الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

ما لا يشترى بالمال


بدر باسعد 

إلى اليوم يظل المشكل المتعلق بعدم قدرتنا على إنتاج التقنية واللحاق بالدول المتقدمة قائما ومستعصيا على الحل على الرغم من وفرة المال واستمرار الفعل السياسي لعشرات السنين . ولكن وفرة المال التي هي أحد المفاتيح الكبرى لانفراج الأزمة لم تصبح سوى الغطاء الذي لا يشعرنا بالأزمة على حقيقتها ، فأصبحت المخدر الذي خدرنا فترة من الزمن ، فالمال الوفير لم يستطع أن يغطي سوى أزمة واحدة فقط من أزماتنا المتعددة أعني تلك الأزمة المتعلقة بالقدرة على توفير المنتج اللازم للحياة مثل الماء والغذاء والكهرباء وأدوات الحياة الأخرى. وأما تنمية السياسة والاقتصاد والتربية والتعليم فلم يكن المال قادرا على تغطيتها لأن تنمية هذه الجوانب لا يمكن شراءها بالمال ، فلم ينفع معها الثراء بل لم يكن الثراء سوى محفزا لظهور آثار الضعف فيها جميعا كما حصل في عصر الطفرة.

فعلى الصعيد الاقتصادي : لم يصبح الثراء ماحيا للبطالة فصار واضحا لدى كل أسرة تحوي عاطلا أو أكثر أن وعود الاقتصاديين ليست سوى كلمات في الهواء  تدل على جهل النخب الاقتصادية بالموضوع الذي تتكلم فيه لأن مشكلة البطالة ليست مفاجئة بل هي حصيلة الفعل الاقتصادي خلال عشرات السنين.

وفي التعليم : لم تصبح وفرة المال بانية لتعليم رفيع ، وليس أدل على ذلك من كون " التصدير  بالجملة للمبتعثين" أصبح ضرورة وحاجة ماسة بعد فشل أجهزتنا التعليمية وضعف قدرتها على إنشاء تعليم قادر على مواكبة التعليم المتحضر. ولو كان " الابتعاث " مجرد رفع من تعليم الطلاب لكان الإبتعاث قاصرا على المتصدرين لمهنة التدريس أو طلاب كليات التربية الذين سيمارسون العمل التعليمي في المستقبل وهذا بلا شك سوف يعود على التعليم مرتين . مرة بالإطلاع على التجربة التعليمية في العالم المتقدم ومرة بنقل التجربة إلى الطلاب.

وفي التربية : لم يصبح المال الوفير مرسّخا للقيم والأخلاق الرفيعة لأنه لا يمكن نيلها إلا بالتربية. وبالتالي دل فساد القيم التربوية على أن جل النخب التربوية المسيطرة لا تفقه مقومات ولا شروط العمل الذي تقوم به فضلا عن أن تعي دورها في إعادة مجد الأمة إلى سابقها . وهذا يدل دلالة واضحة أن تغني هذه النخب بالإسلام ليس سوى مظهرية جوفاء إذ لو كان تغنيا حقيقيا لأصبح الواقع يدل عليه في أظهر مظاهر الإسلام ألا وهو : الصلاة.

وفي المجال السياسي : لم يستطع المال الوفير بناء كيان سياسي مسيطر ومدير لدفة الأمور لأن القوة السياسية في أصلها تعتمد أساسا على القوة الداخلية التي بدورها مستندة على تفعيل "دور الرقابة الشعبية للقرار السياسي" ولأن هذا الدور صار معدوما فقد آل ما ينبني عليه من السياسة الداخلية والخارجية إلى ما نراه اليوم من اعتماد الدول العربية على أحد المعسكرين الأمريكي أو الروسي بدلا من اعتمادها على ما تملكه شعوبها أو أمتها من قوة.

        وأخيرا : إذا كان الواقع كما وصفت فلابد إذا من دراسة المشكلة وبيان العلاج دراسة حرة تفصح عن الأدوار المشتركة بين النخب في تردي الأسس الأربعة اللازمة لقيام أية أمة من الأمم ولكن شروط الدراسة الحرة ليست متوفرة في البيئات العربية التي تعاني من استتباع نخب السياسة لنخب التعليم.ومع هذا فإن الأمل الأخير سيظل باقٍ أعني إمكانية وصول أصحاب الأهلية والكفاءة إلى منازل العمل المؤثر ، ولكن الحاصل أن هذه المنازل يأتي أصحابها بالتعيين لا بانتخاب الأكفاء من أهل التخصص. فإذا كانت شروط الحلول غير حاصلة فلا ريب أن يتأجل المشروط. وفي القلب أكثر مما هو مكتوب ولكن ( لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..