الخميس، 17 نوفمبر 2011

د. حمزة بن قبلان المزيني - الاختطاف الخفيّ

 
اهلا بأبي حمد  مجددا

من لديه أدنى شك   في ان الجماعات   اياها   ( ركاب موجة )  ....   فليتأمل   حال الغنوشي اليوم
الميكيافيللية   بدت واضحة ولم يعد  بوسع  احد اخفاؤها

لك التحية

د. حمزة بن قبلان المزيني - الاختطاف الخفيّ
(خاص منبر الحوار)
 
 
أما ما "اختطفتْه" الحركات "الإسلامية" فعلا فشيء آخر أهم. ذلك هو "خطاب" الثورات الشبابية في ميادين العواصم الثائرة وتطلعاتها.
ويشهد بهذا "الاختطاف" الفعليِّ انقلاب الحزبيين "الإسلاميين" على شعاراتهم المعروفة، وأشهرها....
الاختطاف الخفيّ

د. حمزة بن قبلان المزيني



يتهم بعض المعلِّقين الأحزابَ "الإسلامية" باختطاف "ثمرات" "الربيع العربي" الذي أزاح بعض الأنظمة العربية. هذا مع ترددها في المشاركة في المظاهرات العارمة في بداية الثورات، وعدم انخراطها فيها إلا بعد أن وثقت من نجاحها.
ويستشهد هؤلاء المعلقون على هذا الاختطاف باستقدام الإخوان المسلمين الشيخَ يوسف القرضاوي ليخطب في أول جمعة في ميدان التحرير بعد تنحية مبارك، وبالظهور الكثيف للسلفيين في مصر بعد الثورة مباشرة. إذ اندفعت جماعات منهم فهدمت القبور والمزارات في أنحاء مصر، وأحرقت بعض الكنائس، وهدمت بعضها، وشاركت بكثافة في الاستفتاء لتقرير أولية الانتخابات على وضع الدستور، وتباهى أحد كبار دعاتها بـ"غزوة الصناديق". وجاءت نتائج الاستفتاء متماشية مع رغباتهم. وحدث مثل هذا في تونس.
لكن هذه الشواهد كلها لا تكفي في البرهنة على "اختطاف" هذه الحركات لنتائج الثورات بالمعنى الذي يقصده هؤلاء المعلقون. أما ما "اختطفتْه" الحركات "الإسلامية" فعلا فشيء آخر أهم. ذلك هو "خطاب" الثورات الشبابية في ميادين العواصم الثائرة وتطلعاتها.
ويشهد بهذا "الاختطاف" الفعليِّ انقلاب الحزبيين "الإسلاميين" على شعاراتهم المعروفة، وأشهرها "الإسلام هو الحل"، وتنصلهم الجذري من برامجهم التي أخلصوا لها طوال العقود الماضية، ومناداتهم الآن بكل ما يتعارض معها. ويريد بعض المعلِّقين تفسير ذلك بأنه تطور حصل لهذه الأحزاب. لكن التطور لا يكون فجائيا شاملا جذريا.
ويكمن سبب هذا الانقلاب في اكتشاف الحزبيين "الإسلاميين" أن ما كانوا ينادون به طوال العقود الماضية من تطبيق الشريعة، وأسلمة المجتمع، والقضاء على مظاهر التغريب، ومقاومة الغرب، والقضاء على مظاهر "الانحلال" الأخلاقي ليس هو ما قامت الثورات "الشبابية" من أجله. ذلك أنها قامت طلبا للحرية والكرامة والعدل والمشاركة السياسية والقضاء على الاستئثار بالمال والنفوذ، وتأسيس دولة القانون.
ومثَّل هذا الاكتشاف المذهل ورطة لهذه الحركات. فقد صدمها عدم قبول الناس لخطابها ــــ بل مقاومتهم الجريئة له. وزاد الفجيعةَ اكتشافُها أنها لا تملك بدائل جاهزة للبرامج التي استنفدت أعمار المنتسبين إليها وجهودهم في العمل لها ودعوة الناس إليها. وأهم من ذلك اكتشافها أن الشعوب لن تسلم رقابها في المستقبل لأي تسلط مهما كانت ألوان المتسلطين. لذلك لم تجد هذه الحركات بدًّا من "اختطاف" التطلعات التي قامت الثورات من أجلها.
ويتجلى هذا "الاختطاف" في تخلي هذه الحركات عن شعاراتها الرئيسة التي حاربت من أجلها أطيافا من المواطنين ونعتتهم بسببها بأشنع النعوت، كالتغريب والعمالة للأجنبي ومعاداة القيم والشعائر والأخلاق الإسلامية.
فلم يعد زعماء هذه الحركات يتحرجون من التصريح بتخليها عن شعاراتها المعهودة والتصريح بما يناقضها. وأول شواهد هذا الانقلاب ما يصرحون به الآن عن علاقتهم بالغرب الذي كانت عداوته إحدى شعاراتهم الأساسية. فقد كتب عبد المنعم أبو الفتوح، الذي انشق مؤخرا عن الإخوان المسلمين بسبب ترشحه للرئاسة، من أن "الغرب والإخوان المسلمين ليسوا أعداء" (الواشنطن بوست، 9/2/2011م). وشدد راشد الغنوشي على "الانفتاح على أوروبا وخارجها... وعلى علاقات الصداقة التاريخية مع الولايات المتحدة الأميركية" (السفير اللبنانية، 29/10/2011م).
كما صرح الغنوشي باتساع صدره للتيارات التي قامت ثقافة الحزبيين "الإسلاميين" على التشهير بهم، فيقول، في الخبر نفسه: "نسعى الى إخواننا في الوطن مهما كانت توجهاتهم طالبين منهم المشاركة في كتابة الدستور وفي نظام ديموقراطي وفي حكومة ائتلاف وطني في إطار الوفاق. ويجب ألا نغفل جهاد من ناضلوا من أجل هذه الثورة وتداولوا على السجون منذ الاستقلال من قوميين واشتراكيين ونقابيين وليبراليين وشيوعيين".
بل صرح بأن حزب "النهضة ليس حزبا دينيا، وزعم أنه لا يملك سلطة خاصة لتأويل الإسلام. وأن أعضاء الحزب إنما يستقون قيمهم من الإسلام وحسب. كما قرر الحزب مؤخرا أن يصف نفسه  بـ"مسلم" بدلا من "إسلامي" لأن الاسم الأخير يذكِّر الغربيين بمفهوم الدولة الدينية" (نيويورك تايمز 24/10/2011م).
ومن الشواهد الأخرى على هذا الاختطاف الخفي أن زعماء هذه الحركات يصرحون الآن بـاحترامهم لـ"الحريات الشخصية" التي يدخل فيها بعض المظاهر التي كان القضاء عليها جزءا أصيلا من خطابها.
فقد كانت تلك الأحزاب تنادي بأنها، حين تستلم السلطات في تلك الدول، ستعيد الناس إلى مظاهر الإسلام وقيمه، وهو ما يعني إعادتهم إلى الالتزام بالواجبات الدينية، وتحريم الخمر، وتأكيد مظاهر الحشمة كالحجاب.
لكن زعماء تلك الأحزاب يصرحون الآن بأنهم لن يغيروا شيئا يتصل بحريات الناس في "ما يأكلون ويشربون ويلبسون"، بتعبير الغنوشي في إحدى المقابلات التي أُجريتْ معه. بل إنه يعيب على بعض الدول الإسلامية (ويقصد المملكة) بأنها تُلزم النساء بالحجاب مع أنهن يتخلين عنه حين يخرجن من المملكة مباشرة. وسمى ذلك نفاقا، وأكد أن إلزام الناس ببعض المظاهر من غير اقتناع منهم بها إنما يولِّد النفاق. وهو يريد "أن يرى وجوها عارية لا وجوها منافقة" (يقصد وجوه النساء).
وأوضح من ذلك ما قاله عبد الفتاح مورو، أحد زعماء حزب النهضة، في مقابلة طويلة مع قناة دريم2 المصرية (4/11/2011م)، من أن الذين يريدون تطبيق أحكام الشريعة الآن إنما ينطلقون من تصور للدولة الإسلامية "العقائدية" التي كانت سائدة في القرون الإسلامية الأولى. أما الآن فهو عصر الدولة الوطنية المدنية التي تُلزم بالتعايش مع المختلفين وعدم فرض الدولة شيئا يتصل بالتصرفات اليومية للمواطن. وأكد أن مهمة الدولة الآن هي التنمية المادية في المقام الأول لا الانشغال بتصرفات الناس الفردية حتى إن خالفت تعاليم الإسلام.
وبمثل هذا صرح زعماء الإخوان المسلمين في مصر، ولا يزالون. ومن الواضح أن هذه التصريحات غير المتوقعة تمثل نهاية فعلية لـ"الحزبية" الإسلامية بالصورة التي عهدها الناس عليها.
وأمام هذا الانقلاب المفاجئ الذي يصل إلى حد "الميكافيلية" السياسية ينبغي أن نسأل: ما الذي تختلف فيه هذه الأحزاب الآن عن التيارات الوطنية الأخرى، في تلك البلدان؟ وكيف استطاع حزب النهضة "الإسلامي" أن يفوز في الانتخابات التونسية ويتفوق على تلك التيارات بنسب عالية من الأصوات؟
وربما يعود ذلك إلى أن الأحزاب "الإسلامية" أكثر تنظيما، وأكثر قربا من الناس، وأكثر جرأة في بذل الوعود، ولأن الأغلبية من الشعوب مسلمة وأكثر ثقة بوعود من يقدِّمون أنفسهم على أنهم متدينون من وعود غيرهم.
وخلاصة القول أن هذا الانقلاب المفاجئ يؤكد صحة ما كانت تُتهم به هذه الحركات بأنها لا تملك برامج لإدارة الدولة الحديثة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. وقد برهن الربيع العربي، بالشعارات التي رفعها المتظاهرون في البلدان العربية الثائرة وتتصل بالتطلع إلى دول مدنية مختلفة يحكمها القانون، على أن الخطابات "الإسلامية" الحزبية كانت من أسباب إلهاء المسلمين عن قضاياهم الأساسية، إذ شغلتهم عنها لأكثر من ثمانة عقود بشعارات براقة لا تتصل بالحياة المعاصرة التي يتطلع إليها الناس، وهذا ما اضطرها للتخلي عنها سريعا عند أول امتحان. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..