💢الجريمة المستحيلة والشروع في الجريمة ! الخطورة واحدة والنتيجة مختلفة!!

          حين نتأمل في مفهوم الجريمة المستحيلة، نجد أنفسنا أمام سؤال جوهري: هل يمكن أن نعفي الجاني من العقاب لمجرد أن الظروف حالت دون تحقق النتيجة  ؟ 
الجواب في رأيي: لا. فالجريمة المستحيلة ليست سوى صورة من صور الشروع، وإن اختلفت في مظهرها الخارجي.

الجاني في الحالتين واحد؛ نية إجرامية واضحة، وعزم صادق على ارتكاب الجريمة، وخطوات عملية نحو التنفيذ. غير أن الفارق أن من يشرع في جريمة عادية قد يتدخل عامل خارجي فيمنعه، أما في الجريمة المستحيلة فالمانع ليس خارجيًا بل هو استحالة النتيجة نفسها. وهنا تبرز صورتان:

الاستحالة المطلقة: حيث يستحيل تحقق النتيجة بأي حال، كما لو أطلق شخص النار على جثة يظنها حية، أو استعمل سلاحًا لا يعمل أصلًا. هذه الصورة كانت محل جدل فقهي؛ بين من يرى أن العقاب لا يستقيم لانعدام أي خطر حقيقي، وبين من يرى أن مجرد ظهور النية الإجرامية في صورة فعل مادي يكفي لتجريم الفعل.

الاستحالة النسبية: حيث تكون الجريمة ممكنة في الأصل لكن ظروفًا وقتية حالت دون تحققها، كمن يحاول سرقة جيب فارغ أو خزنة خالية. هذه الصورة أقرب إلى الشروع التقليدي، ولذلك انعقد شبه إجماع على معاقبتها، لأنها لا تختلف عن الشروع إلا في أن الحظ لم يحالف الجاني.

الأمثلة على ذلك عديدة: من يحاول سرقة مالٍ غير موجود، أو من يزوّر مستندًا عديم الأثر القانوني، أو من يضع مادة غير قابلة للاشتعال معتقدًا أنها قادرة على إحداث حريق. جميعها تكشف عن نية إجرامية خطيرة وخطر اجتماعي لا يقل عن خطر الشروع العادي.

ولذلك فإن القول بأن الجريمة المستحيلة لا تستحق العقاب يهدر فلسفة التجريم ذاتها. فالقانون لا يحاسب فقط على النتيجة، وإنما على خطورة السلوك وما يعكسه من شخصية إجرامية، ومن ثم فإن معاملة الجريمة المستحيلة باعتبارها شروعًا معاقبًا عليه يُحقق الردع العام والخاص، ويحفظ الثقة في النظام الجنائي ومع ذلك، يبقى تحديد العقوبة مرتبطًا بتفاصيل كل حالة وتكييفها القانوني .

💢كتبه /مازن المليح .

يوم الأثنين
 بتاريخ 1447/03/30ه
ـ الموافق 2025/09/22م .

مواضيع مشابهة-أو-ذات صلة:

💢الجريمة بين البذرة والثمار: (فلسفة قانونية في إرادة الجاني ).