراقي المعيَّن الذي اختاره دون غيره من الرقاة.
2/ تخصيص ماء الشيخ المعيَّن للعلاج، وهو أن يتفق المعالج مع بعض العطارين فيقرأ على كراتين الماء بكميات كبيرة، ويضعها عند هذا العطار ليَبيعها باسمه، فيأتي قارئ آخر ويتفق مع عطار آخر، ويقرأ على كميات كبيرة من كراتين الماء، ويضعها عنده لتباع باسمه، حتى يكون عند كل عطار ماء مخصَّص لشيخ معيّن، والحصيلة أن كل هذا الماء قد قُرئ عليه القرآن ونفث فيه، فيأتي المريض إلى العطارين فيسأله: من الذي قرأ على هذا الماء؟ فيجيبه العطار: هذا ماء الشيخ فلان، فيجيبه المشتري: أنا أريد ماء الشيخ فلان؛ أي: الشيخ الذي يعالجه. وبهذه الطريقة يكون هؤلاء المعالجون قد علقوا قلوب المرضى بهم شخصيًّا، وهذا خطر كبير على عقيدة كل مسلم يريد أن يستشفي بالرقية الشرعية([22]).
والتعلق بغير الله سبحانه وتعالى مذموم لا يجوز، حيث يكون هذا المتعلق بمنزلة الأسير المملوك الذي يتحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور؛ الذي لا يستطيع الخلاص منه بل أعظم؛ فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن([23]).
5- استحداث بعض الأدعية التي ما أنزل الله بها من سلطان:
فقد جاء هؤلاء المعالجون بأدعية لم تكن على عهد رسول الله، ولا عهد سلفنا الصالح، فهم تجاوزوا أسلوب الدعاء كقولهم: “اللهم أبطل سحر العجائز”، ويكررون كلمة العجائز مرات، وكذلك: “اللهم أبطل سحر المغرب وسحر السودان وغير ذلك”([24]).
6- تخصيص رُقًى ليس لها أصلٌ شرعيٌّ:
الرقية الشرعية هي ما كانت بالقرآن والأدعية الشرعية، وأما تخصيص سور وآيات مُعيَّنة لأمراضٍ مُعيَّنة، وبأعدادٍ وأوقاتٍ لم ترد في الكتاب والسنة، وتحديد عدد المرات التي تقرأ فيها الآية أو الدعاء يحتاج إلى دليل، ولا نعلم دليلًا في ذلك إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا بدعاء كرَّره ثلاث مرات في بعض الأحيان، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفَّيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثم يَمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات([25]).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وليس لأحد أن يسنَّ للناس نوعًا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به؛ بخلاف ما يدعو به المرء أحيانًا من غير أن يجعله للناس سنة، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرمًا لم يجز الجزم بتحريمه؛ لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به، وهذا كما أن الإنسان عند الضرورة يدعو بأدعية تفتح عليه ذلك الوقت، فهذا وأمثاله قريب. وأما اتخاذ وِرد غير شرعي، واستنان ذكر غير شرعي، فهذا مما ينهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية، ولا يَعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهلٌ أو مفرط أو متعدٍّ”([26]).
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن تخصيص سور وآيات بأعداد معينة، فأجاب بقوله: “لا أعلم لهذا العمل أصلًا بهذا العدد المعيَّن في الشرع المطهر، بل التعبير بذلك واعتقاد أنه سنة بدعة، وهكذا فعلُ ذلك على هذا الوجه عند الميت وقت الموت أو بعد الموت، كل ذلك لا أصل له على هذا الوجه، ولكن يشرع للمؤمن الاستكثار من قراءة القرآن ليلًا ونهارًا، وأن يُسمي الله سبحانه عند ابتداء القراءة، وعند الأكل والشرب، وعند دخول المنزل، وعند جماع أهله، وغير ذلك من الشؤون التي وردت بها السنة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر»([27])، وهكذا استعمال: (يا لطيف أو يا ألله)، أو نحو ذلك بعدد معلوم يعتقد أنه سنة، لا أصل له بل هو بدعة، ولكن يشرع الإكثار من الدعاء بلا عدد معين؛ كقوله: يا لطيف الطف بنا، أو اغفر لنا، أو ارحمنا أو اهدنا ونحو ذلك، وهكذا يا ألله، يا رحمن، يا رحيم، يا غفور، يا حكيم، يا عزيز، الطف بنا وانصرنا وأصلح قلوبنا وأعمالنا، وما أشبه ذلك؛ لقول الله سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقوله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، ولكن بدون تحديد عدد لا يزيد عليه ولا ينقص، إلا ما ورَد فيه تحديد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) في كل يوم مائة مرة، فهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا قول: (سبحان الله وبحمده) مائة مرة في الصباح والمساء، وهكذا (سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر) ثلاثًا وثلاثين مرة بعد كل صلاة من الفرائض الخمس، الجميع تِسع وتسعون بعد كل صلاة، ويختم المائة بقوله: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)، كل هذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا كل ما جاء في معناه، وإن قرأ عند المُحتضَر قبل أن يموت بعض آيات من القرآن فلا بأس؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، ويستحب تلقينه لا إله إلا الله؛ حتى يُختم له بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» رواه مسلم في صحيحه. والمراد بالموتى هنا المحتضرون في أصح قولي العلماء، ولأنهم الذين ينتفعون بالتلقين، والله ولي التوفيق”([28]).
ثانيا: المخالفات العملية:
الرقية الشرعية تعتبر من التشريع الذي سنَّه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب فيها الاتباع وعدم الابتداع، ومن المخالفات العملية التي يجب الحذر والتحذير منها:
1- استخدام الصعق الكهربائي:
يستخدم بعض القراء الكهرباء أثناء الرقية، فيجعل التيار الكهربائي يتصل بجسد المرقي زعما أن الصعق الكهربائي يقع ضرره على الجني، وليس على الإنسي، وأنَّ هذا مقيس على فعل بعض السلف بضرب المصروع للتضييق على الجني أو حرقه.
وهذا كله مما ليس عليه دليل شرعي، بل هو من تزيّدات الرقاة التي لا يعرف لها سلف.
والكهرباء خطرها عظيم، وأثرها قد يتعدّى المحل ويعمّ الجسد، ويترك آثارا قد لا يشفى منها المريض، فأين هذا من ضرب محدودِ الضرر الذي مارسه بعض السلف؟!([29]).
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن استخدام الكهرباء في علاج المس، فأجاب رحمه الله بقوله: “لا أعلم له أصلًا”([30]).
واستخدام الكهرباء له سلبيات كثيرة، ومن الخطأ استخدامها في العلاج، فمن سلبياته:
1/ تعلق قلب المعالج بالكهرباء، فيضعف يقينه بكتاب الله.
2/ الكهرباء ذات التيار المتردد تتلف خلايا المخ، فيصاب الإنسان باختلاجات عصبية يصعب علاجها.
3/ تؤثر الكهرباء على المرأة الحامل وجنينها، وربما أجهضت ما في بطنها.
4/ ربما رأى العوام المعالج وهو يستخدم الكهرباء، فيطبقون ما يفعل فيهلكون المصاب.
5/ ربما تنصل الجني وقت الصعقة فيتأثر المصاب، فلا يعود بعدها للعلاج.
6/ غالبية المرضى يأتون للقراء من أجل الاستشفاء بالرقية الشرعية فقط، والكهرباء ليست من الرقية، وليست من الأدوية النبوية، وقد تصرف قلوب المرضى إلى التعلق بالكهرباء عندما يرون الشيطان يتعذب بالصعق.
والذي ينبغي أن يعلم في هذا الباب أن الصعق بالكهرباء وغيرها من أساليب التعذيب مهما بلغت من القوة والإتقان فهي لا تصل إلى ما تصل إليه الرقية الشرعية بأي حال من الأحوال؛ لأن تأثيرها على الشياطين وقتيٌّ لا يتجاوز وقت التعذيب أو بعده بيوم أو يومين، وليس لها تأثير على السحر والعين، بينما بركة الرقية إن كانت من أهل التقى والصلاح أعظم تأثيرًا وأطول أمدًا وتطمئن بها القلوب؛ {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
كما تكمن خطورة هذا الاستخدام في إحداث سريان للتيار الكهربائي في الدورة الدموية لجسم الإنسان، وقد يؤدّي سوء الاستخدام لمضاعفات خطيرة، خاصة لمن يشكو من أعراض أمراض أو هبوط القلب، أو يعاني من اضطرابات في الدورة الدموية، وقد يترتب عن استخدام هذا الأسلوب بشكل خاطئ وفاة المريض([31]).
يقول الدكتور حلمي عبد الحافظ داود -استشاري الأمراض العصبية في مجمع الرياض الطبي-: “التيار الكهربائي عند مروره في جسم الإنسان يمكن أن يؤدّي إلى نوبات صرع متكررة، وأيضًا إلى توقف عمل القلب وضخ الدم إلى الجسم، وبعد انتهاء التيار قد يحدث موت مفاجئ ناتج عن عدم انتظام ضربات القلب، ويمكن حدوث شلل في الأعصاب الخارجية في الأطراف العلوية والسفلية”([32]).
2- الرقية عبر الهاتف أو البث الفضائي أو جهاز التسجيل:
يعمد بعض المعالجين أحيانًا بعلاج بعض الحالات عن طريق الهاتف؛ حيث يقرأ المعالج آيات من كتاب الله عز وجل وكذلك أدعية مأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والرقية عمل يحتاج إلى اعتقاد ونية حال أدائها، ومباشرة للنفث على المريض، والجهاز لا يتأتى معه ذلك، ويخالف ما فعله رسول الله ﷺ وأصحابه وأتباعهم بإحسان في الرقية([33]).
والأساس الذي لا بدّ أن يضبط كافة الممارسات والوسائل المتبعة في العلاج هو عدم مخالفتها الأسس والقواعد والشروط الرئيسة للرقية الشرعية، والرقية عمل يحتاج إلى اعتقاد ونية حالَ أدائها، ومباشرة للنفث على المريض، وهذا كله لا يتوفر في مثل تلك الحالة، فالأَولى تركه؛ بسبب الاعتبارات التالية:
أ- أن الأساس في العلاج بالرقية الشرعية لا بد أن يكون نابعًا من قِبَل أهل البيت أنفسهم، فيقرأ الرجل على نفسه وأهل بيته، وتقرأ المرأة على نفسها وأهل بيتها، فالواجب يحتم على أهل البيت رقية مريضهم دون التعلق بالآخرين، والاعتماد والتوكل على الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الأولى والأتقى والأسلم.
ب- يعتبر المعالج طبيبًا من نوع خاص، يحتاج لمعاينة المريض، ومتابعة الأعراض التي تنتابه من فينة لأخرى، وهذا غير متوفر فيما لو تم العلاج والقراءة عن طريق الهاتف.
ج- بعض المرضى ممن يعانون من الإصابة بالمس الشيطاني يحتاجون لمعالج متمرس، يتعامل مع الحالة المرضية بما يتلاءم معها من وسائل وأساليب وممارسات، وبالتالي فإن القراءة على المصروع عن طريق الهاتف لا يتوفر لها مثل هذا المناخ، إضافة لعدم استطاعة الأهل التعامل مع الحالة المرضية بما يناسبها، أو خوفهم من هذا الموقف ونحو ذلك من أمور أخرى. وبالعموم فقد يؤدي استخدام مثل هذا الأسلوب أحيانًا لمفاسد عظيمة، وكما هو معلوم فإن “درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة”.
د- من الوسائل المهمة التي لا بد من اتباعها تجاه المرضى المصابين بالمس الشيطاني: قوة الشخصية، وصلابة الجأش من قبل المعالج، وهذا ما لا يتوفر في حالة العلاج عن طريق الهاتف.
هـ- ولا بد للمعالج من فعل ذلك مع النساء بوجود محرم بجانبها، أو عن طريق (مكبر صوت الهاتف) درءًا للمفسدة التي قد تترتب عن مثل ذلك الفعل، ومداخل الشيطان في هذا الأمر كثيرة ومتشعِّبة.
و- إضاعة المال والتبذير والإسراف، وخاصة في المكالمات الدولية.
وقد يدخل في نفسه العجب والغرور، وخاصة في بعض الحالات التي تُصرع عبر الهاتف مما يظن أنه معالج متمرس([34]).
وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم قراءة القرآن أثناء الرقية بمكبر الصوت، أو عبر الهاتف مع بعد المسافة.
فأجابت: “الأصل أن الراقي هو الذي يباشر قراءة القرآن، وينفث على المريض من ريقه؛ ففي الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن أناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يَقْرُوهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أو راقٍ؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلًا، فجعلوا لهم قطيعًا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه فضحك وقال: «وما أدراك أنها رقية؟ خذوها، واضربوا لي بسهم»، وفي الصحيح أيضًا من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيده؛ رجاء بركتها. ولما في مباشرة الراقي القراءة بنفسه من معانٍ تقوم في الراقي لا بد من اعتبارها.
وعليه فإن الرقية بفتح جهاز التسجيل خلاف الأصل الشرعي، فالرقية بواسطة جهاز التسجيل أمر محدث لا يجوز شرعًا”([35]).
وقد قال ﷺ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»([36]).
3- ابتداع ما يسمى بالرقية المركَّزة:
انتشر بين الرقاة ما يعرف بالرقية المركزة والرقية العادية، وتختلف أسعار كل منهما!
وهذا كله من الدجل، ومن أكل أموال الناس بالباطل، وليس لهذا التفريق أصل شرعي([37]).
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: “سمعنا من يقول: القراءة المركزة بكذا، والقراءة غير المركزة بكذا، هناك قراءة مركزة، وقراءة غير مركزة؟!… هذا تلاعب بالرقية”([38]).
4- القراءة التخييلية:
ويقصد بها أن يتخيّل المرقي من أصابه أثناء رقيته من قبل الراقي، ومنهم يستعين بالجن في ذلك. وكل ذلك محرم لا يجوز؛ لما فيه من استعانة بالجن، ولما فيه من نشر العداوة بين الناس، وهي مبنية على الخيالات والظنون، و«الظن أكذب الحديث»([39])، وهي طريقة تجعل المريض يشك في مَن حوله، فضلًا أنه أمر محدث لا يعرف عن سلف هذه الأمة([40]).
وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز: “تخيُّلُ المريض للعائن أثناء القراءة عليه، وأمر القارئ له بذلك هو عمل شيطاني لا يجوز؛ لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه، وهذا عمل محرم؛ لأنه استعانة بالشياطين، ولأنه يسبب العداوة بين الناس، ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس، فيدخل في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: ٢٦]”([41]).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن التخييل في الرقية، فقال السائل: إن بعضهم -أي: الرقاة- يمسك بيد المعيون ثم يقرأ القرآن، ثم يقول: تخيل في مخيلتك شخصًا، ثم يتخيل، فيقول: هذا هو الذي عانك، فما الحكم في هذه الطريقة؟
فأجاب الشيخ رحمه الله بقوله: “لا أعرف له أصلًا عن السلف الصالح، والشيء الذي ليس له أصل في هذه الأمور يوجِب الشك، والأصل المَنع حتى يقوم دليل على أن ذلك مفيد، وما دمنا لا ندري فإننا نقول: الطريقة الثانية مَن تتَّهم؟ من تظن؟ ما الفائدة من هذا؟ لأنه ربما يقول هذا المصاب: أنا أتهم فلانًا؛ لسوء تفاهم معه أو لأحقاد بينه وبينه، وهو ليس كذلك، ثم يبني هذا القارئ على ما ظنه، فالذي أرى أن نتجنَّب مثل هؤلاء، لا يُذهب إليهم ولا يؤبه بقولهم”([42]).
فهذه الطريقة في الرقية ليس لها أصل عن السلف الصالح، كما هي سبب في نشر العداوة والشكوك بين الناس، فيجب تجنبها.
5- الرقية الجماعية:
وهي أن يقوم الراقي بجمع المرضى في مكان واحد، ثم يرقيهم جميعا عبر مكبر الصوت، ثم يقوم بالمرور عليهم، وينفث عليهم واحدا واحدًا، أو ينفث عليهم من مكانه. وهذه الطريقة في الرقية ليس عليها دليل شرعي، أو أثر سنيّ، فهي محدثات القراء المبتدعة([43]).
فتجد الواحد منهم يُدخل من حضر من المرضى، وغيرهم ثم يقرأ عليهم جميعًا مرة واحدة في الميكرفون، ثم يمرون عليه أو يمر هو عليهم واحدًا واحدًا ليتفل لكل واحدٍ منهم في وعائه، وقد يستمر التفل لمدة ساعة بحسب العدد الموجود، كل هذا بالقراءة الجماعية التي قرأها بالميكرفون، فما هذا التوسع الرهيب واللهث العجيب؟! لقد أتى القوم بما لم يأت به الأوائل مما لم يرد عن محمد صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك إما جهلًا، وإما تكاسلًا، وإما كسبًا للوقت، وإما كسبًا للدراهم، وإما تقليدًا، وإما اتباعًا لأهوائهم وشهواتهم، والله المستعان([44]).
وقد أجاز الشيخ ابن باز رحمه الله أن يقرأ على اثنين أو ثلاثة أمامه، وينفث عليهم مباشرة مع القراءة، فهذه الصورة تختلف عن التي يفعلها الرقاة الآن، فمقصد الشيخ أن يرقي عددًا محدودًا أمامه، ويصلهم نفثه الذي خالط القراءة، أما واقع الرقاة مع هذه الطريقة فهو مؤسف للغاية، وفيه تجنٍّ على الشريعة، وعلى إنسانية المريض عندما يقع صريعا بين هؤلاء الجمع، وعلى الحياء الفطري عندما ترفع المرأة صوتها بالصراخ([45]).
6- رقية الماء بكميات كبيرة:
قد دل على جواز التداوي بالرقى فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وتقريره، وقد أجمع على جوازها المسلمون بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تكون الرقية بكلام الله تعالى أو كلام رسوله أو الأدعية المشروعة.
الشرط الثاني: أن تكون بلسان عربي، أو بما يعرف معناه من الأدعية والأذكار.
الشرط الثالث: أن يعتقد الراقي والمريض أن هذا سبب لا تأثير له إلا بتقدير الله سبحانه وتعالى.
وهي تكون بالقراءة والنفث على المريض، سواء كان يرقي نفسه أو يرقيه غيره، ومنها قراءة القرآن في الماء للمريض وشربه، كما في سنن أبي داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل على ثابت بن قيس وهو مريض، فقال: «اكشف الباس، ربَّ الناس، عن ثابت بن قيس بن شماس»، ثم أخذ ترابًا من بطحان فجعله في قدح، ثم نفث عليه بماء وصبه عليه([46]). فهذا هو المروي في القراءة في الماء وشرب المريض له، أما أن يقرأ الراقي في ماء ثم يفرغ ذلك الإناء في بِركة أو خزان، أو يَنفث في خزان رقية عامة، فهذا لم يرد به دليل، وهو مخالف لموضوع الرقية الجائزة؛ لأنها إنما تكون على المريض مباشرة، أو تكون بماء قليل يُسقاه المريض، والأصل في ذلك الاقتصار على ما ورد([47]).
فالقراءة في الأوعية الكبيرة كخزانات المياه، ثم تفريغها في قوارير لبيعها، المقصود منه المكسب المادي البحت([48]).
7- استعمال الحقنة والعطر في الرقية:
وطريقته أن يرقي في حقنة من الكالاكوز وتُعطى للمريض المصاب بالجان في الوريد، بحجة أن الشيطان يجري في الإنسان منه مجرى الدم، أو أن يرقي في الماء ويضيف عليه العطر بحجة أن الجان لا يحب العطر ويشربه المصاب.
والجواب: أن الرقية الشرعية توقيفية، لا يجوز الزيادة فيها إلا على الوجه المشروع، وقد أدخل بعض الناس في الرقية الشرعية صنوفًا من المحدَثات جهلًا أو تأكُّلًا، أو من تلاعب الشيطان ببعضهم، ومنه إجراء بعضهم الرقية في حقنة ثم ضربها في الوريد من المريض المصاب بالمس، محتجًّا هذا الراقي بحديث: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم»([49])، وهذه رقية بوسيلة غير شرعية، وتطبُّب يُضمَن ما يحصل منه من جناية على المريض، ولا حجة لهذا المتطبب بالحديث المذكور لما ذُكِر؛ لأنه يدل على ملابسة الشيطان للإنسان، فيعالَج بالرقية الشرعية، وهي القراءة والنفث على المصاب، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وقد يترتب على حقن الماء في الوريد ضرر أو تلف([50]).
8- حرق القرآن لشم المريض الدخان المتصاعد منه:
إحراق القرآن لشم المريض الدخان المتصاعد منه طريقة باطلة، وسواء أحرق القرآن من أوراق المصحف وما أشبَهها، أو كان الإحراق لآيات كتبت من قطعة قماش، فكل ذلك مما لا يجوز، ومما يدل على أنه لا يجوز وجوه:
1/ ليس هناك دليل من كتاب ربنا ولا من سنَّة رسوله عليه الصلاة والسلام يدل على أن التداوي بالقرآن عن طريق إحراقه وشمه جائز ومشروع، وإذا فُقِد الدليل على هذه المسألة بطلت شرعيتها، ولم يَحصل أن الصحابة أو التابعين فعلوا ذلك، وهكذا أئمة الهدى، وهم القدوة والعمدة في العمل بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فشيء لم يعملوا به مع داعي الحاجة إلى ذلك وعدم المانع لا شكّ أنه من المحدثات.
2/ في هذا الإحراق إهانة للقرآن؛ لأن فاعل هذا لم يستعمل القرآن فيما أنزل من الاستشفاء به بتدبُّره والعمل بما فيه، بل عمل بما يخالفه.
3/ فيه تشبه بالمشعوذين الدجالين الذين يتعاطّون أنواعًا من إهانة القرآن، ومن ذلك هذا الفعل([51]).
وفي الختام: إن الرقية الشرعية عبادة عظيمة، يجب فيها إخلاص النية، وسلامة المقصد، والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بنفع الناس، ودفع الأذى بإذن الله، والالتزام بما ورد في الكتاب والسنة واتباع السلف الصالح.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([2]) أخرجه البخاري (٥٧٣٦)، ومسلم (٢٢٠١).
([6]) انظر: فتح الباري، لابن حجر (10/ 200).
([9]) انظر: أحكام الرقية الشرعية (ص: 67).
([10]) انظر: الرقية الشرعية ضوابط وأحكام (ص: 1-2).
([12]) انظر: جلاء العينين (ص: 545).
([14]) انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 186).
([15]) انظر: الأخطاء الجلية لمعالجي الرقية الشرعية (ص: 4).
([16]) انظر: الأخطاء الجلية لمعالجي الرقية الشرعية (ص: 4).
([17]) انظر: الأخطاء الجلية لمعالجي الرقية الشرعية (ص: 5).
([18]) أخرجه الترمذي (٢٥١٦)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٧٩٥٧).
([19]) انظر: (فتاوى اللجنة الدائمة) الفتاوى ذات الأرقام: (16171، 16653، 1779، 19511، 20361، 21163).
([20]) مجموع الفتاوى (13/ 82).
([21]) انظر: أحكام الرقية الشرعية (ص: 70).
([22]) انظر: الأخطاء الجلية لمعالجي الرقية الشرعية (ص: 5).
([23]) انظر: مجموع الفتاوى (10/ 185-186).
([24]) انظر: الأخطاء الجلية لمعالجي الرقية الشرعية (ص: 5).
([25]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، رقم (18255).
([26]) الفتاوى الكبرى (2/ 215).
([27]) أخرجه أبو داود (٤٨٤٠)، والنسائي في (السنن الكبرى) (١٠٣٢٨)، وابن ماجه (١٨٩٤) باختلاف يسير، وأحمد (٨٧١٢) بنحوه. قال النووي في المجموع (١/ ٧٣): روي موصولا ومرسلا، ورواية الموصول إسنادها جيد.
([28]) مجموع فتاوى ابن باز (13/ 98).
([29]) انظر: أحكام الرقية الشرعية (ص: 72).
([30]) انظر: مهلًا أيها الرقاة (ص: 79).
([31]) انظر: الأخطاء الجلية لمعالجي الرقية الشرعية (ص: 23).
([32]) انظر: مهلًا أيها الرقاة (ص: ٧٩).
([33]) انظر: أحكام الرقية الشرعية (ص: 72).
([34]) انظر: الأخطاء الجلية لمعالجي الرقية الشرعية (ص: 30).
([35]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الفتوى رقم (18268). وينظر: فتاوى اللجنة الدائمة، الفتوى رقم (١٦٩٥١)، ورقم (٢٠٣٦١).
([36]) أخرجه البخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (۱۷۱۸).
([37]) انظر: أحكام الرقية الشرعية (ص: 72).
([38]) انظر: موقع الشيخ صالح الفوزان على شبكة الإنترنت.
([39]) أخرجه البخاري (6064)، ومسلم (2563).
([40]) انظر: أحكام الرقية الشرعية (ص: 73).
([41]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، رقم (20361).
([42]) لقاء الباب المفتوح (142/ 11).
([43]) أحكام الرقية الشرعية (ص: 74).
([44]) انظر: الأخطاء الجلية لمعالجي الرقية الشرعية (ص: 30).
([45]) انظر: أحكام الرقية الشرعية (ص: 74).
([46]) أخرجه أبو داود (٣٨٨٥)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (١٠٠٥).
([47]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، رقم (16951).
([48]) انظر: أحكام الرقية الشرعية (ص: 78).
([50]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، رقم (18569).
([51]) انظر: أحكام التعامل مع الجن وآداب الرقى الشرعية (ص: 123-124).
- 16 شعبان 1445 هـ - 26 فبراير 2024 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..