مقال د. وليـد أحمد فتيحي
نشـر بجريـدة عكـاظ
الثلاثاء 16 نوفمبر 2011م
عاد إلى بيته ليلة الأربعاء الثامن من ابريل لعام 2009م وقصد فراشه مبكراً بعد صلاة العشاء وقد أرهقه كثرة مايرى من صور إنتكاسة فِطرالبشر في معاملاتهم، و أنهكه مايواجه من تحديات وفتن، وماتكشفه له الأيام من صور مقيته وكذب ونفاق وهو يصبّر نفسه على كل ذلك باستحضار قول الله في قرآنه سبحان وتعالى وهو يخاطبه (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون).
وما أن شارفت الساعة على الثانية بعد منتصف الليل إلا وعيناه يقظتان فقد أخذ قسطه من النوم ... وأحس أن الله يدعوه فقام وتوضأ وصلى ماشاء الله له أن يصلي .. ودعا ماشاء الله له أن يدعو.. فكان كالذي خرج من الدنيا ساعة ثم عاد إليها ووجد في نفسه حاجة أن يكون جزءاً من فطرة الطبيعة في هذه الساعة قبل أن يستيقظ الناس وقبل أن يلوث الهواء بأنفاس العصاة ... ركب سيارته وقصد البحر ومنه إلى قاربه الصغير وأيقظ صاحبه الذي يلازمه كلما ذهب للصيد وما أن دخل وقت صلاة الفجر الا وكانا في منتصف البحر على بعد ساعة من الشاطئ بمنطقة تسمى (أبو فرامش) فصليا الفجر .. ثم جلسا يتبادلان اطراف الحديث. وبينما هو يتأمل جمال الطبيعة وشروق الشمس ويرى الله في آياته الناطقة وكأنها تتحدث اليه بلحنها السماوي الصافي النقي البديع وضع طُعمه في سنارته وألقى به في البحر والتفت لرفيقه وقال له (أتعرف أن الله الآن يوزع أرزاق البشر ولو شاء أن يرزق أحدهم نصف رزق الأرض لما سأله أحد، وكيف يسأله أحد وهو الذي يملك كل شيء وبيده كل شيء لا يحاسبه أحد فيعطي ويغدق متى شاء على من يشاء كيفما شاء واذا شاء فإنه يقول لشيء كن فيكون... وهذا بعض تفسيرقوله تعالى ( يرزق من يشاء بغير حساب)..
وفي تلك اللحظة إستشعر معنى للآية لم يستشعره من قبل، وكأنه يقرأ الآية أول مرة في حياته .. نعم .. من الذي يمنع الله سبحانه وتعالى إن أراد الساعة أن يهب نصف رزق الأرض لإنسان واحد بعينه لا أحد سبحانه... (يرزق من يشاء بغير حساب).. (يرزق من يشاء بغير حساب) فوقف شعر رأسه لما استشعر وكأنما فتحت له نافذة وحملته الآية الى بُعد آخر في إدراك معناها..
وفي هذه اللحظة أحس بشد قوي عنيف في سنارته وأخذ يسحب بكل قوته وزميله يعاونه.. قرابة خمس دقائق أو يزيد مرت قبل أن يستطيعا أن يخرجا ذلك الصيد العظيم من البحر وألقياه على سطح القارب .. ووقف مذهولاً لما يرى سمكة عظيمة .. هي أجود وأثمن أنواع السمك بلا منازع في البحر الأحمر تسمى (طرباني) أو تسمى (نابليون ) تزن 45 كلغ ... وقف ينظر اليها وهي تخاطبه وقد أدرك الرسالة واضحة جليه..
أن الله يخاطب عباده يوم بل وكل ساعة بمواقف يعيشونها وآيات يرونها .. ولكن حقاً لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور..
وقف على رأس هذه السمكة العظيمة يستمع إلى رسالة خالقه له ... إنك عشت مع قولي (يرزق من يشاء بغير حساب)..ثوان معدودات فكان هذا عطائي لك ... فكيف يصير حالك معي لو عشت مع هذه الآية واستشعرتها سويعات من كل يوم...
ووقف يتأمل الخيط والبكرة ليجد مكتوباً عليها أن أكبر وزن يتحمله مثل هذا الخيط لا يتعدى سبع وعشرون كلغ.. فكيف حمل هذا الخيط خمس واربعون كلغ.
وكانت الرسالة الثانية من خالقه يقول له .. هي ان الذي أكتبه لعبدي من رزق وانا المسبب لا يمنعه ما كتب عليه في سنة الأسباب فأنا المسبب للأسباب .. وأرزق من أشاء بغير حساب..
إن آيات الله لنا عديدة و كثيرة والرب يبعث للواحد منا عشرات الرسائل كل يوم ولكننا في غفلة عن سماعها ورؤيتها وقراءتها وفهمها..
كتبت قصتي التي سردت عليكم يومين بعد حدوثها اي قبل عامين ولكني عدلت عن نشرها آنذاك خشية أن يدخل النفس شيء من حظوظها فتنقلب البركة ذنباً ولكني أدركت أن في القصة عبرة لغيري وفي هذا مصلحة ومنفعة متعدية وفي حماية نفسي من حظوظها مصلحة ومنفعة خاصة .. فآثرت المصلحة والمنفعة المتعدية على المصلحة والمنفعة الخاصة وأسأل الله القبول..
ومن لم يتعلم الدرس من غيره لقنه التاريخ أقسى دروسه.
د. وليد أحمد فتيحي
طبيب استشاري، ورئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمركز الطبي الدولي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..