الأربعاء، 1 فبراير 2012

الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي /سيرة 3

الشيخ عبد الله بن محمد بن حمد بن محمد بن عثمان القرعاوي
هو العالم الجليل ، والمرشد المصلح النبيل الصادع بكلمة الحق ، الورع الزاهد ، الشيخ عبد الله بن محمد
بن حمد بن محمد بن عثمان القرعاوي ، ولد في 11 ذي الحجة عام 1315 هـ بعد وفاة أبيه بشهرين في مدينة عنيزة - السعودية ، فنشأ يتيما ، وقام بتربيته ورعايته عمه عبد العزيز القرعاوي ، كما كانت أمه تحن عليه ، وتأيمت بعد أبيه ، وقامت مع عمه برعايته على أكمل وجه ، واشتغل في عام 1328هـ مع عمه بالتجارة في التغريب للشام ، فسافر معه في جلب الإبل والملابس ، وعاد إلى عنيزة ، فصار يوالي نشاطه التربوي والتأديبي ، وفتح دكانا للبيع والشراء ، وكان صدوقا في المعاملة ، وفي الصباح والليل يلازم مشايخه ، وهي تجربة لم تستمر ولم تكن مثمرة ، حتى تغريه بالاستمرار فيها ، حيث صرفه عنها شغفه بالعلم .



بعض صفاته ، وما قيل فيه :



لكل إنسان صفات خُلقية وخَلقية تميزه عن غيره ، وتنعكس على شخصيته وأعماله ، والشيخ عبد الله القرعاوي - رحمه الله - بانت عليه صفات عديدة تميزه عن غيره .



يقول عنه الشيخ عبد الله البسام رحمه الله - عضو هيئة كبار العلماء سابقاً - قد أجمل صفاته بقوله : وكان آمرا بالمعروف ، ناهيا عن المنكر ، يصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم ، وكان يتجول في أسواق عنيزة وشوارعها لهذه الغاية ، فلا يرى متخلفا عن الجماعة في المسجد ، أو امرأة لابسة شيئا من زينتها ، إلا علاه بعصاه ، وزجره بلسانه ، حتى صار له هيبة وسطوة ، يحذره منها الكسالى والمتهاونون ، وفي عدة مرات يفتح مكتبا لتعليم الأطفال القرآن الكريم ، والكتابة والحساب مجانا لوجه الله تعالى ، كما يوجه الكبار منهم إلى مبادئ العلوم ، وأنا كنت من الأطفال الصغار الذين دخلوا في كتابه - رحمه الله تعالى - فكان لا يأذن لنا بالخروج حتى نؤدي الصلاة في أوقاتها ، وهو يلاحظنا عن اللعب في الصلاة ، ثم يخرج بعد ذلك لأداء الصلاة في المسجد .

أما الشيخ محمد القاضي في ترجمتـه لحياته ، فقد وصفه بصفـات عديدة ، منها قوله : العالم الجليل ، والمرشد المصلح النبيل ، الصـادع بكلمة الحق ، الورع الزاهـد . كما وصفه برخامـة الصوت ، والتجويد لكتاب الله ، والبر بوالدته ، وحب الإصـلاح بين الناس ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وفي عام 1386هـ فقد بصره ، وضعفت قواه ، وأرهقته الشـيخوخة .





يقول عنه الشيخ عمر أحمد جردي مدخلي - وهو من خاصة طلابه بعدما ذكر صفاته الخُلقية : ... نشيط في جسمه ، قوي في بدنه ، لا يستطيع أحد من طلابه في ذلك الوقت أن يقوم بما يقوم به من نشاط علمي وعملي ، كث اللحية ، أعطاه الله من الذكاء والفراسة الشيء الكثير ، داعيا إلى الله بالحكمة واللين والرفق ، عالما ورعا ، زاهدا مخلصا ، صابرا محتسبا في دعوته إلى الله تعالى ، وكان - رحمه الله - سلفي العقيدة : عقيدة أهل السنة والجماعة ، أما الفروع فلا يتقيد فيها بمذهب من المذاهب الأربعة فقد كان مذهبه مذهب السلف الصالح ، إذا صح الحديث فهو مذهبه ، وكان يقوم الليل مع كثرة متاعبه طيلة النهار بالتدريس ، وجزء من الليل ، وكان ينام أحياناً على الحصير بالمسجد ، وكان يحب المساكين ويكرمهم ، وكان يعطف على الأرامل والأيتام ويواسيهم ، وكان يحب طلبة العلم حبا لله ، وفي الله ، وقد لقي من المتاعب والمكائد والحسد ما الله به عليم ، لكنه - رحمه الله - قابله بالصبر والاحتساب . وفي مواصلته الحديث عن الشيخ القرعاوي ، حسب معرفته الشخصية يقول : وفي الأعوام الأخيرة قام ببناء المساجد في جهات متعددة من جوامع وغيرها كثير ، لا أستطيع حصرها ، ولقد حفر آبارا كثيرة للشرب ، وقد بذل جهدا كبيرا بالشفاعة عند الحكومة لتوظيف بعض الطلبة ، ومشايخ القبائل ، فاجتمعت في هذه المنطقة بفضل الله ثم بأسبابه نعمة الدين والدنيا معا ، وكان محسنا كبيرا كريما ، ويحب أهل الكرم ، وقد أوصى بثلث ماله عند موته في المشاريع الخيرية ، في بناء المساجد ، وحفر الآبار ، وغيرها من أعمال الخير ، والحمد لله قد نفذ من الثلث الشيء الكثير ، وذلك من حسن نيته - رحمه الله - وحسن تدبير وصيه ولده الأكبر الشيخ محمد - حفظه الله ، وكثر أمثاله من الأولاد الأبرار الأتقياء .



رحلاته في طلب العلم :



كابد الشيخ القرعاوي مشاغل الحياة ، جريا وراء لقمة العيش ، ولم يتفرغ لطلب العلم إلا على كبر ، فكان من القلة الذين جعل الله في علمهم بركة ، وفي إخلاصهم وصدقهم مع الله نتيجة ، وذلك بتفتح السبل ، وتذليل الصعاب ، وسرعة النتائج ، حيث دأب - رحمه الله - على الإخلاص والنصح والدعوة ، منذ كان شابا في عنيزة ، ومع تلاميذه في أول مدرسة افتتح في مسقط رأسه للتعليم : قراءة وكتابة ، يقول عن نفسه : أني لما رجعت من الهند في 22 رمضان سنة 1357 هـ ، وقدمت الرياض ، أقمت عند شيخي الفاضل العلامة : محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ، أقرأ عليه للمرة الثالثة ، وأما الرابعة فكنت مستمعا ، وأما الخامسة فلم أجده لأنه كان بمكة يومئذ ، وقد ذهبت إلى الأحساء عند فضيلة الشيخ عبد العزيز بن بشر ، وإلى قطر عند فضيلة الشيخ محمد بن مانع ، فقرأت عليهما كليهما في الحديث .

وأخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد آل مانع ، كما رحل إلى بريدة فلتقاه عن الشيخ عبد الله بن سليم ، وعمر بن سليم أيضاً ، وترك التجارة وانصرف إلى طلب العلم ، فرحل إلى الهند للتزود من العلم ، وذلك عام 1334 هـ ، والتحق بالمدرسة الرحمانية بدلهي ، وتلقى علم الحديث عن علماء السنة في الهند ، فلما جاءه خبر مرض والدته بعد سنة من وصوله ، عاد إلى عنيزة ولكن توفيت قبل وصوله ، ثم جد في طلب العلم ، وصار يقوم برحلات إلى العلماء الكبار في أوطانهم وأمكنة عملهم ، وفي خلالها يعود إلى بلده عنيزة ، ثم عاد إلى الهند لإكمال دراسته ، فتلقى علم الحديث عن الشيخ عبد الله بن أمير القرشي الدهلوي ، وأجازه إجازة مطولة في كتب الحديث في رحلته الأخيرة عام 1355 هـ ، ثم عاد عام 1357 هـ ، وقد سافلا أيضاً للعلم إلى مصر ، وفلسطين ، ثم إلى الشام " سوريا " ، ثم إلى الأردن ، وأخيراً إلى العراق والكويت ، ثم رجع إلى بلاده .





إنتقاله لمنطقة جنوب السعودية :



لازم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله مفتي الديار السعودية سابقاً فترة ، وحج معه ، وبعد أداء المناسك ، طلب الملك عبد العزيز - رحمه الله - من سماحته أن يوجه إلى الجنوب مرشدا ومعلما ، لأمور الدين ، فوجه الشيخ عبدالله القرعاوي إليه ووصاه بالإخلاص في دعوته ، وبتقوى الله في السر والعلن ، وقيل أنه هو الذي طلب من الشيخ ذلك ، وندعه يتحدث عن ذلك فيقول: وفي اليوم العشرين من صفر توجهت لجازان ، وأخذت منه بضاعة ، وتوجهت لصامطة ، ثم تجولت بجهات صامطة ، ونزلت دكانا في نفس صامطة ، ووضعت فيه البضاعة التي معي ، وأول أمر بدأت به وأنا في الدكان تعليم القرآن الكريم ، وثلاثة الأصول ، والأربعين النووية ، والتجويد والفرائض وآداب المشي إلى الصلاة ، كان ذلك في 21 ربيع الأول عام 1358هـ فكان هذا الدكان أول مدرسة فتحتها في تهامة اليمن ، وفي آخر جمادى الأولى من هذه السنة ، توجهت إلى فرسان ، وفتحت فيه مدرسة ، ومنه توجهت إلى مزهر قرية الحكميين " الحكامية " ففتحت فيها مدرسة ، في أول رجب وأصلحت مسجدها ، وهو أول مسجد أصلحت بتهامة وفي غرة شعبان توجهت إلى صامطة ، ففتحت المدرسة بها ثانيا ، في بيت ناصر خلوفه ؛ لأنه لا يستطيع المشي وهو من خيار الطلبة وأكبرهم ، فأردت أن لا يتكلف ، وفيها استقريت حتى الآن .


علاقة الحكومة بمدارس الشيخ القرعاوي :
رغم ما كابده الشيخ القرعاوي رحمه الله من مشكلات سببها نفثات الحاسدين ، وتلبيس المغرضين ، فإن الحكومة وفقها الله أرسلت لجانا عديدة للوقوف على الحقيقة ، فكتبت تقارير تنبئ عن إعجابها بالمدارس وتدعو لتشجيعها ومساندة الشيخ القرعاوي في عمله لصدقه وإخلاصه وسلامة مقصده ، فكان لذلك أثر حسن لدى المسئولين في الدولة . . فالملك عبد العزيز - رحمه الله - ارتاح لعمل القرعاوي وأمر له بمكافأة تعينه على مسيرة العمل عام 1367 هـ .
والملك سعود - رحمه الله- ولي العهد يومئذ في عام 1363هـ تفضل ببعث إعانة كبيرة للشيخ جعلها عادة سنوية وأوصى به أمراء الجهات وقضاتها .
والأمير خالد السديري في عام 1362هـ وقبل أن ينتقل من إمارة جازان قد توسط عند الحكومة بطلب إعانة للطلبة ، فجاء الأمر بصرف ثلاثمائة ريال 300 شهريا .
فكانت تصرف من مالية "صامطة " لثلاثين طالبا . كما تبرع الأمير خالد بقيمة الدفاتر والأدوات المدرسية على حسابه ،
والأمير محمد بن أحمد السديري لما جاء لجازان عام 1364هـ سلك مسلك أخيه خالد بالمساعدة والتأكيد على القضاة وأمراء المقاطعة بمساعدة الشيخ القرعاوي .
ثم فيما بعد عين الشيخ عبد الله القرعاوي معتمدا للمعارف بمنطقة جازان 1373 هـ ولكنه استقال في نفس السنة ، واستمر في مدارسه .
وهكذا استمرت رعاية الحكومة لمدارس القرعاوي ، التي شملت منطقة كبيرة من البلاد ، حيث أمر الملك سعود - رحمه الله- بأن يكون لها ميزانية مستقلة عام 1374هـ ، وأن يسند إشرافها إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - لكنه اعتذر بمشاغله الكثيرة ، فقال الملك سعود رحمه الله ، عند زيارته لأبها في مجلس عام : " مدارس القرعاوي أنا المشرف عليها ".
وقد اتخذ القرعاوي لها مقرا في مكة ، لتكون الإدارة قريبة من وزارة المالية والجهات الحكومية ذات العلاقة ، حيث كلفت وزارة المالية ممثلا ماليا ينظم صرفها على الطلاب والمدرسين والموظفين .
وفي عام 1371هـ أمر ولي العهد- رحمه الله - بصرف تكاليف بناء المدرسة والجامع القديم بصامطة ، على مالية جازان ، ويروي تبعية المدارس وأمر الملك سعود بشأنها ومقابلته مع الشيخ القرعاوي . .
كما كانت وزارة المعارف بتوجيه أول وزير لها عام 1373 هـ سمو الأمير فهد - آنذاك - تولي مدارس القرعاوي عناية خاصة بالاهتمام والمتابعة وتحديد المستوى . وقد بلغت ميزانية المدارس التي أمرت بها الحكومة لمدارس القرعاوي ذلك الوقت خمسة ملايين من الريالات . نظرا لأن أعمال الشيخ القرعاوي توسعت ، وجهوده تواصلت في منطقة كبيرة وواسعة من بلادنا الغالية ، كما امتد أثرها في اليمن حيث أسس طلابه اليمنيون مدارس في قراهم بجهودهم الذاتية كما عمل شيخهم .



حصيلة الجهد الدعوي :
ويمكن إجمال المدارس التي فتحها الشيخ القرعاوي في أنحاء المملكة وفقا للإحصائيات الواردة في الكتابات عن حياة الشيخ القرعاوي وأعماله في المنطقة . . كما يلي :

1 - يقول الشيخ موسى السهلي في كتابه عن القرعاوي ، ودعوته في جنوب المملكة : وقد بلغ عدد المدارس حسب علمي- في أوج توسع العمل فيها ، وحسبما ذكره سماحة شيخنا: ألف وثلاثمائة وعشر مدارس .

2 - أما الشيخ علي بن قاسم الفيفي في كتابه : السمط الحاوي لأسلوب القرعاوي ، في نشر التعليم في جنوب المملكة ، فقد أورد رأيين:

الأول: نسبه إلى الشيخ أحمد بن يحيى النجمي : بأن المدارس بلغت في عام 1376هـ مائتان وألف مدرسة " 1200 " بها نحو مائة ألف طالب ، وكان يكافئ الطالب المبتدئ بريالين وخاتم القرآن بعشرة ريالات شهريا .
الثاني : نسبه إلى الشيخ إبراهيم بن عبد الله زكري ، وهو من معاوني الشيخ المقربين إليه ، حيث أخبره أنه بلغ عدد المدارس في أوج ازدهارها في عام 75 \ 1376هـ ثمانمائة وألفي مدرسة(2800) ولكنه انخفض العدد بعد ذلك . ثم أردف قائلا: وفي رسالة بعث بها إلي الشيخ بتاريخ 16 \ 7 \ 1375هـ ذكر فيها أنه رتب في أبها والقنفذه والطائف وتوابعها تسعمائة مدرسة .

3 - والشيخ عمر أحمد جردي يرى أن المدارس في عام 1376هـ ، وهو أول عام فتحت فيه المدارس في نجران بأمر من الملك سعود ، قد بلغت ألفين ومائتي مدرسة ، فيها خمسون ألف طالب ، وفيها خمسة عشر ألف طالبة . بثلاثة آلاف مدرس ومدرسة .

4 - وفي موطن آخر ينقل عن الشيخ القرعاوي بأن اللجنة التي جاءت عام 1376هـ لتفقد المدارس ، لم يقف أعضاؤها في تجوالهم ، إلا على ألف وخمسمائة مدرسة ، وبقي منها سبعمائة وخمسون مدرسة لم يتجولوا عليها ولم يشاهدوها ، حيث سافروا من صامطة يوم 17 \ 8 \ 1376هـ ، والمدارس التي لم يتجولوا فيها ، أوضح تفاصيلها الشيخ القرعاوي . وفي إيراد ذلك بيان عن المناطق التي شملها نشاط الشيخ القرعاوي في تعليمه ودعوته- رحمه الله - وهي :

1 - جازان 220 مدرسة غالبها في الجبال .
2 - منطقة عسير وتهامة 200 مدرسة .
3 - منطقة القنفذه 140 مدرسة .
4 - منطقة تهامة غامد وزهران 95 مدرسة .
5 - منطقة الليث 50 مدرسة .
6 - مدينة جدة 30 مدرسة غالبها ليليات .
7 - مكة المكرمة 10 مدارس .
8 - جهة القصيم عنيزة وبريدة 25 مدرسة غالبها نسائية .
فأصبح مجموع المدارس 770 مدرسة ومجموع التلاميذ للأولاد والبنات 75000 طالب وطالبة ؛ منهم عشرة آلاف تلميذ وتلميذة بالمدارس العلمية .

5 - أما في اليمن فإن تلاميذه حرصوا على نشر العلم في بلادهم ، وكان أولها في عام 1373 هـ عشرين مدرسة بمدينة حرض وما حولها ، وبلغت في أنحاء اليمن عام 1375 هـ 86 ستا وثمانين مدرسة ، منها خمس مدارس للبنات .

ومن هذا العرض الموجز ، ندرك أن الشيخ عبد الله القرعاوي يعتبر رائد التعليم والدعوة في جازان وما حولها في مناطق الجنوب ، ويعترف كثير من طلبة العلم هناك بفضله وأعماله ، وإيقاظه للمنطقة ، وانتشال أهلها من براثن الجهل ، ومهاوي البدع والمنكرات . كما يعتبر رحمه الله ، رائدا في تعليم المرأة هناك ، ورائدا في توفير المكتبات ، والترغيب في المطالعة والتأليف ، ورائدا في توفير السكن الداخلي للطلاب الغربـاء ، ليدخر جهـدهم للعلم ، حيث أخذ الفـكرة من مدارس الهند التي تعلم فيهـا ، أو زارها كالمدرسة الرحمانيـة بدلهي . وهو نموذج للتواضع ، فريد في البذل والحرص والمتابعة ، مع الحلم ، حيث احتذى بعض طلابه منهجه ، وهان عليهم السفر لأي مكان في سـبيل العلم: أخذا وعطاء ، وتحملا من أجله . كما يعتبر أستاذ جيل ، وداعية مجددا بالرفق واللين والحكمة والصبر ، وهذه سـمات العلماء وأخلاقهم ، في حبهم للخير والمساعدة ، وفي حرصهم على الدعوة إلى الله سـبحانه ، واهتمامهم بتعليم الناس أمور دينهم .

أمضى الشيخ القرعاوي واحدا وثلاثين عاما في منطقة الجنوب ، كلها حركة دائبة : في التعليم والدعوة . ترك خلالها آثارا جليلة ، حيث أيقظ الله به خلقا كثيرا من نومة الجهل ، وغمامة الأهواء ، فالمنطقة كانت تغط في سبات عميق ، وتتخبط في ظلمات داكنة من الشرك والبدع ، وبعض أبنائها إن لم يكن جلهم يتعلقون بأصحاب القبور والسحرة ، وما يتبع هذا من المعاصي والآثام . وقد عانى الشيخ في هذا السبيل ما الله به عليم ، فصبر وصابر ، وهذب نفوس وطباع من حوله ، من طلاب وجلساء ، حتى برزت الثمار ، وظهرت النتائج في الغرس: طلابا نجباء ، ومدرسين وقضاة ، ودعاة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وغير هذا من ثمار يانعة يلمس أثرها في ذلك اليوم وحتى الآن .



وفــاته رحمه الله :
في اليوم السابع والعشرين من شهر صفر عام 1389 هـ مرض الشيخ القرعاوي وهو في منطقة جازان الموافق ليوم الخميس ، وقد نقل على أثره للرياض ، وأدخل المستشفى المركزي بالشميسي ، فعلم به العلماء وطلاب العلم بالرياض ، وبعض المسئولين ، وجاءوا لزيارته والدعاء له بالشفاء .

وقد وافاه الأجل المحتوم في يوم الثلاثاء الثامن من شهر جمادى الأولى عام 1389 هـ عن عمر يناهز الرابعة والسبعين عاما ، وقد صلي عليه في مغرب ذلك اليوم بالجامع الكبير بالرياض ، ودفن بمقبرة العود بالرياض قبل وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم بحوالي خمسة أشهر ، وقد رثاه بعض تلاميذه بقصائد وكلمات . وفي مرض موته أوصى بثلث تركته في وجوه الخير والبر .
ويرى الشيخ محمد القاضي أنه في عام 1386 هـ فقد الشيخ القرعاوي بصره ، وضعفت قواه ، وأرهقته الشيخوخة فطلب الإحالة على التقاعد المعاشي ، وعاد إلى الرياض عام 1387 هـ ومعه عائلته وجعل يرتاد عنيزة ، والحجاز للحج والعمرة إلى وفاته .


======================================================
من مصدر آخر:

نبذة عن الشيخ عبد الله بن محمد بن حمد القرعاوي- رحمه الله

مقدمة:
لايزال أهالي منطقة أهالي جازان، يذكرون فضيلة الشيخ عبدالله القرعاوي، وحتى يومنا هذا، لا يخلو مجلس علم من سيرته رحمه الله، فهو أحد روّاد التعليم في المملكة العربية السعودية.
ونظراً لما قدمه الشيخ القرعاوي، من علوم مفيدة، إستفاد منها العديد من أهالي منطقة القصيم و منطقة جازان، وغيرها  من مناطق المملكة، بالإضافة إلى إمتداد منافع تلك العلوم لمعظم الدول العربية والإسلامية ، فكان لابد أن يستمر تدوين سيرة هذا الشيخ الفاضل، كي تطلع عليها الأجيال القادمة، حيث لا زالت فضائل علمه يستفاد منها في علوم الدين، ولهذا أهتمت صحيفة "الحدث" بان تساهم في نشر سيرته رحمه الله، وهذه السيرة مما ذكرها د. عبيد بن عبد الله السبيعي، عن فضيلة الشيخ عبدالله القرعاوي:

فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن حمد القرعاوي
( 1315- 1389هـ )
نسبه:
هو عبد الله بن محمد بن حمد بن عثمان بن علي بن محمد بن نجيد القرعاوي ثم النجيدي ثم المصلوخي ثم العنزي , فهو من آل القرعاوي عشيرة من آل نجيد الذين هم من المصاليخ الذين هم بطن كبير من قبيلة عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان فهي قبيلة من ربيعة العدنانية .

أما نسبته إلى ( القرعاء )  فإنّ جده (حمد) سكن القرعاء من قرى القصيم الشمالية وجاء إلى عنيزة فصار أهلها يسمونه ( القرعاوي ) نسبة إلى هذه القرية بعد أن كان لا يعرف إلاّ ( بمحمد بن نجيد ) نسبة إلى جده الأول , وبقيت هذه النسبة في ذريته من بعده يسمون بهذا الاسم حتى الآن .

مولده ونشأته:
 ولد في عام 1315هـ في بلدة عنيزة , ونشأ فيها  , وربي في كفالة والدته  , ورعاية عمه ( عبد العزيز بن حمد القرعاوي) وهو أحد وجها مدينة عنيزة وأعيانها . لقد نشأ عبد الله في مدينة عنيزة , وأخذ  يمارس التجارة من حداثته , وعمه يوجهه ويرشده ,  ثم صار له ميل لطلب العلم  , فقرأ القرآن وحفظة عن الشيخ سليمان بن دامغ( المقرئ الشهير ) , كما أخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد آل مانع .

رحلاته في طلب العلم:
رحل إلى بريده فتلقى العلم عن الشيخ عبد الله بن سليم , وعمر بن سليم  , وأخذ عن الشيخ صالح بن عثمان والشيخ سليمان العمري , ثم ترك التجارة وانصرف إلى طلب العلم . ثم رحل إلى الهند للتزود من العلم وذلك عام 1344هــ , والتحق بمدرسة (الرحمانية ) بدلهي , وتلقى فيها علم الحديث عن علماء السنة في الهند فلما جاء خبر مرض والدته بعد سنة من وصوله إلى الهند عاد إلى عنيزة ولكنها توفيت قبل وصوله .
  
ثم جد في طلب العلم , وصار يقوم برحلات إلى العلماء الكبار في أوطانهم وأمكنة أعمالهم , ثم يعود إلى بلده عنيزة , فرحل إلى بريدة للأخذ عن علمائها , كما رحل إلى الرياض وأخذ عن سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم , ثم سافر إلى مكة وتعلم الخط  والحساب بمدرسة ( الحلوني ) , كما رحل إلى ألاحسا وأخذ عن قاضيه الشيخ عبد العزيز بن بشر , ثم رحل إلى قطر فأحذ عن العلامة الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع , ثم رحل إلى المجمعة فقرأ على الشيخ عبد الله العنقري , ورحل إلى مصر وفلسطين والشام طلباً للعلم , ثم عاد عام 1355هـ إلى الهند لإكمال دراسته , فتلقى علم الحديث , و التفسير , واللغة العربية والتوحيد , والفقه , والتاريخ , والإنشاء , والإملاء , والخط , والحساب عن الشيخ أحمد الله بن أمير القرشي الدهلوي , وحصل على الإجازة من شيخه , ثم عاد سنة 1357هـ .

مدارس القرعاوي:
 لما عاد من الهند عام 1357هـ في رحلته الأخيرة شرع في القراءة على شيخه الشيخ محمد بن إبراهيم  آل الشيخ , فسمع في مجالس شيخه حالة الجهل المطبق والظلام الدامس في جنوب المملكة العربية السعودية , ومما قال عن نفسه في هذا الشأن :( فاستخرت الله تعالى واستشرت شيخي بالتوجه إلى تلك المنطقة , فاستحسن ذلك وأوصاني بتقوى الله ودعا لي وودعته , وحججت ذلك العام وتوجهت إلى صامطة) وكان حينها قد التقى الملك عبد العزيز بتوجيه من أستاذه ابن إبراهيم , لكي يبين له ما عزم عليه ويطلب موافقته على ذلك .

و من صامطة كانت البداية , حيث استوطن بها , وأنشأ بها أول مدرسة من مدارسه في ربيع الأول عام 1358هـ , وبدأ من ذلك العام بتعليم القران الكريم , وثلاثة الأصول , والأربعين النووية , والتجويد والفرائض . وفي آخر جماد الأولى من العام نفسه افتتح مدرسة أخرى في فرسان , ثم مدرسة أخرى في قرية مزهرة , وفي آخر شهر شعبان نقل مدرسته من صامطة إلى بيت أحد طلابه  , وقد قام الشيخ القرعاوي بإعادة بناء هذا المنزل من الخشب والجريد والحشيش ليكون أكثر مناسبة كمدرسة لدار العلم وفي آخر ذي القعدة من عام 1358هـ افتتح مدرسة أخرى وبناء مسجداً لدى المسارحة , وكذلك مسجداً آخر ومدرسة بالرمادة , ثم افتتح مدرسة في المضايا . وفي العام 1359هـ أسس الشيخ أول مكتبة بصامطة تابعة للمدرسة اشتملت على العديد من أمهات الكتب والمراجع , وقد واصل الشيخ افتتاح مدارس بالقرى والمدن بمنطقة جازان ولم يأت عام 64\1365هـ إلاّ وعدد المدارس التي افتتحها يقارب من الأربعين مدرسة . وفي عام 1368هـ أسس أول مدرسة للبنات في صامطة , ومدارس أخرى للبنات في جميع أنحاء جيزان لاقت إقبالاً من السكان . وفي عام 1373هـ عين معتمداً للمعارف بجيزان , ولكنه لم يستمر في عمله إلاّ شهوراً قليلة ثم استقال .

ولم تقتصر مدارس الشيخ القرعاوي على جيزان وصامطة, ففي عام 74\1375هـ صدر للشيخ القرعاوي أمر سام بفتح مدارس أكثر تشمل مناطق عسير بمدنها وقراها , ونجران وما يتبعها , وبيشة , والعرضية الشمالية والجنوبية , وبلقرن , وغامد , وزهران , والقنفذه , والليث , وحلي , وبادية الطائف , وكان ذلك التوسع قد جاء بدعم مالي من الملك عبد العزيز , ومن ولي عهده الأمير  سعود بن عبد العزيز في عهد والده , ثم في عهده بعدما أصبح ملكاً للبلاد , حتى وصل عدد المدارس في تلك المناطق إلى  أكثر من 2250مدرسة موزعة على أكثر مدن وقرى تلك المناطق , إضافة إلى فتحه مدارس في مكة وجده والقصيم بعضها للبنات . وبلغ عدد طلاب هذه المدارس  ــ كما يذكر الشيخ نفسه ــ خمسة وسبعين ألف طالب .

لقد كان الشيخ ينفق على هذه المدارس أول الأمر من ماله الخاص ومن صدقات المحسنين , وفي الغالب كان المسجد هو المدرسة , والمقاعد الدراسية هي الرمل , والأدوات المدرسية للطالب المبتدئ هي اللوح الخشبي والحبر المصنوع من الفحم أو الصمغ أو النورة , وفي بداية حركة الشيخ القرعاوي التعليمية كان يؤمن للطلاب أقلام الرصاص والدفاتر وبعض الكتب , وينفق على المغتربين , وقد ساعده بعض المحسنين , و كان التعاون قائما بينة وبين الطلبة والأهالي , ولكنة يتحمل العب الأكبر من النفقة والمجهود .

أما منهج الدراسة في تلك المدارس فقد قسم الشيخ طلابه إلى قسمين قسم للمبتدئين  وقسم للمتقدمين , وكلا القسمين يدرس مواد متنوعة منها : القران الكريم وتجويده والتوحيد , والفقه , والحديث , والمصطلحات , والسيرة النبوية , والخط , والحساب , والإملاء , والإنشاء , والنحو والصرف , والفرائض , وذلك بالتدرج من قراءة القرآن قراءة مرتلة مجودة , إلى حفظ المتون المختصرة من العلوم المذكورة , ثم الانتقال إلى قراءة المطولات في الحديث , والفقه , والتفسير , وقواعد اللغة العربية بحسب استعدادات الطلبة ورغباتهم , فكل مجموعة من الطلاب لهم كتب تتلاءم مع مستويات , وأسلوب تعليمي يتناسب معهم .

وكان طلاب المدرسة الواحدة عادة أصحاب مستويات مختلفة وكان يجري توزيعهم من حيث مستواهم العلمي إلى فرق وفصول ,  فكبار الطلبة النابهون هم المعلمون لصغارهم  والمتفوق في أي مادة يجعل معلماً لفئة من الطلاب , والذي يفهم الدرس سريعاً يعيده على زملائه فيصبح طالباً ومعلماً في آن واحد .
 وكان القرعاوي يجعل من كبار الطلبة الذين لازموه فترة طويلة معلمين في المدارس التي يفتتحها في القرى , ويوجه لكل بلد معلماً على مستوى يتفق وأهميتها , ومن الأهلية بمكان , وكان يراعي فيمن يختار للقيام بعملية التدريس أن يكون ممن  يرى أن التعليم واجبًا عليه , مما يجعله يحتسب ويبذل الجهد ولا يتطلع بحرص إلى المقابل أو المكافأة  , وبهذه الطريقة حصل على الكثير من المعلمين وبواسطة هذه النوعية من المعلمين استطاعت المدارس أن تؤدي دوراً بارزاً في نشر التعليم, وبناء المؤسسات الدينية والتعليمية في هذه المنطقة . وكان الشيخ يضع في كل منطقة مراقباً له يراقب سير التعليم التابع له .

وبلغ من حماس الشيخ عبد الله القرعاوي لنشر التعليم في عسير وتهامة , أنّه كان يفتح المدارس دون إذن مسبق وهذا ما جعل الميزانية المخصصة لها من الدولة لاتفي بحاجة تلك المدارس , ثم بدأت تخفض ميزانية ثلث المدارس منذ عام 1377هـ فبدأت تلك المدارس يتناقص عددها , وفي عام 1380هـ صدر أمر بضم مدارس الشيخ عبد الله القرعاوي إلى وزارة المعارف , من أجل توحيد التعليم في البلاد .

وهكذا انتشرت مدارس الشيح القرعاوي في عسير وتهامة ,  ووصل تأثيرها داخل بلاد اليمن , حيث عاد بعض طلابه اليمنيين إلى بلادهم وفتحوا في اليمن مدارس على غرار مدارس القرعاوي , كما أنّ طلاب مدارسه ـ الذين بلغوا الألوف ـ انتشروا في المملكة قضاة ومرشدين ومدرسين وأئمة جوامع ومساجد وموظفين حكوميين , بل أنّ منهم علماء لهم باع في العلم الشرعي ولعل من أبرزهم :الشيح حافظ بن احمد الحكمي المتوفي عام 1377هـ والشيح ناصر خلوفة طباش مباركي المتوفي عام 1393هـ  وكلهم تخرجوا من مدارس الشيخ عبد الله القرعاوي ــ رحمة الله ــ ونهلوا من معينها.

لقد بقي الشيخ القرعاوي داعياً إلى الله ومعلماً في منطقة عسير وتهامة , يبين للناس أمور دينهم ويصحح عقائدهم ويزاول الإشراف على تلك المدارس و يباشر بعض الدروس المهمة بنفسه أحياناً ليستفيد منها المعلمون والطلاب في آن واحد .

ولم يزل الشيخ مقيماً في صامطة حتى أصيب بمرض نقل على إثره إلى مستشفى الرياض , فتوفي في اليوم الثامن من جمادى الأول لعام 1389هـ .   

وقد رثاه جملة من الشعراء منهم الشيخ علي بن قاسم الفيفي قاضي محكمة التمييز بمكة المكرمة ,  وهو من تلاميذ الشيخ , و مما جاء في قصيدته وهو يرثي شيخه :
مصابك أدمى فؤادي الحزين                  ففاضـت له من عيوني عيون
أمـات الذي كان في قطـرنـا                    سـراجـاً منيـراً به يهتـدون
أمـات الـذي كـان إرشـــاده                   كبلسـم شـاف وكـالبنسليـن
أمـات الـذي كان في قطرنا                    من العلم والرشد ما يجهلون
فأحيـــا بـــه أمــة طــالمــا                  أماتـها الجهـل بعـد القـرون


أبرز ملامح شخصيته:
حقاً يعتبر الشيخ عبد الله القرعاوي أحد القيادات التربوية المتميزة في عصره ,  حيث اجتمعت فيه مجموعة من الصفات التي أهلته لتحقيق كل هذه الإنجازات على الرغم من صعوبة الظروف وقلة الإمكانيات , ومن أبرز هذه الصفات :
-         صدق النية .
-         الإيمان بمهمته .
-         المبادرة .
-         الصبر والتضحية .
-         علو الهمة .
-         بعد النظر .
-         القدوة الحسنة .
-         المعرفة الحقيقية بالرجال الذين يعتمد عليهم .
-         الإحسان والرحمة .
-         الإيثار والتواضع .
إن هذه الصفات وغيرها جعلت من الشيخ عبد الله القرعاوي معلماً ومربياً ومنظماً وقائداً تربوياً يتعدى تأثيره الرجال الذين عاصروه إلى الأجيال التي جاءت من بعده .

ختاماً:
ومما يحسن الختام به في سيرة هذا الرجل العظيم , كلمات قلها عنه سماحة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام , عندما قال : والله إنني لا أعلم عملاً صالحاً يتقرب به الإنسان إلى ربه من هذا العمل الذي قام به هذا المجاهد , وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .


المراجع :
1-      آل بسام , عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح . علماء نجد خلال ثمانية قرون .    الجزء الرابع . دار العاصمة . الطبعة الثانية 1419هـ .
2-      السلمان , محمد بن عبد الله . التعليم في عهد الملك عبد العزيز . الأمان العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة . 1419هـ .
3-      جريس , غيثان بن علي . تاريخ التعليم في منطقة عسير 1354- 1386هـ . الجزء الأول . 1416هـ .
4-      وزارة المعارف . موسوعة تاريخ التعليم المملكة العربية السعودية في مائة عام . المجلد الخامس . شوال 1419هـ .





--------------------------------------------------
من مصدر ثالث

هو العالم العلاّمة المحدث الفقيه عبد الله بن محمد بن حمد بن محمد بن عثمان بن علي بن محمد بن نجيد القرعاوي المصلوخي العنزي، فهو من آل القرعاوي، عشيرة من آل نجيد من المصاليخ الذين هم بطن كبير من قبيلة عنزة الوائلية فهي قبيلة من ربيعة عدنانية. ولد الشيخ عبد الله بن محمد بن حمد القرعاوي سنة 1315هـ وقد توفي والده قبل ولادته بشهرين فنشأ في كنف عمه عبد العزيز بن حمد القرعاوي أحد أعيان مدينة عنيزة.


صفاته

كان عالما حليما متافني في الدعوة إلى الله وكريما فلم يبخل يوما بجهده وماله وجاهه في خدمة الدعوة. ورغم وعورة المنطقة التي أسس دعوته فيها لم يقل عزمه وصبره فكان يلقي دروسا أول النهار في قرية، ثم يذهب على حمارة إلى قرية أخرى ليلقي الدروس هناك وفي بعض المرات يذهب مشيا على الأقدام. ومما ذكر عنه أنه يقوم ببناء المساجد بيده بمساعدة طلابه وإن مر بمسجد يحتاج إلى ترميم، قام بما يلزم إصلاحه بيديه. كان ربعة بين الرجال عريض المنكبين، قوي البنية، أصفر اللون، مستطيل الوجه، أقني الأنف، كث اللحية، خفيف العارضين، ناتئ الجبهة، أزج الحاجبين أقرنهما، ضيق العينين، ولم يكن حاد البصر لرمد أصابه وأحدث في عينيه بياضاً، جهوري الصوت، وقوراً، مهيباً له هيبة في المجالس، وكان ذكياً حاضر البديهة، بعيد النظر. له فراسة قوية. اشتغل بالتجارة مع عمه وهو في الثالثة عشر من عمره, ثم انفصل عن عمه واعتمد على نفسه فكان يسافر إلى مصر, الشام, العراق, الكويت والأحساء. سافر في طلب العلم لمكة المكرمة والمدينة المنورة ثم إلى مصر والشام والعراق والأحساء وقطر ثم إلى الهند عام 1344هـ والتحق بالمدرسة الرحمانية في دلهي ثم عاد إلى نجد وأكمل دراسته على يد كثيرا من المشائخ في ذلك الوقت. رحل إلي بلاد الهند في طلب العلم على علمائها وأخذ الإجازة عنهم بالأسانيد المتصلة إلي الرسول e وكانت أولى رحلتيه عام 1344 هـ. والتحق بالمدرسة الرحمانية وهي مدرسة سلفية مشهورة حينذاك. ولكنه اضطر للعودة إلي عنيزة لوصول رسالة من والدته تطلبه العودة إليها لمرضها فقفل راجعاً ولكنه فوجئ بخبر وفاتها قبل وصوله. وعاد مرةً أخرى مدينة دلهي في الهند في عام 1354 هـ. وكان رجوعه الأخير من الهند في 22 من رمضان سنة 1357 هـ.

أبرز شيوخه الذين تلقى عليهم العلم

1- الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
2- الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
3- الشيخ عبد الله بن مانع.
4- الشيخ عبد الله بن سليم.
5ـ الشيخ عمر بن سليم.
6- الشيخ عبد العزيز بن بشر.
7- الشيخ محمد بن مانع.
8- الشيخ عبد الله العنقري.
9- شيوخه في الهند وعلى رأسهم الشيخ أحمد الله بن أمير القرشي مدير المدرسة الرحمانية السلفية في دلهي في الهند وعنه أخذ الإجازة في الحديث.


أبرز تلاميذه

1- الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي 2- الشيخ عبد الله البسام. رئيس محاكم مكة المكرمة 3- الشيخ عبد الله بن عقيل. رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً 4- الشيخ محمد بن عبد الله بن عودة. رئيس تعليم البنات سابقاً
5- الشيخ أحمد النجمي محدث الجنوب. 6- الشيخ إبراهيم عبد الله زكري وغيرهم كثير...

المدارس التي أنشأها

ما يُقارب ((2250)) مدرسة ممتدة من بريدة حتى داخل اليمن إلي لواء إب في اليمن ويُقدّر عدد تلا ميذها بأكثر من خمسة وسبعون ألف دارس كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن جبير رئيس مجلس الشورى السابق حينما رأس اللجنة المكلفة للنظر في مدارس الشيخ القرعاوي حيث ذكر ذلك في مذكراته التي نشرتها صحيفة الوطن السعودية في أعدادها الأولى.

رحلته العلمية والدعوية إلي منطقة جازان


وهذه رسالة يذكر فيها الشيخ مبتدأ رحلته العلمية والدعوية إلي جازان .

وهي بقلم: الشيخ عبد الله القرعاوي -رحمه الله-، يتحدث فيها عن رحلته اليمانية، وسير المدارس فيها وما يتعلق بذلك: يقول الشيخ: لما كان آخر ذي القعدة 1357هـ توجهت إلى مكة- شرفها الله- للحج بعد أن استخرت الله -تعالى- واستشرت شيخي في التوجه إلى جهة "جازان" للدعوة والإرشاد، فأشار علي بذلك واستحسنه، وأوصاني بتقوى الله-تعالى- وودعته ودعا لي ثم حججت. وفي عام 1358 هـ عرضت علي إدارة مدرسة المجمعة، وإدارة مدرسة بريدة، وعرض علي أن أكون معلماً في عنيزة، وفي دار الحديث بمكة، ومطوعاً فلم أرغب في شيء من ذلك، وتوجهت لجازان، واشتريت بضاعة أخذتها معي وتوجهت بعدها لصامطة،ثم تجولت بجهات سامطة ونـزلت دكاناً في سامطة نفسها، ووضعت فيه البضاعة التي معي، وأول أمر بدأت به وأنا في الدكان تعليم القرآن، وثلاثة الأصول، والأربعين، والتجويد، والفرائض، وآداب المشي إلى الصلاة...، وكان هذا الدكان أول مدرسة فتحتها في تهامة، وفي آخر جمادى الأولى من هذه السنة توجهت إلى فرسان، وفتحت فيها مدرسة، ومنها توجهت إلى مزهرة قرية لحكميين "الحكامية" ففتحت فيها مدرسة في أول رجب، وأصلحت مسجدها، وهو أول مسجد أصلحت بتهامة، وفي غرة شعبان توجهت إلى سامطة، ففتحت المدرسة بها ثانياً، في بيت (ناصر خلوفة)؛ لأنه لا يستطيع المشي وهو من خيار الطلبة وأكبرهم، فأردت ألا يتكلف، وفيها استقر بي المقام الآن.. ويقول الشيخ: ودخلت سنة 1364 هـ، وجاء الشيخ محمد بن محمد السديري أميراً لجازان، وسلك خطة أخيه الشيخ خالد في مساعدة الدعوة.... وفتحت مدرسة في ضمد لدى الشيخ ابراهيم عبد الله زكري وتزوج من اخت الشيخ في ضمد وانجبت له الأبناء وتعلم على يديه الصغير والكبير وفي الحدث بالمركز، ومدرسة دهوان، ومدرسة العارضة بالمركز، ومدرسة الشيخ، ومدرسة الشقيق بالمركز، ومدرسة القحمة بالمركز، ومدرسة بالبرك، عند ابن حميد، ومدرسة في بيش، ومدرسة في هروب، ومدرسة في الدرب عند الشيخ، ومدرسة في اللحا ومدرسة في أبي العقائد، ومدرسة في الجارة، ومدرسة في صبيا ,وفي العقدة وفي مناب، وفي ميزاب بالمركز، ومدرسة عند الشيخ، وفي الدغارير، ومدرسة في ححجا، وفي الدرعية، وفي الطوال، وفي شعب الدري، وفي المجتة، وفي وعلان، وفي الحفلة، وفي مجعر، وفي الركـوبة، وفي المرابي، وتجولت في الحبائط والجبال لملاحظة المدارس. ويقول الشيخ: () "وطلب منا أهل كل مخلاف من القبائل أن نتجول في جهاتهم فكنا نشتغل بالدروس حتى إذا كان آخر يوم الخميس خرجنا وكبار الطلبة إلى جهة من الجهات نعظ ونرشد، ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر، والطلبة يقومون بذلك، وأنا معهم أبين لهم الطريقة في التيسير والتبشـير والرفق واللين والبصـيرة، والبعد عن العنف والشدة والتعسير والتنفير، وألقى في الليل درساً في التفسير والحديث والتوحيد؛ لأن أكثر اجتماع الناس كان في الليل، ونرجع صبح السبت". ويتحدث الشيخ عن حوادث سنة 1361 هـ، فيقول: "وفي هذه السنة تأخر خريف تهامة، فأوجب الحال انتقال أهل تهامة لاتباع مساقط الأمطار في الوديان والحبائط، وكان الطلبة مع أهليهم، وفي انتقالهم معهم بث للدعوة فيما ينتقلون إليه من البلاد، فوقـع لذلك أثر عظيم، فكان بعضهم يفتح مدرسة ويعلم فيها، وبعضهم يبني مسجداً ويؤذن فيه، ويدعو الناس للصلاة، وصاروا يأمرون الناس بالمعروف وينهون عن المنكر، ويطاردون المشعوذين والدجالين. ويقول الشيخ القرعاوي:: "وكان التلاميذ في أبها يقرؤون على الشيخ ابن يوسف فأشرت عليه أن يفـرقهم في القبائل ليفتحوا المدارس، فوافق على ذلك ففرقتهم، ثم تجولت أيضاً فرأيت الناس -ولله الحمد- مقبلين على الخير، والمعلمين مجتهدين، عسى الله أن يجعل الأعمال خالصة لوجهه..." انتهى. وقد جاء الشيخ إلى جازان وفيها شركيات كما يتحدث مشايخها، وتحولت بعد ذلك إلى المنهج السلفي على يده، ثم على يد تلاميذه من بعده، ومن أبرزهم حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله-.

وفـــاتة

أمضى الشيخ 31 عاما جُلها في الجنوب قائما بالدعوة إلىالله وترك اّثارا جليلة ما زالت حتى اليوم شاهدة له بحب الناس والمكانة الرفيعة. مرض في جازان ثم نقل إلى مستشفى الشميسي في الرياض, حيث توفي يوم الثلاثاء الثامن من شهر جماد الأولى في عام 1389 هـ عن عمر يناهز الرابعة والسبعين عاما وكان قد أوصى بثلث تركته لتصرف في أوجه الخير.

وقد رثاه عدد من طلابه ومنهم الشيخ علي الفيفي بقصيدة منها :
مصابك أدمى فؤادي الحزين ****** ففاضت له من عيوني عيون
أمــات الذي كان في قطرنا ****** سراجا منـيرا بــه يهـتدون
....
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

الشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله / سيرة 1

 الشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي ( علمه ودعوته )



 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..