وهنا لا بد من توضيح أمر مهم: وهو أن تلازم الظاهر بالباطن لا يلزم منه جعل ضابط العبادة هو الربوبية؛ لأننا وضحنا في البحث السابق أن الكفر لا يتوقف على اعتقاد ذلك، بل يُمكن أن يسجد الرجل لصنم وهو يعتقد كمال ربوبية الله، وسجوده للصنم لما كان على وجه العبث تضمَّن القدح في الإيمان من جهة الاستهزاء بشعائر الله، وهو مما يوجب الكفر أيضًا، وسيأتي هذا من كلام القاضي عياض وغيره.
مركز سلف للبحوث والدراسات
وسوف نذكر جواب إشكال المخالف من خلال المطالب الأربعة الآتية:
المطلب الأول: بيان أن اعتراض المخالف هو على فقهاء الإسلام:
قد احتج هذا المعترض على صعوبة تحديد ضابط العبادة عند السلفيين بقول المعلمي في كتابه (رفع الاشتباه): “ولو قال قائل: إنَّ أكثر الفقهاء بعد القرون الأولى لم يكونوا يعرفون معنى العبادة على وجه التحديد لما وجدنا حجةً ظاهرةً ترد قوله”([1]).
ثم قال المعترض بكل ثقة: “والحقيقة أن المسلمين كلهم لا يعرفون معنى عبادة غير الله المجردة عن اعتقاد الربوبية؛ لأنها لا وجود لها عندهم”([2]). ثم زعم عدم وجود ضابط للسجود عند السلفيين؛ فتارة يكون كفرًا، وتارةً يكون للتحية([3]).
وكلام المعارض لا ينبني على أصولٍ علميةٍ سليمة، بل هو مجرد استشكال وشبهة عنَّت له، وظنَّ أن هذه إشكالية تخص السلفيين وحدهم.
واستدلاله بكلام المعلمي لا حجة له فيه؛ لأن الفقهاء والأصوليين استشكلوا هذا الأمر كما ذكر المعلمي تمامًا.
قال ابن حجر الهيتمي: “واستشكل العز بن عبد السلام الفرق بين السجود للصنم وبين ما لو سجد الولد لوالده على جهة التعظيم… قال القرافي في قواعده: كان الشيخ -يعني: العز- يستشكل هذا المقام ويُعظِّم الإشكال فيه، ونقل هذا الإشكال الزركشي وغيره، ولم يجيبوا عنه، ويُمكن أن يُجاب عنه بأن الوالد وردت الشريعة بتعظيمه، بل ورد شرع غيرنا بالسجود للوالد كما في قوله تعالى: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100]. بناءً على أن المراد بالسجود ظاهره، وهو وضع الجبهة على الأرض كما مشى عليه جمع، وأجابوا عنه: أنه كان شرع من قبلنا. ومشى آخرون على أن المراد به الانحناء، وعلى كلٍّ فهذا الجنس قد ثبت للوالد ولو في زمن من الأزمان أو شريعة من الشرائع، فكان شُبهة دارئة للكفر عن فاعله، بخلاف السجود لنحو الصنم والشمس فإنه لم يرد هو ولا ما شابهه في التعظيم في شريعة من الشرائع، فلم يكن لفاعل ذلك شبهة لا ضعيفة ولا قوية، فكان كافرًا، ولا نظر لقصده”([4]).
والكلام السابق يدل على أمور:
1- لو كان الضابط هو اعتقاد الربوبية لكان الموضوع يسيرًا بالنسبة للفقهاء، ولأجابوا بأن الفرق بين الصورتين هو اعتقاد الربوبية، وينتهي الأمر.
لكن من المباحثات السابقة يتبيَّن أنَّ التكفير عند الفقهاء هو بمجرد الفعل؛ إذ لو كان الضابط عندهم هو اعتقاد الربوبية لارتفع الإشكال الذي استشكلوه، ولما كان هناك معنى لهذه البحوث وتسويد الصفحات سعيًا للبحث عن علة التكفير.
2- أنَّ سؤال المخالفين عن ضابط العبادة هو في الحقيقة ليس اعتراضًا على السلفيين فحسب، بل هو اعتراض على علماء الإسلام السابقين كما رأيت؛ فهي مجرد شبهات عنَّت لهؤلاء؛ فأشاروا بأصابع الاتهام إلى السلفية ظنًّا منهم أن الموضوع خاص بالسلفيين. ولكن في الحقيقة أن اعتقاد الفقهاء هو نفسه اعتقاد السلفيين المعاصرين وإن اختلف الفقهاء في آحاد الصور.
ومن هنا تعلم خطأ هذا الشيخ المعارض في أحد رسائله لما نسب إلى الأشاعرة القول بأن ضابط العبادة هو اعتقاد الربوبية([5])، وهذا الكلام منه غير صحيح، بل هذا القول هو الذي انتشر وذاع في الأشاعرة في العصور المتأخرة جدًّا ممن جاؤوا بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحاولوا الرد عليها، وليس هو بقول الأشاعرة.
نعم، حصر الأشاعرة معنى التوحيد في الربوبية والقدرة على الاختراع، إلا أنهم قرروا أن صرف مظاهر العبادة لغير الله -ولو من غير اعتقاد الربوبية- من الكفر المخرج من الملة، فلا تلازم بين الأمرين؛ فخطأ التأصيل الكلامي لا يلزم منه التزام لوازمه.
وسيأتي أن الفقهاء قد أهدروا اعتقاد الربوبية أو نية العبادة في أي فعلٍ يختصّ بصور العبادة.
المطلب الثاني: بيان بطلان اشتراط اعتقاد الربوبية في حقيقة العبادة:
وذلك من وجوه:
الوجه الأول: نفي كثير من طوائف المشركين عن آلهتهم التأثير:
ذكر الله عن قوم إبراهيم أنهم أقروا بأن آلهتهم لا تضرهم ولا تنفعهم، فنفوا عنهم التأثير مطلقًا، فضلًا عن الاستقلال بالتأثير أو اعتقاد الربوبية.
1- قال ابن جرير الطبري: “يقول -تعالى ذكره-: قال إبراهيم لهم: هل يسمع دعاءَكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم؟!… فكان جوابهم إياه: لا، ما يسمعوننا إذا دعوناهم، ولا ينفعوننا، ولا يضرّون. يدل على أنهم بذلك أجابوه قولهم: ﴿بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [الشعراء: 74]، وذلك رجوعٌ عن مجحود، كقول القائل: ما كان كذا بل كذا وكذا، ومعنى قولهم: ﴿وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾: وجدنا من قبلنا من آبائنا يعبدونها ويعكفون عليها لخدمتها وعبادتها، فنحن نفعل ذلك اقتداء بهم، واتباعًا لمنهاجهم”([6]).
فذكر ابن جرير أن قوم إبراهيم اعترفوا أن أصنامهم لا تسمعهم، ولا تضر ولا تنفع، ومع ذلك كانوا في حكم الشرعِ كفّارًا بصرف الدعاء لهم.
2- وقال الفخر الرازي: “واعلم أنّ الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالًا فقالوا: نحن لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها آلهة تضر وتنفع، وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله من المقربين، فنحن نعبدها لأجل أن يصير أولئك الأكابر شفعاء لنا عند الله. فأجاب الله تعالى بأن قال: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾ [الزمر: 43]. وتقرير الجواب أنّ هؤلاء الكفار إما أن يطمعوا بتلك الشفاعة من هذه الأصنام، أو من أولئك العلماء والزهاد الذين جُعلت هذه الأصنام تماثيل لها، والأول باطل؛ لأن هذه الجمادات وهي الأصنام لا تملك شيئًا ولا تعقل شيئًا، فكيف يعقل صدور الشفاعة عنها؟! والثاني باطل؛ لأن في يوم القيامة لا يملك أحد شيئًا ولا يقدر أحد على الشفاعة إلا بإذن الله، فيكون الشفيع في الحقيقة هو الله الذي يأذن في تلك الشفاعة، فكان الاشتغال بعبادته أولى من الاشتغال بعبادة غيره، وهذا هو المراد من قوله تعالى: ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 44]”([7]).
وكلام الفخر الرازي يُبطل قول من قال: هناك فرق بين الأصنام والأولياء؛ لأن الرازي ذكر العلماء والزهاد أيضًا وأبطل شفاعتهم، والتفرقة بين الأصنام والأولياء لا دليل عليها أصوليًّا؛ لأن العلة في التكفير لا تتغير، وإنما ذكر الفقهاء السجود للصنم؛ لأن الصنم قرينة تدل على أن السجود المقصود هو الشعيرة الدينية المعروفة، فإذا وُجدت هذه العلة في أمور مُشابهة أُلحقت بها في الحكم.
فماذا فعل المعاصرون؟ ظنوا أنَّ ذكر الفقهاء للصنم مقصودٌ لذاته، وهذا مما لا نُسلم به، وسيأتي أن بعض الفقهاء ألحقوا هذه العلة بأي مخلوق آخر.
الوجه الثاني: الإجماع على أن العبادة لا يُشترط فيها اعتقاد الربوبية:
إذ يكفي أن يأتي الإنسان بفعلٍ من مظاهر العبادة أو الشعائر، ولو من دون اعتقاد الإلهية.
1- قال ابن حجر الهيتمي: “وفي المواقف وشرحها: من صدَّق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك سجد للشمس كان غير مؤمن بالإجماع؛ لأن سجوده لها يدل بظاهره على أنه ليس بمصدِّق، ونحن نحكم بالظاهر؛ ولذلك حكمنا بعدم إيمانه؛ لأن عدم السجود لغير الله تعالى داخلٌ في حقيقة الإيمان، حتى لو عُلم أنه لم يسجد لها على سبيل التعظم واعتقاد الإلهية، بل سجد لها وقلبه مطمئنٌّ بالتصديق لم يُحكم بكفره فيما بينه وبين الله تعالى، وإن أُجري عليه حكم الكافر في الظاهر“([8]).
فنقل الهيتمي عن صاحب المواقف الإجماع على كفر الفاعل دون اعتقاد التعظيم والإلهية -والربوبية بطريق الأولى-، وأقرَّ الهيتمي هذا الإجماع، فتأمل.
فعلى المستشكِل أن يسأل الهيتمي سؤاله السفسطائي المُعتاد: ما ضابط التعظيم الذي كفَّره من أجله؟
2- ينقل الإجماع الفخر الرازي قائلًا: “واعلم أنه من المستحيل أن يقول عاقل لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة وخالقًا ومُدبرًا؛ لأن الذي يحصُل بجعل موسى وتقديره لا يُمكن أن يكون خالقًا ومدبرًا، ومن شك في ذلك لم يكن كامل العقل، والأقرب أنهم طلبوا من موسى عليه السلام أن يُعيِّن لهم أصنامًا وتماثيل يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى، وهذا القول هو الذي حكاه الله تعالى عن عبدة الأوثان حيث قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ﴾ [الزمر: 3]. إذا عرفت هذا فلقائل أن يقول: لِم كان هذا القول كفرًا؟ فنقول: أجمع كل الأنبياء عليهم السلام على أن عبادة غير الله كفر، سواء اعتقد في ذلك الغير كونه إلهًا للعالم، أو اعتقدوا فيه أن عبادته تقربهم إلى الله تعالى؛ لأن العبادة نهاية التعظيم، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام والإكرام”([9]).
ويُلاحظ أن الرازي لم يجعل اعتقاد الألوهية أو الربوبية شرطًا في مفهوم العبادة بخلاف قول القبورية أنها مناط العبادة، بل العبادة عند الرازي تُعرف بالأفعال والأقوال التي لا تجوز إلا لله. ولذلك قال: (لأن العبادة نهاية التعظيم، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه نهاية الإنعام والإكرام).
وقال الفخر الرازي أيضًا عن المشركين: “إنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل، فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى. ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقاد أنهم إذا عظّموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله“([10]).
3- قال أبو البقاء الكفوي الحنفي ناقلًا الإجماع: “والشرك أنواع: شرك الاستقلال، وهو إثبات شريكين مستقلين، كشرك المجوس.
وشرك التبعيض: وهو تركيب الإله من آلهة، كشرك النصارى.
وشرك التقريب: وهو عبادة غير الله؛ ليقرب إلى الله زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية.
وشرك التقليد: وهو عبادة غير الله تبعًا للغير، كشرك متأخري الجاهلية.
وشرك الأسباب: وهو إسناد التأثير للأسباب العادية، كشرك الفلاسفة والطبائعيين، ومن تبعهم على ذلك.
وشرك الأغراض: وهو العمل لغير الله.
فحكم الأربعة الأول الكفر بإجماع، وحكم السادس المعصية من غير كفر، بإجماع، وحكم الخامس التفصيل”([11]).
ويُلاحظ هنا أنه فرَّق بين شرك الاستقلال وبين شرك التقريب والتقليد، ولم يجعل فيهما شرط الاستقلال أو اعتقاد الربوبية.
وكان الأجدر بالمخالفين -لو احترموا قوانين العلم- أن يقولوا: نحن نُسلِّم أن العبادة لا يشترط فيها الربوبية، ولكن لا نُسلِّم أن الاستغاثة بالمخلوق عبادة في كل صورها، ففي هذه الحالة نعم يُمكن أن يكون حوار ومباحثة؛ لأن المخالف يحترم قوانين العلم والعلماء. لكن ماذا فعل المخالفون؟ ضربوا بكل ما قاله الفقهاء عُرض الحائط، وزعموا أن ضابط العبادة هو اعتقاد الربوبية فقط، ثم فوق ذلك خالفوا البدهيات الشرعية مثل زعمهم أن المشركين نفوا كون الله ربًّا، كما زعمه الشيخ يوسف الدجوي([12])، وزعم بعضهم أن مشركي العرب كانوا يعتقدون أن الأصنام تخلق! كما قال محمد علوي المالكي: “فإنهم لو كانوا يعتقدون حقًّا أن الله تعالى الخالق وحده، وأن أصنامهم لا تخلق، لكانت عبادتهم لله وحده دونها”([13]).
وفي الحقيقة هذا الكلام الذي يخالف أهل الإسلام -بما فيهم الأشاعرة- لا ينبغي أن يُلتفت إليه، وقد بينَّا في مقالاتٍ سابقة أن بعض الأشاعرة بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قابلوا ردها بتأصيلات مبتدعة لم يقلها سلفهم من الأشعرية، بل صرحوا بنقيضها.
الوجه الثالث: تقرير الفقهاء أن صرف أفعال العبادة لمخلوق كفر دون نظرٍ إلى اعتقاد الفاعل:
1- قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في بيان صور الردة: “أو إلقاء مصحف بقاذورة أو سجود لمخلوق. انتهى. وعلَّق العلامة الجمل في حاشيته: أي ولو نبيًّا وإن أنكر الاستخفاف أو لم يطابق قلبه جوارحه؛ لأن ظاهر حاله يخالفه… نعم إن دلت قرينة قوية على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف كسجود أسير في دار الحرب بحضرة كافر خشيةً منه، فلا كفر”([14]).
2- وقال ابن حجر الهيتمي: “كإلقاء المصحف.. أو سجود لصنم أو شمس أو مخلوق آخر وسحر فيه نحو عبادة كوكب، لأنه أثبت لله تعالى شريكًا، وزعم الجويني أن الفعل بمجرده لا يكون كفرًا، رده ولده، نعم إن دلت قرينة قوية على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف كأن كان الإلقاء لخشية أخذ كافر أو السجود من أسير في دار الحرب بحضرتهم فلا كفر، وخرج الركوع؛ لأن صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرًا بخلاف السجود، نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الإطلاق، بخلاف ما لو قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله به، فإنه لا شك في الكفر حينئذٍ”([15]).
ومما سبق يتبيَّن ما يلي:
أ- أنهم أهدروا الاعتقاد بقولهم: (أو لم يطابق قلبه جوارحه لأن ظاهر حاله يخالفه)، ولو اشترطوا اعتقاد الربوبية لم يكن لهذا الكلام معنى.
ب- أنهم أطلقوا القول في كل مخلوق، وليس في الأصنام أو الشمس فقط.
ج- فرَّق الهيتمي بين السجود والركوع، لأن الانحناء يقع للتحية في العادة، فلا يدل على الكفر بمجرده، وأما السجود فلا يقع في العادة إلا على السجود الذي هو شعيرة دينية، ولذلك رآه كفرًا مطلقًا دون نظر إلى اعتقاد الفاعل، وإن لم يطابق قلبه جوارحه كما قرر العلامة الجمل. ولو أنهم اشترطوا اعتقاد الربوبية لما كان لهذا الكلام معنى.
ويجدر التنبيه إلى أن الجمهور على خلاف قول الهيتمي، وألحقوا السجود بالركوع لشبهة وجود سجود التحية في الأمم السابقة. ولكن القصد: أنه لو كانت العلة في التكفير هي اعتقاد الربوبية لما كان لهذه التفرقة معنى، ولكانت هذه البحوث عبثًا.
3- قال الكشميري الحنفي الماتريدي: “اتفقوا في بعض الأفعال على أنها كفر، مع أنه يمكن فيها ألا ينسلخ من التصديق؛ لأنها أفعال الجوارح لا القلب، وذلك كالهزل بلفظ كفر، وإن لم يعتقده، وكالسجود لصنم، وكقتل نبي، والاستخفاف به، وبالمصحف، والكعبة، واختلفوا في وجه الكفر بها بعد الاتفاق على التكفير“([16]).
فتأمل قول الكشميري: (ألا ينسلخ من التصديق.. وكالسجود لصنم). وهذا صريح في أنَّ العلة هي مجرد الفعل، لا بانسلاخ التصديق، فضلًا عن اعتقاد الربوبية.
4- قال القاضي عياض: “كل مقالة صرحت بنفي الربوبية، أو الوحدانية، أو عبادة غير الله، أو مع الله، فهي كفر، كمقالة الدهرية والنصارى والمجوس، والذين أشركوا بعبادة الأوثان، أو الملائكة، أو الشياطين، أو الشمس، أو النجوم، أو النار، أو أحد غير الله، من مشركي العرب وأهل الهند والصين.. وكذلك القرامطة وأصحاب الحلول”([17]).
وفي كلام القاضي عياض ردٌّ على المخالفين من وجوه:
أ- أنه جعل عبادة غير الله قِسمًا مستقلًّا عن مقالة نفي الربوبية، إذ لو اشترط الربوبية في عبادة غير الله لما جعل العبادة قسمًا آخر؛ لأنها تتضمن نفي الربوبية -بحسب زعم المخالفين-.
ب- أنه لم يحصر الأمثلة في الأوثان والشمس والقمر فقط، بل أطلق القول: (أو أحدٌ غير الله)، وفيه رد على من زعم أن التمثيل بالأصنام في كلام الفقهاء هو مرادٌ لذاته، ولا يُقاس عليها الأولياء أو البشر!
ج- أنه لم يحصر التكفير في مشركي العرب وأهل الهند وغيرهم، وإنما مثَّل أيضًا ببعض المنتسبين إلى الإسلام كالقرامطة الإسماعيلية، وأصحاب الحلول من الصوفية، ومعلوم أنهم يأتون بشعائر الإسلام ويشهدون الشهادتين، ولا يعتقدون الربوبية في أحدٍ غير الله، ولكن يظهر منهم الغلو في بعض البشر؛ كغلو الإسماعيلية في الحاكم بأمر الله أو في أهل البيت.
5- يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: “فإن قيل: السجود بين يدي الصنم كفر، وهو فعلٌ مجرد لا يدخل تحت هذه الروابط، فهل هو أصلٌ آخر؟ قلنا: لا، فإن الكفر في اعتقاده تعظيم الصنم، وذلك تكذيبٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن، ولكن يُعرف اعتقاده تارة بتصريح لفظه، وتارة بالإشارة إن كان أخرس، وتارة بفعلٍ يدل عليه دلالة قاطعة كالسجود”([18]).
فالغزالي ذكر كفره من وجهٍ آخر غير اعتقاد الربوبية، وهو أن الرجل عظَّم الصنم وكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا تعليل أوسع من اعتقاد الربوبية.
مع ملاحظة أنَّ ما ذكره الغزالي مجرَّد تعليل للمسألة للخروج من الإشكال، ولا يتوقَّف التكفير عليه؛ بمعنى أن التكذيب صفة لازمة للساجد حتى وإن ادعى غير ذلك.
وبعيدًا عن تعليلات الفقهاء المتعدّدة، فإنهم جميعًا اتفقوا على أن الفعل كفرٌ، واختلفوا في التخريج. كما قال الكشميري: (واختلفوا في وجه الكفر بها بعد الاتفاق على التكفير)([19]).
6- يقول الشيخ ملا علي القاري -تعليقًا على قول القاضي عياض: “وكذا نكفر بكل فعل أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر، وإن كان صاحبه مصرحًا بالإسلام، مع فعله ذلك الفعل الذي لا يصدر إلا من كافر كالسجود للصنم والشمس والقمر والصليب الذي للنصارى، والنار”-: “بخلاف السجود للسلطان ونحوه، وبدون قصد العبادة، بل بإرادة التعظيم في التحية، فإنه حرام لا كفر، وقيل: كفر”([20]).
واختلاف العلماء في السجود هل هو كفر بمجرده أم بقصد العبادة ليس هو اختلافًا في أنَّ ضابط الكفر هو قصد العبادة -كما فهم بعض المعاصرين- وإنما لأن السجود للبشر وردت فيه أدلة مخصوصة تدل على أنه يحمل معنى التحية، وهذه الأدلة أقامت شبهةً تمنع التكفير.
ولذلك أجاب من رأى التكفير مطلقًا بجوابين، أولهما: أن السجود في الأمم السابقة كان هو الانحناء وليس السجود المعروف، والجواب الثاني: أن هذا فعل الأمم السابقة فكان بحسب العادة والمشاهدة في وقتهم ليس كفرًا، وأما في الإسلام وبعد التحريم فقد تغيَّرت العادة، فلا يحصل السجود إلا بالخضوع المعروف الذي هو شعيرة من شعائر الإسلام، أما الركوع -الانحناء- فقد يحصل بحسب العادة والمشاهدة في التحية، فلا يكون كفرًا بمجرده.
ولذلك يقول ابن حجر الهيتمي بعد أن اختار التكفير بالسجود مطلقًا: “وخرج الركوع؛ لأن صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرًا بخلاف السجود، نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الإطلاق، بخلاف ما لو قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله به، فإنه لا شك في الكفر حينئذٍ”([21]).
فالهيتمي -في هذا الموضع- فرق بين السجود والركوع؛ لأن الانحناء يقع في العادة للتحية فلا يدل على الكفر بمجرده، وأما السجود فلا يقع في العادة إلا على السجود الذي هو شعيرة دينية، ولذلك رآه كفرًا مطلقًا سواء ادّعى الساجد التحية أو العبادة. (وإن كان الجمهور ألحقوا السجود بالركوع في كونه ليس كفرًا لشبهة وجوده للتحية في شرع من قبلنا).
الوجه الرابع: الإتيان بفعلٍ من الشعائر لمخلوق هو استخفاف بمقام الله عز وجل:
وهذا الوجه قد غفل عنه بعض الفقهاء في القرون المتأخِّرة ممن عارضوا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إذ حصروا الكفر في اعتقاد الربوبية في المخلوق، وغفلوا عن أن العابد للمخلوق -حتى وإن لم يعتقد فيه الربوبية- قد أسبغ كلمات عليه لا تليق إلا بمقام الربوبية، وهو موجبٌ للكفر من جهة الاستخفاف بمقام الله عز وجل.
وفي ذلك يقول القاضي عياض: “إنَّ من نزع من الكلام لمخلوق بما لا يليق إلا في حق خالقه غير قاصد للكفر والاستخفاف، ولا عامد للإلحاد، فإن تكرر هذا منه وعُرف به دلَّ على تلاعبه بدينه، واستخفافه بحرمة ربه، وجهله بعظيم عزته وكبريائه، وهذا كفر لا مرية فيه”([22]).
ويقصد القاضي عياض مَن قال لمخلوق كلامًا لا يُقال إلا في حق الله، كمن يقول لملك من الملوك: (يا ذا المن والإنعام، ويا ذا الجلال والإكرام)، أو من يقول: (اهدني فيمن هديت وبارك لي فيما أعطيت)، أو: (اشفني وعافني)، أو: (أنزل المطر)، ونحو ذلك مما لا يجوز نزعه إلا لله.
واستثنى القاضي عياض من قالها على سبيل زلة اللسان من غير قصد، فإن تكرر منه دلَّ على أنه يعرف المعنى، فيكون كافرًا. والقاضي عياض قصد به أيّ مخلوق ولو كان حيًّا، فكيف بمن يقول هذا الكلام وأخبثَ منه في الأولياء الأموات مع ما يصحبه من اعتقادٍ فاسدٍ فيهم؟!
بهذا الوجه يبطل قول بعض المعاصرين: إنه يجب اعتقاد الربوبية أو الاستقلال؛ لأن التكفير له وجهٌ آخر، وهو استخفافه بجلال ربه، بإسباغ أوصاف على مخلوق تخصّ جناب الله عز وجل، كما قال القاضي عياض رحمه الله.
الوجه الخامس: استلزام اعتقاد التأثير في المدعو:
وحاصله أنَّ الجدل الحاصل حول اعتقاد التأثير من عدمه هو مسألة نظرية؛ لأننا لا نُسلِّم أن من يطلب من الأولياء الشفاءَ وإنزالَ المطر لا يعتقد فيهم التأثير الذاتي أو بعض خصائص الربوبية. وذلك من وجهين:
أولًا: حكى هذا الأمر عن القبورية أكثر من إمامٍ في أزمنةٍ مختلفة؛ مثل: الصاوي الأشعري، والآلوسي المفسر، وغيرهما.
قال الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين، عند تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٦٤]: “هذه الآية وإن كانت خطابًا لليهود والنصارى، إلا أنها تجرّ بذيلها على من يشرك بالله غيره من المسلمين، كضعفاء الإيمان الذين يعتقدون في الأولياء أنهم يضرون وينفعون بذواتهم ويحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، ومع ذلك يحدثون بدعًا عظيمة ما أنزل الله بها من سلطان، ويجعلون تلك البدع طرقًا لهؤلاء الأولياء، ويزعمون أنها منجية وإن كانت مخالفة للشرع، ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون”([23]).
وقال أبو الثناء الآلوسي المُفسِّر رحمه الله: “الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل: يا سيدي فلان أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء… ولا أرى أحدًا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعوَّ الحيَّ الغائب أو الميت المغيَّب يعلم الغيب أو يسمع النداء ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى، وإلا لما دعاه ولا فتح فاه، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم”([24]).
ثانيًا: قرر كثير من العلماء أن دعاء غير الله كفر؛ لأنه يستلزم بعض خصائص الربوبية:
فهذا العلامة عبد الحي اللكنوي الحنفي الماتريدي سئل عن رجل ينادي الأولياء ويسألهم، فأجاب: “هذا رجل فاسد العقيدة، بل يخشى عليه الكفر، فإن سماع الأولياء للنداء من بعيد ليس بثابت، والعلم الكلي بجميع الجزئيات في جميع الأزمان مختص بالله جل جلاله، وقد قال في الفتاوى البزازية: من قال: إن أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر، انتهى. وذكر فيه أيضا أن من تزوج بشهادة الله ورسوله يكفر؛ لأنه ظنَّ أن الرسول يعلم الغيب، انتهى. والله أعلم”([25]).
وسئل أيضًا عما اشتهر في بلاد الهند بين العوام من نداء الأنبياء والأولياء عند المصيبة والحاجة استغاثةً بهم مع اعتقاد أنهم حاضرون ناظرون، وأنهم إذا استُغيث بهم هم عالمون قاضون حاجاتهم، فأجاب: “مثل هذا الاعتقاد في الأنبياء والأولياء -أنهم حاضرون ناظرون- شركٌ، فإنه يلزم منه العلم بالغيب لغير الله تعالى، وهذه العقيدة شرك. فإن هذه الصفة خاصة بالله تعالى لا يشاركه فيه أحد”([26]).
وقال صنع الله الحنفي: “أما كونهم معتقدين التأثير منهم، وأنَّ لهم التصرف في قضاء حاجاتهم كما تفعله جاهلية العرب والصوفية الجهال، وينادونهم ويستنجدون بهم؛ فهذا من المنكرات؛ لأن الأحياء إذا انتفى منهم التصرف فكيف بالأموات؟!”([27]).
وقال البعلي الحنبلي عن نداء الأولياء: “فلولا أنه يعتقد أن الشيخ يسمع ويعلم ويقدر، وأنَّ سره يطَّلع على ما هو فيه، ولو كانت المسافة المحسوسة بينهما بعيدة، وأن هذا أمر مطلوب له عند النفوس ثمرة نافعة، لولا جزمه بذلك ومثله، لكان الخطاب منه على وجه العبث الذي لا يستحسنه عاقل، أو التلاعب في العبادة الذي لا يجوز بجال، وإذا اعتقد في شيخه أنه يظهر الغيب ويسمع ويعلم ويقدر ويدبر، فما الذي ترك لربه سبحانه في هذا الباب”([28]).
الوجه السادس: الاستقلال التامّ عن الله لا يقول به أحد من أهل الملل:
إن اعتقاد التصرف بالتأثير على وجه استقلال عن الله لا يقول به أحد من العقلاء، ولا حتى عباد الأوثان من المجوس والهندوس وغيرهم، فجميع الديانات لديها فلسفة “الإله الأعظم” الذي له التأثير المطلق، وبقية الأصنام لها تأثير جزئي تابع للإله الأعظم.
ويُقرر هذه الحقيقة محيي الدين شيخ زاده حيث يقول: “مَن يعبد هذه الأحجار المنحوتة في هذه الساعة لا يعبدها على اعتقاد أنّ لها تأثيرًا وتدبيًرا في انتظام أحوال هذا العالم السفلي؛ فإن بطلان ذلك معلوم ببديهة العقل، وما عُلم بطلانه ببديهة العقل لا يذهب إلى صحته الجمّ الغفير والقوم الكثير، فلا بد أن يكون لهم في عبادتها منشأ غلط”([29]).
ويقصد محيي الدين زادة أن اعتقاد التأثير أو التدبير في هذه الأصنام معلوم بطلانه في بديهة العقل، ووفق علم المنطق: أن المعلوم بالبديهة لا يذهب إلى صحته الجم الغفير من الناس، لا سيما وأن في كلّ أمة من الأمم العقلاء والمُفكرين والعلماء وغيرهم، فلا بد وأن لهم تأويلًا لدعاء هذه الأصنام، وهي أنها غير مؤثرة بذاتها وتشفع لهم عند الله ونحو ذلك من التبريرات.
ويقرر تلك الحقيقة أيضا السعد التفتازاني، فإنه ذكر أن عباد الأصنام لا يعتقدون التأثير في أصنامهم، قال: “فلهم في ذلك تأويلات باطلة”. ذكر خمسة تأويلات، ثم قال: “الخامس أنه لما مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله تعالى اتخذوا تمثالا على صورته، وعظموه تشفُّعًا إلى الله وتوسلًا”([30]).
الوجه السابع: التصريح بشركية من طلب من المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله:
كثير من الفقهاء صرحوا بشركية طلب ما لا يقدر عليه إلا الله من المخلوق، بعبارات متقاربة، ومن ذلك:
1- قول أبي الفتح الشهرستاني: “من رفع الحاجة إلى من لا تُرفع إليه الحوائج إليه فقد أشرك كل الشرك”. قال هذا ردًّا على كلام الصابئة في قولهم: “طريقنا في التوسل إلى حضرة القدس ظاهر، وشرعنا معقول؛ فإن قدماءنا من الزمان الأول لما أرادوا الوسيلة عملوا أشخاصًا في مقابلة الهياكل العلوية راعوا فيها جوهرًا وصورة… دعاءً وتعزيمًا، فتقربوا إلى الروحانيات، فتقربوا إلى رب الأرباب ومُسبب الأسباب، وهو طريقٌ متَّبع وشرعٌ ممهد، لا يختلف بالأمصار والمدن”([31]).
ويقول الشهرستاني أيضًا: “أما تعطيل العالم عن الصانع العالم القادر الحكيم فلست أراها مقالة لأحد، ولا أعرف عليها صاحب مقالة، إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية… ولهذا لم يرد التكليف بمعرفة وجود الصانع، وإنما ورد بمعرفة التوحيد، ونفي الشرك”([32]).
وهو كلام غاية في الوضوح، ولو قرأه المخالف المتعصب دون أن يدري من القائل لجزم بأنه ابن تيمية أو محمد بن عبد الوهاب.
2- وقال أبو القاسم القشيري (465هـ) عند تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثامًا} قال: “{إِلهًا آخَرَ} في الظاهر عبادة الأصنام المعمولة من الأحجار المنحوتة من الأشجار. وكما تتصف بهذا النفوس والأبشار، فكذلك توهّم المبارّ والمضارّ من الأغيار شرك”([33]).
تأمل قول القشيري: (فكذلك توهّم المبارّ والمضارّ من الأغيار شرك)؛ فأطلق القول في الأغيار -أي: في غير الله-، ولم يخصص ذلك بالأصنام أو الآلهة.
3- ومنه ما صرح به شمس الدين الجزري ردًّا على من يُحرِّم الاستغاثة بالرسول:
ففي كتاب (الإشارات الإلهية) نقل الطوفي عن شمس الدين الجزري دفاعه عن الاستغاثة ورده على المعارضين لها، ونفى أن يكون معناها طلب ما لا يقدر عليه إلا الله، وذكر أنه شرك بإجماع المسلمين. تأمل قول ابن الجزري في حكاية قول المعترض:
“الثاني: أن استغاثة صاحب موسى به كان في أمر يمكن موسى فعله، وهو إعانته على خصمه، وهو أمر معتاد، ونحن إنما نمنع من الاستغاثة بالمخلوق فيما يختص فعله بالله عز وجل؛ كالرحمة والمغفرة والرزق والحياة ونحو ذلك، فلا يقال: يا محمد اغفر لي، أو ارحمني، أو ارزقني، أو أحيني، أو أعطني مالًا وولدًا؛ لأن ذلك شرك بإجماع…”([34]).
وجاء تعقيب ابن الجزري: “وعن الثاني: أن ما ذكرتموه أمرٌ مجمع عليه، معلوم عند صغير المسلمين -فضلًا عن كبيرهم- أن المخلوق على الإطلاق لا يُطلَب منه، ولا ينسب إليه فعل ما اختصت القدرة الإلهية به، وقد رأينا أغمار الناس وعامتهم وأبعدهم عن العلم والمعرفة يلوذون بحُجرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزيدون على أن يسألوا الشفاعة والوسيلة.. وإذا لم يكن بدٌّ من التعريف بهذا الحُكْم خشية أن يقع فيه أحد، فليكن بعبارة لا توهم نقصًا في النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غضًّا من منصبه، مثل أن يقال: ما استأثر الله عز وجل بالقدرة عليه فلا يطلب من مخلوق”([35]).
مع أن ابن الجزري يقول بالاستغاثة -بالمعنى الذي شرحه-، إلا أنه وافق المعترض في الاعتراض الثاني وهو (شركية دعاء الميت فيما لا يقدر عليه إلا الله)، وقد أقرَّ ابن الجزري الإجماع على شركيته، وهو محور الخلاف المُعاصر، فتأمل.
4- قال أبو زرعة العراقي الأشعري -تلميذ السبكي- لما سُئل عن التوسل بالأولياء: “وأما قوله -أي: المتوسل-: (أنا أطلب منك أن يحصل لي كذا وكذا) فأمرٌ مُنكر، فالطلب إنما هو من الله تعالى، والتوسل إليه بالأعمال الصالحة أو بأصحابها أحياءً وأمواتا”([36]).
وقول العراقي: (أمرٌ منكر) لا يعني نفي الشركية عنه؛ لأن المنكرات تتضمن الشركيات أيضًا، ومعلوم في الأصول: أن الأعم يتضمن مطلق الأخص؛ إذ لا بد من تعليل كونه منكرًا، وإلا كان الحكم بأنه منكر عبثًا.
5- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كلامه عن قبر السيدة نفيسة: “نقل بعض العلماء أن المصريين كانوا يُسَمونَ الدعاء عندها: الترياقَ المجرَّبَ! وقد غلا في ذلك بعضُ العوامِّ، بل كلهم، حتى إن بعضهم يقع في الكفر وهو لا يشعُر، واللَّه المستعان”([37]).
ولم يقل ابن حجر: مهما فعلوا فلن يقعوا في الكفر بقرينة الإسلام، كما يقول المعاصرون!
6- وقد أنصف الشيخ أحمد الغماري حينما قال: “ونراهم يحلفون بهم، وينطقون في حقهم بما ظاهره الكفر الصراح، بل هو الكفر حقيقة بلا ريب ولا شك.. فكثير من جهلة العوام بالمغرب ينطق بما هو كفر صراح في حق مولانا عبد القادر الجيلاني، الموجود ضريحه ببغداد، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء، فيسجد له ويُقبل الأرض بين يديه في حال سجوده، ويجعل يديه من ورائه علامة على التسليم وفرط التضرع والالتجاء، ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يُطلب إلا من الله تعالى… وذكر أمورًا ثم قال: فهذا كفر“([38]).
الوجه الثامن: مناقضة الإجماع فيمن اتخذ وسائط بينه وبين الله:
اشتراط اعتقاد الربوبية يُناقض الإجماع الذي نقله الحنابلة عن ابن تيمية في كفر من اتخذ وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، ومن ذلك قوله: “فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار.. فهو كافر بإجماع المسلمين”([39]).
وهذه الصورة ليس فيها استقلال أو تأثير؛ لأن الولي يرفع الحاجات إلى الله فقط، والله هو المُتصرِّف، ومع ذلك: نقل الحنابلة الإجماع على كفر صاحب هذه الصورة، وهذا الإجماع لا يصح نقضه؛ وذلك لأن الخلاف المتأخر لا ينقُض الإجماع المتقدّم.
فإن قيل: ابن تيمية هو من نقل الإجماع وليس هو بحجة على غيره، قلنا: ولكن وافق عليه فقهاء الحنابلة وقرروه في كتب الفقه ووضعوه في (باب الردة)، ووافقهم عليه محقّقو الشافعية كالهيتمي وغيره.
فإن سلَّمنا تنزلًا أنه ليس بإجماع لأجل خلاف بعض العلماء في القرون المتأخرة، فعلى الأقل يكون التكفير سائغًا، لتوارد مذهب من المذاهب الأربعة المعتبرة على تقريره، كما هو مقرر في كتب الأصول. وهذا التقرير الحنبلي لم يستطع أن يردَّه علماء مكة لما ناقشهم السلفيون، وأقروا أن هذا هو مذهب الحنابلة([40]).
حتى إن الفقيه محمد بن سليمان الكردي مفتي الشافعية بمكة -بعدما اختار عدم الكفر إلا مع اعتقاد الاستقلال- نسب إطلاق القول بالكفر إلى صاحب الفروع قائلًا: “وإن كان المراد من جعلهم وسائط أن يتوسل بهم إلى الله في قضاء مهماته مع اعتقاد أنّ الله هو النافع الضار المؤثر في الأمور دون غيره، فالذي يظهر عدم كفره، وإن كان هذا اللفظ قبيحًا يتبادر منه الكفر، ومن ثمتَ أطلق صاحب الفروع من الحنابلة القول بكفره“([41]).
فاختار الشيخ الكردي عدم التكفير، ونسبَ إطلاق التكفير لصاحب الفروع.
وهنا يجب التنبُّه إلى ملحَظ مهم في كلام الشيخ الكردي وهو: أنَّ الفقهاء والأصوليين -لا سيما الشافعية- إذا قالوا: (الظاهر كذا) أو (الذي يظهر كذا) يسمونها عبارات (البحث)، ومعناه أن المسألة بحثية من رأي القائل، ولا يوجد نقل في المذهب يؤيّد هذا القول، يقول الدكتور محمد إبراهيم الحفناوي الشافعي: “وقولهم: (الظاهر كذا) فهو من بحث القائل لا ناقل له، وقال السيد عمر في الحاشية: إذا قالوا: (والذي يظهر) فهو من بحث القائل”([42]).
فالحاصل أن كلام العلامة الكردي هو كلام بحثي، ولم يجزم أن قولَه هو مذهب أهل السنة كما يفعل بعض المعاصرين، حيث يجعلون القول بشرط اعتقاد الاستقلال هو قول أهل السنة والجماعة لمحض المناكفات مع السلفيين، دون دراسة وعلم أو استقراءٍ للمسألة.
والذي نقل القولين أيضًا: الألوسي الكبير أبو الثناء الحنفي المُفسِّر، قائلًا: “الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل: يا سيدي فلان أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء، واللائق بحال المؤمن عدم التفوُّه بذلك، وأن لا يحوم حول حماه، وقد عدَّه أناسٌ من العلماء شركًا، وإن لم يكنه فهو قريب منه”([43]).
ومعلوم أن الآلوسي الكبير صاحب التفسير لم يكن وهابيًّا، فإذا كان العلماء ينقلون القولين -كالكردي والآلوسي-، فكيف ينسب أحد المعاصرين اشتراطَ اعتقاد الربوبية إلى مذهب أهل السنة؟! إلا أن يكون جاهلًا بمذاهب أهل السنة.
وقد نقلنا القولين عن المتأخرين، ليس تسويغًا للقول الآخر، وإنما من باب إقامةِ الحجة على المخالف الذي يُصادر على المطلوب، ويجزم بنسبة قولٍ إلى مذهب أهل السنة دون دراية بأقوال العلماء.
ومعلومٌ أنه إذا اختلف أهل العلم في مسألة فالمردّ إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
صحة كلام ابن تيمية على قواعد المذهب الحنبلي:
الإجماع الذي نقله ابن تيمية واعتمدَه متأخرو المذهب إنما اعتمدوه لأنه مُخرَّج على أصولٍ مذهبيةٍ صحيحة من كلام القاضي أبي يعلى في تكفير من زعم أن بين الله تعالى وبين الأولياء صلة -وسيأتي كلامه-، ولذلك وافق الحنابلة ابنَ تيمية عليها، وخالفوه في تحريم التوسّل؛ وذلك لأن التوسل مُخرَّج على المذهب.
فقد نقل ابن الجوزي في آخر “منتخب الفنون” عن شيخه ابن عقيل قال: “سمعتُ أبا يعلى بن الفرَّاء يقول: من قال: إنَّ بينه وبين الله سرًّا فقد كفر، وأيُّ وصلة بينه وبين الإله؟! وإنما ثَمَّ ظواهر الشرع، فإن عنى بالسر ظاهر الشرع فقد كذب؛ لأنه ليس بسرّ، وإن عنى شيئًا وراء ذلك فقد كفر. وقال القاضي في قول المتوسلين: (اللهم إني أسألك بالسر الذي بينك وبين فلان): أيُّ سرٍّ بين العبد وبين ربه لولا حماقة هذا القائل؟!”([44]).
وقال ابن عقيل عن المستغيثين: “ولا يكفيهم ذلك حتى يقولوا: بالسر الذي بينك وبين الله. وأيُّ شيءٍ من الله يُسمَّى سرًّا بينه وبين خلقه؟! فهذا يقول: جِمالي قد جربت، وهذا يقول: أرضي قد أجدبت، كأنهم يخاطبون حيًّا ويدعون إلها”([45]). وقال أيضًا: “وهم عندي كفار بهذه الأوضاع مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها وخطاب الموتى… اقتداء بمن عبد اللات والعزى، ولا تجد في هؤلاء من يحقّق مسألة في زكاة فيسأل عن حكم يلزمه، والويل عندهم لمن لم يقبّل مشهد الكفّ، ولم يتمسّح بآجرة مسجد المأمونية يوم الأربعاء”([46]).
هؤلاء الحنابلة قرَّروا أن مجرَّد التوسل بالسِّر الذي بينهم وبين الله كفر، فكيف بمن يدعوهم بدعاء الألوهية ويدّعي أنهم على صلة بالله ويأخذون منه الإذن لتصريف الحاجات بأنفسهم؟!
ولاحظ أن هذا الكلام قاله الحنابلة -القاضي وابن عقيل وابن الجوزي- وهم قبل ابن تيمية بمدَّة، ونقله أيضًا ابن مفلح مُقِرًّا لهم في الفروع([47])، وهذا يدلّك على صحة الإجماع الذي نقله ابن تيمية واعتمده متأخّرو الحنابلة في تكفير مُتَّخذ الوسائط، وأنه مُخرَّج على أصولٍ صحيحة.
مع العلم أن الصورةَ التي نقلها متأخِّرو الحنابلة عن ابن تيمية رحمه الله ليس فيها أن الولي يأخذ الإذن ليتصرَّف بنفسه، وإنما فيها أن الوليَّ يرفع الحاجات إلى الله ويشفع في الداعي ليقبل الله دعاءه، ومع ذلك حكم الحنابلة بكفر هذه الصورة، فكيف إذا انضمَّ إليها أن الولي يتصرف بنفسه؟!
المطلب الثالث: بطلان نفي الكفر عمَّن زعم تصرُّف الأولياء بالإذن:
بعد أن نقلنا إجماع الحنابلة وأنه متقدِّم في زمن القاضي أبي يعلى يتبيَّن لك خطأ ما وقع فيه بعض علماء القرون المتأخرة، ولا سيما بعض علماء ديوبند الماتُريدية، فهم ينكرون شرك القبور أيضًا، إلا أنهم يرون أن ظاهر الفعل حرام؛ لأنه شبيه بالشرك، لكنه لا يكون شركًا حقيقيًّا إلا مع اعتقاد الربوبية. أما لو اعتقد الداعي أن الولي سوف يأخذ الإذن من الله ثم يذهب ليشفي المريض بإذن الله فليس من الشرك، وغايته أنه كذبٌ ومعصية، وشرك صورة؛ لمشابهته عمل المشركين([48]).
هذا الكلام قاله الشيخ أشرف التهانوي رحمه الله وبعض شيوخ الديوبندية، وهو باطل من وجوه:
الوجه الأول: أن ادِّعاء أن الوليَّ سوف يأخذ الإذن ثم يشفِي المريض بنفسه ليس خطأً عاديًّا حتى يُقال: هو معصية، بل هو كذب على الله عز وجل بلا دليل، قال تعالى: }قلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ{ [يونس: 59]، وقال: }إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ{ [الأنعام: 116].
ونسبة هذا الأمر إلى الأولياء أمرٌ غيبيّ طريقه الشرع لا الرأي؛ لذلك لم يتردَّد القاضي أبو يعلى بن الفرَّاء والحنابلة من بعده على تكفير من ادّعى أن بين الله وبعض خلقه سرًّا أو صلة -كما مرَّ بيانه-.
وقد ردَّ أيضًا صنع الله الحنفي على هذا الادعاء وجعَلَه من الكذب الذي يوجب الكفر في كتابه (سيف الله على من كذب على أولياء الله). والإمام صنع الله الحنفي توفيَ قبل ظهور الوهابية بحوالي قرنٍ من الزمان، ولم يكن سلفيًّا، بل كان ماتريديًّا أشعريَّ المذهب.
قال صنع الله الحنفي: “وأما ما ذكروه من تصرُّف الأرواح فهو من الأقوال القِباح؛ لأن الروح لا تستقلّ بدون جسدها كما ذكره ابن عباس رضي الله عنه”([49]).
وقال أيضًا: “وأما كونهم مستدلّين على أن ذلك منهم كرامات فحاشا لله أن تكون أولياء الله بهذه المثابة، وأن يُظنّ بهم أنَّ دفع الضر وجلب النفع منهم كرامة، فهذا ظنّ أهل الأوثان، كما أخبر الرحمن: ﴿هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾ [يونس: 18]، ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ﴾ [الزمر: 3]، وأما أهل الإيمان فليس لهم غير الله دافع، ومنه تحصل المنافع”([50]).
ويقول: “وأما كونهم معتقدين التأثير منهم، وأنَّ لهم التصرُّفَ في قضاء حاجاتهم كما تفعله جاهلية العرب والصوفية الجهَّال، وينادونهم، ويستنجدون بهم؛ فهذا من المنكرات؛ لأن الأحياء إذا انتفى عنهم التصرفُ كما مرَّ آنفًا، فكيف للأموات؟!”([51]).
الوجه الثاني: أنَّ الظنَّ الخاطئ أو الخطأ لا يكون معصية في كلّ الحالات؛ فإنه إذا ترتَّب عليه تغيير شعيرة من الشعائر وصرفها للمخلوقين يكون كفرًا، والأصوليون قرَّروا أن الرأي إذا انبنى عليه تغيير الشعائر فهو من قبيل (التبديل) الذي يوجب الكفر.
يقول أبو بكر ابن العربي: “إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل يوجب الكفر”([52]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “الشرع المبدَّل: وهو الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو على الناس بشهادة الزور”([53])، وقال أيضًا: “الشرع المبدل: فمثل الأحاديث الموضوعة والتأويلات الفاسدة والأقيسة الباطلة”([54]).
ووجه خطأ الشيخ أشرف التهانوي رحمه الله أنه لم يُفرق بين الـتأويل الخاطئ وبين التبديل، وبينهما فرقٌ؛ فالتأويل هو اجتهاد طريقُه الأدلة المعتبرة، ولا ينبني عليه تغيير معالم الدين، أما التبديل فهو الكذب على الله أو على الشرع بقياسٍ باطل أو دون دليل سائغ، وينبني عليه تغيير الشرع.
ومثل هذا كالذي زعم أنَّ الله أعطى مخلوقًا الإذنَ أن يصرف الصلوات الخمس له، وهذا المخلوق سوف يرفعها إلى الله. فهل يُقال: إنه أخطأ فقط، أم بنى على خطئه تغيير معالم الشريعة؟!
الوجه الثالث: أن فيه تكذيبًا لصريح القرآن؛ لأن الدعاء لم يجعل الله فيه توكيلًا لأحد، فضلًا عن الوكالة بالتصرُّف بالنيابة عن الله، قال تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]، ولم يقل: وإذا مرضتُ فالمخلوق سيشفيني عن طريق الإذن!
ولا يعجز أيّ مشرك أن يدَّعي هذه الدعوى في أيّ مخلوق، والله عز وجل قد أكذبهم في القرآن، وطالب المشركين بالدليل والبرهان على قولهم في صرف الدعاء لغير الله: ﴿لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ [الكهف: 15]، وقال: }وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ{ [المؤمنون: 117].
فطالبهم الله بالدليل والبرهان على أنَّ كونهم أسبابًا، ولم يعذرهم بمجرد الظن الخاطئ.
الوجه الرابع: أن هذا كلام بنَوه على أن الكفر لا يكون إلا بالإخلال بالربوبية فقط، وهو مخالف لما ذكره الفقهاء في أنَّ الكفر يكون بالاعتقاد أو بالقول أو بالعمل، وقرروا كفر الساجد أو الداعي للصنم وإن لم يعتقِد فيه الربوبية، كما مرَّ من كلام الفخر الرازي والغزالي وغيرهما.
الوجه الخامس: بعض الناس يقول: لماذا هذا القول كفر، والعقل لا يُحيل حصول ذلك بإذن الله؛ لأن عيسى -وهو مخلوق- كان يحيى الموتى ويبرئ المرضى بإن الله؟!
والجواب: أن قياس الأولياء على سيدنا عيسى في إحياء الموتى وإبراء المرضى قياس فاسد؛ لأنه قد ثبت الدليل أنَّ عيسى كان يفعل ذلك بإذن الله من باب المعجزة، ومع ذلك لم يجز سؤال عيسى بعد رفعه إلى السماء أن يحيي الموتى؛ إذ انقطعت الأسباب لذلك.
وأصل الخلل عند هؤلاء: عدم إدراكهم أن المعجزة أو الكرامة تقع من الله، لا بطلب الخلق لها. فلا يجوز أن تُطلب من نبيٍّ أو ولي ابتداءً وكأنها حقّ مكتسب له.
وقد نهى الله عن طلب المعجزات من الأنبياء؛ بدليل قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ [العنكبوت: 50].
فإذا كان قد نهى الله عن طلب المعجزات من الأنبياء في حياتهم -وقد ثبتت لهم شرعًا-، فعدم طلبها من الأولياء بقياس الأولى بعد موتهم وانقطاع الأسباب.
وهذا ليس نفيًا لكرامات الأولياء؛ لأن الكرامة تحصل من باب المرة ونحوها من غير اختيار، وليست حقًّا مُكتسبًا له طوال الدهر بحيث تكون من خصائصه.
كما أن الكرامات متنوِّعة، لا يُمكن تحديد أنَّ الولي الفلانيَّ يمتلك هذه الكرامة بعينها دون غيرها، بل يمكن أن تكون كرامة الولي في أن يُشمّ منه رائحة المسك، فتكون كرامته من هذا الباب دون غيره، وولي آخر تكون كرامته في توفيقه وإبعاد الشرور عنه، ووليّ ثالث تكون كرامته كشف الحجاب عنه أحيانًا، وقد يكون وليًّا وليس له كرامة أصلًا، فليست حقًّا مُكتسبًا كما أسلفنا. قال الإمام النووي: “وليس كلّ كرامة لولي يجب أن تكون تلك بعينها لجميع الأولياء، بل لو لم يكن للولي كرامة ظاهرة عليه لم يقدح عدمها في كونه وليًّا”([55]).
أما إثبات الحقّ المكتسب في كلّ القدرات؛ من سماع الناس في كل الأوقات دائمًا وأبدًا، ومعرفة أحوالهم، وإبراء المرضى، وإنزال المطر، وكل خصائص الربوبية، فهو من الشرك الذي لا شكّ فيه، ولا يدخل هذا في باب الكرامة في شيء، بل هذه الأمور مُجتمعة لا يستطيعها حتى الأنبياء.
ثم بعد جميع ما سبق: لو ثبتت كرامة مخصوصة لوليّ فهي في زمن التكليف في الدنيا كما جزم به القشيري والنووي، ولا يصح طلبها منه على سبيل الإلزام، ولا دعوة الناس إليها.
يقول النووي: “قال القشيري: فالكرامة فعل لا محالة، وهو ناقض للعادة، وتحصل في زمن التكليف على عبد تخصيصًا له وتفضيلا، وقد يحصل باختياره ودعائه وقد لا تحصل، وقد تكون بغير اختياره في غالب الأوقات، ولم يؤمر الوليّ بدعاء الخلق إلى نفسه… -إلى أن قال النووي:- وليس كل كرامة لوليّ يجب أن تكون تلك بعينها لجميع الأولياء، بل لو لم يكن للولي كرامة ظاهرة عليه لم يقدح عدمها في كونه وليًّا”([56]).
وعلى فرضِ وقوعها بعد الموت جدلًا فهي تبقى في إطار الكرامة أيضًا، من غير اعتقاد أنها حقّ مكتسَب له، فلا يجوز دعاؤه من دون الله، كما لا يجوز سؤال الأنبياء كدعاء عيسى أن يحييَ الموتى أو يبرئ الأكمه والأبرص، كما سبق بيانه.
ثم الذي يدلّك على بطلان نفي الكفر عن تلك الصورة: أن الوليّ يدعوه آلاف من الناس من مشارق الأرض ومغاربها في وقتٍ واحد، ففيه إثبات بعض خصائص الربوبية إلى المخلوقين من السماع من بعيد، والأحناف نقلوا الإجماع على كفر هذه الصورة -كما مرَّ-.
الأمر الأهمّ: لو تجاوزنا عن كل ما سبق، فماذا عن بقية أمور العبادة التي تُصرف للأولياء، مثل الذبح والنذر تقربًا للولي؟! هل سيأخذ الوليّ الإذن من الله أيضًا ليكون الذبح لنفسه لا لله؟!
كل هذه الأمور السابقة تدلّ على تناقض من نفى الكفر عن هذه الصورة، وتدلّك أيضًا على سلامة طريقة أهل السنة وما قرره علماء المسلمين السابقين، وأنَّ طريقتهم هي طريقة القرآن الموافقة للعقل الصريح والنقل الصحيح، دون تكلُّفات المتأخرين وبدعهم المناقضة للعقل والنقل.
والتفريق بين كفر النوع وكفر المعيَّن يحل إشكال من غلَط في هذه الأبواب، أو تكلَّف التأوّل للقبورية؛ لأنه إنما قال ذلك خوفًا من تكفير العامة، وتكفير العوام ليس بلازم لو تدبّروا، ولو أنَّا غيَّرنا أحكام الشريعة من أجل عدم إدانة الناس لتبدَّلت الشريعة بمرور الزمن.
المطلب الرابع: الضابط في أنَّ فعلا من الأفعال شرك:
1- التعدّي في الأسباب: فالله عز وجل وضع أسبابًا وجعل قوانين، فمن تعداها أشرك:
إذا كان الاعتماد على الأسباب شركًا، فالتعدي في الأسباب شركٌ بطريق الأولى. والأصل في هذا الباب أنه ليس لأحد من الخلق تصرُّف أو علم فوق الأسباب، وهذه الأسباب معلومة إما من طريق العادة أو الوحي (الشرع).
ومثال ذلك:
– من يسأل الله الشفاء، فهذا سؤال بالمآل الذي لا يقدر عليه إلا الله، فهو عبادة. والقرينة هي سؤاله بما يليق به.
– أما سؤال الطبيب العلاج فهذا سؤال بالسبب؛ لذلك كان جائزًا، والقرينة هي: أن الطبيب لديه من الأسباب ما يستطيع به العلاج، لكن إن توكَّل الإنسان عليه فقد دخل في درجة من درجات الشرك بحسَب حاله.
قال الإمام النووي: “وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا سألتَ فاسأل الله» إشارة إلى أنّ العبد لا ينبغي أن يعلّق سرّه بغير الله، بل يتوكّل عليه في سائر أموره، ثم إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجرِ العادة بجريانها على أيدي خلقه كطلب الهداية والعلم والفهم في القرآن والسنة وشفاء المرض وحصول العافية من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة سأل ربه ذلك”([57]).
فجعل النوويّ الضابط في سؤال العبادة هو عدم جريان العادة على أيدي الخلق فيما لا يُطلب إلا من الله. وهو يطابق تقرير: (ما لا يقدر عليه إلا الله).
وقد ذكرنا قول الهيتمي: “أو السجود لصنم… وخرج الركوع؛ لأن صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرًا بخلاف السجود، نعم يظهر أن محلَّ الفرق بينهما عند الإطلاق، بخلاف ما لو قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله به، فإنه لا شك في الكفر حينئذٍ”([58]).
فالهيتمي فرَّق بين السجود والركوع؛ لأن الانحناء يقع للتحية في العادة، فلا يدل على الكفر بمجرده، واختلفوا في السجود بسبب وجوده في الأمم السابقة.
والمقصود بالعادة هنا تعارفُ البشر على أسباب دالّة على تعامل مخلوق مع مخلوق، ويُعرف ذلك بالقرائن، فإن ظهرت قرينة دلَّت على رفع بعض المخلوقين فوق رتبة البشر كان نوعًا من الشرك.
وقد حدّدها صنع الله الحنفي الماتريدي بقوله: “والاستغاثة تجوز في الأسباب الظاهرة العادية من الأمور الحسيَّة في قتال أو إدراك عدو أو سبع ونحوه، كقولهم: يا لزيد! يا لقومي! يا للمسلمين! كما ذكروا في كتب النحو بحسب الأسباب الظاهرة، أما الاستغاثة بالقوة والتأثير أو في الأمور المعنوية من الشدائد كالمرض وخوف الغرق والضيق والفقر وطلب الرزق ونحوه فمن خصائص الله، فلا يُذكر فيها غيره”([59]).
وقد حدّد الشيخ حسن أيوب الأزهري الأشعريّ حدود الاستغاثة الشركية فقال: “الاستغاثة بالأصنام والأموات والجنّ والملائكة وأمثالهم”، ثم حدَّد الاستغاثة التي أذن بها الشرع من الأسباب الظاهرة فقال: “كأن يقع في نهر أو بئر فيطلب من يغيثه وكأن يصطدم بسيارة.. وأمثال هذه الأمور التي تعارف الناس واعتادوا على أن يطلبها الإنسان من الإنسان، ولم يأت من الشرع ما يمنع ذلك، وتلك أمور واضحة، والفرق بينها وبين الأمور الأولى الممنوعة لا يخفى على من له أدنى فهم”([60]).
والضابط الجامع في هذا: أنَّ كلَّ من صرف شيئًا من مظاهر العبادة (ولو ظاهريًّا) لم تجرِ العادة بصرفه إلى المخلوقين كان مشركًا، والعادة هنا هي الأعمال السائرة بين الناس الدالة على تعامل مخلوق مع مخلوق، ولا تتضمن رفعهم فوق رتبة البشر.
وهنا تظهر فائدةٌ تحلُّ الإشكال عند من أشكلت عليه هذه الأبواب: إذا احتمل ظاهر فعلٍ من الأفعال معنيين: معنى العبادة، ومعنى يجوز بين البشر، لم يجز التكفير إلا بنيّة العبادة أو باعتقاد الربوبية؛ وذلك لأن المعنى الآخر الذي بين البشر يدرأ الكفرَ عنه، كما سبق من كلام الهيتمي لما تكلَّم عن الركوع. أما إذا لم يحتمل ظاهر الفعل إلا معنى واحدًا -معنى العبادة- فهو كفرٌ باتفاق، حتى وإن لم يقصد العبادة أو لم يعتقد الربوبية؛ وذلك لأن الإتيان به يقدح في الإسلام بوجهٍ من الوجوه، إما بوجه الاستخفاف بالله، أو الاستخفاف بالشعائر، أو غير ذلك من التخريجات التي ذكرها علماء، كما قال الكشميري: (اختلفوا في وجه الكفر بعد أن اتفقوا على التكفير)([61]).
ولعل هذا الأمر هو السبب في خطأ بعض المتأخرين بأن جعلوا التكفير في دعاء الأولياء باعتقاد الربوبية فيهم؛ لأنه احتمل عندهم معنيين وهما: (الدعاء الحقيقي، والتوسل)، فلأجل هذا الاحتمال الأخير ذكروا شرط الربوبية، وهو غلطٌ منهم في التخريج؛ نعم قد يصح ذلك في الألفاظ التي تحمل معنى التوسل، فيصح اشتراط اعتقاد الربوبية، أما الدعاء الصريح الذي لا تأويل لغويّ فيه فلا يصح فيه هذا التخريج.
والحاصل مما سبق: أنه إذا عُلم كون شيء سببًا بطريق صحيحة (الشرع أو العادة)، فاعتقاد كونه سببًا لا بأس به، بل يجب فيما هو ثابت للأنبياء من كونهم أسبابًا لنقل الشرائع، وأن جبريل سبب في نقل الوحي، وغير ذلك فيما ثبت بطريق الشرع.
ويُبيِّن ذلك البعلي بقوله في بيان الفرق بين الوساطة الشرعية والممنوعة: “اعلم -أيدك الله بروحٍ منه- أن هذا الباب يحتاج إلى تفصيل، فإن من أنكر الوسائط بين الله وخلقه مطلقًا فقد كفر وجحد حقائق الرسالة.. ومن أثبتها مطلقة في كل شيء فقد ضل ضلالًا بعيدًا وخسر خسرانًا مبينًا. أما معرفة الحلال والحرام والصلاة والصيام وغير ذلك من واجبات الشريعة ومستحباتها فلا بد فيه من الواسطة؛ لأن جبريل حمل وبلّغ، والرسول المعصوم أنذر وبشّر، والصدر الأول حفظ وأوصل، وهلم جّرا.. فهذا الباب أمره معروف، وأما باب خصائص الربوبية كالخلق والرزق وإجابة الدعاء ونحو ذلك فإنه أمرٌ يتولاه الله تعالى بنفسه، ليس بين المخلوقين وبينه سبحانه ملكٌ مقرَّب ولا نبي مرسل.. قال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ﴾ [سبأ: 22]”([62]).
2- سؤال المخلوق ما لا يقدر عليه إلا الله يتضمّن نسبة بعض خصائص الألوهية إليه:
يقول الحافظ ابن رجب: إنّ قول العبد: (لا إله إلا الله) يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله هو الذي يُطاع فلا يعصى هيبةً له وإجلالًا ومحبَّة وخوفًا ورجاءً، وتوكلًا عليه وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل. فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك”([63]).
ويقول أيضًا: “واعلم أنّ سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين؛ لأنّ السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضر ونيل المطلوب وجلب المنافع ودرء المضار، ولا يصلح الذلّ والافتقار إلا لله وحده، لأنه حقيقة العبادة”([64]).
ويقول السهسواني: “وأصل تقريرهم [أي: الوهابية] هكذا: إنا نرى كثيرًا من العامة وبعض الخواص يأتون بألفاظ دالة دلالة مطابقة على أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالى، ويطلبون من الصالحين أحياءً وأمواتًا أشياء لا يقدر عليها إلا الله.. وبعد ملاحظة أصل تقريرهم فوجه التكفير ظاهر، فإن اعتقاد تأثير غير الله كفر صريح، والدعاء والنذر والنحر عبادة، وعبادة غير الله شرك وكفر”([65]).
وقد نقلنا عن اللكنوي والتهانوي والآلوسي وغيرهم أن دعاء الأولياء يستلزم نسبة خصائص الألوهية إليهم، فلا حاجة لإعادة كلامهم.
وأخيرًا..
كثيرٌ من المباحث العلمية تعدّدت فيها تعاريف العلماء ولم يضعوا لها ضوابط جامعة؛ وذلك لظهورها وجلائها، ولم يقدح هذا في أصلها. فوجود الاستثناءات وعدم جريانها على ضابط يجمعها في نظامٍ واحد هو أمرٌ موجود في مباحث الفقه كما هو معلوم، وليس هذا مقام التفصيل في ذلك.
وليس كل إشكالٍ لا تدركه العقول تُردّ به الشريعة؛ فالمجادلة بالحجج العقلية لرد الشرائع هي مجادلة المشركين، ومنه قول المشركين للصحابة: “أتأكلون مما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله؟!”([66])؛ وذلك لأن فعل الله أشرف من فعل الإنسان، فكيف يكون أكل ما قتله الإنسان حلالًا وأكل ما قتله الله حرامًا؟! فنزل قول الله تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: 121].
فليس كل إشكالٍ يظهر لبعض الناس يكون خطأً في الشريعة، بل يجب أن يتَّهم الإنسان نفسه -في المقام الأول- ويعلم أنه لا بد من وجود علِّة لا يدركها، ثم يُسلِّم لأمر الله، كما فعل العز بن عبد السلام والقرافي والزركشي -رحمهم الله- حيث استشكلوا ضابط العبادة في السجود، وسلَّموا لأمر الله.
وفي هذا القدر كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد، وعظَّم الرحمن في قلبه، وعرف الحق فاتبعه. والحمد لله رب العالمين.
للتحميل كملف PDF اضغط على الأيقونة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(المراجع)
([1]) رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله (ص: 401).
([2]) من أجوبة الشيخ خالد باحميد على التليجرام.
([3]) رسالة عجر السلفيين المعاصرين عن الإتيان بضابط مستقيم للعبادة، خالد باحميد (ص: 5).
([4]) الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 74).
([5]) رسالة عجر السلفيين المعاصرين عن الإتيان بضابط مستقيم للعبادة، خالد باحميد الأنصاري (ص: 4).
([8]) الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 74).
([10]) مفاتيح الغيب (17/ 227).
([12]) مقال للشيخ الدجوي في مجلة نور الإسلام، المجلد الرابع (ص: 256).
([13]) مفاهيم يجب أن تُصحح (ص: 96).
([14]) حاشية الجمل على شرح المنهج (7/ 571).
([15]) تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 90).
([16]) إكفار الملحدين في ضروريات الدين (ص: 68).
([18]) الاقتصاد في الاعتقاد (ص: 160).
([19]) إكفار الملحدين في ضروريات الدين (ص: 68).
([21]) تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 90).
([23]) حاشية الصاوي على الجلالين (١/ ١٥٠).
([25]) مجموعة الفتاوى للكنوي (ص: 387-389).
([26]) مجموعة الفتاوى للكنوي (ص: 344-345).
([27]) سيف الله على من كذب على أولياء الله (ص: 51).
([28]) النصيحة المختصة (ص: 38).
([29]) حاشية الشيخ محيي الدين شيخ زاده على تفسير البيضاوي (٤/ ٧٨).
([31]) انظر: الملل والنحل (2/ 94).
([32]) نهاية الإقدام في علم الكلام (ص: 74).
([33]) لطائف الإشارات (2/ 650) الهيئة المصرية العامة للكتاب.
([34]) الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية (ص: 480).
([35]) الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية (ص: 481).
([36]) فتاوى الفقيه ولي الدين أبي زرعة العراقي (ص: ١٦٦-١٦٨).
([37]) ينظر: الجواهر والدُرر للسخاوي (ص: ٩٤٤).
([39]) مجموع الفتاوى (1/ 127).
([40]) وذلك في رسالة الشيخ عبد الله: مباحثة مع أهل مكة.
([41]) قرة العين في فتاوى علماء الحرمين (ص: 259-260).
([42]) الفتح المبين في حل رموز ومصطلحات الفقهاء والأصوليين (ص: 118).
([44]) نقله ابن القيم في بدائع الفوائد (4/ 1385).
([45]) الفروع لابن مفلح (3/ 382).
([46]) تلبيس إبليس (ص: 448)، وهو عند ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 195).
([48]) اختصارًا من إمداد الفتاوى، للتهانوي (5/ 378-379).
([53]) مجموع الفتاوى (3/ 268).
([54]) مجموع الفتاوى (11/ 430).
([55]) بستان العارفين (ص: 64).
([56]) بستان العارفين (ص: 63).
([57]) شرح الأربعين النووية (ص: 63) -مكتبة دار الفتح بدمشق-.
([58]) تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 90).
([60]) تبسيط العقائد الإسلامية (ص: 255-256).
([61]) إكفار الملحدين في ضروريات الدين، الكشميري (ص: 68).
([62]) النصيحة المختصة (ص: 35).
([63]) تحقيق كلمة الإخلاص (ص: ٢٣-٢٤).
([64]) جامع العلوم والحكم (١/ ٤٨١).
----
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..