السبت، 24 سبتمبر 2011

خلاصة في التكفير




ورقتي في المؤتمر العالمي لظاهرة التكفير المنعقد في المدينة المنورة ٢٢-٢٤ / ١٠ / ١٤٣٢
فندق المريديان
الجلسة الأولى الثلاثاء ٢٢ / ١٠    التاسعة صباحا.
برئاسة معالي د سليمان أبا الخيل مدير جامعة الإمام. 

اعداد : ( لطف الله خوجة)

 المداخلة الأولى

بسم الله الرحمن الرحيم 

- التكفيرحكم شرعي:

معناه: أنه مقر شرعا وثابت لا يملك أحد نفيه أو إلغاءه. وهذه نصوص القرآن والسنة طافحة بكفر كل من لم يتبع النبي محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). 

ومعناه أيضاً : أن الذي له أن يحكم بكفر فلان هوالشارع؛ آية أو حديث قطعي الثبوت والدلالة. أو قياس مكتمل الأركان والشروط. ليس موكولا إلى الآراء. 

هذان المعنيان من الأهمية بمكان؛ لأن فيهما ردا على اتجاهين: 
الأول: يكاد ينكر حكم التكفير من أساسه. وينحو منحى وحدة الأديان؛ أي المساواة بينهما جميعا في إصابة الحق، ونجاة أتباعها من النار. وهذا اعتقاد مخالف لإجماع أهل الإسلام والقرآن والسنة. 
الثاني: أعرض عن العمل بشروط التكفير وحدوده وموانعه. والتفريق بين كفر المعين والكفر المطلق. ولم يعلق هذا الحكم بمن توكل به شرعا، ففتح باب التكفير بأدنى سبب، وجعل ذلك علامة على الثبات في الدين، بينما الثبات يكون بما أثبته الدين، لا بما أثبتته النفس. 

إن ما كان باختيار يمكن أن يزول باختيار، والأديان اختيارية وليست اضطرارية؛ بدلالة وجود ملحدين، ومن اختار الإسلام يمكنه العدول عنه، وحينئذ يخرج منه، ما دام باختياره وطوعه. قال تعالى:( ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة). 

- اليقين لا يزول بالشك. وتلازم الظاهر والباطن.

فهنا شرط مهم في تكفير المعين، ومن ثم إقامة حد الردة عليه: أن يتوثق من إرادته واختياره الكفر، لا أن كفره جاء عفوا، أو جهلا، أو نسيانا، أو كرها، أو اشتباها وتأويلا، أو بسبب من الجنون. ولذا شرط العلماء إقامة الحجة؛ بإثبات الشروط، وانتفاء الموانع. لأن بها يحصل التوثق من إرادته الكفر باطنا، كما بدا ظاهرا.  

وبهذا يحصل اليقين بزوال إيمانه وإسلامه، وحينئذ ينزل به الكفر، أما ما دون ذلك  وبغيره، فيبقى اليقين بإسلامه قائما، ولا يقوى الشك بكفره على إزالته. والقاعدة الشرعية المعمول بها المضطردة: أن الشك لا يزيل اليقين. فالمسلم على الإسلام يقينا، ولا يزول هذا اليقين إلا بيقين مثله، سواء سواء، يشهد بزوال إسلامه. 
هذا التفصيل متعلق بحكم دنيوي، يقام على الواقع في الكفر، فلا يقام إلا بمثل ما سبق من شروط. فأما ما يتعلق بحكم الآخرة، فهذا أمره إلى الله تعالى، لا نتدخل فيه بشيء. 

- تكفير المعين والتكفير المطلق. 

كثير من غير المختصين بالعلوم الشرعية، لا يدرك الفرق بين تكفير المعين والتكفير المطلق، فإذا سمع من يقول بكفر العمل الفلاني، نزله على الأشخاص الذين يعملونه. فاستنتج من ذلك:
أن هذا القول يتضمن تكفيرا لهم بأعيانهم.  
وهذا فهم خاطيء؛ فلا يلزم من تكفير العمل، تكفير العامل. ومبدأ إقامة الحجة، ذلك القانون المتكامل، يرد على هذا ويبطله. 
نوضح ذلك بما يلي:

هذه العملية تتم بالمراتب التالية:
أولا: وصف الفعل في ذاته بأنه كفر، وفق النص وليس بالرأي. وهذه عملية ذهنية. 
ثانيا: وصف الفاعل غير المعين (= المجهول) بالكفر. يقال: من صلى لغير الله تعالى كفر.
لكن من هو؟.
هو مجهول العين، غير معين. 

في هاتين المرتبتين يشترط للحكم، ثبوت الدليل القطعي سندا ومتنا. على تفصيل فيه. 

ثالثا: إيقاع الحكم على فاعله المعين، وهذا يشترط فيه إقامة الحجة كما تقدم. 
إذن، بين الحكم على الفعل، والحكم على الفاعل مفازة وفجوة لا تسدها إلا إقامة الحجة. 
مثال على ذلك:
أخذ المال من حرز الغير، يسمى: سرقة. 
الإيلاج في فرج أجنبي، يسمى: زنا. 
إزهاق روح إنسان، يسمى: قتلا. 
كل ذلك من حيث صورة الفعل ذاته. وفاعله غير المعين يقال عنه: سارق. زان. قاتل. 
فأما الفاعل المعين، فلا يقع عليه الحكم إلا بشرط إقامة الحجة بتفاصيلها. فربما سرق كرها، أو أخذ المال يظنه ماله، أو أخذ ليطعم نفسه وأولاده خشية الموت. 
والذي أولج ظن أنها زوجه، فلم يتحقق لظلام أو عمى. 
والذي أزهق الروح فعل ذلك، لأنه كان ينفذ حكما شرعيا، أو جهادا في سبيله. 
فكل هؤلاء لا يثبت عليهم ذنب ولا حد للمانع. مما يثبت أن مجرد مواقعة الفعل لا يثبت حكما على معين، حتى لو وصف الفعل ب( سرق. زنى. لقتل)
لكن لا يوصفه به الفاعل(= سارق. زاني. قاتل). 

- اتساع الأعذار مع تغير الأحوال. 

كلما ضعف سلطان الشريعة وقوي سلطان الشبهات والشهوات، كان العذر أمكن وأوسع؛ لذا فإن الله تعالى لم يؤاخذ أهل الجاهلية؛ الذين لم تبلغهم الرسالة كليا أو جزئيا: ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا). 
ولم يؤاخذ المكرهين:( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم)
ولم يؤاخذ المتأولين الذين اشتبهت عليهم الأحوال واختلطت: ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)
وفي مثل هذه الأحوال، الاشتغال بالبلاغ ونصيحة العباد، أولى من الاشتغال بتكفير الأعيان، فهذا حكم منوط معلق بالحاكم وجوبا، وغيره ليس من طريق الوجوب، إلا إن أنابه؛ لأنه حكم شرعي، فإن قام به غيره، فقد تحمل ما لم يؤمر به، فإن قام الدليل اليقيني عنده على كفر أحد. فله أن يعتقد كفره، لكن الاعتقاد المضمر شيء، والفتوى والحكم المعلن شيء آخر. والعالم المتبع المهاب؛ الذي له كلمة مقبولة عند الناس، إن تيقن كفر، بالتمكن من إقامة الحجة، فله أن يحكم بكفره. 
هذا في تكفير أحد بعينه، أما وصف الفعل أو الفاعل المجهول غير المعين بالكفر، فهذه مهمة العلماء. 
وفي وصف الفعل بأنه كفر، بعد ثبوت ذلك شرعا، يكفي في البلاغ ليحذر الناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..