الجمعة، 10 فبراير 2012

أغطية لزندقات كاشغري



 ع ق  1249


حادثة كاشغري اتجهت بالبوصلة عند كثير من النابهين إلى البحث عن البيئة الحاضنة للزندقات في مجتمعنا، وفي هذه العجالة أضع معطيات حول هذه البيئة تحت فرعين: الغطاء الفكري، والغطاء السياسي.

الغطاء الفكري :
إن الغطاء الفكري لهذه الزندقات والاعتداءات الآثمة على دين الله يمكن تصنيفه – وفق تقديري – إلى صنفين، غطاء صلب، وآخر ناعم، والغطاء الصلب يتمثل في الدعوات اللادينية الصريحة، والكتاب الزنادقة الذين لهم سوابق في اعتداءات صريحة على قطعيات الإسلام، ومظنة هذه الكتابات والمواد الآثمة: الصحافة السعودية، والقنوات الفضائية الممولة من مصادر سعودية، والعديد من الروايات والكتابات الأدبية السعودية، والأخيرة عوضاً عن الإلحاد تحوي من مظان السقوط الأخلاقي الذي أصبح سمة تميز الملحدين والمتمردين على الدين والقيم.
وأما الغطاء الناعم فيتمثل في دعوات الحرية الغربية الفالتة عن قيد الشريعة، والتي ارتكس في حمأتها بعض من ظاهره التدين، ولو تلمسنا موقف هؤلاء قبل العدوان الآثم على جناب الرسول صلى الله عليه وسلم لوجدناهم ينظرون زمناً طويلاً وبحماسة مريبة للحرية المطلقة عن قيد الشريعة، ويجتهدون بتفان مزعج في تقبيح القول بتقييد الحرية بالشريعة وتشويهه، حتى صرحوا أن لا عقوبة على ساب الرسول صلى الله عليه وسلم شرعاً، مخالفين بذلك بدهية من بدهيات الإسلام، ومحكم من المحكمات التي أجمع عليها أهله، وظنوا أنهم يستدركون موقفهم حينما يقررون وجوب سن القوانين التي تعاقب على سب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعنى كلامهم ذلك أن هذه العقوبات ستكون عقوبات وضعية وهي أيضاً من جنس العقوبات التي تسن ضد من يسب الناس أياً كانوا، وأما من ناحية الشريعة فليس ثمة ما يميز الرسول عن غيره من ناحية تشريع عقوبة على سبه، هذه هي تقريرات حرية المنافقين وحرية الرأي التنويرية (الإسلامية!!) .
ومعنى كلامهم ذلك: أن ساب الرسول صلى الله عليه وسلم في مجتمعنا من الظلم عقابه لعدم وجود تنظيم ولا قانون مكتوب يجرم سب الرسول ويحدد العقوبة عليه، وأما استنادنا إلى الحكم بالشريعة فالشريعة – كما يفترون – لا تعاقب على سب الرسول صلى الله عليه وسلم إلا في الآخرة .
ولذلك خرج هؤلاء الزنادقة من بيئتهم ومن (أصحابهم) وصاروا يتفاخرون أن في أصحابهم وزملائهم ملحدين ولادينيين، بل صاروا يتفقون معهم على النيل من المؤسسات الشرعية والتهكم بالتيارات الدينية – كما يسمونها – ويتحدون في المطالبة بالحرية المطلقة عن قيد الشريعة، وأنها يجب أن تكون مقيدة فقط بالقانون الذي يكتب بعد تصويت الناس، كما يقول لادينيوا الغرب تماماً .
وأما بعد وقوع العدوان الآثم بسب سيد الخلق وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين صلوات ربي وسلامه عليه، فقد كانت الغيرة التنويرية مجرد حلقة في سلسلة الغطاء الناعم لزندقات المجدفين، فذهبوا أول ما ذهبوا إلى أن ما وقع ليس سباً وإنما هو عدم إيمان، فانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم وإهانة جنابه المعظم الشريف عندهم لا يدخل في مضمون السب، وبالتأكيد فإن الغاية من وراء هذه المناورة الساذجة هو تصنيف الواقع في حيز (الحريات المكفولة) والشأن الخاص الذي لا يعاقب عليه .
ولكنهم أدركوا حمق المجازفة بالوقوف في وجه جموع المسلمين الهادرة غيرة لنبيها وقدوتها صلوات الله عليه وسلامه، فانتقلوا إلى نقطة أخرى يعزفون على وتر الشكوك والحيرة التي تعصف بالشباب، ولو كانت هذه الشكوك والحيرة من الشأن الخاص الذي اطلعوا عليه في المجالس مع أصدقائهم لكان لهم عذر، لكن المغالطة والتزييف تكمن في تصنيف الاعتداء الصارخ الذي ما تم إلا عن غطاء من التكبر والاحتقار للإسلام وأهله وكأنه حيرة وقلق، في حين ليس إلا عدوانا وجريمة.
وليس موقفهم ذلك المستثير للعواطف لصالح المعتدي إلا كموقف أحمق يتلمس العذر للقاتل في موجة الغضب الذي انتابته، وهي اعتذارات لا محل لها في قاموس المسؤولية البشرية، ولا تنهض إلا بانتهاك الضرورات البشرية لصالح العواطف المتهالكة.
ثم لما أشيع عن المعتدي توبة، تعلقوا بها، فهل كان تعلقهم صادقاً؟ الواقع أن من يتعلق بالتوبة مع أنه كان ينازع في تجريم العدوان واستحقاقه العقوبة، وينظر – قبل العدوان – لحرية الرأي المطلقة مالم تخالف قانوناً مكتوباً، ويصرح أن مخالفة الشريعة حق مكفول وحرية محترمة، والعقاب عليها في الآخرة .. أن مثل هذا مشكوك في صدق موقفه، وكل ما مضى قرائن تفيد أنه يستغل التوبة فقط، ومع ذلك لن نكتفي بالقرائن السابقة، بل سنتأمل بعض ما كتبوه في ذات الوقت الذي كانوا فيه يتعلقون بالتوبة، يقول أحدهم :
(لا يعرف حراس المعبد مظهراً إسلامياً أهم من قمع حرية التعبير وفرض آرائهم )
هذا النص السخيف الذي يشبه الغيورين للنبي صلى الله عليه وسلم بحراس المعابد – وهو تشبيه فيه مافيه من نظرة لادينية تصهر الإسلام في بوتقة الوثنيات – والذي يستغل الغيرة ضد العدوان على قدوة الخلق ليربط بينها وبين قمع حرية التعبير : نشر في مقال وجدته في صفحة التنويري (الإسلامي!!) عبدالله المالكي .
وهذا التنويري أعاد نشر المقال سابق الذكر في صفحته بعد أن جادل ونافح طويلاً بأن الرجل تاب وتراجع .
وأترك التفسير للقارئ الكريم .
وفي مظهر آخر في سلسلة الغطاء الناعم الآثم للزندقات : ذهبوا يتحدثون عن تيارات وأهداف سياسية للغيرة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث كانوا يتحدثون به عن كل حركة احتسابية كبيرة كانت أم صغيرة، ودافعه والله أعلم أنهم قوم خلو من إيمان واحتساب لحق الله وتعظمت في قلوبهم الماديات، فصاروا لا يقرأون في تصرفات الناس إلا الدوافع التيارية والسياسية ولا تفسير ديني احتسابي يمكن أن يلجئوا إليه، وكل يرى الناس بعين طبعه.
ولا أشد بجاحة واستغفالاً لعقول الناس ممن ذهب بعد ذلك – من جماعة التنوير – يتحدث عن كونه هو من سيحمي الشباب من هذه الزندقات، وهو الذي سيواجه الانحراف الفكري، نعم أيها القارئ الكريم لست أمام طرفة سخيفة، بل أمام عقول جادة تشتغل طول الوقت مع أصدقائها الملحدين بتقرير حرية الرأي المطلقة وحرية المنافقين والزندقات من جهة ، ومن جهة أخرى تشتغل بنقد التيارات الدينية والتربص بالمحتسبين وأهل العلم والدعوة، ومن جهة ثالثة تتلمس الاعتذارات الباهتة للعدوان على دين الله ، وتعوق الاحتسابات عليها بأنها دوافع تيارية وسياسية .. ثم بعد كل ذلك تتحدث بكل صفاقة عن أنها ستحمي الشباب من الانحرافات والزندقات !
كنت أقرأ لأحدهم يقول: إنه كان ينوي الإنكار على حمزة لكنه لم يمهله إذ تراجع، فلم أتمالك إلا أن أضحك على هذا الاستغفال الذي يمارسه تلميذ عزمي بشارة وصديق حمزة الذي كان ينوي الإنكار على صديقه وظل صامتاً لم يتحدث عنه يوماً وهو يزندق ويجدف، حتى ثارت الغيرة فقال: كنت أنوي الاحتساب على صديقي !
لعله كان صادقاً، وكان ينوي الاحتساب ليقول له: ما هذا الغباء يا حمزة ، الأمور تؤخذ بالتدرج وليس بهذه المصادمات الخاسرة لمشاعر الناس.
هذا الذي كان ينوي مناصحة حمزة سيجد وقتاً لإنكار العنصرية التي تلفع بها واحد أو اثنين في سواد الغيورين لجناب الرسول، وسيجد مساحة في ضميره تتيح له نسبة هذه العنصرية البغيضة للشرعيين ولعموم المنكرين، لكنك أيها القارئ لن تجده يوماً في سواد المحتسبين والغيورين ضد أخطاء المجدفين التي هي أعظم خطأ من عنصرية جاهل.


برأيي أن هذا الغطاء الناعم ليس أقل خطراً من الغطاء الصلب إن لم يكن أعظم منه، فهو وإن كان من جهة (الضلال) أهون، إلا أنه من جهة (الإضلال) أكبر، لقيامه على المداهنة والتلون والتذبذب، ورفعه لشعار الإسلام، وكل ذلك من أسباب انخداع كثير من الصالحين به، وإحسانهم الظن رغم أنه لا يستحقه.

الغطاء السياسي :

دعونا نتأمل هذين المشهدين، ونتلمس منهما النتائج:

المشهد الأول : شيخ فاضل من أئمة المسلمين في هذا الزمان في (الحسبة) والعمل المبداني الدعوي ينتقد ما يدين الله أنه (منكرات) مسؤول عنها جهاز من أجهزة الدولة (المباحث) فيعتقل تعسفياً وتلفق له التهم التي تنوء بحملها الجبال، ويرهب بفزاعة الإرهاب، وآخر يتكلم في إنكار قرارات إدارية يدين الله بكونها تخالف الشرع فيمنع عن الكلام والكتابة حتى في تويتر، وثالث يستدعى للتحقيق الساعات الطوال لأجل مقالاته التي يدفع بها فتنة التغريب، ورابع يعفى من هيئة كبار العلماء لأجل رأي له في قضية الاختلاط، وخامس وسادس ... وعشراتٍ يضيق عليهم ويعاقبون لأجل تناولهم سياسات يعتقدونها خاطئة لبشر مثلهم سواء كانوا أصحاب مناصب، أو كانت أجهزة إدارية .

المشهد الثاني : تقرير في صحيفة الرياض يتناول قضية الإرهاب ويتضمن أن أبا بكر رضي الله عنه البذرة الأولى لآيديولجيا التكفير ومن ثم قتال من يكفرهم، ومرة أخرى تنشر صحيفة الرياض مقالين مضمونهما التشكيك في أصل الدين (لا إله إلا الله) وأنها لا تقتضي تكفير من اتخذ إلهاً غير الله، وتنشر الوطن مقالاً تبشيرياً يهيم فيه كاتبه بمذهبٍ لاديني، ويشبه رواده بالأنبياء ورواد الدعوات الدينية، بل وحتى صحيفة يفترض أنها أكثر محافظة كالمدينة تنشر مقالاً يؤسس لمناقضة القرآن وتحريف مفهوم التوحيد، وعشرات المقالات التي تروج لأفكار هدامة وتناقض قطعيات دينية في الصحافة الرسمية، عوضاً عن عشرات الكتابات الإلحادية في منتديات (ليبرالية) يدعمها كتاب أعمدة صحفية بالمشاركة فيها بأسمائهم الصريحة، وعوضاً عن عشرات الروايات التي تحوي مجوناً وزندقات مكشوفة، كل هذه الجرائم والزندقات روادها مكرمون وتتاح لهم المنابر الإعلامية بل أسهل ما عليهم تنسيق الحملات فيها لمهاجمة (أفراد) من أهل العلم والدعوة كما حصل مع : البراك، واللحيدان، والمنجد، والأحمد، والعريفي، والشثري .. وسواهم .

مشهدين واقعيين يلخصان الصورة الإعلامية في بلد الحرمين ومأرز الإسلام (المملكة العربية السعودية) ولنا أن نتساءل عن أثر هذين المشاهدين في اختبار الحقيقة التي تعلنها الدولة عن نفسها أنها سنية سلفية، ولنا أن نتساءل أيضاً عن الدور الأساسي والمحوري للدولة الإسلامية في حياطة المقدسات والأخذ على يد المتطاولين عليها وصيانة الشريعة من المسؤول عن تغييبه ؟
هل أصبحت (قدسية) جهاز المباحث ، أكبر من قدسية (الشريعة) في بلد الشريعة، فيسجن منتقد الأول ولو وافقه جل الناس وشهدوا له بالحق، ويترك منتقد قطعيات الدين فلا يعاقب بل يصول ويجول في الإعلام بكل حرية ؟
أتمنى أن أرى موقفاً جدياً يهمه علاج مشكلة الإلحاد والزندقة والعدوان على دين الله وتتبع جذورها في مجتمعنا المسلم بكل إخلاص وصدق وديانة، بدل إجراءات التسكين المؤقت التي تعقب كل هبة شعبية غيورة لدين الله.
  
تعليق:
طبعا أعارض كثيرا ما ذهب اليه صديقنا الوديع عبدالوهاب القحطاني، يا رجل أي غطاء سياسي وأكبر رجل في الدولة وهو خادم الحرمين الشريفين ينتفض غضبا ويأمر بالقبض على المجدف في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك وزير الاعلام الذي بكى، واسقاط موضوع المباحث أتصور أنها انتهازية للظرف يا حبيبنا عبدالوهاب..
عموما، ما زلت أؤمن يوما بعد يوم بحاجتكم الى مناصحة ، وبسبب غيابي عنكم انتقلت لوثة الاصلاحيين ومناهضة الأمن لبعضكم، يا فهد العجلان ، صلح لنا جلسة في مطعم القرية النجدية ترى أكلها ألذ ، وبيئتها نجدية متواضعة ، علها تذكركم بما كنا فيه وما أصبحنا عليه..ح أجلب معي الشيخ النجيمي والشيخ سعد البريك  لأنكم عنيدون الله يصلحكم بس..
أتمنى من احبتنا الباحثين ، ولعل أخي الدكتور الميمن والشيخ أبي طارق النهدي وكذلك حبيبنا أبدا فؤاد أبو الغيث يصححون للابن عبدالوهاب..عبدالعزيز قاسم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..