الجمعة، 26 يوليو 2024

الكلام على الوقف القبيح

        وهو الوقف على كلام لم يتمَّ معناه؛ لتعلقه بما بعده لفظًا ومعنى، مع عدم الفائدة، أو أفاد معنى غير مقصود، أو

أوهم فساد المعنى، فهذه أنواع ثلاثة؛ وبيانها كالآتي:

النوع الأول: الوقف على العامل دون معموله:

منها: الوقف على المضاف إليه؛ كالوقف على لفظ: "بسم، الحمد، ومَلِك"، فالوقف على مثل هذا قبيح؛ لأنه لم يُعلَم لأي شيء أضيف.

ومنها: الوقف على المبتدأ دون خبره؛ كالوقف على "الحمد لله".


ومنها: الوقف على الموصوف دون صفته؛ كالوقف على لفظ "الصراط".


ومنها: الوقف على الفعل دون فاعله؛ كالوقف على لفظ "إنما يتقبل الله"، فكل هذا وما ماثله لا يجوز الوقف عليه، ولا الابتداء بما بعده؛ لأنه لا يتم معه كلام، ولم يفهم منه معنى، فالوقف عليه قبيح.


وسُمِّي قبيحًا؛ لقبح الوقف عليه؛ لعدم تمام الكلام، وعدم فهم المعنى؛ لما فيه من التعلق اللفظي والمعنوي معًا، مع عدم الفائدة.


ولا يجوز للقارئ تعمد الوقف على شيء من هذا إلا لضرورة، ويسمى حينئذٍ وقفَ الضرورة، وهو مباح للقارئ، وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:

وغير ما تم قبيح ولهُ
يوقف مضطرًّا ويبدا قبلهُ


وأما النوع الثاني، وهو الذي أفاد معنى غير مقصود؛ لتوقف ما بعده عليه، ليتم منه المعنى المراد، فنحو الوقف على ﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ﴾ [النساء: 43]؛ وذلك لأنه يُوهِم النهي عن أداء الصلاة مطلقًا، وإنما المقصود من الآية: لا تقربوا الصلاة حال كونكم سكارى؛ حتى تعلموا ما تقولون، وهذا المعنى لا يتم إلا إذا انضم إليه ما بعده، وعليه؛ فالوقف على ﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ﴾ قبيح، فيوصل بما بعده إلى أن يقف على قوله ﴿ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ [النساء: 43]، وهو كافٍ.


ومنها الوقف على لفظ ﴿ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [الأنعام: 38]؛ لأن ذلك يوهم نفي ما هو مشاهد من مخلوقات الله، وإنما يكون الوقف على ﴿ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأنعام: 38]، وهو كافٍ.


ومنه الوقف على لفظ ﴿ وَالظَّالِمِينَ ﴾ من قوله - تعالى -: ﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الإنسان: 31]، وأمثلة ذلك لا تخفى.


النوع الثالث: وهو ما أوهم فساد المعنى، وفيه سوء أدب مع الله - تبارك وتعالى - وهو أقبح القبيح؛ مثل الوقف على لفظ ﴿ لَا يَسْتَحْيِي ﴾ [البقرة: 26]، وهذا لا يجوز بحال، وإنما يكون الوقف على ﴿ فَمَا فَوْقَهَا ﴾ [البقرة: 26].


وأقبح من هذا وأشنع الوقف على المنفي الذي بعده الإيجاب، وفي هذا الإيجاب وصف لله - تعالى - أو لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وذلك نحو قوله: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ ﴾، و﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ ﴾، ومثل ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ ﴾، فإنه يؤدي إلى نفي رسالته - صلى الله عليه وسلم - ونحو: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ ﴾، فإنه يؤدِّي إلى نفي إرسال جميع الرسل، ولا بد أن ينتهي إلى ما يجوز أن يقف عنده.


فإن لم يفعل ذلك وتعمَّد الوقف، فقد أثم إثمًا كبيرًا، وأخطأ خطأً فاحشًا، وخرق الإجماع، وحاد عن إتقان القراءة وإتمام التجويد، نسأل الله الهداية إلى أقوم الطريق.


الأصل في الوقف القبيح من السنة المطهرة:

والأصل فيه ما ذكره الإمام ابن الجزري في التمهيد بسنده المتصل إلى عدي بن حاتم قال: جاء رجلان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فتشهَّد أحدهما، فقال: "مَن يُطِع الله ورسوله، فقد رشد ومَن يعصهما"، ووقف، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قم - أو اذهب - بئس الخطيب أنت!))[1].


قالوا: وهذا دليل على أنه لا يجوز القطع القبيح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامه لما وقف على المستبشع؛ لأنه جمع بين حالِ مَن أطاع الله ورسوله ومَن عصى، وإنما كان ينبغي له أن يقف على قوله: "فقد رشد".


قال صاحب كتاب لآلئ البيان:

الوقف تام حيث لا تعلُّقا
فيه وكافٍ حيث معنى عُلِّقا
قِفْ وابتدِئْ وحيث لفظًا فحسنْ
فقِفْ ولا تبدأْ وفي الآي يُسَنّْ
وحيثُ لم يتمَّ فالقبيح قِفْ
ضرورةً وابدأْ بما قبلُ عُرِفْ
ولم يجِبْ وَقفٌ ولم يحرُمْ عدا
ما يقتضي من سببٍ إن قُصِدا
والقطعُ كالوقفِ وفي الآيات جا
واسكُتْ على مرقدِنا وعِوَجَا
بالكهفِ مع "بل ران" "من راق" وَمرّْ
خلفٌ "بمَالِيَه" ففي الخمس انحصَرْ
الشيخ محمد عبدالمنعم المسلمي

[1] رواه أبو داود في سننه ج1، ص252.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..