الجمعة، 26 يوليو 2024

معرفة الوقف والابتداء

 من مهمَّات المسائل في علم التجويد معرفةُ كلٍّ من الوقف والابتداء؛ فإنهما من مباحثه بمكان مكين، بعد معرفة

مسائل المخارج والصفات.

وينبغي لكل مَعْنِيٍّ بتلاوة القرآن الكريم، مجتهدٍ في إيفائها حقَّها ومستحقَّها، أن يُقبِل عليها، ويصرف همته إليها؛ إذ لا يتحقق فهم كلام الله - تعالى - ولا يتم إدراك معناه إلا بذلك، فربما يقفُ القارئ قبل تمامِ المعنى، ولا يصلُ ما وقف عليه بما بعده حتى ينتهي إلى ما يصح أن يقف عنده، وعندئذٍ لا يفهَمُ هو ما يقول ولا يفهمه السامع، بل ربما يُفهَم من هذا الوقف معنًى آخر غير المعنى المراد، وهذا فساد عظيم، وخطر جسيم، لا تصح به القراءة، ولا توصف به التلاوة، وقد أوجب المتقدِّمون من الرَّعيل الأول على القارئ معرفةَ الوقف والابتداء؛ لما جاء في ذلك من الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم أجمعين - فقد ثبت أن الإمام عليًّا - رضي الله عنه - لما سئل عن قوله - تعالى -: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4][1]، فقال: الترتيل معناه: تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف.


وذكر الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه القطع والائتناق، بإسناده إلى ابن عمر - رضي الله عنهما - قال (أي ابن عمر): لقد عشنا برهة من دهرنا، وإن أحدنا ليُؤتَى الإيمان قبل القرآن، وتنزِلُ السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فنتعلَّمُ حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلَّمون أنتم اليوم القرآن، ولقد رأيت اليوم رجالاً يُؤتَى أحدُهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحتِه إلى خاتمته ما يدري ما أمره ولا زاجره[2]، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده (وكل حرف منه ينادي: أنا رسول الله إليك لتعمل بي وتتعظ بمواعظي)، قال النحاس: فهذا يدل على أنهم كانوا يتعلمون الوقوف كما يتعلمون القرآن.


تعريف الوقف:

الوقف لغة: الكف والحبس.


واصطلاحًا: قطع الصوت عن آخر الكلمة زمنًا يتنفَّس فيه عادةً بنيَّة استئناف القراءة، إما بما يلي الحرف الموقوف عليه أو بما قبله، لا بنيَّة الإعراض عنها، وينبغي معه البسملة في فواتح السور، ويجوز على رؤوس الآي وأوسطها، ولا بد معه من التنفُّس، ولا يكون في وسط الكلمة ولا فيما اتصل رسمًا مثل "أينما يوجِّهْهُ"، فلا يوقف على أين في قوله - تعالى -: ﴿ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ ﴾ [النحل: 76]؛ لاتصالها رسمًا.


ثم اعلم أن الوقف ثلاثة أقسام: اضطراري، واختباري، واختياري.


فأما الوقف الاضطراري، فهو الذي يعرِضُ للقارئ بسبب ضرورة ألجأتْه إلى الوقف؛ كعجز أو نسيان أو عطاس، فله أن يقف على أي كلمة شاء وإن لم يتم المعنى، وبعد ذهاب هذه الضرورة التي ألجأته إلى الوقف على هذه الكلمة، يبتدئ منها ويصلها إن صلح البَدْء بها، وإلا فيبدأ بما قبلها بما يصلح البَدْء به، وسمي اضطراريًّا للأسباب المذكورة.


أما الوقف الاختباري بالباء، فهو الذي يُطلَب من القارئِ بقصدِ الامتحان، ومتعلق هذا الوقف بالرسم العثماني لبيان المقطوع والموصول، والثابت والمحذوف من حروف المد الثلاثة، والمربوط من التاءات الآتي بيانها، أو الإجابة عن سؤال طلب به بيان شيء من ذلك؛ ولهذا سمي اختباريًّا؛ لحصوله في بعض أحواله إجابةً على اختبار.


وحكمه:

الجواز، بشرط أن يبتدئ الوقف بما وقف عليه ويصله بما بعده إن كان يصلح الابتداء به، وإلا فيبتدئ بما قبله مما يصلح ابتداؤه به كالوقف الاضطراري.


الثالث الوقف الاختياري:

فهو الذي يقصده القارئ باختيارِه من غير عروضِ سببٍ من الأسباب المتقدِّمة، وقد يبتدئ بالكلمة الموقوف عليها وقد لا يبدأ بأن توصل بما قبلها، وهذا النوع من الوقف هو المقصود بالذكر هنا.


وينقسم إلى أربعة أقسام: تامٍّ، وكافٍ، وحسن، وقبيح.


فإن أفادت الكلمة الموقوف عليها معنى تامًّا يحسن الوقف عليه، كان الوقف تامًّا أو كافيًا أو حسنًا، وإن لم تُفِدْ معنى يحسُنُ الوقف عليه، كان الوقف قبيحًا، ويجب على الواقف حينئذٍ البَدْء على الفورِ بما قبلها ووصلها بما بعدَها إلى أن يصل إلى كلام تامٍّ يحسن الوقف عليه.


وقد أشار الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية إلى أقسام الوقف الاختياري مع تأكيده معرفة الوقف والابتداء بقوله - رحمه الله -:

وبعدَ تجويدِك للحروفِ
لا بد من معرفةِ الوقوفِ
والابتداءِ وهي تُقسَمُ إذنْ
ثلاثةً: تامٌ وكافٍ وحَسَنْ
وهي لِمَا تَمَّ فإن لم يوجدِ
تعلُّقٌ أو كان معنى فابتدي
فالتامُ فالكافي ولفظًا فامنعَنْ
إلا رؤوسَ الآيِ جوِّزْ فالحَسَنْ
وغيرُ ما تَمَّ قبيحٌ ولهُ
يُوقَفُ مضطرًّا ويُبدَا قبلَهُ

 

وفيما يلي تفصيل الكلام على كلٍّ من الوقف التام، والكافي، والحسن، والقبيح، مع الأمثلة، والأصل فيها من السنة المطهَّرة، فنقول وبالله التوفيق:

الكلام على الوقف التام: هو الوقفُ على كلام تَمَّ معناه لفظًا ومعنى.


وحكمه: يلزم الوقف عليه والابتداء بما بعده.


وأكثر ما يكون هذا الوقف على رؤوس الآي، ويوجدُ غالبًا في أواخرِ السور، وعند انقضاء القصص؛ نحو الوقف على: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ والابتداء بقوله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، وعلى ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ والابتداء بقوله: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾.


وعلى ﴿ الْمُفْلِحُونَ ﴾ والابتداء بقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾.


وقد يكون في وسط الآية نحو قوله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ [الفرقان: 29]، وهو تمام حكاية قول الظالم، وهو أبي بن خلف، ثم قال - تعالى -: ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 29].


وأواخر القصص كالوقفِ على ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ في مواضعِها الثمانية بالشعراء، لانتهاء الكلام عندها عن قصة والبَدء في قصة أخرى.


وعند انقطاع الكلام على موضع معيَّن للانتقال إلى غيره؛ كالوقف على ﴿ تَعْلَمُونَ ﴾ من قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾، وقد يكون عند انقضاءِ الفاصلة نحو قوله سبحانه: ﴿ وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ [النمل: 34]، هذا انقضاء كلام بلقيس، ثم قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾.


وسمي تامًّا؛ لتمام لفظه وانقطاع ما بعده عنه لفظًا ومعنى.


الأصل في الوقف التام من السنة المطهرة ما ذكره الحافظ ابن الجزري في كتاب "التمهيد في علم التجويد" بسنده المتصل إلى عبدالرحمن بن أبي بكرة قال: "إن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، كلٌّ شافٍ كافٍ ما لم تُختَم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب"[3].


وفي رواية أخرى: "ما لم تُختَم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب بمغفرة".


قال أبو عمرو: هذا تعليم الوقف التام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل - عليه السلام.

 

الوقف الكافي:

هو الوقف على كلام تمَّ معناه، وتعلَّق بما بعده معنى لا لفظًا.


ويحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده، ويوجد في رؤوس الآي وفي أثنائها؛ كالوقف على نحو قوله تعالى: (﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ - ﴿ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ - ﴿ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 6] - ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30])، فكل هذا الكلام تام مفهوم، وما بعده مستغنٍ عما قبله في اللفظ وإن اتصل في المعنى.


وحكمه: أنه يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده؛ لعدم تعلقه به من جهة اللفظ، وإن كان متعلقًا به من جهة المعنى.


وسمي كافيًا؛ للاكتفاء به عما بعده؛ لعدم تعلقه به من جهة اللفظ... إلخ.


الأصل في الوقف الكافي من السنة المطهَّرة ما ذكره الإمام ابن الجزري في كتابه "التمهيد في علم التجويد"، بسنده المتصل إلى أبي عمرو الداني، وبسنده إلى عبدالله ابن مسعود - رضي الله عنه - قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقرأ عليَّ))، فقلت له: أقرأ عليك وعليك أُنزِل؟! قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري))، قال: فافتتحتُ سورة النساء فلما بلغت: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، قال: فرأيت عينيه تذرفان دموعًا، فقال لي: ((حسبك))[4]؛ اهـ.


قال أبو عمرو الداني:

فهذا دليل جواز القطع على الوقف الكافي؛ لأن ﴿ شَهِيدًا ﴾ ليس من التام، وهو متعلق بما بعده معنى؛ لأن المعنى: فكيف يكون حالهم إذا كان هذا؟ ﴿ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، فما بعده متعلق بما قبله، والتمام قوله: ﴿ حَدِيثًا ﴾؛ لأنه انقضاء القصة، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقطع عليه دونه، مع تقارب ما بينهما، فدل ذلك دلالة واضحة على جواز القطع على الوقف الكافي[5]؛ اهـ، والله أعلم.

 

الكلام على الوقف الحسن:

اعلم أن الوقف الحسن هو الذي يحسن الوقف عليه، وفي الابتداء بما بعده خلاف؛ لتعلقه به من جهة اللفظ؛ إذ كثيرًا ما تكون آيةٌ تامةٌ وهي متعلقة بما بعدها؛ ككونها مستثنى والأخرى مستثنى منها؛ لأن ما بعده وما قبله كلام واحد من جهة المعنى كما تقدم، أو نعتًا لما قبله أو بدلاً أو حالاً أو توكيدًا كما سيأتي بيانه.


وسمي حسنًا؛ لأنه يُفهِم معنى يحسن الوقف عليه، ويكون رأس آية وغير رأس آية، فإن كان غير رأس آية، حسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده، فيستحب لمن وقف عليه أن يبتدئ من الكلمة الموقوف عليها، فإن لم يفعل، فلا إثم عليه[6].


وقال بجواز الابتداء بما بعده الشيخ ابن قاسم البقري في رسالته "غنية الطالبين"، وقال خالد الأزهري في شرحه على الجزرية: والمختار أن الوقف التام والكافي والحسن جائز، وكذا حكم الابتداء؛ اهـ.


وأما إن كان رأس آية نحو قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 2، 3]، فوقفه حسن أيضًا، ويحسن الابتداء بما بعده؛ لكون الوقف عليه من رؤوس الآي، والوقف على رؤوس الآي سنة؛ لما ذكره ابن الجزري بروايته عن أبيه بسنده المتصل إلى أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ قطع آية آية يقول: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾، ثم يقف، ثم يقول: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾، ثم يقف، ثم يقول: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، ثم يقف"، ثم قال: ولهذا الحديث طرق كثيرة، وهو أصل في هذا الباب، فظاهر هذا الحديث أن رؤوس الآي يستحب الوقف عليها، سواء وجد تعلق لفظي بما بعده أم لا، وهو الذي اختاره أهل الأداء.


إذا عرَفت هذا، فاعلم أن العلماء - رحمهم الله - اختلفوا في الوقف على رؤوس بعض الآي على ثلاثة مذاهب:

الأول: فمنهم مَن اختار الوقف عليها والابتداء بما بعدها؛ لحديث أم سلمة المتقدم، ولم ينظروا إلى عدم تمام الكلام؛ كالوقف على قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219] رأس الآية، والابتداء بقوله: ﴿ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [البقرة: 220]، أو على قوله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ﴾ [العلق: 9] رأس الآية، والابتداء بقوله تعالى: ﴿ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾ [العلق: 10]، ولا إلى إيهام الوقف والابتداء معنى فاسدًا لا يليق؛ كالوقف على قوله: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ [الماعون: 4]، والابتداء ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 5]، ولا على قوله: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ﴾ [الصافات: 151]، والابتداء بقوله: ﴿ وَلَدَ اللَّهُ ﴾، فهذا وما شابهه لا يخفى، فتأمل.


الثاني: ومنهم من أجاز الوقف عليها، ولم يجوز الابتداء؛ لما تقدم.


الثالث: ومنهم من أجاز الوقف على رأس كل آية.


فهذه ثلاثة مذاهب تتعلق بالوقف الحسن، فاختر لنفسك منها ما يحلو، والله أعلم.


والآن نشرع بحول الله في بيان الوقف المنسوب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن مما أكثره ليس برأس آية، ونص عليه غير واحد ممن يُعتَدُّ بنقلهم من محققي علماء القراءات، فقد قيل: إن من بركة العلم نسبةَ القول إلى قائله.


أولاً: نقل صاحب "منار الهدى، في بيان الوقف والابتدا" عن العلامة السخاوي أن هذه الوقوف عشرة، وسمى بعضها بوقف جبريل - عليه السلام - وإليك نص عبارته:

قال السخاوي: ينبغي للقارئ أن يتعلَّم وقف جبريل، فإنه كان يقف في سورة آل عمران عند قوله: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾ ثم يبتدئ ﴿ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يتبعه.


وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقف في سورة البقرة والمائدة عند قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾، وكان يقف على قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ﴾ [المائدة: 116]، وكان يقف على قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 108] ثم يبتدئ ﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾.


وكان يقف ﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾، ثم يبتدئ ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى ﴾ [الرعد: 18].


وكان يقف على قوله: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ﴾، ثم يبتدئ ﴿ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ ﴾.


وكان يقف على قوله: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا ﴾ [السجدة: 18]، ثم يبتدئ ﴿ لَا يَسْتَوُونَ ﴾.


وكان يقف: ﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ ﴾، ثم يبتدئ ﴿ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾.


وكان يقف على قوله: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾، ثم يبتدئ ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ ﴾.


فكان - صلى الله عليه وسلم - يتعمَّد الوقف على تلك الوقوف، وغالبًا ليس رأس آية، وما ذلك إلا لعلم لدني عَلِمَه مَن علمه، وجهله من جهله؛ فاتباعه سنة في أقواله وأفعاله[7]، وزاد صاحب انشراح الصدور سبعة على هذه العشرة، وهي:

1- ﴿ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ﴾ [المائدة: 116].

2- ﴿ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ﴾ [يونس: 2].

3- ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ﴾ يونس ويس.

4- ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ﴾ [المائدة: 32].

5- ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾ [لقمان: 13].

6- ﴿ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ [غافر: 6].

7- ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ﴾ [النصر: 3]؛ اهـ[8].


الأصل في الوقف الحسن من السنة الحديثُ المتقدِّم المروي عن أم سلمة - رضي الله عنها - فقد ذكره ابن الجزري في كتابه التمهيد بسنده المتصل إليها، ثم قال بعد ما أورده: "وهذا دليل على جواز الوقف على الحسن في الفواصل؛ لأن هذا متعلق بما قبله وما بعده، إلا في رؤوس الآي، فإن ذلك سنة".

الشيخ محمد عبدالمنعم المسلمي

[1] انظر: النشر ج1 ص209.

[2] وينثره نثر الدَّقَل، قال في القاموس: الدَّقَل: أردأ التمر.

[3] أورد هذا الحديث العلامة السيوطي في الجامع الصغير ص217 ج1، الحديث صحيح، راجع: صحيح الجامع، والصحيحة رقم 843 ص522.

[4] أخرجه الترمذي، والحاكم في مستدركه، وهو حديث صحيح.

[5] أخرجه البخاري في صحيحه، الجزء السادس ص241، باب قول المقرئ للقارئ: حسبك، والتمهيد في علم التجويد؛ لابن الجزري ص60، 61.

[6] انظر "نهاية القول المفيد" ص160.

[7] انظر: "منار الهدى، في بيان الوقف والابتدا"؛ للعلامة الأشموني ص8.

[8] انظر: "هداية القارئ" ص376، 377.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..