الاثنين، 28 نوفمبر 2011

منهج الحافظ شمس الدين السخاوي في كتاب: «المقاصد الحسنة

منهج الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

في كتاب:

«المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة»



أوّلاً: ترجمة الحافظ السخاوي.

هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد شمس الدين السخاوي الأصل القاهري الشافعي.

ولد في ربيع الأول سنة 831 إحدى وثلاثين وثمان مائة للهجرة, وحفظ كثيراً من المختصرات.

وقرأ على ابن حضر, والجمال ابن هشام الحنبلي, وصالح البلقيني, والشرف المناوي, والشمنِّي, وابن الهمام, وابن حجر, ولازمه وانتفع به وتخرَّج به في الحديث, وأقبل على هذا الشأن بكليته وتدرَّب فيه, وسمع العالي والنازل.

وأخذ عن مشايخ عصره بمصر ونواحيها حتى بلغوا أربعمائة شيخ.

رحلاتـه:

ثم حج وأخذ عن مشايخ مكة والمدينة, ثم عاد إلى وطنه وارتحل إلى الإسكندرية, والقدس, والخليل, ودمياط, ودمشق, وسائر جهات الشام, ومصر.

وبرع في هذا الشأن وفاق الأقران وحفظ من الحديث ما صار به متفرِّداً عن أهل عصره.

ثم حجَّ في سنة 870 هو وأهله وأولاده, وجاور وانتفع به أهل الحرمين, ثم عاد إلى القاهرة وأملى الحديث على ما كان عليه أكابر مشايخه ومشايخهم, وانتفع الناس به, ثم حج مرَّات وجاور مجاوراتٍ.

مصنّفاته:

خرَّج لجماعة من شيوخه أحاديث وجمع كتاباً في تراجم شيوخه وتخريج أربعين النووي في مجلد لطيف, وتكملة تخريج ابن حجر للأذكار, وتخريج أحاديث العالين لأبى نُعيم, وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث, وشرح التقريب للنووي, وبلوغ الأمل في تلخيص كتاب الدارقطني في العلل, وشرح الشمائل للترمذي, والقول المفيد في إيضاح شرح العمدة لابن دقيق العيد,  كتب منه اليسير من أوله, وله ذيل على تاريخ المقريزي في الحواداث من سنة خمس وأربعين وثمان مائة إلى رأس القرن التاسع, والضوء اللامع لأهل القرن التاسع,  والذَّيل على تاريخ ابن حجر لقُضاة مصر في مجلَّد,  والذَّيل على طبقات القرَّاء لابن الجزري,  والذَّيل على دول الإسلام للذهبي, وغيرها.

قال تلميذه الشيخ جار الله بن فهد فيما كتبه عقب ترجمة صاحب الترجمة لنفسه في الضوء اللامع مانصُّه: " قال تلميذه الشيخ جار الله بن فهد المكي: إنّ شيخنا صاحب الترجمة حقيقٌ بما ذكره لنفسه من الأوصاف الحسنة, ولقد والله العظيم لم أر في الحفَّاظ المتأخِّرين مثله...

وفاتـه:

وكانت وفاته في مجاورته الأخيرة بالمدينة الشريفة في عصر يوم الأحد سادس عشر شعبان سنة 902 اثنتين وتسعمائة.

مرجع الترجمة: كتاب "البدر الطالع" للشوكاني.

ثانياً: منهج الحافظ السَّخاوي في كتاب "المقاصد الحسنة ".

اسم الكتاب: كما سمّاه به مؤلّفه في مقدّمته " المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ".

توطئـة:

يُعد هذا الكتاب من أهمّ الكتب المؤلفة في الأحاديث المشتهرَة, وهو كتاب جامع, فيه من الصناعة الحديثية ما ليس في غيره, والنِّكات العلميّة ما خلا منه غيره, مع التّحرير والإتقان.

قال ابن العماد الحنبلي: " وهو أجمع من كتاب السيطي المسمّى "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرَة", وفي كلّ منهما ما ليس في الآخر, ولذا أصبح محطَّظار العلماء, فتنالوه بالدَّرس والاختصار..".اهـ

وما زال الكتاب مرجع العلماء المحققين, وسيبقى كذلك, لتحرير أحكامه, وحسن نظامه, وقد أطال السخاوي فيه القول بالبيان والتخريج, ممّا دعى غير واحدٍ من العلماء إلى اختصاره, وسيأتي.

وقد قصد السخاوي في هذا الكتاب, جمع كل ما كان مشتهراً من الأحاديث, سواء كان في أصحّ الصّحيح, أو ما لا أصل له, وليس مقصوده المشهور الاصطلاحي, بل هو لِمَا دار بين العلماء, أو العامّة وأشياخهم, وغير ذلك, وقد بلغت عدّة أحاديثه (1356) حديثاً.

مقدّمة المؤلّف:

قدّم رجمه الله لكتابه بمقدّمة بيّن فيها السبب الذي دعاهُ لتأليف الكتاب, وطريقته فيه, ومنهجه, فقال:

"وبعد:

- فهذا كتاب رغبَ إليَّ فيه بعض الأئمة الأنجاب.

- أبيِّن فيه بالعزو والحكم المعتبر، ما على الألسنة اشتهر، مما يظنّ إجمالاً أنه من الخبر، ولا يهتدي لمعرفته إلا جهابذة الأثر.

- وقد لا يكون فيه شيءٌ مرفوع، وإنما هو في الموقوف أو المقطوع.

-  وربما لم أقف له على أصل أصلاً، فلا أبتُّ بفصل فيه قولاً.

-  غير ملتزم في ذلك الاستيفاء ولا مقدم على تنقيص لمتقدم أو جفاء، وإن لم يسلم كلامه من خللٍ، ولا تكلَّم بما يتّضح به زوال العلل، تأدُّباً مع الأئمة كالزّركشي وابن تيمية، فالفضل للسّابق، والعدل هو الموافق.

-  مُرتباً على حروف المعجم في أول الكلمات، وإن كان ترتيبه على الأبواب للعارف من أكبر المهمّات، ولذا جمعتُ بين الطريقتين، ورفعت عني اللوم ممن يختار إحدى الجهتين.

-  فبوَّبتُ للأحاديث بعد انتهائها، وأشرتُ لمظانها من ابتدائها، ولاحظتُ في تسميتها أحاديث المعنى اللغويّ.

- كما أني لم أقصد في الشُّهرة الاقتصار على الاصطلاح القويّ، وهي ما يروى عن أكثر من اثنين في معظم طباقه أو جميعها بدون مَين، بل القصد الذي عزمت على إيضاحه وأن أتقنه، ما كان مشهوراً على الألسنة من العالم المتقن في سبره, أو غيره, في بلد خاص، أو قوم معيَّنين، أو في جل البلدان وبين أكثر الموجودين، وذلك يشمل ما كان كذلك، وما انفرد به راويه بحيث ضاقت مما عداه المسالك، وما لا يوجد له عند أحدٍ سندٌ معتمد، بل عمّن عرف بالتضعيف, والتلفيق و التحريف، وما لم يجيء كما أشرت إليه إلا عن الصحابة، فمَن بعدهم من ذوي الرّجاحة والإصابة، وما لم يَفُه به أحد من المعتمدين بالظنّ الغالب لا اليقين.

-  وربما أنشط لشيءٍ من المعنى.

-  وأضبط ما يزول به اللَّبس بالحسنى.

- وكان أعظم باعث لي على هذا الجمع، وأهمّ حاثٍّ لعزمي فيما تقرّ به العين ويلتذ به السمع، كثرة التنازع لنقل ما لا يعلم في ديوان، مما لا يسلم عن كذب وبهتان، ونسبتهم إياه إلى الرّسول - صلى الله عليه وسلم - ، مع عدم خبرتهم بالمنقول، جازمين بإيراده، عازمين على إعادته وتَردادِه، غافلين عن تحريمه، إلا بعد ثبوته وتفهيمه، من حافظ متقن في تثبيته، بحيث كان ابن عمّ المصطفى عليّ بن أبي طالب، لا يقبل الحديث إلا ممَّن حلف له من قريب أو مناسب، لأنَّ الكذب عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ليس كالكذب على غيره من الخلق والأمم، حتى اتفق أهل البصيرة والبصائر، أنه من أكبر الكبائر، و صرَّح غير واحد من علماء الدين وأئمته، بعدم قبول توبته، بل بالغ الشيخ أبو محمد الجويني فكفَّره, وحذَّر فتنته وضرره ، إلى غيره من الأسباب، التي يطول في شأنها الانتخاب.

- وسمَّيته: " المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ", واللَّهَ أسأل أن يسلك بنا طريق الحق والاعتدال, وأن لا يترك الأحمق المائق يتمادى بالضلال، فيما لم يحقِّقه مع الفحول الأبطال، وأن يجعل هذا التأليف خالصاً لوجهه الكريم، موجباً لرضاه العميم، إنه قريب مجيب " اهـ.

معالم من منهج الكتاب:

- طريقة ترتيب الكتاب:

جمع السخاوي في كتابه بين طريقتي الجمع المعروفة, وهي:

1- الترتيب على الحروف.

2-  الترتيب على الأبواب.

- حكمه على الأحاديث:

انقسمت أحكامه على الأحاديث إلى قسمين:

1- أحكام أصدرها بنفسه.

2-  أحكام نقلها عن غيره.

أما القسم الأول: فقد أكثر فيه من الحكم على الأحاديث بنفسه, وكان تقسيمه لهذه الأحكام ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1-  أحاديث يحكم عليها بنفسه.

2-   أحاديث لم يعرفها.

3-  أحاديث لم يقف عليها.

وقد شملت أحكامه جميع أحاديث الكتاب, عدا اثني عشَر حديثاً سكتَ عنها.

أحكامه على الرّجال:

وقد سلك فيه مسلكَين:

1-  استقلاله بالحكم دون العزو لأحد من النّقَّاد قبلَه, وهو كثيرٌ جداً.

2- إيراده لأقوال النقَّاد مع عدَم توضيح رايه, وهو أيضاً كثير.

- إحالاته في الكتاب:

وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1- إحالته إلى مصادر استفاد منها, وهي كثيرة.

2- إحالته إلى كتبه التي صنّفها.

3-  إحالته إلى ما تقدَّم, أو ما يأتي, من الأحاديث داخل الكتاب.

- ميّزات الكتاب:

1-  يهتمّ السخاوي بذكر ما في الباب من الأحاديث.

2- كما يهتمّ بذكر شواهد الحديث.

3- ويحرص كثيراً على بيان المكان الذي خرَّج فيه الحديث بالنّسبة للكتب.

4- كما يهتمّ عند ذكر من خرَّج الحديث بذكر الإسناد, ومواضع الالتقاء والافتراق فيه

5- ويهتمّ بذكر ألفاظ الأحاديث, ومن خرَّج كل لفظ.

6- وظهر اهتمامه أيضاً فيما إذا لم يجد الحديث مروياً؛ أن يأتي بما يدلّ على له من القرآن, أو القصص, والأمثال , والأشعار, ونحوها. 

الأعمال التي لحقت الكتاب:

1- اختصره الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد السلام المنوفي تلميذ ( السخاوي) المتوفى سنة 931 هـ وسماه (الدرّة اللامعة في بيان كثير من الأحاديث الشائعة).

2-  وكذا للشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الباقي الزُّرقاني المالكي، المتوفى سنة 1122هـ عليه مختصران: كبير وصغير, طبع الأخير في المكتب الإسلامي بيروت.

3- وللشيخ أبي الحسن علي بن محمد المنوفي تلميذ السيوطي كتاب ( الوسائل السنية من المقاصد السخاوية والجامع والزوائد الأسيوطية ).

4- وممن اختصره أيضا الشيخ محمد بن عمر اليمني المشهور ( ببحرق ) المتوفى سنة 930هـ و سماه ( تحرير المقاصد عن الأسانيد و الشواهد).

5- وللشيخ أحمد بن عبد الله بن أحمد الوزير اليمني المتوفى سنة 985 هـ كتاب ( تحرير المقاصد الحسنة في تخريج الأحاديث الدائرة على الألسنة ) وهو مخطوط , ذكره الحبشي في (مصادر الفكر باليمن) (ص54).

6- وممن اختصره كذلك تلميذه ابن الدَّيبَع, فقد لخّصه في كتاب سماه ( تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث ).

7- كما يُعدّ إسماعيل بن محمد العجلوني من الذين اختصروا كتاب السخاوي, حيث اختصره في كتابه الشهير ( كشف الخفاء ), كما ذكَرَ في مقدِّمته.

مرجع الفقرة: كتاب "المقاصد الحسنة", ورسالة بعنوان "الحافظ السخاوي وجهوده في الحديث وعلومه" وهو رسالة دكتوراه - من الجامعة الإسلامية بالمدينة. تأليف: بدر بن محمَّد العمَّاش.

طبعات الكتاب:

- طبع في مكتبة الخانجي بمصر بتحقيق الشيخ ( عبد الله بن الصديق الغماري ) وعدد أحاديثه ( 1356 ).

- ثم في دار الكتب العلمية 1987, و في دار الكتاب العربي, بيروت بتحقيق (عثمان الخشت).

وقد تقدّم بعض إخواننا من طلبة (الماجستير) إلى قسم الدراسات بالجامعة الإسلامية لتحقيق الكتاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..